عمدة الأصول - ج ٦

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: ولي عصر (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٣

بقرينة صدره مجرد عدم انتقاض الصلاة وعدم احتياجها إلى الاعادة واليك لفظ تمام الحديث الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل جهر في ما لا ينبغي الاجهار فيه وأخفى في ما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الاعادة فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته. (١)

فإن نفس التعبير في قوله «لا يدري» ظاهر في أنّ هنا حكما واقعا أعني وجوب الجهر أو الاخفات والمكلف لا يدري وعنه التعبير في الصدر بما لا ينبغي الاجهار فيه وما لا ينبغي الاخفاء فيه فإذا كان المفروض ثبوت هذا الحكم في الواقع فلا محالة لإيراد من قوله «تمّت صلاته» إلّا ما يقابل قوله «نقض صلاته» يعني أنّ صلاته ليست منقوضة محتاجة إلى الاعادة. (٢)

شرطان آخران لجريان البراءة :

حكي عن الفاضل التونى شرطان آخران أحدهما أن لا يكون اعمال الأصل موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى مثل أن يقال في أحد الإناءين المشتبهين الأصل عدم وجوب الاجتناب عنه فإنّه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر أو عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرّا أو عدم تقدّم الكرية حيث يعلم بحدوثها على ملاقاة النجاسة فإنّ اعمال الأصول يوجب الاجتناب عن الإناء الآخر أو الملاقي أو الماء انتهى.

أورد عليه الشيخ الأعظم قدس‌سره بقوله إنّ ايجاب العمل بالاصل لثبوت حكم آخر إمّا باثبات الأصل المعمول به لموضوع انيط به حكم شرعي كأن يثبت بالاصل براءة ذمة الشخص الواجد لمقدار من المال واف بالحج من الدين فيصير بضميمة أصالة البراءة مستطيعا فيجب عليه الحج فإنّ الدين مانع عن الاستطاعة فيدفع بالأصل ويحكم بوجوب

__________________

(١) الوسائل / الباب ٢٦ من ابواب القراءة والصلاة ، ح ١.

(٢) تسديد الاصول / ج ٢ ، ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

٣٤١

الحج بذلك المال.

ومنه المثال الثاني فإنّ أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرّا يوجب الحكم بقلّته التي انيط بها الانفعال.

وإمّا لاستلزام نفي الحكم به عقلا أو شرعا أو عادة ولو في هذه القضية الشخصية لثبوت حكم تكليفي في ذلك المورد أو في مورد آخر كنفي وجوب الاجتناب عن أحد الإناءين.

فإن كان ايجابه للحكم على الوجه الأوّل كالمثال الثاني فلا يكون ذلك مانعا عن جريان الأصل لجريان أدلته من العقل والنقل من غير مانع ومجرد ايجابه لموضوع حكم وجودي آخر لا يكون مانعا عن جريان أدلته كما لا يخفى على من تتبع الأحكام الشرعية والعرفية (فيثبت أحد الجزءين من الموضوع المركب بالأصل والآخر بالوجدان) إلى أن قال وإن كان على الوجه الثاني الراجع إلى وجود العلم الإجمالي بثبوت حكم مردّد بين حكمين فإن اريد باعمال الأصل في نفي أحدهما اثبات الآخر ففيه أنّ مفاد أدلّة أصل البراءة مجرد نفي التكليف دون اثباته وإن كان الاثبات لازما واقعيا لذلك النفي فإنّ الأحكام الظاهرية إنّما تثبت بمقدار مدلول أدلتها ولا يتعدى إلى أزيد منه بمجرد ثبوت الملازمة الواقعية بينه وبين ما ثبت إلّا أن يكون الحكم الظاهري الثابت بالأصل موضوعا لذلك الحكم الآخر كما ذكرنا في مثال براءة الذمة عن الدين والحج إلى أن قال :

وإن اريد باعماله في أحدهما مجرد نفيه دون الاثبات فهو جار إلّا أنه معارض بجريانه في الآخر فاللازم إمّا اجرائه فيهما فيلزم طرح ذلك العلم الإجمالي لأجل العمل بالأصل وإمّا اهماله فيهما وهو المطلوب وإمّا اعمال أحدهما بالخصوص فترجيح بلا مرجح إلى أن قال : وكيف كان فسقوط العمل بالأصل في المقام لأجل المعارض ولا اختصاص لهذا الشرط بأصل البراءة بل يجري في غيره من الاصول والأدلة ولعلّ مقصود صاحب الوافية ذلك وقد عبّر هو قدس‌سره في باب الاستصحاب بعدم المعارض (١) حاصله جريان البراءة خلافا

__________________

(١) فرائد الاصول / ص ٣١١ ـ ٣١٢.

٣٤٢

للفاضل التوني فيما إذا كان اعمال الأصل موجبا لثبوت موضوع مركب من شيء بالوجدان ومن آخر بالأصل كحكم وجوب الحج المترتب على من له مال ولم يشتغل ذمته بدين للغير إذ المال محرز بالوجدان وعدم الاشتغال محرز بأصالة البراءة هذا كله بالنسبة إلى الشبهة البدويّة وأمّا المقرونة بالعلم الإجمالي فإن أريد باعمال الأصل في نفي أحدهما اثبات الآخر ففيه أنّ عدم جريانه لأنّ مفاد أصالة البراءة مجرد نفي تكليف دون اثباته لا وجود شرطه وان اريد باعماله في أحدهما مجرد نفيه دون الاثبات فلا يجري لاجل المعارض لا لعدم وجود شرطه فلا تغفل.

