دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-09-3
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مات أخوان لأحدهما وارث من الطبقة الاولى دون الآخر فيجري الاستصحاب في ناحية حياة من له وارث إلى زمان موت الآخر ويترتب عليه إرثه من أخيه الميت ، ولا يجري الاستصحاب في ناحية حياة من ليس له وارث من الطبقة الاولى لما تقدم من عدم الأثر لحياته حال موت أخيه ، وكذا الحال فيما إذا مات الوالد المسلم وأسلم ولده الكافر ويشك في أن إسلام الولد كان قبل موت الوالد ليرث منه أو أنه أسلم بعد موته ليكون ما تركه لسائر ورثته فإن الاستصحاب في عدم إسلام الولد إلى زمان موت والده ينفي موضوع الإرث للولد ، وهو ما إذا مات الوالد المسلم عن ولد مسلم بخلاف الاستصحاب في ناحية حياة الوالد إلى إسلام الولد فإنه لا يكون الموضوع لإرثه الولد فإنه لا يثبت موت الولد عن ولد مسلم وان الولد أسلم في حياة والده ، وهل فيما إذا علم ملاقاة الماء للنجس وبلوغه كر أو شك في المتقدم من الملاقاة والكرية من هذا القبيل ولو فرض الجهل بتاريخهما بمعنى أن عدم حدوث أحدهما في زمان حدوث الآخر ذو أثر فقط ليجري الاستصحاب في بقائه على عدمه إلى زمان وجود الآخر بلا معارض أو أن عدم كل منهما في زمان الآخر ذو أثر فيسقط الاستصحابان في ناحية عدم حدوث كل منهما في زمان الآخر فيرجع في الماء إلى أصالة الطهارة والظاهر أنه مع الجهل بتاريخهما يحكم بنجاسة الماء المفروض ؛ لأن ملاقاته للنجاسة محرزة بالوجدان ومقتضى الاستصحاب عدم صيرورته كرا حال حدوث الملاقاة فيحرز الموضوع لانفعاله كما هو مقتضى ما دل على تنجس الماء الذي ليس كرا بالملاقاة كما هو المفهوم من قولهم عليهم‌السلام : «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء» (١) والاستصحاب في عدم ملاقاته النجاسة

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ١١٧ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق.

٣٤١

فانقدح أنه لا مورد هاهنا للاستصحاب لاختلال أركانه لا أنه مورده ، وعدم جريانه إنما هو بالمعارضة ، كي يختص بما كان الأثر لعدم كل في زمان الآخر ، وإلّا كان الاستصحاب فيما له الأثر جاريا.

______________________________________________________

المفروضة إلى صيرورته كرا لا يثبت حدوث الملاقاة حين حدوثها أو بعد حدوثها.

ومما ذكرنا يظهر أنه لا مجال للاستصحاب في ناحية عدم كل منهما إلى زمان حدوث الآخر ليقال بتساقطهما والرجوع إلى أصالة الطهارة ، وكذا لا مجال لما ذكر النائيني قدس‌سره من أن الملاقاة بعد حدوث الكرية لا يوجب انفعال الماء لا الملاقاة آن حصول الكرية والوجه في عدم المجال أن تقدم الموضوع على الحكم رتبي لا زماني حيث إن الحكم لا ينفك عن تمام الموضوع وإلّا لا يكون تمام الموضوع له وتمام الموضوع للاعتصام كرية الماء يعني الماء الكر.

وربّما يقال : إنه لا مجال للاستصحاب في ناحية عدم الكرية إلى زمان الملاقاة ؛ لأن الملاقاة إذا حصلت في الزمان الثالث من الأزمنة المتقدمة يكون نقض اليقين بعدم الكرية باليقين بالكرية حيث إنه لو كانت الملاقاة في الزمان الثالث لحصلت الكرية في الزمان الثاني لا محالة فيكون الاستصحاب في ناحية الكرية إلى زمان الملاقاة من التمسك بالعام في شبهته المصداقية حيث يحتمل كون الاستصحاب من نقض اليقين باليقين لا بالشك وهكذا الحال في الاستصحاب في ناحية عدم الملاقاة إلى زمان الكرية.

والجواب ما تقدم فقد ذكرنا في ردّ كلام الماتن في ترتيب الأزمنة الثلاثة من كفاية احتمال البقاء في جريان الاستصحاب ولا يعتبر الشك في البقاء على كل تقدير واحتمال البقاء في ناحية الماء زمان الملاقاة موجود بالوجدان لاحتمال حدوث الكرية في الزمان الثالث والشبهة المصداقية لا يعقل في صفات النفس ؛ لأن علم

٣٤٢

وأما لو علم بتاريخ أحدهما فلا يخلو أيضا [١] إما يكون الأثر المهم مترتبا على الوجود الخاص من المقدم أو المؤخر أو المقارن فلا إشكال في استصحاب عدمه لو لا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر أو طرفه كما تقدم.

______________________________________________________

النفس بها حضوري وإنما يتصور الشبهة المصداقية فيما كان علم النفس بها بصورها كالموجودات في موطن آخر ، وعلى الجملة العلم بحصول الكرية في الزمان الثاني على تقدير كون الملاقاة في الزمان الثالث مع عدم العلم بحصولها في الزمان الثالث لا يكون علما بانتقاض عدم كرية السابقة قبل الملاقاة كما تقدم في فرض العلم بموت زيد على تقدير كونه في الطرف الشرقي من البلد حيث لا يخرج العلم بموته على تقدير من نقض اليقين بالشك ومما ذكر يظهر الحال فيما لو علم بطهارة إناء زيد وتنجس إناء عمرو تفصيلا ثمّ اشتبه الإناءان من أن كلا من الإناءين بعد الاشتباه مجرى لاستصحاب الطهارة ولكنهما يسقطان بالمعارضة وليس هذا من قبيل الشبهة المصداقية لخطاب «لا تنقض اليقين بالشك» لأن المكلف في ظرف التعبد على يقين من طهارة كل منهما ويحتمل بقاءها في أي منهما بخصوصه لا في مجموعهما.

