دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-09-3
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤١٦

إلى آخره) غير سديد ، فإنه لا يصح إلّا بإرادة لزوم العمل على طبق يقينه ، وهو إلى الغاية بعيد ، وأبعد منه كون الجزاء قوله : (لا ينقض .. إلى آخره) وقد ذكر : (فإنه على يقين) للتمهيد.

وقد انقدح بما ذكرنا ضعف احتمال اختصاص قضية : (لا تنقض ... إلى آخره) باليقين والشك بباب الوضوء جدا ، فإنه ينافيه ظهور التعليل في أنه بأمر ارتكازي لا تعبدي قطعا ، ويؤيده تعليل الحكم بالمضي مع الشك في غير الوضوء في غير هذه الرواية بهذه القضية أو ما يرادفها ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

شيء من الموارد أي سواء كان لاحتمال النوم أو حدوث غيره من النواقض.

والمناقشة في ذلك ـ بأنه على ذلك يكون مفاد التعليل عين مفاد الحكم المعلل ، وتعليل الحكم بنفسه غير صحيح ـ مدفوعة بأن الحكم المعلل عدم انتقاض اليقين بالوضوء بالشك في النوم ، ومفاد التعليل هو عدم انتقاض الوضوء بالشك في شيء من الحالات سواء كان احتمال النوم أو غيره نظير قوله : يحرم العصير إذا أسكر فإن كل مسكر حرام ، ولكن الصحيح أن المراد باليقين في قوله عليه‌السلام : «ولا ينقض اليقين بالشك أبدا» جنس اليقين لا خصوص اليقين بالوضوء وذلك فان هذه الكبرى بعينها قد طبق على غير موارد الشك في الوضوء في سائر الروايات ، وقوله عليه‌السلام : «فإنه على يقين من وضوئه» غير ظاهر في التقييد بأن يكون الحكم بعدم النقض لدخالة تعلق اليقين بخصوص الوضوء ، بل ذكره لكون اليقين من الصفات ذات الإضافة فلا بد من ملاحظة إضافته لشيء وإلّا فالحكم المذكور بعده حكم باعتبار نفس اليقين والشك ولكون اليقين أمرا مبرما مستحكم لا يرفع اليد عنه بالشك ، وبتعبير آخر عدم رفع اليد عن اليقين بالشك قضية ارتكازية عقلائية لا تختص بمورد دون مورد ، وما هو عند ارتكاز العقلاء هو عدم رفع اليد عن اليقين والأخذ بالمشكوك ، ولا ينافي هذا ما

١٤١

هذا مع أنه لا موجب لاحتماله إلّا احتمال كون اللام في اليقين للعهد ، إشارة إلى اليقين في (فإنه على يقين من وضوئه) مع أن الظاهر أنه للجنس ، كما هو الأصل فيه ، وسبق : (فإنه على يقين ... إلى آخره) لا يكون قرينة عليه ، مع كمال الملاءمة مع الجنس أيضا ، فافهم.

مع أنه غير ظاهر في اليقين بالوضوء ، لقوة احتمال أن يكون (من وضوئه) متعلقا بالظرف لا ب (يقين) ، وكان المعنى : فإنه كان من طرف وضوئه على يقين ، وعليه لا يكون الأوسط إلّا اليقين ، لا اليقين بالوضوء ، كما لا يخفى على المتأمل.

______________________________________________________

تقدم من عدم اعتبار الاستصحاب بسيرة العقلاء وذلك فإن ما هو في سيرة العقلاء هو عدم رفع اليد عن اليقين والأخذ بالمشكوك كما إذا أراد شخص السفر إلى بلد وفي البين طريقان أحدهما يوصل سالكه إلى ذلك البلد ولكن الآخر مشكوك وفيه احتمال الضلال فإنهم لا يأخذون بالمشكوك والإمام عليه‌السلام قد طبق هذه القاعدة على موارد الاستصحاب فهذا التطبيق تعبدي مستفاد من الروايات.

وحاصل الكلام أن تطبيقها على الموارد المختلفة والأبواب المختلفة ظاهر في اعتبار الشارع تلك القاعدة في موارد إحراز الحالة السابقة والشك في بقائها فلا منافاة بين اعتبار الاستصحاب تعبدا ، وكون قاعدة عدم نقض اليقين بالشك قاعدة عقلائية لا يختص بمورد خاص من مواردها خصوصا بملاحظة ذكر : «أبدا» فإنه قرينة على أن القضية عامة لا يختص بمورد السؤال المفروض فيه الشك في بقاء الوضوء لاحتمال النوم ، ولو كان سبق اليقين بالوضوء قرينة على كون المراد باليقين في الكبرى هو اليقين بالوضوء لكان ذكر الشك في النوم قبل ذلك قرينة على كون المراد بالشك هو الشك في النوم ، ولازم ذلك كون الحكم أي الجزاء المحذوف معللا بنفسه ، ودعوى أن الجزاء للشرط نفس قوله عليه‌السلام : «ولا تنقض اليقين بالشك» وقوله عليه‌السلام : «فإنه على

١٤٢

وبالجملة : لا يكاد يشك في ظهور القضية في عموم اليقين والشك ، خصوصا بعد ملاحظة تطبيقها في الأخبار على غير الوضوء أيضا.

ثم لا يخفى حسن اسناد النقض ـ وهو ضد الإبرام ـ إلى اليقين ، ولو كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء للبقاء والاستمرار ، لما يتخيل فيه من الاستحكام بخلاف الظن ، فإنه يظن أنه ليس فيه إبرام واستحكام وإن كان متعلقا بما فيه اقتضاء ذلك ، وإلّا لصح أن يسند إلى نفس ما فيه المقتضي له ، مع ركاكة مثل (نقضت الحجر من مكانه) ولما صح أن يقال : (انتقض اليقين باشتعال السراج) فيما إذا شك في بقائه للشك في استعداده ، مع بداهة صحته وحسنه [١].

