حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي


المحقق: محمد عبدالسلام شاهين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٨

(لَارْتابَ) شكّ (الْمُبْطِلُونَ) (٤٨) اليهود فيك وقالوا الذي في التوراة أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب (بَلْ هُوَ) أي القرآن الذي جئت به (آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي المؤمنون يحفظونه (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (٤٩) أي اليهود وجحدوها بعد ظهورها لهم (وَقالُوا) أي كفار مكة (لَوْ لا) هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ) أي محمد (آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) وفي قراءة آيات كناقة صالح ، وعصا موسى ، ومائدة عيسى (قُلْ) لهم (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) ينزلها كيف يشاء (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥٠) مظهر إنذاري بالنار أهل المعصية (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) فيما طلبوا (أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) القرآن (يُتْلى عَلَيْهِمْ) فهو آية مستمرة لا انقضاء لها ، بخلاف ما ذكر من الآيات (إِنَّ فِي ذلِكَ) الكتاب (لَرَحْمَةً وَذِكْرى) عظة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥١) (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) بصدقي (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ومنه حالي وحالكم (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) وهو ما يعبد من دون الله (وَكَفَرُوا بِاللهِ) منكم (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٥٢) في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) له (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) عاجلا

____________________________________

للبشر ، كأن الله يقول لأهل الكتاب : أنتم لا عذر لكم في إنكار القرآن ، ولا في تكذيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن من جملة صفاته في كتبهم ، أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب ، ووجد بهذه الصفة ، فلو فرض أنه كان يكتب أو يقرأ ، لحصل لكم الشك في نبوته ، وفي القرآن ، لوجوده على خلاف الصفة التي في كتبهم. قوله : (مِنْ كِتابٍ) مفعول (تَتْلُوا) و (مِنْ) زائدة. قوله : (أي لو كنت قارئا كاتبا) لف ونشر مرتب. قوله : (اليهود) لا مفهوم له. قوله : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ) إضراب عما تقدم من الارتياب. قوله : (أي المؤمنين يحفظونه) أي لفظا ومعنى لما ورد : «وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم أي كالأناجيل» ، والمعنى أن القرآن محفوظ في صدورهم وثابت فيها ، كما كان كتاب النصارى ثابتا في أناجيلهم. قوله : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) أي القرآن. قوله : (اليهود) تقدم ما فيه. قوله : (وفي قراءة آيات) أي وهما سبعيتان. قوله : (ينزلها كيف يشاء) أي على ما يريد ، ولا دخل لأحد في ذلك لأن المعجزة أمر خارق للعادة يأتي بفضل الله.

قوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) الهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة عليه ، التقدير أجهلوا ولم يكفهم الخ ، والاستفهام للتوبيخ. قوله : (أَنَّا أَنْزَلْنا) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل يكف ، والتقدير أو لم يكفهم إنزالنا. قوله : (مستمرة لا انقضاء لها) أخذ ذلك من قوله : (يُتْلى عَلَيْهِمْ). قوله : (بخلاف) ما ذكر من الآيات) أي فانقضت بموت الرسل. قوله : (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) خصوا بالذكر لأنهم هم المنتفعون بذلك. قوله : (ومنه حالي وحالكم) أي من جملة ما في السماوات والأرض. قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) أي خضعوا له وعبدوه. قوله : (حيث اشتروا الكفر بالإيمان) أي أخذوا الكفر وتركوا الإيمان. قوله : (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) (له) أي للعذاب. قوله : (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) أي كوقعة بدر ، فإنها أتتهم على حين غفلة. قوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي لا يظنون أن العذاب يأتيهم أصلا.

١٨١

(وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٣) بوقت إتيانه (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) في الدنيا (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٥٤) (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ) فيه بالنون أي نأمر بالقول ، وبالياء أي يقول الموكل بالعذاب (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٥) أي جزاءه فلا تفوتونا (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (٥٦) في أي أرض تيسرت فيها العبادة ، بأن تهاجروا إليها من أرض لم تتيسر فيها. نزل في ضعفاء مسلمي مكة كانوا في ضيق من أظهار الإسلام بها (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٥٧) بالتاء والياء بعد البعث (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) ننزلهم وفي قراءة بالمثلثة بعد النون من الثواء

____________________________________

قوله) (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) تعجب من قلة فطنتهم ومن تعنتهم ، والمعنى : كيف يستعجلون العذاب ، والحال أن جهنم محيطة بهم يوم القيامة لا مفر لهم منها؟ قوله : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ) ظرف لقوله محيطة ، والمعنى على الاستقبال ، أي ستحيط بهم في ذلك اليوم. قوله : (مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) تفسير للاحاطة وهو بمعنى قوله تعالى : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ). قوله : (أي نأمر بالقول) إنما أوله جمعا بين ما هنا ، وبين قوله في الأخرى (لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ). قوله : (أي جزاءه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف.

قوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب لفقراء الصحابة الذين كانوا يخافون من إظهار الإسلام في مكة كما قال المفسر ، والإضافة لتشريف المضاف. قوله : (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) إياي منصوب بفعل محذوف دل عليه المذكور. قوله : (كانوا في ضيق) الخ ، أي فوسع الله لهم الأمر ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فمن تعسرت عليه العبادة في بلده ، فعليه أن يهاجر منها لبلد تتيسر له فيها لقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فالمهم العبادة في أي مكان تيسر ، ولا يعول على مكان في الدنيا ، لأنها دار ممر لا مقر ، والمار في طريق لا يعول على مسكن ولا قرار في طريقه.

قوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أي لا تقيموا بدار الشرك خوفا من الموت فإن (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) فالحكمة في تخويفهم من الموت ، كون مفارقة الأوطان تهون عليهم ، فإن من أيقن بالموت هان عليه كل شيء في الدنيا. قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) لما ذكر أحوال الكفار ، وما آل اليه أمرهم ، أتبعه بذكر أحوال المؤمنين ، وما آل اليه أمرهم. قوله : (وفي قراءة بالمثلثة) أي الساكنة بعد النون ، وبعدها واو مكسورة ثم ياء مفتوحة ، و (غرفا) على هذه القراءة ، إما منصوب بنزع الخافض كما قال المفسر ، أو مفعول به بتضمين مثوى معنى نزل فيتعدى لاثنين. قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي الغرف. قوله : (مقدرين الخلود) (فِيها) أشار بذلك إلى أن قوله : (خالِدِينَ فِيها) حال مقدرة ، أي أنهم حين الدخول يقدرون الخلود لأنه أتم في النعيم ، لسماعهم النداء من قبل الله : يا أهل الجنة خلود بلا موت. قوله : (هذا الأجر) أشار بذلك إلى أن المخصوص بالمدح محذوف. قوله : (الَّذِينَ صَبَرُوا) نعت للعالمين ، أو خبر لمحذوف كما قال المفسر. قوله : (لإظهار الدين) متعلق بالهجرة. قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) سبب نزولها : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أمر المؤمنين بالهجرة قالوا : كيف نخرج إلى المدينة ، وليس بها دار ولا مال ، فمن يطعمنا بها ويسقينا. وقوله : (لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) أي

١٨٢

الإقامة وتعديته إلى غرفا بحذف في (مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ) مقدرين الخلود (فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٥٨) هذا الأجرهم (الَّذِينَ صَبَرُوا) أي على أذى المشركين والهجرة لإظهار الدين (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٥٩) فيرزقهم من حيث لا يحتسبون (وَكَأَيِّنْ) كم (مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) لضعفها (اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) أيها المهاجرون وإن لم يكن معكم زاد ولا نفقة (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالكم (الْعَلِيمُ) (٦٠) بضمائركم (وَلَئِنْ) لام قسم (سَأَلْتَهُمْ) أي الكفار (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٦١) يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) امتحانا (وَيَقْدِرُ) يضيق (لَهُ) بعد البسط ، أي لمن يشاء ابتلاء (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٦٢) ومنه محل البسط والتضييق (وَلَئِنْ) لام القسم (سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ) فكيف يشركون به (قُلِ) لهم (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ثبوت الحجة عليكم (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٦٣) تناقضهم في ذلك (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) وأما القرب فمن أمور الآخرة لظهور ثمرتها فيها (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) بمعنى الحياة (لَوْ

