عمدة الأصول - ج ٦

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: ولي عصر (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٣

مرجع جميع ذلك إلى نفي جعل الحكم ادعاء ومصحح الادعاء عدم تعلق الارادة الجدية بمورد دليل الحاكم هذا فيما اقتضى دليل الحاكم تضييق دليل المحكوم.

وقد يقتضى توسعة ذلك الدليل ومرجعه حينئذ إلى اثبات الجعل في مورد ادعاء وكناية عن ثبوت الارادة الاكيدة فيه.

وذلك أيضا إمّا بادعاء ثبوت موضوع الدليل كأن يقال زيد عالم مع أنّه جاهل في الواقع أو بادعاء ثبوت المتعلق كأن يقال مثلا السكوت عند العالم اكرام له أو بادعاء ثبوت الحكم كان يقال قد جعلت الوجوب في مورد زيد ومرجع جميع ذلك أيضا إلى ثبوت جعل الحكم في مورد دليل الحاكم وقد عرفت أنّ مصحح الادعاء وجود الارادة الجدية في مورده فدليل الحاكم على ما ذكرنا يحدد دليل المحكوم بمدلوله بلسان نفي الجعل في مورد اقتضى دليل المحكوم ثبوته أو ثبوته في مورد لم يقتض ثبوته لا بلسان عدم تطابق الارادة الجدية مع الاستعمالية كما يتراءى من المحقق (النائيني) فإنّه على هذا المعنى غير مطرد فيما اقتضى دليل الحاكم توسعة دليل المحكوم لأنّ المفروض حينئذ عدم وجود الارادة الاستعمالية كي يقتضي دليل الحاكم عدم تطابقها مع الارادة الجدية. (١)

التنبيه الخامس : في صحة العمل الضرري العبادي وعدمها

لو أتى به فيما إذا اعتقد الضرر وكان مضرّا في الواقع.

وقد يقال بصحة الوضوء مثلا في الفرض المذكور لوجود الملاك وإن لم يكن بمأمور به والوجه فيه أنّه لا يشترط في صحة العمل العبادي الأمر به بل يكفي حائزيته للملاك ولذلك تراهم في الواجبين المتزاحمين يحكمون بتوجه الأمر الفعلي بالأهمّ منهما دون المهمّ ومع ذلك يصححون فعل المهم لو عصى وترك امتثال الأمر الأهم باتيان المهم وليس هذا إلّا لكفاية واجدية العمل للملاك في صحته وإن لم يتعلق به أمر فعلا.

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٥٤٥ ـ ٥٤٦.

٤٦١

اورد عليه بأنّ مقتضى حكومة لا ضرر على عموم أدلة الوضوء خروج الفرد الضرري من الوضوء عن عموم أدلته وبعد خروجه لا معنى لثبوت الملاك لأنّه إنّما يثبت بالكاشف له ولا كاشف بعد عدم شمول عموم الأدلة للفرد الضرري.

أجاب عنه سيّدنا الاستاذ المحقق الداماد قدس‌سره بأنّه يمكن استفادة الملاك بالأدلة الخارجية الواردة في أنّ الوضوء نور وأنّ الصوم جنة من النار بل بنفس أدلة نفي الحرج والضرر ونحوهما بضميمة الأدلة الأولية حيث إنّ سياق تلك الأدلة رفع الكلفة والمشقة والضرر عن المكلف وظاهرها بقاء المطلوبية في الأفعال على حالها وأنّ الشارع لم يوجبها مع مطلوبيتها لتسهيل الأمر على المكلف وعدم القائه في الحرج والضرر وهذا واضح لمن راجع أهل العرف في محاورته فإنّه إذا قال المولى لعبده جئني بالماء البارد ثم قال لا تلق نفسك في المشقة لأجله يفهم أنّ الماء البارد مطلوب المولى على أي حال صادم المشقة أو لا وأنّه نفي وجوبه عند عروضها شفقة على عبده وتسهيلا للأمر عليه هذا ويدل على وجود الملاك نفس آية التيمم أيضا حيث قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(١)

قيل المعنى أنّ المسح بالتراب ليس أمرا شاقا حرجيا ولم يرد الله ليجعل في الدين من حرج وإنّما أمر به ليطهركم ويتم نعمته عليكم وقيل المعنى أنّه لم يوجب الوضوء عند السفر والمرض عدم وجدان الماء وأمر بالتيمم لرفع الحرج ولأنّه ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج.

ولا يخفى أنّ الظاهر من الآية الشريفة هو المعنى الثاني وعلى هذا يكون دالة على أنّ

__________________

(١) سورة المائدة / الآية ٦.

٤٦٢

الوضوء مطلوب عند السفر والمرض وعدم وجدان الماء وإنّما لم يؤمر به وجوبا للشفقة على العباد ورفع الحرج عنهم ويؤيّد بل يدل عليه ما يتراءى من بعض الأخبار من عتاب الائمة عليهم‌السلام بعض الناس حيث كانوا يسافرون إلى بعض البلاد أو بعض الصحاري الخالي من الماء بقولهم هذا (هذه) أرض توبق دينك فإنّه لو لم يكن مطلوبية الوضوء عند ذلك بحالها وكان وجدان الماء وعدمه بمنزلة الاستطاعة وعدمها أو بمنزلة الحضر والسفر لما كان للعتاب مجال ويؤيده بل يدلّ عليه أيضا ما ورد في بعض الأخبار حيث سألوا عن وجوب الخروج عن الطريق في السفر لتحصيل الماء من عدم وجوبه معللا بوجود السباع بل في بعضها التقييد بالخوف منها الظاهر في وجوب ذلك عند عدم الخوف وهذه الاخبار كثيرة والغرض من هذا المختصر أنّ الظاهر من نفس أدلة التيمم من الآية وغيرها أنّ الوضوء مطلوب مطلقا صادم الحرج أو لا وأنّه إنّما أمر بالتيمم عند طريان الحرج دون الوضوء لرفع الكلفة والمشقة عن العباد فهذا أقوى الدليل على وجود الملاك إلى أن قال.