______________________________________________________

يقين» تمهيد للجزاء المذكور بعده لا يمكن المساعدة عليها فإن ذكر الواو العاطفة يمنع عن جعل ما ذكر بعده جزاء للشرط كما أن جعله تكرارا للجزاء وأن الجزاء نفس قوله : «فإنه على يقين» غير صحيح ؛ لما تقدم من أن الجملة الاسمية لا ينشأ بها الطلب.

في اختصاص اعتبار الاستصحاب بمورد الشك في الرافع وعدمه

[١] قد استظهر الشيخ قدس‌سره من أخبار الاستصحاب التي ورد فيها النهي عن نقض اليقين بالشك اختصاص اعتباره بموارد الشك في الرافع ، وعدم شمولها لموارد الشك في المقتضي من غير فرق بين الشبهة الحكمية والموضوعية ، والوجه في استظهاره هو أن المنهي عنه فيها نقض اليقين بالشك ، والأمر دائر بين أن يراد من النقض رفع اليد عن الشيء الثابت ـ يعني ما أحرز فيه قابلية البقاء والاستمرار كما في موارد الشك في الرافع ـ وبين أن يراد منه رفع اليد عن مطلق الشيء ولو لم يحرز قابليته للبقاء والاستمرار ، والأول أنسب بالنقض بمعناه الحقيقي وهو قطع الهيئة الاتصالية من الشيء المتصل كالحبل ، وإن شئت قلت إن ذكر النقض في الروايات

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قرينة على أن المنهي عنه هو رفع اليد عن المتيقن الذي له قابلية البقاء حيث لا يكون المنهي عنه هو نقض نفس اليقين فإنه في نفسه منتقض لتعلقه بالحالة السابقة فيكون المقام نظير (لا تضرب أحدا) في كون الفعل المنهي عنه قرينة على كون المراد من (أحد) الأحياء ؛ لظهور الضرب في المؤلم ، وعلى الجملة اليقين في موارد الاستصحاب منتقض وجدانا فلا مورد للنهي عن النقض بالإضافة إليه بخلاف المتيقن فإنه يحتمل بقاؤه وإحكامه فيقبل التعبد بالنهي عن نقضه العملي وأن المناسب لهذا النهي موارد الشك في الرافع وكأن ترك الإبقاء العملي فيها قطع للهيئة الاتصالية الاقتضائية.

المراد من النهي عن نقض اليقين بالشك في أخبار لا تنقض

وأورد الماتن قدس‌سره على ما ذكره من أن إسناد النقض إلى اليقين باعتبار نفس اليقين لا باعتبار المتيقن ليحمل على ما كان ثابتا على النحو المذكور فإن اليقين كالبيعة يتخيل أن له استحكاما وإبراما فيكون رفع اليد عنه بترك العمل على طبقه ومقتضاه عند الشك في البقاء نقضا له. ويشهد لكون إطلاق النقض باعتبار نفس اليقين لا المتيقن عدم صحة إطلاق النقض في مورد لم يفرض فيه يقين ونحوه بل كان المفروض فيه نفس الشيء القابل للبقاء لو لا الرفع فلا يقال : نقضت الحجر من مكانه ، وأنه يصح إطلاق النقض بارتفاع اليقين ولو لم يحرز في المتيقن قابلية البقاء كما في قوله : انتقض اليقين باشتعال السراج فيما شك في بقائه على اشتعاله من جهة الشك في استعداده.

ثمّ تعرض لأمرين ربما يورد على كلامه.

١٤٤

وبالجملة : لا يكاد يشك في أن اليقين كالبيعة والعهد إنما يكون حسن إسناد النقض إليه بملاحظته لا بملاحظة متعلقة ، فلا موجب لإرادة ما هو أقرب إلى الأمر المبرم ، أو أشبه بالمتين المستحكم مما فيه اقتضاء البقاء لقاعدة (إذا تعذرت الحقيقة فأقرب المجازات) بعد تعذر إرادة مثل ذاك الأمر مما يصح إسناد النقض إليه حقيقة.

______________________________________________________

الأول ـ أن اليقين بالحالة السابقة مرتفع بالإضافة إلى البقاء وجدانا ، وبتعبير آخر نفس اليقين منتقض في موارد الاستصحاب فلا يمكن أن يكون إسناد النقض باعتبار نفس اليقين ، وأما الحالة السابقة فلا علم بانتقاضها لاحتمال بقائها على حالها ، وإذا كان الإسناد بلحاظ نفس المتيقن فتعين أقرب المجازات مقتضاه إرادة المتيقن في موارد الشك في الرافع ، وأجاب عن ذلك بأن إسناد النقض إلى اليقين ؛ لاتحاد متعلقي اليقين والشك مع قطع النظر عن الزمان فكان ترك العمل على طبق اليقين نقض له بالشك.

والأمر الثاني ـ أنه يعمل في موارد الاستصحاب على طبق المتيقن فإنه إما حكم أو موضوع للحكم لا على طبق اليقين وربّما لا يكون للمتيقن في زمان الحدوث أثر بالإضافة إلى المكلف ، وإنما يكون عليه العمل على طبقه زمان الشك. وبتعبير آخر كما لا يكون النهي عن نقض اليقين قابلا للتكليف فإن انتقاضه أمر قهري كذلك النهي عن نقض المتيقن فإن بقاءه أيضا وارتفاعه خارج عن اختياره ، وما يقبل التكليف هو النقض بحسب العمل ، وهذا لا يتصور إلّا بالإضافة إلى المتيقن فإن ما هو موضوع للحكم أو نفس الحكم المعبر عنه بالأثر العملي هو نفس المتيقن كما هو مورد الصحيحة لا نفس اليقين وأثره فلا يكاد يلاحظ النقض إلّا بالإضافة إلى المتيقن ، وأجاب عن ذلك بأن الأثر العملي يلاحظ بالإضافة إلى اليقين لا بما هو هو وبالنظر

١٤٥

فإن قلت : نعم ، ولكنه حيث لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة ، فلو لم يكن هناك اقتضاء البقاء في المتيقن لما صح إسناد الانتقاض إليه بوجه ولو مجازا ، بخلاف ما إذا كان هناك ، فإنه وإن لم يكن معه أيضا انتقاض حقيقة إلّا أنه صح إسناده إليه مجازا ، فإن اليقين معه كأنه تعلق بأمر مستمر مستحكم قد انحلّ وانفصم بسبب الشك فيه ، من جهة الشك في رافعه.

