عمدة الأصول - ج ٦

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: ولي عصر (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٣

التفصيل بين كون الاحتياط مستلزما للتكرار وعدمه أقوال والأقوى هو الأوّل إذ لا دليل على اعتبار قصد الوجه مع صدق تحقق الاطاعة على الاتيان بالمأمور به بدونه سواء استلزم التكرار أو لم يستلزم.

نعم لو شك في اعتبار قصد الوجه وعدمه وتمكن منه بالفحص عن الأدلّة أو رأى مجتهده أمكن القول بوجوب الفحص لاحتمال دخالته في الاحتياط وادراك الواقع ولكن عرفت عدم الدليل على دخالة قصد الوجه فيه شرعا ولا فرق فيه بين استلزام الاحتياط للتكرار وعدمه.

ودعوى الاجماع على اعتبار نيّة الوجه غير ثابتة هذا مع احتمال أن يكون مورد الاجماع هو وجوب قصد القربة لا وجوب قصد الوجه فتحصّل أنّ الاحتياط مطلقا لا يتوقف على الفحص والعلم بوجه الأحكام من الوجوب أو الندب ومع عدم توقفه على ذلك يجوز الاحتياط في العباديات كالتوصّليات من دون فرق بين استلزام الاحتياط للتكرار وعدمه.

وأمّا البراءة فالكلام فيها يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في البراءة العقلية ولا يخفى عليك أنّه لا يجوز اجراؤها إلّا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف وذلك لأنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا مورد لها إلّا بعد ثبوت موضوعها وهو عدم البيان ولا يثبت هذا الموضوع إلّا بالفحص واليأس عن الظفر بالحجة ولا فرق في ذلك بين الشبهات الموضوعية والحكمية ما لم يرخّص الشارع.

وأمّا إذا رخّص الشارع فهو ترخيص شرعى يرفع به عما يقتضيه الدليل العقلى لأنّ حكم العقل بالاحتياط قبل الفحص يكون من باب الاقتضاء ومعه يمكن الترخيص الشرعى.

المقام الثّاني : في البراءة الشرعية وهى إمّا في الشبهة الموضوعية التحريمية وإمّا في الشبهة الموضوعية الوجوبية وإمّا في الشبهة الحكمية.

٣٨١

أمّا الشبهة الموضوعية التحريمية فلا دليل على اعتبار الفحص في جريان البراءة فيها لاطلاق بعض الادلة الدالة على البراءة الشرعية من حيث الفحص وعدمه كقوله عليه‌السلام كل شيء منه حرام وحلال فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ اطلاق الأخبار منصرف عن الموارد التى يمكن تحيل العلم فيها بسهولة ومع الانصراف لا مجال للبراءة قبل الفحص الذى لا يحتاج الى مئونة.

نعم يجرى البراءة من دون فحص إذا كان الفحص محتاجا إلى دقة واعمال نظر كما يدل عليه صحيحه زرارة حيث قال قلت لأبى جعفر عليه‌السلام فهل علىّ إن شككت في أنّه أصابه شيء أن انظر فيه قال لا ولكنّك إنّما تريد أن تذهب بالشك الذى وقع في نفسك.

وذلك لأنّ النظر هو الفحص مع الدقّة فالمنفى في هذه الرواية هو فحص خاصّ لا مطلق الفحص وإن كان مع سهولة.

وأمّا الشبهة الموضوعية الوجوبية فالأمر فيها أوضح لعدم دليل خاص فيها يدلّ بالاطلاق على عدم الحاجة إلى الفحص فالشك الذى أخذ موضوعا فيها منصرف من الموارد التى يمكن تحصيل العلم فيها بسهولة بل يصدق العلم المأخوذ في الغاية على ما لو تفحص لظفر به فالأقوى عدم جواز اجراء الأصل مطلقا إذا كان الواقع ينكشف بأدنى فحص وليس الشك مستقرا.

وأمّا الشبهات الحكمية فقد استدل لاعتبار الفحص فيها بأمور.

الأول : دعوى الاجماع القطعى على عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلة.

أورد عليها بأنّ الاجماع هاهنا غير حاصل ونقله لوهنه بلا طائل فإنّ تحصيله في مثل هذه المسألة ممّا للعقل إليه سبيل صعب.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الاجماع في مثل المقام غير متوقف على الأدلة الموجودة المذكورة فيه بحيث لو لا الأدلة كان بناء الأصحاب على لزوم الفحص فهذا الاجماع العملى منهم حجة

٣٨٢

ودليل على عدم فهمهم من أدلة البراءة الاطلاق أو دليل على تخصيصها على فرض كونها مطلقة.

هذا مضافا إلى أنّ الاستناد إلى الأدلّة لا يضر إذا اتّصل الاجماع في كلمات القدماء إلى إجماع أصحاب الائمة عليهم‌السلام فإنّه كاشف حينئذ عن تقرير الإمام.

الثاني : حصول العلم الإجمالي لكل أحد قبل الأخذ في استعلام المسائل بوجود واجبات ومحرمات كثيرة في الشريعة ومعه لا يصح التمسك بأصل البراءة لما تقدم من أنّ مجراه الشك في أصل التكليف لا في المكلف به مع العلم بالتكليف.