هذا كله مضافا إلى أنّ دليل لا ضرر ولا حرج في مقابل العمومات الأولية كان كقوله لا يجب إكرام زيد في مقابل قوله يجب إكرام العلماء فكما يجمع بين هذا الدليلين بحمل الحكم في مورد زيد على الاستحباب فكذلك يجمع بين الدليلين في المقام بحمل الحكم في مورد الضرر والحرج على الاستحباب.

وبالجملة فرق بين النسخ وبين حكومة لا ضرر ولا حرج على أدلّة الأحكام حيث إنّ معنى النسخ رفع الأمر الاعتباري الذي هو عبارة عن الجعل والانشاء وبعد رفع ذلك يمكن أن يقال لا دليل على وجود الملاك وهذا بخلاف الحكومة إذ مرجعها إلى عدم وجوب الحكم في مورد دليل الحاكم فهي نظير نفي وجوب الاكرام في مورد بعض أفراد العام فتامل.

إلى أن قال ثم إنّ هذا كله على فرض تسليم شمول القاعدة للمقام ويمكن منعه بأنّ المكلف لما كان مقدما على الوضوء الضرري لا مجال لرفع وجوبه بقاعدة لا ضرر حيث إنّ تلك القاعدة وردت امتنانا وموردها ما إذا لم يرد المكلف الفعل مع قطع النظر عن ايجابه إلى

٤٦٣

أن قال فكيف كان فالتحقيق في المقام أنّ كلما كان المكلف آتيا به بطيب نفسه لا يشمل حديث لا ضرر إذا أدى فعله إلى الضرر حيث إنّه وارد مقام الامتنان وتسهيل الأمر على المكلفين.

فمساقه قاصر عن الشمول لما إذا كان توجه الضرر إلى المكلف بطيب نفسه وميله وهذا واضح فتدبر. (١)

ولا يخفى عليك أوّلا أنّ الملاك يكشف من ناحية اطلاق أدلة الوضوء أو الغسل ولا حاجة إلى ملاحظة الجهات الخارجية ثم إنّ شمول اطلاق لا ضرر بالنسبة إلى موارد الضرر ليس بمنزلة التخصيص حتى يدل على عدم وجود الملاك في مورد الضرر وعليه فيجتمع الأمر بالوضوء أو الغسل مع النهي عن الضرر في مورد واحد فإن قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي كما هو المنصور فلا اشكال في صحة الوضوء أو الغسل لوجود الأمر بالنسبة إلى عنوان الوضوء وإن لم نقل بذلك فيمتنع اجتماعهما ولكن يكفي بقاء الملاك وحكومة لا ضرر على الاحكام لا يوجب رفع المطلوبية والملاك وإنّما هي موجبة لرفع الوجوب فالجواب عن كون الحكومة بمعنى خروج الفرد الضرري من الوضوء أو الغسل هو المنع عن ذلك لما عرفت من أنّ معنى الحكومة هو بمعنى رفع الوجوب ومعه يبقى الملاك على الامتناع بل يبقى الأمر على الاجتماع.

وثانيا أنّ الاقدام يكون على الوضوء لا على الضرر وملازمة الوضوء للضرر أو اتحاده معه لا يوجب أن يكون الاقدام على الضرر ومع عدم الاقدام على نفس الضرر يكون شمول لا ضرر للوضوء الضرري أو الغسل الضرري موافقا للامتنان فلا وجه للمنع عن شمول القاعدة بالنسبة إلى الوضوء الضرري أو الغسل الضرري هذا بخلاف الاقدام على المعاملة الغبنية بداع من الدواعي العقلائية فإنّ الاقدام فيها على نفس المعاملة الضررية ومعه لا يكون شمول لا ضرر بالنسبة اليها موافقا للامتنان وهكذا مثله إذا اقدم على الضرر البدني

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٥٥٠ ـ ٥٥٦.

٤٦٤

بداع من الدواعي العقلائية لا يكون شمول لا ضرر موافقا للامتنان نعم لو لم يكن له داع من الدواعي العقلائية كان شمول القاعدة موافقا للامتنان وإن أقدم عليه والحاصل إنّه لا مجال للحكم ببطلان العبادة مع القول بجواز اجتماع الأمر والنهي أو الامتناع وبقاء الملاك إلّا إذا دلّ نصّ خاصّ على البطلان.

