حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٣

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي


المحقق: محمد عبدالسلام شاهين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٧٨

(لَفِي زُبُرِ) كتب (الْأَوَّلِينَ) (١٩٦) كالتوراة والإنجيل (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ) لكفار مكة (آيَةً) على ذلك (أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٩٧) كعبد الله بن سلام وأصحابه ممن آمنوا فإنهم يخبرون بذلك ، ويكن بالتحتانية ونصب آية ، وبالفوقانية ورفع آية (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) (١٩٨) جمع أعجم (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ) أي كفار مكة (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) (١٩٩) أنفة من اتباعه (كَذلِكَ) أي مثل إدخالنا التكذيب به بقراءة الأعجمي (سَلَكْناهُ) أدخلنا التكذيب به (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) (٢٠٠) أي كفار مكة بقراءة النبي (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٢٠١) (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٢٠٢) (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) (٢٠٣) لنؤمن فيقال لهم لا ، قالوا متى هذا العذاب ، قال تعالى (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) (٢٠٤) (أَفَرَأَيْتَ) أخبرني (إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) (٢٠٥) (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) (٢٠٦) من العذاب (ما) استفهامية بمعنى

____________________________________

ولذا ورد : أنه كان إذا نزل عليه جبريل بالآية ، يريد أن يقرأها بلسانه قبل أن يتلوها جبريل عليه ظاهرا ، حتى أمر بعدم الاستعجال بالقراءة ، قال تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ).

قوله : (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) أي ومن المبشرين. قوله : (بِلِسانٍ) يصح أن يكون بدلا من قوله به بإعادة الجار ، ويصح أن يكون متعلقا بالمنذرين ، والمعنى لتكون من الذين انذروا بهذا اللسان العربي وهم : هود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم الصلاة والسّلام. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية. قوله : (أي ذكر القرآن) دفع بذلك ما يقال : إن ظاهر الآية أن القرآن نفسه ثابت في سائر الكتب ، مع أنه ليس كذلك ، والمراد بذكره نعته والإخبار عنه ، بأنه ينزل على محمد ، وأنه صدق وحق.

قوله : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً) الاستفهام للتوبيخ والتقريع. قوله : (وأصحابه) أي وكانوا أربعة غيره : أسد وأسيد وثعلبة وابن يامين ، فالخمسة من علماء اليهود ، وقد حسن إسلامهم. قوله : (ويكن بالتحتانية ونصب آية) أي على أنه خبر (يَكُنْ) مقدم ، واسمها قوله : (أَنْ يَعْلَمَهُ) الخ. قوله : (ورفع آية) أي على أنه فاعل بتكن ، وقوله : (أَنْ يَعْلَمَهُ) بدل من (آيَةً) قوله : (جمع أعجم) أصله أعجمي بياء النسب خفف بحذفها ، وبه اندفع ما يقال : إن أفعل فعلاء لا يجمع جمع المذكر السالم. قوله : (أنفة من اتباعه) أي تكبرا. قوله : (كَذلِكَ) معمول لسلكناه ، والضمير في (سَلَكْناهُ) للقرآن على حذف مضاف أفاده المفسر. قوله : (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) الخ ، الجملة مستأنفة أو حال من الهاء في (سَلَكْناهُ) ، وقوله : (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) مقدم من تأخير ، وأصل الكلام حتى يأتيهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون فيرونه فيقولوا : هل نحن منظرون أي مؤخرون عن الإهلاك ولو طرفة عين لنؤمن ، فيقال لهم : لا أي لا تأخير ولا إمهال. قوله : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) استفهام توبيخ وتهكم ، حيث استعجلوا ما فيه هلاكهم ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، تقديره أيعقلون ما ينزل بهم؟

قوله : (أَفَرَأَيْتَ) معطوف على (فَيَقُولُوا) وما بينهما اعتراض ، وقوله : (ما كانُوا يُوعَدُونَ) تنازعه رأيت يطلبه مفعولا أول ، و (جاءَهُمْ) يطلبه فاعلا ، فأعملنا الأول وأضمرنا في الثاني ضميرا يعود

١٠١

أي شيء (أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) (٢٠٧) في دفع العذاب أو تخفيفه أي لم يغن (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (٢٠٨) رسل تنذر أهلها (ذِكْرى) عظة لهم (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) (٢٠٩) في إهلاكهم بعد إنذارهم. ونزل ردا لقول المشركين (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ) بالقرآن (الشَّياطِينُ) (٢١٠) (وَما يَنْبَغِي) يصلح (لَهُمْ) أن ينزلوا به (وَما يَسْتَطِيعُونَ) (٢١١) ذلك (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ) لكلام الملائكة (لَمَعْزُولُونَ) (٢١٢) بالشهب (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) (٢١٣)

____________________________________

عليه ، أي (ثُمَّ جاءَهُمْ) هو أي الذي كانوا يوعدونه ، وجملة (ما أَغْنى عَنْهُمْ) الخ ، في محل نصب سدت مسد المفعول الثاني لرأيت. قوله : (ما كانُوا يُوعَدُونَ) أي به ، و (ما) ، اسم موصول. قوله : (استفهامية) أي استفهام انكار كما أشار له بقوله : (أي لم يغن) فهذا مساو في المعنى لقول بعضهم إنها نافية ، وهي على صنيع المفسر مفعول مقدم لأغنى ، وقوله : (ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) فاعل بأغنى ، و (ما) مصدرية.

قوله : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) الخ ، أي إنه جرت عادته سبحانه وتعالى ، أنه لا يهلك أهل قرية إلا بعد إرسال الرسول اليهم وعصيانهم ، وذلك تفضل منه سبحانه وتعالى ، وإلا فلو أهلكهم من أول الأمر لا يعد ظالما ، لأنه متصرف في ملكه يحكم لا معقب لحكمه ، ففعله دائر بين الفضل والعدل. قوله : (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) الجملة صفة لقرية. فإن قلت : لم تركت الواو هنا وذكرت في قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ)؟ أجيب : بأن الأصل ترك الواو ، وإذا زيدت كانت لتأكيد وصل الصفة بالموصوف كما في قوله : (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ). قوله : (ذِكْرى) مفعول لأجله ، أي لأجل تذكيرهم العواقب. قوله : (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) أي لا نفعل فعل الظالمين بأن نهلكهم قبل الإنذار ، بل لا نهلكهم إلا بعد إتيان الرسول وإمهالهم الزمن الطويل حتى يتبين لهم الحق من الباطل. قوله : (ردا لقول المشركين) مقول لقول محذوف ، تقديره إن الشياطين يلقون القرآن على لسانه ، فهو من جملة الكهنة.

قوله : (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) أي لا يمكنهم. قوله : (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ) الخ ، علة لقوله : (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ). قوله : (لكلام الملائكة) إن كان المراد كلامهم بالوحي الذي يبلغونه للأنبياء ، فالشياطين معزولون عنه لا يصلون اليه أصلا ، وإن كان المراد به المغيبات التي ستقع في العالم ، فكانوا أولا يسترقونها ، فلما ولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم منعوا من السماوات ، فلما بعث سلط عليهم الشهب ، وحينئذ فقد انسد باب السماء على الشياطين ، وانقطع نزولهم على الكهنة ، فبطل قول المشركين إن القرآن تنزلت به الشياطين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قوله : (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) نزل ردا لقول المشركين : اعبد آلهتنا سنة ونحن نعبد إلهك سنة ، والخطاب له صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد غيره. قوله : (رواه البخاري ومسلم) أي فقد ورد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في إنذاره : «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم ، لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا أغني عنك من الله شيئا ، يا فاطمة بنت رسول الله سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا». وفي رواية أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم

١٠٢

إن فعلت ذلك الذي دعوك إليه (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢١٤) وهم بنو هاشم وبنو المطلب ، وقد أنذرهم جهارا ، رواه البخاري ومسلم (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) ألن جانبك (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢١٥) الموحدين (فَإِنْ عَصَوْكَ) أي عشيرتك (فَقُلْ) لهم (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢١٦) من عبادة غير الله (وَتَوَكَّلْ) بالواو والفاء (عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (٢١٧) أي فوض إليه جميع أمورك (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) (٢١٨) إلى الصلاة (وَتَقَلُّبَكَ) في أركان الصلاة قائما وقاعدا وراكعا وساجدا (فِي السَّاجِدِينَ) (٢١٩) أي المصلين (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢٢٠) (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ) أي كفار مكة (عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) (٢٢١) بحذف إحدى التاءين في الأصل (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ) كذاب (أَثِيمٍ) (٢٢٢) فاجر مثل مسيلمة

____________________________________

صعد على الصفا فجعل ينادي : يا بني عدي ، لبطون من قريش قد اجتمعوا ، فجعل الذي لا يستطيع أن يخرج ، يرسل رسولا لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) إلى آخر السورة.