قال في الكفاية ولا يخفى أنّ أصالة البراءة عقلا ونقلا في الشبهة البدوية بعد الفحص لا محالة تكون جارية وعدم استحقاق العقوبة الثابت بالبراءة العقلية والاباحة ورفع التكليف الثابت بالبراءة النقلية لو كان موضوعا لحكم شرعي أو ملازما له فلا محيص عن ترتّبه عليه بعد احرازه فإن لم يكن مترتبا عليه بل على نفي التكليف واقعا فهي وإن كانت جارية إلّا أنّ ذلك الحكم لا يترتّب لعدم ثبوت ما يترتب عليه بها وهذا ليس بالاشتراط. (١)

حاصله أنّ عدم ترتب حكم شرعي على نفي التكليف ظاهرا فيما إذا كان الحكم الشرعي مترتبا على نفي التكليف واقعا من جهة عدم تحقق الموضوع للحكم المترتب على نفي التكليف واقعا لا من جهة أنّ شرط جريان البراءة هو عدم كون اعمال الأصل موجبا لثبوت حكم شرعي آخر بل من جهة عدم تحقق موضوعه والشاهد له هو جريانها وترتب آثار البراءة الظاهرية عليها كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الظاهر من كلام صاحب الكفاية أنّه اكتفى في الجواب عن الفاضل التوني بالشبهة البدوية حيث لم يذكر الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي كما ذكرها الشيخ الأعظم قدس‌سره ولعلّ الوجه في ذلك أنّ الأصل في المقرونة لا يجدي في نفسه عند ابتلاء المعارض فإن كان المقصود

__________________

(١) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٦٣.

٣٤٣

من اشتراط جريان الأصل هو ذلك بأن لا يكون اعمال الأصل موجبا لثبوت حكم شرعي فهو صحيح ولكن لا يختص ذلك بأصل البراءة بل يجري ذلك في غيره من الاصول أيضا كما أفاده الشيخ قدس‌سره هذا مضافا إلى أنّه لا مجال للتعبير بالشرط عن الخلو عن المعارض.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ رفع استحقاق العقاب أو عدم التكليف شرعا ظاهرا لو كان موضوعا لحكم شرعي آخر يترتّب عليه الحكم الآخر لتحقق موضوعه وكذا لو كان رفع الاستحقاق أو عدم التكليف بالنحو المذكور ملازما لحكم آخر هذا إذا كان الحكم الآخر أو الملازم مترتبين على الحكم الظاهري وإلّا فلا يترتبان لعدم ثبوت نفي الحكم واقعا والمفروض أنّهما مترتبان على النفي الواقعي والبراءة عقلية كانت أو شرعية لا تثبت نفي الحكم واقعا نعم لو كان المورد من موارد الاصول المحرزة كالاستصحاب يترتبان عليه.

وعليه فالوجه في عدم جريان أصالة البراءة في الشبهة البدوية هو عدم تحقق موضوع الحكم الآخر بأصالة البراءة إذ الموضوع هو عدم التكليف واقعا لا لأنّ مثبتات الاصول ليست بحجة.

ولذلك قال سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره لا معنى للنزاع في حجية مثبتات البراءة وعدمها إذ هي لا تنفي إلّا تنجز الحكم الواقعي أو فعليته فالأمر العادي أو العقلي أو الشرعي المترتب عليها لو كان من آثار عدم تنجز الحكم ولوازمه أو فعليته ولوازمها يترتب عليه لا محالة إذ بعد اجراء البراءة يرتفع تنجز الحكم أو فعليته بالوجدان وذلك يستلزم ثبوت كل ما كان مترتبا عليه أو ملازما له ولو كان من آثار عدم الحكم واقعا لا يترتب بعد اجراء البراءة ولو قلنا بالأصل المثبت إذ قد عرفت أنّ البراءة لا تنفي الحكم واقعا. (١)

وممّا ذكر يظهر ما في مصباح الاصول حيث ارجع كلام الفاضل التوني إلى عدم حجية مثبتات البراءة (٢).

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٥١٢.

(٢) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٥١٥.

٣٤٤

بقي شيء في المثال الذي ذكره الشيخ ذيل كلام الفاضل التوني من انه إذا كان للمكلف مقدار من المال واف بالحج إلّا أنه شك في الدين وعدمه يجري فيه الأصل فيجب عليه الحج فإنّ الدين مانع عن الاستطاعة فيدفع بالأصل ويحكم بوجوب الحجّ بذلك المال وهو أنّ هذا المثال لا يخلو عن الكلام لما أفاد سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره من أنّه لو كانت الاستطاعة عبارة عن وجدان المال وعدم ثبوت الدين واقعا لا يجب عليه الحجّ بعد اجراء البراءة عن الدين لأنّها لا تثبت عدم ثبوت الدين واقعا نعم لو جرى الاستصحاب لترتب عليه وجوب الحج إلّا أنّه إذا انكشف الخلاف بعد بأن تبين ثبوت الدين لما يكفي حجه عن حجة الاسلام هذا كله إذا كان الموضوع مركبا وامّا لو كان بسيطا بأن كان الاستطاعة عبارة عن التمكن العرفي أو كان مقيّدا بأن كانت عبارة عن وجدان المال المقيّد بعدم الدين فلا يثبت وجوب الحج باستصحاب عدم ثبوت الدين أيضا لعدم الاعتناء بالاصول المثبتة نعم لو كان الأمر البسيط أو المقيّد بما هو مسبوقا بالوجود يجري فيه الاستصحاب ويثبت به وجوب الحج هذا كله في الشرط الأوّل الذي ذكره الفاضل التوني. (١)

وثانيهما : أن لا يتضرر باعمالها أي أصالة البراءة مسلم كما لو فتح انسان قفص طائر فطار أو حبس شاة فمات ولدها أو أمسك رجلا فهرب دابته (أو أبق عبده) فإنّ اعمال البراءة فيها (وعدم الحكم بالضمان) يوجب تضرر المالك فيحتمل اندراجه في قاعدة الاتلاف وعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار لأنّ المراد نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع وإلّا فالضرر غير منفي فلا علم حينئذ ولا ظن بأنّ الواقعة غير منصوصة فلا يتحقق شرط التمسك بالأصل من فقدان النص بل يحصل القطع بتعلق حكم شرعي بالضّار ولكن لا يعلم أنّه مجرد التعزير أو الضمان أو هما معا فينبغي له تحصيل العلم بالبراءة ولو بالصلح.

