دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-09-3
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

غيره ، والحاصل ما هو الموضوع لجريان الاستصحاب في ناحية الكلي من القسم الثاني من ركني الاستصحاب حاصل في مسألتي حياة زيد أو بقاء الدرهم وتنجس الثوب سمى الاستصحاب بكون المستصحب كليا أو فردا حيث إن المراد من الشك احتمال البقاء فيما احرز حصوله سابقا.

وأجاب النائيني قدس‌سره عن الشبهة المتقدمة بوجه آخر وهو أن مراد تنجس الثوب بمفاد (كان) التامة بالاستصحاب لا يفيد شيئا فإن الأثر مترتب على مفاد كان الناقصة ، وبتعبير آخر بقاء تنجس الثوب لازمه ملاقاة الطاهر بالنجاسة نظير ما إذا وقع متنجس في موضع كان فيه سابقا الماء الكر وشك في بقاء الكر عند وقوع المتنجس في ذلك المكان فإن الاستصحاب في بقاء الكر في ذلك المكان حال وقوعه فيه لا يثبت أنه غسل بالماء الكر ليحكم بطهارته. ولا يخفى ما في الجواب والتنظير فإن الموضوع لنجاسة الماء القليل إصابة النجس إياه ، والمراد بالنجس الأعم من عين النجاسة أو المتنجس فإصابة الثوب بذلك الموضع المتنجس سابقا الماء محرز بالوجدان ومقتضى الاستصحاب بقاء ذلك الموضع على نجاسته فأين الاستصحاب في مفاد (كان) التامة. نعم ، ما ذكره من الأصل المثبت يجري فيما ذكر من التنظير إذا لم يحرز وجود الماء السابق عند وقوع المتنجس في ذلك الموضع ومثله ما إذا قلنا بعدم تنجس بدن الحيوان وإنما النجس هو العين على بدنه ، وإذا لاقى بدنه مع الماء القليل وشككنا في أن العين باقية عند ملاقاة بدنه الماء فلا يفيد الاستصحاب في بقاء العين في الحكم بنجاسة الماء ؛ لأنه لا يثبت ملاقاة الماء تلك العين فتحصل من جميع ما ذكرنا أن الاستصحاب في ناحية بقاء نجاسة الثوب الملاقي للماء القليل يجري ويحكم بنجاسة الماء ولا ينافي ذلك مع الحكم بطهارة الملاقي لأحد أطراف

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

العلم فإن الحكم بالطهارة فيه للأصل وإذا لم يجر ذلك الأصل بل جرى الأصل الحاكم عليه يؤخذ بمقتضى الأصل الحاكم والتفكيك بين حكم الملاقي في الفرض وسائر المواضع التي يحكم بطهارته لا محذور فيه كما لا مؤد للدهشة منه. نعم ، لو غسل أحد طرفي ثوب وبعد غسله حصل العلم الإجمالي بإصابة نجس أما بذلك الطرف المغسول أو بطرفه الآخر.

بقي في المقام أمر وهو أنه تعرض سيدنا الاستاد (طاب ثراه) لفرعين : الأول ما إذا علم نجاسة شيء فعلا ودار تنجسه بين كونه ذاتيا لا يطهر بالغسل وبين كونه عرضيا يطهر به كما في الصوف المردد بين كونه من الخنزير أو الشاة وقد أصابته نجاسة عرضية بحيث لو غسل يشك في طهارته ونجاسته فإنه لو بنى على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي يحكم بطهارته بعد غسله ؛ وذلك للاستصحاب في عدم كونه من شعر الخنزير والشارع حكم بطهارة كل شيء أصابته النجاسة إذا لم يكن من الأعيان النجسة كالكلب والخنزير وإن منعنا جريانه في الأعدام الأزلية فيحكم بالاستصحاب بنجاسته فإنها تدخل في الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي الثاني أنه إذا حكم بطهارة شيء مشكوك طهارته ونجاسته الذاتيتان كما إذا لم يعلم شيء أنه من شعر الخنزير أو من صوف الشاة ثمّ تنجس بإصابة النجاسة فإنه إذا غسل يحكم بطهارته حتى بناء على عدم جريان الاستصحاب في العدم الأزلي ولا مجال فيه لاستصحاب النجاسة كما في الفرع الأول ؛ لأن قاعدة الطهارة الجارية فيه قبل إصابة النجاسة مقتضاها أنه يجري عليه أحكام الطاهر ، ومن أحكامه أنه إذا غسل بعد إصابته النجاسة يطهر به.

أقول : يحكم بطهارة الصوف المفروض في الفرع الأول أيضا ولو بنى على عدم

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

اعتبار الاستصحاب في العدم الأزلي فإنه وإن يعلم فيه بنجاسته فعلا إلّا أنه يشك فعلا في طهارته ونجاسته قبل إصابة النجاسة ، وإذا جرت قاعدة الطهارة فيه بلحاظ حاله قبل إصابة النجاسة يكون مقتضاها جريان حكم الطاهر عليه وهو طهارته بالغسل بعد إصابته النجاسة نظير ما إذا توضأ بماء وقع بعد الوضوء في البحر وشك حينئذ في طهارة الماء عند التوضؤ منه هل كان طاهرا أم نجسا فإنه يحكم بصحة الوضوء لا لقاعدة الفراغ فإنها لا تجري عند من يعتبر في جريانها احتمال الذكر حال العمل بل لقاعدة الطهارة أو استصحابها الجارية فعلا في ذلك الماء قبل تلفه ولا بأس بالجريان لترتب الأثر الفعلي على طهارته في ذلك الزمان.

