دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-09-3
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤١٦

إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل ، فقد عرفت أنه لا مجال لاستصحاب دخل ما له الدخل في التكليف [١] إذا شك في بقائه على ما كان عليه من الدخل ، لعدم كونه حكما شرعيا ، ولا يترتب عليه أثر شرعيّ ، والتكليف وإن كان مترتّبا عليه إلّا أنه ليس بترتب شرعي ، فافهم.

______________________________________________________

ذلك يختلف إضافة الفرس إلى الله سبحانه عن إضافته إلى زيد فإن الأول إضافة إشراقية والثاني إضافة مقولية.

أقول : إنّ الملكية التي تعدّ من الأحكام الوضعية من الاعتبارات الحاصلة بإنشائها كما أنها لا تكون من المحمولات بالضميمة كذلك لا تكون من خارج المحمول فإن خارج المحمول من المنتزعات المعبر عنها بالاعتبارات العقلية التي لها منشأ انتزاع حقيقي كالفوقية للفوق في مقابل المحمولات بالضميمة كالسواد للجسم ، وبتعبير آخر الاعتبارات العرفية ليس لها تحقق لا بنفسها ، ولا منشأ انتزاع حقيقي لها وهي خارجة عن المقسم للمحمولات بالضميمة والمحمولات بخارج المحمول ، ولذا تقبل الإلغاء ولو بإلغاء منشأ اعتبارها بخلاف الاعتبارات العقلية فإنها غير قابلة للإلغاء كما هو ظاهر.

جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعية وعدمه

[١] قد فرع الماتن قدس‌سره على ما ذكر في القسم الأول من الحكم الوضعي عدم جريان الاستصحاب فيه حيث ذكر سابقا أنه لا جعل فيها لا استقلالا ولا تبعا للتكليف كالسببية والشرطية والمانعية له فلا يجري الاستصحاب في ناحية دخل ما كان له الدخل في التكليف فيما إذا شك في بقائه على ما كان من الدخل وذلك لعدم كون دخالته حكما شرعيا ولا يترتب عليها أثر شرعي والتكليف وإن كان مترتبا على دخالته إلّا أن الترتب أمر قهري لا شرعي.

٢٠١

في عدم جريان الاستصحاب في القسم الأول من الأحكام الوضعية

أقول على الماتن قدس‌سره أن يلتزم بعدم جريان الاستصحاب في ناحية نفس شرط التكليف أو عدم مانعة أو رافعه في الشبهة الموضوعية أيضا فإنه كما التزم بعدم جريان الاستصحاب في ناحية بقاء شيء على شرطيته للتكليف كالشك في أن غليان العنب بعد صيرورته زبيبا يوجب حرمته كذلك لا يجري الاستصحاب في ناحية عدم غليان العنب فيما إذا شك في غليانه فإن غليانه وإن تترتب عليه حرمته إلّا أن الترتب قهري ليس بشرعي وكذلك الاستصحاب في ناحية عدم ذهاب ثلثيه بعد غليانه ، ومن هذا القبيل جريان الاستصحاب في ناحية عدم دلوك الشمس ، ولا أظن أن يلتزم هو أو غيره بعدم جريان الاستصحاب في مثل هذه الشبهات الموضوعية.

وعلى الجملة فالماتن قدس‌سره قد خلط شرائط الجعل بشرائط المجعول ، وبيان ذلك أنه كما تكون شرطية شيء لمتعلق التكليف من الواجب أو الحرمة بتعلق الوجوب أو الحرمة بالفعل بحيث يكون ذلك الشيء قيدا ويعبّر عنه بالشرط إذا كان الدخيل في متعلق التكليف وجوده والمانع إذا كان الدخيل عدمه فكذلك المأخوذ في مقام الثبوت في ناحية موضوع التكليف فإن كان حصول شيء قيدا لموضوع التكليف يعبر عنه بشرط التكليف ، وإن كان المأخوذ فيه عدمه يعبر عن وجوده بالمانع عن التكليف ، والتكليف سواء كان وجوبا أو حرمة أو غيرهما في فعليته تابع لجعله حيث إن التكليف بأقسامه مجعول للمولى وقد ذكرنا مرارا أن التكليف المجعول بنحو القضية الحقيقية له مقامان ؛ مقام الجعل ، ومقام الفعلية ، ومقام الفعلية إنما هو بفعلية ما فرض في مقام الجعل حصوله وثبوت التكليف معه أو بعده أو قبله على اختلاف

٢٠٢

وإنه لا إشكال في جريان الاستصحاب في الوضع المستقلّ بالجعل ، حيث إنه كالتكليف ، وكذا ما كان مجعولا بالتبع ، فإنّ أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو

______________________________________________________

الشرط للتكليف من كونه مقارنا أو مقدما أو متأخرا أو إطلاق الشرط عليه ليس بمعناه الفلسفي بل بمعنى كونه قيدا للموضوع للتكليف سواء عبر عنه بالشرط أو السبب فما دام لم يجعل التكليف لموضوعه على تقدير حصوله لا شرطية ولا سببية ولا مانعية ولا رافعية للتكليف كما كان الحال كذلك في الشرطية والمانعية لمتعلق التكليف ، ويكون ترتب التكليف على فعلية موضوعه وقيده ترتبا شرعيا حيث إنه تابع لجعله الذي هو فعل المولى ؛ ولذا لو شك في بقاء التكليف بالشبهة الموضوعية يحرز بقاؤه بالاستصحاب في بقاء الموضوع أو بقاء قيده ، وإذا شك في حصوله وعدمه يحرز عدمه بالاستصحاب في ناحية الموضوع وقيده ، وإذا شك فيه بالشبهة الحكمية يجري الاستصحاب في ناحيته بناء على جريانه في الشبهات الحكمية على ما تقدم الكلام في ذلك مفصلا عند التعرض لأخبار الاستصحاب.