التنبيه السادس : في عدم شمول المعاملات التى اقدم فيها على الضرر

ولا يخفى عليك أنّ حديث لا ضرر لا يشمل المعاملات التي اقدم فيها على الضرر بداع من الدواعي العقلائية فلو تزوج امرأة بمهر في ذمة الزوج وعلمت أنّ المهر ينقص قدرة شرائه بحسب مرور السنوات فلا يشمله لا ضرر لو اختلفت قدرة شرائه بحسب دور السنوات لاقدامها على الضرر المذكور ويؤيد أو يشهد له صحيحة يونس قال كتبت إلى ابي الحسن الرضا عليه‌السلام انه كان لي على رجل عشرة دراهم وإن السلطان اسقط تلك الدراهم وجاءت دراهم (بدرهم خ ل) اعلى من تلك الدراهم الأولى ولها اليوم وضيعة فاي شيء لي عليه الأولى التي اسقطها السلطان أو الدراهم التي اجازها السلطان فكتب لك الدراهم الأولى. (١)

ولا يخفى عليك أنّ مع الوضيعة حكم بأنّ له الدراهم الأولى ولم يحكم بضمان الوضيعة وهذا مما يعلمه طرفا المعاملة إذ تغيير الدراهم محتمل ومع الاحتمال يكون المورد هو مما أقدم عليه فلا يشمله لا ضرر نعم لو كان مقدار تغيير القيمة وقدرة الشراء امرا لا يزعمه طرفا المعاملة فلا يبعد القول بضمانه مستندا إلى حديث نفي الضرر لان الضرر الفاحش مما لم يقدم عليه طرفا المعاملة بخلاف الضرر غير الفاحش ولا يكون شمول لا ضرر بالنسبة إليه منافيا للامتنان.

اللهم إلّا أن يقال : بأنّ السيرة ثابتة على أن نقص قدرة الشراء في الديون والمهور لم

__________________

(١) الوسائل / الباب ٢٠ من أبواب الصرف ، ح ٢.

٤٦٥

يكن مورد الضمان مطلقا سواء كان فاحشا أو لم يكن واختلاف القيم وقدرة الشراء لا يختص بزماننا هذا بل كان ذلك في الازمنة السابقة عند الحرب أو السنة المجاعة وغير ذلك ومع ذلك لم يرد فيه الضمان فتأمّل.

وكيف كان فمع جعل قانون في زماننا على الضمان فان اعتمد طرفا المعاملة على القانون المذكور فلا اشكال في الضمان كما لا يخفى.

ولا يلزم أن يذكر في متن العقد بل لو كان العقد مبنيا عليه كفى فلا تغفل.

التنبيه السابع : في تصادم الضررين

واعلم أنّه لو دار الأمر بين حكمين ضرريين بحيث يكون الحكم بعدم أحدهما مستلزما للحكم بثبوت الآخر ذهب الشيخ الاعظم قدس‌سره على المحكي عنه إلى أنّ المرجع هي العمومات مع فقد المرجح وإلّا فمع وجود المرجح كما يكون أحدهما أقل ضررا فهو المختار من دون فرق في ذلك بين شخص واحد أو شخصين.

أورد عليه بأنّ تصادم الضررين في المقام ليس من باب تعارض الدليلين والرجوع الى العمومات بل هو من قبيل تزاحم الحقين ومقتضاه الترجيح باختيار أقلّ الضررين مع وجود المرجح وإلّا فالمختار هو التخيير لا الرجوع إلى العمومات.

هذا إذا كان تصادم الضررين بالنسبة إلى شخص واحد وأمّا إذا كان بالنسبة إلى شخصين فالمقتضى لنفي كل منهما وإن كان موجودا أيضا إلّا أنّه لا وجه للحكم هاهنا بالتخيير والمفروض انتفاء المرجح إذ لا معنى للمنّة على العباد برفع الضرر فيما كان نفيه عن أحد مستلزما لثبوته على الآخر ولو كان أقل فيستكشف بذلك عن عدم إرادتهما فيجب الرجوع إلى ساير القواعد.

قال سيدنا الاستاذ المحقق الداماد قدس‌سره على ما حكي عنه يختلف حكم تصادم الضررين باختلاف الموارد.

٤٦٦

فتارة يدور الأمر بين ايراد الضرر إمّا على نفسه أو على الغير.

وأخرى يدور الأمر بين ايراد أحد الضررين على الغير.

وثالثة يدور الأمر بين ايراد أحد الضررين على نفسه.

ورابعة يدور الأمر بين ايراد أحد الضررين على شخصين.

فعلى الأول إن كان الضرر بمقتضى طبعه متوجها إليه لا يجوز له دفعه إلى الغير وإن كان متوجها إلى غيره لا يجب عليه صرفه إلى نفسه وإن كان متوجها إلى الغير أيضا لكن لا بمقتضى طبعه بل بتوسيط المكلف لا يجوز له التوسيط وإن كان في عدمه ضرر عليه ومسألة التولّي من قبل الجائر يدخل في هذا القسم انتهى وذلك لأنّ حديث الرفع للامتنان على الامة وهو لا يساعد مع جواز التوسيط عند الاكراه. (١)

ثم زاد سيّدنا الاستاذ في مورد الأوّل أعني دوران الأمر بين ايراد الضرر على نفسه أو على الغير أنّه إذا كان نسبة الضرر اليهما على حدّ سواء بأن لم يكن بمقتضى جريه العادي متوجها إلى هذا ولا إلى ذاك كما فيما لو أدخل دابة رجل رأسه في القدر الآخر فدار الأمر بين ذبح الدابة أو كسر القدر فلا اشكال في أنّه يختار حينئذ أقل الضررين إلّا أنّه لو كان أحدهما مقصرا في ذلك يكون هو الضامن لضرر الأقل كما أنّه لو كان أحدهما مطالبا بماله يكون ضامنا لمال الآخر ومع عدم التقصير والمطالبة من أحدهما يقسم بينهما ضرر الأقل كما لا يخفى على المتأمل ومن ذلك يظهر ضعف القول بأنّ الضامن في المقام من كان ضرره أقل فافهم واستقم انتهى وتقسيم الضرر يوافق قاعدة العدل والانصاف كالدرهم الودعي وعليه فالحكم باختيار الأقل وتنصيف الضرر بينهما مقدم على الحكم بضمان من كان ضرره أقل مع أنّه لا تقصير له ويحتمل القول بتقويم كل طرف خاليا عن الآخر ومجتمعا مع الآخر فالتفاوت في كل طرف نقص طرأ عليه وعلى مالكه فمع بيعهما من ثالث أو اشتراء أحد المالكين ما للآخر يقسط الضرر بينهما بالنسبة ولعل هذا أولى هذا كله في المورد الأول.