[١] إذا علم بتحقق الحادثين وشك في المتقدم والمتأخر منهما مع العلم بتاريخ حدوث أحدهما فقد ذكر الماتن في ذلك صورا :

الاولى ـ ما إذا كان الأثر الشرعي المرغوب مترتبا على عنوان تقدم أحدهما على الآخر أو تقارنه مع الآخر أو تأخره عنه ، وأنه يجري الاستصحاب في عدم تحقق هذا العنوان ، وعدم وجود المقدم أو المقارن أو المؤخر بمفاد (ليس) التامة لو لم يكن في البين معارضة بأن لم يكن هذا العنوان في طرف الحادث الآخر موضوعا للحكم بالخلاف أو كان غير هذا العنوان في طرف ذلك الحادث كذلك أي موضوعا للحكم بالخلاف على قرار ما تقدم ، وعلى الجملة العلم بتاريخ حدوث أحدهما لا يفترق

٣٤٣

وإما يكون مترتبا على ما إذا كان متصفا بكذا ، فلا مورد للاستصحاب أصلا ، لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه كما لا يخفى ، لعدم اليقين بالاتصاف به سابقا فيهما.

______________________________________________________

عن صورة الجهل بتاريخهما في هذه الصورة.

الثانية ـ ما إذا كان الأثر مترتبا على مفاد (كان) الناقصة أي اتصاف أحد الحادثين بالتقدم أو التأخر أو التقارن بالآخر وقد ذكر عدم جريان الاستصحاب في هذه الصورة أصلا ؛ لأن اتصاف شيء من الحادثين بتلك العناوين غير مسبوق بالحالة السابقة وهذه الصورة لا تفترق من صورة الجهل بتاريخهما في الحكم بعدم جريان الاستصحاب حتى فيما لو كان الموضوع للحكم الاتصاف في ناحية أحدهما فقط بمفاد (كان) الناقصة ، وقد ذكرنا فيما سبق أن هذا بالإضافة إلى إحراز الموضوع ، وأما بالإضافة إلى نفيه يجري الاستصحاب في ناحية عدم اتصاف ونفيه كما هو مفاد السالبة بانتفاء المحمول فيحرز ولو كانت الحالة السابقة السالبة بانتفاء الموضوع.

الثالثة ـ فلم يتعرض لها في المقام وهي ما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على الحادث إذا كان متصفا بالعدم زمان الحادث الآخر كما هو مفاد القضية المعدولة ، وقد تقدم أن الحال فيها كالحال في الصورة الثانية ولعله قدس‌سره تركها لذلك.

الرابعة ـ ما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على عدم أحدهما بمفاد (ليس) التامة زمان وجود الآخر بأن كان الموضوع هو عدم أحدهما ولكن زمان حدوث الآخر فقد ذكر قدس‌سره جريان الاستصحاب في ناحية مجهول التاريخ وعدم جريانه في ناحية معلومه وأما جريانه في ناحية مجهول التاريخ لإحراز اتصال زمان شكه بزمان يقينه فإن تمام الزمان بعدم زمان العلم بعدمهما إلى زمان العلم بتاريخ حدوث الآخر زمان الشك بالإضافة إلى مجهول التاريخ كما إذا مات أخوان ليس لهما وارث من الطبقة

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الاولى وعلم أن الأخ الأكبر قد مات يوم الجمعة ، ولكن لم يعلم أن الأخ الأصغر مات يوم الخميس أو يوم السبت فإن الاستصحاب في بقاء الأخ الأصغر حيا إلى يوم الجمعة بل إلى يوم السبت يحرز به أنه يرث الأخ الأكبر فإنه قد مات يوم الجمعة وكان أخوه حيا في ذلك الزمان فيتم الموضوع لكونه وارثا ، وأما الأخ الأكبر فلا مجال للاستصحاب في حياته ؛ لأنه قبل يوم الجمعة كان حيا قطعا ويومها كان ميتا قطعا وبقاء حياته زمان موت أخيه الأصغر وإن كان محتملا إلّا أنه لم يحرز اتصاله بزمان يقينه حيث إنه لو كان زمان موت الأصغر يوم السبت لكان منفصلا عن زمان اليقين بعدم موت الأكبر بزمان اليقين بموته وفيه ما تقدم من أن إحراز هذا الاتصال غير معتبر بل المعتبر احتمال البقاء في حياة الأخ الأكبر زمان موت الأصغر وهذا الاحتمال موجود لاحتمال موت الأصغر يوم الخميس.

وذكر النائيني قدس‌سره عدم جريان الاستصحاب في ناحية المعلوم تاريخه لا لما ذكر الماتن قدس‌سره أو غيره بل لأن خطابات الاستصحاب من أخبار «النهي عن نقض اليقين بالشك» ناظرة إلى التعبد ببقاء الحالة السابقة في عمود الزمان عند الشك في بقائها في الزمان ولا يكون في ناحية المعلوم تاريخه احتمال البقاء في عمود الزمان ؛ لأن عدمه قبل التاريخ المحرز حدوثه فيه معلوم وعدم بقائه فيما بعده أيضا معلوم.

لا يقال : الحادث المعلوم تاريخه وإن كان بالإضافة إلى أجزاء الزمان كذلك لكن بالإضافة إلى زمان الحادث المجهول تاريخه مشكوك.

