عمدة الأصول - ج ٦

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: ولي عصر (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٣

الملاقي بالفتح والملاقي بالكسر أو بنجاسة الطرف الآخر ففي هذه الصورة قال في الكفاية يجب الاجتناب عنهما ضرورة أنّه حينئذ نعلم اجمالا إما بنجاسة الملاقي بالفتح والملاقي بالكسر أو بنجاسة الآخر فيتجدّد التكليف بالاجتناب عن النجس في البين وهو الواحد أو الاثنين (١).

بل الأمر كذلك مع تقارن العلم بالملاقاة مع العلم بالنجاسة كما إذا كان ثوب في إناء فيه ماء وعلمنا اجمالا بوقوع نجاسة فيه أو في إناء آخر في تلك الحال أي في حال علمنا بكون الثوب في الإناء.

ودعوى : أنّ الأصل الجاري في الملاقي بالكسر متأخر رتبة عن الأصل الجاري في الملاقي بالفتح إذ الشك في نجاسة الملاقي بالكسر ناش عن الشك في نجاسة ما لاقاه ولا تصل النوبة إلى جريان الأصل في الملاقي إلّا بعد سقوط الأصل فيما لاقاه وبعد سقوطه للمعارضة بينه وبين الأصل في الطرف الآخر يجري الأصل في الملاقي بالكسر بلا معارض فيحكم بالطهارة.

مندفعة : بما مرّ من أنّ الأصل الموافق لا يكون متأخرا لقصور أدلة اعتبار الاصول عن افادة ذلك لاختصاصها بالأصل المخالف.

هذا مضافا إلى ما أفاده السيّد المحقّق الخوئي قدس‌سره من أنّ الأصل الجاري في الملاقي بالكسر ليس متأخرا عن الأصل الجاري في الطرف الآخر كما أنّ الأصل الجاري في الملاقي بالفتح ليس متأخرا عنه فكما يقع التعارض بين جريان الأصل في الملاقي بالفتح وجريانه في الطرف الآخر كذلك يقع التعارض بين جريان الأصل في الملاقي بالكسر وجريانه في الطرف الآخر وبالنتيجة تسقط الاصول ويكون العلم الإجمالي منجّزا فيجب الاجتناب عن الجميع الملاقي بالفتح والملاقي بالكسر والطرف الآخر (٢).

__________________

(١) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٢٧.

(٢) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٤١٧.

١٤١

ودعوى : أنّ المتأخر عن أحد المتساويين متأخر عن الآخر أيضا لا محالة مدفوعة كما في مصباح الاصول بأنّ ذلك إنّما يتم في التقدم والتأخر من حيث الزمان أو من حيث الشرف دون التقدم والتأخر من حيث الرتبة لأنّ تأخر شيء عن أحد المتساويين لا يقتضي تأخره عن الآخر أيضا فإنّ وجود المعلول متأخر عن وجود علته وليس متأخرا عن عدمها مع أنّ وجود العلة وعدمها في رتبة واحدة لأنّه ليس بينهما علية ومعلولية ويعبر عن عدم العلية والمعلولية بين شيئين بوحدة الرتبة.

وبعبارة أخرى المتقدم والمتأخر الرتبي عبارة عن كون المتأخر ناشئا من المتقدم ومعلولا له وكون شيء ناشئا عن أحد المتساويين في الرتبة ومعلولا له لا يقتضي كونه ناشئا من الآخر ومعلولا له أيضا.

مضافا إلى أنّ التقدم والتأخر الرتبي إنّما تترتب عليهما الآثار العقلية دون الأحكام الشرعية لأنّها مترتبة على الوجودات الخارجية التي تدور مدار التقدم والتأخر الزماني دون الرتبي (١).

ولعلّه لذا قال في تسديد الاصول من أنّ سرّ تقدم الأصل السببي ليس مجرد تأخر رتبة الشك المسببي فإنّ الأحكام الشرعية قد تعلقت وترتبت على الموضوعات بوجودها الخارجي ولا دخل لترتبها في الموضوعية أصلا فالسبب والمسبب إذا كانا معينين في الوجود يعمهما دليل الحكم في عرض واحد إلى أن قال :

بل الوجه الوجيه لتقدم الأصل السببي في الغالب أنّ الأصل السببي ينقح موضوع الأمارة ومدلول الأمارة والدليل بعمومه أو اطلاقه ينطبق على ذلك الموضوع المنقح فيرفع الشك عن حكمه فلذلك تكون الأمارة حاكمة على الأصل الحكمي الجاري في المسبب مثلا إذا غسل المتنجس بماء مشكوك الطهارة فقاعدة الطهارة تجري في الماء ويحكم عليه بأنّه طاهر ثمّ إنّ عموم أو إطلاق الدليل الدال على أنّ الماء الطاهر يطهر ما يغسل به ينطبق عليه

__________________

(١) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٤١٨.

١٤٢

ويرفع الشك عن نجاسة المتنجس المغسول به وهذا في الحقيقة من تقدم الأمارة على الأصل غاية الأمر ببركة الأصل السببي إلّا أنّ التنقيح المذكور فيما إذا كان الأصل السببي جاريا وهاهنا يوجب العلم الإجمالي بالتكليف تنجز التكليف المعلوم اجمالا الموجود في أحد الطرفين ويمنع عن جريان أصالة الطهارة فأصالة الطهارة لو فرض أنّها حاكمة إلّا أنّها لا تجري أصلا والعلم الإجمالي المذكور كما يمنع عن جريانها فلا تجري في نفس الطرفين كذلك يمنع عن جريانها في الملاقي بالكسر أيضا بعد أن كان هو أيضا من أطراف العلم الإجمالي كما عرفت (١).