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٥٦٧ ـ ٥٦٨.

٤٦٧

ثم قال سيّدنا الاستاذ قدس‌سره وعلى الثاني بأن دار الأمر بين ايراد أحد الضررين على الغير كما لو اكره المكلف على ذلك وكان في تركه يتوجه إليه ضرر عظيم من قبل النفس أو ما شابهه في الأهمية فيحول الأمر إلى الغير فان اختار أحدهما فيختاره المكلف سواء كان أقل الضررين أو اكثرها وإلا فيخيّر ومن ذلك يظهر ضعف القول بالرجوع إلى أقل الضررين أو الاطلاق فتأمّل. (١)

ثم على فرض احالة الأمر إلى الغير وعدم اختياره لا مجال للحكم بتخيير المكلف بين أقل الضررين وأكثرهما بل اللازم هو الرجوع إلى أقل الضررين لكفاية الأقلية للترجيح ولعل لذلك أمر بالتامل في نهاية كلامه الشريف واليه يؤول ما في الكفاية حيث قال فمجمل القول فيه أنّ الدوران إن كان بين ضرري شخص واحد أو اثنين فلا مسرح إلّا لاختيار أقلّهما لو كان وإلّا فهو مختار. (٢)

وممّا ذكر يظهر الحكم في المورد الثالث من دوران الأمر بين ايراد أحد الضررين على نفسه فسيدنا الاستاذ ذهب إلى التخيير بينهما ولو كان أحدهما أقل ضررا والآخر أكثر ضررا ولكن عرفت المناقشة فيه لأنّ مع دوران الأمر بين الأقل والأكثر فالأقلية تصلح لمرجحية الطرف الأقل بعد كون أصل ايراد الضرر محرما.

ثم قال سيدنا الاستاذ قدس‌سره وعلى الرابع بأن دار الأمر بين ايراد أحد الضررين على شخصين كما لو اكره المكلف على ايراد الضرر إمّا على هذا أو على ذاك فلا اشكال في أنه يختار حينئذ أقل الضررين كما في بعض فروع الصورة الأولى إلّا إنّه يقسم بينهما على الظاهر هذا مقتضى التامل التام في مفاد القاعدة ولتكن على ذكر منه لعله ينفعك في غير مقام. (٣) ولا يخفى عليك إمكان المناقشة فيه بعد اختصاص أدلّة رفع الاكراه بما إذا كان ذلك امتنانا على الامة فاللازم عليه هو الاجتناب عن ايراد الضرر على الغير إلّا فيما إذا كان الضرر

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٥٦٨.

(٢) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٧١.

(٣) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٥٦٨.

٤٦٨

المتوجه إليه أمرا لا يجوزه الشارع والله هو العالم.

التنبيه الثامن : في دوران الأمر بين تضرر المالك والاضرار بالغير

واعلم أنّه إذا دار الأمر بين تضرر شخص والاضرار بالغير من جهة التصرف في ملكه كمن حفر في داره بالوعة أو بئرا يكون موجبا للضرر على الجار مثلا فهنا صور :

الأولى : أن يكون المالك بتصرفه قاصدا لاضرار الجار من دون أن يكون فيه نفع له أو في تركه ضرر عليه.

الثانية : الصورة مع كون الداعي إلى التصرف مجرد العبث والميل النفساني لا الاضرار بالجار قال السيد المحقق الخوئي قدس‌سره في هاتين الصورتين المتسالم عليه فيهما هو الحرمة والضمان ووجههما واضح فانه لا اشكال في حرمة الاضرار بالغير ولا سيما الجار والمفروض أنّه لا يكون فيهما شيء ترتفع به حرمة الاضرار بالغير. (١)

الثالثة : أن يكون التصرف بداعي المنفعة بأن يكون في تركه فوات المنفعة.

الرابعة : أن يكون الداعي التحرز عن الضرر بأن يكون في تركه ضرر عليه.

والمنسوب إلى المشهور جواز التصرف وعدم الضمان في الصورتين الأخيرتين.

واستدل لذلك بأن منع المالك عن التصرف في ملكه حرج عليه ودليل نفي الحرج حاكم على أدلة نفي الضرر كما أنّه حاكم على الأدلة المثبتة للأحكام.

أورد عليه السيد المحقق الخوئى قدس‌سره بأنّ هذا الدليل ممنوع صغرى وكبرى أمّا الصغرى فلعدم كون منع المالك عن التصرف في ملكه حرجا عليه مطلقا فإنّ الحرج المنفي في الشريعة المقدسة إنّما هو بمعنى المشقة التي لا تتحمل عادة ومن الظاهر أنّ منع المالك عن التصرف في ملكه لا يكون موجبا للمشقة التي لا تتحمل عادة مطلقا بل قد يكون وقد لا يكون وليس الحرج المنفي في الشريعة المقدسة بمعنى مطلق الكلفة وإلّا كان جميع التكاليف

__________________

(١) مصباح الأصول / ج ٢ ، ص ٥٦٥.