أورد عليه الشيخ الأعظم قدس‌سره بأنّه إن كان قاعدة نفي الضرر معتبرة في مورد الأصل كان دليلا كسائر الأدلة الاجتهادية الحاكمة على البراءة وإلّا فلا معنى للتوقف في الواقعة وترك

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٥١٢ ـ ٥١٣.

٣٤٥

العمل بالبراءة ومجرد احتمال اندراج الواقعة في قاعدة الاتلاف أو الضرر لا يوجب رفع اليد عن الأصل. (١)

حاصله أنّ مع جريان قاعدة نفي الضرر في مورد أصالة البراءة لا يبقى موضوع لأصالة البراءة ومع عدم بقاء الموضوع ليس عدم جريان قاعدة نفي الضرر من شرائط أصالة البراءة بل هو من شرائط تحقق موضوع أصالة البراءة ومع عدم جريان قاعدة لا ضرر فاللازم هو الاخذ بالبراءة ومجرد احتمال اندراج الواقعة تحت قاعدة الاتلاف أو الضرر لا يوجب رفع اليد عن الأصل.

وتبعه في الكفاية حيث قال وأمّا اعتبار أن لا يكون موجبا للضرر فكل مقام تعمه قاعدة نفي الضرر وإن لم يكن مجال فيه لأصالة البراءة كما هو حالها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية إلّا أنّه حقيقة لا يبقى لها مورد بداهة أنّ الدليل الاجتهادي يكون بيانا وموجبا للعلم بالتكليف ولو ظاهرا فإن كان المراد من الاشتراط ذلك فلا بد من اشتراط أن لا يكون على خلافها دليل اجتهادي لا خصوص قاعدة الضرر فتدبّر والحمد لله على كل حال. (٢)

واستشكل فيه سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره بصحة هذا الاشكال فيما لو كان الضرر مقطوعا إذ حينئذ تجري القاعدة دون البراءة وأمّا لو كان الضرر مشكوكا فلا مجال للقاعدة للشك في مصداق المورد لها ومع ذلك لا يجري البراءة إذ قد عرفت أنّ أدلتها إنّما وردت امتنانا والظاهر أنّ الملحوظ فيها هو الامتنان النوعي وعليه فجعل البراءة في المورد الذي شك في ايجاب البراءة فيه للضرر على الغير خلاف الامتنان النوعي والظاهر أنّ مراد الفاضل اشتراط عدم الضرر واقعا على الغير لا اشتراط عدم جريان قاعدة نفي الضرر على ما يظهر من عبارته المحكية وعلى هذا فما أفاده متين لا يرد عليه اشكال إذ مرجعه إلى

__________________

(١) الفرائد / ص ٣١٣.

(٢) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٦٣ ـ ٢٦٥.

٣٤٦

اشتراط أن يكون جعل البراءة موافقا للامتنان النوعي.

ثمّ لا يخفى أنّ ذلك الشرط يختص بالبراءة الشرعية وامّا البراءة العقلية فليست إلّا مشروطة بعدم البيان بل ليس ذلك من الاشتراط في شيء حيث إنّ موضوعها هو عدم البيان لا ان شرطها ذلك (١).

فتحصّل أنّ أصالة البراءة مشروطة بعدم تضرر مسلم واقعا من اعمالها لورودها مقام الامتنان فمع احتمال التضرر لا تجري لكونها خلاف الامتنان فلا تغفل.

لا يقال إنّ لازم ذلك أنّ جريان الأصل مشروط بالعلم بعدم النص وهذا واضح الفساد فإنّ الأصل مشروط بعدم العلم بالنص لا بالعلم بعدم النص.

لأنّا نقول : إنّ عدم جريان الأصل في مورد الشك في الضرر من جهة عدم احراز الامتنان النوعي لا من الجهة المذكورة إذ المفروض أنّ أدلّة البراءة قاصرة عن شمول الموارد التي ليس فيها الامتنان النوعي وجعل البراءة في موارد الشك في الضرر خلاف الامتنان النوعي وإن كان موضوع الأصل وهو الشك متحققا.

نعم يمكن أن يقال : إنّ الظاهر من كلام التوني هو أنّ شرط التمسك بالأصل هو إحراز أنّ مورده فقدان النص ومع احتمال انطباق قاعدة الإتلاف أو قاعدة لا ضرر فالشرط غير حاصل فيرد عليه انّ مع الشك يتحقق موضوع البراءة والاحتمال المذكور غير مانع عن تحقق موضوعه إلّا أنّ المهم نفس الاشكال الذي ذكرناه عن سيدنا الاستاذ وإن لم يذكره الفاضل التونى فلا تغفل.

نعم لقائل أن يقول : ورود البراءة مورد الامتنان لا يكون أزيد من التصريح بالامتنان في الرواية ومن المعلوم أنّ مع التصريح بالامتنان فيها يبقى السؤال عن كون الامتنان حكمة للحكم أو علة له فمع عدم ثبوت العلية لا وجه لرفع اليد عن إطلاق البراءة ، إلّا أن يقال : إنّ أدلّة البراءة مع ورودها مورد الامتنان أو التصريح بذلك قاصرة عن شمول الموارد التى ليس فيها امتنان لنوع الناس وإن كان فيه امتنان لبعض الأشخاص فتأمّل.

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٥١٣.

٣٤٧
٣٤٨

الخلاصة :

تنبيهات المقام الثاني :

التنبيه الأوّل : في جريان البراءة في الأسباب والمسببات وعدمه واعلم أنّ الأسباب والمسببات تنقسم إلى عقلية وعادية وشرعية فإذا كانت الأسباب عقلية أو عادية فلا مجال للبراءة لأنّ بيانها ليس على الشارع والمفروض أنّ المكلّف به معلوم ومبيّن من جهة المفهوم وإنّما الشّك من ناحية أسبابه العقلية والعادية فاللازم حينئذ هو الاحتياط في الأسباب المذكورة.