وأما دخالة حصول شيء في صلاح الفعل أو مفسدته فلحاظه داع للمولى إلى جعل الوجوب أو الحرمة ودخالته بلحاظه في إرادة المولى جعل التكليف على تقدير حصوله أو عدم حصوله خارجة عن مقسم الحكم وإحراز دخالته وكيفية دخالته وظيفة المولى ولا دخل لاعتقاد المكلف وشكه فيها ليكون موردا للاستصحاب ، وقد اعترف الماتن في بحث الشرط المتأخر أن الدخيل لحاظ الشيء لا نفسه ، وذكرنا أنّ لحاظه دخيل في الجعل لا في الحكم المجعول ، وكلامه في المقام ككلامه في الشرط المتأخر خلط بين شرط الجعل وشرط الحكم المجعول فلا تغفل.

ثمّ إنه قد ظهر مما ذكرنا أنّ الشرطية أو السببية والمانعية والرافعية للتكليف

٢٠٣

بتبع منشأ انتزاعه [١] ، وعدم تسميته حكما شرعيا لو سلّم غير ضائر بعد كونه مما تناله يد التصرف شرعا ، نعم لا مجال لاستصحابه ، لاستصحاب سببه ومنشأ انتزاعه ، فافهم.

______________________________________________________

ليست امورا مجعولة شرعيا توجد بجعل التكليف بل هي في نفسها حكم العقل يتبع الحكم بعد تمام جعله بنحو القضية الحقيقية فإنه إذا اعتبر الشارع الحرمة لتناول العصير عند غليانه وقبل ذهاب ثلثيه بعد غليانه يحكم العقل بأن فعلية حرمة العصير تكون بالغليان ، وإذا اعتبر وجوب صلاتي الظهر والعصر عند دلوك الشمس إلى أن تغرب يحكم بأن الدلوك شرط أو سبب لوجوبهما الفعليين ، وكل ذلك لحكم العقل بأن الحكم المجعول الموضوع له قيد يكون فعلية ذلك الحكم في فرض ذات الموضوع منوطا بحصول قيده في موطنه فإن حكمه هذا نظير حكمه بأنه لا فعلية للكل إلّا بفعلية كل من أجزائه بل يمكن جريان ما ذكر في الشرطية والمانعية لمتعلق التكليف فإنها في الحقيقة حكمه بأنه لا فعلية للمتعلق من غير فعلية شرطه أو فقد مانعة.

[١] التزم قدس‌سره بجريان الاستصحاب في القسم الثاني من الحكم الوضعي كالاستصحاب في شرطية شيء أو مانعيته للواجب فإن هذا القسم من الحكم الوضعي قابل للتعبد حيث إنه مجعول ولو بجعل منشأ انتزاعه أي التكليف حيث إن وضعه ورفعه يكون بوضع التكليف ورفعه وهذا المقدار يكفي في التعبد به ثبوتا أو نفيا فشمول خطاب : «لا تنقض اليقين بالشك» له في نفسه لا مانع منه إلّا أنه لا تصل النوبة إلى جريانه فيه مع جريانه في منشأ انتزاعه يعني التكليف. مثلا إذا شك في بقاء شرطية الاستقبال إلى القبلة في الصلاة في مورد لا تصل النوبة إلى الاستصحاب في شرطية الاستقبال فيها بل يجري الاستصحاب في بقاء نفس التكليف السابق

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المتعلق بالصلاة إلى القبلة ، وإذا لم يجر الاستصحاب في نفس التكليف لابتلائه بالمعارض صحّ جريانه في نفس الحكم الوضعي ، ولذا قيل في دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين بأن الاستصحاب في عدم تعلق الوجوب بالأكثر يعارض بالاستصحاب في عدم تعلقه بالأقل بنحو اللابشرط وبعد تعارضهما يرجع إلى الاستصحاب في عدم جزئيته المشكوك في جزئيته وكذا في الشك في شرطية شيء أو مانعيته وفيه أن هذا القول وإن كان ضعيفا لكن الاستصحاب على تقدير جريانه في نفسه في ناحية عدم تعلق الوجوب بالأقل بنحو اللابشرط لم يجر في الفرض لا فيه ولا في عدم جزئية الجزء المشكوك في جزئيته أو شرطية المشكوك في شرطيته ، ولا يفيد كون الاستصحاب في عدم الجزئية أو الشرطية أصلا مسببا وذلك في السببية والمسببية في الأصل إنما يفيد في صورة جريان الأصل السببي ، وأما في صورة عدم جريانه يكون الأصل المعارض للأصل السببي معارضا للأصل المسببي أيضا لفعلية الشك في كل من السبب والمسبب والطرف الآخر في زمان واحد ، ونسبة خطاب الأصل العملي بالإضافة إليها جميعا على حد سواء حيث إن الاستصحاب في عدم تعلق الوجوب بالأقل كما يعارض الاستصحاب في عدم تعلق الوجوب بالأكثر يعارض الاستصحاب في عدم جزئية المشكوك أو شرطيته ؛ ولذا ذكروا ومنهم الماتن قدس‌سره في الحكم في الملاقي لأحد أطراف العلم بالنجاسة بأنه إذا كانت الملاقاة حاصلة حين العلم بالنجاسة يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر والملاقى بالفتح والطرف الآخر ، وأما إذا حدثت الملاقاة بعد العلم بالنجاسة يجب الاجتناب عن الملاقى بالفتح والطرف الآخر دون الملاقي بالكسر ، وما نحن فيه من قبيل الأول دون الثاني.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بقي في المقام أمران :

الأول ـ قد تقدم عدّ الصحة والفساد من الأحكام الوضعية بمعنى أن كلا منهما مجعول شرعي وعن الشيخ والماتن قدس‌سرهما التفصيل بين الصحة والفساد في العبادات بأنهما فيهما أمران خارجيان عن جعل الشارع حيث إن الصحة فيها بمعنى مطابقة المأتي به لمتعلق الأمر وفسادها عبارة عن عدم مطابقته له بخلاف الصحة والفساد في المعاملات حيث إن الصحة فيها بمعنى جعل الأثر للمتحقق منها والفساد بمعنى عدم جعل الأثر له فالفرد الموجود من المعاملة خارجا إن ترتب الأثر المترتب منها عليه فهو صحيح ، وإلّا ففاسد وربما يقال : إن الصحة في المعاملات أيضا مطابقة المأتي به منها لما تعلق به الإمضاء وفسادها عدم مطابقتها له.