٤٦٩

حرجية فإنّها كلفة ومنافية لحرية الانسان وللعمل بما تشتهي الأنفس. (١)

وفيه ما لا يخفى إذ اثبات الصغرى لا يحتاج إلى أن يكون حرجيا في جميع الموارد بل يكفي فيه ثبوت الحرجية في بعض الموارد.

ثمّ أفاد بقية الكلام وقال وأمّا الكبرى فلأنّه لا وجه لحكومة أدلة الحرج على أدلة نفي الضرر فإنّ كل واحد منهما ناظر إلى الأدلة الدالة على الأحكام الأولية ويقيدها بغير موارد الحرج والضرر في مرتبة واحدة فلا وجه لحكومة أحدهما على الآخر. (٢)

يمكن أن يقال : إنّ توارد الضرر والحرج يكفي في جواز معاملة المتزاحمين فيقدم ما كان مقتضيه أقوى وإن كان دليل الآخر أرجح ومن المعلوم أنّ الضرر والحرج من المتزاحمين كما أفاد في الكفاية حيث قال ثم انقدح بذلك حال توارد دليلي العارضين كدليل نفي العسر ودليل نفي الضرر مثلا فيعامل معهما معاملة المتعارضين لو لم يكن من باب تزاحم المقتضيين وإلّا فيقدم ما كان مقتضيه اقوى وإن كان دليل الآخر أرجح وأولى ولا يبعد أنّ الغالب في توارد العارضين أن يكون من ذلك الباب بثبوت المقتضي فيهما مع تواردهما لا من باب التعارض لعدم ثبوته إلّا في أحدهما كما لا يخفى. (٣)

نعم لا مجال للحكم بتقديم جانب الحرج مطلقا على الضرر بل اللازم هو مراعاة الأقوى منهما وأمّا دعوى أنّ قاعدة لا حرج لا تشمل الحرج الجوانحي بل هي مختصة بالحرج في الجوارح ففيها ما ذكره سيدنا الاستاذ المحقق الداماد قدس‌سره من منع الاختصاص وما دعوى ذلك إلّا بلا برهان. (٤)

والقول بأنّه ليس المقام مقام اجتماع قاعدة لا ضرر ولا حرج بل أحدهما محكم دون الآخر وذلك لأنّه إن كان الحكم المجعول جواز التصرف كان المحكّم قاعدة لا ضرر وبها ينفى

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٧١.

(٤) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٥٧٢.

٤٧٠

الضرر عن الجار وليس لقاعدة لا حرج حينئذ مجال لأنّ عدم جواز تصرّف المالك في ماله وإن كان حرجيا إلّا أن قاعدة لا حرج لا تحكم على الأحكام العدمية ليثبتها وإن كان حرمة التصرّف كان المحكم قاعدة لا حرج وبها ينفي الحرج عن المالك وليس لقاعدة لا ضرر حينئذ مجال لعين ما مرّ.

غير سديد لما أفاده سيدنا الاستاذ المحقق الداماد من أنّ اللازم من جريان قاعدة لا ضرر حرمة التصرف كما أنّ اللازم من جريان قاعدة لا حرج جوازه وكل منهما حكم وجودى. (١)

ثم إنّ هذا فيما إذا كان في ترك التصرف فوات المنفعة ولكن كان ذلك حرجا عليه وأمّا إذا كان في ترك التصرف ضرر عليه تزاحم الضرران فيسقط دليل لا ضرر بالنسبة إليهما ومعه يرجع إلى عموم قاعدة «الناس مسلطون على أموالهم» في جواز التصرف في ملكه.

قال سيدنا الاستاذ : وقد تلخص من جميع ما ذكر أنّ مقتضى القاعدة بعد تعارض الضررين هو الرجوع إلى عموم السلطنة إلّا أنّ الانصاف انّها منصرفة عن بعض صور التصرفات التى لم يجر عليها العادة والمسألة لا تخلو عن تأمّل. (٢)

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٥٧٣.

(٢) نفس المصدر.

٤٧١
٤٧٢

الخلاصة :

قاعدة لا ضرر ولا ضرار :

وحيث انجرّ الكلام إلى حديث لا ضرر ولا ضرار ينبغي أن يبحث عنه على وجه الاختصار في ضمن أمور إن شاء الله تعالى.

الأمر الأوّل : في أسناد الحديث وطرقه وهى متعددة

منها ما رواه في الكافي بسند موثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان يمرّ إلى نخلته ولا يستأذن فكلّه الانصارى أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فلما تأبّى جاء الأنصارى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا إليه وخبّره الخبر فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخبّره بقول الأنصارى وما شكا وقال إن ردت الدخول فاستأذن فأبى فلمّا أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيع فقال لك بها عذق يمدّ لك في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصارى اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنّه لا ضرر ولا ضرار. (١)

ومنها ما رواه الصدوق بسند موثق عن زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام قال إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري فيه الطريق إلى الحائط فكان يأتيه فيدخل عليه ولا يستأذن فقال إنّك تجيء وتدخل ونحن في حال نكره أن ترانا

__________________

(١) الكافى / ج ٥ ، ص ٢٩٢.