هذا إن كانت الأسباب والمسبّبات عقلية أو عادية وأمّا إذا كانت الأسباب والمسببات شرعية أو كانت المسببات تكوينية إلّا أنّ أسبابها لابهامها لا تتعين بفهم فهم العرف فاللازم أن يكشف عنها الشارع ففي الصورتين يجوز جريان البراءة لأنّ للشرع دخالة حينئذ في تعيين السبب وما يدخل في العهدة ومقتضى عموم حديث الرفع هو البراءة عن مورد الشك وعلى هذا الأساس تجرى البراءة عن شرطية شىء أو مانعيته في الوضوء السبب للطهور هذا إذا لم نقل بأنّ الطهور بنفسه اعتبار شرعي منطبق على نفس الأفعال الخارجية وإلّا فجريان الأصل فيه واضح.

ودعوى اختصاص حديث الرفع بالجعول والمسبّب الشرعي مندفعة بأنّ عموم حديث الرفع يشمل كل ما يكون أمره بيد الشارع ولو لم يكن مجعولا شرعيا ورفع الابهام عن الأسباب المبهمة عرفا بيد الشارع كما أنّ بيان الأسباب الشرعية بعهدة الشارع فلا مانع من

٣٤٩

جريان البراءة العقلية أو الشرعية بالنسبة إلى عقوبة ترك المسبّب من ناحية الشك في أسبابه الشرعية أو من ناحية أسبابه التكوينية التى لا يتمكن المكلف من الكشف عنها إلّا ببيان الشرع أخذا باطلاق حديث الرفع.

التنبيه الثّاني : في مقتضى القاعدة العقلية والشرعية في النقيصة العمديّة والسهويّة ولا يذهب عليك وضوح بطلان العمل بالنقص العمدي لأنّ الفاقد للجزء أو الشرط ليس مأمورا به بل هو كالمتروك رأسا ولا كلام فيه.

وإنّما الكلام في مقتضى القاعدة في النقيصة السهوية فنقول بعون الله تعالى واعلم أنّه اذا ثبتت جزئية شيء أو شرطيته وشك في كونه من الأركان بحيث اعتبر حتى حال السهو النسيان وعدم كونه منها ففي جريان قاعدة البراءة مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة خلاف.

ذهب الشيخ الأعظم قدس‌سره إلى أنّ الأقوى هو البطلان بسبب نقص الجزء إلّا أن يقوم دليل عام أو خاص على الصحة وذلك لأنّ ما كان جزءا في حال العمد كان جزءا في حال الغفلة فإذا انتفى المركب فلم يكن المأتي به موافقا للمأمور وهو معنى فساده.

أمّا عمومية جزئيته لحال الغفلة فلأنّ الغفلة لا توجب تغيير المأمور به فإنّ المخاطب بالصلاة مع السورة إذا غفل عن السورة في الأثناء لم يتغير الأمر المتوجه إليه قبل الغفلة ولم يحدث بالنسبة إليه من الشارع امر آخر حين الغفلة لأنّه غافل عن غفلته فالصلاة المأتي بها من غير سورة غير مأمور به بأمر أصلا غاية الأمر عدم توجه الأمر بالصلاة مع السورة إليه لاستحالة تكليف الغافل فالتكليف ساقط عنه ما دام الغفلة نظير من غفل عن الصلاة رأسا أو نام عنها فإذا التفت إليها والوقت باق وجب عليه الاتيان بمقتضى الأمر الأوّل.

أورد عليه سيد مشايخنا الميرزا الشيرازي قدس‌سره بأنّا سلّمنا ما ذكر عن عدم صحة تخصيص الناسي والساهي بالخطاب ولكن بالتام أيضا خطابه غير صحيح خطابه غير صحيح لكونه غافلا وتكليف الغافل غير صحيح فالغافل غير مأمور بشيء من الناقص والتّام وحيث إنّ حاله ليس كالبهائم في عدم المحبوبية الذاتية في حقه للعمل بل المحبوبية للعمل ثابتة في حقه

٣٥٠

فننقل الكلام في هذه المحبوبية فنقول هى ممكن التعلق بالناقص والزائد على حدّ سواء.

فإذا فرغ عن العمل والمفروض أنّه غير مأمور بشيء أصلا ثم تذكر أنّ سها عن السورة مثلا فهو يحتمل أنّ المحبوب النفسي الأمري الالهي في حقه في حال السهو ونسيانه هو ما أتى به من الصلاة الناقص السورة ويحتمل أنّه كان الصلاة التام الأجزاء حتى السورة.

والأصل العقلى في حقه حينئذ هو البراءة إذ لا فرق في تقريب البراءة بين متعلق الحبّ ومتعلق الأمر فإن قلنا بالانحلال في مسألة الأقل والأكثر يرتفع عند هذا الحكم العقلى بسبب الانحلال وإلّا كان مشغول الذمّة حتى يأتى الأكثر فالبراءة تجري حال ذكره الحاصل له بعد العمل ليرفع الاعادة عنه ودعوى أنّ مقتضى قيام الاجماع على أنّ لكل أحد خطابا أن يكون خطاب الغافل كخطاب الذاكر لعدم امكان اختصاصه بخطاب غاية الأمر أنّ الخطاب عام والمكلف ما دام غافلا لم يتنجز عليه وبعد الالتفات يتنجّز الخطاب بالنسبة إليه ومقتضاه هو وجوب الإعادة مع الاتيان بالجزء المنسي.

مندفعة : بأنّ دعوى قيام الاجماع بالنسبة إلى الغافل بالموضوع ممنوعة نعم الغفلة عن الحكم لا توجب اختلاف الحكم وإلّا لزم التصويب كما قرر في محله.