قوله : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) أي فبعد الإنذار تواضع لمن آمن منهم ، وتبرأ ممن بقي على كفره ، ولا تخف من تحزبهم واجتماعهم وكثرتهم ، فإن الله حافظك وناصرك عليهم فتوكل عليه. قوله : (بالواو والفاء) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فعلى الواو هو معطوف على قوله : (وَأَنْذِرْ) ، وعلى الفاء هو بدل من قوله : (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ). قوله : (عَلَى الْعَزِيزِ) أي الغالب على أمره ، القاهر لكل معارض لأمره. قوله : (الرَّحِيمِ) أي بالمؤمن الممتثل لأمره. قوله : (حِينَ تَقُومُ) أي منفردا ، قوله : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) أي مع الجماعة. قوله : (إلى الصلاة) لا مفهوم لها ، بل يراه حين يقوم للجهاد وللخطبة وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من سائر تنقلاته ، وإنما خص الصلاة ، لأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، ولأن قرة عينه فيها لما في الحديث : «وجعلت قرة عيني في الصلاة» ، والمراد برؤيته إياه ، زياد تجلي الرحمة عليه ، وإلا فرؤيه الله حاصلة لكل مخلوق.

قوله : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ فِي) على كلام المفسر بمعنى مع وقيل إن (فِي) على بابها ، والمراد بالساجدين المؤمنون. والمعنى : يراك متقلبا في أصلاب وأرحام المؤمنين ، من آدم إلى عبد الله فأصوله جميعا مؤمنون ، وأورد على هذا آزر أبو إبراهيم فإنه كان كافرا. وأجيب بجوابين الأول أنه كان عمه واسم أبيه تارح ، الثاني أنه كان أباه حقيقة ، وقولهم إن أصوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليسوا كفارا محله ما دام النور المحمدي في الواحد منهم ، فإذا انتقل لمن بعده ، فلا مانع من أن يعبد غير الله ، وحينئذ فآزر ما كفر ، إلا بعد انتقال النور منه إلى إبراهيم ولده.

قوله : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ) الخ ، هذا رد لقولهم إنه كاهن. قوله : (عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) الجار والمجرور متعلق بتنزل ، والجملة في محل نصب ، سادة مسد المفعول الثاني والثالث إن جعل (أُنَبِّئُكُمْ) متعديا لثلاثة ، ومسد الثاني فقط إن جعل متعديا لاثنين. قوله : (وغيره) أي كالسطيح. قوله : (من الكهنة) جمع كاهن ، وهو الذي يخبر عن الأمور المستقبلة ، والعراف هو الذي يخبر عن الأمور الماضية.

١٠٣

وغيره من الكهنة (يُلْقُونَ) أي الشياطين (السَّمْعَ) أي ما سمعوه من الملائكة إلى الكهنة (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) (٢٢٣) يضمون إلى المسموع كذبا كثيرا ، وكان هذا قبل أن حجبت الشياطين عن السماء (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٢٢٤) في شعرهم فيقولون به ويروونه عنهم فهم مذمومون (أَلَمْ تَرَ) تعلم (أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ) من أودية الكلام وفنونه (يَهِيمُونَ) (٢٢٥) يمضون فيجاوزون الحد مدحا وهجاء (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ) فعلنا (ما لا يَفْعَلُونَ) (٢٢٦) أي يكذبون (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من الشعراء (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) أي لم يشغلهم عن الذكر (وَانْتَصَرُوا)

____________________________________

قوله : (يُلْقُونَ السَّمْعَ) يحتمل أن الضمير عائد على الشياطين ، والمعنى يلقون ما سمعوه إلى الكهنة ، ويحتمل أنه عائد (عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ) ، والمعنى يلقون ما سمعوه من الشياطين إلى عوام الخلق ، أو المعنى يصغون إلى الشياطين بكليتهم حين يسمعون منهم.

قوله : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) الضمير إما عائد على الشياطين أو الكهنة ، والأكثرية باعتبار الأقوال ، أي أكثر أقوالهم كاذبون فيها ، والأقل فيها صدق ، وليس المراد أن الأقل فيهم صادق ، بل الكل طبعوا على الكذب ، وأكثر الكلمات كذب وأقلها صدق. قوله : (وكان هذا قبل أن حجبت الشياطين عن السماء) دفع بذلك التناقض بين ما هنا وما تقدم في قوله : (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ). وحاصل ذلك : أن هذه الآية إخبار من الله عن الشياطين قبل عزلهم عن السماوات ، وتمثيله بمسيلمة باعتبار ما كان قبل وجوده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأما بعد وجوده فلم يصل لمسيلمة ولا غيره شيء من الشياطين.

قوله : (وَالشُّعَراءُ) أي الذين يستعملون الشعر ، وهو الكلام الموزون بأوزان عربية المقفى قصدا ، والمراد شعراء الكفار الذين كانوا يهجون رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم منهم : عبد الله بن الزبعرى السهمي ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ، ومسافع بن عبد مناف ، وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي ، وأمية بن أبي الصلت الثقفي ، تكلموا بالكذب والباطل وقالوا نحن نقول مثل ما يقول محمد ، وقالوا الشعر ، واجتمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم. قوله : (من أودية الكلام وفنونه) أشار بذلك إلى أن الشعراء يخوضون في كل كلام ، فهم مشبهون بالهائم في الأودية الذي لا يدري أين يتوجه. قوله : (يمضون) أي يخوضون. قوله : (أي يكذبون) أي لأنهم يمدحون الكرم والشجاعة ويحثون عليهما ، ولا يفعلون ما ذكر ، ويذمون ضدهما ويصرون عليه ، ويهجون الناس بأدنى شيء صدر منهم.

قوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) سبب نزولها : أن كعب بن مالك قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد أنزل في الشعر ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده ، لكأن ما ترمونهم به نضح النبل». وقوله : قد أنزل في الشعر ، أي أنزل القرآن في ذم الشعر وأهله. قوله : (من الشعراء) أي ومنهم حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك وغيرهم. واعلم أن الشعر منه مذموم ، وهو مدح من لا يجوز مدحه ، وذم من لا يجوز ذمه ، وعليه تتخرج الآية الأولى ، وقوله عليه‌السلام : «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا ودما ، خير له من أن يمتلىء شعرا». ومنه ممدوح ، وهو مدح من يجوز مدحه ، وذم من يجوز ذمه ، وعليه تتخرج الآية الثانية. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن من الشعر لحكمة» وقال الشعبي : كان أبو

١٠٤

بهجوهم الكفار (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) بهجو الكفار لهم في جملة المؤمنين فليسوا مذمومين ، قال الله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) ، (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ

____________________________________

بكر يقول الشعر ، وكان عمر يقول الشعر ، وكان عثمان يقول الشعر وكان علي أشعر من الثلاثة ، وروي عن ابن عباس أنه كان ينشد الشعر في المسجد ويستنشده ، فروي أنه دعا عمر بن أبي ربيعة المخزومي ، فاستنشده قصيدة فأنشده اياها ، وهي قريب من تسعين بيتا ، ثم إن ابن عباس أعاد القصيدة جميعها ، وكان حفظها من مرة واحدة ، وروي أنه عليه‌السلام قال يوم قريظة لحسان : «اهج المشركين فإن جبريل معك». وكان يضع له منبرا في المسجد ، يقوم عليه قائما ، يفاخر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينافح ، ويقول رسول الله : «إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله». وروي عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل» فأرسل ابن رواحة فقال : اهجهم فهجاهم فلم يرض ، وأرسل كعب بن مالك ، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت ، فلما دخل عليه حسان قال : قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسود الضارب بذنبه ، ثم أدلع بلسانه فجعل يحركه فقال : والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تعجل ، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها ، وإن لي فيهم نسبا حتى يخلص لك نسبي ، فأتاه حسان ثم رجع فقال : والذي بعثك بالحق نبيا ، لأسلنك منهم كما تسل الشعر من العجين ، قالت عائشة : فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لحسان : إن الله يؤيدك بروح القدس ، لا يزال يؤيدك ما نافحت عن رسوله ، قالت : وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «هجاهم حسان فشفى واشتفى» ، فقال حسان :

هجوت محمدا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

هجوت محمدا برا تقيا

رسول الله شيمته الوفاء

فإن أبي ووالدتي وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

ثكلت بنيتي ان لم تروها

تثير النقع موعدها كداء

ينازعن الأعنة مصعدات

على أكتافها الأسل الظماء

تظل جيادنا متمطرات

تلطمهن بالخمر النساء

فإن اعرضتمو عنا اعتمرنا

وكان الفتح وانكشف الغطاء

وإلا فاصبروا لضراب يوم

يعز الله فيه من يشاء

وقال الله قد أرسلت عبدا

يقول الحق ليس به خفاء

وقال الله قد سيرت جندا

هم الأنصار عرضتها اللقاء

تلاقى كل يوم من معد

سباب أو قتال أو هجاء

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

وجبريل رسول الله فينا

وروح القدس ليس له خفاء

قوله : (قال الله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) استدلال على جواز هجوهم للكفار في مقابلة هجو الكفار لهم ، وقوله : (فمن اعتدى عليكم) الخ ، استدلال على شرط المماثلة

١٠٥

بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) من الشعراء وغيرهم (أَيَّ مُنْقَلَبٍ) مرجع (يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧) يرجعون بعد الموت.

