عمدة الأصول - ج ٦

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: ولي عصر (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٣

العلم والالتفات من دون توقف على فعليتهما.

ويمكن أن يقال : إنّ بناء على انحلال الخطابات بحسب الأفراد والأحوال كما مرّ سابقا لا مجال لشمول الخطابات العامة القانونية للساهي والناسي لعدم امكان الانبعاث بالنسبة اليهما واشتراط العلم والالتفات في الناسي والساهي عدول عن كونهما بما هما معنونان بعنوان الناسي والساهي موردا للخطاب.

ودعوى الشمول وعدم التنجيز لغو وعليه فلا اطلاق للخطابات المذكورة بالنسبة إلى الساهي والناسي في حال السهو والنسيان ويشهد له عدم حسن الخطاب وجدانا بالنسبة إلى العاجز ولو بدون التنجيز ولا فرق بين العاجز والساهي والناسي في ذلك ولو تمّت الإطلاقات المذكورة فاللازم بعد التذكر بحسب القاعدة هو الإعادة كما أفاد شيخنا الأعظم قدس‌سره.

ومنها : المحكي في الدرر عن سيّده الاستاذ نقلا عن سيد المشايخ الميرزا الشيرازي قدس‌سره وحاصله بحسب تقرير استاذنا الأراكي قدس‌سره أنّا لا نسلم منع محرّكية الخطاب بالناسي وذلك أنّ للشارع أن يقول في حق الذاكر والناسي بنحو الكبرى الكلي الذاكر يفعل كذا وكذا والناسي يفعل كذا وكذا فمن يريد الصلاة يعلم أنّ المطلوب من الذاكر كذا وكذا ومن الناسي كذا وكذا فالناسي لغفلته عن نسيانه وتخيله أنّه الذاكر ينوي أمر الذاكر ولكنّه حيث كان من باب الخطأ في التطبيق كان قصده في الحقيقة هو امتثال أمره الفعلي وهو أمر الناسي فالناسي في الحقيقة منبعث بالأمر المتوجه إلى الناسي ويكفي الانبعاث المذكور في رفع لغوية الخطاب.

هذا مضافا إلى إمكان أن ينوي قبل الافتتاح الأمر المتوجّه إليه سواء كان ذلك أمر الناسي أو أمر الذاكر كما إذا احتمل أن يعرض له حالة النسيان وفي هذا الفرض يكون منبعثا من الأمر المتوجه إلى الناسي على الإجمال فتخصيص الناسي بالخطاب بهذا الوجه ممكن ومع امكان الخطاب الخاص بالناسي والساهي فلا وجه لدعوى اطلاق دليل جزئية المشكوك حتى في حال النسيان حتى يجب الاعادة لأنّ هذه الدعوى متوقفة على عدم

٢٤١

امكان تخصيص الناسي بالخطاب وقد عرفت امكان ذلك بالتقريب المذكور انتهى وهو حسن بحسب مقام الثبوت وإن لم يكن عليه دليل بحسب مقام الاثبات إذ لم نجد أنّ الشارع قال في حق الذاكر والناسي بنحو الكبرى الكلي الذاكر يفعل كذا وكذا والناسي يفعل كذا وكذا فتدبّر.

ومنها : أنّه يمكن أن يتوجه الخطاب بعنوان آخر عام أو خاص لا بعنوان الناسي والساهي كأن يقال أيّها الذي يكون مزاجك رطوبيا لغلبة اقتران الرطوبة مع النسيان فلا يلزم الاستحالة إذ لا يخرج عن عنوان الناسي أو الساهي بتوجيه الخطاب المذكور إليه.

وفيه أوّلا كما أفاد سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد أنّ العنوان الملازم إنّما أخذ معرفا لما هو العنوان حقيقة والعنوان الحقيقي إنّما هو عنوان الناسي والذي لا بد منه في التكليف امكان الالتفات إلى ما هو العنوان حقيقة فيعود المحذور (١) وثانيا أنّ الغلبة لا توجب جواز الخطاب بالنسبة إلى جميع الموارد بعد فرض انحلال الخطاب فالخطاب محال ولو بالنسبة إلى غير الغالب قال إنّه لا يوجد عنوان كان ملازما خارجيا لا ينفك في الخارج عن عنوان الناسي حتى يصح جعله موردا للخطاب فهذا الجواب لا يسمن ولا يغني من جوع. (٢)

ومنها : ما حكاه بعض الاجلة في تقريراته عن الشيخ قدس‌سره وحاصله امكان أخذ الناسي عنوانا للمكلف وتكليفه بما عدى الجزء المنسي حيث إنّ المانع من ذلك ليس إلّا توهم أنّه لما لم يمكن للناسي أن يلتفت إلى نسيانه فلا يمكنه امتثال التكليف المتوجه إليه وهو ضعيف بأنّ امتثال الأمر لا يتوقف على أن يكون المكلف ملتفتا إلى خصوص العنوان بل يمكن له الامتثال بالالتفات إلى ما ينطبق عليه من العنوان ولو كان من باب الخطأ في التطبيق فيقصد الأمر المتوجه إليه بالعنوان الذي يعتقد أنّه واجد له وإن أخطأ في اعتقاده والناسي حيث يرى نفسه ذاكرا فيقصد الأمر المتوجه إليه بتخيّل أنّه أمر متوجه إلى الذاكر وهذا نظير قصد

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤١٥ ـ ٤١٦.

(٢) اصول الفقه / ج ٣ ، ص ٧٢٨.

٢٤٢

الأمر بالأداء في مكان القضاء وبالعكس. (١)

أورد عليه سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره بأنّه يعتبر في صحة البعث والطلب أن يكون قابلا للانبعاث ولو في الجملة أمّا الذي ليس قابلا له في وقت فهو قبيح وكون امتثاله دائما من باب الخطأ في التطبيق لا يمكن الالتزام به وهذا بخلاف الأمر بالأداء والقضاء بأنّ الأمر بهما قابل لأن يصير داعيا ومحرّكا للارادة بعنوان الأداء والقضاء ولو في الجملة نعم قد يتفق الخطأ في التطبيق وأين هذا من التكليف بما يكون امتثاله دائما من باب الخطأ في التطبيق فالقياس مع الفارق. (٢)

ومنها : ما صرّح به في الكفاية من أنّه يمكن تخصيصها (أي الجزئية) بهذا الحال (أي حال الذكر) بحسب الأدلة الاجتهادية كما إذا وجه الخطاب على نحو يعمّ الذاكر والناسي بالخالي عما شك في دخله مطلقا وقد دل دليل آخر على دخله في حق الذاكر. (٣)

وقد أورد عليه شيخنا الاستاذ الأراكي قدس‌سره بأنّ هذا الوجه راجع إلى الخطاب بالناسي فإن تصورنا صحته كان هو أيضا متصورا وإلّا فيقع فيه الاشكال أيضا وذلك لأنّه بعد ما التفت الإنسان إلى خروج الذاكر للسورة عن الخطاب بالناقص فلا محالة يصير الخطاب بالناقص مختصا بغيره بمعنى أنّه بالنسبة إلى الذاكر غيري وبالنسبة إلى غيره نفسي. (٤)

والحاصل أنّ الخطاب بعد تخصيص الذاكر يتعنون بغير الذاكر وهو الناسي والمفروض ان الخطاب به محال فيعود المحذور.