قلت : الظاهر أن وجه الإسناد هو لحاظ اتحاد متعلقي اليقين والشك ذاتا ، وعدم ملاحظة تعددهما زمانا ، وهو كاف عرفا في صحة إسناد النقض إليه

______________________________________________________

الاستقلالي بل بما هو ملحوظ طريقا وبنحو المرآتية والنظر الآلي كما هو الظاهر في مثل : «لا تنقض اليقين بالشك» حيث إنه كناية عن لزوم العمل بالتزام حكم مماثل للمتيقن ظاهرا إذا كان حكما أو لحكمه كذلك إذا كان موضوعا لا إلزاميا بترتيب آثار نفس اليقين بما هو هو بالالتزام بحكم مماثل لحكمه.

أقول : ما ذكره قدس‌سره من عدم صحة إطلاق النقض على رفع الشيء القابل للبقاء لو لا الرفع لا يمكن المساعدة عليه والشاهد إطلاق النواقض للوضوء وصدق قوله : نقض وضوءه بالحدث. نعم ، لا بأس بالالتزام بأن إطلاق النقض باعتبار نفس اليقين لكونه أمرا مبرما كالبيعة وحيث إنه ملحوظ آليا فيساوق النهي عن نقض المتيقن من غير حاجة إلى الالتزام يكون المراد من اليقين المتيقن أو آثاره أو إضمارا وحيث إن النهي حكم ظاهري والحالة السابقة حكم واقعي أو موضوع له يكون النهي عن النقض العملي كناية عند الماتن عن جعل حكم ظاهري مماثل للحالة السابقة فيما كانت بنفسها حكما أو مماثلا لحكمها فيما كانت موضوعا للحكم ، ولكن ما عند الماتن من كون النهي عن النقض كناية عما ذكره ليس بظاهر ، بل مقتضى النهي عن نقض اليقين هو أن الشارع اعتبر العلم بالحالة السابقة علما بالحالة اللاحقة أيضا

١٤٦

واستعارته له ، بلا تفاوت في ذلك أصلا في نظر أهل العرف ، بين ما كان هناك اقتضاء البقاء وما لم يكن ، وكونه مع المقتضي أقرب بالانتقاض وأشبه لا يقتضي تعيينه لأجل قاعدة (إذا تعذرت الحقيقة) ، فإن الاعتبار في الأقربية إنما هو بنظر العرف لا الاعتبار ، وقد عرفت عدم التفاوت بحسب نظر أهله ، هذا كله في المادة.

______________________________________________________

فيترتب على العلم بالحالة السابقة المنجزية والمعذرية بالإضافة إلى الحالة اللاحقة أيضا ، والحاصل في ظاهر الخطاب إسناد النهي عن النقض إلى نفس اليقين الظاهر بما أنه ملحوظ طريقا ، والمراد أن ترك العمل على طبق اليقين بالحالة السابقة بالإضافة إلى زمان الشك نقض لذلك اليقين فيلزم على ذلك أنه اعتبر الشارع ذلك اليقين يقينا بالحالة اللاحقة أيضا ، ومن الظاهر أن اعتبار اليقين بالحالة السابقة يقينا بالحالة اللاحقة أيضا أمر ممكن فلا موجب لحملها على جعل الحكم المماثل للمتيقن فيما كان حكما أو حكم الموضوع فيما كان موضوعا نظير ما ذكرنا في إجازة البيع الفضولي من أنه إذا أمكن جعل الملكية بعد الإجازة من حين العقد فلا داعي إلى الالتزام بجعل آثارها بعد الإجازة من حين العقد فالالتزام بالكشف الحكمي في الإجازة مقتضاها ثبوت الملكية بعد الإجازة من حين العقد لا جعل آثارها بعدها من حين العقد.

المراد من النهي عن نقض اليقين بالشك في الصحيحة وغيرها

ثمّ إنه لو أغمضنا عما ذكرنا وفرضنا أن إطلاق النقض بلحاظ المتيقن الذي بنى عليه الشيخ قدس‌سره فيمكن أن يقال باعتبار الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي أيضا أخذا بما لم يرد فيه عنوان النهي عن نقض اليقين بالشك كقوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وافطر للرؤية» (١) وما عن الشيخ قدس‌سره من أن المراد من

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ : ١٨٤ ، الباب ٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ١٣.

١٤٧

وأما الهيئة ، فلا محالة يكون المراد منها النهي عن الانتقاض بحسب البناء والعمل لا الحقيقة ، لعدم كون الانتقاض بحسبها تحت الاختيار ، سواء كان متعلقا باليقين ـ كما هو ظاهر القضية ـ أو بالمتيقن ، أو بآثار اليقين بناء على التصرف فيها بالتجوز أو الاضمار ، بداهة أنه كما لا يتعلق النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه بنفس اليقين ، كذلك لا يتعلق بما كان على يقين منه أو أحكام اليقين ، فلا يكاد يجدي التصرف بذلك في بقاء الصيغة على حقيقتها ، فلا مجوّز له فضلا عن الملزم ، كما توهّم.