____________________________________

في المقابلة ، فلا يجوز للمظلوم أن يزيد في الذم على ما ظلم به من الهجو. قوله : (أَيَّ مُنْقَلَبٍ) معمول لينقلبون الذي بعده لا لما قبله ، لأن الاستفهام له الصدر ، وهو مفعول مطلق ، أي ينقلبون ، أي انقلاب ، والجملة سادة مسد مفعولي يعلم ، والمعنى يرجعون مرجعا سيئا ، لأن مصيرهم إلى النار ، وهو أقبح مرجع وأشره.

١٠٦

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة النّمل

مكيّة

وهي ثلاث أو أربع أو خمس وتسعون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طس) الله أعلم بمراده بذلك (تِلْكَ) أي هذه الآيات (آياتُ الْقُرْآنِ) آيات منه (وَكِتابٍ مُبِينٍ) (١) مظهر للحق من الباطل عطف بزيادة صفة هو

____________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة النمل مكية

وهي ثلاث أو أربع أو خمس وتسعون آية

أي كلها ، وقد اشتملت هذه السورة على خمس قصص : الأولى قصة موسى مع فرعون. الثانية قصة النمل. الثالثة قصة بلقيس. الرابعة قصة صالح مع قومه. الخامسة قصة لوط مع قومه. وما بقي منها حكم ومواعظ. قوله : (ثلاث أو أربع) الخ ، أي إنه اختلف في النيف الزائد على التسعين على ثلاثة أقوال. قوله : (الله أعلم بمراده بذلك) تقدم أن هذا القول أسلم ، وعليه فليس لهذا اللفظ محل من الإعراب ، لأنه فرع معرفة المعنى ، والموضوع أنه لم يعرف. قوله : (تِلْكَ) مبتدأ ، و (آياتُ الْقُرْآنِ) خبره ، واسم الإشارة عائد على ما في هذه السورة. قوله : (آيات منه) أشار بذلك إلى أن الإضافة على معنى من كما تقول : جلست مع زيد ساعة الليل ، تريد ساعة منه. قوله : (مظهر الحق من الباطل) أي فالحق صار بالقرآن ظاهرا واضحا ، والباطل كذلك. قوله : (عطف بزيادة صفة) جواب عما يقال : لم عطف الكتاب على القرآن مع أنهما متحدان معنى؟ فأجاب : بأنه سوغ ذلك وصف الكتاب بصفة لم تكن في القرآن.

قوله : (هُدىً) خبر لمحذوف قدره المفسر بقوله : (هو) فالجملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال

١٠٧

(هُدىً) أي هاد من الضلالة (وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (٢) المصدقين به بالجنة (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يأتون بها على وجهها (وَيُؤْتُونَ) يعطون (الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٣) يعلمونها باستدلال وأعيد هم لما فصل بينه وبين الخبر (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) القبيحة بتركيب الشهوة حتى رأوها حسنة (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) (٤) يتحيرون لقبحها عندنا (أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) أشده في الدنيا القتل والأسر (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٥) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم (وَإِنَّكَ) خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) أي يلقى عليك

____________________________________

مقدر تقديره : ما فائدة الإتيان به؟ وما الثمرة المترتبة عليه؟ فأجاب بأنه (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ). قوله : (أي هاد من الضلالة) هذا أحد احتمالات في تفسير الهدى ، ويحتمل أن المراد ذو هدى ، أو بولغ فيه ، حتى جعل نفس الهدى على حد ما قيل في زيد عدل. قوله : (لِلْمُؤْمِنِينَ) حذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، فالقرآن هدى للمؤمنين وبشرى لهم لا للكافرين بدليل قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) وخص المؤمنين بالذكر لأنهم المعتنى بهم ، المشرفون بخدمته تعالى. قوله : (يأتون بها على وجهها) أي بشروطها وأركانها على الوجه الأكمل.

قوله : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي الواجبة للأصناف الثمانية. قوله : (وَهُمْ) مبتدأ ، و (يُوقِنُونَ) خبره ، و (بِالْآخِرَةِ) متعلق بيوقنون. قوله : (يعلمونها بالاستدلال) أي من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، فمن شك في ذلك فقد كفر. قوله : (لما فصل بينه وبين الخبر) أي بمتعلق الخبر وهو قوله : (بِالْآخِرَةِ). قوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) مقابل قوله : (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) الخ ، على عادته سبحانه وتعالى ، متى ذكر وصف المؤمنين ، يعقبه بذكر ضدهم قوله : (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) أي حسناها لهم بأن جعلناها محبوبة لأنفسهم ، وهي في الواقع ليست حسنة ، وإنما ذلك ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، قال الشاعر :

يقضى على المرء في أيام محنته

حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن

قوله : (يتحيرون فيها) أي لتعارض تزيين الشيطان وإخبار الرحمن ، ولم تكن لهم بصيرة يميزون بها الحسن من القبح ، فأهل الكفر متحيرون في كفرهم لكونهم في ظلمات ، ومن المعلوم أن السائر في الظلمات ، متحير بخلاف السائر في النور ، فأهل الإيمان مصدقون مصممون على اعتقادهم ، وأهل الكفر متشككون متحيرون. قوله : (هُمُ الْأَخْسَرُونَ) أي إن خسرانهم في الآخرة أشد من خسرانهم في الدنيا ، لدوام العذاب في الآخرة. قوله : (بشدة) أخذ ذلك من تشديد الفعل. قوله : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) أي من عند من يضع الشيء في محله ، العالم بالكليات والجزئيات ، فذكر وصف العلم بعد الحكمة ، من ذكر العام بعد الخاص. قوله : (اذكر) قدره إشارة إلى أن قوله : (إِذْ قالَ) ظرف لمحذوف ، والمعنى اذكر يا محمد لقومك قصة موسى وما وقع له. قوله : (زوجته) أي بنت شعيب ، أي وولده وخادمه. قوله : (عند مسيره من مدين) أي ليجتمع بأمه وأخيه بمصر ، وكان في ليلة مظلمة باردة مثلجة ، وقد ضل عن الطريق ، وأخذ زوجته الطلق. قوله : (وكان قد ضلها) أي تاه عنها.

١٠٨

بشدة (مِنْ لَدُنْ) من عند (حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (٦) في ذلك اذكر (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) زوجته عند مسيره من مدين إلى مصر (إِنِّي آنَسْتُ) أبصرت من بعيد (ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) عن حال الطريق وكان قد ضلها (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) بالإضافة للبيان وتركها أي شعلة نار في رأس فتيلة أو عود (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (٧) والطاء بدل من تاء الافتعال من صلي بالنار بكسر اللام وفتحها تستدفئون من البرد (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ) أي بأن (بُورِكَ) أي بارك الله (مَنْ فِي النَّارِ) أي موسى (وَمَنْ حَوْلَها) أي الملائكة أو العكس ، وبارك يتعدى بنفسه وبالحرف ويقدر بعد في مكان (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٨) من جملة ما نودي ومعناه تنزيه الله من السوء (يا مُوسى إِنَّهُ) أي الشأن (أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٩) (وَأَلْقِ عَصاكَ) فألقاها (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) تتحرك (كَأَنَّها جَانٌ) حية خفيفة (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) يرجع ، قال تعالى (يا مُوسى لا

____________________________________

قوله) (أَوْ آتِيكُمْ) أو مانعة خلو تجوز الجمع. قوله : (أي شعلة نار) أي شعلة مقتبسة من النار ، فالإضافة لبيان الجنس كما قال المفسر ، لأن الشهاب يكون من النار وغيرها كالكواكب. قوله : (بدل من تاء الافتعال) أي لأنها وقعت بعد الصاد ، وهي من حروف الأطباق ، فقلبت طاء على القاعدة المعلومة. قوله : (بكسر اللام) أي من باب تعب ، وقوله : (وفتحها) أي من باب رمى. قوله : (نُودِيَ) أي ناداه الله. قوله : (أي بأن) أشار بذلك إلى أن أن مصدرية ، وما بعدها في تأويل مصدر ، وحرف الجر مقدر قبلها ، أي نودي ببركة (مَنْ فِي النَّارِ) الخ ، أي بتقديسه وتطهيره مما يشغل قلبه عن غير الله وتخليصه للنبوة والرسالة ، أي ناداه الله ، بأننا قدسناك وطهرناك واخترناك للرسالة ، كما تقدم في طه حيث قال : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) الخ.

قوله : (مَنْ فِي النَّارِ) هو نائب فاعل (بُورِكَ) ، وهذه تحية لموسى وتكرمة له. قوله : (أو العكس) أي فتفسر من الأولى بالملائكة ، والثانية بموسى ، وعلى هذا التفسير فلا يحتاج لتقدير مضاف. قوله : (يتعدى بنفسه) أي فيقال باركك الله. قوله : (وبالحرف) أي اللام وفي وعلى. قوله : (ويقدر بعد في مكان) أي على التفسير الأول ، فيقال أن بورك من في مكان النار ، وإنما احتيج لهذا التقدير ، لأن موسى إذ ذاك لم يكن في النار حقيقة ، بل كان في المكان القريب منها. قوله : (من جملة ما نودي) أي أتى به ، وإنما أتى بالتنزيه هنا ، لدفع ما يتوهم أن الكلام الذي سمعه في ذلك المكان ، بحرف وصوت ، أو كون الله في مكان أو جهة.