هذا مضافا إلى ما عن المحقّق الاصفهاني قدس‌سره في نهاية الدراية من أنّه خلاف ما وصل الينا من أدلّة الأجزاء ودليل المركب حيث إنّه أمر فيها باهتمام بعنوان ذاته لا أنّه أمر المكلف بما عدى المنسي مطلقا مضافا إلى أنّه لا تعين للمنسي حتى يؤمر بما عداه مطلقا وبه مقيدا

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤١٥.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٤٠.

(٤) اصول الفقه / ج ٣ ، ص ٧٢٨.

٢٤٣

بالالتفات فلا بدّ من الالتزام بتعدد البعث بعدد ما يتصور من أنحاء نسيان الجزء إطلاقا وتقييدا وهو كما ترى انتهى.

ولكن يمكن الجواب عن المحقّق الاصفهاني قدس‌سره بما أفاد سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره من أنّ الكلام في تصوير تكليف الناسي بما عدى الجزء المنسي ثبوتا مع قطع النظر عن مقام الاثبات ودلالة الأدلة وأمّا ما ذكره بقوله مضافا إلى أنّه لا تعيّن للمنسي إلى آخره ففيه أنّه يمكن ثبوتا التكليف بعدة من الأجزاء الأركانية مطلقا وبغيرها مقيدا بالالتفات بأن يقال يجب على المكلف الركوع والسجود والقيام ونحوها مثلا ويجب على الذاكر القراءة ونحوها كذلك فتدبّر (١) ولكن عرفت أنّ الإشكال المهم الثبوتي هو الذي أفاده شيخنا الاستاذ الأراكي قدس‌سره من أنّ تخصيص الخطاب بعد تعميمه للذاكر والناسي بالذاكر ينتهي إلى خطاب الناسي به وهو محال فيعود المحذور لعدم إمكان انبعاثه به.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الانبعاث حاصل لأنّ الناسي وإن كان غير ملتفت إلى نسيانه إلّا أنه ملتفت إلى أنّ كلما يأتي به إنّما ياتي به بما هو مأمور به غاية الأمر أنّه يتخيل أنّ ما ياتي به مماثل لما اتى به غيره من الذاكرين وأنّ الأمر المتوجه إليه هو الأمر المتوجّه إليهم وعليه فلا اشكال على ما ذهب إليه صاحب الكفاية بحسب مقام الثبوت ولذا قال السيد المحقّق الخوئي قدس‌سره في ذيل كلام صاحب الكفاية أنّ هذا الوجه متين في مقام الثبوت إلّا أنّه يحتاج في مقام الاثبات إلى ما يدلّ عليه وقد ثبت ذلك في باب الصلاة حيث إنّ الأمر بالأركان فيها مطلق لعامة المكلفين وأمّا بقية الأجزاء والشرائط فالأمر بها مختص بحال الذكر بمقتضى حديث لا تعاد وغيره من النصوص الواردة في موارد خاصة وعليه فالناسي لجزء وإن كان غير ملتفت إلى نسيانه إلّا أنّه ملتفت إلى أنّ كلما يأتي به من الأجزاء والشرائط إنّما ياتي بما هو مأمور به غاية الأمر أنّه يتخيل أنّ ما ياتي به مماثل لما ياتي به غيره من الذاكرين وأنّ الأمر المتوجه إليه هو الأمر المتوجه إليهم ومن الظاهر أنّ ذلك لا يضر بصحة العمل بعد

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤١٦.

٢٤٤

وجود الأمر الفعلي ومطابقة المأتي به للمأمور به وإن لم يكن الآتي ملتفتا إلى خصوصية الأمر وكيفيته. (١)

ولكن يمكن أن يقال : إنّ حديث لا تعاد لا تدلّ على اختصاص بقية الأجزاء والشرائط بحال الذكر لتمامية نفي الاعادة مع عدم اختصاص تلك الأجزاء والشرائط بحال الذكر أيضا بأن يدلّ حديث لا تعاد على تقبل الناقص مكان الكامل وعليه فيشكل دعوى دلالة حديث لا تعاد على اختصاص خطاب الأجزاء والشرائط بالذاكر فتحصّل : أنّه لا دليل عليه في مقام الاثبات في الصلاة أيضا فلا تغفل.

وبالجملة إنّ الوجوه المذكورة لامكان الخطاب بالناسي لا تكون تامّة إمّا من جهة الاستحالة وإمّا من جهة عدم الدليل عليها فالنتيجة أنّه لا خطاب للناسي ومع عدم الخطاب له يرجع إلى البراءة وهذا هو ما اختاره السيد الميرزا الشيرازي قدس‌سره وتبعه مشايخنا في الدرر وغيرها فلا تغفل نعم على تقدير تسليم امكان اطلاق الخطاب للناسي إن كان ذلك هو الخطاب بالأقل فلا كلام في كفايته وعدم الحاجة إلى الاعادة وإن كان هو الخطاب بالأكثر فمقتضاه في نفسه هو الاعادة بعد التذكر لأنّ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني ولكن هذا مع قطع النظر عن البراءة الشرعية وأمّا مع ملاحظتها يصح التمسك بحديث الرفع لرفع الجزئية والشرطية في حال النسيان لحكومته على الأدلة الأولية ويصير النتيجة بعد الجمع بين اطلاق الأدلة الأولية وحديث رفع النسيان أنّ المأمور به حال النسيان هو الباقي وينقدح من ذلك عدم ركنية الجزء أو الشرط على كل حال وعليه فلا مجال لدعوى أنّ الأصل في أنّه إذا شكّ في ركنية جزء للعمل وعدمها هو الركنية ويبطل العمل بالاخلال به نسيانا فلا تغفل.