____________________________________

لا تدخره لغد كالبهائم والطير ، قال سفيان بن عيينة : ليس شيء من الخلق يخبأ إلا الإنسان والفأرة والنملة. قوله : (اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) أي فلا فرق بين الحريص والمتوكل والضعيف والقوي في أمر الرزق ، بل ذلك بتقدير الله سبحانه وتعالى ، قال الله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) فينبغي للإنسان أن يفوض أمر الرزق له تعالى ، ولا ينافي هذا أخذه في الأسباب ، لأن الله تعالى أوجد الأشياء عند أسبابها لا بها ، فالأسباب لا تنكر ، ومن أنكرها فقد ضل وخسر. قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي كفار مكة. قوله : (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الخ ، أتى في جانب السماوات والأرض بالخلق ، وفي جانب الشمس والقمر بالتسخير ، إشارة إلى أن الحكمة في خلقهما التسخير الذي ينشأ عنه الليل والنهار ، اللذان بهما قوام العالم بخلاف السماوات والأرض ، فالنفع في مجرد خلقهما. قوله : (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) الاستفهام للتوبيخ. قوله : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) أي فلا تركن لغيره ، فليس مالكا لضر ولا نفع. قوله : (فَأَحْيا بِهِ) أي النبات الناشىء عن الماء. قوله : (مِنْ بَعْدِ مَوْتِها) أي جدبها وقحط أهلها. قوله : (فكيف يشركون به) أي بعد إقرارهم. قوله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) أي والأقل يعقل ، ومن عقل منهم اهتدى وآمن. قوله : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا) أشار بذلك إلى أن الدنيا حقيرة لا تزن جناح بعوضة ، فينبغي للعاقل التجافي عنها ، ويأخذ منها بقدر ما يوصله للآخرة ، قال بعض العارفين :

تأمل في الوجود بعين فكر

ترى الدنيا الدنية كالخيال

ومن فيها جميعا سوف يفنى

ويبقى وجه ربك ذو الجلال

قوله : (إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) اللهو الاشتغال بما فيه نفع عاجل ، واللعب الاشتغال بما لا نفع فيه

١٨٣

كانُوا يَعْلَمُونَ) (٦٤) ذلك ما آثروا الدنيا عليها (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي الدعاء ، أي لا يدعون معه غيره لأنهم في شدة لا يكشفها إلا هو (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (٦٥) به (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) من النعمة (وَلِيَتَمَتَّعُوا) باجتماعهم على عبادة الأصنام ، وفي قراءة بسكون اللام أمر تهديد (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٦٦) عاقبة ذلك (أَوَلَمْ يَرَوْا) يعلموا (أَنَّا جَعَلْنا) بلدهم مكة (حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) قتلا وسبيا دونهم (أَفَبِالْباطِلِ) الصنم (يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) (٦٧) بإشراكهم (وَمَنْ) أي لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن أشرك به (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ) النبي أو الكتاب (لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) مأوى (لِلْكافِرِينَ) (٦٨) أي فيها ذلك وهو منهم (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) في حقنا (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي طرق السير إلينا (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٦٩) المؤمنين بالنصر والعون.

____________________________________

أصلا. قوله : (وأما القرب) أي كالتوحيد والذكر والعبادة. قوله : (بمعنى الحياة) أي الدائمة الخالدة التي لا زوال فيها. قوله : (ما آثروا الدنيا عليها) جواب لو ، أي ما قدموا لذة الدنيا على الآخرة. قوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) الخ ، أي وذلك لأن الكفار كانوا إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام ، فإذا اشتدت الريح ، ألقوها في البحر وقالوا : يا رب يا رب ، ودعوا الله مخلصين حالة الكرب. قوله : (إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) جواب لما ، والمعنى عادوا إلى شركهم لأجل كفرهم بما أعطاهم الله ، وتلذذهم بأعراض الدنيا ، فلم يقابلوا النعم بالشكر بخلاف المؤمنين. قوله : (لِيَكْفُرُوا) اللام لام العاقبة والصيرورة ، وقوله : (وَلِيَتَمَتَّعُوا) عطف عليه. قوله : (وفي قراءة بسكون اللام) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أمر تهديد) أي في الفعلين ، بدليل الوعيد المرتب عليهما بقوله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) فالحاصل أنه إذا سكنت اللام في الثاني ، تعين كونها للأمر في الفعلين ، وإن لم تسكن كانت في الفعلين للعاقبة والصيرورة.

قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) الهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة عليه ، والتقدير أعموا ولم يروا ، الخ. قوله : (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ) الجملة حالية على تقدير المبتدأ ، أي وهم يتخطف ، الخ. قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) قال المفسرون : إن هذه الآية نزلت قبل الأمر بالجهاد لكونها مكية ، وحينئذ فالمراد بالجهاد فيها جهاد النفس ، قال الحسن : الجهاد مخالفة الهوى ، وقال الفضيل بن عياض : والذين جاهدوا في طلب العلم ، لنهدينهم سبل العمل به ، وقال سهل بن عبد الله : والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. وقيل : الذين جاهدوا فيما علموا ، لنهدينّهم إلى ما لم يعلموا ، لما في الحديث : «من عمل بما علم علمه الله علم ما لم يعلم» ، قوله : (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي طرق الموصول إلى مرضاتنا ، فالطريق هي العمل بالأحكام الشرعية ، وثمرتها الحقيقة وهي العلوم والمعارف المشار اليها بقوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً). قوله : (لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) فيه إقامة الظاهر مقام المضمر ، لإظهار شرفهم بوصف الإحسان ، والمعنى وإن الله لمعهم بالعون والنصر والمحبة ، فهي معية خاصة ، واليها الاشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديث القدسي : «فإذا أجبته كنت سمعه الذي يسمع به» الحديث.

١٨٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الرّوم

مكيّة

وهي ستون أو تسع وخمسون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم) (١) الله أعلم بمراده بذلك (غُلِبَتِ الرُّومُ) (٢) وهم أهل كتاب ، غلبتها فارس وليسوا أهل كتاب بل يعبدون الأوثان ، ففرح كفار مكة بذلك وقالوا

____________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الروم

مكية وهي ستون أو تسع وخمسون آية

مبتدأ ، و (ستون) خبر أول ، و (مكية) خبر ثان ، وظاهر المفسر أن كلها مكي ، وقيل إلا قوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) الآية. قوله : (الله أعلم بمراده بذلك) تقدم أن هذا أصح التفاسير. قوله : (غُلِبَتِ الرُّومُ الرُّومُ) اسم قبيلة سميت باسم جدها ، وهو روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم ، وسمي عيصو لأنه كان مع يعقوب في بطن ، فعند خروجهما تزاحما ، وأراد كل منهما أن يخرج قبل الآخر ، فقال عيصو ليعقوب : إن لم أخرج قبلك ، وإلا خرجت من جنبها ، فتأخر يعقوب شفقة منه ، فلهذا كان أبا الأنبياء ، وعيصو أبا الجبارين ، وسبب نزول هذه الآية ، أنه كان بين فارس والروم قتال ، وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم ، لأن فارس كانوا مجوسا أميين ، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس لكونهم أهل كتاب ، فبعث كسرى جيشا إلى الروم ، واستعمل عليهم رجلا يقال له شهر يزان ، وبعث قيصر جيشا ، وأمر عليهم رجلا يدعى بخنس ، فالتقيا بأذرعات وبصرى ، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم ، فغلبت فارس الروم ، فبلغ ذلك المسلمين بمكة ، فشق عليهم ، وفرح به كفار مكة وقالوا للمسلمين : إنكم أهل كتاب ، والنصارى أهل كتاب ، ونحن أميون ، وفارس أميون ، وقد

١٨٥

للمسلمين : نحن نغلبكم كما غلبت فارس الروم (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) أي أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة ، التقى فيها الجيشان ، والبادىء بالغزو الفرس (وَهُمْ) أي الروم (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) أضيف المصدر إلى المفعول ، أي غلبة فارس إياهم (سَيَغْلِبُونَ) (٣) فارس (فِي بِضْعِ سِنِينَ) هو ما بين الثلاث إلى التسع أو العشر ، فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء

____________________________________

ظهر اخواننا من أهل فارس على اخوانكم من الروم ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم ، فأنزل الله هذه الآيات ، فخرج أبو بكر الصديق إلى كفار مكة فقال : فرحتم بظهور إخوانكم فلا تفرحوا ، فو الله لتظهرن الروم على فارس ، أخبرنا بذلك نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقام إليه أبي بن خلف الجمحي ، وقال : كذبت ، فقال له الصديق : أنت أكذب يا عدو الله ، فقال : اجعل أجلا أنا حبك ، أي أقامرك وأراهنك عليه ، فراهنه على عشر قلائص منه ، وعشر قلائص من الآخر فقال أبي : إن ظهرت الروم على فارس غرمت ذلك ، وإن ظهرت فارس على الروم غرمت لي ، ففعلوا ، وجعلوا الأجل ثلاث سنين ، فجاء أبو بكر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره بذلك ، وكان ذلك قبل تحريم القمار ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، فزايده في الخطر ، ومادده في الأجل ، فخرج أبو بكر فلقي أبيا فقال : لعلك ندمت؟ فقال : لا ، قال : فتعال أزايدك في الخطر ، وأماددك في الأجل ، فأجعلها مائة قلوص ، ومائة قلوص إلى تسع سنين ، وقيل إلى سبع سنين ، فقال : قد علمت ، فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة ، أتاه ولزمه وقال : إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلا ، فكفله ابنه عبد الله بن أبي بكر ، فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد ، أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه وقال : لا والله ، لا ادعك حتى تعطيني كفيلا ، فأعطاه كفيلا ثم خرج إلى أحد ، ثم رجع أبي بن خلف إلى مكة ومات بها من جراحته التي جرحه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إياها حين بارزه ، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية ، وذلك على رأس سبع سنين من مناحبتهم ، وقيل يوم بدر ، وربطت الروم خيولهم بالمدائن ، وبنوا بالعراق مدينة وسموها رومية ، فأخذ أبو بكر مال الخطر من ورثته وجاء به إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك قبل أن يحرم القمار ، فقال له النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم : تصدق به. قوله : (وهم من أهل كتاب) أي نصارى ، فنصرتهم علامة على نصرة النبي وأصحابه ، وقوله : (وليسوا أهل الكتاب) أي بل هم مجوس ، فنصرتهم علامة على نصر كفار مكة ، فكل حزب بما لديهم فرحون. قوله : (بل يعبدون الأوثان) أي التي من جملتها النار. قوله : (وقالوا للمسلمين) الخ ، هذا هو حكمة ذكر تلك الواقعة. قوله : (أقرب أرض الروم) أي فأدنى أفعل تفضيل ، وأل عوض عن المضاف اليه. قوله : (بالجزيرة) المراد بها ما بين دجلة والفرات ، وليس المراد بها جزيرة العرب.

قوله : (وَهُمْ) مبتدأ ، وجملة (سَيَغْلِبُونَ) خبره. قوله : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) متعلق بيغلبون وهو على حذف مضاف ، أي في انتهاء بضع سنين ، وأبهم البضع لإدخال الرعب والخوف عليهم في كل وقت. قوله : (فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول) أي يوم بدر ، وإن كانت الواقعة الأولى قبل الهجرة بخمس سنين ، أو يوم الحديبية إن كانت الأولى قبل الهجرة بسنة ، والمراد بالجيشين جيش كسرى

١٨٦

الأول ، وغلبت الروم فارس (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أي من قبل غلب الروم ومن بعده ، المعنى أن غلبة فارس أولا وغلبة الروم ثانيا ، بأمر الله أي إرادته (وَيَوْمَئِذٍ) أي يوم تغلب الروم (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (٤) (بِنَصْرِ اللهِ) إياهم على فارس ، وقد فرحوا بذلك وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر بنزول جبريل بذلك فيه ، مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب (الرَّحِيمُ) (٥) بالمؤمنين (وَعْدَ اللهِ) مصدر بدل من اللفظ بفعله ، والأصل وعدهم الله النصر (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) به (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أي كفار مكة (لا يَعْلَمُونَ) (٦) وعده تعالى بنصرهم (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي معايشها من التجارة والزراعة والبناء والغراس وغير ذلك (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٧) إعادة هم تأكيد (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) ليرجعوا عن غفلتهم (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ

____________________________________

وجيش قيصر ملك الروم ، فأقبل في خمسمائة ألف رومي إلى الفرس وغلبوهم ، ومات كسرى ملك الفرس. قوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ) أي لا لغيره. قوله : (مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) القراءة المشهورة ببناء (قَبْلُ) و (بَعْدُ) على الضم لحذف المضاف اليه ونية معناه. قوله : (أي من قبل غلب الروم) أي من قبل كونهم غالبين ، وقوله : (ومن بعده) أي من بعد كونهم مغلوبين. قوله : (المعنى أن غلبة فارس) الخ ، جواب عما يقال : ما فائدة قوله : (غَلَبِهِمْ) بعد قوله : (غُلِبَتِ الرُّومُ)؟ وحاصل الجواب : أن فائدته إظهار أن ذلك بأمر الله ، لأن شأن من غلب بعد كونه مغلوبا أن يكون ضعيفا ، فلو كانت الغلبة بحولهم وقوتهم لما غلبوا أولا. قوله : (أي يوم تغلب الروم) أشار بذلك إلى أن تنوين (يَوْمَئِذٍ) عوض عن جملة.

قوله : (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) أي فاستبشر المؤمنون بنصر الروم على فارس ؛ وعلموا أن الغلبة لهم على كفار مكة. قوله : (يوم بدر) هذا أحد قولين ، وهو مبني على أن الواقعة الأولى كانت قبل الهجرة بخمس سنين ، وقيل يوم الحديبية ، بناء على أن الأولى قبل الهجرة بسنة. قوله : (مصدر) أي مؤكد لمضمون الجملة التي تقدمت ، وعامله محذوف أي وعدهم الله وعدا. قوله : (به) أي النصر. قوله : (لا يَعْلَمُونَ) أي لجهلهم وعدم تفكرهم واعتبارهم. قوله : (يَعْلَمُونَ) أي الأكثر. قوله : (ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي وإما باطنا منها ، وهو كونها مجازا إلى الآخرة ، يتزود فيها بالأعمال الصالحة فليس لهم به علم. قوله : (إعادة) أي لفظ (هم).

قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) الهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة عليه ، والتقدير اعموا ولم يتفكروا. قوله : (إِلَّا بِالْحَقِ) أي بالحكمة لا عبثا. قوله : (تفنى عند انتهائه) أي تنعدم السماوات والأرض وما بينهما عند انقضاء ذلك الأجل. قوله : (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) متعلق بكافرون ، واللام غير مانعة من ذلك لوقوعها في غير محلها وهو خبر (إِنَ). قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) الهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة عليه ، والتقدير : اقعدوا ولم يسيروا؟ والاستفهام للتوبيخ ، والجملة معطوفة على جملة (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) عطف سبب على مسبب ، لأن السير سبب للتفكر. قوله : (وَأَثارُوا الْأَرْضَ)

١٨٧

وَأَجَلٍ مُسَمًّى) لذلك تفنى عند انتهائه وبعد البعث (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) أي كفار مكة (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) (٨) أي لا يؤمنون بالبعث بعد الموت (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم وهي إهلاكهم بتكذيبهم رسلهم (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) كعاد وثمود (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) حرثوها وقلبوها للزرع والغرس (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) أي كفار مكة (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالحجج الظاهرات (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بإهلاكهم بغير جرم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٩) بتكذيبهم رسلهم (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) تأنيث الأسوأ الأقبح ، خبر كان على رفع عاقبة ، واسم كان على نصب عاقبة ، والمراد بها جهنم وإساءتهم (أَنْ) أي بأن (كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) القرآن (وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) (١٠) (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) أي ينشىء خلق الناس (ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي خلقهم بعد موتهم (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (١١) بالياء والتاء (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) (١٢) يسكت المشركون لانقطاع حجتهم (وَلَمْ يَكُنْ) أي لا يكون (لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ) ممن أشركوهم بالله وهم الأصنام ليشفعوا لهم (شُفَعاءُ وَكانُوا) أي يكونون (بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) (١٣) أي متبرئين منهم (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ)

____________________________________

بالقصر لعامة القراء وقرىء شذوذا ، وآثار بألف بعد الهمزة. قوله : (أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) نعت لمصدر محذوف ، أي عمارة أكثر من عمارتهم.