تذنيب :

لا يخفى أن ما ذكرنا من الثمرة بين القول بتنجس بدن الحيوان وطهارته بزوال العين وبين القول بعدم تنجسه أصلا ، وإنما النجس هو عين النجاسة الموجودة على الموضع من بدنه مبني على ما ذكره جماعة وإلّا فالصحيح هو الحكم بطهارة الملاقي لبدن الحيوان مع احتمال بقاء عين النجاسة في موضع الملاقاة بلا فرق بين القولين أما على القول بعدم تنجس بدنه فلما تقدم من أن الاستصحاب في بقاء العين لا يثبت ملاقاة الطاهر بالعين وأما على القول بعدم تنجسه لعدم إمكان إحراز ملاقاة الطاهر مع موضع العين مع بقاء العين ؛ لأن احتمال العين مانع عن إحراز ملاقاة الطاهر موضعها ، والعلم الإجمالي بملاقاة الطاهر أما العين أو موضعها مع بقاء العين غير ممكن لاحتمال طهارة الموضع بزوال العين أو مانعية العين عن ملاقاة الموضع فيرجع في الملاقي إلى أصالة الطهارة بل إلى الاستصحاب في عدم ملاقاته للعين فيحكم بطهارته.

٢٤٣

وأما إذا كان الشك [١] في بقائه من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه ففي استصحابه إشكال أظهره عدم جريانه ، فإن وجود الطبيعي وإن كان بوجود فرده ، إلّا أن وجوده في ضمن

______________________________________________________

عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي

[١] اختار الماتن قدس‌سره عدم جريان الاستصحاب في ناحية الكلي في القسم الثالث بلا فرق بين أن يكون الشك في الكلي في الزمان الثاني لاحتمال حدوث فرد آخر منه مقارنا لحدوث الفرد المقطوع ارتفاعه أو لاحتمال حدوثه مقارنا لارتفاع الفرد المتيقن ارتفاعه بلا فرق أيضا بين أن يكون احتمال حدوث الفرد الآخر مقارنا لارتفاع المقطوع بملاكه أو لاحتمال حدوث ملاكه من الأول وإنما يكون فردا فعليا عند ارتفاع الفرد المتيقن حدوثه ، وعلل عدم جريانه في ناحية الكلي في هذا القسم بأن الكلي حيث يتعدد بتعدد أفراده بل هو عين فرده خارجا فبانتفاء الفرد المتيقن ينتفي ذلك الكلي المتيقن حصوله ولم يحرز حدوث طبيعي آخر بفرده الآخر ، ومقتضى الاستصحاب عدم حدوث آخر لذلك الطبيعي.

ومما ذكر يظهر ضعف ما التزم به الشيخ قدس‌سره من الفرق بين فرض احتمال حدوث فرده الآخر مقارنا لحصول الفرد المتيقن ارتفاعه فيجري الاستصحاب في ناحية الكلي وبين احتمال حدوثه مقارنا لارتفاع فرده المتيقن فلا يجري الاستصحاب في ناحيته ، وعلى ما ذكره قدس‌سره فإن ارتفع وجوب فعل وشك في استحبابه بأن احتمل عدم مطلوبيته أصلا فلا يجري الاستصحاب في ناحية بقاء مطلوبيته ، لا يقال : الاستحباب مع الوجوب لا يتعددان في التحقق بل الاختلاف بينهما بالشدة والضعف ، وبتعبير آخر إرادة المولى المتعلقة بفعل العبد المعبر عنه بالطلب قد تصل في الشدة بحيث لا يرضى ولا يرخص في تركه وقد لا تكون هذه

٢٤٤

المتعدد من أفراده ليس من نحو وجود واحد له ، بل متعدد حسب تعددها ، فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها ، لقطع بارتفاع وجوده ، وإن شك في وجود فرد آخر مقارن لوجود ذاك الفرد ، أو لارتفاعه بنفسه أو بملاكه ، كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الإيجاب بملاك مقارن أو حادث.

______________________________________________________

الشدة فيها بحيث يرضى ويرخص في تركه فلا يكون الاستصحاب في مطلوبية فعل بعد زوال وجوبه إلّا كاستصحاب السواد في الجسم بعد العلم بزوال شدته والاحتمال في بقاء أصل سواده بل هذا كما ذكر الشيخ قدس‌سره من الاستصحاب في القسم الأول من الكلي بل من الاستصحاب في ناحية الفرد بنظر العرف.

وأجاب الماتن رحمه‌الله بأن اختلاف الوجوب والاستحباب وإن يكون كما ذكر ، ولازم ذلك أن يكون استحباب الفعل بعد زوال وجوبه من احتمال بقاء أصل المطلوبية السابقة إلّا أن هذا بنظر العقل لا العرف فإن أهل العرف يرون الوجوب مباينا مع الاستحباب لا أنهما شيء واحد يختلف في شدته وضعفه بحسب الزمان كما في السواد الشديد الذي زالت شدته وبما أن أدلة الاستصحاب ناظرة إلى موارد الشك في البقاء عرفا فلا يكون الشك في استحباب الفعل بعد ارتفاع وجوبه من احتمال المطلوبية السابقة ليجري الاستصحاب فيها.

أقول : ما أفاد الماتن قدس‌سره في وجه عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي متين ؛ لأن الأثر المترتب على الكلي يترتب على ما يحمل عليه بالحمل الشائع ، وما هو بالحمل الشائع الذي تعلق به اليقين قد زال ، وآخر يحمل عليه بالحمل الشائع أيضا مشكوك الحدوث والأصل عدم حدوثه بلا فرق بين احتمال كونه حادثا مع حدوث الفرد الزائل أو مقارنا لزواله.