بقي هنا إشكال وهو أنّ المحكي عن المحقّق النائيني قدس‌سره أنّ أقصى ما تقتضيه أصالة البراءة الشرعية عن الجزء المنسي هو رفع الجزئية في حال النسيان لا في تمام الوقت إلّا مع استيعاب

__________________

(١) دراسات في علم الاصول / ج ٣ ، ص ٤٤٨ ـ ٤٤٩.

٢٤٥

النسيان لتمامه فلو تذكر في أثناء الوقت بمقدار يمكنه ايجاد الطبيعة بتمام ما لها من الأجزاء يجب عليه الإتيان بها وأصالة البراءة لا تقتضي عدم وجوب ذلك بل مقتضى إطلاق الأدلة وجوبه لأنّ المأمور به هو صرف الوجود من الطبيعة التامة الأجزاء والشرائط في مجموع الوقت ويكفي في وجوب ذلك التمكن من ايجادها ولو في جزء من الوقت ولا يعتبر التمكن منه في جميع الوقت كما هو الحال في غير الناسي من ذوى الأعذار أورد عليه سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره بقوله ولا يخفى عليك أنّه لو كان مفاد أدلّة البراءة رفع الجزئية المشكوكة في حال النسيان لكان المكلف به في حق الناسي هو خصوص بقية الأجزاء كما كان في حق الذاكر تمامها وكما أنّه لا يجب على الذاكر ـ الذي أتى بالمأمور به الذي كان في حقه تمام الأجزاء والشرائط وبعبارة أخرى الصلاة تامة الأجزاء والشرائط ـ الاتيان به مرة ثانية كذلك لا يجب على الناسي للجزء إذا أتى بتمام ما كان مكلفا به الذي هو خصوص بقية الأجزاء دون الجزء المنسي الاتيان به ثانيا سواء تذكر في الوقت أو لا حيث لا يجب على المكلف في تمام الوقت إلّا الاتيان بفرد من طبيعة الصلاة التي كانت مأمورا بها في هذا الوقت الوسيع فإذا أتى بفرد من الطبيعة المأمور بها سقط عنه التكليف ولا يجب الاتيان بفرد آخر منها والمفروض أنّ مقتضى حديث الرفع كون تلك الطبيعة في حق الناسي هي ما عدى الجزء المنسي فإذا أتى بها سقط عنه التكليف وبعبارة أخرى لا فرق بين الذاكر والناسي في أنّه لا يجب على كل منهما إلّا امتثال التكليف باتيان فرد من الطبيعة المكلف بها والفرق بينهما في أنّ المكلف به في حق الذاكر هي الصلاة بتمام ما لها من الأجزاء والشرائط وفي حق الناسي هو خصوص ما عدى الجزء المنسي هذا.

اللهمّ إلّا أن يقال : كما ليس ببعيد إنّ مقتضى إطلاق التكليف بعدة من الأجزاء والشرائط في ظرف من الوقت مع قطع النظر عن حديث الرفع ونحوه هو وجوب الاتيان بتمام ما كلف به في جزء من هذا الوقت الوسيع بحيث لو لم يتمكن منها إلّا فيما يسعها من الزمان لوجب عليه اتيانها في هذا الجزء معينا وغاية ما يقتضيه حديث الرفع عدم جزئية

٢٤٦

المنسي في حال النسيان فلو فرض استيعابه لتمام الوقت أو عروض موت على المكلف في حال النسيان وكان آتيا ببقية الأجزاء في هذا الحال لقد أتى بتمام المأمور به في حقه إلّا أنّ ذلك لا يقتضي عدم وجوب الاتيان بتمام الأجزاء إذا تذكر في الوقت بل كان مقتضى التكليف بهذه الأجزاء في ظرف وسيع من الوقت وجوب الاتيان بها في كل جزء من اجزاء الوقت الذي كان متمكنا فيه من الاتيان. (١)

ولقائل أن يقول مقتضى الجمع بين اطلاق أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط وبين اطلاق حديث رفع النسيان هو رفع الثقل عن المكلف وهو وجوب الاعادة في الوقت والقضاء في خارج الوقت ورفع النسيان يكون كرفع الاضطرار في كونه دليلا اجتهاديا فكما أنّ ثقل الإعادة والقضاء مرفوع في صورة الاضطرار فكذلك يكونان مرفوعين في صورة النسيان ولا ينافي ذلك اقتضاء التكليف بعدة من الأجزاء والشرائط في ظرف من الوقت وجوب الاتيان بتمام ما كلف فيه في جزء من الوقت فإنّه اقتضاء لو لا حديث الرفع ومع اطلاق حديث الرفع وحكومته على اطلاق الأدلة الأولية لا مجال لوجوب الإتيان مرة ثانية كما لا يخفى.

قال في تسديد الاصول لا يبعد أن يقال إنّ حديث الرفع باشتماله على رفع النسيان عن الامة يعم المورد ويرفع عن كاهل الامة النسيان بماله من الثقل والثقل الذي يلزم منه هو أنّه يجب به الإعادة أو القضاء فرفعه عن الامة بما أنّه أمر ثقيل يستلزم رفع وجوب الإعادة والقضاء غاية الأمر أنّ هذا الرفع لا يتعين في أن يكون برفع الجزئية والشرطية عن الناسي واقعا بل يحتمل أن يكون من باب قبول الناقص منزلة الكامل إلى أن قال وكيف كان فحديث الرفع غير فقرة «ما لا يعلمون» دليل اجتهادي يؤخذ فيه بما كان من لوازم الرفع الواقعي الذي هو مفاده إلّا أنّ رفع الجزئية والشرطية هنا بحسب الواقع ليس من لوازمه. (٢)

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤١٧ ـ ٤١٨.

(٢) تسديد الاصول / ج ٢ ، ص ٢٣٦.

٢٤٧

وقد صرّح سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد نفسه في موضع آخر من كلامه بأنّ نتيجة رفع النسيان فرض الجزء المنسي كأنّه أتى به المكلف وحينئذ لا يبقى الفرق بين نسيان المستوعب لتمام الوقت وبين غيره. (١)

وفي موضع ثالث بأنّ حكومة قوله رفع النسيان على الأحكام يمكن أن يكون حكومة واقعية فيرفع أصل التكليف عن الجزء وبعد رفعه لا دليل على عوده وببيان أوضح أنّ التكليف لم يتعلق إلّا بايجاد الطبيعة في قطعة من الزمان وليس مقتضاه ايجاد تلك الطبيعة في كل زمان كي يقال رفعه في بعض أجزاء الزمان لا يقتضي رفعه في جميعها. (٢)

والعجب أنّه مع هذه التصريحات ذهب في أخير عباراته المحكية إلى قوله وإن قلنا إنّ الحديث لا يشمل النسيان في بعض الوقت إمّا بأن يقال كما هو القوي إنّ مساقه رفع التكليف فيما خالف التكليف بسبب النسيان وفي النسيان الموقت لما حصل المخالفة أصلا لا مكان ترك المكلف به في ذلك الجزء عمدا بلا استلزامه للعصيان والمخالفة إلى أن قال فبناء على هذا القول لا يكون نسيان الموقت موردا لحديث الرفع أصلا إلى أن قال.