قوله : (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي فلم يذعنوا لها ، بل كذبوا بها. قوله : (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) أي يعاملهم معاملة ملك ظالم جبار ، بل معاملة ملك عدل رحيم ، وعلى فرض أخذهم من غير جرم لا يكون ظالما ، إذ لا مشارك له في خلقه ، ولكن من فضله تعالى ألزم نفسه ما لا يلزمه قوله : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) بيان لعاقبة أمرهم إثر بيان حالهم في الدنيا. قوله : (خبر كان على رفع عاقبة) أي و (عاقِبَةَ) اسمها ، وهي مضافة للموصول ، و (أَساؤُا) صلته ، و (السُّواى) صفة لموصوف محذوف ، أي المجازاة السوآى وهي جهنم خبر (كانَ) ، وقوله : (واسم كان على نصب عاقبة) أي فالسوآى اسم (كانَ) مؤخر ، و (عاقِبَةَ) خبر (كانَ) مقدم ، وعلى كل فقوله : (أَنْ كَذَّبُوا) خبر لمحذوف تقديره وإساءتهم أن كذبوا ، فهي جملة مستأنفة بيان لصلة الموصول ، فيصح الوقف على السوآى ، وهذا ما اختاره المفسر من أوجه شتى وهو أنورها ، وذكر الفعل لأن الاسم كان على كل مجازي التأنيث. قوله : (والمراد بها) أي السوآى قوله : (أي بأن) (كَذَّبُوا) أشار بذلك إلى أن الكلام على تقدير الباء وهي للسببية.

قوله : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) عبر بالمضارع إشارة إلى أن البدء متجدد شيئا فشيئا ما دامت الدنيا. قوله : (أي ينشىء خلق الناس) أي يظهرهم من العدم. قوله : (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) أي وهو يوم الإعادة. قوله : (يسكت المشركون) أي عن جواب يدفع عنهم العذاب. قوله : (أي لا يكون) أشار بذلك إلى أن الماضي بمعنى المضارع ، لأن المنفي بلم ماضي المعنى.

١٨٨

تأكيد (يَتَفَرَّقُونَ) (١٤) أي المؤمنون والكافرون (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ) جنة (يُحْبَرُونَ) (١٥) يسرّون (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) القرآن (وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) البعث وغيره (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) (١٦) (فَسُبْحانَ اللهِ) أي سبحوا الله بمعنى صلّوا (حِينَ تُمْسُونَ) أي تدخلون في المساء ، وفيه صلاتان : المغرب والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (١٧) تدخلون في الصباح ، وفيه صلاة الصبح (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) اعتراض ومعناه يحمده أهلهما (وَعَشِيًّا) عطف على حين ، وفيه صلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) (١٨) تدخلون في الظهيرة ، وفيه صلاة الظهر (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كالإنسان من النطفة ، والطائر من البيضة (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ) النطفة والبيضة (مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ) بالنبات (بَعْدَ مَوْتِها) أي يبسها (وَكَذلِكَ) الإخراج (تُخْرَجُونَ) (١٩) من القبور بالبناء للفاعل والمفعول (وَمِنْ آياتِهِ) تعالى الدالة على قدرته (أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) أي أصلكم آدم (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ) من دم ولحم

____________________________________

قوله : (بِشُرَكائِهِمْ) متعلق بكافرين. قوله : (تأكيد) أي لفظي. قوله : (أي المؤمنون والكافرون) أخذ هذا التعميم من قوله أولا ، (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ). قوله : (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ) الروضة كل أرض ذات نبات وماء ورونق ونضارة. قوله : (يُحْبَرُونَ) أي يكرمون وينعمون بما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. روي أن في الجنة أشجارا عليها أجراس من فضة ، فإذا أراد أهل الجنة السماع ، بعث الله ريحا من تحت العرش ، فتقع في تلك الأشجار ، فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا. قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) مقابل قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) قوله : (وغيره) أي كالجنة والنار. قوله : (مُحْضَرُونَ) أي حاضرون.

قوله : (فَسُبْحانَ اللهِ) الخ ، وجه مناسبة هذه الآية لما قبلها ، أنه لما ذكر أولا أنه يبدأ الخلق ويعيده ، وأن الخلق يكونون فريقين ، فريق في الجنة وفريق في السعير ، ذكر هنا أنه منزه عن النقائص ، إشارة إلى أن تسبيحه وتحميده ، وسيلتان للنجاة من العذاب وحلول دار الثواب. قوله : (بمعنى صلوا) إنما فسر التسبيح بالصلاة ، لأن التنزيه يكون باللسان والجنان والأركان ، ولا شيء أجمع لذلك كله من الصلاة. قوله : (أي تدخلون في المساء) أشار بذلك إلى أن (تُمْسُونَ) و (تُصْبِحُونَ) فعلان تامان. قوله : (وفيه صلاتان) الخ ، أشار بذلك إلى أن هذه الآية جمعت الصلوات الخمس ، وخصها بالذكر دون سائر العبادات ، لأنها عماد الدين ، من أقامها فقد أقام الدين. قوله : (اعتراض) أي بين المعطوف والمعطوف عليه. والحكمة في ذلك ، الإشارة إلى أن التوفيق للعبادة نعمة ينبغي أن يحمد عليها. قوله : (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) أي فالقادر على إخراج الحي من الميت وعكسه ، وإحياء الأرض قادر على إحياء الخلق بعد موتهم ، ففي ذلك ردّ على منكري البعث. قوله : (للفاعل والمفعول) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) شروع في ذكر جملة من الآيات الدالة على وحدانيته سبحانه وتعالى ، وذكر لفظ من آيات ست مرات تنتهي عند قوله (إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) وابتدأها بذكر خلق الإنسان ، ثم بخلق العالم علويا وسفليا ، إشارة إلى أن الإنسان هو المنتفع بها. والحكمة في ذكر تلك الآيات ليهتدي بها

١٨٩

(تَنْتَشِرُونَ) (٢٠) في الأرض (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) تخلقت حوّاء من ضلع آدم وسائر النساء من نطف الرجال والنساء (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) وتألفوها (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ) جميعا (مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢١) في صنع الله تعالى (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) أي لغاتكم من عربية وعجمية وغيرها (وَأَلْوانِكُمْ) من بياض وسواد وغيرهما ، وأنتم أولاد رجل واحد وامرأة واحدة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) دلالات على قدرته تعالى (لِلْعالِمِينَ) (٢٢) بفتح اللام وكسرها أي ذوي العقول وأولي