______________________________________________________

اليقين هو اليقين باشتغال الذمة بصوم شهر رمضان ، وأن هذا الاشتغال لا يرتفع إلّا برافع لا يمكن المساعدة عليه فإن التكليف بصوم شهر رمضان يرتفع وينتهي بانقضاء نفس رمضان وفي مورد الشك في كون الشهر تاما أو ناقصا يكون الشك من قبيل الشك في المقتضي مع أن إرجاع اليقين إلى اليقين بالتكليف خلاف ظاهر الرواية ، بل ظاهرها عدم الفرق في يوم الشك بين الابتداء أو الانتهاء ، ويؤيد اعتبار الاستصحاب مطلقا حتى في مورد الشك في المقتضي : «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه» (١) الوارد في حديث الأربعمائة والتعبير بالتأييد لضعف السند بل الدلالة أيضا لاحتماله قاعدة اليقين كما هو مقتضى ظهوره في اتحاد متعلقي اليقين والشك حتى من حيث الزمان فإن إلغاء اعتبار اتحاد القضيتين من حيث الزمان في أخبار الاستصحاب كان بملاحظة مواردها.

التفصيل بين موارد الشك في الرافع والمقتضي وبيان المراد منهما

ثمّ إنه يقع الكلام في معيار الشك في الرافع والمقتضي وقد ذكر النائيني قدس‌سره ما

__________________

(١) الخصال ٢ : ٧٥٢. حديث الأربعمائة.

١٤٨

لا يقال : لا محيص عنه ، فإن النهي عن النقض بحسب العمل لا يكاد يراد بالنسبة إلى اليقين وآثاره ، لمنافاته مع المورد.

فإنه يقال : إنما يلزم لو كان اليقين ملحوظا بنفسه وبالنظر الاستقلالي ، لا ما إذا كان ملحوظا بنحو المرآتية بالنظر الآلي ، كما هو الظاهر في مثل قضية (لا تنقض اليقين) حيث تكون ظاهرة عرفا في أنها كناية عن لزوم البناء والعمل ، بالتزام حكم مماثل للمتيقن تعبدا إذا كان حكما ، ولحكمه إذا كان موضوعا ، لا عبارة عن لزوم العمل بآثار نفس اليقين بالالتزام بحكم مماثل لحكمه شرعا ، وذلك لسراية الآليّة

______________________________________________________

حاصله : أنه ليس المراد بالمقتضي ملاك الحكم وصلاحه ، وبالرافع المزاحم لذلك الملاك وذلك فإن إحراز الملاك وكذا إحراز المزاحم له وظيفة المولى ولا سبيل للعبد إليه ليوكل عليه مع أنه على تقديره يحصل في بعض الشبهات الحكمية بخلاف الشبهة الموضوعية فإنه يكون الشك فيه في وجود الملاك وأن الاستصحاب يجري في ناحية عدم الموضوع وعدم الحكم ولا يكون لعدم الموضوع أو لعدم الحكم ملاك ، وكذلك ليس المراد من المقتضي موضوع الحكم بأن لا يعتبر الاستصحاب في موارد الشك في بقاء الموضوع فإن بقاء الموضوع بمعنى اتحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة أمر مفروغ عنه في جريان الاستصحاب وإلّا لم يكن من الاستصحاب لا أنه استصحاب غير معتبر ، وكذا ليس المراد من المقتضي ما هو المعروف عند الفلسفي من المؤثر في مقابل المانع فإن المستصحب لا سيما إذا كان من الأحكام لا يكون له مؤثر وسبب أو مانع عن التأثير ، وكذا يجري الاستصحاب في العدميات مع عدم إمكان فرض المقتضي والمانع فيها بل الذي يظهر من تتبع كلمات الشيخ قدس‌سره في موارد مختلفة هو أن المراد من الشك في المقتضي أن لا يحرز بقاء المستصحب في عمود الزمان حتى مع كون المستصحب إلى زمان الشك على

١٤٩

والمرآتيّة من اليقين الخارجي إلى مفهومه الكلّي ، فيؤخذ في موضوع الحكم في مقام بيان حكمه ، مع عدم دخله فيه أصلا ، كما ربما يؤخذ فيما له دخل فيه ، أو تمام الدخل ، فافهم.

ثم إنه حيث كان كلّ من الحكم الشرعي وموضوعه مع الشك قابلا للتنزيل بلا تصرف وتأويل ، غاية الأمر تنزيل الموضوع بجعل مماثل حكمه ، وتنزيل الحكم بجعل مثله ـ كما أشير إليه آنفا ـ كان قضية (لا تنقض) ظاهرة في اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية والموضوعية ، واختصاص المورد بالأخيرة لا يوجب تخصيصها بها ، خصوصا بعد ملاحظة أنها قضية كلية ارتكازية ، قد أتي

______________________________________________________

الحالة التي كان عليها عند حدوثه بالإضافة إلى الزمانيات المقارنة معه وجودا وعدما ، وبتعبير آخر يحتمل انقضاء المستصحب بانقضاء نفس الزمان السابق ، والمراد من الشك في الرافع أن يحرز بقاء المستصحب في عمود الزمان وبقاؤه في زمان الشك لو كان على الحالة التي كان عليها عند حدوثه بأن لا يحتمل انقضاؤه بانقضاء نفس الزمان بل الموجب لاحتمال عدم بقائه حدوث زماني آخر كان معدوما عند حدوثه أو موجودا عند حدوثه وزال فيما بعد ، وعلى ذلك يكون الشك في الخيار أنه على الفور أو التراخي من الشك في المقتضي ، والشك في كون المعاطاة جائزة أو لازمه من الشك في الرافع ؛ لاحتمال أن الحادث ملزم لها ، وكذا يكون الشك في أن الغاية لوجوب صلاتي المغرب والعشاء انتصاف الليل أو طلوع الفجر أو كون الغاية للظهرين غروب الشمس بمعنى استتار القرص في الافق الحسي أو ذهاب الحمرة المشرقية من الشك في المقتضي وكذا الشك في كون الغاية لوجوب صلاة الصبح طلوع الشمس أو ظهور الحمرة في الافق الشرعي. نعم ، الشك في مثل طلوع الشمس بناء على كون طلوعها هو الغاية كما في الشبهة الموضوعية

١٥٠

بها في غير مورد لأجل الاستدلال بها على حكم المورد ، فتأمّل.