لا يقال : لا يتحقق الامتثال في حق الغافل حيث إنّ ما اعتقده من الأمر وتحرّك على طبقه لم يكن في حقه فلا اطاعة حقيقة للأمر حيث لا أمر وأمّا محبوبيته واقعا فكفى بها مقربة له لكنه ما أتى بالفعل بداعى محبوبيته فما يصلح للدعوة المقربة ما دعاه وما دعاه لا واقعية له حتى يضاف الفعل إلى المولى بسبب الداعى من قبله.

لأنّا نقول : إنّ قصد الأمر من باب الخطأ في التطبيق ومحركه في الحقيقة هو أمر المولى أو حبّه فهو قاصد لاتيان ما أتى به سواء كان مأمورا به أو محبوبا.

هذا مضافا إلى أنّه يصدق العبادة بالامرين وهما الحسن الفعلي والحسن الفاعلي وكلاهما موجودان في مثل المقام هذا كله بناء على عدم امكان الخطاب للناسى والساهي وإلّا فلا مجال للتمسك بالأصل العقلي المذكور إذ مع البيان لا مورد للأصل وعليه فاللازم هو البحث عن امكان الخطاب للناسي وعدمه ثبوتا واثباتا.

٣٥١

إمكان الخطاب للناسي وعدمه

فنقول مستعينا بالله تعالى ذكروا هنا وجوها لامكان الخطاب للناسي والمراد من الخطاب إمّا خطاب عامّ يشمل الغافل والذاكر كدليل الجزئية أو الشرطية أو خطاب مختص بالساهي والناسي الّذى يدلّ على مطلوبية الأقل منه بخصوصه وكيف كان فمع الإطلاق لا مجال للأصل العقلي بل مع خطاب العامّة فالحكم هو وجوب الاعادة ومع خطاب الخاص فالحكم هو الاكتفاء بالأقل.

ولا بأس بذكر عمدة الوجوه المذكورة لامكان الخطاب للناسي منها أنّ الخطابات العامة القانونية فعلية ولا محذور في شمولها للناسي بعد عدم تنجّزها بسبب السهو والنسيان وكونها من الخطابات القانونية العامه لا الخطابات الشخصية حتى تكون لغوا بالنسبة إلى الساهي والناسي ولا مجال لدعوى تقوّم البعث والزجر بامكان فعلية الداعوية حين الخطاب وهو مستحيل بالنسبة إلى الغافل والناسي بعد كفاية أن يكون الخطاب داعيا إلى الامتثال بشرط العلم والالتفات من دون توقف على فعليتهما.

يمكن أن يقال بناء على انحلال الخطابات بحسب الأفراد كما هو الحق لا مجال لشمول الخطابات العامّة القانونيّة للساهي والناسي لعدم امكان الانبعاث بالنسبة إليهما حال السهو والنسيان واشتراط العلم والالتفات في الناسي والساهي عدول عن كونهما بما هما معنونان بعنوان الناسي والساهي موردا للخطاب ودعوى الشمول وعدم التنجيز لغو كما أنّ خطاب العاجز وعدم التنجيز أيضا لغو.

ومنها : أنّا لا نسلّم منع محركيّة الخطاب بالناسي وذلك لامكان أن يكون للشارع أن يقول في حق الذاكر والناسي بنحو الكبرى الكلي الذاكر يفعل كذا وكذا والناسي يفعل كذا

٣٥٢

وكذا فمن يريد الصلاة يعلم أنّ المطلوب من الذاكر كذا وكذا ومن الناسي كذا وكذا فالناسي لغفلته عن نسيانه وتخيله أنّه الذاكر ينوى أمر الذاكر ولكنّه حيث كان من باب الخطاء في التطبيق كان قصده في الحقيقة هو امتثال أمره الفعلي وهو أمر الناسي فالناسي في الحقيقة منبعث بالأمر المتوجه إلى الناسي ويكفى الانبعاث المذكور في رفع لغوية الخطاب فتخصيص الناسي بهذا الوجه ممكن ومع الامكان لا وجه لدعوى اطلاق دليل جزئية المشكوك حال النسيان حتى يجب الاعادة لأنّ هذه الدعوى متوقفة على عدم امكان تخصيص الناسي بالخطاب وهو من جهة الثبوت حسن ولكن لم نجد أنّ الشارع خصص الناسي بخطاب غير خطاب الذاكر.

ومنها أنّه يمكن أن يتوجه الخطاب بعنوان آخر عام أو خاص لا بعنوان الناسي والساهي كأن يقال أيّها الذى يكون مزاجك رطوبيّا لغلبة اقتران الرطوبة مع النسيان وعليه فلا يلزم منه الاستحالة إذ لا يخرج عن عنوان الناسي او الساهي بتوجيه الخطاب المذكور إليه.

وفيه أنّ العنوان اللازم إنّما أخذ معرّفا لما هو العنوان حقيقة والعنوان الحقيقي إنّما هو عنوان الناسي والّذى لا بدّ منه في التكليف امكان الالتفات إلى ما هو العنوان حقيقة فيعود المحذور.

ومنها أنّ امتثال الأمر لا يتوقف على أن يكون المكلف ملتفتا إلى خصوص العنوان بل يمكن له الامتثال بالالتفات إلى ما ينطبق عليه هى العنوان ولو كان من باب الخطأ في التطبيق وعليه يكفى في تحقق الامتثال أن يقصد الناسي الأمر المتوجه اليه بالعنوان الّذى يعتقد أنّه واجد له وإن أخطأ في اعتقاده والناسي حيث يرى نفسه ذاكرا فيقصد الأمر المتوجه إليه بتخيل أنه أمر متوجه إلى الذاكر.

وفيه أنّه يعتبر في صحة البعث والطلب أن يكون قابلا للانبعاث ولو في الجملة أمّا الذى ليس قابلا في وقت فهو قبيح وكون امتثاله دائما من باب الخطاء في التطبيق لا يمكن الالتزام به نعم قد يتفق الخطاء في التطبيق في ساير الموارد وأين هذا بما يكون كذلك دائما.