فإنه يقال : إذا علم مثلا إسلام الوارث عند غروب الشمس وتردد موت المورث بين أن يكون قبل الغروب أو بعده فإن قيد إسلام الوارث بزمان موت المورث ، وقيل :

إن إسلامه كذلك مشكوك فهو صحيح ولكن إسلامه المقيد بزمان موت المورث

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ليس لعدمه حالة سابقة ، وإن اريد عدم إسلامه في زمان من أجزاء الزمان وجد فيه موت المورث فهذا تعبير عن ملاحظة الحادث المعلوم تاريخه بحسب أجزاء الزمان وليس في ناحيته شك بالإضافة إلى زمان من تلك الأزمنة.

أقول : ملاحظة المعلوم تاريخه بالإضافة إلى زمان يضاف إلى موت المورث وبقاء إسلام الوارث على عدمه في ذلك محتمل ولو باحتمال موت المورث قبل الغروب ، وبتعبير آخر أجزاء الزمان بالإضافة إلى إسلام الوارث متعين ولكن بالإضافة إلى موت المورث غير متعين ، وإذا كان الأثر مترتبا على عدم إسلام الوارث زمان موت المورث فيحتمل بقاء عدم إسلام الوارث على عدمه في ذلك الزمان ولو بكون ذلك الزمان متقدما على الغروب ، وعلى الجملة لا فرق في جريان الاستصحاب في عدم الحادث بمفاد (ليس) التامة بين المعلوم تاريخه والمجهول تاريخه فإن كان لعدم كل منهما زمان الآخر أثر فالاستصحاب في ناحية عدم كل منهما معارض بالمثل فيتساقطان وإلّا جرى في ناحية خصوص ما له أثر شرعي.

إذا ظهر ذلك فلنرجع إلى الفرع السابق ما إذا علم بحدوث الكرية للماء بإلقاء الماء القليل عليه شيئا فشيئا وعلم أيضا بملاقاته للنجاسة وشك في المتقدم من الملاقاة وحدوث الكرية فهل يحكم بطهارة الماء في جميع الصور من الجهل بتاريخهما والعلم بتاريخ الكرية أو العلم بتاريخ الملاقاة للرجوع بأصالة الطهارة بعد تساقط الاستصحاب في ناحية كل من عدم الملاقاة إلى زمان الكرية مع الاستصحاب في ناحية عدم الكرية إلى زمان الملاقاة حتى في صورة العلم بالكرية من حيث التاريخ أو الحكم بالطهارة في صورتين فقط :

إحداهما ـ الجهل بتاريخ كل من الكرية والملاقاة حيث إنه بعد تعارض

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستصحابين يرجع إلى أصالة الطهارة.

وثانيتهما ـ الجهل بتاريخ الملاقاة حيث يجري الاستصحاب في ناحية عدم الملاقاة إلى زمان الكرية ، وأما الصورة الثالثة ـ وهي العلم بتاريخ الملاقاة فقط فإنه يحكم بنجاسته للاستصحاب في ناحية عدم الكرية إلى زمان الملاقاة وهذا القول مبني على عدم جريان الاستصحاب في ناحية المعلوم تاريخه وتعارض الاستصحابين في صورة الجهل بتاريخهما أو الحكم بنجاسة الماء في جميع الصور الثلاث ، والتزم بذلك النائيني قدس‌سره وبنى الحكم بها على مقدمة ذكرها وهي أنه إذا ورد في الخطاب حكم إلزامي بنحو العموم الاستغراقي سواء كان ذلك مفاد العام الوضعي أو الإطلاق واستثنى من هذا العام عنوان وجودي بثبوت حكم ترخيصي له فالمتفاهم العرفي أنه يعتبر في رفع اليد عن ذلك في فرد إحراز انطباق عنوان المستثنى على ذلك الفرد كما إذا قال المولى لعبده : لا تأذن أحدا في الدخول عليّ ، ثم قال : لا بأس بدخول العالم ، فيكون اللازم في إذن العبد للدخول إحراز أن المأذون عالم ، وعليه في مسألة الشك في تقدم الكرية أو الملاقاة يحكم بنجاسة الماء مع الجهل بتاريخهما ؛ لأن المعتبر في الحكم بعدم انفعال الماء حدوث الملاقاة بعد صيرورة الماء كرا والاستصحاب في عدم ملاقاة الماء إلى زمان الكرية لا يثبت حدوث الملاقاة بعد صيرورته كرا وأما في صورة الجهل بتاريخ الكرية فقط فيجري الاستصحاب في ناحية عدم كرية الماء وبقاء قلته إلى زمان الملاقاة ، ولا يجري الاستصحاب في ناحية عدم الملاقاة إلى زمان الكرية لوجهين :

أولهما ـ أنه لا يثبت الملاقاة بعد حدوث الكرية.

والثاني ـ أن الملاقاة معلومة التاريخ وأما في الصورة الثالثة يعين العلم بتاريخ

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الكرية فلا يجري الاستصحاب في ناحية عدم الكرية للعلم بتاريخها ولا في ناحية عدم الملاقاة لكونه مثبتا حدوثها بعد الكرية ولا يحكم بأصالة الطهارة لما أسسه من القاعدة حيث إن حكم الشارع بالاجتناب عن الملاقي للنجس إلّا الكر من الماء مقتضاه لزوم إحراز سبق الكرية على الماء.