ومنها : صحيحة أخرى لزرارة : (قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني ، فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، فحضرت الصلاة ، ونسيت أن بثوبي شيئا وصلّيت ، ثم إني ذكرت بعد ذلك ، قال : تعيد الصلاة وتغسله ، قلت :

فإن لم أكن رأيت موضعه ، وعلمت أنه قد أصابه ، فطلبته ولم أقدر عليه ، فلما صلّيت وجدته ، قال عليه‌السلام : تغسله وتعيد ، قلت : فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك ،

______________________________________________________

من الشك في الرافع حكما.

أقول : بالتأمل فيما ذكرنا يظهر أن التفصيل المزبور في حقيقته تفصيل في الشك في البقاء ، وأنه كلّما كان منشؤه مضي الزمان فلا يعتبر ، وكل ما كان منشؤه غير مضي الزمان بل تخلف زماني ونحوه كان في زمان اليقين وجودا أو معدوما فهو مورد للاستصحاب ، وعلى ذلك فيرد عليه أن لازمه عدم اعتبار الاستصحاب في موارد الشك في نسخ الحكم فإن النسخ في حكم الشريعة على ما ذكر في محله من أنه راجع إلى تقييد الحكم ثبوتا بحسب الزمان كما أن لازمه عدم جريانه في مورد الشك في بقاء الشهر ، ودعوى أن الشك في الغاية بالشبهة الموضوعية لا حق بموارد الشك في الرافع لم يعلم له وجه إلّا ورود بعض الروايات ، وتطبيق قاعدة : «لا تنقض اليقين بالشك» على الشك في بقائه ، ولكن التطبيق المذكور قرينة على عدم اختصاص الاستصحاب بموارد الشك في الرافع ، وعلى الجملة مفاد أخبار الاستصحاب فرض الشك فيما تعلق به اليقين واتحاد متعلقهما من غير ناحية الزمان المعبر عن ذلك بالحدوث والبقاء ، وأن الشارع اعتبر اليقين بالحدوث يقينا بالبقاء أيضا ما دام الجهل بالواقع.

ودعوى أن اليقين بالثبوت في موارد الشك في الرافع يقتضي العمل على طبقه

١٥١

فنظرت فلم أر شيئا فصليت ، فرأيت فيه ، قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا ، قلت : فإني قد علمت أنه قد أصابه ، ولم أدر أين هو ، فأغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها ، حتى تكون على يقين من طهارتك ، قلت : فهل عليّ إن شككت في أنه أصابه شيء أن انظر فيه؟ قال : لا ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك ، قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : تنقض الصلاة وتعيد ، إذا شككت في موضع منه ثم رأيته ،

______________________________________________________

في عمود الزمان ، وورد في أخبار الاستصحاب التعبد بعدم التوقف عن هذا الاقتضاء بالشك بخلاف موارد الشك في المقتضي فإن اليقين بالثبوت فيها لا يقتضي العمل على طبقه في عمود الزمان فلا تعمه أخبار «لا تنقض» لا يمكن المساعدة عليها ؛ لأن الاقتضاء في اليقين السابق لا معنى له إلّا التنجيز والمعذرية ومع انتقاضه بالشك لا يقين ليقتضي العمل به في زمان الشك.

الاستدلال على الاستصحاب بصحيحة زرارة الثانية

الاستدلال على اعتبار الاستصحاب بفقرتين من هذه الصحيحة (١) الاولى ما ذكر عليه‌السلام بعد سؤال زرارة «ولم ذلك» من جوابه : «لأنك كنت على يقين من طهارتك وشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا» وذكر الماتن قدس‌سره أن دلالتها على اعتبار الاستصحاب مبني على أن يكون مراده عليه‌السلام من اليقين بالطهارة اليقين بها قبل ظن الإصابة ، والظن بالإصابة يعد شكا في بقاء تلك الطهارة حيث إن الشك المقابل لليقين يشمل الظن أيضا فيكون قوله عليه‌السلام : «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٤٣٢ ، باب المياه وأحكامها ، الحديث ٨.

١٥٢

وإن لم تشك ثم رأيته رطبا ، قطعت الصلاة وغسلته ، ثم بنيت على الصلاة ، لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك.

وقد ظهر مما ذكرنا في الصحيحة الأولى تقريب الاستدلال بقوله : (فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك) في كلا الموردين ، ولا نعيد.

نعم دلالته في المورد الأوّل على الاستصحاب مبني على أن يكون المراد من اليقين في قوله عليه‌السلام : (لأنك كنت على يقين من طهارتك) اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة كما هو الظاهر ، فإنه لو كان المراد منه اليقين الحاصل بالنظر والفحص بعده الزائل بالرؤية بعد الصلاة ، كان مفاده قاعدة اليقين ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