ولكن كلامه قدس‌سره نفي جريان الاستصحاب في بقاء كلي التكليف مع الشك في

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

قيام فرد آخر من التكليف مقام الفرد الزائل منه إشكال غير تام فإن كلي التكليف لبقائه أثر عقلي وهو وجوب رعايته لاحتمال الضرر في مخالفته ولا يثبت الاستصحاب فيه حدوث فرد آخر وإذا جرى الاستصحاب في ناحية عدم حدوث فرد آخر يكون مفاده عدم احتمال العقاب في مخالفة ذلك الفرد ومعه لا يبقى للكلي أثر عقلي على ما تقدم في استصحاب بقاء التكليف في دوران الأمر في الواجب الارتباطي بين كونه هو الأقل أو الأكثر ، وإنما يكون الإشكال والتأمل فيما إذا كان الطبيعي ذا أثر شرعي وفرده المتيقن حدوثه قد زال واحتمل حدوث فرده الآخر مع حدوث ذلك الفرد الزائل أو مقارنا لارتفاعه كما إذا أصاب الثوب الماء المتنجس فغسلناه مرة ، ولكن احتملنا حدوث نجاسة اخرى فيه مقارنا لطهارته من إصابة الماء المتنجس بإصابة البول بموضعه الآخر ففي هذه الصورة يمكن دعوى جريان الاستصحاب في ناحية طبيعي النجاسة فيه وإن تقدم أنه لا مجال للاستصحاب في الطبيعي ؛ لأن المتيقن من حدوثه قد زال بالغسل ، وإنما الشك في تحقق الطبيعي بتحقق فرده الآخر ومقتضى الأصل عدم تحققه به على ما تقدم.

لا يقال : الاستصحاب في بقاء الثوب على نجاسته في مثل المثال من الاستصحاب في بقاء الشخص لأنه إذا أصاب الثوب البول مقارنا لتمام غسله لا تزول نجاسته السابقة بل تبقى إلى أن يغسل الثوب مرتين.

فإنه يقال : لا يجري الاستصحاب في ناحية بقائه على نجاسته حتى فيما كان استصحابه من قبيل الاستصحاب في الفرد أيضا ؛ لأن الاستصحاب في عدم إصابته البول مقتضاه ارتفاع نجاسته السابقة بتمام الغسل حيث إن الشارع حكم بطهارة كل متنجس ومنه الثوب بطبيعي الغسل إلّا إذا أصابه قبل غسله البول وإصابة الماء

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المتنجس للثوب محرزة والأصل عدم إصابته البول فيطهر بالغسل مرة ويقال مثل ذلك أيضا فيما إذا كان للطبيعي الحاصل سابقا بالفرد المحرز تفصيلا حدوثه أثر يترتب ذلك الأثر إذا حصل بفرده الآخر أيضا ، وإذا كان حدوث فرده الآخر محتملا ، وفرده المحرز حدوثه تفصيلا زائلا قطعا فمع جريان الأصل في عدم حصوله بفرد آخر لا يبقى للاستصحاب في نفس الطبيعي مجال لعدم تمامية ركني الاستصحاب ؛ لأن ما كان المكلف منه على يقين من وجود الطبيعي قد زال والمفروض أن الأثر كان مترتبا على ذلك الوجود مستقلا والحصول الآخر للطبيعي ليترتب عليه الأثر أيضا غير متيقن والأصل عدم حصوله.

ولا يقاس المقام بالاستصحاب في الطبيعي في القسم الثاني من الكلي فإن المستصحب في ذلك القسم كان الطبيعي المتيقن حدوثه المحتمل انطباقه على كل من الفردين المعلوم حدوث أحدهما وبقاؤه بعينه محتمل بخلاف هذا القسم فإن المتيقن هو الطبيعي المنطبق على فرد محرز قد زال يقينا وحصوله الآخر غير محرز حدوثا فلا موضوع للاستصحاب.

وقد يقال : بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي أيضا في الجملة وإنما لا يجري فيه أصلا لو بنى على أن الموضوع لاعتبار الاستصحاب احتمال البقاء بنظر العقل ، وتقريره : أنه إذا بنى على اعتبار احتمال البقاء بنظر العرف فلا ينبغي التأمل في صدق البقاء في الطبيعي مع تبادل أفراده ولو في بعض الموارد كما يقال : إن الإنسان يعيش على الأرض منذ آلاف السنين وأكثر ، وأن الحيوان الفلاني باق على الأرض بأكثر من قرن إلى غير ذلك. نعم ، لو كانت خصوصية الفرد أو النوع بحيث لو توجهت النفس إلى الطبيعي أو الفرد تتوجه إلى خصوصية النوع أو الفرد فلا يصدق

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

البقاء مع تبادل النوع أو الفرد ، وإن حصل نوع آخر أو فرد آخر كما في تحقق الإنسان فإنه لا يصدق بقاؤه بتحقق الحمار ونحوه بخلاف ما إذا تحقق الإنسان بفرده فإن مع انتفائه وحصول فرد آخر يصدق أنه بقاء الإنسان بل في بعض أنواع جنس يصدق البقاء فيما زال نوع وحصل نوع آخر.