قوله : (وَأَلْقِ عَصاكَ) لم يقل هنا وأن كما في القصص ، لأنه هنا ذكر بعد أن فعل ، فحسن عطف ألق عليه ، وما يأتي لم يذكر ، فقد عطف وأن أطلق ، على قوله أن يا موسى إني أنا الله. قوله : (تَهْتَزُّ) حال من ضمير (رَآها). قوله : (حية خفيفة) أي في سرعة الحركة ، فلا ينافي عظم جثتها. قوله : (يرجع) أي لم يرجع على عقبه. قوله : (لا تَخَفْ) (منها) أي لأنك في حضرتي ، ومن كان فيها فهو آمن ، لا يخطر بباله خوف من شيء. قوله : (لكن) (مَنْ ظَلَمَ) الخ ، أشار إلى أن الاستثناء منقطع ، و (مَنْ ظَلَمَ) مبتدأ ، وقوله : (فَإِنِّي غَفُورٌ) خبره. قوله : (أتاه) أي عمله. قوله : (طوق القميص) إنما لم يأمره بإدخالها

١٠٩

تَخَفْ) منها (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَ) عندي (الْمُرْسَلُونَ) (١٠) من حية وغيرها (إِلَّا) لكن (مَنْ ظَلَمَ) نفسه (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً) أتاه (بَعْدَ سُوءٍ) أي تاب (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١) أقبل التوبة وأغفر له (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) طوق القميص (تَخْرُجْ) خلاف لونها من الأدمة (بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) برص لها شعاع يغشى البصر آية (فِي تِسْعِ آياتٍ) مرسلا بها (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (١٢) (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) أي مضيئة واضحة (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (١٣) بين ظاهر (وَجَحَدُوا بِها) أي لم يقروا (وَ) قد (اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) أي تيقنوا أنها من عند الله (ظُلْماً وَعُلُوًّا) تكبرا عن الإيمان بما جاء به موسى راجع إلى الجحد (فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (١٤) التي علمتها من إهلاكهم (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ) ابنه (عِلْماً) بالقضاء بين الناس ومنطق الطير وغير ذلك (وَقالا) شكرا لله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا)

____________________________________

في كمه ، لأنه كان عليه مدرعة قصيرة من صوف لا كم لها ، وقيل : لها كم قصيرة. قوله : (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) جواب لقوله : (أَدْخِلْ) قوله : (لها شعاع) أي لمعان وإشراق. قوله : (آية) أشار بذلك إلى أن (فِي تِسْعِ آياتٍ) في محل نصب متعلق بمحذوف حال أخرى من ضمير (تَخْرُجْ) ، وقد صرح بهذا المحذوف في سورة طه حيث قال هناك : (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى) ، فالمعنى هنا حال كونها آية مندرجة في جملة الآيات التسع.

قوله : (إِلى فِرْعَوْنَ) متعلق بما قدره المفسر ، وقوله : (إِنَّهُمْ كانُوا) الخ ، تعليل لذلك المقدر. قوله : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا) أي جاءهم موسى بها ، وقوله : (مُبْصِرَةً) اسم فاعل والمراد به المفعول ، أطلق اسم الفاعل على المفعول ، إشعارا بأنها لفرط وضوحها وإناراتها كأنها تبصر نفسها. قوله : (أي مضيئة) أي إضاءة معنوية في جميعها ، وحسية في بعضها وهو اليد. قوله : (قالُوا هذا) أي ما نشاهده من الخوارق التي أتى بها موسى. قوله : (وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) حال من الواو في (جَحَدُوا) ولذا قدر فيه (قد). قوله : (أي تيقنوا) الخ ، أشار به إلى أن السين زائدة. قوله : (راجع إلى الجحد) أي على أنه علة له. قوله : (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ كَيْفَ) خبر مقدم لكان ، و (عاقِبَةُ) اسمها مؤخر ، والجملة في محل نصب على إسقاط الخافض. قوله : (من إهلاكهم) أي بالإغراق على الوجه الهائل الذي هو عبرة للعالمين.

قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ) هو بالمد بمعنى أعطينا ، وهو شروع في ذكر القصة الثانية ، وكان لداود تسعة عشر ولدا أجلهم سليمان ، وعاش داود مائة سنة ، وسليمان ابنه نيفا وخمسين سنة ، وبين داود وموسى خمسمائة سنة وتسع وستون سنة ، وبين سليمان ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألف وسبعمائة سنة. قوله : (بالقضاء بين الناس) أي وهو علم الشرائع. قوله : (ومنطق الطير) أي تصويته. قوله : (وغير ذلك) أي كتسبيح الجبال.

قوله : (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي شكر كل منهما ربه على ما أنعم عليه به. قوله : (الَّذِي فَضَّلَنا) أي أعطانا هذا الفضل العظيم. قوله : (وتسخير الجن والإنس) الخ ، ظاهره أن هذا كان لكل من داود

١١٠

بالنبوة وتسخير الجن والإنس والشياطين (عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٥) (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) النبوة والعلم دون باقي أولاده (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) أي فهم أصواته (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) تؤتاه الأنبياء والملوك (إِنَّ هذا) المؤتى (لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (١٦) البين الظاهر

____________________________________

وسليمان وهو كذلك ، إلا أن سليمان فاق أباه ، وكانت له السلطنة الظاهرة. قوله : (عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) أي الذين لم يؤتوا مثلنا ، وهذه مزية ، وهي لا تقتضي الأفضلية ، فداود وسليمان وإن أعطيا تلك المزايا ، فأولو العزم أفضل منهما ، لأن التفضيل من الله لا بالمزايا. قوله : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) أي قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه التسعة عشر ، مع كون النبوة والعطايا التي مع داود مستمرة معه ، وليس المراد أن نبوة داود وعطاياه انتقلت منه لسليمان وصار داود بلا شيء.

قوله : (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي قال سليمان لبني إسرائيل : شكرا لله على نعمه. قوله : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) أي فهمنا الله أصوات الطير ، ولا مفهوم للطير ، بل كان الزرع والنبات يكلمه ويفهم كلامه ، ورد أن سليمان كان جالسا ، إذ مر به طائر يطوف ، فقال لجلسائه : أتدرون ما يقول هذا الطائر؟ إنه قال لي : السّلام عليك أيها الملك المسلط ، والنبي لبني إسرائيل ، أعطاك الله الكرامة ، وأظهرك على عدوك ، إني منطلق إلى أفراخي ، ثم أمر بك الثانية ، وإنه سيرجع إلينا الثانية ، ثم رجع فقال لهم : يقول السّلام عليك أيها الملك المسلط ، إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على أفراخي حتى يثبوا ثم آتيك ، فافعل بي ما شئت ، فأخبرهم سليمان بما قال ، وأذن له فانطلق. ومر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه ، فقال لأصحابه : أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ قالوا لا يا نبي الله ، قال إنه يقول : أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء. ومر بهدهد فوق شجرة وقد نصب له صبي فخا ، فخاف ، فقال له سليمان احذر ، فقال الهدهد : يا نبي الله هذا صبي ولا عقل له فأنا أسخر به ، ثم رجع سليمان فوجده قد وقع في حبالة الصبي وهو في يده فقال له : ما هذا؟ قال ما رأيتها حتى وقعت بها يا نبي الله ، قال : ويحك فأنت ترى الماء تحت الأرض ، أما ترى الفخ؟ فقال يا نبي الله إذا نزل القضاء عمي البصر. وصاح ورشان عند سليمان بن داود فقال سليمان : أتدرون ما يقول؟ قالوا : لا ، قال : إنه يقول : لدوا للموت وابنوا للخراب. وصاحت فاختة فقال : أتدرون ما تقول؟ قالوا : لا ، قال : إنها تقول : ليت الخلق لم يخلقوا ، وليتهم إذ خلقوا علموا ما خلقوا له. وصاح عنده طاووس فقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا : لا ، قال : إنه يقول : كما تدين تدان. وصاح عنده هدهد فقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا لا ، قال : إنه يقول : إن من لا يرحم لا يرحم. وصاح عنده صرد فقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا : لا ، قال : إنه يقول : استغفروا الله يا مذنبون. فمن ثم نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتله. وقيل : إن الصرد هو الذي دل آدم على مكان البيت ، ولذلك يقال له الصرد الصرام. وصاحت عنده طيطرجى فقال : أتدرون ما تقول؟ قالوا : لا ، قال : إنها تقول : كل حي ميت ، وكل جديد بال. وصاحت عنده خطافة فقال : أتدرون ما تقول؟ قالوا : لا ، قال : إنها تقول : قدموا خيرا تجدوه. فمن ثم نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتلها. وقيل : إن آدم خرج من الجنة فاشتكى إلى الله تعالى الوحشة ، فآنسه الله بالخطاف وألزمها البيوت ، فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم ، قال : ومعها أربع آيات من كتاب الله (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ) إلى آخرها ، وتمد صوتها بقوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وهدرت حمامة عند سليمان فقال : أتدرون ما

١١١

(وَحُشِرَ) جمع (لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ) في مسير له (فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١٧)

____________________________________

تقول؟ قالوا : لا ، قال : إنها تقول : سبحان ربي الأعلى ، عدد ما في السماوات والأرض. وصاح قمري عند سليمان فقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا : لا ، قال إنه يقول : سبحان ربي العظيم المهيمن. قال كعب : وحدثهم سليمان فقال : الغراب يقول : اللهم العن العشار ، والحدأ يقول : كل شيء هالك إلا وجهه ، والقطاة تقول : من سكت سلم ، والببغاء تقول : ويل لمن الدنيا همه ، والضفدع تقول : سبحان ربي القدوس ، والبازي يقول : سبحان ربي وبحمده ، والسرطان يقول : سبحان المذكور بكل مكان ، وصاح دراج عند سليمان فقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا : لا ، قال إنه يقول : الرحمن على العرش استوى. وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الديك إذا صاح قال : اذكروا الله يا غافلون. وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «النسر إذا صاح قال : يا ابن آدم عش ما شئت فآخرك الموت ، وإذا صاح العقاب قال : في البعد من الناس راحة. وإذا صاح القنبر قال : إلهي العن مبغض آل محمد. وإذا صاح الخطاف قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إلى آخرها فيقول (وَلَا الضَّالِّينَ) فيمد بها صوته كما يمد القارىء».