بالشك أبدا» الكبرى الكلية التي تنطبق على المفروض في السؤال ، وأما إذا كان المراد باليقين بالطهارة اليقين الحاصل بها بعد ظن الإصابة بالنظر في الثبوت وعدم رؤية شيء فيه ثمّ إذا رأى بعد الصلاة في الثوب نجاسة يحتمل كونها هي النجاسة المظنونة يكون المفروض صغرى قاعدة اليقين فيكون قوله عليه‌السلام : «وليس ينبغي لك» كبرى قاعدة اليقين فلا يصح الاستدلال حينئذ بفقرتها الاولى على اعتبار الاستصحاب ، ولكن لا يخفى ما فيه فإنه لم يفرض في هذه الفقرة حصول اليقين بالطهارة بعد ظن الإصابة والفحص هذا أوّلا ، وثانيا ظاهر قول زرارة : «فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه» هو رؤية النجاسة التي ظن بها أوّلا ، وفي قاعدة اليقين يشك في نفس اليقين السابق ولا يعلم بطلانه فظاهر الصحيحة هو العلم بالنجاسة المظنونة بعد الصلاة ، وعلى الجملة يستفاد من الصحيحة صحة الصلاة مع نجاسة ثوبه واقعا إذا لم تكن منسية أو معلومة قبل الصلاة ولو إجمالا وأما العلم بوقوعها جهلا في الثوب النجس بعد الفراغ من الصلاة فلا يضر بصحتها.

نعم ، الفقرة الثانية مع دلالتها على اعتبار الاستصحاب تدلّ على أنه إذا علم في

١٥٣

ثم إنه أشكل على الرواية ، بأن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة [١] ليست نقضا لليقين بالطهارة بالشك فيها ، بل باليقين بارتفاعها ، فكيف يصح أن يعلل عدم الإعادة بأنها نقض اليقين بالشك؟

______________________________________________________

أثناء الصلاة بنجاسة ثوبه وأن ما أتى به من الصلاة كانت واقعة في النجاسة الواقعة على الثوب من قبل تبطل صلاته ، وأما إذا احتمل وقوعها على ثوبه حين رؤيته في الصلاة ولم يكن نجسا من قبل يجوز له قطع الصلاة وغسله والبناء على صلاته ، والفقرة الثانية هي قوله عليه‌السلام : «وإن لم تشك ثمّ رأيته رطبا قطعت ثمّ بنيت على الصلاة ؛ لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا».

ودعوى أن الصلاة مع وقوعها بتمامها في الثوب النجس في فرض الجهل إذا كانت صحيحة فصحتها مع وقوع بعضها في النجاسة الواقعية مع الجهل بها أولى كما عن الشيخ قدس‌سره لا يمكن المساعدة عليها ؛ لعدم علمنا بملاكات الأحكام ، ولا يمكن رفع اليد عن ظاهر الخطابات بمثل هذه الأولوية الموهومة ، ولا يخفى أن دلالة هذه الصحيحة على اعتبار الاستصحاب أوضح من سابقتها والوجه في ذلك ما تقدم من دعوى أن قوله عليه‌السلام : «فإنه على يقين من وضوئه ولا تنقض اليقين ...» يحتمل كونه جزاء للشرطية المستفادة من قوله عليه‌السلام : «وإلّا» لا أنه تعليل للجزاء المحذوف بخلاف هذه الصحيحة فإنه لا مورد فيها للتشكيك في التعليل وإعادة ما تقدم في الاولى من هذه الصحيحة مع التأبيد دليل على كلية الكبرى وعدم اختصاصها بمورد دون مورد.

[١] حيث علل عليه‌السلام صحة الصلاة وعدم لزوم إعادتها بالاستصحاب في موردين :

الأول ـ ما إذا علم بعد الصلاة أن ثوبه كان متنجسا قبل الشروع في الصلاة وحال

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة وعند الالتفات.

والثاني ـ أن يكون عند الالتفات في أثناء الصلاة كان ثوبه نجسا ومن حين الشروع كانت نجاسته مشكوكة مع أن الاستصحاب غير دخيل في الحكم بالصحة في شيء من الموردين ، بل نفس عدم العلم بنجاسة ثوبه حال صلاته في الأول ، وعدم العلم بسبق نجاسة ثوبه على صلاته في الثاني كاف في صحتها واقعا ؛ ولذا لو لم يكن الاستصحاب معتبرا أصلا كانت الصلاة في الصورتين صحيحة ؛ لأن شرط صحتها عدم العلم بنجاسة ثوبه حال الصلاة أو قبلها ومع الإغماض عن ذلك فلا يكون الحكم الظاهري موجبا للإجزاء مع كشف الخلاف ولو فيما بعد العمل فضلا عن أثنائه. وذكر الشيخ قدس‌سره في توجيه التعليل أن التعليل مبني على إجزاء الإتيان بالمأمور به الظاهري على الواقعي وحيث إن الإجزاء كان مفروغا عنه بين السائل والمجيب علل عليه‌السلام الإجزاء في الموردين بالاستصحاب ، وأنه لو وجبت الإعادة فيهما لكان كاشفا عن عدم اعتبار الاستصحاب قبل الصلاة وبعدها في المورد الأول ، وعن عدم اعتباره حال الصلاة في المورد الثاني وفي التوجيه ما لا يخفى ؛ لان صحة الصلاة في الموردين لا ترتبط باعتبار الاستصحاب ، وأن الأمر الظاهري موافقته لا تجزي عن الواقعي مع كشف الخلاف فضلا عن أن يكون الإجزاء أمرا مفروغا عنه بين السائل والإمام وإلّا لو كان الأمر الظاهري موجبا للإجزاء لما قيد الإمام عليه‌السلام صحة الصلاة بصورة رؤية النجاسة حال الصلاة رطبا حيث إن مقتضى التقييد الحكم ببطلانها فيما إذا علم بأنها كانت قبل الشروع في الصلاة ؛ ولذا قيل : بأن فائدة الاستصحاب جواز الدخول في الصلاة قبل غسل الثوب لا عدم إعادتها بعد كشف الخلاف.