____________________________________

من أراد الله هدايته ، وتقوم الحجة على من لم يهتد. قوله : (أي أصلكم آدم) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، ويصح أن يبقى الكلام على ظاهره ، لأن النطفة ناشئة من الغذاء ، وهو ناشىء من التراب. قوله : (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ) عبر بثم إشارة إلى تراخي أطواره ، لكونه أولا نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى آخر أطواره ، وأتى بعدها بإذا الفجائية ، إشارة إلى أنه لم يفصل بين تلك الأطوار وبين البشرية فاصل ، وإن كان الكثير الإتيان بها بعد الفاء. قوله : (أَزْواجاً) أي زوجات. قوله : (من ضلع آدم) أي الأيسر القصير وهو نائم ، فلما استيقظ ورآها مال إليها ، فقالت له الملائكة : مه يا آدم حتى تؤدي مهرها ، فقال : وما مهرها؟ فقيل له : أن تصلي على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قوله : (وسائر النساء) أي باقيهن. قوله : (مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) قيل المراد بالمودة الجماع ، والرحمة الولد ، وقيل المودة المحبة ، والرحمة الشفقة ، فإذا تخلف هذا الأمر ، بأن لم توجد بينهما محبة ولا مودة ، فالمناسب المفارقة. قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر من خلقهم من تراب ، وخلق أزواجهم من أنفسهم ، وإلقاء المودة والرحمة بينهم. قوله : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي يتأملون في تلك الأشياء ، ليحصل لهم الاعتبار وزيادة الإيمان ، سيما إذا تأمل في خلق الله إياه من نطفة ، ثم جعله بشرا سويا ، ثم جعل له زوجة من جنسه ، ولم تكن جنية ولا بهيمية ، وأسكن بينهما المحبة والشفقة ، فإذا أراد جماعها زينها له ، وجعل بينهما اللذة ، فإذا نزلت النطفة منه ، جعلها راحة له ، وخلق منها بشرا سويا ، وغير ذلك من أنواع التفكرات ، فإذا تأمل الانسان في ذلك ، كان سببا في زيادة معارفه وأدبه مع ربه ، ولذا قال بعض العارفين : لذة الجماع ربما كانت من أبواب الوصول إلى الله تعالى ، ومنه ما روي : «حبب إلي من دنياكم ثلاث : النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة». قوله : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي إنشاؤهما من العدم إلى الوجود. قوله : (أي لغاتكم) أي بأن خلق فيكم علما ضروريا ، تفهمون به لغاتكم ولغات بعضكم على اختلافها. قوله : (وَأَلْوانِكُمْ) أي فجعلكم ألوانا مختلفة ، منكم الأبيض والأسود والمتوسط ، وغاير بين أشكالكم ، حتى إن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما يختلفان في شيء من ذلك ، وإن كانا في غاية التشابه ، وإنما قرن هذا بخلق السماوات والأرض ، وإن كان من جملة خلق الإنسان ، إشارة إلى أنه آية مستقلة دالة على وحدانية الصانع. قوله : (بفتح اللام وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أي ذوي العقول وأولي العلم) أي وهم أهل المعرفة الذين لا تحجبهم المصنوعات عن صانعها ، بل يشهدون الصانع في المصنوعات ، قال العارف :

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه الواحد

١٩٠

العلم (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) بإرادته راحة لكم (وَابْتِغاؤُكُمْ) بالنهار (مِنْ فَضْلِهِ) أي تصرفكم في طلب المعيشة بإرادته (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٢٣) سماع تدبر واعتبار (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ) أي إراءتكم (الْبَرْقَ خَوْفاً) للمسافر من الصواعق (وَطَمَعاً) للمقيم في المطر (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي يبسها بأن تنبت (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٤) يتدبرون (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) بإرادته من غير عمد (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ) بأن ينفخ إسرافيل في الصور للبعث من القبور (إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (٢٥) منها أحياء فخروجكم منها بدعوة من آياته تعالى (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وخلقا وعبيدا (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (٢٦) مطيعون (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) للناس (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد هلاكهم (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) من البدء بالنظر إلى ما عند المخاطبين من أن إعادة الشيء أسهل من ابتدائه ، وإلا فهما عند الله تعالى سواء في السهولة (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ

____________________________________

قوله : (مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) قيل في الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، حذف حرف الجر لاتصاله بالليل ، والأحسن أن يبقى على حاله ، والنوم بالنهار من جملة النعم ، لا سيما أوقات القيلولة في البلاد الحارة. قوله : (بإرادته) أي فلا قدرة لأحد على اجتلابه. قوله : (راحة لكم) أي من آثار التعب الحاصل لكم. قوله : (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) غاير بين رؤوس الآي تفننا ، فإن أهل العقل هم أهل الكفر والسمع.

قوله : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) الجار والمجرور خبر مقدم ، و (يُرِيكُمُ) مؤول بمصدر مبتدأ مؤخر ، وحذفت أن من الفعل لدلالة ما قبله وما بعده عليه ، وهكذا يقال فيما تقدم وما يأتي. قوله : (أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) أي تثبت وتستقر. قوله : (من غير عمد) بفتحتين اسم جمع لعمود وقيل جمع له ، أو ضمتين جمع عمود كرسل ورسول. قوله : (مِنَ الْأَرْضِ) متعلق بدعاكم. قوله : (في الصور) أي نفخة البعث فتخرج منه الأرواح إلى أجسادها ، لأن فيه طاقات بعدد الأرواح ، فتجتمع فيه ثم تخرج بالنفخة دفعة واحدة ، فلا تخطىء روح جسدها. قوله : (إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) عبر في ابتداء خلق الإنسان بثم حيث قال : ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ، وتركها هنا لأنه من ابتداء الخلق تحصل المهلة والتراخي ، لكونه على أطوار مختلفة ، بخلاف الإعادة فلا تدريج فيها ، بل يحصل دفعة واحدة. قوله : (مطيعون) أي لأفعاله طاعة انقياد لا طاعة عبادة ؛ وقيل المعنى قائمون للحساب ، وقيل مقرون بالعبودية إما باللسان أو الحال. قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) الضمير عائد على الاعادة المفهومة من قوله : (يُعِيدُهُ) وذكر الضمير مراعاة للخبر. قوله : (بالنظر إلى ما عند المخاطبين) أي فهو مبني على ما يقتضيه عقولهم ، لأن من أعاد منهم شيئا ، كان أهون عليه وأسهل من إنشائه ، وهو جواب عما يقال : إن أفعال الله كلها متساوية بالنسبة إلى قدرته تعالى ، وأجيب أيضا : بأن اسم التفضيل ليس على بابه ، فأهون بمعنى هين. قوله : (أي الصفة العليا) أشار بذلك إلى أن المثل بمعنى الصفة ، والأعلى بمعنى العليا ، أي المرتفعة المنزهة عن كل نقص.

١٩١

وَالْأَرْضِ) أي الصفة العليا وهي أنه لا إله إلا الله (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) (٢٧) في خلقه (ضَرَبَ) جعل (لَكُمْ) أيها المشركون (مَثَلاً) كائنا (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) وهو (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي من مماليككم (مِنْ شُرَكاءَ) لكم (فِي ما رَزَقْناكُمْ) من الأموال وغيرها (فَأَنْتُمْ) وهم (فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي أمثالكم من الأحرار ، والاستفهام بمعنى النفي ، المعنى ليس مماليككم شركاء لكم إلى آخره عندكم ، فكيف تجعلون بعض مماليك الله شركاء له (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) نبيّنها مثل ذلك التفصيل (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٨) يتدبرون (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالإشراك (أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي لا هادي له (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٩) مانعين من عذاب الله (فَأَقِمْ) يا محمد (وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) مائلا إليه ، أي أخلص دينك لله أنت ومن تبعك (فِطْرَتَ اللهِ) خلقته (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها)

____________________________________

قوله : (وهي أنه لا إله إلا الله) أي فالمراد بها الوصف بالوحدانية ولوازمها من كل كمال ، والتنزيه عن كل نقص. قوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً) أي صفة وشكلا تقيسون عليه. قوله : (كائنا) (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أشار بذلك إلى أن (مِنْ) ابتدائية متعلقة بمحذوف صفة لمثلا.

قوله : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ) الخ ، (هَلْ) حرف استفهام ، و (لَكُمْ) خبر مقدم ، و (شُرَكاءَ) مبتدأ مؤخر ، و (مِنْ) زائدة ، و (مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) حال من (شُرَكاءَ) لكونه نعت نكرة قدم عليها ، و (مِنْ) تبعيضية فتحصل أن (مِنْ) الأولى ابتدائية ، والثانية تبعيضية ، والثالثة زائدة. قوله : (فِي ما رَزَقْناكُمْ) أي ملكناكم ، وأشار بذلك إلى أن الرزق حقيقة لله تعالى ، وإيضاح هذا المثل أن يقال : إذا لم يصح أن تكون مماليككم شركاء فيما بأيديكم من رزق الله ، فلا يصح بالأولى جعل بعض مماليك الله شركاء فيما هو له حقيقة. قوله : (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) أي مستوون معهم في التصرف على حكم عادة الشركاء.