٤٧٣

عليها فإذا جئت فاستأذن حتى نتحرز ثم نأذن لك وتدخل قال (فقال) لا أفعل هو مالى أدخل عليه ولا أستأذن فأتى الأنصارى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا إليه وأخبره فبعث إلى سمرة فجاءه فقال له استأذن عليه فأبى فقال له مثل ما قال الانصارى فعرض عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشترى منه بالثمن فأبى عليه وجعل يزيده فيأبى أن يبيع فلما رأى ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له لك عذق في الجنّة فأبى أن يقبل ذلك فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأنصارى أن يقلع النخلة فيلقيها إليه وقال لا ضرر ولا اضرار (ضرار خ ل) (١)

ومنها ما رواه في الكافى بسند ضعيف وهو مثل الروايتين المتقدمين إلّا أنّ فيه فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن. (٢)

والوجه في ضعف الرواية أنّها مقطوعة حيث قال الكليني عن على بن محمد بن بندار عن أحمد بن أبى عبد الله عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن سكان عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام.

ومنها ما رواه في الفقيه عن الحسن الصيقل عن أبى عبيدة الحذاء قال قال أبو جعفر عليه‌السلام كان لسمرة سمرة بن جندب نخلة إلى أن قال ثم قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسرّك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك قال لا قال لك ثلاثة قال لا قال ما أراك يا سمرة إلّا مضارا اذهب يا فلان فاقلعها واضرب بها وجهه. (٣)

ولا يخفى أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «ما أراك يا سمرة الّا مضارا» بمنزلة الصغرى لقوله لا ضرر ولا ضرار وتدل عليها.

ودعوى ان الرواية ضعيفة من ناحية الحسن الصيقل مندفعة بكفاية نقل الأجلّاء عنه في حصول الوثوق به.

وليس مقصودنا من كفاية نقل الأجلاء أنّهم لم ينقلوا عن الضعفاء حتى يقال إنّ هذا البناء لم يثبت في حق غير محمد بن ابى عمير وصفوان ومحمد بن ابى نصر البزنطى بل

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه / باب المضاربة ، ح ١٨.

(٢) الكافى / ج ٥ ، ص ٢٩٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه / باب حكم الحريم ، ص ٣٣٩ ، الطبعة القديمة.

٤٧٤

المقصود أن نقل الأجلّاء عن فرد واكثارهم في ذلك يوجب الوثوق به عادة والفرق بينهما واضح.

لا يقال : اشتمال سند الصدوق إلى الحسن الصيقل على على بن الحسين السعدآبادي يوجب ضعف الرواية لعدم توثيقه لأنا نقول إنّ السعدآبادي من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة وعبارة مقدمة كامل الزيارات صريحة في كون مشايخه بلا واسطة ثقات وأما القول بأنّ مفاد المقدمة أنّه لم يورد في كتابه روايات الضعفاء والمجروحين وليس مراده من ذلك وثاقة جميع من وقع في أسانيد رواياته فإنّ منهم من لا شائبة في ضعفه وهكذا ليس مراده وثاقة عامة مشايخه فإنّ منهم من لا تطبق عليهم الصفة التى وصفهم بها وهى كونهم مشهورين بالحديث والعلم فهو غير سديد لأنّ دعوى عدم انطباق وصف المشهور على على بن الحسين السعدآبادي أوّل الكلام لاحتمال أن كان هو من المشهورين في ذلك الزمان ولا يضر بذلك عدم كونه كذلك في زماننا هذا.

هذا مضافا إلى كون السعدآبادي من شيوخ الإجازات بالنسبة إلى جماعة من الأصحاب.

على أنّ للصدوق طريقا آخر إلى البرقى وهو صحح بالاتفاق.

لا يقال : إنّ هذا الطريق يختص بما اذا روى الصدوق في الفقيه مبتدئا باسم البرقى.

لإمكان الجواب عنه بأنّ الصيقل ليس له كتاب كما أنّ السعدآبادي كذلك وعليه فالكتاب للبرقى أو يونس وكتابهما مرويان بريق آخر صحيح والشاهد على أنّ الصدوق نقل من كتاب البرقى هو تكرار النقل عنه مرات عديدة فإنّه قرينة على أخذه من الكتاب لا أنّهم رووا له مرّات عديدة ولا فرق فيه بين ابتدائه باسم البرقي وبين عدم ذلك كما لا يخفى.

فنتحصل أنّ ما رواه الصدوق في الفقيه عن الحسن الصيقل معتبر وعليه فلا يصح دعوى أنّ قضية سمرة لم تذكر مقرونة بجملة لا ضرر ولا ضرار في كتبنا إلّا بطريق واحد فقط فلا ينبغى الخلط بين ثبوت هذه القضية في نفسها وبين ثبوتها مقرونة بهذه الجملة فإنّه

٤٧٥

ان صحّت دعوى استفاضة أصل القضية فلا تصح دعوى استفاضتها مقرونة بهذه الجملة.

وذلك لما عرفت من أنّ الطريق لا ينحصر بما رواه زرارة بل يروى القضية المذكورة بطريق آخر وهو على ما ذكره الصدوق في المشيخة عن ابى عبيدة الحذاء عن الإمام أبى جعفر الباقر عليه‌السلام.

لا يقال : إنّ ما رواه الصدوق لا يكون مقرونا بجملة لا ضرر ولا ضرار.