١٥٥

نعم إنما يصح أن يعلل به جواز الدخول في الصلاة ، كما لا يخفى ، ولا يكاد يمكن التفصي عن هذا الإشكال إلّا بأن يقال : إن الشرط في الصلاة فعلا حين الالتفات إلى الطهارة [١] هو إحرازها ، ولو بأصل أو قاعدة لا نفسها ، فيكون قضية استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها ولو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها ، كما أن إعادتها بعد الكشف يكشف عن جواز النقض وعدم حجية الاستصحاب حالها ، كما لا يخفى ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

تعليل عدم لزوم الإعادة بالاستصحاب في طهارة الثوب حال الصلاة

[١] ذكر الماتن قدس‌سره بأنه لا يمكن دفع الإشكال إلّا بالالتزام بأن الشرط في صحة الصلاة أحد أمرين : إما الطهارة الواقعية ، أو إحرازها ولو حال الصلاة وتعليل عدم لزوم إعادة الصلاة بالاستصحاب لعدم اشتراطها بخصوص طهارة الثوب واقعا بل الشرط الأعم من الطهارة الواقعية وإحرازها فيحكم بالإجزاء في الصورتين لكون المكلف محرزا لها وإن لم يصادف إحرازها الواقع ، فلا يقال : إذا لم تكن الطهارة الواقعية شرطا فلا يجري الاستصحاب فيها لاعتبار كون المستصحب حكما أو موضوع الحكم ؛ لما ذكر من أن الطهارة الواقعية لا تسقط عن الشرطية ، كما إذا اعتقد بنجاسة ثوبه وصلى فيه غفلة ثمّ ظهر بعد الصلاة أنه كان طاهرا واعتقاده بنجاسته كان خطأ وهذا المقدار من الشرطية كاف في جريان الاستصحاب فيها مع أنه يكفي في جريان الاستصحاب في شيء كونه قيدا للموضوع والطهارة الواقعية قيد للإحراز المفروض كونه شرطا في الصلاة ، لا يقال : لو كان الشرط في الصلاة طهارة الثوب الأعم من الواقعية والظاهرية يتعين تعليل الإجزاء وعدم لزوم الإعادة بإحراز المكلف طهارة ثوبه حال صلاته لا بنفس الطهارة حال الصلاة حيث إن التعبد بطهارته حال الصلاة غير قابلة للتعبد بعد انكشاف الخلاف ورؤية النجاسة السابقة فإنه يقال : لو كان تعليل الإجزاء بلحاظ

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

زمان كشف الخلاف كان المتعين تعليله بإحرازها حال الصلاة وأما لو كان تعليله بلحاظ حال الصلاة وأن الصلاة المفروضة كانت محكومة بالإجزاء وعدم لزوم الإعادة حالها صح التعليل بكل من الأمرين واختيار التعليل بالثاني للإشارة إلى اعتبار الاستصحاب ولو علل الإجزاء بنفس إحراز الطهارة لم يعلم أن إحرازها لاعتبار الاستصحاب أو لقاعدة الطهارة.

أقول : كما أنه لا طهارة لثوب المكلف بعد الصلاة بلحاظ حالها كذلك لا إحراز لطهارته بعد الصلاة بلحاظ حالها ، ثمّ إن تعليل الإجزاء بلحاظ حال الصلاة قبل انكشاف الحال بطهارة ثوبه مبني على مسلكه من أن معنى اعتبار الاستصحاب جعل مماثل المستصحب بنفسه أو بحكمه حكما ظاهريا ، وأما بناء على ما ذكرنا من أن مفاد أخبار الاستصحاب اعتبار اليقين بالحالة السابقة يقينا ببقائها يكون تعليل الإجزاء بنفس إحراز الطهارة حال الصلاة لا بنفس الطهارة ، غاية الأمر التعليل بإحراز الطهارة ليس من قبيل التعليل بعنوان الإحراز حتى لا يدلّ على اعتبار الاستصحاب بل بمصداق الإحراز يعني قاعدة الاستصحاب فيكون مفاد التعليل أن الاستصحاب في طهارة الثوب حال الصلاة قبل الانكشاف أوجب الإجزاء لا لأن الحكم الظاهري يجزي عن الواقع بل ؛ لأن الشرط في صحة الصلاة إحراز طهارة الثوب والبدن حالها.

وأما ما ذكره قدس‌سره من أنه يكفي في جريان الاستصحاب في الطهارة كونها قيدا لموضوع الإجزاء حيث إن إحراز الطهارة بخصوصها شرط في الصلاة ففيه ما لا يخفى فإنه قدس‌سره قد ذكر في بحث قيام الاستصحاب مقام القطع المأخوذ في موضوع حكم ولو بنحو الطريقية لا الوصفية أن الاستصحاب في قيد الموضوع أو الجزء يحتاج إلى إحراز ذات الموضوع أو الجزء الآخر بالوجدان أو ثبوته بالتعبد الآخر في

١٥٧

لا يقال : لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة فإنها إذا لم تكن شرطا لم تكن موضوعة لحكم مع أنها ليست بحكم ، ولا محيص في الاستصحاب عن كون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم.

______________________________________________________

عرضه ولذا لا يقوم الاستصحاب في شيء مقام القطع به المأخوذ في الموضوع لحكم آخر. نعم ، ذكرنا في ذلك البحث أن هذا غير لازم ، وأنه يكفي في جريان الاستصحاب في قيد الموضوع وجزئه ثبوت ذات المقيد أو الجزء الآخر وجدانا بنفس جريان الاستصحاب في نفس القيد أو الجزء الآخر كما في المقام وسائر الموارد التي يؤخذ العلم بشيء موضوعا للحكم بنحو الطريقية لا الوصفية ، وقد يقال في وجه الإجزاء في المقام ما تقدم من الماتن قدس‌سره في بحث الإجزاء من أن الاصول المثبتة لقيود متعلق التكليف والموضوع بمقتضى دليل اعتبارها حاكمة على الخطابات الدالة على اعتبار تلك القيود فيهما وأن القيد لهما أمر موسع من حيث القيد الظاهري والواقعي ومع هذا التعميم لا يكون انكشاف الخلاف بعد العمل موجبا لفقدان شرطه وقيده فمقتضى اعتبار الاستصحاب في طهارة الثوب حال الصلاة حصول الصلاة المشروطة بالطهارة ولا أثر لكشف الخلاف بعد الصلاة ، وهذا بخلاف موارد إحراز القيد بالأمارة سواء كان من قبيل الإخبار بها أو غيره فإنه دليل اعتبار الإمارة لا يقتضي حكومتها على ما دل على قيود متعلق التكليف والموضوع.