وفيه : أن البقاء المضاف إلى الطبيعي بلحاظين : أحدهما ـ عدم انقضاء انطباقاته طرا على الخارج والبقاء بهذا اللحاظ يصدق عقلا في موارد عدم انقطاع النسل ، وإن تبادل أفراد الطبيعي. والثاني ـ استمرار الطبيعي بنفس ثبوته السابق وهذا لا يتحقق في موارد انقضاء ثبوت وحدوث ثبوت آخر حتى بنظر العرف ولم يرد في خطابات الاستصحاب عنوان الشك في البقاء ليقال إنه يعم الشك في بقاء الكلي بكلا اللحاظين بل الوارد فيها التعبد بنفس الثبوت السابق للشيء وإن العلم بكونه السابق علم به في ظرف الشك في ذلك الثبوت ، والمفروض في موارد القسم الثالث من الكلي إحراز زوال ثبوته السابق الذي كان عين ذلك الطبيعي بالحمل الشائع ، وبهذا الحمل كان موضوعا للحكم وثبوت آخر له من حدوثه مشكوك فيكون محكوما بعدم الحدوث.

وبتعبير آخر اعتبار البقاء استفيد من فرض فعلية اليقين والشك في أخبار الاستصحاب ، وبما أن الوصفين لا يمكن تعلقهما بشيء واحد من جميع الجهات فيعلم أن متعلق الشك بقاء الحالة السابقة هذا أولا.

وثانيا ـ أن المحتمل في القسم الثالث بقاء الكلي في ضمن فرد آخر والاستصحاب في عدم حدوث فرد آخر ينفي الفرد والكلي الموجود في ضمنه

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يكون في البين شك بالإضافة إلى عدم بقاء الكلي حتى لو فرض ذكر عنوان البقاء في أخبار الاستصحاب.

عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ولو احتمل حدوث فرد آخر مع حدوث الفرد المقطوع زواله

ثمّ إنه قد تقدم أن الشيخ قدس‌سره التزم بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي فيما كان احتمال بقاء الكلي لاحتمال وجود فرد آخر كان حادثا مع المتيقن ارتفاعه وكأن الوجه في التفصيل احتمال استمرار ثبوته السابق لحصوله مع ذلك الفرد المحتمل ، ولكن احتمال الاستمرار ليس في الثبوت السابق المتيقن بل في الثبوت السابق المحتمل المحكوم بعدم الحدوث.

وقد أورد على الشيخ قدس‌سره أيضا بأن لازم التفصيل في القسم الثالث من الكلي الالتزام ببقاء حدث من نام وخرج منه في نومه بلل مردد بين المني وغيره وقد توضأ بعد القيام من نومه ، ولكن النقض غير صحيح لما ذكرنا من أن انتفاء طبيعي الحدث مترتب في الآية المباركة بالإضافة إلى محدث لم يكن جنبا ، ولا أقل في المحدث بالأصغر إذا لم يكن جنبا على وضوئه والمفروض كونه محدثا بالأصغر ومقتضى الاستصحاب أنه لم يجنب فيكون وضوءه رافعا لحدثه.

وقد اجيب عن النقض بعدم جريان الاستصحاب في الفرض في ناحية طبيعي الحدث لعدم أثر شرعي له فإن الموضوع لعدم جواز مسّ كتابة المصحف الشريف أو عدم جواز الدخول في الصلاة في الخطابات الشرعية خصوص الجنب والحائض والنفساء والنائم ومن بال إلى غير ذلك ، وهذا لا يقتضي كون الموضوع هو الجامع

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنه يستفاد من الآية المباركة أن الوضوء وظيفة كل محدث بالأصغر ممن لا يكون جنبا ، بل لو كنا والآية فقط لالتزمنا بوجوب الوضوء والغسل معا للجنب الذي بال أو نام إلى غير ذلك. غاية الأمر قد دلت الروايات على عدم الحاجة إلى الوضوء بل عدم مشروعيته مع غسل الجنابة. وعلى الجملة طبيعي الحدث غير موضوع لعدم جواز مسّ كتابة القرآن أو عدم جواز الدخول في الصلاة ليقال مقتضى جريان الاستصحاب فيه في القسم الثالث من الكلي الجمع بين الوضوء والغسل ليحرز انتفاء طبيعي الحدث ، ولكن لا يخفى ما فيه فإن عدم جواز المس في الأدلة مترتب على من ليس بمتطهر يعني المحدث ، وكذا عدم جواز الدخول في الصلاة كما هو مفاد قوله سبحانه : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(١) ولو بضميمة ما ورد في تفسيره ، ومفاد قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (٢) أي بطهارة ، وأن كون الوظيفة في رفع الحدث من كل محدث بالأصغر لم يكن جنبا هو الوضوء لا الغسل مستفاد من الآية ، ولو بملاحظة الروايات الواردة في عدم مشروعية الوضوء من الجنب وإلّا فإن بقي حدثه الأصغر مع غسل جنابته كانت صلاة مع الحدث فلا بد من الالتزام بأن المحدث بالأصغر إذا كان جنبا مع الاغتسال يكون متطهرا.

هل مقتضى الاستصحاب في عدم تذكية الحيوان بعد زهوق روحه كونه ميتة أم لا؟

بقي الكلام فيما ذكره الفاضل التوني من إدراج الاستصحاب في عدم تذكية الحيوان في القسم الثالث من الكلي حيث إن المشهور حكموا بنجاسة الجلد

__________________

(١) سورة الواقعة : الآية ٧٩.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٣٦٥ ، الباب الأول من أبواب الوضوء ، الحديث الأول.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المطروح بالاستصحاب في عدم تذكية الحيوان المأخوذ منه وأورد على ذلك بما حاصله أن عدم التذكية لازم أعم لحياة الحيوان وموته حتف أنفه ، والموضوع للنجاسة ليس هو عدم التذكية بل ملزومه الثاني وهو موت حتف الأنف ، ومن الظاهر أن الاستصحاب في عدم تذكيته لا يثبت ذلك الملزوم ، وبتعبير آخر المتيقن سابقا هو عدم التذكية اللازم لحياة الحيوان ، وعلى تقدير ثبوته بعد موت الحيوان فهو عدم التذكية اللازم لموته حتف أنفه ، ولا يكون استصحاب عدم تذكيته إلّا كاستصحاب الضاحك في الدار المتحقق بوجود زيد فيها لإثبات وجود عمرو فيها بعد خروج زيد.