أورد عليه بأنّ مقتضى هذا الدليل هو جواز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص بعد ما لو ظفر بمقدار المعلوم بالاجمال من الأحكام وعدم جواز الرجوع اليها بعد الفحص فيما إذا لم يظفر بهذا المقدار وذلك لأنّ المانع من اجراء البراءة بمقتضى هذا الدليل ليس عدم الفحص بل هو العلم الإجمالي فما لم يظفر على المقدار المعلوم بالاجمال لا يصح له الرجوع إلى البراءة ولو بعد الفحص لمنع العلم الإجمالي منه وإذا ظفر عليه يصح له ذلك ولو قبل الفحص والظاهر عدم التزامهم بذلك في شيء من الموردين.

هذا مضافا إلى أنّ محل الكلام في البراءة فيما لم يكن هناك علم موجب للتنجز إمّا لانحلال العلم الإجمالي بالظفر بالمقدار المعلوم أو لعدم الابتلاء إلّا بما لا يكون بينها علم بالتكليف من موارد الشبهات ولو لعدم الالتفات اليها.

الثالث : أنّ العقل لا يعذر الجاهل القادر على الفحص كما لا يعذر الجاهل بالمكلف به العالم به اجمالا ومناط عدم المعذورية في المقامين هو عدم قبح مؤاخذة الجاهل فيهما فاحتمال الضرر بارتكاب الشبهة غير مندفع بما يؤمن معه من ترتب الضرر ألا ترى أنّهم حكموا باستقلال العقل بوجوب النظر في معجزة مدعى النبوة وعدم معذوريته في تركه مستندين في ذلك إلى وجوب دفع الضرر المحتمل لا إلى أنّه شك في المكلف به.

الرابع : الآيات والروايات الدالة على وجوب التعلم مقدمة للعمل وهى العمدة وأمّا من

٣٨٣

الآيات فقوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) بدعوى أنّ الآية الكريمة أوجبت الفحص والسؤال عن أهل الذكر عند عدم العلم مع أنّه لو كان حديث الرفع جاريا قبل الفحص فلا يكون السؤال لازما.

وقوله تعالى (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١) بدعوى أنّ الآية أوجبت السفر والنفر لتعلم الأحكام مع أنّه لو كان حديث الرفع جاريا قبل الفحص فلا وجه لايجاب السفر والنفر للتعلم.

وأمّا من الروايات فموثقة مسعدة بن زياد قال سمعت جعفر بن محمد عليهما‌السلام وقد سئل عن قوله تعالى (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) فقال إنّ الله يقول للعبد يوم القيامة عبدى كنت عالما فإن قال نعم قال له أفلا عملت بما علمت وإن قال كنت جاهلا قال أفلا تعلّمت حتى تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة.

بدعوى أنّها تدل على عدم كون الجاهل بالحكم معذورا إذا كان قادرا على التعلم واتفقت المخالفة مع أنّه لو كان حديث الرفع جاريا فيه فلا مجال للعتاب والمؤاخذة على ترك التعلم والتفحص.

وصحيحة أبى جعفر الأحول مؤمن الطاق عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال لا يسع الناس حتى يسألوا ويتفقّهوا ويعرفوا إمامهم ويسعهم أن ياخذوا بما يقول وإن كان تقية.

بدعوى صراحتها على أنّ الناس ليسوا في سعة بسبب جهلهم بل اللازم عليهم أن يسألوا ويتفقّهوا مع أنّه لو كان حديث الرفع جاريا فيه قبل الفحص والتعلم كانوا في سعة وغير ذلك من صحاح الأخبار الدالة على عدم جواز الرجوع إلى اطلاق حديث الرفع قبل الفحص.

وهذه الأدلّة اللفظية من الآيات والروايات هى عمدة الوجه لتقييد إطلاق أدلّة البراءة الشرعية بناء على إطلاقها.

__________________

(١) سورة التوبة / الآية ١٢٢.

٣٨٤

استحقاق العقاب عند ترك الفحص وحصول المخالفة

لا شبهة في استحقاق العقوبة على المخالفة فيما إذا كان ترك التعلم والفحص مؤدّيا إليها فإنّ المخالفة حينئذ وإن كانت مغفولة حين المخالفة وبلا اختيار إلّا أنّها منتهية إلى الاختيار وهو كاف في صحة العقوبة بل مجرد ترك التعلم والتفحص كاف في صحة المؤاخذة والعقوبة وإن لم يكن مؤدّيا إلى المخالفة مع احتمال أدائه إلى المخالفة لاجل التجرّى وعدم المبالات بها.

نعم يشكل ذلك في الواجب المشروط والموقت ولو أدّى تركهما قبل الشرط والوقت إلى المخالفة بعدهما فضلا عما إذا لم يؤدّ إليهما حيث لا يكون حينئذ تكليف فعلى أصلا لا قبلهما وهو واضح ولا بعدهما وهو كذلك لعدم التمكن منه بسبب الغفلة ولذلك التجأ المحقق الأردبيلى وصاحب المدارك وصاحب الكفاية إلى الالتزام بوجوب التفقه والتعلم نفسيا تهيئيا فيكون العقوبة على ترك التعلّم نفسه لا على ما أدّى إليه من المخالفة أو إلى الالتزام بكون المشروط أو الموقت مطلقا معلّقا لكنّه قد اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية عقلا بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غير التعلم والفحص فيكون الايجاب حاليا وإن كان الواجب استقباليا قد أخذ على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب شرطه ولا غير التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته وأمّا لو قيل بعدم الايجاب إلّا بعد الشرط او الوقت فلا محيص عن الالتزام بكون وجوب التعلم نفسيا ولا بأس به ولا ينافى ذلك ما يظهر من الأخبار من كون وجوب التعلم إنّما هو لغيره لا لنفسه حيث إنّ وجوبه لغيره لا يوجب كونه واجبا غيريا يترشح وجوبه من وجوب غيره فيكون مقدميّا بل للتهيؤ لايجابه.