لانّا نقول : يكفى في اقترانها دلالة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لسمرة ما أراك يا سمرة إلّا مضارا فإنّه بمنزلة الصغرى لقوله لا ضرار ولا ضرار فحينئذ ان قلنا بكفاية الاثنين في صدق الاستفاضة فالرواية مستفيضة لنقل زرارة وأبى عبيدة ولكنّه لا يوافق ما ذكره شيخنا البهائى في تعريف المستفيض حيث قال اذا كان نقله في كل مرتبة أزيد من ثلاثة فمستفيض فقضية سمرة ليست بمستفيضة وان كانت الرواية الدالة عليها موثقة.

هذا بناء على قطع النظر عن غير قضية سمرة وإلّا فدعوى الاستفاضة واضحة لنقل هذه الجملة اعنى «لا ضرر ولا ضرار» في قضايا اخرى باسناد مختلفة متعددة.

منها : ما رواه في الكافي بسند ضعيف عن عقبة بن خالد عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال «لا ضرر ولا ضرار» وقال إذا رفّت الارف وحدّت الحدود فلا شفعة.

وهى مرتبطة مع صدر الحديث من جهة أنّه تصلح لكونه حكمة لعدم لزوم المعاملة في مورد جعل حق الشفعة بناء على ظهور قوله وقال «لا ضرار ولا ضرار» في كونه مقولا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله أو للامام عليه‌السلام في وجه تشريع الشفعة كما هو المختار لا أنّه قول الراوى بدعوى أنّه ذكره هنا من باب الجمع بين الروايات.

ومنها : ما رواه في الكافى بسند موثق عن طلحة بن زيد عن أبى عبد الله عن ابيه عليهما‌السلام قال قرأت في كتاب لعلى عليه‌السلام «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب أن كل غازية غزت بما يعقب بعضها بعضا بالمعروف والقسط بين

٤٧٦

المسلمين فإنّه لا يجوز حرب إلّا باذن أهلها وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه وأبيه لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلّا على عدل وسواء»

والظاهر أنّ في الرواية تصحيفا والشاهد لذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن الكافي بهذا السند عن أبى عبد الله عن ابيه عليهما‌السلام «قال قرأت في كتاب على عليه‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كتب كتابا بين المهاجرين والانصار ومن لحق بهم من اهل يثرب أنّ كل غازية غزت معنا لعقب بعضها بعضا بالمعروف والقسط ما بين المسلمين وأنّه لا يجار حرمة إلّا باذن أهلها وأنّ الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وحرمة الجار كحرمة أمه وأبيه لا يسالم مؤمن دون مؤمنين في قتال في سبيل الله إلّا على عدل وسواء» ونسخة الشيخ من الكافي مصحّحة ومنها يعلم أنّ كلمة «بما» غلط والصحيح هى «معنا» وعليه فقوله يعقب بعضها بعضا بالمعروف والقسط بين المسلمين خبر لقوله كل غازية غزت معنا والمراد منه هو التوصية برعاية النوبة في الجهاد.

ويعلم منها أنّ قوله فإنّه لا يجوز حرب إلّا باذن أهلها غلط والصحيح هو وانه لا يجار حرمة إلّا باذن أهلها والمراد من الحرمة هو المرأة وعليه فمعناه أنّه لا يجوز أن تجار حرمة إلّا باذن اهل المرأة وعليه كان ما أفاده العلامة المجلسى من أنّ المراد من الجار فيه من آجرته لا جار الدار صحيحا لأنّ الجار يأتى بمعنى المستجير والمستجار كليهما.

ثم إنّ هذه المكتوبة مروية مع سائر المكتوبات المرويّة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله في كتب العامة وهى تؤيّد صحة نسخة الشيخ من كتاب الكافى.

وكيف كان يحتوى هذا الخبر عنوان غير مضار وهو بمنزلة الصغرى لقوله «لا ضرار ولا ضرار» ويدل على عدم جواز ايراد الاضرار من الغير إلى الجار كما لا يجوز أن يورد الجار الضرر الى الغير بحيث يكون آثما بناء على كون قوله غير مضار ولا آثم راجعا إلى الجار أو كما لا يجوز ايراد الإضرار من الغير إلى النفس ومن النفس إلى الغير فكذلك الجار بناء على

٤٧٧

رجوع قوله غير مضار ولا آثم إلى النفس.

وبالجملة يدل الحديث على عدم جواز الاضرار بالنسبة إلى الغير ولا نظر له الى الاضرار بالنفس.

ومنها : ما رواه في الكافى بسند ضعيف عن عقبة بن خالد عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أهل البادية أنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء وقال «لا ضرر ولا ضرار».

هذا مضافا إلى روايات أهل السنة كمسند أحمد بن حنبل عن عبادة بن الصامت أنّ من قضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا ضرار ولا ضرار.

وسنن بيهقى عن ابى سعيد الخدرى أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال «لا ضرر ولا ضرار» من ضار ضره الله ومن شاق شق الله عليه.

ولموطأ لما لك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال «لا ضرر ولا ضرار» وغير ذلك من أخبارهم الدالة على الكبرى المذكورة أعني «لا ضرر ولا ضرار»

فدعوى الاستفاضة في تلك الكبرى ليست بمجازفة هذا مضافا إلى الأخبار الكثيرة الواردة في الموارد الخاصة التى يمكن الاطمئنان باحتوائها للكبرى وهذه الاخبار كثيرة جدا بحيث قال بعض لعل جماعة الرواة الذين رووا الموارد الخاصة تكون أزيد من أربعين رجلا والروايات المسندة المروية أزيد من خمسين رواية وقال سيدنا الاستاد بعد ذكر جملة منها ولا يخفى ان هذه الطائفة اكثر من أن يحصى.