ورده الشيخ قدس‌سره بما حاصله أن عدم تذكية الحيوان مع زهوق روحه بنفسه موضوع لجواز أكل لحمه ولبس جلده وحمل أجزائه وتوابعه في الصلاة ، وكذا موضوع لطهارته فيكون مقتضى الاستصحاب في عدم تذكيته مع زهوق روحه انتفاء الحليّة والطهارة من غير حاجة إلى إثبات موته بحتف الأنف أو كون زهوق روحه كان بغير التذكية كما يدلّ عليه قوله سبحانه (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ)(١) وفي موثقة ابن بكير الواردة في الصلاة وفي أجزاء الحيوان وتوابعه (لا يقبل الله تعالى تلك الصلاة حتى يصلي فيما يؤكل إذا كان ذكيا) (٢) وعلى ذلك فلا يكون الاستصحاب في عدم تذكية الحيوان المأخوذ منه الجلد المطروح من قبيل الاستصحاب الكلي فضلا عن كونه من القسم الثالث.

ولكن يورد على الجواب بأن الاستصحاب في عدم التذكية يترتب عليه عدم

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ : ٣٤٥ ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي الحديث الأول.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

جواز أكل لحمه وعدم جواز الصلاة في جلده أو غيره من أجزائه ، وأما الحكم بالنجاسة فلا لأن الموضوع للنجاسة هو الميتة أي الحيوان الذي زهق روحه بغير التذكية لا الحيوان الذي زهق روحه ولم يقع عليه التذكية ودعوى الإجماع على أن غير المذكى محكوم بالنجاسة كما عن الماتن خلط بين عدم المذكى واقعا حيث يتحقق معه كون الحيوان ميتة لعدم اختصاص الميتة بحيوان مات حتف أنفه بل كل حيوان لم يكن موته مستندا إلى التذكية بأن كان مستندا إلى غيرها فهو ميتة فمع عدم التذكية الواقعية يستند موته إلى غيرها لا محالة بخلاف إحراز عدمها بالتذكية فإنه لا يثبت زهوق روحه بغيرها ، والثابت بالإجمال هو أن غير المذكى واقعا ميتة حيث يستند موته إلى غير التذكية لا أن عنوان غير المذكى موضوع للنجاسة ، وعليه فلا يثبت بالاستصحاب الموضوع للنجاسة. هذا ، وقد ذكرنا في بحث الفقه في باب نجاسة الميتة أن ما ذكر في معنى المذكى والميتة ، وأن المذكى ما كان زهوق روحه بالتذكية ، والميتة ما يكون زهوق روحه بغيرها صحيح بالإضافة إلى الحيوان الذي تكون ذكاته بالصيد ، وأما بالإضافة إلى الحيوان الذي تكون ذكاته بفري الأوداج فلا ؛ لأن المستفاد من صحيحة زرارة (١) الواردة في الحيوان الذي يقع في الماء أو النار بعد ذبحه هو أن زهوق روح الحيوان إلى الذبح غير معتبر في تحقق التذكية بل الحيوان المذكى ما جرى عليه فري الأوداج حال حياته ويقابله الميتة ، وهي ما مات ولم يقع عليه فري الأوداج بشرائطه في حال حياته وعليه فالاستصحاب في عدم جريان فري الأوداج على الحيوان مع إحراز زهوق روحه يثبت كونه ميتة فيكون نجسا.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٩.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وذكر بعض الأجلة قدس‌سره أن الاستصحاب في عدم تذكية الحيوان غير جار أصلا فلا يثبت أنه غير مذكى لئلا يجوز الصلاة في أجزائه ولا يجوز أكل لحمه فضلا عن ثبوت نجاسته وذلك فإن التذكية عبارة عن زهوق روح الحيوان بالكيفية الخاصة ، ويقابلها زهوق روحه بغير تلك الكيفية أو بأي كيفية لا تكون تلك الكيفية فالتذكية وعدمها أي غيرها وصف للحيوان في زهوق روحه ، وعدم زهوق روح الحيوان بالكيفية الخاصة وإن كانت صادقة حال حياة الحيوان بنحو القضية السالبة بانتفاء الموضوع كما أنها صادقة قبل وجود الحيوان أيضا لكن الموضوع لجواز الأكل وجواز الصلاة فيه فعلية زهوق روحه بالكيفية الخاصة والموضوع لعدم جواز فعلية زهوق روحه بكيفية لا تكون تلك الكيفية أو بغير تلك الكيفية ولا يكون شيء من الزهوق بتلك الكيفية أو بغيرها حالة سابقة إلّا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع التي لا يثبت استصحابها السالبة بانتفاء المحمول.