والحاصل أن الصحة والفساد من أوصاف ما يتحقق خارجا فما هو المحقق في الخارج فعلا أو تقديرا مطابقا لما تعلق به الإمضاء يوصف بالصحة ، وإلّا فبالفساد. نعم ، هذا بالإضافة إلى الصحة والفساد الواقعيين في العبادات والمعاملات ، وأما الصحة والفساد الظاهريان فهما مجعولان في العبادة والمعاملة فإنّ للشارع أن يعتبر عند جهل المكلف غير المطابق مطابقا كما في موارد قاعدتي الفراغ والتجاوز ، والمطابق غير مطابق كما في مورد جريان الاستصحاب في عدم حصول الشرط في العبادة أو المعاملة إذا كان الواقع على خلاف مقتضاها.

أقول : لا ينبغي التأمل في أن إحراز صحة العبادة المأتي بها وعدم صحتها وكذا إحراز صحة معاملة توجد في الخارج وعدم صحتها يكون بملاحظة خطاب الشارع وملاحظة دليل يكون مفاده بيان متعلق الأمر أو الموضوع للإمضاء ، والكلام في المقام ليس في الإحراز وإنما في أن كلا من الصحة في العبادة والمعاملة أمر مجعول

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

للشارع أم لا ، أو يفصل بين العبادة والمعاملة والظاهر هو التفصيل ؛ لأن المتحقق خارجا لا يتعلق به الأمر حيث إنه طلب الإيجاد لا طلب الشيء بعد وجوده ، ومطابقة المأتي به لما يطلب إيجاده أمر واقعي يدركه العقل بخلاف المعاملات فإن الحكم الشرعي والإمضاء يجعل لوجوداتها ولو بمفاد القضية الحقيقية فشمول الإمضاء الحاصل بنحو القضية الحقيقية للمتحقق خارجا أيضا حيث إن الإمضاء وجعل الأثر لوجودات المعاملة ولو بجعل العناوين مشيرة إليها فيكون المحقق للصحة جعل الأثر للمتحقق ولو بملاحظته في ضمن قضية حقيقية.

الثاني ـ قد يقال إن المجعولات الشرعية تكون من قبيل الحكم ـ تكليفية كانت أو وضعية ـ ومن قبيل غير الحكم قال الشهيد في قواعده : الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم وسائر العقود لا يطلق على الفاسد إلّا الحج لوجوب المضي فيه ، ومرادهم من جعل الماهية إما أن الشارع لاحظ أمورا متعددة شيئا واحدا وسماه باسم خاص كما هو مسلك من التزم بالحقيقة الشرعية بالوضع التعييني أو بالوضع التعيّني بأن استعمل اللفظ في مجموع تلك الامور بالعناية حتى صار بكثرة الاستعمال حقيقة فيه في عصره أو أن المراد أن الشارع جعل التكليف المتعلق بها ولا يطلق الأسامي والألفاظ الدالة على المتعلق إلّا على الصحيح أي التام والمجموع الذي تعلق به التكليف إلّا الحج حيث يطلق على الفاسد أيضا لكون فاسده أيضا متعلق التكليف كصحيحه من وجوب المضي فيه. وعلى كل تقدير التكليف في الحج الفاسد بالمضي لا يدلّ على التفرقة في الماهيات الجعلية في أساميها وذلك لأن المراد من الحج الفاسد ليس هو الحج الباطل بل الحج الذي يجامع المكلف امرأته بأن يجامعها بعد إحرامه للعمرة قبل السعي ، أو بعد إحرامه للحج قبل الوقوف بالمزدلفة

٢٠٧

ثم إن هاهنا تنبيهات :

الأول ـ إنه يعتبر في الاستصحاب فعليّة الشك واليقين [١] فلا استصحاب مع الغفلة لعدم الشك فعلا ولو فرض أنه يشك لو التفت ضرورة أنّ الاستصحاب وظيفة الشاك ، ولا شك مع الغفلة أصلا ، فيحكم بصحة صلاة من أحدث ثم غفل

______________________________________________________

فإنه يجب عليه تكرار العمرة والحج بعد إتمامها جزاء لا أن ما وقع فيه الجماع فاسد كفساد الصلاة بارتكاب مبطلاتها بل في الرواية المعتبرة حجة إسلامه هو الحج الأول لا المعاد ، أضف إلى ذلك أن وجوب المضي لا ينحصر على الحج بل يثبت في صوم شهر رمضان أيضا حيث إنه لو أفطر صومه فيه بتناول المفطر عمدا يجب عليه الإمساك بعد إبطاله كما هو المقرر في محله مع أن الفساد فيه واقعي.