يشكل ذلك بأنّ الواجب المعلق خلاف الظاهر من الأدلة وفتاوى المشهور هذا مضافا إلى أنّه لو كان الواجب توصّليا ولم يحصل العلم به ثم اتفق صدور الواجب منه من باب

٣٨٥

الاتفاق لزم استحقاقه العقوبة مع اتيانه الواجب حيث ترك التعلم الذى هو واجب نفسى وهو كما ترى.

والأولى أن يجاب عن الأشكال بأنّ الواجب المشروط يكون متعلقا للارادة الفعلية من الآن على تقدير تحقق شرطه كما يساعد عليه الوجدان وملاحظة الانسان مطلوبات نفسه فإذا علم الإنسان بحصول الشرط في المستقبل وجب عليه تحصيل مقدماته فعلا.

أو يجاب بأنّ أدلّة وجوب تحصيل العلم كأدلّة وجوب الاحتياط فكما أنّ وجوب الاحتياط طريقى فكذلك وجوب تحصيل العلم وكما أنّه لو عصى الأول يعاقب على ترك الواقع لتنجّزه عليه فكذلك لو عصى التكليف بوجوب تحصيل العلم فلو ترك الواقع المحتمل من جهة ترك تحصيل العلم يعاقب عليه.

وفيه أنّ تعلق الارادة الفعلية من الآن على تقدير تحقق شرطه يكون بمعنى أنّ الارادة فعلية والمراد استقبالى وعليه فلا فرق بين هذا وبين الواجب المعلق في جواز دفع الاشكال به فإنّ الوجوب في كليهما فعلي والواجب استقبالي.

وعليه فالقول بالواجب المعلّق لدفع الاشكال لا مانع منه.

هذا مضافا إلى أنّه لا يقاس المقام بوجوب الاحتياط وطريقيته لأنّ احتمال التكليف الفعلي موجود فيه بخلاف المقام قبل الوقت او الشرط.

نعم يمكن أن يقال بناء العقلاء على صحة المؤاخذة على ترك المشروط أو الموقت اذا التفت المكلف وتمكّن منها في الجملة ولو بالتعلم والتفحص وذلك لقبح تفويت الملاك ووجوب تحفّظه.

فتحصّل أنّ التفحص والتعلم واجب ولو في الموقتات والمشروطات وذلك لقبح تفويت الملاك التام ووجوب حفظه عند العقل والعقلاء ولو لم نقل بالواجب المعلق أو بالوجوب النفسي فلا تغفل.

بقى هنا شيء وهو أنّه إذا كان الواقع بحيث لو تفحّص المكلف عنه لا يصل إليه فهل

٣٨٦

يستحق العقاب على مخالفة الواقع لو لم يتفحص أو لا وجهان :

أحدهما : أنّه يمكن الالتزام بعدم استحقاق العقاب على مخالفة الواقع لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان إذ المراد من البيان هو البيان الواصل والمفروض أنّه غير واصل.

وثانيهما : هو التفصيل بين وجوب الفحص لآية السؤال والأخبار الدالة على وجوب التعلم فالحق عدم استحقاق العقاب لعدم امكان التعلم وتحصيل العلم بالأحكام فالمورد لا يكون مشمولا للأدلة المذكورة.

وبين وجوب الفحص لأجل العلم الإجمالي أو لأجل أدلة التوقف والاحتياط فالحق استحقاق العقاب على مخالفة الواقع لكونه منجّزا بالعلم الإجمالي أو أدلة وجوب الاحتياط ولقائل أن يقول محل الكلام في وجوب الفحص لا يختص بموارد العلم الإجمالي بل يعمّ موارد احتمال التكليف بلا علم هذا مضافا إلى معارضة أدلّة التوقف والاحتياط مع أدلّة البراءة ويمكن الجمع بينهما بحمل أدلّة الاحتياط على صورة التمكن من ازالة الشبهة بمثل الفحص والمفروض في المقام أنّه لا يتمكن من ذلك هذا كله بالنسبة إلى استحقاق العقوبة على المخالفة وأمّا الصحة والبطلان فهو كما يلى إن شاء الله تعالى.

حكم الصحة أو فساد عمل الجاهل بلا فحص وتعلّم

إذ اعمل الجاهل بلا فحص وتعلّم فيحكم ببطلان عمله بحسب الظاهر ما لم ينكشف الواقع والمراد من الحكم بالبطلان ظاهرا هو عدم جواز الاجتزاء به في مقام الامتثال بحكم العقل لاحتمال مخالفة المأتي به مع الواقع والمفروض أنّه لا مؤمّن له في الاكتفاء به لأنّ المفروض أنّه لم يتفحص ولم يتعلم هذا كله فيما إذا لم ينكشف الواقع وإلّا ففيه صور :

الصورة الاولى : أن تنكشف مخالفة المأتي به مع الواقع إما بالعلم الوجداني أو بالتقليد عن المجتهد الذى يجب الرجوع إليه حين العمل أو يجب الرجوع إليه فعلا ففي هذه الصورة

٣٨٧

يجب عليه الإعادة أو القضاء لعدم اتيانه بالمأمور به.