ثمّ لا فرق فيما ذكر من وجوب الاحتياط بين أن يكون زمان النجس المعلوم بالإجمال بوجوده الواقعي سابقا على زمان الملاقاة كما إذا علمنا يوم السبت بأنّ أحد هذين الإناءين كان نجسا يوم الخميس ولاقى أحدهما ثوب يوم الجمعة وبين أن يكون زمانهما متحدا كما إذا كان ثوب في إناء فيه ماء وعلمنا اجمالا بوقوع نجاسة فيه أو في إناء آخر في تلك الحال أي علمنا بأنّ الثوب في إناء فيه ماء وذلك لما أفاده في مصباح الاصول من أنّ (النجس) المعلوم بالإجمال في هذه الصورة وإن كان سابقا بوجوده الواقعي على (زمان) الملاقاة إلّا أنّه مقارن له بوجوده العلمي والتنجيز من آثار العلم بالنجاسة لا من آثار وجودها الواقعي وحيث إنّ العلم الإجمالي (بنجاسة أحد الأطراف) متأخر عن الملاقاة فلا محالة يكون الملاقي بالكسر أيضا من أطرافه ولا أثر لتقدم المعلوم بالإجمال (بوجوده الواقعي) على الملاقاة واقعا فإنّا نعلم اجمالا يوم السبت في المثال المتقدم بأنّ أحد الماءين والثوب نجس أو الماء الآخر وحده فيكون نظير العلم الإجمالي بنجاسة الإناء الكبير أو الإناءين الصغيرين فلا يمكن اجراء الأصل في الملاقي بالكسر كما في الصورة الثانية فيجب الاجتناب عنه أيضا (٢).

المسألة الرابعة : هي ما إذا علم بالملاقاة ثمّ علم اجمالا بنجاسة الملاقي بالفتح أو الطرف

__________________

(١) تسديد الاصول / ج ٢ ، ص ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٢) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٤١٩.

١٤٣

الآخر ولكنّ كان الملاقي بالفتح حين حدوث العلم خارجا عن محلّ الابتلاء فإنّه حينئذ تقع المعارضة بين جريان الأصل في الملاقي بالكسر وجريانه في الطرف الآخر ويسقطان فيجب الاجتناب عنهما وأمّا الملاقي بالفتح فلا يكون مجرى للأصل بنفسه لخروجه عن محلّ الابتلاء فإنّه لا يترتب عليه أثر فعلي ويعتبر في جريان الأصل ترتب أثر عملي فعلي فإذا رجع الملاقي بالفتح بعد ذلك إلى محلّ الابتلاء لم يكن مانع من الرجوع إلى الأصل فيه لعدم ابتلائه بالمعارض لسقوط الأصل في الطرف الآخر قبل رجوعه إلى محلّ الابتلاء فيكون حال الملاقي بالفتح في هذا الفرض حال الملاقي بالكسر في المسألة الأولى من حيث كون الشك فيه شكا في حدوث تكليف جديد يرجع فيه إلى الأصل وهذا هو الذي ذهب إليه في الكفاية.

وأورد عليه في مصباح الاصول بأنّ الخروج عن محلّ الابتلاء لا يمنع عن جريان الأصل فيه إذا كان له أثر فعلي والمقام كذلك فإنّ الملاقي بالفتح وإن كان خارجا عن محلّ الابتلاء إلّا أنّه يترتب على جريان أصالة الطهارة فيه أثر فعلي وهو الحكم بطهارة ملاقيه فمجرد الخروج عن محلّ الابتلاء أو عن تحت القدرة غير مانع من جريان الأصل إلى أن قال إلّا أنّ العلم الإجمالي بنجاسته أو نجاسة الطرف الآخر يمنع من الرجوع إلى الأصل في كلّ منهما فيجب الاجتناب عنهما وأمّا الملاقي بالكسر فحكمه من حيث جريان الأصل فيه وعدمه على التفصيل الذي تقدم في المسائل الثلاث وملخصه أنّه إن كان العلم بالملاقاة بعد العلم الإجمالي فلا مانع من جريان الأصل فيه كما في المسألة الاولى وإن كان قبله فالعلم الإجمالي مانع عن جريان الأصل فيه (ويجب الاحتياط فيه) وكلام صاحب الكفاية رحمه‌الله مفروض على الثاني فراجع (١) ولا يخفى عليك أن العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي بالفتح أو نجاسة الطرف الآخر مع كون أحد الأطراف خارجا عن محلّ الابتلاء وكون الخطاب فيه مستهجنا لا يكون منجّزا فاذا لم يكن العلم الإجمالي منجّزا لا يمنع عن الرجوع إلى الأصل في الملاقي بالفتح عند رجوعه إلى محلّ الابتلاء وأمّا الملاقي بالكسر في الفرض المذكور أي العلم

__________________

(١) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٤٢٣.

١٤٤

بالملاقاة قبل العلم بالنجاسة فهو من أطراف العلم الإجمالي بالنجاسة وهو مانع من جريان الأصل فيه ويجب الاحتياط فيه كما لا يخفى فمختار صاحب الكفاية هو الأقوى.

المسألة الخامسة : هي ما لو تعلّق العلم الإجمالي أوّلا بنجاسة الملاقي بالكسر أو شيء آخر ثمّ حدث العلم بالملاقاة والعلم بنجاسة الملاقي بالفتح أو ذلك الشيء قبل الملاقاة كما لو علم يوم السبت اجمالا بنجاسة الثوب أو الإناء الكبير ثمّ علم يوم الأحد بنجاسة الإناء الكبير أو الإناء الصغير يوم الجمعة وبملاقاة الثوب للإناء الصغير في ذلك اليوم.

