حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٢

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي


المحقق: محمد عبدالسلام شاهين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥١٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الأنفال

مدنيّة

أو إلا (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ) الآيات السبع فمكية. وهي خمس أو ست أو سبع وسبعون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) لما اختلف المسلمون في غنائم بدر فقال الشبان هي لنا لأنا باشرنا القتال وقال الشيوخ كنا ردءا لكم تحت الرايات ولو انكشفتم لفئتم إلينا فلا تستأثروا بها نزل (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد (عَنِ الْأَنْفالِ) الغنائم لمن هي (قُلِ) لهم (الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) يجعلانها حيث شاءا فقسمها صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهم على السواء رواه الحاكم في المستدرك (فَاتَّقُوا

________________________________

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الأنفال مدنية

أو إلا (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ) الآيات السبع فمكية. وهي خمس أو ست أو سبع وسبعون آية

قوله : (سورة الأنفال) مبتدأ مضاف إليه ، و (مدنية) خبر أول و (خمس إلخ) خبر ثان. قوله : (أو إلا) أو لحكاية الخلاف ، فإنه اختلف هل هى مدنية كلها وهو الصحيح ، أو إلا سبع آيات أولها (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وآخرها (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) فمكيات وهو ضعيف ، ولا يلزم كونها في شأن أهل مكة أنها نزلت بها بل نزلت بالمدينة حكاية عما وقع في مكة. قوله : (في غنائم بدر) أي لأنها أول غنيمة في الإسلام. قوله : (وقال الشيوخ) أي وكانوا محدقين برسول الله خوفا عليه من العدو. قوله : (كنا ردءا) أي عونا لكم. قوله : (ولو انكشفتم) أي انهزمتم. قوله : (لفئتم) أي رجعتم.

قوله : (يَسْئَلُونَكَ) السؤال إن كان تعيين الشيء وتبيينه ، تعدى للمفعول الثاني بعن كما هنا ، وإن كان بمعنى طلب الإعطاء ، تعدى للمفعولين بنفسه ، كسألت زيدا مالا ، خلافا لمن فهم أن ما هنا من الثاني وادعى زيادة عن. قوله : (عَنِ الْأَنْفالِ) جمع نفل مثل سبب وأسباب ، ويقال نفل بسكون الفاء أيضا وهي الزيادة ، لزيادة هذه الأمة بها عن الأمم السابقة ، فإنها لم تكن حلالا لهم ، بل كانوا إذا غنموا غنيمة وضعوها في مكان ، فإن قبلها الله منهم ، أنزل عليها نارا أحرقتها ، وإلا بقيت. قوله : (لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) قيل : إن معنى ذلك ، أنها مملوكة لله ، وأعطاها ملكا لرسوله يتصرف فيها كيف يشاء ، وعلى هذا فقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) الآية ناسخة لها ، وقيل إن ما يأتي توضيح لما هنا وتفصيل له ، والآية محكمة ، فيكون المعنى لله والرسول من حيث قسمتها على المجاهدين. قوله : (يجعلانها حيث شاءا) أي فامتثلوا ما يأمركم به.

٣

اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) حقا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) الكاملون الإيمان (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) أي وعيده (وَجِلَتْ) خافت (قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) تصديقا (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٢) به يثقون لا بغيره (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يأتون بها بحقوقها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) أعطيناهم (يُنْفِقُونَ) (٣) في طاعة الله (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر (هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) صدقا بلا شك (لَهُمْ دَرَجاتٌ) منازل في الجنة (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٤) في الجنة (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ

________________________________

قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ) أي امتثلوا أمره وأمر نبيه. قوله : (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي الحالة وهي الوصلة الإسلامية ، فالمعنى اتركوا النزاع والشحناء ، والزموا المودة والمحبة بينكم ، ليحصل النصر والخير لكم. قوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي فيما يأمركم به. قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه. قوله : (حقا) أي كاملين في الإيمان ، فعلامة كمال الإيمان ، طاعة الله والرسول ، وعدم وجود الحرج في النفس ، قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) استئناف مسوق لبيان صفات المؤمنين ، فهو كالدليل لما قبله. قوله : (الكاملون الإيمان) بالنصب على نزع الخافض ، أي فيه ، وفي بعض النسخ بحذف النون ، فيكون مضافا للإيمان. قوله : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) وصل (الَّذِينَ) بثلاث صلات كلها متعلقة بالقلب. قوله : (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) أي فزعت لاستيلاء هيبته على قلوبهم. قوله : (تصديقا) أشار بذلك إلى أن التصديق يقبل الزيادة ، إذ لا يصح أن يكون إيمان الأنبياء كإيمان الفساق ، وما قبل الزيادة قبل النقص ، وبذلك أخذ مالك والشافعي وجمهور أهل السنة. قوله : (به يثقون) أشار بذلك إلى أن (عَلى) بمعنى الباء ، و (يَتَوَكَّلُونَ) بمعنى يتقون ، وقوله : (لا بغيره) حصر أخذ من تقديم المعمول ، والمعنى أن ثقتهم بالله لا بغيره ، فلا يعتمدون على عمل ولا على مال ، ولا يخافون من غيره.

قوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) أي يلازمونها في أوقاتها ، مستوفية الشروط والأركان والآداب. قوله : (يُنْفِقُونَ) أي النفقة الواجبة كالزكاة ، أو المندوبة كالصدقة. قوله : (حَقًّا) صفة لمصدر محذوف ، أي إيمانا حقا. قوله : (بلا شك) أي لظهور علامة الإيمان الكامل فيهم. قوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) العندية عندية مكانة لا مكان. قوله : (وَمَغْفِرَةٌ) أي غفران لذنوبهم. قوله : (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي دائم مستمر لا نكد فيه ولا تعب ، مقرون بالتعظيم والتكريم.

قوله : (كَما أَخْرَجَكَ) الكاف بمعنى مثل ، وما مصدرية خبر لمحذوف ، والتقدير قسم الغنائم عموما ، والحال أن بعض الصحابة كارهون لذلك ، مثل إخراجك من بيتك ، والحال أنهم كارهون لذلك ، فهو تشبيه حكم بحكم ، أو قصة بقصة ، وهذا أحسن الأعاريب ، ولذا درج عليه المفسر ، فالمشبه : قسم الغنائم عموما ، والمشبه به : الخروج لقتال ذي الشوكة ، بجامع أن كلا كان فيه كراهة لبعض المؤمنين ، بحسب الصورة الظاهرية ، وفي الواقع : ونفس الأمر خير ومصلحة للعموم في كل ، لأن الأول ترتب عليه إصلاح ذات البين ، والثاني ترتب عليه عز الإسلام ونصره.

٤

بِالْحَقِ) متعلق بأخرج (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) (٥) الخروج والجملة حال من كاف أخرجك وكما خبر مبتدأ محذوف أي هذه الحال في كراهتهم لها مثل إخراجك في حال كراهتهم وقد كان خيرا لهم فكذلك أيضا وذلك أن أبا سفيان قدم بعير من الشام فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ليغنموها فعلمت قريش فخرج أبو جهل ومقاتلو مكة ليذبوا عنها وهم النفير وأخذ أبو سفيان بالعير طريق الساحل فنجت فقيل لأبي جهل ارجع فأبى وسار إلى بدر فشاور صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه وقال إن الله وعدني إحدى الطائفتين فوافقوه على قتال النفير وكره بعضهم ذلك وقالوا لم نستعد له كما قال تعالى : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) القتال (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) ظهر لهم (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ

________________________________

قوله : (مِنْ بَيْتِكَ) أي الكائن بالمدينة ، أو المراد بالبيت نفس المدينة ، قوله : (متعلق بإخراج) أي والباء سببية ، والمعنى : أخرجك من بيتك بسبب الحق ، أي إظهار الدين ورفع شأنه ، ويصح أن تكون الباء للملابسة ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الكاف في أخرجك ، أي أخرجك متلبسا بالحق أي الوحي ، لا عن هوى نفسك. قوله : (والجملة حال) أي مقدرة ، لأنهم وقت الخروج لم يكونوا كارهين ، وإنما طرأت الكراهة عند الأمر بقتال ذي الشوكة. قوله : (أي هذه الحال) أي وهي قسم الغنائم على العموم. قوله : (في كراهتهم لها) هذا هو وجه المماثلة والمشابهة بينهما. قوله : (فكذلك أيضا) أي قسم الغنائم كان خيرا انتهاء لما فيه من إصلاح ذات البين. قوله : (قدم بعير) أي إبل حاملة تجارة ، وكان فيها أموال كثيرة ورجال قليلة نحو الأربعين. قوله : (فعلمت قريش) إي بإخبار ضمضمة بن عمرو الغفاري الذي اكتراه أبو سفيان ، ليعلم قريشا بذلك. قوله : (ومقاتلو مكة) أي وكانوا ألفا إلا خمسين. قوله : (وأخذ أبو سفيان) أي عدل عن الطريق المعتاد للمدينة ، وسار بساحل البحر. قوله : (فشاور صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحابه) أي في المضي إلى بدر لقتال النفير. قوله : (فوافقوه) أي آخرا ، بعد أن توقف بعضهم محتجا بعدم التهيؤ ، وكان إذ ذاك صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوادي دقران ، بدال وقاف وراء ، بوزن سلمان ، واد قريب من الصفراء ، وعند المشاورة قام أبو بكر وعمر فأحسنا في القول ، ثم قام سعد بن عبادة فقال : انظر أمرك فامض فيه ، فو الله لو سرت إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار ، ثم قال مقداد بن عمرو : امض كما أمرك الله ، فإنا معك حيثما أحببت ، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : (اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا ههنا قاعدون) ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا معكما مقاتلون. فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : أيها الناس أشيروا علي ، وهو يريد الأنصار ، فقام سعد بن معاذ ، فقال : كأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال أجل ، قال إنا قد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أنا ما جئت به هو الحق ، فامش يا رسول الله لما أردت فإنا لا نكره أن يلقى عدونا ، وإنا لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ، ثم قال رسول الله : سيروا على بركة الله وأبشروا ؛ فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم.