وفيه : أنه لا يستفاد من قولهم عليهم‌السلام : «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء» أنه يعتبر في عدم انفعال الماء بالملاقاة سبق الكرية على الملاقاة زمانا بل مفاده اعتبار كرية الماء عند ملاقاته مع النجاسة وأيضا ما ذكر قدس‌سره من أنه إذا ورد عام إلزامي واستثنى منه عنوان وجودي والحكم عليه بالترخيص مقتضاه لزوم إحراز العنوان الوجودي في ثبوت الحكم الترخيصي وعلى ذلك أيضا بنى عدم جواز النظر إلى المرأة المشكوكة كونها من محارمه أو من الأجنبية حيث إن الشارع حكم بحرمة النظر إلى النساء إلّا محارمه ، وكذا فيما إذا شك في أن الدم أقل من الدرهم ليكون معفوا في الصلاة حيث يحكم بمانعية الدم في الثوب والبدن للصلاة إلّا مع إحراز كونه أقل منه لا يمكن المساعدة عليه فإنه إن أراد أن الخارج عن الحكم الإلزامي واقعا ما احرز فيه العنوان الوجودي فهو خلاف ظاهر الخطاب حيث إن المتفاهم العرفي من عناوين الموضوعات واقعها بلا فرق بين تلك الموارد وغيرها وإن اريد فهم حكم ظاهري بالإضافة إلى الفرد المحتمل دخولها في العام أو الخارج منه ففيه أن الخطاب المفروض لا يتكفل إلّا بيان الحكم الواقعي لا الظاهري والحكم الطريقي سواء كان وجوب الاحتياط في الفرد المشكوك أو غيره. نعم ، يلزم الاحتياط في مثل المرأة المشكوكة في كونها من المحارم ولكنه للاستصحاب في عدم كونها منها أما بالاستصحاب في العدم الأزلي أو بنحو الاستصحاب العدم المحمولي ومع

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الإغماض عما ذكرنا فلا يفيد ما أسسه في الحكم بنجاسة الماء عند الشك في تقدم الملاقاة وتأخرها مع العلم بتاريخ الكرية فإن هذه المسألة ليست من صغريات القاعدة لما ورد في جواز الاستعمال في الماء إذا لم يغلب النجاسة عليه واستثنى من هذا الترخيص الراكد إذا لم يبلغ قدر كر حيث ثبت فيه لزوم الاجتناب.

وقد ذكرنا الحكم بنجاسة الماء في جميع الفروض الثلاثة لما ذكرنا من جريان الاستصحاب في ناحية عدم الكرية عند حدوث الملاقاة المحرزة ، وبتعبير آخر بقاء الماء على قلته زمان الملاقاة تمام الموضوع لتنجس الماء المحرز قلته في ذلك الزمان بالاستصحاب وملاقاته مع النجاسة بالوجدان من غير فرق بين الجهل بتاريخهما أو حتى العلم بتاريخ الكرية فإن زمان حدوث الكرية بالإضافة إلى حدوثها محرز ، وأما بالإضافة إلى زمان الملاقاة غير محرز ولا يعارض هذا الأصل بأصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرية لعدم الشك في نجاسة الماء المفروض مع جريان الاستصحاب في عدم الكرية وبقاء الماء على قلته زمان الملاقاة فإن اريد بالاستصحاب في عدم الملاقاة إلى زمان الكرية نفي الجزءين اللذين هما تمام الموضوع لنجاسة الماء فلا شك فيهما ، وإن اريد نفي المعية في حدوثهما فعنوان المعية غير مأخوذ في موضوع تنجسه بل الموضوع له ذات الجزءين بمفاد (واو) الجمع مع أن الاستصحاب في عدم الملاقاة إلى زمان الكرية لا يثبت وقوع النجس الموجود في الماء عند كريته ، ولو كان الاستصحاب في عدم ملاقاة الماء زمان عدم كريته النجاسة جاريا في الفرض لزم الحكم بطهارة الماء الملاقي للنجس حتى مع عدم العلم بكريته أصلا بأن احتمل الكرية فيه عند ملاقاته ؛ لأن الاستصحاب في عدم الملاقاة زمان قلة الماء في الفرض أيضا يجري ويعارض بالاستصحاب

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

في عدم الكرية زمان الملاقاة فيرجع إلى أصالة الطهارة بعد تعارض الاستصحابين وتساقطهما ، وهذه المسألة سيالة تجري فيما إذا حدث أمران وكان الأثر مترتبا لعدمه زمان الآخر المعلوم حدوثه كما إذا انقضت العدة في المرأة المطلقة بطلاق رجعي وحصل الرجوع فيشك في أن الرجوع كان قبل انقضاء العدة أو بعد انقضائها فإنه على ما ذكرنا الرجوع محرز بالوجدان فيستصحب عدم انقضاء العدة في ذلك الزمان فيحكم بصحة الرجوع ولا يعارض باستصحاب عدم حصول الرجوع زمان العدة فإنه لو صحت هذه المعارضة لجرت فيما إذا حصل الرجوع مع الشك في انقضاء العدة فعلا من غير علم بانقضائها ؛ لأن الرجوع لم يكن في زمان فيحتمل بقاؤه على عدمه زمان العدة لاحتمال انقضائها عند حصول الرجوع ، وكما يقال بأن الاستصحاب في هذه الموارد في ناحية عدم الرجوع زمان العدة يرجع إلى نفي المعية كذلك الكلام في مسألة العلم بالحادثين ، وقد ورد في صحيحة زرارة الاستصحاب في ناحية الوضوء والحكم بصحة الصلاة مع ذلك الوضوء المستصحب مع أنه بناء على المعارضة لا يمكن أن يقال نفس الصلاة محرزة بالوجدان والوضوء بالاستصحاب لجريان الاستصحاب في عدم الصلاة زمان الوضوء. ودعوى أن الشك في الصلاة زمان الوضوء مسبب عن الشك في بقاء الوضوء زمان الصلاة فيكون الاستصحاب في ناحية الوضوء أصلا سببيا حاكما على الاستصحاب في ناحية تحقق الصلاة زمان الوضوء كما ترى لما تقدم من أن مجرد المنشئية لا تصحح الحكومة بل لا بد في الحكومة من كون الترتب شرعيا فحصول الصلاة بالوضوء مع بقاء الوضوء عقلي. والجواب الصحيح أن متعلق التكليف حصول ذات الأمرين في زمان واحد في موارد الجزء وحصول الصلاة زمان الوضوء كما في مراد الشرط وإذا أتى بالصلاة وتعبد