قوله : (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) من جملة المنفي ، فهو مرتب عليه ، فالمراد نفي الثلاثة الشركة والاستواء مع العبيد وخوفهم كخوف أنفسكم ، والمعنى أنتم تنفون عنهم تلك الأوصاف الثلاثة ، من أجل كونهم مماليك لكم ، فكيف تثبتون تلك الأوصاف لبعض مماليك الله؟ قوله : (بمعنى النفي) أي فهو استفهام إنكاري. قوله : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي فهذا المثل إنما ينفع العاقل الذي يتدبر الأمور. قوله : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) الخ ، إضراب عما ذكر أولا ، إشارة إلى أنهم لا حجة لهم في الإشراك ، ولا دليل لهم سوى اتباع هواهم. قوله : (هادي له) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي.

قوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) شروع في تسليته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمراد بإقامة الوجه ، بذل الهمة ظاهرا وباطنا في الدين. قوله : (أنت ومن تبعك) أشار بذلك إلى أن الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمراد هو وأمته. قوله : (فِطْرَتَ اللهِ) منصوب بفعل محذوف قدره المفسر بقوله : (الزموها) وهي ترسم بالتاء المجرورة ، وليس في القرآن غيرها ، وقوله : (وهي دينه) أي دين الإسلام ، وعلى هذا فالخلق جميعا مجبولون على توحيد يوم

١٩٢

وهي دينه أي الزموها (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) لدينه أي لا تبدلوه بأن تشركوا (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) المستقيم توحيد الله (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أي كفار مكة (لا يَعْلَمُونَ) (٣٠) توحيد الله (مُنِيبِينَ) راجعين (إِلَيْهِ) تعالى فيما أمر به ونهى عنه ، حال من فاعل أقم وما أريد به أي أقيموا (وَاتَّقُوهُ) خافوه (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٣١) (مِنَ الَّذِينَ) بدل بإعادة الجار (فَرَّقُوا دِينَهُمْ) باختلافهم فيما يعبدونه (وَكانُوا شِيَعاً) فرقا في ذلك (كُلُّ حِزْبٍ) منهم (بِما لَدَيْهِمْ) عندهم (فَرِحُونَ) (٣٢) مسرورون ، وفي قراءة فارقوا أي تركوا دينهم الذي أمروا به (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ) أي كفار مكة (ضُرٌّ) شدة (دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ) راجعين (إِلَيْهِ) دون غيره (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) بالمطر (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) (٣٣) (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) أريد به التهديد (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣٤) عاقبة تمتعكم ، فيه التفات عن الغيبة (أَمْ) بمعنى همزة

____________________________________

ألست بربكم ، ولذا قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه» وهذا غير ما سبق في علم الله ، وأما هو فعلم أن قوما يكفرون وقوما يؤمنون ، فمن سبق في علم الله إيمانه ، فقد استمر على فطرته الأصلية ، ومن سبق في علم الله كفره ، فقد رجع عن فطرته ، وإن كان سبق منه التوحيد ، وحينئذ يكون معنى الآية : الزم أنت ومن اتبعك الفطرة التي فطرك ربك عليها وهي التوحيد ، وهذا أحد أقوال ثلاثة في معنى الفطرة ، وقيل المراد بها : الخلقة الأصلية التي ابتدأهم الله عليها من سعادة وشقاوة ، وإلى ما يصيرون اليه عند البلوغ ، فمن ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة وإن عمل بأعمال الهدى ، ومن ابتدأ الله خلقه للهدى صيره إلى الهدى وإن عمل بأعمال أهل الضلالة ، وقيل إنها الخلقة والطبيعة التي في نفس الطفل يكون بها مهيأ لمعرفة ربه ، ليس بين قلوبهم ومعرفة ربهم حجاب ، كما خلق أسماعهم وأبصارهم قابلة للمسموعات والمبصرات ، فما دامت باقية على تلك الهيئة أدركت الحق ودين الإسلام ، ولا يحجبها عنه إلا وساوس الشياطين بعد البلوغ ، ولذا كان كل من مات من بني آدم قبل بلوغه في الجنة ، وإن كان من أولاد المشركين ، وهذا القول قريب من معنى القول الأول. قوله : (أي لا تبدلوه) أشار بذلك إلى أن قوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) خبر ، والمراد منه الأمر. قوله : (توحيد الله) تفسير لقوله : (ذلِكَ).

قوله : (يَعْلَمُونَ) (توحيد الله) أي بل جهلوا ذلك ، فعبدوا غير الله. قوله : (حال من فاعل أقم) أي وما بينهما اعتراض. قوله : (وما أريد به) أي بالخطاب فإنه أريد به محمد ومن تبعه. قوله : (أي أقيموا) أشار بذلك إلى أن قوله : (وَاتَّقُوهُ) عطف على محذوف مأخوذ من الحال قبله. قوله : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) أي فأهل السعادة فرحون بسعادتهم ، وأهل الشقاوة فرحون بما زينه لهم الشيطان لظنهم أنهم على حق. قوله : (وفي قراءة فارقوا) أي وهي سبعية أيضا.

قوله : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ إِذا) شرطية وجوابها قوله : (دَعَوْا رَبَّهُمْ) ، وقوله : (أي كفار مكة) خص ذلك بهم لأنه سبب النزول ، وإلا فالعبرة بعموم اللفظ. قوله : (إِذا فَرِيقٌ إِذا) فجائية قائمة مقام الفاء ، فهي رابطة للشرط. قوله : (أريد به التهديد) أي فاللام لام الأمر للتوبيخ والتقرير ، على

١٩٣

الإنكار (أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) حجة وكتابا (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ) تكلم دلالة (بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) (٣٥) أي يأمرهم بالإشراك؟ لا (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) كفار مكة وغيرهم (رَحْمَةً) نعمة (فَرِحُوا بِها) فرح بطر (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) شدة (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (٣٦) ييأسون من الرحمة ، ومن شأن المؤمن أن يشكر عند النعمة ، ويرجو ربه عند الشدّة (أَوَلَمْ يَرَوْا) يعلموا (أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ) امتحانا (وَيَقْدِرُ) يضيقه لمن يشاء ابتلاء (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٣٧) بها (فَآتِ ذَا الْقُرْبى) القرابة (حَقَّهُ) من البر والصلة (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) المسافر من الصدقة ، وأمّة النبي تبع له في ذلك (ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) أي ثوابه بما يعملون (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣٨) الفائزون (وَما آتَيْتُمْ مِنْ

____________________________________

حد : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ). قوله : (عاقبة تمتعكم) قدره إشارة إلى أن مفعول (تَعْلَمُونَ) محذوف. قوله : (فيه التفات عن الغيبة) أي إلى الخطاب لأجل المبالغة في زجرهم. قوله : (بمعنى همزة الإنكار) أي فهي منقطعة ، تفسر تارة بالهمزة وحدها ، وتارة بالهمزة وبل. قوله : (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ) داخل في حيز النفي. قوله : (أي يأمركم بالإشراك) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية ، والأحسن أن يجعلها موصولة ، أي بالأمر الذي كانوا يشركون بسببه. قوله : (فرح بطر) أي عجب وكبر ، فيصرفونها فيما يغضبه تعالى ، ولو فرحوا بها فرح سرور لصرفوها فيما يرضيه. قوله : (يَقْنَطُونَ) بفتح النون وكسرها سبعيتان. قوله : (ومن شأن المؤمن) أي من خصلته وهيئته. قوله : (ويرجو ربه عند الشدة) أي لأنه يشهد أنه لا كاشف لها غيره ولا رحيم سواه. قوله : (امتحانا) أي اختبارا لينظر أيشكر أم يطغى. قوله : (ابتلاء) أي فينظر هل يصبر ويرضى ، أم يضجر ويشكو.

قوله : (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) هذه الآية في صدقة التطوع لا في الزكاة الواجبة ، لأن السورة مكية ، والزكاة فرضت في السنة الثانية من الهجرة بالمدينة. قوله : (القرابة) أخذ أبو حنيفة من الآية ، أن النفقة على الأرحام عموما واجبة على القادر ، وعند مالك والشافعي النفقة على الأصول والفروع واجبة ، وما عدا ذلك مندوب. قوله : (وأمة النبي) الخ ، أشار بذلك إلى أن الأمر وإن كان للنبي ، فالمراد هو وأمته. قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الظافرون بمقصودهم.