الصورة الثانية : أن تنكشف مطابقة المأتي به للواقع بسبب فتوى مجتهده في زمان العمل ومجتهده الذى يجب عليه الرجوع إليه فعلا ففي هذه الصورة لا إشكال في الحكم بصحة العمل لمطابقة عمله مع الواقع بحسب الحجة الفعلية بعد العمل وحينه.

الصورة الثالثة : أن تنكشف مطابقة العمل المأتي به لفتوى من كان يحب الرجوع إليه حين العمل ومخالفته لفتوى من يجب الرجوع إليه فعلا ففي هذه الصورة فصّل مصباح الأصول بين الأدلة الخاصة كحديث «لا تعاد» فاختار الحكم بالصحة في خصوص الصلاة حتى بالنسبة إلى الجاهل وبين الأدلة العامة التى أقاموها على دلالة الأوامر الظاهرية للاجزاء بلا فرق بين الصلاة وغيرهما وعمدتها الإجماع على عدم وجوب الاعادة والقضاء بعد امتثال الأوامر الظاهريّة ولو انكشف خلافها فاختار الحكم بالبطلان من جهة عدم كون المقام داخلا في معقد الاجماع يقينا لأنّ الاجماع على الاجزاء وعدم وجوب الاعادة والقضاء إنما هو فيما إذا كان العامل عمله مستندا إلى الأمر الظاهري وأمّا إذا لم يستند إليه كما في المقام فلا اجماع على صحته.

ويمكن أن يقال : يكفى في الإجزاء مطابقة المأتي به مع الحجة والمفروض أنّها متحققة في المقام إذ فتوى من كان يحب الرجوع إليه حين العمل حجة له ولا دخالة للاستناد في حجيتها كما لا دخالة له في سائر الأمارات كالخبر ومعنى حجيتها أنّ العمل بما يطابقها يوجب العذر وسقوط الأمر الواقعي عن التنجيز والمفروض أنّه عمل بما يطابقها فمع العمل والاتيان بالموافق كان معذورا وسقط الأمر الواقعي ومع السقوط المذكور لا مجال للاعادة أو القضاء فلا تغفل.

اللهمّ إلّا أن يقال : هذا صحيح فيما إذا قلنا بالإجزاء مطلقا بالأدلة اللفظية وأمّا إذا لم نقل بذلك وقلنا به بدليل السيرة والاجماع فالقدر المتيقن منهما هو صورة الاستناد.

الصورة الرابعة : أن تنكشف مطابقة العمل المأتي به للواقع بحسب فتوى المجتهد الفعلي

٣٨٨

ومخالفته له بفتوى المجتهد الأوّل فإن قلنا بلزوم الاستناد في الحجية أمكن للعامل أن يستند إلى المجتهد الفعلى ويحكم بصحة عمله وإن لم نقل بلزوم الاستناد وقلنا بكفاية المطابقة في الحجية فإن كان الأوّل أعلم يجب عليه الاعادة والقضاء لانحصار الحجية فيه وإن كان الثانى أعلم فلا يجب عليه الاعادة والقضاء لما عرفت وإن كانا متساويين فقول كل واحد منهما حجة له بنحو الحجة التخييرية والمكلّف مخيّر بينهما فتدبر.

الإجهار في موضع الإخفات وبالعكس

وردت هنا النصوص الصحيحة الخاصة الدالة على صحة الصلاة في الجهر موضع الاخفات وبالعكس من دون فرق بين كون الجهل قصوريا أو تقصيريا فلو انكشف الخلاف قبل انقضاء الوقت فلا حاجة إلى الاعادة فضلا عن القضاء بعد الوقت ولا اشكال في ذلك وإنّما الإشكال في الجمع بين الحكم بالصحة واستحقاق العقاب في صورة كون الجهل تقصيريا فيقال كيف يعقل الحكم بالصحة مع العلم باستحقاق العقوبة على ترك الواجب فيما إذا قصّر في الفحص والتعلّم.

وأجيب عنه بوجوه :

منها أنّ الحكم بالصحة إنما هو لاشتمال المأتي به على المصلحة الملزمة والحكم باستحقاق العقاب إنّما هو لأجل فوات المصلحة الزائدة التى لا يمكن تداركها بسبب تقصيره في ترك الفحص والتعلّم.

ومنها أنّه يمكن أن يقال بتعدد المطلوب وأنّه في حال الجهل أمران أحدهما أصل الصلاة والثانى الصلاة المقيدة بكونها قصرا ومع الاتيان بالمقيد يحصل المطلق وبحصول المطلق يفوت مصلحة الصلاة المقيّدة بكونها قصرا.

٣٨٩

وبذلك ينحلّ الاشكال إذ وجه صحة الاتمام على هذا كونه مأمورا به ووجه استحقاق العقاب على ترك القصر كونه مأمورا به أيضا ووجه عدم وجوب الاعادة قصرا لو علم بالحكم في الوقت هو تفويت مصلحة القصر بالاتيان بأصل الصلاة ولو في ضمن الاتمام.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ فوت مصلحة الصلاة المقيدة بكونها قصرا يتوقف على التضاد.