قوله : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) أي يقيمون حجة قبالة حجة ، فليس المراد بالجدال ، الجدال في الباطل. قوله : (ظهر لهم) أي تحتم القتال. قوله : (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) أي كأنهم مثل من يساق

٥

يَنْظُرُونَ) (٦) إليه عيانا في كراهتهم له (وَ) اذكر (إِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) العير أو النفير (أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ) تريدون (أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ) أي البأس والسلاح وهي العير (تَكُونُ لَكُمْ) لقلة عددها وعددها بخلاف النفير (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَ) يظهره (بِكَلِماتِهِ) السابقة بظهور الإسلام (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) (٧) آخرهم بالاستئصال فأمركم بقتال النفير (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ) يمحق (الْباطِلَ) الكفر (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (٨) المشركون ذلك اذكر (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) تطلبون منه الغوث بالنصر عليهم (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي) أي بأني (مُمِدُّكُمْ) معينكم (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٩) متتابعين يردف بعضهم بعضا وعدهم بها أولا ثم صارت ثلاثة آلاف ثم خمسة كما في آل عمران وقرىء بألف كأفلس جمع (وَما جَعَلَهُ اللهُ) أي الإمداد (إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (١٠) اذكر (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً) أمنا مما حصل لكم من الخوف (مِنْهُ) تعالى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ

____________________________________

إلى القتال ، وهو ينظر بعينه أسبابه. قوله : (في كراهتهم له) هذا هو وجه المشابهة ، وسبب تلك الكراهة قلة عددهم وعددهم ، فقد ورد أنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر ، والكل رجال ، وليس فيهم إلا فرسان. قوله : (بخلاف النفير) أي فإنه كثير العدد والعدد. قوله : (يظهره) جواب عما يقال إن فيه تحصيل الحاصل ، وكذا يقال في قوله : (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ). قوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) ليس مكررا مع ما قبله ، لأن المراد بالأول ، تثبيت ما وعد به في هذه الواقعة من النصرة والظفر بالأعداء ، والمراد بالثاني ، تقوية الدين وإظهار الشريعة مدى الأيام.

قوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ) إما خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقط ، فيكون الجمع للتعظيم ، أو خطاب للنبي وأصحابه ، روي عن ابن عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب قال ، لما كان يوم بدر ، نظر صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، فاستقبل نبي الله القبلة ، ثم مد يديه ، فجعل يهتف بربه يقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آتني ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ، فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه ، فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه وقال : يا نبي الله ، كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ، فنزلت هذه الآية. قوله : (تطلبون منه الغوث) أشار بذلك إلى أن السين والتاء للطلب. قوله : (مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ) ورد أن جبريل نزل بخمسمائة وقاتل بها في يسار الجيش وفيه علي ، ولم يثبت أن الملائكة قاتلت في وقعة إلا في بدر ، وأما في غيرها فكانت تنزل الملائكة لتكثير عدد المسلمين ولا تقاتل. قوله : (يردف بعضهم بعضا) أي يعقبه في المجيء. قوله : (وعدهم بها أولا) أشار بذلك إلى الجمع بين ما هنا وبين ما في آل عمران. وقوله : (قرىء) أي شذوذا. قوله : (كأفلس) أي فأبدلت الهمزة الثانية ألفا. قوله : (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي فلا يتوقف على تهيؤ بعدد ولا عدد.