قوله : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) قال ذلك تحدثا بنعمة الله ، وشكرا على ما أعطاه. قوله : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي من الأماكن البعيدة ، وكان له نقباء ترد أول العسكر على آخره ، لئلا يتقدموا في السير ، قال محمد بن كعب القرظي : كان عسكر سليمان عليه‌السلام ، مائة فرسخ في مائة فرسخ ، خمسة وعشرون منها للإنس ، وخمسة وعشرون للجن ، وخمسة وعشرون للوحش ، وخمسة وعشرون للطير ، وقيل نسجت له الجن بساطا من ذهب وحرير فرسخا في فرسخ ، وكان يوضع كرسيه في وسطه فيقعد ، وحوله كراسي من ذهب وفضة ، فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب ، والعلماء على كراسي الفضة ، والناس حوله ، والجن والشياطين حول الناس ، والوحش حولهم ، وتظلله الطير بأجنحتها حتى لا يقع عليه شمس ، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب ، فيها ثلاثمائة منكوحة يعني حرة ، وسبعمائة سرية ، فيأمر الريح العاصف فترفعه ، ثم يأمر الرخاء فتسير به. وروي عن كعب الأحبار أنه قال : كان سليمان إذا ركب ، حمل أهله وخدمه وحشمه ، وقد اتخذ مطابخ ومخابز فيها تنانير الحديد والقدور العظام ، تسع كل قدر عشرة من الإبل ، فيطبخ الطباخون ، ويخبز الخبازون ، وهو بين السماء والأرض ، واتخذ ميادين للدواب ، فتجري بين يديه ، والريح تهوي ، فسار من إصطخر يريد اليمن ، فسلك على مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما وصل اليها قال سليمان : هذه دار هجرة نبي يكون آخر الزمان ، طوبى لمن آمن به ، وطوبى لمن اتبعه ، ولما وصل مكة ، رأى حول البيت أصناما تعبد فجاوزه سليمان ، فلما جاوزه بكى البيت ، فأوحى الله اليه ما يبكيك؟ قال : يا رب أبكاني أن هذا نبي من أنبيائك ، ومعه قوم من أوليائك ، مروا علي ولم يصلوا عندي ، والأصنام تعبد حولي من دونك ، فأوحى الله اليه لا تبك ، فإني سوف أملؤك وجوها سجدا ، وأنزل فيك قرآنا جديدا ، وأبعث منك نبيا في آخر الزمان ، أحب أنبيائي إلي ، وأجعل فيك عمارا من خلقي يعبدونني ، أفرض عليهم فريضة ، يحنون اليك حنين الناقة إلى ولدها ، والحمامة إلى بيضها ، وأطهرك من الأوثان والأصنام وعبدة الشيطان ، ثم مضى سليمان حتى مروا بوادي النمل. قوله : (يجمعون ثم يساقون) أي يمنعون من التقدم حتى يجتمعوا ثم يؤمرون.

١١٢

يجمعون ثم يساقون (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) هو بالطائف أو بالشام نمله صغار أو كبار (قالَتْ نَمْلَةٌ) ملكة النمل وقد رأت جند سليمان (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) لا يكسرنكم (سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١٨) نزل النمل منزلة العقلاء في الخطاب

____________________________________

قوله : (حَتَّى إِذا أَتَوْا) غاية لمحذوف ، أي فساروا مشاة على الأرض وركبانا حتى إذا أتوا ، الخ. قوله : (نمله صغار) أي وهو المعروف ، وقوله : (أو كبارا) : أي كالبخاتي أو الذئاب. قوله : (قالَتْ نَمْلَةٌ)) قيل اسمها طاخية وقيل جرمى ، وحكى الزمخشري عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه وقف على قتادة وهو يقول : سلوني ، فأمر أبو حنيفة شخصا سأل قتادة عن نملة سليمان ، هل كانت ذكرا أو أنثى؟ فلم يجب ، فقيل لأبي حنيفة في ذلك فقال : كانت أنثى واستدل بلحاق العلامة ، قال بعضهم : وفيه نظر لأن لحاق التاء في قالت ، لا يدل على أنها مؤنثة ، لأن تاءه للوحدة لا للتأنيث ، وحينئذ فيصح أن يقال : قال نملة ، وقالت نملة ، وما استدل به أبو حنيفة يفيد الظن لا التحقيق. قوله : (وقد رأت جند سليمان) أي من ثلاثة أميال بدليل قوله الآتي ، وقد سمعه من ثلاثة أميال.

قوله : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ) الخ ، اشتمل هذا القول على أحد عشر نوعا من البلاغة ، أولها النداء بيا ، ثانيها لفظ أي ، ثالثها التنبيه ، رابعها التسمية بقولها : (النَّمْلِ) ، خامسها الأمر بقولها : (ادْخُلُوا) سادسها التنصيص بقولها : (مَساكِنَكُمْ) ، سابعها التحذير بقولها : (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) ثامنها التخصيص بقولها : (سُلَيْمانُ) ، تاسعها التعميم بقولها : (وَجُنُودُهُ) عاشرها الإشارة بقولها : (وَهُمْ) ، حادي عشرها العذر بقولها : (لا يَشْعُرُونَ). وكانت تلك النملة عرجاء ذات جناحين ، وهي من جملة الحيوانات العشرة التي تدخل الجنة وهي : براق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهدهد بلقيس ، ونملة سليمان ، وعجل إبراهيم ، وكبش ولده ، وبقرة بني إسرائيل ، وكلب أهل الكهف ، وحمار العزير ، وناقة صالح ، وحوت يونس ، روي أن سليمان قال لها : لم حذرت النمل ، أخفت من ظلمي؟ أما علمت أني نبي عدل ، فلم قلت : (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) ، فقالت النملة : أما سمعت قولي : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) مع أني لم أرد حطم النفوس ، وإنما أردت حطم القلوب ، خشية أن يتمنين مثل ما أعطيت ، ويفتنن في الدنيا ، ويشتغلن بالنظر إلى ملكك عن التسبيح والذكر ، فلما تكلمت مع سليمان ، مضت مسرعة إلى قومها فقالت : هل عندكم من شيء نهديه إلى نبي الله؟ قالوا : وما قدر ما نهدي له؟ والله ما عندنا إلا نبقة واحدة ، فقالت : حسنة ائتوني بها ، فأتوها بها فحملتها بفيها وانطلقت تجرها ، وأمر الله الريح فحملتها وأقبلت تشق الجن والإنس والعلماء والأنبياء على البساط ، حتى وقفت بين يديه ، ووضعت تلك النبقة من فيها في فيه ، وأنشأت تقول :

ألم تر أنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدى للجليل بقدره

لأقصر البحر عنه يوما وساحله

ولكننا نهدي إلى من نحبه

فيرضى بها عنا ويشكر فاعله

وما ذاك إلا من كريم فعاله

وإلا فما في ملكنا من يشاكله

فقال لها : بارك الله فيكم ، فهم بتلك الدعوة أشكر خلق الله ، وأكثر خلق الله ، والنمل حيوان

١١٣

بخطابهم (فَتَبَسَّمَ) سليمان ابتداء (ضاحِكاً) انتهاء (مِنْ قَوْلِها) وقد سمعه من ثلاثة أميال حملته إليه الريح فحبس جنده حين أشرف على واديهم حتى دخلوا بيوتهم ، وكان جنده ركبانا ومشاة في هذا السير (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ) بها (عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩) الأنبياء والأولياء (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) ليرى الهدهد الذي يرى الماء تحت الأرض ويدل عليه بنقره فيها فتستخرجه الشياطين لاحتياج سليمان إليه للصلاة فلم يره (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) أي أعرض لي ما