ذهب في الكفاية في هذه الصورة إلى وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقي بالفتح بدعوى أنّ حال الملاقي بالفتح في هذه الصورة حال الملاقي بالكسر في الصورة الاولى في عدم كونه طرفا للعلم الإجمالي وأنّه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة أصلا لا اجمالا ولا تفصيلا (١).

ودعوى : أنّ التنجيز يدور مدار العلم الإجمالي حدوثا وبقاء فالعلم الإجمالي الحادث يوم السبت في المثال وإن أوجب تنجز التكليف بالنسبة إلى الثوب والإناء الكبير إلّا أنّه بعد حدوث العلم الإجمالي يوم الأحد بنجاسة الإناء الكبير أو الإناء الصغير ينحل العلم الأول بالثاني فيكون الشك في نجاسة الثوب شكا في حدوث نجاسة أخرى غير ما هو معلوم اجمالا فلا مانع من الرجوع إلى الأصل في الملاقي بالكسر لخروجه عن أطراف العلم الإجمالي بقاء.

مندفعة : بما أفاده في مصباح الاصول من عدم الانحلال لأنّ الملاقي بالكسر وهو الثوب في مفروض المثال لم يخرج من أطراف العلم الإجمالي الثاني إذ المفروض حدوث العلم بالملاقاة مقارنا لحدوث العلم الإجمالي الثاني فيكون العلم الإجمالي بنجاسة الإناء الكبير أو الإناء الصغير في مفروض المثال علما اجماليا بنجاسة الثوب والإناء الصغير أو الإناء الكبير غاية الأمر أنّ الشك في نجاسة الثوب ناشئ من الشك في نجاسة الإناء الصغير وهو لا يوجب خروج الثوب عن أطراف العلم الإجمالي الثاني بعد كون العلم بالملاقاة حادثا حين حدوث

__________________

(١) الكفاية / ج ٢ ، ص ٢٢٧.

١٤٥

العلم الإجمالي الثاني وحيث إنّ التكليف بالنسبة إلى الإناء الكبير قد تنجز بالعلم الإجمالي الاول ولا مجال لجريان الأصل فيه فيجري الأصل في الإناء الصغير (وهو الملاقي بالفتح) بلا معارض.

وبعبارة أخرى وبعد تنجز التكليف في الإناء الكبير والثوب لا أثر للعلم الثاني بنجاسة الإناء الكبير أو الإناء الصغير لكون التكليف في الإناء الكبير منجّزا بالعلم الأول فلا أثر للعلم الثاني بالنسبة إليه فيجري الأصل في الإناء الصغير بلا معارض فيكون النتيجة وجوب الاجتناب عن الإناء الكبير والثوب وهو الملاقي بالكسر دون الإناء الصغير وهو الملاقي بالفتح (١). ففي هذه الصورة يجب الاحتياط في الملاقي بالكسر والطرف وهو الإناء الكبير دون الملاقي بالفتح وهو الإناء الصغير.

فتحصّل : إلى حدّ الآن أنّ في المسألة الأولى وهي أن يحصل العلم بالملاقاة بعد العلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين لا يجب الاحتياط عن الملاقي بالكسر مطلقا أو في صورة عدم كون الطرف الآخر الذي هو عدل للملاقى بالفتح مجرى لأصل طولي سليم عن المعارض كما إذا علمنا بنجاسة أحد المائعين ثمّ لاقى أحدهما شيء آخر بخلاف ما اذا علمنا بنجاسة مرددة بين الثوب والماء ثمّ لاقى الثوب شيء آخر فإنّ الأصل في الملاقي بالكسر يعارض الأصل في العدل المذكور فيجب الاحتياط في الملاقي بالكسر حينئذ على ما ذهب إليه في مصباح الاصول وأنّ في المسألة الثانية وهي أن يكون لكل طرف ما يلاقيه فالأصل في كلّ واحد من الملاقي معارض مع الأصل الجاري في الملاقي الآخر وبعد التعارض والسقوط يجب الاحتياط فيهما للعلم الإجمالي بوجود النجاسة.

وأنّ في المسألة الثالثة وهي أن يكون الملاقاة والعلم بها قبل العلم بنجاسة الملاقي بالفتح وطرفه ففي هذه الصورة يجب الاحتياط عن الملاقي بالكسر والملاقي بالفتح وطرفه وأنّ في المسألة الرابعة والموضوع فيها هو الموضوع في المسألة الثالثة ولكنّ كان الملاقي بالفتح حين

__________________

(١) مصباح الاصول / ج ٢ ، ص ٤٢٣ ـ ٤٢٥.

١٤٦

حدوث العلم الإجمالي بالنجاسة خارجا عن محلّ الابتلاء فيعارض الأصل في الملاقي بالكسر مع الأصل الجاري في الطرف الآخر ويسقطان فيجب الاحتياط عنهما دون الملاقي بالفتح فإنّ العلم الإجمالي بنجاسته أو نجاسة طرفه لا يوجب التنجيز لخروجه عن محلّ الابتلاء ومعه يؤخذ بالأصل في جانب الملاقي بالفتح بلا معارض وأنّ في المسألة الخامسة وهي ما إذا تعلّق العلم الإجمالي بنجاسة الثوب الملاقي بالكسر أو شيء آخر كالإناء الكبير ثم حدث بعد ذلك علم آخر بنجاسة شيء آخر مذكور وهو الإناء الكبير أو شيء ثالث كالإناء الصغير مع العلم بالملاقاة بين الثوب والإناء الصغير فالعلم الثاني لا يكون منجّزا بالنسبة إلى شيء ثالث وهو الإناء الصغير لكون التكليف في الإناء الكبير منجّزا بالعلم الأول فلا أثر للعلم الثاني بالنسبة إليه ومعه فيجرى الأصل في الإناء الصغير بلا معارض ويكون النتيجة هو وجوب الاجتناب عن الإناء الكبير والملاقي بالكسر وهو الثوب دون الإناء الصغير وهو الملاقي بالفتح والله هو العالم.