وهنا اشكال آخر : وهو أنّ ظاهر النصوص أنّ الصلاة المأتي بهما مع كيفية الاتمام في موضع القصر أو الاجهار في موضع الاخفات وبالعكس تامّة الأجزاء والشرائط وهذا ينافى بقاء شرطية الواقع من الجهر أو الاخفات مثلا أو جزئيته بالنسبة الى الجاهل فمع عدم بقائهما وتمامية الأجزاء والشرائط يبقى السؤال والاشكال السابق وهو أنّه كيف يعقل الحكم بالصحة مع الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الواجب.

وأجيب عنه بأنّه ليس في أخبار الاتمام مكان القصر أزيد من قوله عليه‌السلام فلا اعادة ومن المعلوم أنّ نفي وجوب الاعادة أعم من كون المأتي به تاما أو ناقصا سقط الواجب به.

وهكذا الأمر في خبر الجهر والإخفات فإنّه وإن تضمّن قوله عليه‌السلام «وقد تمّت صلاته» إلّا أنّ المراد به بقرينة صدر الحديث هو مجرد عدم انتقاص الصلاة وعدم احتياجها إلى الاعادة فلا ينافي استحقاق العقوبة على ترك الواجب فلا تغفل.

شرطان آخران لجريان البراءة :

وقد حكى عن الفاضل التوني شرطان لجريان البراءة :

أحدهما : أن لا يكون اعمال الأصل موجبا لثبوت حكم شرعى من جهة أخرى وعليه ففى مثل الإنائين المشتبهين لا يجرى أصالة عدم وجوب الاجتناب في طرف لأنّه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الطرف الآخر وهكذا لا يجرى في مثل مورد الشك في المتقدم والمتاخر كالكريّة والملاقاة أصالة عدم بلوغ الملاقى للنجاسة كرّا لأنّ إعمال الأصل يوجب الاجتناب عن الإناء الآخر أو الملاقي بالكرّ أو الماء.

٣٩٠

أورد عليه الشيخ قدس‌سره بقوله إنّ ايجاب العمل بالأصل لثبوت حكم آخر إمّا باثبات الأصل المعمول به لموضوع أنيط به حكم شرعى كان يثبت بالأصل براءة ذمة الشخص الواجد لمقدار من المال واف بالحج من الدين فيصير بضميمة أصالة البراءة مستطيعا فيجب عليه الحج فإنّ الدين مانع عن الاستطاعة فيدفع بالأصل ويحكم بوجوب الحج بذلك المال ومنه المثال الثاني فإنّ أصالة عدم بلوغ الماء الملاقى للنجاسة كرّا يوجب الحكم بقلته التى أنيط بها الانفعال.

وإما لاستلزام نفي الحكم به عقلا أو شرعا أو عادة ولو في هذه القضية الشخصية لثبوت حكم تكليفي في ذلك المورد أو في مورد آخر كنفي وجوب الاجتناب عن أحد الإناءين فإن كان ايجابه للحكم على الوجه الأوّل كالمثال الثاني فلا يكون ذلك مانعا عن جريان الاصل لجريان ادلته من العقل والنقل من غير مانع ومجرد ايجابه لموضوع حكم آخر وجودى آخر لا يكون مانعا من جريان ادلته.

وإن كان على الوجه الثاني الراجع إلى وجود العلم الإجمالي بثبوت حكم مردد بين حكمين فإن أريد باعمال الأصل في نفي أحدهما إثبات الآخر ففيه أنّ مفاد أدلّة أصل البراءة مجرد نفي التكليف دون اثباته وإن كان الاثبات لازما واقعيا لذلك النفى فإنّ الأحكام الظاهرية إنّما تثبت بمقدار مدلول أدلّتها ولا يتعدى إلى أزيد منه بمجرد ثبوت الملازمة الواقعية بينه وبين ما ثبت إلّا أن يكون الحكم الظاهرى الثابت بالأصل موضوعا لذلك الحكم الآخر كما ذكرنا في مثال براءة الذمة عن الدين والحج.

وإن اريد باعماله في أحدهما مجرد نفيه دون الاثبات فهو جار إلّا أنّه معارض بجريانه في الآخر فاللازم إمّا اجرائه فيهما فيلزم طرح ذلك العلم الإجمالي لأجل العمل بالأصل وإمّا اهماله فيهما وهو المطلوب وأما اعمال أحدهما بالخصوص فترجيح بلا مرجح.

وكيف كان فسقوط العمل بالأصل في المقام لأجل المعارض ولا اختصاص لهذا الشرط بأصل البراءة بل يجرى في غيره من الاصول والأدلة ولعلّ مقصود صاحب الوافية ذلك

٣٩١

وقد عبّر هو قدس‌سره في باب الاستصحاب بعدم المعارض.

ثم لا يخفى عليك أنّه لا معنى للنزاع في حجية مثبتات البراءة وعدمها إذ أصالة البراءة لا تنفى إلّا تنجّز الحكم الواقعي أو فعليته فالأمر العادي أو العقلي أو الشرعي المترتب عليها لو كان من آثار عدم تنجز الحكم ولوازمه أو فعليته ولوازمها يترتب عليه لا محالة إذ بعد اجراء البراءة يرتفع تنجز الحكم أو فعليته بالوجدان وذلك يستلزم ثبوت كل ما كان مترتبا عليه أو ملازما له.