قوله : (وَما آتَيْتُمْ) بالمد والقصر قراءتان سبعيتان. قوله : (بأن يعطى شيئا) الخ ، أشار بذلك إلى أن هذه الآية نزلت في هبة الثواب ، وهي أن يريد الرجل بهديته أكثر منها ، وهي مكروهة في حقنا ، وأما في حقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمحرمة لقوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) والحكم فيها إذا وقعت أنه إذا شرط عليه الثواب لزمه الدفع ، وإن لم يشترط عليه ، فلا يلزمه إلا دفع قيمتها إن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له لأمر غني لفقير. قوله : (فسمي) أي المعطى وهو الهدية.

قوله : (باسم المطلوب) أي الذي يأخذ من المهدى اليه مقابلة ما أعطاه. قوله : (فِي أَمْوالِ النَّاسِ) أي في تحصيلها. قوله : (المعطين) أي الآخذين للهبة والهدية. قوله : (أي لا ثواب فيه

١٩٤

رِباً) بأن يعطى شيئا هبة أو هدية ليطلب أكثر منه ، فسمي باسم المطلوب من الزيادة في المعاملة (لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ) المعطين أي يزيد (فَلا يَرْبُوا) يزكو (عِنْدَ اللهِ) أي لا ثواب فيه للمعطين (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) صدقة (تُرِيدُونَ) بها (وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (٣٩) ثوابهم بما أرادوه ، فيه التفات عن الخطاب (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) ممن أشركتم بالله (مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ)؟ لا (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٤٠) به (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ) أي القفار بقحط المطر وقلة النبات (وَالْبَحْرِ) أي البلاد التي على الأنهار بقلة مائها (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) من المعاصي (لِيُذِيقَهُمْ) بالياء والنون

____________________________________

للمعطين) أي الدافعين لما ذكر ، فالأول اسم مفعول ، والثاني اسم فاعل. قوله : (صدقة) أي صدقة تطوع ، وعبر عنها بالزكاة إشارة إلى أنها مطهرة للأموال والأبدان والأخلاق. قوله : (هُمُ الْمُضْعِفُونَ) أي الذين تضاعف لهم الحسنات. قوله : (فيه التفات عن الخطاب) أي تعظيما لحالهم أو قصدا للعموم كأنه قيل : من فعل ذلك فأولئك هم المضعفون.

قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) جملة من مبتدأ وخبر ، وهي تفيد الحصر لكونها معرفة الطرفين قوله : (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) الخ ، خبر مقدم ، و (مِنْ) للتبعيض ، و (مَنْ يَفْعَلُ) مبتدأ مؤخر ، وقوله : (مِنْ ذلِكُمْ) جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من شيء ، لكونه نعت نكرة تقدم عليها ، و (مِنْ شَيْءٍ) مفعول يفعل ، و (مِنْ) زائدة ، والتقدير من الذي يفعل شيئا من ذلكم من شركائكم ، واسم الإشارة يعود على ما ذكر من الأمور الأربعة ، وهي الخلق والرزق والأمانة والاحياء. قوله : (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري. قوله : (سُبْحانَهُ وَتَعالى) هذا نتيجة ما قبله ، أي فإذا ثبت أنه تعالى هو الفاعل لذلك كله ، ولا شريك له في شيء عنها ، فالواجب تسبيحه وتنزيهه عن كل نقص. قوله : (أي القفار) بكسر القاف جمع قفر وهي الأرض التي لا ماء بها ولا نبات ، وأما القفار بفتح القاف فهو الخبز الذي لا أدم معه. قوله : (بقحط المطر) أي منعه من النزول. قوله : (أي البلاد التي على الأنهار) وقيل إن قلة المطر ، كما تؤثر في البر تؤثر في البحر ، فتخلو أجواف الأصداف وتعمو دوابه ، فإذا أمطرت السماء تفتحت الأصداف في البحر ، فما وقع فيها من السماء فهو لؤلؤ ، وتكثر دواب البحر.

قوله : (بِما كَسَبَتْ) الباء سببية وما مصدرية أي بسبب كسبهم. قوله : (من العاصي) أي ومبدؤها قتل قابيل هابيل ، لأن الأرض كانت قبل ذلك نضرة مثمرة ، لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها الثمر ، وكان البحر عذبا ، وكان الأسد لا يصول على الغنم ونحوها ، فلما قتله اقشعرت الأرض ، ونبت الشوك في الأشجار ، وصار ماء البحر ملحا ، وتسلطت الحيوانات بعضها على بعض. قوله : (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) اللام للعاقبة والصيرورة متعلق بقوله : (ظَهَرَ الْفَسادُ) الخ ، وهذا فيمن أظهر الفساد وتكبر وتجبر وكفر ، وإلا فالمصائب للصالحين رفع درجات ، ولعصاة المؤمنين تكفير سيئات. قوله : (أي عقوبته) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله : (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ)

١٩٥

(بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) أي عقوبته (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٤١) يتوبون (قُلْ) لكفار مكة (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) (٤٢) فأهلكوا بإشراكهم ، ومساكنهم ومنازلهم خاوية (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) دين الإسلام (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) هو يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) (٤٣) فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد ، يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) وبال كفره وهو النار (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) (٤٤) يوطئون منازلهم في الجنة (لِيَجْزِيَ) متعلق بيصدعون (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ) يثيبهم (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (٤٥) أي يعاقبهم (وَمِنْ آياتِهِ) تعالى (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) بمعنى لتبشركم بالمطر (وَلِيُذِيقَكُمْ) بها (مِنْ رَحْمَتِهِ) المطر والخصب (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) السفن بها (بِأَمْرِهِ) بإرادته (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) تطلبوا الرزق بالتجارة في البحر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٤٦) هذه النعم يا أهل مكة فتوحدونه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالحجج الواضحات على صدقهم في رسالتهم إليهم فكذبوهم (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) أهلكنا الذين كذبوهم (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ

____________________________________

قَبْلُ) أي وهي الدمار والهلاك إن لم يتوبوا ، وكذلك يحل بكفار مكة إن لم يتوبوا ، قال تعالى : (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ).

قوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمراد هو وأمته ، والمعنى ابذل همتك في دين الإسلام واشتغل به ولا تحزن عليهم. قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) أي وأما بعد مجيئه فلا ينفع العامل عمله ، بل كل إنسان يلقى جزاء ما عمله قبل ذلك ، قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ). قوله : (مِنَ اللهِ) متعلق بيأتي. قوله : (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) التنوين عوض عن جملة أي يوم إذ يأتي هذا اليوم. قوله : (فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد) أي فأصله يتصدعون ، أبدلت التاء صادا وأدغمت في الصاد. قوله : (يتفرقون بعد الحساب) أي عند سماع قوله تعالى : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ). قوله : (وبال كفره) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله : (يوطئون منازلهم) أي فالأعمال الصالحة في الدنيا بها تهيؤ المنازل في الجنة. قوله : (متعلق بيصدعون) أي والتقدير يتفرقون ليجزي الذين آمنوا من فضله ، والذين كفروا بعدله. قوله : (الرِّياحَ) أي الشمال والصبا والجنوب ، فإنها رياح الرحمة ، وأما الدبور فهي ريح العذاب ، يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام : «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا». قوله : (وَلِيُذِيقَكُمْ) عطف على (مُبَشِّراتٍ) كأنه قال : لتبشركم وليذيقكم. قوله : (مِنْ رَحْمَتِهِ مِنْ) تبعيضية أي بعض رحمته. قوله : (يا أهل مكة) خصهم لأنهم سبب نزول الآية ، وأما فالعبرة بعموم اللفظ.

قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً) هذه الآيات معترضة بين الآيات المنفصلة والمفصلة ، لأن قوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) تفصيل لقوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ) وحكمة ذلك

١٩٦

الْمُؤْمِنِينَ) (٤٧) على الكافرين بإهلاكهم وإنجاء المؤمنين (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) تزعجه (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) من قلة وكثرة (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) بفتح السين وسكونها قطعا متفرقة (فَتَرَى الْوَدْقَ) المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي وسطه (فَإِذا أَصابَ بِهِ) بالودق (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٨) بفرحون بالمطر (وَإِنْ) وقد (كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ) تأكيد (لَمُبْلِسِينَ) (٤٩) آيسين من إنزاله (فَانْظُرْ إِلى آثارِ) وفي قراءة آثار (رَحْمَتِ اللهِ) أي نعمته بالمطر (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي يبسها بأن تنبت (إِنَّ ذلِكَ) المحيي الأرض (لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٥٠) (وَلَئِنْ) لام قسم (أَرْسَلْنا رِيحاً) مضرة على نبات (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا) صاروا جواب القسم (مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد اصفراره (يَكْفُرُونَ) (٥١) يجحدون النعمة بالمطر (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بينها وبين الياء (وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (٥٢) (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ) ما

____________________________________

تسليته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتأنيسه ، حيث وعده بنصر المؤمنين عموما. قوله : (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) عطف على محذوف قدره بقوله : (فكذبوهم). قوله : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ كانَ) فعل ماض ناقص ، و (نَصْرُ) اسمها مؤخر ، و (حَقًّا) خبرها مقدم ، و (عَلَيْنا) متعلق بحقا أو بمحذوف صفة ، وهذا وعد حسن من الله للمؤمنين ، بنصرهم على أعدائهم في الدنيا والآخرة وهو لا يتخلف.

قوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) مبتدأ وخبر ، وهو تفصيل لما اجمل أولا كما تقدم التنبيه عليه. قوله : (تزعجه) أي تهيجه وتحركه. قوله : (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ) أي ينشره في جهتها متصلا بعضه ببعض. قوله : (بفتح السين وسكونها) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فالمفتوح جمع كسفة والمسكن مخفف المفتوح ، فقوله : (قطعا) تفسير للوجهين. قوله : (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ إِذا) فجائية ، والمعنى فاجأهم الفرح. قوله : (وَإِنْ كانُوا) فسر (إِنْ) بقد تبعا لغيره ، فالواو للحال ، و (قد) للتحقيق ، وبعضهم جعلها مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، والجملة خبرها بدليل اللام لمبلسين ، فإنها اللام الفارقة ، وكل صحيح. قوله : (تأكيد) أي إشارة إلى أنه أتاهم الفرج بعد تمادي يأسهم. قوله : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) أي ما ينشأ عن المطر من خضرة الأشجار وأثمارها وبهجتها ونضارتها. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (مضرة) أي وهي ريح الدبور.

قوله : (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) أي بعد خضرته. قوله : (جواب القسم) أي وقد سد مسد جواب الشرط للقاعدة المعلومة ، من أنه عند اجتماع الشرط والقسم يحذف جواب المتأخر منهما. قوله : (يجحدون النعمة) أي فشأنهم يفرحون عند الخصب ، فإذا جاءتهم مصيبة في زرعهم ، جحدوا سابق نعمة الله عليهم. قوله : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) تعليل لمحذوف ، والمعنى لا تحزن على عدم إيمانهم ، فهم موتى صم عمي ، وأنت لا تسمع من كان كذلك. قوله : (بتحقيق الهمزتين) الخ ، أي وهما قراءتان سبعيتان.

١٩٧

(تُسْمِعُ) سماع إلهام وقبول (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) القرآن (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (٥٣) مخلصون بتوحيد الله (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) ماء مهين (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ) آخر وهو ضعف الطفولية (قُوَّةً) أي قوة الشباب (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) ضعف الكبر وشيب الهرم ، والضعف في الثلاثة بضم أوله وفتحه (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من الضعف والقوة والشباب والشيبة (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بتدبير خلقه (الْقَدِيرُ) (٥٤) على ما يشاء (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ) يحلف (الْمُجْرِمُونَ) الكافرون (ما لَبِثُوا) مكثوا في القبور (غَيْرَ ساعَةٍ) قال تعالى (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) (٥٥) يصرفون عن الحق البعث ، كما صرفوا عن الحق الصدق في مدة اللبث (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) من الملائكة وغيرهم (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ) فيما كتبه في سابق علمه (إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) الذي أنكرتموه (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٥٦) وقوعه (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ) بالياء والتاء (الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) في إنكارهم له (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (٥٧) لا يطلب منهم العتبى ، أي الرجوع إلى ما يرضي الله (وَلَقَدْ ضَرَبْنا) جعلنا (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) تنبيها لهم (وَلَئِنْ) لام قسم (جِئْتَهُمْ) يا محمد

____________________________________

قوله : (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) أي يصدق بها. قوله : (مِنْ ضَعْفٍ) أي أصل ضعيف. قوله : (ماء مهين) أي حقير ضعيف قليل. قوله : (وَشَيْبَةً) أي وهو بياض الشعر الأسود ، ويحصل أوله غالبا في السنة الثالثة والأربعين ، وهو أول سن الكهولة ، والأخذ في النقص بعد الخمسين لثلاث وستين ، فيزيد وهو أول سن الشيخوخة ، فيزيد الضعف في الجسم والعقل إلى آخر العمر ، وهذا في غير أهل التقوى والصلاح ، وأما هم فيزيد عقلهم لآخر عمرهم. قوله : (بضم أوله وفتحه) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (تَقُومُ السَّاعَةُ) أي تحصل وتوجد. والمراد بها القيامة ، سميت بذلك لحصولها في آخر ساعة من ساعات الدنيا. قوله : (الكافرون) أي المنكرون للبعث. قوله : (مكثوا في القبور) إنما استقلوا تلك المدة ، لأن عذاب القبر خفيف بالنسبة لما شاهدوه من عذاب النار ، وقيل المراد مكثوا في الدنيا ، فاستقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة. قوله : (يصرفون عن الحق) أي الإقرار والاعتراف به في الدنيا.

قوله : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي ردا عليهم وتكذيبا لهم. قوله : (وغيرهم) أي كالأنبياء والمؤمنين. قوله : (أنكرتموه) أي في الدنيا. قوله : (فَيَوْمَئِذٍ) التنوين عوض عن جمل محذوفة ، أي يوم إذ قامت الساعة وحلف المشركون كاذبين ، ورد عليهم الملائكة وغيرهم وبينوا كذبهم لا تنفع ، الخ. قوله : (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (مَعْذِرَتُهُمْ) أي اعتذارهم. قوله : (العتبى) كالرجعى وزنى ومعنى ، ولا يجابون لما طلبوه من الرجوع إلى الدنيا. قوله : (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ مِنْ) للتبعيض أي بعض كل صفة لأجل إرشادهم.

قوله : (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) أي مما اقترحوا. قوله : (حذف منه نون الرفع) الخ ، هذا سبق قلم من

١٩٨

(بِآيَةٍ) مثل العصا واليد لموسى (لَيَقُولَنَ) حذف منه نون الرفع لتوالي النونات ، والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين (الَّذِينَ كَفَرُوا) منهم (إِنْ) ما (أَنْتُمْ) أي محمد وأصحابه (إِلَّا مُبْطِلُونَ) (٥٨) أصحاب أباطيل (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٥٩) التوحيد كما طبع على قلوب هؤلاء (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بنصرك عليهم (حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) (٦٠) بالبعث ، أي لا يحملنك على الخفة والطيش بترك الصبر ، أي لا تتركنه.

____________________________________

المفسر ، فالصواب أن يقول : هو فعل مبني على الفتح ، لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، و (الَّذِينَ) فاعله ، لأن اللام مفتوحة باتفاق القراء. قوله : (منهم) حال من الكافرين. قوله : (فَاصْبِرْ) أي إذا علمت حالهم ، وأنهم لا يؤمنون لوجود الطبع على قلوبهم فاصبر ، الخ. قوله : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) تعليل للأمر بالصبر. قوله : (والطيش) عطف مرادف على (الخفة). قوله : (أي لا تتركنه) أي لا تترك الصبر بسبب تكذيبهم وإيذائهم.

١٩٩
٢٠٠