١٤٧
١٤٨

الخلاصة :

الفصل الثالث في أصالة الاشتغال إذا كان الشك في المكلّف به مع العلم بأصل التكليف من الايجاب أو التحريم وأمكن الاحتياط فالشك إما يكون من جهة تردّد المعلوم بين المتباينين كتردد الواجب بين كونه جمعة أو ظهرا وإما يكون من جهة تردده بين الأقل والأكثر الارتباطيين كتردد الصلاة بين فاقد السورة وواجدها وعليه فالكلام يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في الشك في المكلّف به مع العلم بالتكليف وإمكان الاحتياط عند دوران الأمر بين المتباينين.

ومثاله أن يعلم بوجوب أحد الشيئين أو بحرمة أحدهما أو أن يعلم بوجوب فعل امر أو ترك آخر مع امكان الاحتياط فيه بفعل هذا وترك ذاك.

ولا فرق في المقام بين كون العلم الإجمالي متعلقا بأصل التكليف والترديد في النوع وبين كونه متعلقا ببطلان إحدى الصلاتين في مرحلة الامتثال.

فإن قلنا بجريان الاصول النافية في جميع أطراف المعلوم بالاجمال أو بعضها فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في كلتا الصلاتين أو في أحدهما فلا وجه لتخصيص النزاع بالاصول الجارية عند الشك في أصل التكليف دون الجارية في مرحلة الامتثال.

١٤٩

يقع البحث في جهات مختلفة :

الجهة الاولى : في إمكان الترخيص الشرعي في أطراف المعلوم بالإجمال

ولا يخفى أنّ العلم الإجمالي كالتفصيلي في كونه منجّزا للحكم الواقعي ومقتضاه عدم جواز المخالفة ووجوب الموافقة القطعية لأنّ العلم الإجمالي كالتفصيلى بيان تام ومعه لا مجال لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ولا كلام فيه.

وانما الكلام في أنّه هل يمكن جعل الترخيص عقلا في مورد العلم الإجمالي أو لا يمكن وعلى فرض الامكان هل ورد ترخيص في ذلك شرعا أو لا.

وقد تقدم في مبحث القطع أنّ العلم الإجمالي لشوبه بالشك مقتض للتنجيز وليس بعلة تامة ولذلك أمكن للشارع أن يرفع اليد عن فعلية الحكم المعلوم بالاجمال.

والوجوه المانعة من قبيل أنّ الترخيص ينافى الحكم الواقعي المعلوم في الاطراف أو ينافى حكم العقل بوجوب امتثال التكليف المعلوم بالاجمال أو يكون الترخيص ترخيصا في المعصية وهو قبيح أو ظلم ونحوه.

ممنوعة لأنّها متفرعة على بقاء الحكم الواقعي على ما هو عليه من الفعلية والتنجيز كما إذا تعلّق العلم التفصيلي بها وأمّا مع شوب العلم الإجمالي بالشك أمكن للشارع رفع اليد عن المعلوم بالاجمال جمعا بينه وبين أدلّة الترخيص لمصلحة التسهيل أو غيره كما يرفع اليد عن الأحكام الواقعية في موارد الشبهات البدويّة أو الأحكام الظاهرية جمعا بينها وبين أدلّة الترخيص أو بين الأحكام الظاهرية.

ودعوى لزوم نقض الغرض مندفعة بأنّ الحكم الواقعي لا يختص بأطراف المعلوم بالاجمال بل يشمل غيرها ومع شموله لغيرها لا يلزم اللغوية ولا يلزم نقض الغرض لكفاية ذلك في كونه موجبا لجعل الداعى بالنسبة إلى من علم به بالتفصيل والأحكام مجعولة على نحو ضرب القانون لا القضايا الشخصية.

نعم لو كان الحكم الواقعي فعليّا من جميع الجهات بحيث لا يرضى الشارع برفعه بوجه لما

١٥٠

جاز الترخيص بالنسبة اليه ولو لم يكن في أطراف المعلوم بالاجمال كالشبهات البدوية.

لا يقال : إنّ الإذن الشرعي في كلا المشتبهين يوجب الحكم بعدم حرمة الخمر المعلوم اجمالا في متن الواقع وهو ممّا يشهد الاتفاق والنصّ على خلافه حتّى نفس هذه الأخبار (أخبار الإباحة) حيث إنّ مؤداها ثبوت الحرمة الواقعية للأمر المشتبه.

لأنّا نقول : ليس معنى الترخيص عدم الحكم في متن الواقع حتّى يكون الاتفاق والنص على خلافه بل معناه هو جعل العذر بالنسبة إليه كجعل العذر بالنسبة إلى الحكم الواقعي في موارد الشبهات البدوية والأحكام الظاهرية ومن المعلوم أنّ ذلك لا يوجب عدم الحكم في متن الواقع في موارد الشبهات البدوية والأحكام الظاهرية لاشتراك العالم والجاهل في الأحكام الواقعية.

لا يقال : إنّ الحكم الظاهري لا يقدح مخالفته للحكم الواقعي في نظر الحاكم مع جهل المحكوم بالمخالفة لرجوع ذلك إلى معذورية المحكوم الجاهل كما في أصالة البراءة.