تنبيهات الاستصحاب

[١] المعتبر في جريان الاستصحاب إحراز الحالة السابقة والشك في بقائها ، والشك المعتبر في جريانه المعبر عنه بأحد ركني الاستصحاب هو الشك الفعلي كما هو ظاهر خطابات الاستصحاب ، وظاهر العناوين المأخوذة في الخطابات موضوعات لسائر الأحكام سواء كانت الأحكام ظاهرية أم واقعية فإنه كما لا اعتبار بالتغير الشأني أي التقديري في نجاسة الماء الكثير كذلك لا اعتبار في التعبد بالبقاء بالشك التقديري في بقاء الحالة السابقة بمعنى أن المكلف لو كان ملتفتا إلى تلك الحالة السابقة وشك في بقائها ، وقد رتب الماتن قدس‌سره تبعا للشيخ قدس‌سره على اعتبار الشك الفعلي وعدم كفاية التقديري أمرين :

أحدهما ـ أنه لو كان المكلف على حدث ثمّ غفل عن حاله وصلى حال الغفلة وبعد الصلاة التفت واحتمل أنه قد توضأ قبل صلاته وغفلته عن حاله فيحكم بصحة صلاته لقاعدة الفراغ ، ولكن يجب عليه الوضوء أخذا في حدثه السابق

٢٠٨

وصلّى ثم شك في أنه تطهّر قبل الصلاة ، لقاعدة الفراغ ، بخلاف من ألتفت قبلها وشك ثم غفل وصلّى ، فيحكم بفساد صلاته فيما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك ، لكونه محدثا قبلها بحكم الاستصحاب ، مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي.

______________________________________________________

بالاستصحاب الجاري بعد الصلاة. لا يقال : كما أن مقتضى الاستصحاب بعد الصلاة اعتبار الوضوء للصلوات الآتية لبقاء حدثه السابق كذلك مقتضاه بطلان صلاته التي يكون مقتضى الاستصحاب بعد الصلاة وقوعها حال الحدث فإنه يقال : قاعدة الفراغ الجارية بالإضافة إلى الصلاة الماضية حاكمة على الاستصحاب بالإضافة إلى الصلاة المفروغ منها على ما يأتي في بحث تعارض الاصول ، ولا تثبت كونه على وضوء بالإضافة إلى الصلاة الآتية.

وثانيهما ـ أن المكلف المفروض إذا التفت إلى حاله قبل الصلاة واحتمل بقاء حدثه لعدم توضئه ثمّ غفل وصلى فإنه يجب عليه إعادة تلك الصلاة على تقدير إحرازه لعدم توضئه بعد الشك في بقاء حدثه فإنه لا يجري في الفرض قاعدة الفراغ بل كان اللازم عليه لزوم الوضوء قبل دخوله في الصلاة لإحراز كونه محدثا قبلها بالاستصحاب.

وقد ناقش المحقق الهمداني على ما هو ببالي في تعليقته على الرسالة في كلا الأمرين حيث إن المناقشة في الأمر الثاني ظاهرة والصلاة المفروضة لا يحكم بصحتها سواء قيل بكفاية الشك التقديري في جريان الاستصحاب ، أو يقال : باعتبار الشك الفعلي ، أو قيل : بعدم اعتبار الاستصحاب أصلا فإن عدم جريان قاعدة الفراغ في الصلاة المفروضة كاف في لزوم إعادتها لإحراز امتثال الأمر المتعلق بها مع الطهارة والوجه في عدم جريان القاعدة اختصاصها بالشك الحادث بعد العمل وهذا المكلف قبل أن يصلي عند الالتفات إلى حاله كان على شك في صحة صلاته التي

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يصليها على ذلك الحال بعد ذلك.

وأما المناقشة في الأول فإنه لو قيل باعتبار احتمال الذكر حال العمل في جريان قاعدة الفراغ فالصلاة المفروضة غير مجزية لعدم جريان قاعدة الفراغ بالإضافة إلى حال غفلته حال العمل سواء قيل بكفاية الشك التقديري في جريان الاستصحاب أو قيل بكفاية الشك التقديري فإن الصلاة المزبورة واقعة حال الحدث بمقتضى الاستصحاب في الحدث بعد الصلاة أو حتى قبلها بناء على الشك التقديري ، ولو قيل بعدم اعتبار احتمال الذكر حال العمل في جريان قاعدة الفراغ فيحكم بصحة العمل حتى بناء على كفاية الشك التقديري في جريان الاستصحاب فإنه بناء على كفاية الشك التقديري وأن يجري الاستصحاب في حدثه السابق قبل الصلاة إلّا أن قاعدة الفراغ الجارية في الصلاة بعد الفراغ تكون حاكمة على ذلك الاستصحاب بناء على أن الموضوع في القاعدة يختص بالشك الفعلي الحادث بعد الفراغ كما هو الصحيح.

ثمّ أنه قد أورد بعض الأعاظم (رضوان الله عليه) على ما ذكره الماتن من اعتبار فعلية الشك في جريان الاستصحاب من أن اعتباره فعلية الشك في جريانه ينافي ما يذكره في التنبيه الآتي من أن مقتضى خطابات الاستصحاب جعل الملازمة بين ثبوت الشيء وبقائه عند الشك في البقاء على تقدير حدوثه ، ووجه المنافاة أن الشك في البقاء في شيء ـ على تقدير حدوثه ـ شك تقديري لا فعلي. بل ذكر الماتن فيه في ذيل كلامه أن مقتضى خطابات الاستصحاب هو جعل الملازمة بين ثبوت الشيء وبقائه ، ولازم ذلك أن لا يكون عنوان اليقين مأخوذا في موضوع اعتبار الاستصحاب وكذا الشك.

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن لا يخفى ما في الإيراد فإن المراد بفعلية الشك في المقام هو الشك في بقاء الحالة السابقة فإن كانت الحالة السابقة أمرا معلوم الحصول فالشك إنما هو في البقاء كذا إن لم يكن حصوله معلوما فالشك في البقاء فعلي سواء وإنما التقدير في الحالة السابقة حيث إن حصولها في فرض جزمي وفي فرض آخر غير جزمي فإنه لو لا الحصول لا بقاء.