وممّا يؤيد عدم نهوض حديث رفع النسيان لرفع التكليف الموسع لو نسى في بعض الوقت عدم نهوض قوله رفع ما اكرهوا عليه وما اضطروا عليه لرفع هذا التكليف المكره أو المضطر على تركه في بعض وقته فإنّه لا يقال لمن أكره على ترك واجب موسع في بعض وقته إنّه مكره على ترك الواجب كما لا يقال لمن أكره على شرب أحد المائعين أحدهما الخمر إنّه مكره على شرب الخمر وكذلك في الاضطرار ولا فرق بينهما وبين النسيان فتدبّر. (٣)

ويمكن أن يقال : لا قوة في عدم شمول حديث الرفع للنسيان في بعض الوقت بل اطلاق حديث الرفع يقتضي الشمول وقياس المقام بصورة ترك المكلف به رأسا في ذلك الجزء عمدا بلا استلزامه للعصيان والمخالفة مع الفارق لأنّ ما به يتحقق الامتثال أمكن جريان

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤٢٤.

(٢) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤٣٠.

(٣) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤٣٠ ـ ٤٣٢.

٢٤٨

الحديث فيه امتنانا دون صورة العمد على الترك ثم التأييد بعدم نهوض قوله رفع ما استكرهوا عليه وما اضطروا عليه لرفع تكليف المكره أو المضطر على ترك الواجب في بعض وقته فإن اريد به الاكراه أو الاضطرار بالنسبة إلى ترك المأمور به رأسا فعدم نهوض قوله رفع ما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه لرفع أصل التكليف صحيح ولكنه خارج عن محل الكلام وهو الإكراه أو الاضطرار بالنسبة إلى بعض الأجزاء والشرائط ودعوى عدم نهوض الدليل المذكور لما إذا اكره أو اضطر بالنسبة إلى بعض الأجزاء والشرائط لا يخلو عن المناقشة لأنّ ذلك أوّل الكلام لامكان القول بالكفاية مع الإكراه أو الاضطرار حين العمل كما مرّ في بعض تنبيهات حديث الرفع ثمّ قياس المقام بمن أكره على شرب أحد المائعين أحدهما الخمر في أنّه لا يقال إنّه مكره على شرب الخمر كما ترى لأنّ كل جزء من الوقت في التكليف الموسع وقت التكليف وليس وقت التكليف أحد الأوقات حتى يقال إنّ الاكراه أو الاضطرار بالنسبة إلى أحد الأوقات ليس اكراها أو اضطرارا بالنسبة إلى وقت التكليف فلا تغفل.

فتحصّل : ممّا ذكرناه أوّلا عدم ركنية الجزء أو الشرط المنسيين لعدم ثبوت اطلاق أدلّة الأجزاء والشرائط بالنسبة إلى الناسي والساهي ومع عدم ثبوت الإطلاق يحكم العقل بالبراءة كما أنه مع إمكان خطاب الناسي بالأقل يحكم بالصحة أخذا بخطاب الناسي والساهي بالناقص الأقل من دون فرق بين نسيان الجزء أو الشرط في تمام الوقت أو في بعضه ومع إمكان الخطاب بالأقل وصحته لا مجال للبراءة العقلية أو الشرعية على المشهور كما لا يخفى.

وثانيا أنّه على تقدير ثبوت الاطلاق لأدلة الأجزاء والشرائط بالنسبة إلى الناسي والساهي فهو محكوم بحديث رفع النسيان عند نسيان الجزء أو الشرط في تمام الوقت أو بعضه على الأقوى وعليه فإذا نسى جزءا أو شرطا ثمّ تذكر بعد العمل فلا يجب عليه الاعادة والقضاء قال سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره ويصير نتيجة الأدلة الأولية إذا فرض اطلاقها

٢٤٩

لحال النسيان وإن كان النسيان نسيان الموضوع إذا ضمت إلى الحديث الحاكم أنّ المأمور به هو الباقي حال النسيان. (١)

لا يقال ليس في المركب إلّا طلب واحد متعلق بعدة أمور متباينة وينتزع جزئية كل واحد منها من انبساط ذلك الطلب على الكل لا أنّ جزئية كل مستقلة بالجعل فحينئذ رفع الجزئية برفع منشأ انتزاعها وهو رفع التكليف عن المركب فلا بدّ من القول بأنّ التكليف مرفوع عن المركب بحديث الرفع لتعلق الرفع بمنشإ انتزاع الجزئية وحينئذ لا يمكن اثبات التكليف لبقية الأجزاء إذ مع كون الطلب واحدا والمفروض ارتفاعه بارتفاع جزئية المنسي لا معنى لوجوب البقية إلّا بقيام دليل خاص.

لأنّا نقول : كما أفاد سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره إنّ رفع الجزئية في حال النسيان ليس معناه رفع الجزئية الثابتة بالأدلة الأولية رفعا حقيقيا جديا لما عرفت أنّ ذلك من المستحيل في حقه سبحانه بل المراد هو الرفع القانوني بمعنى عدم الجعل من رأس وأنّ الاطلاق المستفاد من الدليل انّما كان مرادا بالإرادة الاستعمالية لا الجدية وانّ الناسي والخاطي لم يسبق إليهما التكليف في الأول إلّا بما عدا المنسي فالتحديد بالبقية لم يحصل بحديث الرفع وإنّما هو كاشف عن التحديد من حين تعلق الأحكام وقد تقدم أيضا أنّ الأمر المتعلق بالمركب له داعوية لكل جزء جزء بعين الدعوة إلى المركب فلو قام الدليل على سقوط الجزئية في بعض الأحوال يفهم العرف من ضمّهما بقاء الدعوة إلى المركب الناقص. (٢)

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى مقتضى القاعدة العقلية والشرعية في النقيصة العمدية والسهوية مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة الدالة على الصحة كقاعدة لا تعاد في النقيصة السهوية فلا تغفل.

التنبيه الثالث : في مقتضى القاعدة في الزيادة العمدية والسهوية ولا يخفى عليك أن

__________________

(١) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٣٧٠.