وأمّا مع علم المحكوم بالمخالفة فيقبح من الجاعل جعل كلا الحكمين لأنّ العلم بالتحريم يقتضي وجوب الامتثال بالاجتناب عن ذلك المحرم فإذن الشارع في فعله ينافي حكم العقل بوجوب الإطاعة.

لأنّا نقول : إنّ حكم العقل بوجوب الإطاعة حكم تعليقى منوط بما إذا لم يرخص الشارع في حكمه من باب التسهيل وعليه فبعد العلم بالترخيص الشرعي وجعل العذر فلا حكم للعقل بالقبح ولا بالعقوبة على الحكم الواقعي ولا يلزم منه ترخيص في المعصية وذلك لما عرفت من شوب العلم الإجمالي بالشك فإنّه يوجب إمكان جعل العذر في أطرافه وعليه فلا يقاس العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي.

لا يقال : لا فرق بين العلم الإجمالي والتفصيلي في المنجزية لأنّ الإجمال إنّما هو في الخصوصيات ولا دخل لها فيما يدخل في العهدة وتشتغل به الذمة بحكم العقل إذ ما هو موضوع لذلك إنّما هو العلم بالأمر أو النهى الصادرين عن المولى وأمّا خصوصية كونه متعلقا

١٥١

بالجمعة أو الظهر فلا دخل لها في المنجزية فالمنجّز هو أصل الإلزام وهو معلوم تفصيلا ولا إجمال فيه فلا قصور في منجزية العلم الإجمالي.

لأنّا نقول : إنّ العلم بالإلزام حاصل بسبب العلم بأحد النوعين وموقوف على عدم الترخيص الشرعي بالنسبة إلى النوعين وعليه فمع جريان البراءة في النوعين للشك فيهما لا يبقى علم بأصل الإلزام هذا مضافا إلى أنّ حكم العقل بالتنجيز في العلم الإجمالي معلّق على عدم ورود الترخيص ومعه لا حكم للعقل.

فتحصّل أنّ العلم الإجمالي لا يمنع عن ورود الترخيص بالنسبة إلى المخالفة القطعية فضلا عن المخالفة الاحتمالية هذا كلّه بالنسبة إلى مقام الثبوت وأمّا مقام الإثبات فسيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى.

الجهة الثانية : في إمكان جواز الترخيص في بعض الأطراف

ولا يخفى أنّه على فرض تسليم عدم إمكان الترخيص بالنسبة إلى جميع الأطراف والمخالفة القطعية يقع الكلام في أنّه هل يمكن الترخيص ثبوتا بالنسبة إلى بعض الأطراف أو لا.

يمكن أن يقال : إنّ العقل يحكم بوجوب الاحتياط وتحصيل الموافقة القطعية بعد العلم الإجمالي بثبوت التكليف ولكن حيث إنّ حكم العقل معلق على عدم ورود الترخيص الشرعي لا ينافي الترخيص في البعض وجعل البدل في طرف آخر فلا إشكال في جواز الترخيص الظاهري بالنسبة إلى بعض الأطراف نعم لو كان المعلوم بالإجمال حكما فعليّا من جميع الجهات وجب موافقته قطعا لأنّ الترخيص في البعض حينئذ كالترخيص في جميع الأطراف ولكنّ كون المعلوم بالإجمال كذلك يحتاج إلى إقامة الدليل ولا يثبت ذلك إلّا بالنسبة إلى بعض الموارد.

وبالجملة إنّ الترخيص في البعض من دون جعل البدل ينافي ما ذهبوا اليه من امتناع الترخيص في جميع الأطراف لكونه اذنا في المعصية أو لكونه ظلما في حق المولى أو لكونه

١٥٢

نقضا لغرض المولى لأنّ المحذورات المذكورة باقية على تقدير المصادفة وعدم جعل البدل هذا بخلاف ما إذا كان ذلك مقرونا بجعل البدل وعليه فالترخيص المقرون بجعل البدل بالنسبة إلى بعض الأطراف ممكن ولو على مبنى من ذهب إلى امتناع الترخيص في جميع الأطراف فتحصّل انه لا مانع من جعل الحكم الظاهرى في بعض الأطراف بحسب مقام الثبوت.

الجهة الثالثة : في مقام الإثبات وهو أنّ بعد الفراغ عن إمكان الترخيص في أطراف المعلوم بالاجمال هل ورد الترخيص أو لا.

يمكن الاستدلال على الأوّل بأمرين أحدهما الأخبار العامة التي تدل على الحلية أو البراءة لكون موضوعها هو المشتبه وهو بعمومه يشمل أطراف المعلوم بالاجمال ومن جملتها صحيحة عبد الله بن سنان «كلّ شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» وغيرها من الأخبار العامة الدالة على الحلية والاباحة.

أورد على هذه الطائفة شيخنا الأعظم بأنّها وأمثالها لا تصلح لذلك لأنّها كما تدلّ على حليّة كلّ واحد من المشتبهين كذلك تدلّ على حرمة ذلك المعلوم اجمالا لأنّه أيضا شيء علم حرمته (فيتناقض الصدر والذيل من الرواية وتتساقط دلالتها بالنسبة إلى مورد العلم الإجمالي).

فان قلت : إنّ غاية الحلّ معرفة الحرام بشخصه وهذه المعرفة لم تتحقق في المعلوم بالاجمال (بل تحصل بالمعرفة التفصيلية وعليه فالذيل لا يشمل المعلوم بالاجمال فارتفع تناقض الصدر والذيل).