ومنها : أنّه يمكن تخصيص الجزئية بحال الذكر بحسب الأدلّة الاجتهادية كما إذا وجّه

٣٥٣

الخطاب على نحو يعمّ الذاكر والناسي بالخالي عما شك في دخله مطلقا وقد دلّ دليل آخر على دخله في حقّ الذاكر.

وفيه أنّه على تقدير تسليم مقام الثبوت وعدم الاستحالة يرد عليه أنّه خلاف ما وصل إلينا من أدلة الاجزاء ودليل المركب حيث إنّه أمر فيها بالتمام بعنوان ذاته لا أنّه أمر المكلف بما عدى المنسي مطلقا هذا مضافا إلى أنّه لا تعيّن للمنسي حتى يؤمر بما عداه مطلقا وبه مقيّدا بالالتفات فلا بد من الالتزام بتعدد البعث بعدد ما يتصور من أنحاء النسيان للجزء اطلاقا وتقييدا وهو كما ترى.

ودعوى امكان التكليف بعدة من الأجزاء الأركانية مطلقا وبغيرها مقيدا بالالتفات مندفعة بأنّ الامكان الثبوتى لا يستلزم الامكان الاثباتى.

فتحصّل أنّ الوجوه المذكورة لامكان الخطاب بالناسي لا تكون تامة إمّا من جهة الاستحالة وإمّا من جهة عدم الدليل عليها فالنتيجة أنّه لا خطاب للناسى ومع عدم الخطاب له يرجع إلى البراءة.

لا يقال : إنّ أقصى ما تقيضه أصالة البراءة الشرعية عن الجزء المنسي هو رفع الجزئية في حال النسيان لا في تمام الوقت إلّا مع استيعاب النسيان لتمامه فلو تذكر في أثناء الوقت بمقدار يمكنه ايجاد الطبيعة بتمام ما لها من الأجزاء يجب عليه الاتيان بها وأصالة البراءة لا تقتضي عدم وجوب ذلك بل مقتضى إطلاق الأدلة ، وجوبه لأنّ المأمور به هو صرف الوجود من الطبيعة التامة الأجزاء والشرائط في مجموع الوقت ويكفى في وجوب ذلك التمكن من ايجادها ولو في جزء من الوقت ولا يعتبر التمكن منه في جميع الوقت كما هو الحال في غير الناسي من ذوى الأعذار.

لأنّا نقول : لو كان مفاد أدلة البراءة رفع الجزئية المشكوكة في حال النسيان لكان المكلف به في حق الناسي هو خصوص بقية الأجزاء كما كان في حق الذاكر تمامها وكما أنّه لا يجب على الذاكر الاتيان به مرّة ثانية كذلك لا يجب على الناسي للجزء الإتيان بالمنسى إذا أتى

٣٥٤

بتمام ما كان مكلفا به الذى هو خصوص بقية الأجزاء سواء تذكر في الوقت أو لا حيث لا يجب على المكلف في تمام الوقت إلّا الإتيان بفرد من طبيعة الصلاة التى كانت مأمورا بها في هذا الوقت الوسيع.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ مقتضى اطلاق التكليف بعدة من الأجزاء والشرائط في ظرف من الوقت مع قطع النظر عن حديث الرفع ونحوه هو وجوب الاتيان بتمام ما كلّف به في جزء من هذا الوقت الوسيع بحيث لو لم يتمكن منها إلّا فيما يسعها من الزمان لوجب عليه اتيانها في هذا الجزء معيّنا.

وغاية ما يقتضيه حديث الرفع عدم جزئية المنسي في حال النسيان فلو فرض استيعابه لتمام الوقت أو عروض موت على المكلف في حال النسيان وكان آتيا ببقية الأجزاء في هذا الحال لقد أتى بتمام المأمور به في حقه إلّا أنّ ذلك لا يقتضى عدم وجوب الاتيان بتمام الأجزاء إذا تذكر في الوقت.

ولقائل أن يقول إنّ حديث الرفع في غير فقرة «رفع ما لا يعلمون» دليل اجتهادى يؤخذ فيه بما كان من لوازم الرفع الواقعى فحديث الرفع باشتماله على رفع النسيان عن الأمة يعمّ المورد ويرفع عن الأمة النسيان بما له من الثقل وهو وجوب الاعادة أو القضاء.

وبتعبير آخر حكومة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «رفع النسيان» على الأحكام الأولية حكومة واقعية فيرفع أصل التكليف عن الجزء وبعد رفعه لا دليل على عوده هذا على فرض الاطلاق لأدلة الأجزاء والشرائط بالنسبة إلى الناسي والساهي وأمّا مع عدم ثبوت الاطلاق لأدلّة الأجزاء والشرائط فلا جعل بالنسبة إلى المنسي رأسا كما لا يخفى.

التنبيه الثّالث : في مقتضى القاعدة في الزيادة العمديّة والسهويّة واعلم أنّ مقتضى القاعدة فيها أنّه إن كان اشتراط عدم الزيادة مأخوذا في جزء المأمور به بنحو «بشرط لا» كانت الزيادة موجبة للنقيصة لأنّ فاقد الشرط كالمتروك وقد عرفت حكمها في التنبيه الثاني وهو البطلان مع العمد والصحة مع السهو والنسيان.

٣٥٥

وإن كان اشترط عدم الزيادة مأخوذا في جزء المأمور به بنحو «لا بشرط» فالزيادة ولو كانت عمدية لا توجب البطلان قطعا ولا اشكال في الصورتين.

وإنّما : الكلام في صورة الشك في اعتبار عدم الزيادة في المركب وعدمه مع احراز عدم اعتبار عدم الزيادة في جزئية الجزء ففي هذه الصورة أمكن أن يقال إنّ المرجع هى البراءة لأنّه من مصاديق الشك في التقييد ومقتضاه هو الصّحة لو أنى بالمركب مع الزيادة مطلق سواء كان عامدا أم ساهيا أم جاهلا من دون فرق بين الجهل القصوري أو التقصيري هذا فيما إذا كان الواجب توصليا.