أقول : قد تقدم في بحث الإجزاء فساد القول المذكور ، وفساد التفصيل بين قيام الأمارة ومدلول الأصل وعدم اقتضاء شيء منها التوسعة في الواقع حيث إن الواقع أمر نفسي ، والثابت بمفاد الأصل أو بدليل اعتبار الأمارة حكم طريقي ولذا يلتزم بصحة الصلاة حتى في موارد ثبوت طهارة الثوب بالأمارة كالأصل ولو بعد كشف الخلاف.

١٥٨

فإنه يقال : إن الطهارة وإن لم تكن شرطا فعلا ، إلّا أنها غير منعزلة عن الشرطية رأسا ، بل هي شرط واقعي اقتضائي ، كما هو قضية التوفيق بين بعض الإطلاقات ومثل هذا الخطاب ، هذا مع كفاية كونها من قيود الشرط ، حيث إنه كان إحرازها بخصوصها لا غيرها شرطا.

______________________________________________________

عدم الفرق في المقام بين الالتزام بشرطية طهارة الثوب والبدن أو مانعية نجاستهما

ثمّ إنه لا مورد في المقام للتكلم في أن طهارة الثوب والبدن شرط في الصلاة أو أن نجاستهما أو العلم بها مانعة فإن ما يذكر ثمرة بين كون شيء شرطا للمعاملة أو العبادة أو كون ضده مانعا عن أحدهما من أنه على فرض اشتراط الشيء يكون اللازم إحرازه ولا يكفي إحراز عدم ضده بخلاف ما إذا كان ضده مانعا حيث يحرز عدمه ولو بالأصل كما إذا شك في كون اللحم من مذكى أو من الميتة فإنه لو كان جواز الأكل مشروطا بكونه مذكى فلا بد من إحرازه كما إذا كان جواز بيعه أيضا كذلك بخلاف ما إذا كانت حرمة البيع أو عدم جواز الأكل معلقا على كونه ميتة حيث يحكم بجواز أكله وجواز بيعه فيما جرى الأصل في عدم كونه من الميتة فإن هذه الثمرة لا تجري في المقام ؛ لأن المشكوك في طهارته ونجاسته محكوم بالطهارة فيمكن إحراز طهارة الثوب بالاستصحاب أو بقاعدة الطهارة كما يمكن نفي نجاسته بالاستصحاب ، ودعوى أن كلا من طهارة الثوب ونجاسته شرط ومانع لا يخفى ما فيها ؛ لكون أحد الاعتبارين لغوا. نعم يمكن فيما إذا كان لضدين ثالث اعتبار أحدهما شرطا والآخر مانعا حيث يمكن عدم تحقق المانع وعدم حصول الشرط بأن يوجد ذلك الثالث.

نعم ، قد ذكر في بحث الطهارة أن ظاهر جملة من الخطابات مانعية العلم بالنجاسة بالإضافة إلى ثوب المصلي وبدنه ، ولكن بعد العلم بالنجاسة يكون الشرط طهارتهما فلا بد من إحراز طهارتهما من النجاسة المعلومة.

١٥٩

لا يقال : سلمنا ذلك ، لكن قضيته أن يكون علة عدم الإعادة حينئذ ، بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة ، هو إحراز الطهارة حالها باستصحابها ، لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب ، مع أن قضية التعليل أن تكون العلة له هي نفسها لا إحرازها ، ضرورة أن نتيجة قوله : (لأنك كنت على يقين ... إلى آخره) ، أنه على الطهارة لا أنه مستصحبها ، كما لا يخفى.

فإنه يقال : نعم ، ولكن التعليل إنما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال ، لنكتة

______________________________________________________

بقي في المقام أمر وهو أن المستفاد من الفقرة الأخيرة من الصحيحة أن تنجس الثوب أثناء الصلاة مع تطهيره والإتيان ببقية الصلاة لا يضر بصحتها بمعنى أن تخلل شرط طهارة الثوب بل البدن في أثنائها لا يضر ولا يجري عليه حكم الحدث في أثناء الصلاة ولا بأس بالالتزام بذلك. نعم ، يشترط أن يكون تطهيره منافيا لسائر ما يعتبر في الصلاة من الاستدبار إلى القبلة وغير ذلك من مبطلات الصلاة فإن الصحيحة ناظرة إلى أن تخلل شرط الطهارة مع عدم العلم بسبق النجاسة لا يضر لا أن ارتكاب سائر المنافيات لا ينافي صحتها ثمّ لا يخفى أنه يمكن الالتزام بأن المعتبر في الصلاة خصوص الطهارة الواقعية ، ولكن شرطيتها كسائر الأجزاء والشرائط غير الركنية لا تقتضي الإعادة إذا كان الإخلال بها عن عذر حقيقة أو حكما كما هو مقتضى حديث : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (١) فإن مفاده أن الإخلال في غير الخمسة عن عذر وعدم لزوم الإعادة ولو بجعل ما فيه من الخلل المفروض بدلا عن متعلق الأمر في مقام الامتثال وتنجس الثوب والبدن واقعا مع استصحاب طهارتهما عذر ولذا علل عليه‌السلام عدم لزوم الإعادة بالاستصحاب الجاري في الثوب حال الصلاة قبل

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧٩.

١٦٠