____________________________________

معروف شديد الإحساس والشم ، حتى إنه يشم الشيء من بعيد ويدخر قوته ، ومن شدة إدراكه أنه يفلق الحبة فلقتين خوفا من الإنبات ، ويفلق حبة الكزبرة أربع فلق ، لأنها إذا فلقت فلقتين نبتت ، ويأكل في عامه نصف ما جمع ، ويستبقي باقيه عدة. قوله : (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) فيه وجهان ، أحدهما أنه نهي ، والثاني أنه جواب الأمر. قوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) جملة حالية. قوله : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً) مفرع على محذوف تقديره فسمع قولها المذكور فتبسم ، وكان سبب ضحكه شيئين : أحدهما ما دل على ظهور رحمته ورحمة جنوده وشفقتهم من قولها وهم لا يشعرون. الثاني سروره بما آتاه الله ما لم يؤت أحدا ، من ادراك سمعه ما قالته النملة. قوله : (ابتداء) الخ ، فالتبسم انفتاح الفم من غير صوت ، والضحك انفتاحه مع صوت خفيف ، والقهقهة انفتاحه مع صوت قوي ، وهي لا تكون من الأنبياء. قوله : (في هذا السير) أي في خصوص سيره على وادي النمل ، وكان هو وجنوده في غير هذا المكان راكبين على البساط وتسير بهم الريح. قوله : (وَعَلى والِدَيَ) إنما ذكر نعمة والديه تكثيرا للنعمة ، ليزداد في الشكر عليها. قوله : (فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) على حذف مضاف أي في جملة (عِبادِكَ) وفي بمعنى مع ، والمراد الكاملون في الصلاح ، لأن الصلاح مقول بالتشكيك ، فما من مقام إلا وفوقه أعلى منه ، والكامل يقبل الكمال.

قوله : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) شروع في القصة الثالثة ، والمعنى نظر في الطير فلم ير الهدهد ، وكان سبب سؤاله عن الهدهد ، أنه كان دليل سليمان على الماء ، وكان يعرف موضع الماء ، ويرى الماء تحت الأرض كما يرى في الزجاجة ، ويعرف قربه وبعده ، فينقر في الأرض ، ثم تجيء الشياطين فيحفرونه ويستخرجون الماء في ساعة يسيرة ، قيل لما ذكر ذلك ابن عباس قيل له : إن الصبي يضع له فخا ويحثو عليه التراب ، فيجيء الهدهد وهو لا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه ، فقال ابن عباس : إذا نزل القضاء والقدر ، ذهب اللب وعمي البصر ، قيل ولم يكن له في مسيره إلا هدهد واحد. قوله : (فتستخرجه الشياطين) أي بأن تسلخ وجه الأرض عن الماء ، كما تسلخ الشاة.

قوله : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) استفهام استخبار. قوله : (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ أَمْ) منقطعة تفسر ببل والهمزة ، كأنه لما يره ظن أنه حاضر ولا يراه لساتر أو غيره ، فقال : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) ثم احتاط فظهر له أنه غائب فأضرب عن ذلك ، وهو إضراب انتقالي. قوله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) الحلف على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث ، فأو بين الكلمتين الأوليين للتخيير ، وفي الثالث للترديد بينه وبينهما ، فهي في الأخير بمعنى إلا. قوله : (بنتف ريشه) هذا أحد أقوال في معنى التعذيب ، وقيل هو أن

١١٤

منعني من رؤيته (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) (٢٠) فلم أره لغيبته ، فلما تحققها قال (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً) تعذيبا (شَدِيداً) بنتف ريشه وذنبه ورميه في الشمس فلا يمتنع من الهوامّ (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) بقطع حلقومه (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي) بنون مشددة مكسورة أو مفتوحة يليها نون مكسورة (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٢١)

____________________________________

يحشره مع غير أبناء جنسه ، وقيل هو أن يطلى بالقطران ويوضع في الشمس. قوله : (بنون مشددة) الخ ، أي والقراءتان سبعيتان.

قوله : (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي حجة ظاهرة على غيبته ، والسبب في غيبة الهدهد ، أن سليمان عليه‌السلام ، لما فرغ من بناء بيت المقدس ، عزم على الخروج إلى أرض الحرم ، فتجهز للمسير واستصحب جنوده من الجن والإنس والطير والوحش فحملتهم الريح ، فلما وافى الحرم ، أقام ما شاء الله أن يقيم ، أي من غير صلاة بالكعبة كراهة في الأصنام ، ولم يكن مأمورا بتكسيرها ، فاندفع التعارض بين ما هنا وما تقدم ، وكان ينحر في كل يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة ، ويذبح خمسة آلاف ثور ، وعشرين ألف شاة ، وقال لمن حضره من أشراف قومه : إن هذا المكان يخرج منه نبي عربي ، صفته كذا وكذا ، ويعطى النصر على جميع من عاداه ، وتبلغ هيبته مسافة شهر ، القريب والبعيد عنده في الحق سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، قالوا : فبأي دين يدين يا نبي الله؟ قال يدين الله الحنيفية ، فطوبى لمن أدركه وآمن به ، قالوا : كم بيننا وبين خروجه يا نبي الله؟ قال مقدار ألف سنة ، فليبلغ الشاهد الغائب ، فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل ، قال : فأقام بمكة حتى قضى نسكه ، ثم خرج من مكة صباحا وسار نحو اليمن ، فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر ، فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها ، فأحب النزول بها ليصلي ويتغدى ، فلما نزل قال الهدهد : قد اشتغل سليمان بالنزول ، فارتفع نحو السماء ينظر إلى طول الدنيا وعرضها ففعل ذلك ، فبينما هو ينظر يمينا وشمالا ، رأى بستانا لبلقيس ، فنزل اليه فإذا هو بهدهد آخر ، وكان اسم هدهد سليمان يعفور ، وهدهد اليمن عفير ، فقال عفير ليعفور : من أين أقبلت؟ قال : أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود ، قال ومن سليمان؟ قال : ملك الإنس والجن والشياطين والطير والوحش والرياح ، فمن أين أنت؟ قال عفير : أنا من هذه البلاد ، قال : ومن ملكها؟ قال : امرأة يقال لها بلقيس ، وإن لصاحبك ملكا عظيما ، ولكن ليس ملك بلقيس دونه ، فإنها تملك اليمن ، وتحت يدها أربعمائة ملك ، كل ملك على كورة ، مع كل ملك أربعة آلاف مقاتل ، ولها ثلاثمائة وزير يدبرون ملكها ، ولها اثنا عشر قائدا ، مع كل قائد اثنا عشر ألف مقاتل ، فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها؟ قال : أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج الماء ، قال الهدهد اليماني : إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة ، فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها ، وأما سليمان فإنه نزل على غير ماء ، فسأل عن الماء الجن والإنس فلم يعلموا ، فتفقد الهدهد فلم يره ، فدعا بعريف الطير وهو النسر ، فسأله عن الهدهد فقال : أصلح الله الملك ، ما أدري أين هو ، وما أرسلته إلى مكان ، فغضب سليمان وقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) الآية ، ثم دعا بالعقاب وهو أشد الطير طيرانا ، فقال له : علي بالهدهد الساعة ، فارتفع العقاب في الهواء حتى نظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ، ثم التفت يمينا وشمالا ، فرأى الهدهد مقبلا من نحو اليمن ، فانقض العقاب يريده ، وعلم الهدهد أن العقاب يقصده بسوء ، فقال : بحق الذي قواك وأقدرك علي ، إلا

١١٥

ببرهان بيّن ظاهر على عذره (فَمَكَثَ) بضم الكاف وفتحها (غَيْرَ بَعِيدٍ) أي يسيرا من الزمان ، وحضر لسليمان متواضعا برفع رأسه وإرخاء ذنبه وجناحيه فعفا عنه وسأله عما لقي في غيبته (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) أي اطلعت على ما لم تطلع عليه (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) بالصرف وتركه قبيلة باليمن سميت باسم جد لهم باعتباره صرف (بِنَبَإٍ) خبر (يَقِينٍ) (٢٢) (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) أي هي ملكة لهم اسمها بلقيس (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه الملوك من الآلة والعدة (وَلَها عَرْشٌ) سرير (عَظِيمٌ) (٢٣) طوله ثمانون ذراعا ، وعرضه أربعون ذراعا ، وارتفاعه

____________________________________

ما رحمتني ولم تتعرض لي بسوء ، فتركه العقاب وقال : ويلك ثكلتك أمك ، إن نبي الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك ، فصارا متوجهين نحو سليمان عليه‌السلام ، فلما انتهيا إلى العسكر تلقاه النسر والطير وقالا له : ويلك أين غبت في يومك هذا؟ فلقد توعدك نبي الله ، وأخبراه بما قال سليمان ، فقال الهدهد : أو ما استثنى نبي الله؟ فقالوا : بلى إنه قال : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) فقال نجوت إذا ، وكانت غيبته من الزوال ، ولم يرجع إلا بعد العصر ، فانطلق به العقاب حتى أتيا سليمان ، وكان قاعدا على كرسيه ، فقال العقاب : قد أتيتك به يا نبي الله ، فلما قرب منه الهدهد ، رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض ، تواضعا لسليمان عليه الصلاة والسّلام ، فلما دنا منه أخذ برأسه فمده اليه وقال له : أين كنت؟ لأعذبنك عذابا شديدا ، فقال : يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله عزوجل ، فلما سمع سليمان عليه الصلاة والسّلام ذلك ، ارتعد وعفا عنه ثم سأله : ما الذي أبطأك عني؟ فقال الهدهد : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) إلى آخره.