وما تقدم من عدم كفاية الشك التقديري المعبر عنه بالشك التعليقي المراد منه عدم الشك عند جريان الاستصحاب أصلا بل لو كان المكلف ملتفتا حصل له الشك في البقاء والشك التقديري بهذا المعنى لا يكفى في جريان الاستصحاب ، وأما إذا كان الشك في البقاء فعليا والبقاء فرع ثبوت الشيء فتارة يكون ثبوته معلوما واخرى محتملا ، وهذا لا يضر بجريان الاستصحاب على ما يذكره الماتن في الأمر الآتي. نعم ، ما ذكر الماتن قدس‌سره في هذا الأمر وفي ذيل تعريف الاستصحاب من كون اليقين بالثبوت كالشك في البقاء معتبرا في جريان الاستصحاب ينافي ما يذكر في الأمر الآتي من عدم اعتبار اليقين بالثبوت في جريانه وأن أدلة الاستصحاب ناظرة إلى التعبد بالبقاء عند الشك فيه سواء كان الثبوت محرزا بالعلم أو بغيره.

بقي في المقام ما يقال : من أنّ البحث في أن المراد من الشك المأخوذ موضوعا لاعتبار الاستصحاب هو خصوص الشك الفعلي وأنه لا يعمّ الشك التقديري لغو محض حيث إن البحث في أن العنوان الوارد موضوعا في الخطابات خصوص فعليته أو يعم الشأني أيضا يصح فيما إذا أمكن للمكلف الالتفات حال العمل على طبق الحكم إلى تحقق العنوان الشأني كما في تغير الماء ولا يمكن الالتفات إلى الشك الشأني حيث إن المكلف لا يلتفت إليه ليعمل على طبق حكمه ، وإلّا تحقق له

٢١١

لا يقال : نعم ، ولكن استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما ألتفت بعدها يقتضي أيضا فسادها.

فإنه يقال : نعم ، لو لا قاعدة الفراغ المقتضية لصحتها المقدمة على أصالة فسادها.

______________________________________________________

الشك الفعلي ، ولو كان جعل الحكم للشك الشأني أمرا معقولا لم يكن في مقام الإثبات بالإضافة إلى بعض الاصول قصورا نظير قوله عليه‌السلام : «كل شيء نظيف حتى يعلم أنه قذر» و «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام» حيث إن ظاهرهما عدم دخل الشك الفعلي في الحكم بالطهارة والحلية بل الشيء ما لم ينكشف حرمته ونجاسته محكوم عليه بالطهارة والحلية ، وعلى الجملة البحث في مقام الإثبات وأن الشك الوارد في خطابات الاستصحاب ظاهر في خصوص الشك الفعلي ، ولا يعم الشك التقديري إنما يفيد بعد عدم ثبوت الامتناع في موضوعية كل منهما ثبوتا.

وقد ذكر أن الشك الشأني لا يمكن جعله موضوعا للتكليف أو الوضع لعدم إمكان التفات المكلف إليه حال العمل بالحكم ويجري ذلك في الشك بعد العمل الموضوع في قاعدة الفراغ فإنه لا يكون الموضوع للحكم بالصحة إلّا الشك الفعلي بعد العمل. أقول : ما ذكر من عدم إمكان جعل الحكم الظاهري حال الشك الشأني يتم بالإضافة إلى الحكم التكليفي الطريقي حيث لا يكون ذلك التكليف حال الغفلة داعيا إلى العمل ، وأما بالإضافة إلى الحكم الوضعي فإن كان لثبوته حال الشك الشأني أثر ولو بعد انقضاء حال الغفلة فلا بأس من جعله لحال الغفلة كما إذا علم المكلف أن على ثوبه شعر ما لا يؤكل لحمه ثمّ شك بعد زمان أنه رفعه عن ثوبه أم لا فصلى فيه لاحتمال أنه رفعه فلا يحكم بعد الفراغ بصحة صلاته سواء بقي الشك أو علم ببقائه على ثوبه ، أما في فرض بقاء شكه فلعدم جريان قاعدة الفراغ لكون شكه

٢١٢

الثاني : إنه هل يكفي في صحّة الاستصحاب الشك في بقاء شيء على تقدير ثبوته [١] ، وإن لم يحرز ثبوته فيما رتب عليه أثر شرعا أو عقلا؟ إشكال من عدم إحراز الثبوت فلا يقين ، ولا بد منه ، بل ولا شك ، فإنه على تقدير لم يثبت ، ومن أن

______________________________________________________

لم يحدث بعد العمل وأما في فرض علمه بالبقاء لعدم جريان قاعدة «لا تعاد» لأنه حين الدخول في الصلاة كانت صلاته محكومة بالخلل فيها ، وأما إذا غفل بعد شكه في الرفع وصلى حال غفلته ثمّ عاد الشك في البقاء بعد الفراغ أو علم بالبقاء فلا تجري قاعدة الفراغ لكون الشك في الصحة حادثا قبل الصلاة ، ولكن يحكم بصحتها بحديث «لا تعاد» حيث إن غفلته عذر فالخلل معه لا يضر بصحة صلاته إذا علم البقاء فضلا عن الاحتمال هذا لو قلنا بسقوط الاستصحاب قبل الصلاة بطرو الغفلة ؛ لأنه لا موضوع له بعد طروها بخلاف ما لو قيل بكفاية الشك التقديري في جريان الاستصحاب حيث إنه لا تجري بعد الصلاة قاعدة الفراغ لكونه حادثا قبل العمل ، ولا قاعدة «لا تعاد» ؛ لأن الاستصحاب حال الغفلة على الفرض قد قطع المعذرية عن الغفلة حيث إن مقتضى الاستصحاب ـ لكونه حكما طريقيا ـ الإسقاط والتنجيز على تقدير بقاء الثوب على الخلل حال الصلاة.