ولو كان من آثار عدم الحكم واقعا لا يترتب بعد جريان البراءة ولو قلنا بالأصل المثبت إذ البراءة لا تنفى الحكم واقعا.

ومما ذكر يظهر أنّه لا وجه لارجاع كلام الفاضل التوني إلى عدم حجيته مثبتات البراءة فلا تغفل.

وثانيهما : من شرائط جريان البراءة أن لا يتضرر باعمال البراءة مسلم كما لو فتح انسان قفص طائر فطار أو حبس شاة فمات ولدها أو أمسك رجلا فهرب دابته فإنّ اعمال البراءة في هذه الموارد والحكم بعدم الضمان يوجب تضرر المالك فيحتمل اندراجه في قاعدة الاتلاف وعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار ولا ظن بأنّ الواقعة غير منصوصة فلا يتحقق شرط التمسك بالأصل من فقدان النصّ بل يحصل القطع بتعلق حكم شرعى بالضّار ولكن لا يعلم أنّه مجرد التعزير أو الضمان أو هما معا فينبغى له تحصيل العلم بالبراءة ولو بالصلح.

أورد عليه الشيخ الأعظم قدس‌سره ومن تبعه بأنّه إن كان قاعدة نفى الضرر معتبرة في مورد الأصل كان دليلا كسائر الأدلّة الاجتهادية وحاكما على البراءة وإلّا فلا معنى للتوقف في الواقعة وترك العمل بالبراءة ومجرد احتمال اندراج الواقعة تحت قاعدة الاتلاف أو حديث لا ضرر لا يوجب رفع اليد عن الأصل مع تحقق موضوعه وهو الشك.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ أدلّة البراءة إنّما وردت امتنانا والمرادية هو الامتنان النوعي ومن المعلوم أنّ جعل البراءة في المورد الذي شكّ في ايجاب البراءة فيه للضرر على الغير خلاف

٣٩٢

الامتنان النوعي والظاهر أنّ مراد الفاضل التوني هو اشتراط عدم الضرر واقعا على الغير لا اشتراط عدم جريان قاعدة نفي الضرر وعليه فما أفاده متين إذ مرجعه إلى اشتراط أن يكون جعل البراءة موافقا للامتنان النوعى.

لا يقال : إنّ لازم ذلك هو اشتراط جريان البراءة بالعلم بعدم النصّ وهذا واضح الفساد فإنّ أصالة البراءة مشروطة بعدم العلم بالنصّ لا بالعلم بعدم النص.

لأنّا نقول : إنّ عدم جريان الأصل في مورد الشك في الضرر من جهة عدم إحراز الامتنان النوعي مع أنّ الملحوظ في أصالة البراءة هو الامتنان النوعي وعليه فأدلة البراءة قاصرة عن شمول الموارد التى ليس فيها امتنان نوعي.

وجعل البراءة في موارد الشك في الضرر خلاف الامتنان النوعي وإن كان موضوع الأصل وهو الشك متحققا.

٣٩٣
٣٩٤

قاعدة لا ضرر ولا ضرار :

وكيف كان حيث انجر الكلام إلى حديث لا ضرر ولا ضرار ينبغي البحث عنه على وجه الاختصار في ضمن امور إن شاء الله تعالى.

انجر الكلام إلى حديث لا ضرر ولا ضرار ينبغي ان نبحث عنه على وجه الاختصار في ضمن أمور إن شاء الله تعالى.

الأمر الأوّل : في إسناد الحديث وطرقه وهي متعددة

منها ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان يمر به إلى نخلته ولا يستأذن فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبي سمرة فلمّا تأبّي جاء الأنصاري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا إليه وخبره الخبر فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخبره بقول الأنصاري وما شكا وقال إن اردت الدخول فاستأذن فأبى فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبي أن يبيع فقال لك بها عذق يمدّ لك في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنّه لا ضرر ولا ضرار. (١)

ولا إشكال في سنده فإنّه من الموثقات والمعتبرات والوجه في جعله من الموثقات دون المصححات هو كون عبد الله بن بكير فطيحا.

__________________

(١) الكافي / ج ٥ ، ص ٢٩٢.

٣٩٥

ومنها : ما رواه الصدوق في الفقيه عن أبيه رضي الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن على بن فضال عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري فيه الطريق إلى الحائط فكان يأتيه فيدخل عليه ولا يستأذن فقال إنّك تجيء وتدخل ونحن في حال نكره أن ترانا عليها فإذا جئت فاستأذن حتى نتحرز ثمّ نأذن لك وتدخل قال (فقال) لا أفعل هو مالي أدخل عليه ولا استأذن فأتى الأنصاري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا إليه وأخبره فبعث إلى سمرة فجاءه فقال له استأذن عليه فأبى فقال له مثل ما قال للأنصاري فعرض عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشتري منه بالثمن فأبى عليه وجعل يزيده فيأبى أن يبيع فلما رأى ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لك عذق في الجنة فأبى أن يقبل ذلك فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الأنصاري أن يقلع النخلة فيلقيها إليه وقال لا ضرر ولا ضرار (ضرار خ ـ ل). (١)

وسند هذا الحديث أيضا لا اشكال فيه لأنّه من الموثقات بل قال بعض الأعاظم يمكن عدّها أقوى سندا من رواية الكليني لأنّ في سند الكليني محمّد بن خالد البرقي وقد قال النجاشي انه ضعيف في الحديث وإن كان المعتمد وثاقته. (٢)

والوجه في كونه من الموثقات دون المصححات هو كون الحسن بن علي بن فضال وعبد الله بن بكير من الفطحية.