٣٥٠

وإما يكون مترتّبا على عدمه الذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر ، فاستصحاب العدم في مجهول التاريخ منهما كان جاريا ، لاتصال زمان شكه بزمان يقينه ، دون معلومه لانتفاء الشك فيه في زمان ، وإنما الشك فيه بإضافة زمانه إلى الآخر ، وقد عرفت جريانه فيهما تارة وعدم جريانه كذلك أخرى.

______________________________________________________

الشارع بكونه زمان الوضوء تحقق متعلق التكليف.

لا يقال : فكيف يكون مورد التعارض في مسألة العلم بحدوث الحادثين والشك في المتقدم والمتأخر منهما.

فإنه يقال : مورده أن يكون العنوان الواحد منطبقا على كل من الحادثين ، ويكون عدم كل منهما زمان حدوث الآخر موضوعا لحكم يخالف حكم الآخر كما إذا مات أخوان ليس لهما وارث من الطبقة الاولى وشك في المتقدم في الموت منهما. فكما أن بقاء الأخ الأكبر زمان موت الأخ الأصغر موضوع لكونه وارثا للميت أي الأخ الأصغر كذلك بقاء الأخ الأصغر على حياته زمان موت الأكبر موضوع لكونه وارثا للأخ الأكبر وفي الفرض يقع التعارض في ناحية الاستصحاب في حياة كل منهما زمان موت الآخر ، وفي مثل ذلك إذا لم يحرز الموت في ناحية أحدهما بخصوصه أصلا بل احتمل ذلك يجري الاستصحاب في ناحية عدم موته زمان موت الآخر بلا معارضة ، وكذلك إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على عدم موت أحدهما بخصوصه زمان موت الآخر كما في موت أخوين لأحدهما بخصوصه وارث من الطبقة الاولى دون الآخر فإنه يجري الاستصحاب في ناحية حياة الأخ الذي له وارث من الطبقة الاولى زمان موت الآخر ولا يجري الاستصحاب في ناحية من ليس له وارث فإنه لا أثر لحياته عند موت أخيه حتى تحرز بالاستصحاب هذا بالإضافة إلى العنوان الواحد المنطبق على كل من الحادثين ، وأما إذا كان ظاهر الخطاب الشرعي كون

٣٥١

فانقدح أنه لا فرق بينهما ، كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين ، ولا بين مجهوله ومعلومه في المختلفين ، فيما اعتبر في الموضوع خصوصية ناشئة من إضافة أحدهما إلى الآخر بحسب الزمان من التقدم ، أو أحد ضديه وشك فيها ، كما لا يخفى.

كما انقدح أنّه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب حالتان متضادتان [١]

______________________________________________________

الشيء محكوما بحكم عند حدوث الآخر ومحكوما بحكم خلاف عدم حدوثه فإن احرز ذلك الشيء واحرز عدم الآخر يثبت الحكم المترتب على ذلك الشيء عند عدم حدوث الآخر نظير كون ملاقاة النجس الماء منجسا له إذا لم يكن كرا على ما تقدم في مسألة الكرية والملاقاة ومسألة الرجوع في الطلاق زمان العدة أو بعد انقضائها.

لا يقال : الاستصحاب في عدم ملاقاة ما صار كرا إلى زمان بلوغه إلى حدّه ليس لنفي تنجس الماء ليقال : أنه قد احرز الموضوع لتنجسه بل الاستصحاب لإثبات كون الماء المفروض داخل في موضوع الماء المعتصم حيث إن الراكد المعتصم ما إذا وصل حد الكر ولم يلاق إلى بلوغه إلى ذلك الحد النجاسة فإنه يقال : قد احرزت ملاقاته النجاسة بالوجدان ومقتضى الاستصحاب قلته ذلك الزمان مع أن بلوغ الماء كرا موضوع للاعتصام بالإضافة إلى وقوع النجاسة فيه زمان كريته والاستصحاب في عدم وقوع النجاسة المفروضة فيه زمان قلته لا يثبت وقوعها فيه في زمان كريته.

في تعاقب الحالتين والشك في المتقدم منهما

[١] بقي الكلام فيما إذا تعاقبت حالتان مختلفتان وشك في المقدم والمؤخر منهما كما إذا علم المكلف بالوضوء والحدث وشك في المقدم منهما والمؤخر منهما فقد ذكر الماتن قدس‌سره عدم جريان الاستصحاب في ناحية شيء منهما مع الجهل

٣٥٢

كالطهارة والنجاسة وشك في ثبوتهما وانتفائهما للشك في المقدّم والمؤخّر منهما وذلك لعدم إحراز الحالة السابقة المتيقّنة المتّصلة بزمان الشك في ثبوتهما ، وترددها بين الحالتين ، وأنّه ليس من تعارض الاستصحابين ، فافهم وتأمل في المقام فإنّه دقيق.

______________________________________________________

بتاريخهما من حيث الحدوث لعدم الحالة السابقة المحرزة اتصال زمان شكها بها وأن عدم جريانه ليس للتعارض بين الاستصحابين ومع العلم بتاريخ حدوث أحدهما فمقتضى ما ذكره جريان الاستصحاب في ناحيته لتعين الحالة السابقة فيه بخلاف المجهول تاريخه فإنه لا يحرز فيه اتصال زمان شكه بزمان يقينه والمحكي عن جامع المقاصد أنه مع اختلاف الحالتين يؤخذ بضد الحالة السابقة على الحالتين.