(٢) تهذيب الاصول / ج ٢ ، ص ٣٧٢.

٢٥٠

مقتضى القاعدة فيها أنّه إن اشترط عدم الزيادة في جزء المأمور به بنحو «بشرط لا» كانت الزيادة موجبة للنقيصة لأنّ فاقد الشرط كالمتروك وقد مرّ حكمها في التنبيه الثاني من البطلان مع العمد والصحة مع السهو والنسيان وإن كان الجزء مأخوذا في لسان الشرع بنحو «لا بشرط» عن الزيادة فالزيادة ولو كانت عمدية لا توجب البطلان قطعا ولا إشكال في الصورتين.

وإنّما الكلام في صورة الشك في اعتبار عدم الزيادة في المركب وعدمه مع إحراز عدم اعتبار عدم الزيادة في جزئية الجزء ففي هذه الصورة كما أفاد المحقّق الحائري اليزدي قدس‌سره يكون المرجع هي البراءة لأنّه من مصاديق الشك في التقييد (١) ويصح العمل لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا أو جهلا قصورا أو تقصيرا أو سهوا كما أفاد المحقّق الخراساني في متن الكفاية (٢) هذا كله فيما إذا كان الواجب توصليا وأمّا لو كان الواجب عباديا فإمّا أن يريد جزءا بقصد كونه جزءا مستقلا كما إذا اعتقد شرعا أو تشريعا أنّ الواجب في الصلاة مثلا في كل ركعة ركوعان أو يريد جزءا بقصد كونه مع المزيد عليه جزءا واحدا كما لو اعتقد أنّ الواجب في الركوع الجنس الصادق على الواحد والمتعدد أو يأتي بالزائد بدلا عن المزيد بعد رفع اليد عنه اقتراحا أو لغرض ديني أو لايقاع الأوّل على وجه فاسد فيبدو له في إعادته على وجه صحيح فقد اختلف فيه بين الأعلام.

والمحكي عن الشيخ الأعظم قدس‌سره هو الفرق في الصور الثلاثة حيث ذهب إلى فساد العبادة في الصورة الأولى من دون فرق بين أن نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة أو في الأثناء لأنّ ما أتى به وقصد الامتثال به وهو المجموع المشتمل على الزيادة غير مأمور به وما أمر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به.

بخلاف الصورتين الأخيرتين فإنّ مقتضى الأصل عدم بطلان العبادة فيهما لأنّ مرجع

__________________

(١) الدرر / ص ٤٩٣.

(٢) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٤٤.

٢٥١

الشك إلى الشك في مانعية الزيادة ومرجعها إلى الشك في شرطية عدمها وقد تقدم أنّ مقتضى الأصل فيه البراءة انتهى وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ اللازم هو الحكم بالصحة في جميع ثلاث الصور والمحكي عن المحقّق الخراساني في تعليقته والكفاية اختيار الصحة مطلقا إذا أتى بالزيادة على نحو لم يلزم منها عدم قصده لامتثال الأمر بالعبادة واطاعته بأنّ يكون مريدا لا طاعته باتيان العبادة كيف ما كان إلّا أنّه اعتقد أنّها كذلك شرعا أو تشريعا نعم لو كان غير مريد لامتثال الأمر بالعبادة واطاعته إلّا على تقدير كونها كما اعتقد لكان باطلا ولا يخفى ما فيه بناء على كفاية الحسن الفعلي والفاعلي في العبادات فإنّهما موجودان في المقام ومع وجودهما فاللازم هو الحكم بالصحة مطلقا من دون حاجة إلى استدراك بقوله نعم لو كان غير مريد في صورة اعتقاده شرعا أو تشريعا الخ فتفصيل ذلك كما أفاد سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره في محكي كلامه على الشيخ أنّه إن كان الإشكال في صورة كون الأمر تعبديا راجعا إلى الشك في مانعية الزيادة فهو من هذه الجهة نظير الواجب التوصلي فإنّ الأصل فيه البراءة عن شرطية عدمها.

وإن كان الإشكال راجعا إلى جهة قصد القربة فهو مشترك الورود في جميع الصور الثلاثة إلّا في بعض موارد الصورة الثالثة وهو ما أتى بالزائد لإيقاع الأوّل على وجه فاسد فيبدو له في إعادته على وجه صحيح.

وكيف كان فالفرق بين هذه الصور كما يظهر من الشيخ قدس‌سره في غير محله فإنّه لو قلنا بفساد العبادة في الصورة الاولى مطلقا من جهة الإخلال بقصد الأمر لوجب القول به في الصورة الثانية والثالثة أيضا.

ولو قلنا بفسادها فيها فيما لزم من الزيادة عدم امتثال الأمر بالعبادة إلّا على تقدير كونها كما اعتقد لوجب أيضا القول به في الصورتين الاخيرتين كذلك إلى أن قال هذا مضافا إلى أنّه لو نوى جزئية الجزء الزائد بعد الفراغ عن العمل فلا ريب في عدم الفساد من جهة الاخلال بقصد الأمر وهكذا لو نوى ذلك في الأثناء مقارنا لإتيان الزائد ولكن عدل عن ذلك بعد

٢٥٢

قبل الإتيان بسائر أجزاء المركب.

فالملاك في الفساد على هذا أن يقع بعض أجزاء المأمور به أو تمامه عن ذلك النية وبذلك تعرف أنّ الحكم بالفساد على الاطلاق فيما لو نوى في الأثناء ذلك كما عن الشيخ لا وجه له وهذا واضح إلى أن قال :

إنّه لو قصد جزئية الزائد في أوّل العمل أو في الأثناء مع عدم عدوله عن قصده بعد الاتيان بالزيادة وقبل أن ياتي بسائر الأجزاء إلى أن قال فالأقوى عدم البطلان مطلقا أمّا في صورة عدم التقييد فواضح وأمّا في صورة التقييد فالأقوى ذلك أيضا إذا لم يعتبر في امتثال الأمر إلّا قصد القربة دون قصد خصوص الأمر المتعلق بالمركب لما عرفت هنا في الفقه من كفاية اجتماع الحسن الفعلي مع الفاعلي في العبادات التي لم يعتبر فيها إلّا قصد القربة والحسن الفعلي مفروض في المقام لأنّ المفروض عدم مانعية الزيادة بالأصل والحسن الفاعلي الذي يعبر عنه بالانقياد حاصل أيضا كما لا يخفى.