قوله : (فَمَكَثَ) أي الهدهد. قوله : (بضم الكاف وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان والأول من باب قرب والثاني من باب نصر. قوله : (أي يسيرا من الزمان) أي وهو من الزوال إلى العصر. قوله : (فعفا عنه) أي من أول الأمر قبل أن يذكر العذر. قوله : (وسأله عما لقي في غيبته) قدره إشارة إلى أن قوله : (فَقالَ أَحَطْتُ) الخ ، مفرع على محذوف. قوله : (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) أي علمت ما لم تعلمه أنت ولا جنودك وفي هذا تنبيه على أن الله تعالى أرى سليمان عجزه لكونه لم يعلم ذلك مع كون المسافة قريبة وهي ثلاث مراحل. قوله : (بالصرف وتركه) أي فهما قراءتان سبعيتان فالصرف نظرا إلى أنه اسم رجل وتركه نظرا إلى أنه اسم القبيلة للعلمية والتأنيث. قوله : (اسمها بلقيس) بالكسر بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان ، وكان أبوها ملكا عظيم الشأن ، قد ولد له أربعون ملكا هي آخرهم ، وكان الملك يملك أرض اليمن كلها ، وكان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفؤا لي ، وأبى أن يتزوج منهم ، فخطب إلى الجن فزوجوه امرأة يقال لها ريحانة بنت السكن ، قيل في سبب وصوله إلى الجن حتى خطب اليهم ، أنه كان كثير الصيد ، فربما اصطاد من الجن وهم على صورة الظباء فيخلي عنهم ، فظهر له ملك الجن وشكره على ذلك واتخذه صديقا ، فخطب ابنته فزوجه إياها.

قوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) عطف على قوله : (تَمْلِكُهُمْ) لأنه بمعنى ملكتهم ، قال ابن عباس : كان يخدمها ستمائة امرأة. قوله : (يحتاج اليه الملوك) أشار بذلك إلى أن قوله : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)

١١٦

ثلاثون ذراعا ، مضروب من الذهب والفضة ، مكلل بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر والزمرد وقوائمه من الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر والزمرد ، عليه سبعة أبواب على كل بيت باب مغلق (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) طريق الحق (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) (٢٤) (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) أي أن يسجدوا له فزيدت لا وأدغم فيها نون أن ، كما في قوله تعالى (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) والجملة في محل مفعول يهتدون بإسقاط إلى (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) مصدر بمعنى المخبوء من المطر والنبات (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ) في قلوبهم (وَما تُعْلِنُونَ) (٢٥) بألسنتهم (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ

____________________________________

عام أريد به الخصوص. قوله : (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) أي تجلس عليه ، أو وصفه بالعظم بالنسبة إلى ملوك الدنيا ، وأما وصف عرش الله بالعظم ، فهو بالنسبة إلى جميع المخلوقات من السماوات والأرض وما بينهما فحصل الفرق. قوله : (طوله ثمانون ذراعا) الخ ، وقيل طوله ثمانون وعرضه كذلك ، وارتفاعه في الهواء كذلك. قوله : (عليه سبعة أبواب) صوابه أبيات بدليل قوله : (على كل بيت باب مغلق). قوله : (يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ) أي فهم مجوس.

قوله : (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) الخ ، ذكر ذلك ردا على من يعبد الشمس وغيرها من دون الله ، لأنه لا يستحق العبادة إلا من هو قادر على من في السماوات والأرض ، عالم بجميع المعلومات. قوله : (أي أن يسجدوا له) أشار بذلك إلى أنه على هذه القراءة تكون «أن» ناصبة ، و «لا» زائدة ، و (يَسْجُدُوا) فعل مضارع منصوب بأن ، وعلامة نصبه حذف النون ، والواو فاعل ، وعليها فلا يجوز الوقف على (يَهْتَدُونَ) لأنه من تتمته ، كأنه قال : فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا الخ ، وقرأ الكسائي بتخفيف ألا ، وتوجيهها أن يقال إن لا للافتتاح ، ويا حرف تنبيه ، واسجدوا فعل أمر ، لكن سقطت ألف يا وهمزة الوصل من اسجدوا خطأ ، ووصلت الياء بسين اسجدوا ، فاتحدت القراءتان لفظا وخطا ، وهناك وجه آخر في هذه القراءة ، وهو أن يا حرف نداء والمنادى محذوف ، والتقدير ألا يا هؤلاء وهو ضعيف ، لئلا يؤدي إلى حذف كثير من غير ما يدل على المحذوف. قوله : (من المطر والنبات) لف ونشر مرتب ، فالمطر هو المخبوء في السماوات ، والنبات هو المخبوء في الأرض.

قوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) اعلم أن ما ذكره الهدهد من قوله : (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) إلى هنا ، إنما هو بيان لحقيقة عقيدته وعلومه التي اقتبسها من سليمان ، وليس داخلا تحت قوله : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) وإنما ذكر الهدهد ذلك ، ليغري سليمان على قتالهم ، وليبين أنه لم يكن عنده ميل لهم ، بل إنما غرضه وصف ملكها. قوله : (وبينهما بون) أي فضل ومزية. قوله : (قالَ سَنَنْظُرُ) هذه الجملة مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر تقديره : فما ذا قال سليمان للهدهد حين أخبره بالخبر؟ قوله : (فهو أبلغ من أم كذبت) أي لأنه يفيد أنه إن كان كاذبا في هذه الحادثة ، كان معدودا من الكاذبين ومحسوبا منهم ، والكذب له عادة وليست فلتة يعفى عنه فيها ، لأن الكذب على الأنبياء أمره عظيم. قوله : (من عبد الله) خص هذا الوصف لأنه أشرف الأوصاف ، وقدم اسمه على البسملة ، لأنها كانت في ذلك الوقت

١١٧

الْعَظِيمِ) (٢٦) استئناف جملة ثناء مشتمل على عرش الرحمن في مقابلة عرش بلقيس ، وبينهما بون عظيم (قالَ) سليمان للهدهد (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ) فيما أخبرتنا به (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٢٧) أي من هذا النوع ، فهو أبلغ من أم كذبت فيه ، ثم دلهم على الماء فاستخرج وارتووا وتوضؤوا وصلوا ، ثم كتب سليمان كتابا صورته : من عبد الله سليمان بن داود ، إلى بلقيس ملكة سبأ ، بسم الله الرحمن الرحيم ، السّلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فلا تعلوا عليّ وائتوني مسلمين. ثم طبعه بالمسك وختمه بخاتمه ، ثم قال للهدهد : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) أي بلقيس وقومها (ثُمَّ تَوَلَ) انصرف (عَنْهُمْ) وقف قريبا منهم (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) (٢٨) يردّون من الجواب ، فأخذه وأتاها وحولها جندها وألقاه في حجرها فلما رأته ارتعدت وخضعت خوفا ثم وقفت على ما فيه ثم (قالَتْ) لأشراف قومها (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بقلبها واوا مكسورة (أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) (٢٩) مختوم (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ) أي مضمونه (بِسْمِ اللهِ)

____________________________________

كافرة ، فخاف أن تستخف باسم الله ، فجعل اسمه وقاية لاسم الله تعالى. قوله : (السّلام على من اتبع الهدى) أي أمان الله على من اتبع طريق الحق وترك الضلال. قوله : (فلا تعلوا علي) أي لا تتكبروا. قوله : (مسلمين) أي منقادين لدين الله ، وفي هذا الخطاب ، إشعار بأنه رسول من عند الله ، يدعوهم إلى دين الله وليس مطلق سلطان ، وإلا لقال وائتوني طائعين. قوله : (ثم طبعه بالمسك) أي جعل عليه قطعة مسك كالشمع.

قوله : (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) إما بسكون الهاء أو كسرها من غير إشباع أو بإشباع ، ثلاث قراءات سبعيات. قوله : (ما ذا يَرْجِعُونَ) إن جعل انظر بمعنى انتظر فماذا بمعنى الذي ، و (يَرْجِعُونَ) صلته ، والعائد محذوف ، ويكون ما مفعول يرجعون. والمعنى انتظر الذي يرجعونه ، وإن جعل بمعنى تأمل وتفكر ، كانت ما استفهامية ، وذا بمعنى الذي ، ويرجعون صلتها ، والعائد محذوف ، والتقدير أي شيء الذي يرجعونه ، والموصول هو خبر ما استفهامية ، أو ما ذا كلها اسم واحد مفعول ليرجعون ، تقديره أي شيء يرجعون. قوله : (من الجواب) بيان لما. قوله : (وأتاها وحولها جندها) الخ ، وقيل أتاها فوجدها نائمة ، وقد غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها ، وكذلك كانت تفعل إذا رقدت ، فألقى الكتاب على نحرها ، وقيل كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقع فيها حين تطلع ، فإذا نظرت إليها سجدت لها ، فجاء الهدهد فسد الكوة بجناحيه ، فارتفعت الشمس ولم تعلم ، فلما استبطأت الشمس قامت تنظر ، فرمى بالصحيفة إليها. قوله : (فلما رأته ارتعدت) أي حين وجدت الكتاب مختوما ارتعدت ، لأن ملك سليمان كان في خاتمه ، وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكا منها ، فقرأت الكتاب ، وتأخر الهدهد غير بعيد ، وجاءت حتى قعدت على سرير ملكها وجمعت أشراف قومها. قوله : (بقلبها واوا مكسورة) المناسب أن يقول وتسهيل الثانية بين الهمزة والياء وقلبها واوا الخ ، فالقراءات ثلاث سبعيات.