وذكر بعض الأعلام قدس‌سره في تقريبه ما حاصله أنه يعتبر في جريان الاستصحاب العلم بالحالة السابقة تفصيلا أو إجمالا وهذا العلم حاصل بالإضافة إلى ضد الحالة السابقة على الحالتين ؛ ولذا يجري الاستصحاب في ناحيتها للشك في بقائها وغير حاصل بالإضافة إلى الحالة الموافقة ولذا لا يجري الاستصحاب في ناحيتها مثلا إذا كان المكلف على حدث أصغر في أول النهار ثم علم بالوضوء والنوم بعد أول النهار وشك في أنه توضأ ثمّ نام فالآن محدث أو أنه نام ثمّ توضأ فالآن على طهر فيكون المكلف على علم بحصول الطهارة له بوضوئه ويحتمل بقاء تلك الطهارة فعلا فيستصحب وأما بالإضافة إلى الحدث فلا مجرى للاستصحاب ؛ لأنه إن اريد الحدث أول النهار بأن يكون المستصحب نفس ذلك الحدث فقد علم بانتقاضه ، وإن اريد حدث آخر غيره فلا علم بحصوله ؛ لأن العلم بالنوم مع احتمال كونه قبل الوضوء لا يوجب العلم بحدوث حدث آخر نعم يحتمل كونه بعد الوضوء فإنه على هذا التقدير حدث آخر ولكن ذلك مجرد احتمال لا يقين به.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يقال : العلم بالحدث عند نومه محرز فيستصحب ذلك الحدث سواء كان حدوثه من أول النهار أو عند النوم.

فإنه يقال : لا يمكن أن يكون هذا الاستصحاب شخصا ؛ لأن الحاصل بالنوم غير محرز والحاصل من الأول غير باق فيتعين أن يكون المستصحب من قسم الكلي أي طبيعي الحدث الأصغر من غير ملاحظة كونه من الأول أو بالثاني والاستصحاب في ناحية الطبيعي غير جار ؛ لأنه يعتبر في جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي أن يكون الفرد المحتمل حدوثه متصلا لارتفاع الفرد الأول أو مقارنا لحدوث الفرد الأول لئلا يتصل العدم في الطبيعي بين ارتفاع الفرد الأول وحدوث الفرد الثاني المحتمل حدوثه ولكن في المقام لو كان حدث آخر بالنوم غير الحدث الذي كان في أول النهار لكان الحدث الأصغر منفصلا عن الأول بالوضوء في الوسط.

ثمّ إنه قدس‌سره ذكر إذا كان تاريخ حدوث إحدى الحالتين معلوما فإن كان المعلوم تاريخها ضدا للحالة السابقة فيجري الاستصحاب في ناحيتها بلا معارض لعدم جريان الاستصحاب في ناحية المجهول تاريخها بعين ما تقدم وأما إذا كان المعلوم تاريخها موافقا للحالة السابقة للحالتين فيجري الاستصحاب في ناحيتها وناحية المجهول تاريخه ويسقطان بالمعارضة فلا بد في إحراز شرط الصلاة من الوضوء لها بمقتضى قاعدة الاشتغال.

أقول : لم يظهر الفرق بين ما كان الموافق للحالة السابقة معلوم التاريخ أو مجهوله فإنه إن اريد مع العلم بتاريخ النوم يستصحب الشخص أي الحدث الحاصل بالنوم فلا علم بالحدث الحاصل بالنوم ، وإن اريد الحدث الحاصل بالسبب السابق فقد ارتفع ذلك الحدث قطعا بالوضوء وإن اريد استصحاب الحدث عند النوم فإنه قطعي

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بأي سبب حصل بالسابق أو النوم ليكون الاستصحاب فيه من قبيل الاستصحاب في القسم الثاني فيجري هذا في فرض كونهما مجهولي التاريخ أيضا فإنه كما يستصحب ضد الحالة السابقة لتمام ركني الاستصحاب فيه كذلك يجري في الموافق للحالة السابقة بأن يقال زمان النوم الحدث كان محرزا ويحتمل بقاؤه ولو بكون ذلك الحدث حدوثه بذلك النوم.

والحاصل : أن القسم الثالث من الكلي الذي منعنا في السابق جريان الاستصحاب فيه ، والتزم القائل قدس‌سره بما ذكر جريانه فيه ، ويعتبر في الجريان كون حدوث الفرد مقارنا لارتفاع الفرد المتيقن أو مقارنا لوجوده هو ما إذا كان اليقين بالطبيعي لليقين بالفرد المحرز انتفاؤه والشك في بقائه لاحتمال حدوث فرد آخر ، وأما إذا كان اليقين بالطبيعي مع قطع النظر عن اليقين بالفرد السابق كما في المقام للعلم بكون المكلف محدثا عند نومه فهذا داخل في القسم الثاني من الكلي ، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب فيه شيء ، ولذا جعل ما ذكر من الفرض من القسم الرابع من الاستصحاب في ناحية الكلي وإن كان الصحيح القسم الثاني هذا مع قطع النظر عن أن اختلاف موجبات الحدث الأصغر لا دخل له في الحدث بل المستصحب شخص الحدث الأصغر الذي كان عند النوم سواء كان تاريخ النوم معلوما أو مجهولا ، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب فيه إلّا احتمال بقاء ذلك الشخص ولو لاحتمال كون النوم بعد الوضوء.

لا يقال : قد تقدم انحلال هذا العلم الإجمالي وأن المكلف يعلم بارتفاع الحدث السابق على الحالتين ، ويحتمل حدوث حدث آخر ، ولا يقين به ليجري الاستصحاب في ناحية بقائه.