قلت : أمّا قوله كلّ شيء حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه (في صحيحة اخرى) فلا يدلّ على ما ذكرته لان قوله عليه‌السلام بعينه تأكيد للضمير (الذي في قوله انه حرام) جيء به للاهتمام في اعتبار العلم كما يقال رايت زيدا بعينه لدفع توهم وقوع الاشتباه في الرؤية وإلّا فكل شيء علم حرمته فقد علم حرمة نفسه فإذا علم بنجاسة إناء زيد وطهارة إناء عمرو فاشتبه

١٥٣

الإناءان فإناء زيد شيء علم حرمته بعينه إلى أن قال وأمّا قول عليه‌السلام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه (في غير هذه الصحيحة) فله ظهور فيما ذكر حيث إنّ قوله بعينه قيد للمعرفة فمؤداه اعتبار معرفة الحرام بشخصه ولا يتحقّق ذلك إلّا إذا أمكنت الإشارة الحسّية إليه وأمّا إناء زيد المشتبه بإناء عمرو في المثال وإن كان معلوما بهذا العنوان إلّا أنّه مجهول باعتبار الامور المميزة له في الخارج عن إناء عمرو فليس معروفا بشخصه إلى أن قال إلّا أن ابقاء الصحيحة (الاخيرة) على هذا الظهور توجب المنافاة لما دل على حرمة ذلك العنوان المشتبه مثل قوله عليه‌السلام اجتنب عن الخمر لأنّ الإذن في كلا المشتبهين ينافى المنع عن عنوان مردّد بينهما ويوجب الحكم بعدم حرمة الخمر المعلوم اجمالا في متن الواقع وهو ممّا يشهد الاتفاق والنص على خلافه انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ صدر الرواية الاولى إما يختص بالعلم الإجمالي أو يعمّه والغاية مختصة بمعرفة تفصيلية لأنّ العلم المأخوذ في الغاية ظاهر عرفا في خصوص ما يكون منافيا للشك ورافعا له لتعلقه بعين ما تعلّق به الشك كما أنّ الأمر في دليل الاستصحاب كذلك لأنّ العلم الإجمالي لا يكون ناقضا للشك في الأطراف وإنّما الناقض هو العلم التفصيلي وعليه فيدل الصدر على الحلية في موارد العلم الإجمالي ولا يناقضه الذيل لاختصاصه بالعلم التفصيلى هذا مضافا إلى أنّ الدليل الدال على الحلية والاباحة غير منحصر فيما مشتمل على تلك الغاية كما اعترف الشيخ نفسه فمع فرض اجمال هذه الرواية المذيلة بالذيل المذكور لا مانع من التمسك بغيرها ممّا لا اجمال وظاهر في المعرفة التفصيلية كالرواية الثانية.

وأمّا منافاة ابقاء الصحيحة على هذا الظهور لما دل على حرمة ذلك العنوان المشتبه مثل قوله عليه‌السلام اجتنب عن الخمر فقد تقدم الجواب عنه بمثل الجواب في الأحكام الظاهرية بالنسبة إلى الأحكام الواقعية فإنّ مخالفة الحكم الظاهرى لا توجب ارتفاع الأحكام الواقعية بل يجمع بينهما بسقوط الأحكام الواقعية عن الفعلية.

ومن جملة الاحاديث العامة الدالة على البراءة حديث الرفع أي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «رفع ما

١٥٤

لا يعلمون» بدعوى أنّ مصداق ما لا يعلمون في حديث الرفع هو الحكم الالزامى المجهول إذ هو الأمر الواقعي الذي يكون فيه ثقل على الأمة فهذا الحكم الالزامى سواء كان في الشبهة الحكمية أو الموضوعية يكون مجهولا ومرفوعا بالحديث الدال على الرفع ومقتضى عموم حديث الرفع هو جريان البراءة عن التكليف والحكم بالبراءة في أطراف العلم الإجمالي أيضا.

يشكل ذلك بأنّه يمكن دعوى الانصراف بالنسبة إلى أطراف العلم الإجمالي ولو بملاحظة أنّ شمولها يعدّ عرفا إذنا في المعصية لحكم العرف بتنجيز المعلوم بالاجمال واجيب عنه بأنّ حكم العقل بتنجيز المعلوم بالاجمال تعليقى لا تنجيزى ومعه فالانصراف بدوي.

لا يقال : إنّ حديث الرفع لا يشمل أطراف المعلوم بالاجمال لأنّ المقصود من العلم في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «رفع ما لا يعلمون» هو الحجة وحكم العقل بلزوم الاجتناب عن أطراف المعلوم بالاجمال حجة بل الدليل الدال على التكليف حجة على تنجيز التكليف في كلّ واحد من الأطراف.

لأنّا نقول : حكم العقل بلزوم التنجيز تعليقي ومع حديث الرفع لا مورد للحكم العقلي حتّى يكون حجة والدليل الدال على التكليف أيضا لا يكون حجة بالنسبة إلى خصوص كلّ واحد من الاطراف ومجرد تطبيق الاحتمال المنجز على كلّ واحد من الأطراف لا يصدق عليه العلم ومخالفة الترخيص مع الدليل الدال على التكليف كمخالفة الأحكام الظاهرية مع الأحكام الواقعية.

ودعوى : أنّ المانع بحسب الحقيقة اثباتي لا ثبوتى كما يظهر ذلك بمراجعة الفهم العرفي والارتكاز العقلائى فانه لا يساعد على جعل الترخيص الظاهرى في تمام الأطراف ويرى فيه نحو مناقضة مع التكليف الواقعي المعلوم بالاجمال رغم كونه ممكنا عقلا. هذا مضافا إلى أنّ المنساق عرفا من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «رفع ما لا يعلمون» أنّه كان بصدد الترخيص في قبال الاغراض الالزامية غير المعلومة لا المتيقنة.