وأمّا لو كان الواجب تعبّديا فإمّا أن يريد جزءا بقصد كونه جزءا مستقلا كما إذا اعتقد شرعا أو تشريعا أنّ الواجب في الصلاة مثلا في كل ركعة ركوعان أو يريد جزءا بقصد كونه مع المزيد عليه جزءا واحدا أو يأتى بالزائد بدلا عن المزيد بعد رفع اليد عنه اقتراحا او لغرض دينى أو لإيقاع الأول على وجه فاسد فيبدو له في اعادته على وجه صحيح وقد اختلف الأعلام هنا.

ذهب الشيخ الأعظم إلى الفرق في الصور الثلاثة حيث حكم بفساد العبادة في الصورة الأولى من دون فرق بين أن نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة أو في الأثناء وعلّله بأنّ ما أتى به وقصد الامتثال به وهو المجموع المشتمل على الزيادة غير مأمور به وما أمر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به.

هذا بخلاف الصورتين الاخيرتين فإنّ مقتضى الأصل عدم بطلان العبادة فيهما لأنّ مرجع الشك إلى الشك في مانعية الزيادة ومرجعها إلى الشك في شرطية عدمها وقد تقدم أنّ مقتضى الأصل في الشك في المانعيّة هى البراءة.

وفيه : أنّ اللازم هو الحكم بالصحة في جميع ثلاث الصور فإنّه لو قلنا بفساد العبادة في الصورة الأولى مطلقا من جهة الاخلال بقصد الأمر من جهة الاشتمال على الزيادة لوجب القول به في الصورتين الأخيرتين أيضا لاشتمالهما على الزيادة أيضا ولو قلنا بفسادها فيها فيما

٣٥٦

لزم من الزيادة عدم امتثال الأمر بالعبادة إلّا على تقدير كونها كما اعتقد لوجب أيضا القول به في الصورتين الأخيرتين كذلك.

ولكن يكفى في الصحة اجتماع الحسن الفعلي مع الحسن الفاعلي حتى فيما إذا قيّد الامتثال بالصورة التى اعتقد أنّها المطلوبة أو بنى عليها فالتفصيل المحكي عن الشيخ لا وجه له بل تقييد الصحة في كلام صاحب الكفاية بما إذا لم يرد الامتثال إلّا على تقدير كون العبادة كما اعتقد ليس بصحيح بل مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة في صورة الزيادة والشك في اعتبار عدمها في المركب هو الحكم بالصحة من دون فرق بين أن يكون الواجب توصليا أو تعبّديّا ومن دون تفاوت بين أن يقصد المكلّف امتثال خصوص الأمر المتعلق بما يتركب من الزائد وبين أن لا يقصد خصوصه.

الاستدلال بالاستصحاب للصحة

قد يقال إنّ جريان أصالة البراءة عند الشك في مانعية الزيادة منوط بعدم جريان الاستصحاب لحكومة الاستصحاب على البراءة ولو كانا متوافقين على المشهور وعليه يمكن أن يقال بجريان الاستصحاب في المقام ومعه لا مجال للبراءة فإنّ العبادة قبل حدوث هذه الزيادة كانت صحيحة والأصل هو بقاؤها.

أورد عليه الشيخ الأعظم قدس‌سره بما حاصله أنّ المستصحب إن كان هو صحة مجموع الأجزاء فلم يتحقق وإن كان صحة الأجزاء السابقة فهى مقطوعة ولكن لا تجدى في اثبات صحة الصلاة وعدم مانعية الطارى لأنّ صحة تلك الاجزاء السابقة لا تستلزم عدم مانعية الطاري بل يمكن اجتماع القطع بصحة الأجزاء السابقة مع القطع بمانعية شيء فضلا عن الشك في المانعية فلا مجال للاستصحاب نعم اطلاق القاطع على بعض الأشياء كاشف عن أنّ لأجزاء الصلاة في نظر الشارع هيئة اتصالية ترتفع ببعض الأشياء دون بعض والقطع

٣٥٧

يوجب الانفصال القائم بالمنفصلين وهما في المقام أجزاء السابقة والتى تلحقها بعد تخلل القاطع فبه يسقط كل من الأجزاء السابقة واللاحقة عن قابلية الاتصال وعليه فيمكن أن يقال في موارد الشك في القاطع دون المانع إنّ الأجزاء السابقة كانت قابلة للاتصال والأصل بقاؤها ولا يقصد في المقام إلّا بقاء هذه دون اثبات عدم قاطعية الطارى كل يشكل بأنّه من الأصول المثبتة.

وعليه فيمكن التفصيل بين الشك في القاطع وقبول الاستصحاب والشك في المانع وعدم الاستصحاب ولكن يمكن الخدشة في جريان الاستصحاب بالمعنى المذكور بأنّ المراد من الهيئة الاتصالية إن كان ما بين ببعض الأجزاء السابقة مع بعض فهو باق إلّا أنّه لا يجدى وإن كان المراد هو ما بين الأجزاء السابقة والأجزاء اللاحقة فالشك في حدوثها لا في بقاءها.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الهيئة الاتصالية بين الأجزاء السابقة واللاحقة وإن لم تكن مسبوقة بالوجود بالدقة العقلية ولكن يحكم العرف باستمرارها بالأصل ويرى الهيئة الاتصالية موجودة بمجرد الشروع في العمل ويجرى فيه الاستصحاب كما يجرى في الليل والنهار فيصح التفصيل بين الشك في القاطع والشك في المانع.

أورد سيدنا الاستاد على التفصيل المذكور بأنّ اعتبار مانعية الشيء غير اعتبار شرطية عدمه ولذلك يختلف أثرها والوجه فيه واضح فإنّ الارادة تارة متعلق بشيء بشرط أن لا يكون معه شيء آخر بحيث يكون متعلقها الشيء الأوّل وعدم كون الشيء الثاني معه وهذا هو الّذى يعبّر عنه بشرطية العدم.