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنه يقال : العلم بارتفاع الحدث الناشئ من الموجب السابق لا يمنع عن تحقق أركان الاستصحاب ؛ لأن حدوث الحدث بموجب معين لا أثر له وإنما الأثر مترتب على الحالة التي كان عليها المكلف عند بوله سواء كان الحدث به أو بالموجب السابق ، وإن تلك الحالة مما يحتمل بقاؤها فعلا ولو لاحتمال كون الوضوء قبلها كما أن الأثر مترتب على الحالة التي يعبر عنها بالطهارة أو حالة الوضوء ، ويحتمل بقاؤها لاحتمال كون الوضوء بعد البول.

ومما ذكرنا يظهر الحال أنه لو علم بحدوث ما يوجب النجاسة وما يوجب الطهارة لشيء وشك في المتقدم والمتأخر منهما مع العلم بأن الشيء المفروض كان قبلهما نجسا أنه لا عبرة بالعلم بالنجاسة السابقة لارتفاعه قطعا ولكن يجري الاستصحاب في بقاء نجاسته التي كانت عند حدوث ما يوجبها ولو لاحتمال كونها بعد حدوث ما يوجب طهارته ، ويتعارض مع طهارته التي كانت عند عروض ما يوجب طهارته فيرجع بعد ذلك إلى أصالة الطهارة بلا فرق بين العلم بتاريخ أحدهما أو الجهل بتاريخهما ، وكل ذلك ؛ لأن اليقين بوجود الشيء لا يرفع اليد عنه إلّا باليقين بارتفاعه وعدم بقائه كما هو مقتضى أخبار النهي عن نقض اليقين إلّا باليقين على خلافه واليقين بالخلاف بالإضافة إلى السابق على الحالتين ، وأما بالإضافة إلى الحالة التي كانت عند حدوث الموجب ثانيا لتلك الحالة فلا يقين بارتفاعها ، وإن لم يعلم بحدوثها بذلك الموجب غاية الأمر يكون الاستصحاب في الفرض من قبيل الاستصحاب في الفرد المردد الذي تقدم جريانه لتمام أركان الاستصحاب فيه.

في ما ورد في إهراق الإناءين مع انحصار الماء فيهما

بقي في المقام أمر وهو أنه قد ورد في إناءين يعلم المكلف بنجاسة أحدهما

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وليس له ماء آخر أنه يهريقهما ويتيمم (١) ، وذكر جماعة منهم الماتن قدس‌سره أن الحكم الوارد أي التيمم للصلاة على القاعدة بحيث لو لا النص لقلنا به أيضا فإن المكلف بعد التوضؤ من كل منهما وأن يعلم أنه توضأ بوضوء صحيح كما إذا طهر أعضاء الوضوء قبل التوضؤ بالماء الثاني إلّا أنه يبتلى بالخبث الاستصحابي في أعضائه حيث يعلم عند التوضؤ بالماء الثاني قبل جريان الماء على عضوه بنجاسة ذلك العضو أما بالماء الأول أو الثاني ، وتلك النجاسة تستصحب بعد الوضوء بالثاني وتمنع عن الصلاة ، ولكن لا يخفى أن مقتضى ما تقدم أنه كما يجري الاستصحاب في ناحية هذه النجاسة العارضة كذلك يجري في ناحية الطهارة المعلومة حصولها عند استعمال الطاهر من الماءين وبعد تساقطهما يرجع إلى أصالة الطهارة في الأعضاء ، وأما الحدث فالمكلف على يقين من ارتفاعه عند التوضؤ بالأول أو بالثاني.

نعم ، يمكن أن يقال لا مجرى لأصالة الطهارة في الأعضاء ؛ لأن المكلف عند غسل أول عضو بالماء الثاني يعلم إجمالا نجاسة هذا العضو أو العضو الثاني الذي لم يغسل ، وبعد تساقط أصالة الطهارة في كل منهما أيضا لا يمكن الرجوع إلى أصالة الطهارة في الأعضاء بعد غسلها بالماء الثاني على ما هو المقرر في محله من أن زوال العلم الإجمالي بزوال بعض الأطراف لا يوجب جريان الأصل النافي الساقط من قبل في الطرف الباقي ، وعلى ذلك يبقى احتمال تنجس الأعضاء مانعا عن الصلاة ، ولكن هذا المحذور يمكن علاجه بتكرار الصلاة بعد كل من الوضوء الأول والوضوء بالماء الثاني وبذلك يحرز الإتيان بالصلاة مع الطهارة من الحدث والخبث ولعل حكمة ما

__________________

(١) انظر الكافي ٣ : ١٠.

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ورد من الحكم التعبدي بإهراق الماءين والتيمم للصلاة صعوبة هذا النوع من الاحتياط لنوع الناس أو عدم الابتلاء بتنجس الأعضاء بالإضافة إلى الصلاة التي لم يدخل وقتها.

لا يقال : كيف لا يجوز الاكتفاء بصلاة واحدة بعد الوضوءين على ما تقدم فإن احتمال النجاسة في الأعضاء لا أثر له فإن المانع عن الصلاة هي نجاسة الثوب والبدن إذا كانت محرزة.