قوله : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَ) الخ ، لم تذكر صورة الكتاب ، بل اقتصرت على ما فيه الفائدة ، لشدة

١١٨

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٣٠) (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (٣١) (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بقلبها واوا ، أي أشيروا عليّ (فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) قاضيته (حَتَّى تَشْهَدُونِ) (٣٢) تحضرون (قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي أصحاب شدة في الحرب (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) (٣٣) نا نطعك (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) بالتخريب (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٣٤) أي مرسلو الكتاب

____________________________________

معرفتها وبلاغة لفظها. قوله : (كَرِيمٌ) مكرم معظم. قوله : (مختوم) أي لأن الكتاب المختوم ، يشعر بالاعتناء بالمرسل إليه ، لما ورد : من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به. قوله : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) جملة مستأنفة وقعت جوابا لسؤال مقدر تقديره : ما ذا مضمونه. قوله : (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) أي الأشراف ، سموا بذلك لأنهم يملؤون العين بمهابتهم ، وكانوا ثلاثمائة واثني عشر ، لكل واحد منهم عشرة آلاف من الأتباع. قوله : (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) أي إن عادتي معكم لا أفعل أمرا حتى أشاوركم. قوله : (أُولُوا قُوَّةٍ) الخ ، استفيد من ذلك أنهم أشاروا عليها بالقتال أولا ، ثم ردوا الأمر إليها. قوله : (نطعك) مجزوم في جواب الأمر.

قوله : (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ) الخ ، أي فلم ترض بالحرب الذي أشاروا عليها به ، بل اختارت الصلح وبينت سببه. قوله : (إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) أي عنوة. قوله : (بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) أي منتظرة رجوع الرسل وعودهم إلي. قوله : (إن كان ملكا قبلها) أي وقاتلناه. قوله : (أو نبيا لم يقبلها) أي واتبعناه ، لأنها كانت لبيبة عاقلة تعرف سياسة الأمور. قوله : (ألفا بالسوية) أي خمسمائة ذكر ، وخمسمائة أنثى. قوله : (فأمر أن تضرب لبنات الذهب والفضة) أي كما يضرب الطين. قوله : (وأن تبسط من موضعه) أي توضع في الأرض كالبلاط. قوله : (إلى تسعة فراسخ) أي وهو مسيرة يوم وثمن يوم. قوله : (وأن يبنوا) أي الجن. قوله : (عن يمين الميدان وشماله) أي وقصد بذلك إظهار البأس والشدة. وحاصل تفصيل تلك القصة : أن بلقيس عمدت إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية ، فألبست الجواري لباس الغلمان الأقبية والمناطق ، وألبست الغلمان لباس الجواري ، وجعلت في أيديهم أساور الذهب ، وفي أعناقهم أطواق الذهب ، وفي آذانهم أقرطة وشنوفا ، مرصعات بأنواع الجواهر ، وحملت الجواري على خمسمائة فرس ، والغلمان على خمسمائة برذون ، على كل فرس سرج من ذهب مرصع بالجواهر وأغشية الديباج ، بعثت إليه لبنات من فضة ، وتاجا مكللا بالدر والياقوت ، وأرسلت بالمسك والعنبر والعود ، وعمدت إلى حقة ، جعلت فيها درة ثمينة غير مثقوبة ، وخرزة جزع معوجة الثقب ، ودعت رجلا من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو ، وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب عقل ورأي ، وكتبت مع المنذر كتابا تذكر فيه الهدية وقالت : إن كنت نبيا فميز الوصفاء والوصائف ، وأخبرنا بما في الحقة قبل أن تفتحها ، واثقب الدرة ثقبا مستويا ، وأدخل في الخرزة خيطا من غير علاج أنس ولا جن ، وأمرت بلقيس الغلمان فقالت : إذا كلمكم سليمان ، فكلموه بكلام فيه تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء ، وأمرت الجواري أن يكلموه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال ، ثم قالت للرسول : انظر إلى الرجل إذا دخلت عليه ، فإن

١١٩

(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٣٥) من قبول الهدية أو ردها ، إن كان ملكا قبلها ، أو نبيا لم يقبلها ، فأرسلت خدما ذكورا وإناثا ألفا بالسوية ، وخمسمائة لبنة من الذهب ، وتاجا مكللا بالجواهر ، ومسكا وعنبرا وغير ذلك مع رسول بكتاب ، فأسرع الهدهد إلى سليمان يخبره الخبر ، فأمر أن تضرب لبنات الذهب والفضة ، وأن تبسط من موضعه إلى تسعة فراسخ ميدانا ، وأن يبنوا حوله حائطا مشرفا من الذهب والفضة ، وأن يؤتى بأحسن دواب البر والبحر مع

____________________________________

نظر إليك نظرا فيه غضب ، فاعلم أنه ملك فلا يهولنك منظره فأنا أعز منه ، وإن رأيت الرجل بشاشا لطيفا فاعلم أنه نبي ، فتفهم قوله ورد الجواب ، فانطلق الرسول بالهدايا ، وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر ، فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنا من الذهب والفضة ففعلوا ، وأمرهم بعمل ميدان مقدار تسع فراسخ ، وأن يفرش فيه لبن الذهب والفضة ، وأن يخلوا قدر تلك اللبنات التي معهم ، وأن يعملوا حول الميدان حائطا مشرفا من الذهب والفضة ففعلوا ، ثم قال سليمان : أي دواب البر والبحر أحسن؟ فقالوا : يا نبي الله رأينا في بحر كذا دواب مختلفة ألوانها ، لها أجنحة وأعراف ونواص ، قال : عليّ بها ، فأتوه بها ، قال : شدوها عن يمين الميدان وشماله ، وقال للجن : عليّ بأولادكم ، فاجتمع منهم خلق كثير ، فأقامهم على يمين الميدان وشماله ، ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره ، ووضع أربعة آلاف كرسي على يمينه وعلى شماله ، وأمر الجن والإنس والشياطين والوحوش والسباع والطير ، فاصطفوا فراسخ عن يمينه وشماله ، فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك سليمان ، رأوا الدواب التي لم يروا مثلها تروث على لبن الذهب والفضة تقاصرت إليهم أنفسهم ، ووضعوا ما معهم من الهدايا ، وقيل إن سليمان لما فرش الميدان بلبنات الذهب والفضة ، ترك من طريقهم موضعا على قدر ما معهم من اللبنات ، فلما رأى الرسل موضع اللبنات خاليا ، خافوا أن يتهموا بذلك ، فوضعوا ما معهم من اللبن في ذلك الموضع ، ولما نظروا إلى الشياطين ها لهم ما رأوا وفزعوا ، فقالت لهم الشياطين : جوزوا لا بأس عليكم ، وكانوا يمرون على كراديس الإنس والجن والوحش والطير ، حتى وقفوا بين يدي سليمان ، فأقبل عليهم بوجه طلق ، وتلقاهم ملقى حسنا وسألهم عن حالهم ، فأخبره رئيس القوم بما جاءوا به وأعطاه كتاب الملكة ، فنظر فيه وقال : أين الحقة؟ فأتى بها وحركها ، فجاء جبريل عليه‌السلام فأخبره بما فيها ، فقال لهم : إن فيها درة ثمينة غير مثقوبة وجزعة ، فقال الرسول : صدقت ، فأثقب الدرة وأدخل الخيط في الجزعة ، فقال سليمان : من لي بثقبها؟ وسأل الإنس والجن فلم يكن عندهم علم ذلك ، ثم سأل الشياطين فقالوا : ترسل إلى الأرضة ، فلما جاءت الأرضة أخذت شعرة في فمها ودخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر ، فقال لها سليمان : ما حاجتك؟ قالت : تصيّر رزقي في الشجر ، فقال لها : ذلك لك ، ثم قال : من لهذه الخرزة؟ فقالت دودة بيضاء : أنا لها يا نبي الله ، فأخذت الدودة خيطا في فمها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر ، فقال لها سليمان : ما حاجتك؟ قالت : يكون رزقي في الفواكه ، فقال : لك ذلك ، ثم ميز بين الغلمان والجواري بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم ، فجعلت الجارية تأخذ الماء بيدها وتضرب بها الأخرى وتغسل وجهها ، والغلام يأخذ الماء بيديه ويضرب به وجهه ، وكانت الجارية تصب الماء على باطن

١٢٠