نعم لو اعتبر في امتثال الأمر قصد خصوص ذلك لتوجه التفصيل بين صورة التقييد وغيره بالحكم بالبطلان في الأوّل دون الثاني تدبر فيما ذكرناه تعرف. (١)

فتحصّل : أنّ جميع الصور صحيح حتى فيما إذا قيد الامتثال بصورة التي اعتقد أنّها المطلوبة أو بنى عليها لما عرفت من كفاية اجتماع الحسن الفعلي مع الفاعلي فالتفصيل المذكور في كلام الشيخ غير صحيح بل تقييد الصحة في كلام صاحب الكفاية بما إذا لم يرد الامتثال إلّا على تقدير كون العبادة كما اعتقد أو بنى عليه في غير محله بعد كفاية اجتماع الحسن الفعلي مع الفاعلي فلا تغفل وممّا ذكرنا يظهر ما في مصباح الاصول حيث قال إنّ الشك في بطلان العمل من جهة الزيادة يكون ناشئا من الشك في اعتبار عدمها في المأمور به ومن الظاهر أنّ مقتضى الأصل عدمه ما لم يقم دليل على اعتباره فلا بأس بالزيادة العمدية فضلا عن الزيادة السهوية هذا فيما إذا لم تكن الزيادة موجبة للبطلان من جهة أخرى كما إذا قصد

__________________

(١) المحاضرات لسيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤٣٣ ـ ٤٣٥.

٢٥٣

المكلف امتثال خصوص الأمر المتعلق بما يتركب من الزائد فإنّه لا اشكال في بطلان العمل في هذا الفرض إذا كان عباديا لأنّ ما قصد امتثاله من الأمر لم يكن متحققا وما كان متحققا لم يقصد امتثاله نعم لو قصد المكلف امتثال الأمر الفعلي وقد أتى بالزائد لاعتقاد كونه جزء للمأمور به من جهة الخطأ في التطبيق أو من جهة التشريع في التطبيق صح العمل لما عرفت من أنّ الزيادة بنفسها لا توجب البطلان والتشريع في التطبيق وإن كان قبيحا عقلا وشرعا إلّا أنّه لا ينافي التقرب بامتثال الأمر الموجود وقد أتى بمتعلقه وقصد امتثاله كما هو المفروض. (١)

ولا يخفى ما فيه فإنّ مع قصد امتثال خصوص الأمر المتعلق بما يتركب من الزائد لا يصح الحكم ببطلان العمل القربي بدعوى أنّ ما قصد امتثاله من الأمر لم يكن متحققا وما كان متحققا لم يقصد امتثاله لأنّه لم يعتبر في الإتيان بالعبادة إلّا قصد القربة دون قصد خصوص الأمر المتعلق بالمركب لما عرفت من سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد من كفاية اجتماع الحسن الفعلي مع الفاعلي وكلاهما موجودان في المقام بالتفصيل الذي عرفت وهو حسن فيما لا يكون بينهما مباينة فمقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة في صورة الزيادة والشك في اعتبار عدمها في المركب هو الحكم بالصحة من دون تفصيل سواء كان توصليا أم عباديا وسواء قصد المكلف امتثال خصوص الأمر المتعلق بما يتركب من الزائد أم لم يقصد خصوصه لعدم المباينة بين ما قصده المكلف والمأمور به فتدبّر جيّدا.

الاستدلال بالاستصحاب للصحّة :

هذا كله بالنسبة إلى جريان أصالة البراءة بالنسبة إلى مانعية الزيادة ولكن جريانها على المشهور منوط بعدم جريان الاستصحاب ويمكن أن يقال : إنّ الاستصحاب جار في المقام ويكفي ذلك في الحكم بالصحة فإنّ العبادة قبل حدوث هذه الزيادة كانت صحيحة

__________________

(١) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٤٦٨.

٢٥٤

والأصل بقاؤها ومع جريان الاستصحاب لا مجال لجريان البراءة في الشك في المانعية لحكومة الاستصحاب على البراءة ولو كانا متوافقين على المشهور.

قال سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره في محكي كلامه أورد الشيخ على ذلك بما حاصله بتوضيح منّا مع ذكر بعض ما يمكن أن يتوهم عليه ودفعه أنّ المستصحب إن كان صحة مجموع الأجزاء فلم يتحقق وإن كان صحة الأجزاء السابقة فهي مقطوعة ولكن لا تجدي في إثبات صحة الصلاة وعدم مانعية الطاري حتى على فرض تسليم الأصل المثبت لأنّ صحة تلك الاجزاء سواء كانت بمعنى موافقتها للأمر الضمني المتعلق بها أو كانت بمعنى أنّها لو انضم اليها تمام غيرها ممّا يعتبر في الكل لا تستلزم عدم مانعية الطاري بل يمكن اجتماع القطع بمانعية شيء مع القطع بصحة الأجزاء السابقة فضلا عن الشك في المانعية.

نعم إطلاق القاطع على بعض الأشياء كاشف عن أنّ لأجزاء الصلاة في نظر الشارع هيئة اتصالية ترتفع ببعض الأشياء دون بعض والقطع يوجب الانفصال القائم بالمنفصلين وهما في المقام أجزاء السابقة والتي تلحقها بعد تخلل القاطع فبه يسقط كل من الأجزاء السابقة واللاحقة عن قابلية الاتصال فيمكن أن يقال في موارد الشك في القاطع دون المانع إنّ الأجزاء السابقة كانت قابلة (١) للاتصال والأصل بقاؤها ولا يقصد في المقام إلّا بقاء هذه دون اثبات عدم قاطعية الطاري كي يشكل بأنّه من الاصول المثبتة.

ولكن يمكن الخدشة في هذا الاستصحاب بأنّ المراد بالهيئة الاتصالية إن كان ما بين بعض أجزاء السابقة مع بعض فهو باق بعد ويقطع به إلّا أنّه لا يجدي وإن كان ما بينها وبين الأجزاء اللاحقة فالشك في حدوثها لا بقاؤها.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الهيئة الاتصالية بين أجزاء السابقة واللاحقة وإن لم يكن مسبوقة بالوجود بالدقة العقلية كي يستمر وجودها بالأصل إلّا أنّ استصحابها نظير استصحابات العرفية ليس مبنيا على التدقيق (العقلي) فلا يبعد أن يقال إنّ تلك الهيئة وإن لم تكن

__________________

(١) والأولى هو ان يعبر عن المستصحب بالهيئة الاتصالية لما سيأتي من الاشكال في استصحاب القابلية.