ومنها : ما رواه الكليني عن علي بن محمّد بن بندار عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن مسكان عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن سمرة بن جندب كان له عذق وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار فكان يجىء ويدخل إلى عذقه بغير اذن من الأنصاري فقال له الأنصاري يا سمرة لا تزال تفاجئنا على حال لا نحب

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه باب المضاربة / ح ١٨.

(٢) قاعدة لا ضرر ولا ضرار للسيد المحقّق السيستاني مد ظله العالي / ص ١٦.

٣٩٦

أن تفاجئنا عليها فإذا دخلت فاستأذن فقال لا أستأذن في طريق وهو طريقي إلى عذقي قال فشكا الأنصاري إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فارسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتاه فقال له إنّ فلانا قد شكاك وزعم أنك تمرّ عليه وعلى أهله بغير إذنه فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل فقال يا رسول الله استأذن في طريقي إلى عذقي فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلّ عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا فقال لا قال فلك اثنان قال لا اريد فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذاق فقال لا قال فلك عشرة في مكان كذا وكذا فأبى فقال خلّ عنه ولك مكانه عذق في الجنة قال لا أريد فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن قال ثمّ أمر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلعت ثمّ رمي بها إليه وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انطلق فاغرسها حيث شئت. (١)

وسند الحديث ضعيف لكونه من المقطوعات حيث قال فيه عن ابيه عن بعض اصحابنا عن عبد الله بن مسكان عن زرارة.

ومنها : ما رواه في الفقيه عن الحسن الصيقل عن أبي عبيدة الحذاء قال قال أبو جعفر عليه‌السلام كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان فكان إذا جاء إلى نخلته نظر إلى شيء من اهل الرجل فكرهه الرجل فذهب الرجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكاه فقال يا رسول الله إن سمرة يدخل عليّ بغير إذني فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتى تاخذ أهلي خدرها منه فأرسل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدعاه فقال يا سمرة ما شأن فلان يشكوك ويقول تدخل بغير إذني فترى من أهله ما يكره ذلك يا سمرة استأذن إذا أنت دخلت ثمّ قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسرك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك؟ قال لا قال لك ثلاثة قال لا قال ما أراك يا سمرة إلّا مضارّا اذهب يا فلان فاقلعها واضرب بها وجهه. (٢)

ولا يخفى عليك أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «ما أراك يا سمرة إلّا مضارّا» بمنزلة الصغرى لقوله لا ضرر

__________________

(١) الكافي / ج ٥ ، ص ٢٩٤ ، باب الضرار.

(٢) من لا يحضره الفقيه باب حكم الحريم ح ٨ الطبعة القديمة / ص ٣٣٩.

٣٩٧

ولا ضرار وعليه فهذه الرواية أيضا متعرضة لقوله لا ضرر ولا ضرار ولا يصح عدّ هذه الرواية ممّا يكون خاليا عن جملة لا ضرر ولا ضرار مع ما عرفت من دلالتها على الكبرى المذكورة.

ودعوى أنّ الرواية ضعيفة من ناحية الحسن الصيقل من جهة انه لم يوثق مندفعة بأنّ نقل الأجلاء عنه يوجب الوثوق به وليس معنى ذلك ان بناء الاجلاء على عدم الرواية عن الضعفاء حتى يقال لم يثبت هذا البناء كقاعدة كلية في حق غير محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى ومحمّد بن أبي نصر البزنطي بل المقصود أن نقل الأجلاء واكثارهم فيه يوجب الوثوق بمثل الحسن الصيقل والفرق بينهما واضح هذا مضافا إلى أنّ قول النجاشي في مقام ترجمة جعفر بن بشير انه روى عن الثقات ورووا عنه يدلّ على وثاقة من يروى عنهم ومن جملتهم هو الحسن الصيقل ودعوى أنّه لا وجه لاستظهار الحصر من هذه العبارة لأنّ اثبات روايته عن الثقات لا ينفي روايته عن غيرهم كما ترى لأنّ النجاشي في مقام ترجمته وهذه العبارة لو لم تدلّ على الحصر لما كان وجه لذكرها.

اللهمّ إلّا أن يقال : المقصود بالعبارة المذكورة اكثاره الرواية عن الثقات واكثار الثقات الرواية عنه ولا شك في ان هذا أمر ممدوح وصفة عالية في الشخص في مقابل ما يذكر في شأن بعض الرواة كمحمد بن خالد البرقي من انه يروي عن الضعفاء والمجاهيل فإنّه يعدّ نوعا من القدح والذم في حقه (وعليه فلا يدلّ هذه الجملة على توثيق من يروي عنه حتى يكون الحسن الصيقل موثقا).

إلى أن قال مضافا إلى انّ هذه الاستفادة لا تخلو من غرابة في ناحية الرواة عنه فإنّا لم نجد أحدا مهما بلغ من الجلالة والعظمة لا يروي عنه إلّا الثقات حتى أنّ الأئمة المعصومين عليهما‌السلام كثيرا ما روى عنهم الوضاعون والكذابون. (١)

نعم يكفي في وثاقته نقل الأجلاء عنه بالتقريب المذكور وعليه فالرواية لا ضعف لها من

__________________

(١) قاعدة لا ضرر للسيد المحقّق السيستاني مد ظله العالي / ص ٢٠.