وفيه : أولا ـ أن جريان الاستصحاب في السالبة بانتفاء الموضوع وإثبات السالبة بانتفاء المحمول بعد إحراز وجود الموضوع لا يكون من الأصل المثبت كما تقدم ويأتي الكلام فيه في الاستصحاب في العدم الأزلي. وثانيا ـ أن الذكاة وصف للحيوان لا لزهوق الروح ، وزهوق الروح غير معتبر في تذكية الحيوان بمعنى أن توصيف الحيوان بكونه مذكى لا يكون بزهوق روحه بتلك الكيفية بل بنفس تلك الكيفية ولذا لا يحرم استعمال جلد الحيوان بعد تذكيته في المشروط بالطهارة ولا يكون شيء من لحمه إذا أخذ منه بعد ذبحه حراما ولو قبل زهوق روحه فيجوز أكله ، نعم الموت مأخوذ في معنى الميتة وهي كما تقدم الحيوان الميت إذا لم يجر عليه فري الأوداج بشرائطه قبل موته.

٢٥٣

جريان الاستصحاب في القسم الرابع

ثمّ إنه قد يقال بالقسم الرابع من استصحاب الكلي وهو ما إذا علم بوجود فرد من الطبيعي وارتفاعه وعلم أيضا بتحقق الطبيعي ، ولكن يحتمل كون الطبيعي المعلوم تحققه انطباقه على الفرد المقطوع ارتفاعه وانطباقه على غيره الباقي فيما بعد كما إذا علم بوجود زيد في الدار وخروجه منها بعد ذلك ، وعلم أيضا بوجود متكلم في الدار يحتمل كونه زيدا وقد خرج ويحتمل كونه غيره الباقي في الدار فعلا ، والفرق بين هذا القسم والقسم الثاني من الاستصحاب فيه هو أن الكلي كان مرددا في حصوله بين فردين لم يعلم بحصول أي منهما تفصيلا بل كان المعلوم حصول أحدهما إجمالا بخلاف هذا القسم فإنه يعلم بحصول فرد من الطبيعي تفصيلا وارتفاعه كذلك ويعلم أيضا بتحقق الطبيعي أما في ضمن ذلك الذي كان موجودا وارتفع أو في ضمن فرد آخر باق فعلا كما أن الفرق بين هذا القسم والقسم الثالث ظاهر فإن في القسم الثالث كان المتيقن هو الكلي المتحقق بالفرد الموجود معينا الذي زال ويحتمل وجود آخر منه بحصول فرد آخر مقارنا لحصوله أو ارتفاعه بخلاف هذا القسم فإن الكلي المتيقن حصوله لم يعلم انطباقه على الفرد المعلوم الارتفاع بل يحتمل انطباقه عليه أو على غيره الباقي ، ولا بأس في الفرض بالاستصحاب في ناحية الكلي لو كان لبقائه أثر شرعي ، ومثاله في الشرعيات ما إذا اغتسل الجنب من جنابته ثمّ رأى ولو بعد مدة المني في ثوبه فيعلم أنه كان جنبا عند خروج هذا المني ويحتمل كونه من الجنابة السابقة التي اغتسل منها ويحتمل أنها جنابة جديدة لم يغتسل منها فإن الاستصحاب في ناحية جنابته التي كانت عند خروجه جار لاحتمال بقائها بعد اليقين بها نعم لو كان هذا الاستصحاب بالمعارض

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كما في المثال حيث إن الاستصحاب في عدم جنابته بعد اغتسالها من الأول أيضا جار فيتساقطان بالمعارضة ويرجع إلى أصل آخر كقاعدة الاشتغال في المثال حيث يعلم المكلف باشتراط صلاته بالوضوء أو بالغسل ، وقد يفصل في المقام بين ما إذا علم بتحقق فردين من الكلي ويشك في تعاقبهما وعدمه وبين ما لم يعلم بحصول فردين بل بحصول عنوانين أما بوجود واحد أو وجودين فإنه يجري الاستصحاب في ناحية الكلي في الأول دون الثاني.

كما إذا علم المكلف أنه توضأ بوضوءين وأنه صدر عنه موجب للوضوء لكن يحتمل كون الوضوء الثاني كان تجديديا بأن تعاقب الوضوءان قبل الحدث المعلوم حدوثه فيكون فعلا محدثا ، ويحتمل كون الوضوء الثاني أيضا كالأول رافعا فيكون متطهرا فعلا ففي الفرض يجري الاستصحاب في بقاء الطهارة المتيقنة وجودها بعد الوضوء الثاني وكونها متيقنة عنده أما لحصول الطهارة عنده بالوضوء الأول أو الثاني ، ويحتمل بقاء تلك الطهارة ولو لاحتمال كون الحدث المعلوم صدوره قبل ذلك الوضوء غاية الأمر أن هذا الاستصحاب معارض بالاستصحاب في الحدث المعلوم إجمالا صدوره بخلاف ما إذا لم يعلم بحصول فردين كما في مسألة رؤية المني في ثوبه المحتمل كونه من الجنابة السابقة التي اغتسل منها فإنه يجري في الفرض عدم حدوث جنابة اخرى بعد الاغتسال من الاولى ويكون هذا حاكما على طبيعي الجنابة المعلومة إجمالا عند خروج ذلك المني ولكن لا يخفى إن ما لا يجري في الفرض الاستصحاب في ناحية طبيعي الجنابة المعلومة إجمالا عند خروج ذلك المني إذا احرز أن المني من الجنابة السابقة وهذا لا يثبت بالاستصحاب في عدم حدوث جنابة اخرى ، وعلى ذلك فالاستصحاب في عدم جنابة اخرى يكون عارضا

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بالاستصحاب في بقاء الجنابة المعلومة إجمالا حدوثها عند خروج ذلك المني ، وبتعبير آخر الجنابة المعلومة إجمالا عند خروج ذلك المني لا يعين بالاستصحاب في عدم جنابة اخرى أنها كانت هي الجنابة الاولى التي اغتسل منها نظير ما تقدم في القسم الثاني من الاستصحاب في الكلي أن الاستصحاب في عدم حدوث الفرد الطويل لا يعين أن الطبيعي كان حاصلا في ضمن الفرد القصير المعلوم زواله ؛ ولذا يجري الاستصحاب في ناحية بقاء الجنابة المعلومة إجمالا بخروج ذلك المني مع الاستصحاب في عدم حدوث جنابة اخرى بعد الاغتسال من الاولى فيتعارضان ، وبعد سقوطهما يرجع إلى أصالة الاشتغال في إحراز اشتراط الصلاة بالطهارة من الحدث.