وبالجملة لا مجال للريب في صدور الكبرى المذكورة أى «لا ضرر ولا ضرار» وعليه فاللازم هو البحث عن ألفاظها وكيفيّة دلالتها.

الأمر الثّاني : في ألفاظ الحديث والثابت هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا ضرر ولا ضرار» كما في موثقة زرارة المنقولة في الكافي والفقيه وأمّا قيد «في الإسلام» فهو موجود في كلام الصدوق في قبال العامة الذين قالوا ان المسلم لا يرث الكافر فاحتج عليهم الصدوق بأنّ الله عزوجل

٤٧٨

إنّما حرّم على الكفار الميراث عقوبة لهم بكفرهم كما حرّم على القاتل عقوبة لقتله فأمّا المسلم فلأىّ جرم وعقوبة يحرم الميراث فكيف صار الإسلام يزيده شرا مع قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا ضرر ولا ضرار في الاسلام» فالاسلام يزيد المسلم خيرا ولا يزيده شرا ومن المعلوم أنّ الصدوق في مقام الاحتجاج به على العامة بما ورد في طرقهم والمشهور لم يرووا هذه الزيادة ولم يعملوا به حتى يمكن انجبار ضعف الرواية العامية.

بل لم يظهر اعتماد غير المشهور على القيد المذكور لأنّ ما يستدل به علماؤنا في المسائل الخلافية بيننا وبين العامة من الروايات المروية بطرق عامة ليس من باب الاعتماد عليها وإنّما هو من باب الاحتجاج على الخصم بما يعترف بحجيته ونقل الرواية في الخلاف والتذكرة إنّما هو من هذا القبيل بل الأمر كذلك في نقل الفقيه أيضا بالنسبة إلى عدة مسائل خلافيّة.

وأمّا قيد «على مؤمن» فلا دليل عليه إلّا مقطوعة الكافي عن زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام أنّه قال إنّ سمرة بن جندب كان له عذق إلى أن قال قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن الحديث.

ولا حجية للمقطوعة فتحصل أنّ الثابت من الفاظ الحديث هو لا ضرر ولا ضرار من دون قيد «فى الاسلام» أو قيد «على مؤمن» نعم لا مانع من أن يقال إنّ نفى الشارع بما هو الشارع لا يكون إلّا بالنسبة إلى تشريعاته وقوانينه.

الأمر الثالث : في فقه الحديث وهنا ثلاث مقامات

المقام الأوّل : في مفاد مادّة (ض ر ر) والظاهر أنّها موضوعة لجامع النقص سواء كان في المال أو البدن أو الحال أو الحقوق.

ودعوى : أنّ الضرر بمعنى سوء الحال أو الضيق وقد يستعمل في النقص بلحاظ تسبيبه لسوء الحال أو للضيق.

مندفعة : أوّلا بأنّ ذلك خلاف المنساق من الضرر والضرار وهو جامع النقص نعم لا

٤٧٩

بأس بأنّ يقال إنّ سوء الحال أو الضيق من مصاديق النقص وعليه فتفسير الضرر بسوء الحال أو الضيق من باب الخلط بين المصداق والمفهوم وثانيا بأنّ سوء الحال من المفاهيم المعنوية المحضة بخلاف الضيق والنقص فإنّهما من المعاني المحسوسة وفرض الأمور المعنوية المحضة معنى أصيلا للفظ يخالف طبيعة اللغة.

ولقائل أن يقول إنّ استعمال الألفاظ في المعاني غير المحسوسة مورد الحاجة في عرض الاحتياج إلى استعمالها في المعانى المحسوسة فالصحيح أنّ المعنى الأصلي هو النقص بمعناه الجامع فيعم النقص البدني والمالي والحالي والحقوقي.

ثم إنّ الضرر كما أفاد سيدنا الاستاد عبارة عن اعدام النفع الموجود وهو أعمّ من أن يكون وجودا حقيقيا أو تنزيليا بأن يكون مقتضى وجوده موجودا.

ولا فرق بين أن يكون سبب الاعدام المذكور هو الأحكام الوجودية أو العدمية لعدم قصور للقاعدة في شمولها للأحكام العدمية كالوجودية فكما أنّ اطلاق وجود الأحكام ربما يوجب اعدام النفع الموجود فكذلك قد يوجب ذلك اطلاق الأحكام العدمية.

المقام الثّاني : في مفاد الهيئة الأفرادية لمادّة (ض ر ر) وهى هيئة الفعل للضرر وهيئة الفعال للضرار.

أمّا الضرر فهو اسم مصدر من ضرّ يضرّ ضرّا والوجه في ذلك هو التبادر إذ المنساق من لفظ الضرر أنّه لا يتضمن نسبة تقييدية ناقصة بخلاف المصدر فإنّه يحتوى تلك النسبة فإذا كان النظر مثلا إلى نفس العلم لا الى عالم كما يقال العلم خير من الجهل فهو اسم مصدر ويعبّر عنه في اللغة الفارسية ب ـ «دانش» واذا كان النظر اليه مع نسبته إلى شخص كما يقال علم زيد بكذا أقوى من علم عمرو به فهو مصدر ويعبّر عنه ب ـ «دانستن» والمصدر في الفارسية مختوم بالنون دون اسم المصدر.

وأمّا الضرار فهو مصدر على وزن (فعال) لباب (المفاعلة) يقال ضارة يضارّه مضارة وضرارا أو لباب الثلاثى المجرد أى ضرّ ضرارا على ما قيل.

٤٨٠