٢٥٥

موجودة إلّا بعد الفراغ عن تمام الأجزاء إلّا أنّها بنظر العرف تتحقق بمجرد الشروع في العمل وبصرف ايجاد بعض أجزائه فالمستصحب موجود عرفا فيحكم ببقائه بقاعدة الاستصحاب ونظير ذلك استصحاب الليل والنهار فإنّه لا يصح إلّا بهذه المسامحة العرفية (١) وأمّا أصالة بقاء الأجزاء السابقة على قابليتها للاتصال والإلحاق فلا يبعد كونها من الاصول المثبتة لأنّ الأثر الشرعي مترتب على لازم هذا المستصحب وهو تحقق الهيئة الاتصالية بعد ضم الأجزاء السابقة مع ما يلحقها من الأجزاء اللاحقة.

إلّا أن يقال : إنّه لما كان المقصود الأصلي من القطع وعدمه هو لزوم استيناف الأجزاء السابقة وعدمه وكان الحكم بقابليتها لالحاق الباقي بها في قوة الحكم بعدم وجوب استينافها خرج من الاصول المثبتة.

ثمّ تنظر سيّدنا الاستاذ بعد نقل كلام الشيخ من التفصيل بين الشك في القاطع والشك في المانع وقبول الاستصحاب في الشك في القاطع بقوله ثمّ إنّه يمكن النظر في الوجه الذي أفاده الشيخ لمنع جريان استصحاب الصحة في موارد الشك في مانعية شيء للمأمور به ووجهه يظهر بعد تقديم أمر وهو أنّ اعتبار مانعية الشيء غير اعتبار شرطية عدمه ولذلك قد يختلف أثرهما ووجه ذلك واضح فإنّ الإرادة تارة يتعلق بشيء بشرط أن لا يكون معه شيء آخر بحيث يكون متعلقها الشيء الأول وعدم كون الشيء الثاني معه وهذا هو الذي يعبر عنه بشرطية العدم وأخرى تتعلق بشيء لكن لما يرى أنّ الشيء الآخر مانع عن تحصيل المراد بوجوده يتوجه بغض قهري إلى وجوده وهذا الذي يعبر عنه بمانعية الوجود (والمبحث فيه لا في شرطية العدم) إلى أن قال إذا عرفت ذلك نقول منع جريان الاستصحاب في موارد الشك في المانعية إمّا يكون لأجل ما أفاده الشيخ من أنّ استصحاب صحة أجزاء السابقة لا يجدي في إثبات صحة المأمور به (٢) وعدم مانعية الزيادة حيث إنّ القطع بالصحة لا ينافي

__________________

(١) التعبير بالمسامحة لا يناسب إذ اللازم في الاستصحاب هو بقاء الموضوع بالدقة العرفية.

(٢) المأتى به ظ.

٢٥٦

القطع بمانعية الزيادة فكيف الشك فيها فلا يرتفع بالاستصحاب الشك في مانعية الزيادة إلى أن قال أو يكون لأجل ما أفاده بعض الفحول من إثبات أنّ عدم مانعية الطاري أو صحة بقية الأجزاء لا يصح بهذا الاستصحاب إلّا بناء على التعويل على الاصول المثبتة وحيث لا تعويل عليه فلا يجري الاستصحاب.

فإن كان الإشكال في جريان هذا الأصل هو ما أفاده الشيخ قدس‌سره (من أنّ مانعية الطاري لا تنافي صحة الأجزاء السابقة أبدا) ففيه بعد ما ذكرناه من أنّ عناية مانعية شيء غير عناية شرطية عدمه أنّ كون الشيء مانعا يمكن أن يكون بلحاظ أحد الأمور الثلاثة الأوّل أن يكون وجوده موجبا لحصول نقص في الأجزاء السابقة به تسقط عن قابلية تركيبها مع ساير الأجزاء والشرائط وتأثيرها في حصول المركب إلى أن قال الثاني أن يكون وجوده مانعا لتاثير أجزاء السابقة في إيجاد المركب الثالث أنّ وجوده مانعا لتأثير أجزاء اللاحقة في ايجاده وبذلك تعرف ما فيما أفاده الشيخ قدس‌سره من أنّ مانعية الطاري لا تنافي صحة الأجزاء السابقة أبدا بل تلك الأجزاء باقية على صحتها أبد الدّهر فإنّك قد عرفت أنّ وجود المانع قد يوجب زوال صفة الجزء السابق التي بلحاظها كان يطلق عليه أنّه صحيح ويوجد فيه نقصا يسقط به عن قابلية تركيبه مع ساير الأجزاء (كوجود الملح في الخل فإنّه موجب لحصول نقص فيه به يسقط عن قابلية ضمه إلى بقية ما يعتبر في حصول السكنجبين) وقد لا يوجد فيه النقص إلّا أنّه يمنع عن تأثيره الذي هو قابلية ضمه إلى ساير الأجزاء وتحصيل الكل ومن المعلوم أنّ إطلاق الصحة عليه ليس إلّا بلحاظ هذا الأثر والحاصل أنّه يمكن تصوير عروض الفساد على الجزء الذي وقع صحيحا.

إذا عرفت ذلك تعرف أنّه يمكن أن يوجه استصحاب الصحة بأن يقال قبل عروض هذا المانع الاحتمالي كانت أجزاء السابقة صحيحة فنشك في فسادها بعروض ذلك والأصل بقاؤها على صحتها وعدم عروض نقص وفساد عليها.

أو يقال قبل عروض هذا كانت أجزاء السابقة مؤثرة في حصول الكل إذا انضمت إليها

٢٥٧

ساير الأجزاء والشرائط فنشك في منع هذا الطاري لتأثيرها والأصل بقاؤها على تأثيرها.

أو يقال قبل عروض هذا كانت أجزاء اللاحقة لو وجدت لأثرت في حصول الكل فنشك في منع الطاري لتأثيرها بعد وجودها والأصل بقاء تأثيرها إلى أن قال.

وإن كان (الاشكال هو ما أفاده بعض الفحول) من جهة الأصل المثبت بدعوى أن إجراء هذا الأصل لا يثبت سقوط الأمر وعدم وجوب استيناف الأجزاء السابقة حيث إنّ هذا الأثر مترتب على حصول الكل وهذا أثر عقلي لازم لبقاء الأجزاء السابقة على صحتها وضم ساير الأجزاء بها وقد تقدم أنّ التعبد ببقاء شيء بلحاظ أثر لازمه من الاصول المثبتة.