أقول : إن كان المراد أن التكلم قيد للموضوع بأن كان الأثر مترتبا على وجود من صدر عنه التكلم في الدار فالعلم بوجود زيد في الدار لا يخرج الاستصحاب في بقاء المتكلم في الدار بعد خروج زيد من الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي نظير الاستصحاب في بقاء الحيوان عند تردد فرده بين كونه البق أو الفيل ، وإن كان المراد أن التكلم غير دخيل في الموضوع بل هو معروف لوجود الإنسان في الدار الموضوع للحكم فالعلم بوجود زيد في الدار كون الاستصحاب في كون إنسان في الدار من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ، وإن قيل إن المستصحب ليس طبيعي الإنسان مطلقا بل خصوص الطبيعي المنكشف بالتكلم السابق فهذا يدخل في استصحاب الفرد المردد ، وقد تقدم أنه لا فرق في جريان الاستصحاب بين الكلي من القسم الثاني أو الفرد المردد ، ودعوى عدم جريان الاستصحاب في ناحية الجنابة في المثال وكذا الاستصحاب في الطهارة التي كانت عند تمام الوضوء الثاني وذلك

٢٥٦

لا يقال : الأمر وإن كان كما ذكر ، إلّا أنه حيث كان التفاوت بين الإيجاب والاستحباب وهكذا بين الكراهة والحرمة ، ليس إلّا بشدّة الطلب بينهما وضعفه ، كان تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد وجود الطبيعي بينهما ، لمساوقة الاتصال مع الوحدة ، فالشك في التبدل حقيقة شك في بقاء الطلب وارتفاعه ، لا في حدوث وجود آخر.

______________________________________________________

لاحتمال انطباق الجنابة في الأول على التي اغتسل منها وانطباق الطهارة في الثاني على الوضوء الأول الذي انتقض بالحدث المعلوم حدوثه فيكون رفع اليد عنهما من نقض اليقين باليقين ، وبتعبير آخر استصحاب الجنابة في الأول والطهارة في الثاني من التمسك بالعام في شبهته المصداقية ؛ لأن الموردين من الشبهة المصداقية لأخبار لا تنقض اليقين بالشك لا يمكن المساعدة عليها فإنه لا يعتبر في جريان الاستصحاب إلّا احتمال بقاء الحالة السابقة التي تعلق بها اليقين لا الشك فيها على كل تقدير ولا يتصور في احتمال البقاء الشبهة المصداقية ؛ لأن موطن الاحتمال النفس لا الخارج على ما هو مقرر في محله ويأتي في الشك في الحادثين في المتقدم والمتأخر منها مزيد توضيح.

ولكن ربّما يقال بكفاية الوضوء في مسألة رؤية المني في الثوب فيما أحدث بالأصغر ولا يجب الاغتسال من احتمال جنابته بعد الجنابة التي اغتسل منها ؛ لأن المستفاد من الخطابات الشرعية أن من اغتسل من جنابته يصلي به ما لم يحصل منه موجب الوضوء والغسل وإن حصل موجب الوضوء يتوضأ لصلاته ما دام لم يجنب وإذا أجنب يغتسل فالمكلف في الفرض قد اغتسل من جنابته السابقة ومقتضى الاستصحاب أنه لم يجنب بعده فيترتب على ذلك لزوم الوضوء لطهارته لصلاته وغيرها إذا أحدث بالأصغر وفيه أن المستفاد أيضا من الخطابات الشرعية من أجنب

٢٥٧

فإنه يقال : الأمر وإن كان كذلك ، إلّا أن العرف حيث يرى الإيجاب والاستحباب المتبادلين فردين متباينين ، لا واحد مختلف الوصف في زمانين ، لم يكن مجال للاستصحاب ، لما مرّت الإشارة إليه وتأتي ، من أنّ قضيّة إطلاق أخبار

______________________________________________________

فعليه لطهارته الغسل بعدها والمفروض أن المكلف عند خروج المني الذي رآه في ثوبه كان جنبا يقينا ولم يحرز أنه أغتسل بعد تلك الجنابة لاحتمال كونها جنابة غير التي اغتسل منها. نعم ، لو كان الاستصحاب في عدم جنابته بعد اغتساله من السابقة مثبتا بأن الجنابة عند خروج هذا المني كانت هي الجنابة السابقة لتم ما ذكر ، ولكنه بالإضافة إلى ذلك أصل مثبت اللهم إلّا أن يقال إثبات أن المني من الجنابة الاولى لا أثر له فإن المفروض أنه اغتسل منها فيكون الاستصحاب في عدم حدوث جنابة اخرى مقتضاه عدم جنابته فعلا فالمكلف إن كان محدثا بالأصغر يتوضأ وإن لم يكن محدثا به فهو متطهر يجوز له الدخول في الصلاة وغيرها مما هو مشروط بالطهارة ، والفرق في المقام وما تقدم في الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي من جريان الاستصحاب في بقاء الحدث بعد الوضوء والاستصحاب في عدم كون البلل الخارج منيا يظهر بالتأمل وأن المستصحب في المقام الجنابة المرددة مع أن مقتضى الاستصحاب هو عدم كونه جنبا بعد الاغتسال من الجنابة الاولى وأن الاستصحاب في الجنابة المرددة لا يثبت حدوث جنابة جديدة فيجري الاستصحاب في عدم حدوثها ومع جريانه فالمكلف عالم بطهارته فعلا أو بعد التوضؤ إذا أحدث بالأصغر.

عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي مع تخلل العدم بين الفردين

بقي في المقام أمر وهو أن ما ذهب إليه البعض من جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ومنعنا جريانه فيه يختص بما إذا احتمل حدوث فرد آخر من الكلي في زمان وجود الفرد المعين المتيقن أو مقارنا لارتفاعه بحيث لم يتخلل عدم

٢٥٨

الباب ، أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا ، وإن لم يكن بنقض بحسب الدقة ، ولذا لو انعكس الأمر ولم يكن نقض عرفا ، لم يكن الاستصحاب جاريا وإن كان هناك نقض عقلا.

______________________________________________________

الكلي بزمان بينهما ، وأما إذا احتمل حدوث فرد آخر من الكلي بعد ارتفاع الفرد المعين بزمان فلا وجه لتوهم الاستصحاب في ناحية بقاء الكلي بل يجري الاستصحاب في ناحية عدم وجوده كما إذا احتمل المتوضئ بعد الحدث الأصغر أنه أجنب بعد وضوئه حيث يجري الاستصحاب في ناحية عدم حدثه وجنابته بعد وضوئه.

ويترتب على ما ذكرنا أنه يجري أحكام العيد وبقائه إلى آخر اليوم من بعد يوم الشك في أنه آخر شهر رمضان أو أول شوال حيث يصح القول عند انقضاء يوم الشك بدخول الليل بأنّا على يقين من دخول أول شهر شوال أي العيد فيحمل بقاؤه إلى آخر الغد فيترتب على هذا الاستصحاب الآثار المترتبة على تحقق ليلة العيد ويومه ، وربما يعارض هذا الاستصحاب باستصحاب آخر وهو دعوى العلم بأنه لم يكن زمان يوم العيد ويحتمل بقاء عدم العيد الكلي فيما بعد زمان يوم الشك ، ولكن لا يخفى ما فيه فإن الاستصحاب في بقاء العيد إلى آخر الغد من الاستصحاب في الفرد المردد فهو جار على ما ذكرنا ، وأما الاستصحاب في عدم العيد فهو من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي الذي تخلل زمان بين ارتفاع الفرد الأول وبين احتمال الفرد الثاني والوجه في ذلك أن عدم العيد المنطبق على آخر رمضان معلوم الارتفاع بتحقق العيد يوم الشك أو ما بعده يقينا وعدم العيد تحققه فيما بعد يوم الشك مشكوك ، والأصل بقاء العيد وعدم زواله ، وعلى الجملة إذا تخلل الوجود للشيء بين عدمية يحسب العدم الثاني غير العدم الأول ولا يقاس بالاستصحاب في عدم شيء

٢٥٩

ومما ذكرنا في المقام ، يظهر ـ أيضا ـ حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام في الشبهات الحكمية والموضوعية ، فلا تغفل.

الرابع ـ أنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الامور القارة أو التدريجيّة غير القارة [١] فإن الامور غير القارة وإن كان وجودها ينصرم ولا يتحقق منه جزء إلّا

______________________________________________________

يحتمل عدم انقطاعه وبقائه على ذلك العدم فإنه يحسب من استصحاب الفرد كالاستصحاب في بقاء عدم تذكية الحيوان إلى زمان زهوق روحه.

وقد تحصل من جميع ما ذكرنا أن ما سمي الاستصحاب فيه بالقسم الرابع إن كان المعلوم تحققه من العنوان محتملا أن ينطبق على الفرد المقطوع زواله كالجنابة المعلومة برؤية المني في ثوبه فلا مجال فيه للاستصحاب في الكلي إذا كان الأثر المترتب على الكلي بعينه الأثر المترتب على الفرد الطويل وبالعكس وأن الاستصحاب في عدم حدوث فرد آخر حاكم على الاستصحاب في ناحية الكلي ، وإن كان للمعلوم حدوثه وجود آخر يتردد أمره بين كونه رافعا للفرد الأول السابق أو رافعا للفرد الثاني فيدخل ذلك في مسألة العلم بحدوث الحادثين والشك في المتقدم والمتأخر منهما كما إذا توضأ المحدث بالأصغر وضوءين مع علمه بحدوث البول منه ولكن لا يدري أنه توضأ وضوءين وكان الثاني تجديدا فالبول بعدهما أو أنه بال بعد وضوئه الأول ثمّ توضأ والاستصحاب في كل من الطهارة والحدث جار ويقع التعارض بينهما ولكن هذا من الشك في المتقدم والمتأخر من الحادثين.

[الرابع : جريان الاستصحاب في التدريجيات]

[١] لا ينبغي التأمل في جريان الاستصحاب في المركّبات القارّة وهي التي تجتمع أجزاؤها في زمان واحد فإن شمول أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك لها كشمولها لما إذا شك في بقاء البسيط كعدالة زيد واجتهاده ظاهر.

٢٦٠