١٥٥

مندفعة : بأنّ المناقضة بدوى اذ مع الالتفات إلى أنّ التنجيز تعليقى في المعلوم بالاجمال ويرتفع مع دليل الترخيص لا يراه العرف مناقضا كما أنّ الاغراض في موارد الشبهات الحكمية البدوية بالنسبة إلى الأحكام الواقعية ايضا الالزامية ومع ذلك رفع الشارع عنها بعد الفحص بالاغراض الترخيصية.

هذا مضافا إلى أنّ مصداق «ما لا يعلمون» في كلّ طرف من أطراف المعلوم بالاجمال هو الحكم الالزامى وهو غير معلوم ومصب الحكم بالرفع هو شخص هذه المصاديق الغير المعلومة لا أمر انتزاعي عقلى وهو عنوان أحدهما ولا المصداق الواقعي فإنّه ليس شيئا آخر وراء الأطراف وعليه فالترخيص ليس إلّا في قبال الاغراض الالزاميّة غير المعلومة هذا كلّه بالنسبة إلى عمومات الترخيص فانقدح أنّه لا مانع من شمول عمومات الترخيص لأطراف المعلوم بالاجمال.

ثانيهما هى الأخبار الخاصة التي يستدل بها على جواز ارتكاب أطراف العلم الإجمالي.

منها : صحيحة أبي بصير قال سألت أحدهما عن شراء الخيانة والسرقة قال لا إلّا أن يكون قد اختلط معه غيره فأمّا السرقة بعينها فلا ... الحديث.

بدعوى أنّ مورد السؤال شراء الخيانة والسرقة فالجواب عنه بجواز شرائهما مع الاختلاط بغيره ظاهر في جواز اشتراء جميع أطراف المعلوم بالإجمال.

ويمكن أن يقال : إنّ غاية ما تدل عليه الرواية هو جواز اشتراء شيء من أموال من يكون في أمواله حرام لا شراء جميع أمواله فما يؤخذ من البائع محتمل الحرمة ولا علم بحرمته والعلم بحرمته أو غيره من أموال البائع وإن كان موجودا ولكنّ غير مورد الشراء خارج عن مورد الابتلاء.

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أتى رجل أبي فقال إنّى ورثت مالا وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربو وقد أعرف أنّ فيه ربا وأستيقن ذلك وليس بطيب لى حلاله لحال علمي فيه وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا لا يحل

١٥٦

أكله فقال أبو جعفر عليه‌السلام ان كنت تعلم بأنّ فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك وإن كان مختلطا فكله هنيئا مرئيا فإنّ المال مالك واجتنب ما كان يضح صاحبه الحديث وإلى غير ذلك من الأخبار.

بدعوى أنّ هذه الأخبار تدلّ على أنّ اختلاط الربا المحرم الحلال يوجب حلية جميع الأطراف اجيب عنه بأنّ ظاهر هذه الأخبار ارتفاع الحرمة إذا اختلط الربا بمال حلال في يد المرابى ثم انتقل منه بالإرث إلى وارثه فجميع المال المشتمل على الربا حلال للوارث وماله ويأكله هنيئا مرئيا ولا بأس بأن يكون حكم الحرمة الواقعية مشروطا بشرط فلا محالة ترتفع بفقدان شرطها فلا ربط لهذه الأخبار بما نحن فيه وهى اجنبية عن المقام.

ومنها : موثقة سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أصاب مالا من عمل بنى امية وهو يتصدق به ويصل منه قرابته ويحج ليغفر له ما اكتسب وهو يقول إنّ الحسنات يذهبن السيئات فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إنّ الخطيئة لا تكفر الخطيئة ولكنّ الحسنة تحطّ الخطيئة ثم قال إن كان خلط الحلال بالحرام فاختلط جميعا فلا يعرف الحلال من الحرام فلا بأس.

بدعوى دلالتها على أنّ الاختلاط موجب لجواز التصرف في الجميع.

واجيب عنه بحملها على حرام خاصّ يعذر فيه الجاهل كالربا أو بحملها على ارتكاب البعض مع ابقاء مقدار الحرام ولكنهما لا يساعدان ظاهر الرواية إذ حمله على حرام خاصّ لا شاهد له كما أنّ حمله على ارتكاب البعض ينافي الترخيص الظاهر في التصرف العام في جميع المال نعم ربما تحمل الرواية على ارادة وقوع هذا الاختلاط قبل وصوله إلى يد المتصرف.

ولكنّه مدفوع بأنّ هذا الوجه صحيح بناء على أن يكون النسخة أصاب مالا من عمال بنى امية كما نقله الشيخ الأعظم في فرائده وإلا فالمال مقابل لعمله لهم ويكون حراما إذا وقع في يد الرجل العامل والخلط المفروض فيها خلط هذا الحرام المأخوذ بمال آخر حلال ولا محالة يكون في يد المتصرف نفسه.

١٥٧

ولم نجد في الجوامع الحديثية نسخة عمال بنى امية لأنّ في المستطرفات عن رجل أصاب مالا من أعمال السلطان وفي نسخة الكافي المصححة بتصحيح الشهيد الثانى عن رجل أصاب مالا من عمل بنى امية وفي التهذيب عن رجل أصاب مالا من عمل بنى امية.

ولم ينقل في الوسائل غير ما في نسخة الكافى والتهذيب وعليه فلا موجب لذلك الحمل وأمّا حمل الرواية على أنّ المراد إذا لم يعرف قدر الحرام ولا صاحبه فيجب فيه الخمس ويحل الباقي ففيه أنّه خلاف الظاهر لعدم تقييد سؤال السائل بما إذا لم يعرف قدر الحرام ولم يترتب الإمام عليه‌السلام الترخيص على اخراج الخمس.