ففيه ما عرفت سابقا من أنّ التّعبد التشريعي بشيء لا يحتاج إلّا إلى أن يكون نفس ذلك الشيء أو أثره ممّا بيد الشرع رفعا ووضعا ولو تبعا لمنشا انتزاعه وحصول الكل وإن كان في المقام أثر عقلي إلّا أنّه ممّا يمكن رفعه ووضعه تشريعا بتبع وضع منشأ انتزاعه ورفعه أعني وضع الأمر بالكل ورفعه فتأمّل فإنّه دقيق.

وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه أنّه يمكن إجراء الاستصحاب في المقام (على تقدير الشك في المانع أيضا) إمّا الاستصحاب التنجيزي وهو استصحاب صحة الأجزاء السابقة أو استصحاب عدم وجوب إعادتها أو التعليقي وهو استصحاب كون الأجزاء السابقة بحيث لو انضم إليها غيرها لأثرت في حصول الكل أو استصحاب كون الأجزاء اللاحقة بحيث لو وجدت قبل عروض الطارئ كانت مؤثرة في حصول الكل (١).

والحاصل أنّ الاستصحاب كما يجري في الشك في القاطع كذلك يجري في الشك في المانع والاشكال في الشك في المانع بالمذكور في كلام الشيخ ناش من الخلط بين شرطية العدم ومانعية الوجود إذ لا تأثير للعدم بخلاف مانعية الوجود فإنّ وجود المانع يؤثر في فساد وصف الأجزاء السابقة أو يمنع عن تاثير الأجزاء السابقة أو اللاحقة في إمكان الانضمام.

فلا وجه لدعوى الشيخ أنّ مانعية الطاري لا تنافي صحة الأجزاء السابقة أو اللاحقة فمع

__________________

(١) المحاضرات لسيدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره / ج ٢ ، ص ٤٣٦ ـ ٤٤٠.

٢٥٨

تأثير وجود المانع يشك في بقاء صحة الأجزاء السابقة أو اللاحقة عند الشك في المانع فيجري الاستصحاب بلا كلام وهكذا الاشكال في الاستصحاب من ناحية أنّ إثبات عدم مانعية الطارئ أو صحة بقية الأجزاء بالاستصحاب مبني على التعويل على الاصول المثبتة مندفع بما أفاد سيّدنا الاستاذ بكفاية كون منشأ انتزاع الأثر العقلي بيد الشارع وضعا أو رفعا في جريان الاستصحاب.

وبالجملة مع جريان الاستصحاب في كلا الصورتين من الشك في المانعية أو الشك في القاطعية لا مجال لأصالة البراءة بناء على المشهور من حكومة الاستصحاب على أصالة البراءة وأمّا بناء على اختصاص الحكومة بما إذا كانا متخالفين دون ما إذا كانا متوافقين فكلاهما جاريان والوجه في ذلك هو ما اشرنا إليه من أنّ أدلّة اعتبار الاستصحاب ناظرة إلى احتمال الخلاف لا احتمال الوفاق فتدبّر جيّدا.

هذا كله بالنسبة إلى مقتضى الاصول في الشك في المانعية أو القاطعية بالنسبة إلى المركب.

التنبيه الرابع : في حكم الزيادة والنقيصة بحسب مقتضى النصوص الخاصة

ولا يذهب عليك أنّ ما ذكر في التنبيه الثاني والثالث هو حكم النقيصة والزيادة بحسب مقتضى الاصول بلا فرق بين عمل دون عمل وبين جزء دون جزء إلّا أنّه وردت نصوص خاصة تدلّ على البطلان أو الصحة في خصوص الصلاة أو الطواف أو السعي بالاخلال بها بالزيادة أو النقيصة والتفصيل فيه وإن كان مناسبا للفقه ولكن لا بأس بالاشارة إليه هنا :

ولقد أفاد وأجاد السيد المحقّق الخوئي قدس‌سره حيث قال أمّا الصلاة فالروايات الواردة فيها على طوائف الطائفة الاولى : ما تدلّ على بطلانها بالزيادة مطلقا (سواء كان عن عمد أو سهو وسواء كان الزائد ركنا أو غيره) كقوله عليه‌السلام في صحيحة ابي بصير من زاد في صلاته فعليه الاعادة (١).

الطائفة الثانية : ما تدلّ على بطلانها بالزيادة السهوية كقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة

__________________

(١) الوسائل / الباب ١٩ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ١.

٢٥٩

وبكير بن أعين إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها فاستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا (١) (من دون فرق بين كونه ركنا أو غيره).

الطائفة الثالثة : ما تدلّ على بطلانها بالإخلال سهوا في الأركان بالزيادة أو النقصان وأمّا الإخلال بغير الأركان سهوا فلا يوجب البطلان كقوله عليه‌السلام لا تعاد الصلاة إلّا من خمس الطهور والقبلة والوقت والركوع والسجود (٢) (سواء كان الزيادة أو النقيصة عن جهل أو سهو).

وتوهم اختصاص هذا الحديث الشريف بالنقيصة لعدم تصور الزيادة في الوقت والقبلة والطهور كما عن المحقّق النائيني رحمه‌الله مدفوع بأنّ ظاهر الحديث أنّ الإخلال بغير هذه الخمس لا يوجب الاعادة والاخلال بها يوجب الاعادة سواء كان الاخلال بالزيادة أو النقيصة وهذا المعنى لا يتوقف على أن تتصور الزيادة والنقيصة في كل واحد من هذه الخمس فعدم تحقق الزيادة في الوقت والقبلة والطهور في الخارج لا يوجب اختصاص الحديث بالنقيصة بعد قابلية الركوع والسجود للزيادة والنقيصة.

ثم إن مقتضى الجمع بين هذه الروايات هو الحكم ببطلان الصلاة بالزيادة العمدية مطلقا وبالزيادة السهوية أيضا إن كان الزائد من الأركان والحكم بعدم البطلان بالزيادة السهوية إن كان الزائد من غير الأركان.

وذلك لأنّ الطائفة الاولى الدالة على البطلان بالزيادة وإن كانت عامة من حيث العمد والسهو ومن حيث كون الزائد ركنا أو غير ركن إلّا أنّها خاصة بالزيادة فالنسبة بينها وبين حديث لا تعاد الدال على عدم بطلان الصلاة بالإخلال سهوا في غير الأركان هي العموم من وجه لأنّ حديث لا تعاد وإن كان خاصا من جهة أنّ الحكم بالبطلان فيه مختص بالإخلال بالأركان إلّا أنّه عام من حيث الزيادة والنقصان.

__________________

(١) الكافي / ج ٣ ، ص ٣٥٤.

(٢) الوسائل / الباب ١ من ابواب قواطع الصلاة ، ح ٤.

٢٦٠