٣٩٨

ناحية الحسن الصيقل نعم ربّما يقال إنّ سند الصدوق إليه يشتمل على علي بن الحسين السعدآبادي وهو ممن لم يوثق وإن بنى جمع على وثاقته استنادا إلى بعض الوجوه الضعيفة.

منها كونه من مشايخ ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات بناء على استفادة توثيق جميع رواة هذا الكتاب أو خصوص مشايخ مؤلفه من الكلام المذكور في مقدمته لكونه من مشايخه بلا واسطة.

أورد عليه بعض الاعاظم أنّ المقدمة المذكورة لا تدلّ على هذا المعنى بل مفادها أنّه لم يورد في كتابه روايات الضعفاء والمجروحين لذا لم يكن قد أخرجها الرجال الثقات المشهورون بالحديث والعلم المعبر عنهم بنقّاد الأحاديث كمحمد بن الحسن بن الوليد وسعد بن عبد الله واضرابهما وأمّا لو كان قد أخرجها بعض هؤلاء سواء كانوا من مشايخه أو مشايخ مشايخه فهو يعتمدها ويوردها في كتابه فكانه قدس‌سره يكتفي في الاعتماد على روايات الشذاذ من الرجال على حد تعبيره بايرادها من قبل بعض هؤلاء الأعاظم من نقاد الاحاديث إلى أن قال فليس مراده وثاقة جميع من وقع في أسانيد رواياته فإنّ منهم من لا شائبة في ضعفه وليس مراده وثاقة عامة مشايخه فإنّ منهم من لا تطبق عليهم الصفة التي وصفهم بها قدس‌سره وهي كونهم مشهورين بالحديث والعلم. (١)

ويمكن أن يقال : إنّ دعوى عدم انطباق وصف المشهور على علي بن الحسين السعدآبادي أوّل الكلام لاحتمال أن كان من المشهورين في ذلك الزمان وإن لم يكن كذلك في زماننا هذا فلا تغفل وعليه فيكفي كون علي بن الحسين السعدآبادي من مشايخ مؤلف كامل الزيارات من دون وساطة كما صرح به المؤلف المذكور في الباب السادس والثلاثين من كامل الزيارات لأنّ المقدمة المذكورة في أول الكتاب تدلّ على أنّ مشايخه المشهورة ثقات.

ومنها : كونه من أحد العدة الذين يروي الكليني بواسطتهم عن البرقي وقد روى عنه أيضا علي بن ابراهيم وعلي بن الحسين والد الصدوق وابو غالب الزراري وغيرهم من

__________________

(١) قاعدة لا ضرر للسيّد المحقّق السيستاني مد ظله العالي / ص ٢١ ـ ٢٢.

٣٩٩

الاجلاء ففي ذلك دلالة على وثاقته.

أورد عليه بعض الأعاظم بأنّه لم يثبت اقتصار هؤلاء على الرواية عن الثقات كما سبقت الاشارة إليه (١) وفيه ما مرّ من أنّ المقصود ليس أنّهم لم يرووا إلّا عن الثقة بل المراد أنّ اجتماع هؤلاء الاجلاء في النقل عنه يكشف عن كونه موثقا عرفا.

لا سيما مع تصريح أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري بقوله حدثنا مؤدبي علي بن الحسين السعدآبادي ابو الحسن القمي على ما صرح به الشيخ الطوسي قدس‌سره. (٢)

واطلاق المؤدب على علي بن الحسين السعدآبادي لا يخلو عن الدلالة على كونه من المهذبين.

ومنها : كون السعدآبادي من شيوخ الاجازات أورد عليه بأنّه لم يثبت اقتصار الأصحاب على الاستجازة من الثقات بل ثبت خلاف ذلك كما يعلم بمراجعة كتب الرجال. (٣)

يمكن ان يقال : ومع ذلك يمكن أن يحصل الوثوق بمن كان من شيوخ الاجازة بالنسبة إلى جماعة من الأصحاب فإنّه يحكي عن جلالته ومكانته التي لا تساعد مع كونه ضعيفا.

ومنها : أنّ المحكي عن شيخ الشريعة قدس‌سره تصحيح سند الرواية حتى على تقدير عدم ثبوت وثاقة السعدآبادي بدعوى أنّ للصدوق طريقا آخر إلى البرقي وهو صحيح بالاتفاق فإنّه يروي عنه أيضا بتوسط أبيه ومحمّد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن البرقي وهذا السند صحيح بالاتفاق.

أورد عليه أنّ هذا الطريق يختص بما يرويه الصدوق في الفقيه مبتدئا باسم البرقي لا إلى جميع الروايات التي وقع البرقي في طرقها وهذا واضح. (٤)

__________________

(١) قاعدة لا ضرر للسيد المحقّق السيستاني مد ظله العالي / ص ٢٢.

(٢) الفهرست / ص ٤٥ ـ ٥٥.

(٣) قاعدة لا ضرر للسيد المحقّق السيستاني مد ظله العالي / ص ٢٢.

(٤) نفس المصدر.

٤٠٠