[١] قد أشكل في جريان الاستصحاب فيما كان إحراز الحالة السابقة بغير العلم واليقين بل بالأمارة المعتبرة أو حتى بالأصل العملي كما أحرز تمام الوضوء بقاعدة الفراغ ثمّ شك بعده في زواله وبقائه لاحتمال الحدث فإنه لا علم في مثل هذه الموارد بالثبوت بل ولا شك في البقاء منجزا بل معلقا على الثبوت ، وقد أخذ في خطابات اعتبار الاستصحاب أمران : أحدهما ـ اليقين بالحالة السابقة ، والثاني ـ الشك فيها أي بقائها ، وظاهر كلام الماتن أنه لا مورد لهذا الإشكال بناء على أن مقتضى اعتبار الأمارة جعل مدلولها حكما ولو بعنوان الحكم الطريقي مثلا إذا قامت الأمارة

٢١٣

اعتبار اليقين إنما هو لأجل أن التعبد والتنزيل شرعا إنما هو في البقاء لا في الحدوث ، فيكفي الشك فيه على تقدير الثبوت ، فيتعبّد به على هذا التقدير ، فيترتب عليه الأثر فعلا فيما كان هناك أثر ، وهذا هو الأظهر ، وبه يمكن أن يذب عما في استصحاب الأحكام التي قامت الأمارات المعتبرة على مجرد ثبوتها ، وقد شك

______________________________________________________

على حرمة العصير بغليانه ، وشك في بقاء حرمته عند ذهاب ثلثيه بغير النار يمكن استصحاب الحرمة المجعولة للعصير العنبي بمقتضى اعتبار الأمارة بعد ذهاب ثلثيه بغير النار بتقريب أن حرمته بالغليان معلومة ويشك في بقائها بعد ذهاب ثلثيه بغير النار ، وأما بناء على أن مقتضى اعتبار الأمارة مجرد جعل الحجية أي المنجزية والمعذرية له كما هو مختاره قدس‌سره فيشكل جريانه لعدم اليقين بالحالة السابقة يعني الحرمة الواقعية ولا حرمة للعصير غيرها على الفرض ، وجريان الاستصحاب في نفس الحجية فهو معقول في الفرض ؛ لأنها وصف للأمارة ولا أمارة بالإضافة إلى ما بعد ذهاب الثلثين بغير النار وإلّا لم يحتج إلى الاستصحاب.

أقول : لا يخفى ما في الفرق واختصاص الإشكال بالالتزام بمسلكه دون مسلك الشيخ قدس‌سره فإنه لا فرق في جريان الإشكال على المسلكين حيث إن ثبوت الحكم التكليفي الطريقي موضوعه كونه مدلول الأمارة والمفروض أنه لا أمارة على حرمة العصير بعد غليانه وذهاب ثلثيه بغير النار ، وإلّا لم يحتج إلى الاستصحاب. والحاصل أن ذلك الحكم التكليفي الطريقي قد ارتفع قطعا ولو ثبت تكليف طريقي من غير ناحية الأمارة المفروضة فهو مثل الحكم الأول لا أنه بقاء الحكم الأول.

ومما ذكر يظهر الإشكال في جريان الاستصحاب فيما كان إحراز الحالة السابقة بالأمارة حتى بناء على مسلك السببية فإن الموضوع للحكم النفسي الثابت واقعا على ذلك المسلك قيام الأمارة وكونه مدلولها والمفروض أن الحكم بعد ذهاب

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثلثين بغير النار خارج عن مدلول الأمارة. نعم ، لا بأس على مسلك السببية بالالتزام بأن الحرمة الواقعية الثابتة قبل ذهاب ثلثيه بغير النار مرددة بين الفرد القصير بأن تحدث الحرمة بقيام الأمارة ، وبين أن تكون الحرمة الواقعية ثابتة مع قطع النظر عن قيامها ، وتكون طويلة تعم ما بعد الذهاب المفروض فيجري عليه ما ذكرنا في الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي إذا كان المستصحب حكما تكليفيا.

ثمّ إنه قد أجاب الماتن عن الإشكال على مسلكه بأن العلم بثبوت الحالة السابقة غير دخيل في التعبد ببقائها وذكر اليقين والعلم في خطاباته لمجرد كونه كاشفا عن ثبوت الحالة السابقة وفي الحقيقة الموضوع لاعتباره الشك في بقاء الحالة السابقة ومعنى اعتباره جعل الملازمة بين ثبوت الشيء واقعا وبقائه في ظرف الشك في البقاء تعبدا أي ظاهرا فتكون نتيجة التعبد أنه أحرز ثبوتها بمحرز يحكم ببقائها في ظرف الشك في البقاء وتصير الحجة على الثبوت حجة على البقاء بضميمة أخبار الاستصحاب ، وبما أنه يبقى السؤال عن القرينة لحمل اليقين في أدلة الاستصحاب على ذكره لمجرد كونه طريقا إلى ثبوت الشيء وعدم كونه مأخوذا في موضوع اعتباره دفعه بأن ظاهر خطابات الاستصحاب أنها ناظرة إلى التعبد بالبقاء فقط وليست ناظرة إلى كيفية ثبوت الحالة السابقة فيكفي حينئذ في جريانه إحراز الحالة السابقة بالأمارة.