نعم الايراد الوارد على الرواية هو أنّها في موردها لم تكن معمولا بها فلا حجة فيها أصلا وفي قبال تلك الروايات عمومها وخصوصها أخبار خاصّة تدل على وجوب الاحتياط التام في أطراف المعلوم بالاجمال ومقتضى القاعدة لو لم تتم الأخبار الخاصة هو تخصيص العمومات بها وعلى فرض تمامية الأخبار الخاصة المتقدمة يقع التعارض تلك الأخبار مع الأخبار الخاصة الآتية الدالة على وجوب الاحتياط التام في أطراف المعلوم بالاجمال وحيث إنّ الرجحان مع الأخبار الخاصة الآتية كانت النتيجة تخصيص العمومات بها أيضا.

واليك الأخبار الخاصة الدالة على وجوب الاحتياط التام في أطراف المعلوم بالاجمال.

منها صحيحة زرارة قال في ضمن أسئلته قلت (في مورد جريان الاستصحاب) فإنّى لم أكن رايت موضعه (أي موضع الدم في ثوبى) وعلمت أنّه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما صليت وجدته قال عليه‌السلام تغسله وتعيد إلى أن قال قلت قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتّى يكون على يقين من طهارتك الحديث.

بدعوى أنّ الأصل الاستصحابيّ لو كان جاريا في جميع الأطراف وصار الحكم الواقعي ساقطا عن الفعلية بسبب جريانه لما كان للأمر بالغسل والإعادة مورد لجريان استصحاب الطهارة في الأطراف المحتملة لأصالة الدم.

١٥٨

نعم تختص هذه الصحيحة بارتكاب جميع الأطراف دفعة وبالشبهة المحصورة التحريمية وعليه فيرفع اليد عن العمومات الدالة على الترخيص في أطراف المعلوم بالاجمال بالنسبة إلى المخالفة القطعية فلا يجوز المخالفة القطعية في الشبهة المحصورة التحريمية.

ومنها : موثقة عمار الساباطى عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدرى أيّهما هو وحضرت الصلاة وليس يقدر على ماء غيرهما قال يهريقهما جميعا ويتيمم ونحوها موثقة سماعة.

بدعوى أنّ في الأمر باراقتهما دلالة على أنّه لا ينتفع بشيء منهما ولو في الشرب وغيره وعليه لزم الاحتياط التام بالنسبة إلى جميع الأطراف ولكنّ تختص هذه الرواية أيضا بالشبهة التحريمية ولو كان خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء موجبا لرفع الاحتياط لأمر الإمام عليه‌السلام باراقة أحد إناءين وحكم بطهارة الآخر.

ومنها : صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال سألته عن المنىّ يصيب الثوب قال إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفى عليك مكانه فاغسله كلّه» مع أنّ الأصل يجرى في كلّ طرف.

ومنها : صحيحة صفوان بن يحيى أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدر أيّهما هو وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع قال يصلى فيهما جميعا قال الصدوق قدس‌سره يعنى على الانفراد.

بتقريب أنّه لو لم يكن الحكم الشرعى هو وجوب الاحتياط في الأطراف لجرت أصالة الطهارة أو استصحابها في كلّ واحد من الثوبين ولاكتفى بصلاة واحدة في واحد منهما ولم يحتج إلى التكرار.

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «في حديث في المنى يصيب الثوب فإن عرفت مكانه فاغسله وإن خفى عليك فاغسله كلّه».

ومنها : ما رواه الشيخ بسندين معتبرين عن على بن اسباط عن غير واحد من أصحابنا

١٥٩

عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال من نسى من صلاة يومه واحدة ولم يدر أىّ صلاة هى صلى ركعتين وثلاثا وأربعا».

ونحوه ما رواه البرقى باسناد معتبر عن الحسين بن سعيد يرفع الحديث قال سئل ابو عبد الله عليه‌السلام «عن رجل نسي من الصلوات لا يدرى أيتها هى قال يصلى ثلاثة واربعة وركعتين فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلى أربعا وإن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى».

فهذه الطائفة من الأخبار تدل على وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة الوجوبية من قضاء الصلوات.

وبالجملة إنّ الأخبار الخاصة تدلّ على وجوب الاحتياط في أطراف المعلوم بالاجمال في الشبهات المحصورة من الوجوبية والتحريمة.

ومقتضى الجمع بينها وبين العمومات الدالة على الترخيص هو رفع اليد عنها بهذه الأخبار.

نعم أنّ مورد هذه النصوص الخاصة هو شبهة القليل في القليل في الشبهات التحريمة الفعلية غير التدريجية أو الوجوبية العبادية فالتعدى عن مورد هذه النصوص إلى مطلق موارد المعلوم بالاجمال ولو كانت شبهة القليل في الكثير أو الكثير في الكثير أو من الامور التدريجية أو من الامور غير العبادية مشكل بل يقتصر على مورد هذه الأخبار ويرجع في غيرها إلى عمومات الحليّة والاباحة.

ولذا يمكن القول برفع اليد عن تأثير العلم الإجمالي في من شك في وصوله إلى حد الترخص وعدمه عند الشروع في السفر فصلّى تماما عند خروجه عن البلد وشك في وصوله إلى حد الترخص عند رجوعه من السفر إلى البلد فصلّى قصرا فإنّه وإن علم ببطلان إحدى صلاتيه ولكنّ أمكن له التمسك بالعمومات الدالة على رفع التكليف أو بعموم أدلّة الاستصحاب خارجا وراجعا لاختصاص الأدلّة الخاصة الدالّة على وجوب الاحتياط

١٦٠