واخرى يتعلق بشيء لكن لما يرى أنّ الشيء الآخر مانع عن تحصيل المراد بوجوده يتوجه بغض قهرى إلى وجوده وهذا هو الّذى يعبر عنه بمانعية الوجود إلى أن قال إذا عرفت ذلك نقول منع جريان الاستصحاب في موارد الشك في المانعية إمّا يكون لأجل أنّ استصحاب صحة أجزاء السابقة لا يجدى في اثبات صحة المأمور به لأنّ القطع بالصحة لا

٣٥٨

ينافى القطع بمانعية الزيادة فكيف الشك في الزيادة ففيه مضافا إلى أنّ عناية مانعية شيء غير عناية شرطية عدمه أنّ كون الشيء مانعا يمكن أن يكون بلحاظ أحد الأمور الثلاثة الأوّل أن يكون وجوده موجبا لحصول النقص في الأجزاء السابقة به تسقط عن قابلية تركيبها مع ساير الأجزاء والشرائط وتأثيرها في حصول المركب.

الثانى أن يكون وجوده مانعا لتأثير أجزاء السابقة في ايجاد المركب.

الثالث أن يكون وجوده مانعا لتأثير الأجزاء اللاحقة في ايجاد المركب.

وبذلك تعرف أنّ وجود المانع قد يوجب زوال صفة الجزء السابق بلحاظها كأن يطلق عليه أنّه صحيح ويوجد فيه نقص يسقط به عن قابلية تركيبه مع ساير الاجزاء.

وقد لا يوجد فيه النقص إلّا أنّه يمنع عن تأثيره الذى هو قابلية ضمّة إلى ساير الأجزاء وتحصيل الكل والحاصل أنّه يمكن تصوير عروض الفساد على الجزء الذى وقع صحيحا ومعه يوجه استصحاب الصّحة بأن يقال قبل عروض هذا المانع الاحتمالى كانت أجزاء السابقة صحيحة فنشك في فسادها بسبب عروض المانع والأصل بقاؤها على صحتها وعليه فلا فرق بين الشك في القاطع والشك في المانع في جريان الاستصحاب.

وإن كان الاشكال من جهة الأصل المثبت بدعوى أنّ اجراء هذا الأصل لا يثبت سقوط الأمر وعدم وجوب استيناف لأنّ هذا الأثر عقلي ولازم لبقاء الأجزاء السابقة على صحتها وضمّ ساير الأجزاء بها ففيه أنّ التعبد بشيء لا يحتاج إلّا إلى أن يكون نفس ذلك الشيء أو أثره مما بيد الشرع رفعا ووضعا ولو تبعا لمنشا انتزاعه وحصول الكل وإن كان في المقام أثر عقلى إلّا أنّه مما يمكن رفعه ووضعه تشريعا بتبع وضع منشأ انتزاعه ورفعه أعنى وضع الأمر بالكل ورفعه.

فتحصّل أنّ الاستصحاب يجرى أيضا في الشك في المانع كما يجرى في الشك في القاطع والاشكال في الشك في المانع ناش من الخلط بين شرطية العدم ومانعية الوجود إذ لا تأثير للعدم بخلاف مانعية الوجود فمع جريان الاستصحاب في الشك القاطع والشك في المانع لا

٣٥٩

مجال لأصالة البراءة بناء على المشهور من حكومة الاستصحاب على أصالة البراءة وأمّا على المختار من اختصاص الحكومة بما إذا كانا متخالفين دون ما إذا كانا متوافقين فكلاهما جاريان لأنّ أدلّة اعتبار الاستصحاب ناظرة إلى احتمال الخلاف لا احتمال الوفاق كما لا يخفى.

التنبيه الرّابع : في حكم الزيادة والنقيصة بحسب مقتضى النصوص الخاصة ولا يذهب عليك أنّ ما ذكر في التنبيه الثاني والثالث هو حكم الزيادة والنقيصة بحسب مقتضى الأصول إلّا أنّ هنا نصوصا خاصة تدلّ على البطلان أو الصحة في خصوص بعض الموارد كالصلاة وتفصيل ذلك وإن كان مناسبا لابواب الفقه ولكن لا بأس بالاشارة إليه في المقام.

وقد وردت في الصلاة طوائف من الأخبار الطائفة الأولى ما تدلّ على بطلان الزيادة مطلقا (سواء كان الزائد عن عمد أم غيره وسواء كان في ركن أم غيره) كقوله عليه السبب في صحيحه أبى بصير من زاد في صلاته فعليه الاعادة الطائفة الثانية ما تدلّ على بطلانها بالزيادة السهوية كقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها فاستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا والطائفة الثالثة ما تدلّ على بطلانها بالاخلال السهوي في الأركان بالزيادة أو النقصان وأمّا الاخلال بغير الاركان سهوا فلا يوجب البطلان كقوله عليه‌السلام لا تعاد الصلاة ألّا من خمس الطهور والقبلة والوقت والركوع والسجود.

ومقتضى الجمع بين هذه الطوائف هو الحكم ببطلان الصلاة بالزيادة العمدية مطلقا وببطلانها بالزيادة السهوية في الأركان مطلقا وبعدم البطلان بالزيادة السهوية في غير الأركان والنسبة بين الطائفة الاولى التى تدل على البطلان مطلقا سواء كان عن عمد ام عن سهوه سواء كان ركنا أم لم يكن وبين حديث لا تعاد الدال على عدم البطلان بالاخلال السهوى في غير الأركان وإن كانت هى العموم من وجه لأنّ حديث لا تعاد وان كان خاصا من جهة ان الحكم بالبطلان فيه مختص بالاخلال بالأركان إلّا أنّه عام من حيث الزيادة والنقصان إلّا أنّ حديث لا تعاد حاكم على الأدلة وشارح لها إذ مفاده أنّ الاخلال السهوي

٣٦٠