فإنه يقال : النجاسة المحتملة على تقديرها مانعة في أطراف العلم الإجمالي كما يشهد بذلك ما ورد في صحيحة زرارة (١) من أمره عليه‌السلام بغسل تمام الناحية من الثوب إذا علم إجمالا تنجس موضع منها ، وقد تقدمت هذه الصحيحة عند التعرض للأخبار الواردة في بيان اعتبار الاستصحاب ، وربما يقال : أنه إذا أمكن تطهير أعضاء الوضوء بعد الوضوء بالماء الثاني ببقية الماء الأول يحرز طهارة الأعضاء من النجاسة المعلومة بالإجمال من قبل وإن احتمل تنجس الأعضاء ثانيا ، ومعه لا حاجة إلى تكرار الصلاة بعد كل وضوء لعلمه بصحة أحد الوضوءين وجريان أصالة الطهارة في أعضائه لكون تنجسها ثانيا خارجا عن طرفي العلم الإجمالي الأول.

ودعوى حصول العلم الإجمالي ثانيا أما بنجاسة العضو الذي غسله بالماء الأول أو العضو الذي لم يغسله ثانيا لا يمكن المساعدة عليها ؛ لأن هذا العلم الإجمالي غير منجز لسقوط الأصل النافي في العضو الذي لم يغسله بالماء الأول ثانيا قبل ذلك بالمعارضة فهذا نظير العلم الإجمالي بعد ملاقاة طاهر لأحد طرفي

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٤٣٢ ، الباب ٢٢ ، الحديث ٨.

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

العلم الإجمالي بالنجاسة حيث إن العلم الإجمالي الحاصل بنجاسة الملاقي (بالكسر) أو الطرف الآخر للملاقي (بالفتح) لا أثر له لسقوط الأصل النافي في الطرف للملاقى (بالفتح) بالمعارضة مع الأصل النافي في ناحية نفس الملاقي (بالفتح) قبل حصول الملاقاة.

ثمّ إن مورد النص وإن كان إناءين من الماء الطاهر وقع قذر في أحدهما ولم يعلم أيهما ولم يجد المكلف ماء آخر لكن الحكم يجري فيما إذا كان كلّ من الإناءين نجسا ووقع المطهر لأحدهما ولم يعلم الطاهر من المتنجس فإنه لا يحتمل تعين التيمم أو جوازه في مورد النص وتعين الوضوء في الفرض بما تقدم. نعم ، يفترق هذا المورد عن مورد النص في الملاقي لأحد الماءين فإنه في الفرض يحكم بنجاسته وفي مورد النص بالطهارة كما تقدم الكلام في ذلك في بحث الملاقي لبعض أطراف العلم ، ولا فرق في فرض الحكم بنجاسة الملاقي لأحدهما بين أن لا يعلم من الأول وقوع المطهر في أيهما وبين ما علم أولا ما وقع فيه المطهر ثمّ اشتبه ذلك بغيره بأن علم وقوعه على إناء زيد ولكن اشتبه إناؤه بغيره كما لا فرق بين ما إذا علم وقوع المطهر على أحدهما خاصة أو احتمل وقوعه على كل منهما فإنه في جميع الفروض الثلاثة يحكم بنجاسة الملاقي لأحدهما ، وقد منع المحقق النائيني قدس‌سره جريان الاستصحاب في بقاء الإناءين على نجاستهما بدعوى أن التمسك بأخبار لا تنقض في صورة العلم بطهارة أحدهما بالتعيين الخارجي أو بالعنوان من التمسك بالعام في شبهته المصداقية ؛ لأن الملحوظ منهما يحتمل أن يكون نقض اليقين بنجاسته من نقضه باليقين بالطهارة لاحتمال كونه الإناء الذي علم طهارته عينا أو بالعنوان المعين ، ومنع أيضا جريانه في فرض ما إذا علم إجمالا بوقوعه على أحدهما لا بعينه بدعوى

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أن الاستصحاب أصل محرز يكون مفاده اعتبار العلم بالشيء ومع العلم بطهارة أحد الإناءين وجدانا لا يمكن اعتبار المكلف عالما بنجاسة كل منهما ولكن لا يخفى ما في الدعويين أما الدعوى الاولى فقد تقدم أن المعتبر في جريان الاستصحاب فعلية اليقين بالحالة السابقة والشك في بقائها وهذا حاصل في كل واحد من الإناءين مع لحاظه في نفسه والشبهة المصداقية في العلم والشك غير متصور ، وأما الدعوى الثانية فلأن الاستصحاب ولو كان أصلا محرزا إلّا أنه ليس من العلم الوجداني حتى يوجب العلم بالنجاسة في أحدهما العلم بطهارة الآخر كما لا يعتبر في مثبتاته كبعض الأمارات فلا منافاة بين أن يعتبر الشارع المكلف عالما بنجاسة هذا الإناء ما دام يحتملها ويعتبره عالما بها أيضا ما دام يحتملها في الآخر منهما.

الاستصحاب في صحة العمل عند الشك في مانعية شيء فيه

تنبيه : قد ذكر الماتن قدس‌سره في بحث دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين أنه قد يتمسك عند الشك في مانعية شيء للواجب الارتباطي باستصحاب الصحة وهو لا يخلو عن نقض وإبرام ويأتي تحقيقه في الاستصحاب ولكنه قدس‌سره لم يتعرض لذلك ونتعرض له تبعا للشيخ قدس‌سره فنقول : الشك في المانع يكون بالشبهة الموضوعية تارة كما إذا شك في صلاته أنه زاد ركوعا أم لا ففي هذا القسم يجري الاستصحاب في ناحية عدم صدور ذلك المانع ويحرز بذلك الامتثال فإنه كما يحرز حصول الشرط بالاستصحاب كما تقدم كذلك يحرز به عدم المانع حيث لا فرق بين شرط متعلق التكليف ومانعة في كون كل منهما مأخوذا في متعلق الأمر ، غاية الأمر في مورد الشرط القيد وجودي ، وفي مورد المانع عدمه قيد وهذا الاستصحاب يجري حتى فيما كان الشك في مانعية الموجود بالشبهة الموضوعية

٣٦٠