أقول : دعوى أن أخبار الاستصحاب ناظرة إلى التعبد بالبقاء حتى فيما لم يحرز الثبوت بأن لم يكن العلم مأخوذا في موضوع اعتبار الاستصحاب ولو بعنوان الطريقية خلاف الظاهر ، بل جعل الملازمة حتى في موارد عدم إحراز الثبوت بينه وبين احتمال البقاء لغو محض ، وظاهر تلك الأخبار أن التعبد بالبقاء في فرض اليقين

٢١٥

في بقائها على تقدير ثبوتها ، من الإشكال بأنّه لا يقين بالحكم الواقعي ، ولا يكون هناك حكم آخر فعليّ ، بناء على ما هو التحقيق ، من أن قضيّة حجيّة الأمارة ليست إلّا تنجّز التكاليف مع الإصابة والعذر مع المخالفة ، كما هو قضية الحجة المعتبرة عقلا ، كالقطع والظن في حال الانسداد على الحكومة ، لا إنشاء أحكام فعليّة شرعية ظاهرية ، كما هو ظاهر الأصحاب.

______________________________________________________

بالحدوث كيف وقد ذكر قدس‌سره سابقا في بيان المصحح لاستعمال كلمة النقض أنه بلحاظ ما في نفس اليقين من الإبرام والاستحكام ومقتضى ذلك أن يلاحظ في التعبد بالبقاء في ظرف الشك فيه فرض اليقين بالثبوت ، ولحاظه في موضوع اعتبار الاستصحاب من جهة طريقيته لا يفيد في قيام الأمارات مقامه على مسلكه كما التزم بذلك في بحث أخذ العلم في موضوع الحكم ولو بنحو الطريقية مع أنه لا يناسبه استعمال كلمة النقض كما ذكرنا ، والمتعين في الجواب عن الإشكال ما ذكرنا في اعتبار الأمارات من أن معنى اعتبارها هو اعتبارها علما بالواقع فتكون الحالة السابقة المحرزة بالأمارة محرزة بالعلم فيعتبر ذلك العلم بالحدوث علما بالبقاء أيضا.

وقد اورد على الماتن في تصحيحه جريان الاستصحاب في موارد ثبوت الحالة السابقة بالأمارة بوجه آخر وهو أن الالتزام بأن مدلول أخبار الاستصحاب هو الملازمة بين ثبوت الشيء وبقائه لا يمكن أن يكون المراد الملازمة الواقعية ؛ لأن الأشياء مختلفة بعضها لا يبقى بعد حصوله ، وبعضها يبقى ويختلف الباقي في زمان البقاء فكيف يمكن أن تكون ملازمة واقعية بين ثبوت شيء وبقائه ، بل لازم الملازمة الواقعية أن يكون الاستصحاب من الأمارات ويكون مقتضاه أي مقتضى أخباره أن الأمارة القائمة بثبوت شيء أمارة ببقائه واقعا نظير ما دل على وجوب التقصير في السفر إلى أربعة فراسخ إذا عاد منه بأن صار ثمانية فراسخ ذهابا وإيابا من غير انقطاعه

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بقواطع السفر فهو كما أنه أمارة على قصر الصلاة فيه كذلك هو دليل على لزوم الإفطار فيه حيث إن الدليل على أحد المتلازمين دليل على ثبوت الآخر بل المتعين أن يكون المراد الملازمة الظاهرية بمعنى أنه إذا تنجز الشيء حدوثا فلا يحتاج في تنجزه بقاء ـ عند الشك في البقاء ـ إلى منجز آخر بل مجرد احتمال بقائه منجز للبقاء ، وبتعبير آخر الملازمة بين حدوث التنجيز وبقائه عند الشك في البقاء تثبت بأخبار الاستصحاب ، وهذه أيضا لا يمكن الالتزام بها حيث إن في موارد العلم الإجمالي بالحرمة يكون المعلوم بالإجمال منجز بالعلم الإجمالي ثمّ لو قامت الأمارة على حرمة بعض الأطراف بالخصوص من الأول ينحلّ العلم الإجمالي باحتمال انطباق المعلوم بالإجمال على ذلك البعض يرتفع تنجز العلم الإجمالي فلا ملازمة بين حصول التنجز وبقائه ، وقد التزم بهذا الانحلال الماتن قدس‌سره وغيره في ردّ استدلال الإخباريين على لزوم التوقف والاحتياط في الشبهات التحريمية الحكمية وأن قيام الأمارات المعتبرة على تحريم جملة من الأفعال في الوقائع المحتمل كونها بمقدار المعلوم بالإجمال يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز في سائر المحتملات.

جريان الاستصحاب في مورد ثبوت الحالة السابقة بالأمارة

أقول : مراد الماتن من الملازمة بين ثبوت شيء وبقائه في ظرف الشك في البقاء الملازمة الظاهرية لا الواقعية حيث إنّ تنجيز البقاء على تقديره في ظرف الشك فيه ، ومعنى الملازمة الظاهرية جعل الحكم المماثل للحالة السابقة في ظرف الشك أو المماثل لحكمه كما يصرح به فيما بعد. أضف إلى ذلك أن النقض بمورد انحلال العلم الإجمالي بالإمارات القائمة بثبوت التكليف في جملة من الأفعال في الوقائع غير وارد فإن مدلول أخبار الاستصحاب الملازمة بين حصول شيء واقعا وبقائه

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهري أي يكون ذلك منجزاً للحدوث مع بقائه منجزا للحدوث منجزا للبقاء أيضا لا أنه يبقى منجزا للحدوث والبقاء وفي مورد الانحلال لا يبقى العلم الإجمالي منجزا للحدوث ليكون منجزا للبقاء أيضا. وعن بعض الأجلة (رضوان الله عليه) أن المراد بالعلم في أخبار الاستصحاب بمناسبة الحكم والموضوع هو الحجة على الثبوت بمعنى أن الحجة على الثبوت لا يرفع اليد عنها بالشك أي ما لا يكون حجة على زوال الشيء وعدم بقائه وذكر الوضوء وطهارة الثوب في موارد الأخبار يحسب قرينة على ذلك فإن طهارة الثوب أو الوضوء لا يحرز بالعلم الوجداني غالبا بل يحرز بمثل أخبار ذي اليد وقاعدة الفراغ ونحوهما.

وعلى الجملة ورود العلم أو اليقين في أخبار الاستصحاب كوروده غاية في قاعدتي الطهارة والحلية من قوله عليه‌السلام : «كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر» (١) و «كل شيء حلال حتى تعرف الحرام» (٢) في كون المراد منه الحجة فلا مجال للمناقشة في موارد ثبوت الحالة السابقة بغير العلم من سائر الحجج والفرق بين هذا الوجه وبين الملازمة الظاهرية المتقدمة هو أن مقتضى الملازمة الظاهرية شمول التعبد بالبقاء في الموارد التي كان حدوث الشيء محرزا ولكن لم يكن لإحرازه أثر حتى عقلا ، ولكن كان ذلك الشيء في بقائه ذا أثر شرعي فمدلول الأخبار كما تقدم تنجز بقائه على تقدير البقاء بخلاف هذا الوجه فإنه لا تعمه أخبار الباب لعدم الحجة أي المنجزية والمعذرية في العلم بحدوثه كما في موارد كون الشيء موضوعا للحكم الشرعي في

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨٥.

(٢) انظر الكافي ٥ : ٣١٣ ، و ٦ : ٣٣٩.

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

البقاء فقط كما إذا علمنا بنجاسة إناء كان خارجا عن محل الابتلاء وتمكن التصرف فيه ثمّ دخل في الابتلاء مع احتمال وقوع المطهر عليه قبل دخوله في محل الابتلاء فإن مقتضى أدلة الاستصحاب بناء على الملازمة الظاهرية جعل النجاسة الظاهرية لتلك الإناء طريقيا بخلاف ما إذا قيل بأن الحجة على الثبوت لا ترفع اليد عنه إلّا بالحجة على الزوال فإن العلم في الفرض لا يكون حجة على الحدوث لخروج المعلوم بالإجمال زمان العلم عن التمكن في التصرف والابتلاء ليحكم عليه بأنه لا ترفع اليد عنه إلّا بالحجة على الزوال أو أنه حجة على البقاء أيضا. أضف إلى ذلك أن الوارد في جلّ أخبار الاستصحاب اليقين وحمله على معنى الحجة لا قرينة عليه ، وما ذكر من القرينة فيه ما لا يخفى.

فتلخص مما ذكرنا أن الصحيح في دفع الإشكال المتقدم في موارد ثبوت الحالة السابقة بالأمارة هو أن معنى اعتبارها اعتبارها علما بالشيء ومدلول أخبار الاستصحاب أن العلم بالشيء حدوثا يحسب علما ببقاء ذلك الشيء في ظرف الشك ، واعتبارها علما لا يقتضي أن يكون بلحاظ التنجيز فقط بل يمكن أن يكون بلحاظ الأثر المترتب على كون العلم موضوعا لاعتبار آخر من تكليف أو وضع منفردا أو منضما.

جريان الاستصحاب في مورد ثبوت الحالة السابقة بالأصل العملي

بقي الكلام فيما كان إحراز الحالة السابقة بالأصل فإن هذا على قسمين :

الأول ـ أن يكون مفاد ذلك الأصل ثبوت الشيء من غير تعرض لبقائه كما في مورد جريان قاعدة الفراغ في الوضوء ، وما إذا غسل الثوب المتنجس بماء كانت

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

طهارته بالاستصحاب أو بقاعدة الطهارة فإنه إذا شك في حدوث الحدث بعد ذلك الوضوء أو في إصابة نجس لذلك الثوب المغسول بذلك الماء بعد غسله به فلا يجري الاستصحاب في ناحية بقاء نفس الوضوء المفروض أو في طهارة نفس الثوب المغسول فإنه من قبيل الاستصحاب في الحكم الوضعي بل يجري الاستصحاب في ناحية الموضوع لبقاء الوضوء ، وفي ناحية الموضوع لبقاء الطهارة للثوب حيث إن مقتضى الاستصحاب عدم خروج البول أو غيره من النواقض بعد الوضوء المفروض ، وعدم إصابة نجس للثوب المفروض بعد غسله وبضميمة قاعدة الفراغ إلى الاستصحاب في عدم خروج الناقض للوضوء يثبت الوضوء وبقاؤه فإنه إذا حكم الشارع بصحة الوضوء وتمامه وعدم خروج البول وغيره من النواقض يثبت الوضوء وبقائه فإن الشارع حكم ببقاء الوضوء إذا توضأ المكلف ولم يحدث بعده ناقض ، وكذلك الأمر في ضم الاستصحاب في عدم إصابة النجاسة للثوب إلى قاعدة الطهارة أو استصحابها الجاري في ناحية طهارة الماء يثبت طهارة الثوب وبقاء طهارته. وعلى كل مجرى الاستصحاب في المثالين غير ما يثبت بالأصل أولا ، بل في ناحية بقاء الموضوع لبقائه.

لا يقال : لا مانع عن جريان الاستصحاب في ناحية نفس الوضوء المحرز بقاعدة الفراغ وطهارة الثوب المحرز بأصالة الطهارة الجارية في الماء المغسول به أو بالاستصحاب في طهارة نفس الماء أخذا بإطلاق ما دل على النهي عن نقض اليقين بالشك.

فإنه يقال : الاستصحاب في نفس الوضوء بعد احتمال خروج الحدث وفي طهارة الثوب بعد احتمال إصابة النجس إن صح فهو استصحاب في الحكم ولا تصل

٢٢٠