قوله : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) أي دفعة واحدة فناموا كلهم ، وهذا على خلاف العادة ، فهي معجزة لرسول الله ، حيث غشي الجميع النوم في وقت الخوف ، وفيه ثلاث قراءات سبعية ، يغشاكم

٦

ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) من الأحداث والجنابات (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) وسوسته إليكم بأنكم لو كنتم على الحق ما كنتم ظمآى محدثين والمشركون على الماء (وَلِيَرْبِطَ) يحبس (عَلى قُلُوبِكُمْ) باليقين والصبر (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) (١١) أن تسوخ في الرمل (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ) الذين أمد بهم المسلمين (أَنِّي) أي بأني (مَعَكُمْ) بالعون والنصر (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) بالإعانة والتبشير (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) الخوف (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) أي الرؤوس (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) (١٢) أي أطراف اليدين والرجلين فكان الرجل يقصد ضرب رقبة

____________________________________

كيلقاكم ، والنعاس مرفوع على الفاعلية ، ويغشيكم بتشديد الشين وضم ياء المضارعة ، ويغشيكم بتخفيف الشين وضم ياء المضارعة ، والنعاس منصوب على المفعولية في هاتين القراءتين. قوله : (أَمَنَةً) منصوب على الحال على القراءة الأولى ، أو المفعول لأجله على القراءتين الأخرتين ، قال عبد الله بن مسعود : النعاس في القتال أمنة في الصلاة من الشيطان ، قيل إنهم لما خافوا على أنفسهم ، لكثرة عدد العدو وعددهم ، وقلة المسلمين ، وعطشوا عطشا شديدا ألقى الله عليهم النوم ، حتى حصلت لهم الراحة ، وزال عنهم العطش ، وتمكنوا من قتال عدوهم ، فكان ذلك النوم نعمة في حقهم ، لأنه كان خفيفا ، بحيث لو قصدهم العدو لتنبهوا له ، وقدروا على دفعه. قوله : (من الخوف) بيان لما. قوله : (لِيُطَهِّرَكُمْ) إلخ أي وذلك أنهم وقفوا في كثيب رمل ، فشق المشي عليهم فيه من لينه ونعومته ، واشتد عليهم الخوف من أن يأتيهم العدو في تلك الحالة ، فألقى الله عليهم النعاس ، فاحتلم معظمهم فاشتد احتياجهم إلى الماء ، فوسوس لهم الشيطان بما ذكره المفسر ، فرد الله كيده بإنزال المطر الكثير عليهم ، فشربوا وتطهروا وملؤوا القرب ، وتلبد الرمل حتى سهل المشي عليه.

قوله : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ) معمول لمحذوف أي اذكر ، ولم يقدره المفسر اتكالا على تقديره فيما سبق. قوله : (إِلَى الْمَلائِكَةِ) أل للعهد الذكرى ، أي المذكورين فيما سبق في قوله : (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) كما أشار إليه المفسر. قوله : (أَنِّي مَعَكُمْ) الجملة في محل نصب مفعول ليوحي. قوله : (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) أي قووا قلوبهم ، واختلف في كيفية هذه التقوية ، فقيل إن الشيطان كما أن قوة في إلقاء الوسوسة في قلب آدم بالسوء ، كذلك الملك له قوة في إلقاء الإلهام في قلب ابن آدم بالخير ، ويسمي ما يلقيه الملك إلهاما ، وقيل إن ذلك التثبيت حضورهم القتال معهم ، ومعونتهم لهم بالقتال بالفعل ، وقيل معناه بشرورهم بالنصر والظفر ، فكان الملك يمشي في صفة رجل أمام الصف ويقول : أبشروا فإن الله ناصركم عليهم.

قوله : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) كالتفسير لقوله : (أَنِّي مَعَكُمْ) وقوله : (فَاضْرِبُوا) الخ. كالتفسير لقوله : (فَثَبِّتُوا) فهو لف ونشر مرتب. قوله : (الرؤس) تفسير للفظ (فَوْقَ) وقد توسع فيه حيث استعملوه مفعولا به ، وإن كان أصله ظرف مكان ملازم للظرفية ، وقيل إن لفظة (فَوْقَ) زائدة ، وقد أشار له المفسر بقوله : (يقصد ضرب رقبة الكافر) إلخ ، فقد أشار المفسر إلى قولين ، وقيل إن فوق باقية على ظرفيتها والمفعول محذوف ، أي فاضربوهم فوق الأعناق ، وقيل إن فوق بمعنى على ، والمفعول محذوف أيضا ، أي فاضربوهم على الأعناق. قوله : (أي أطراف اليدين والرجلين)

٧

الكافر فتسقط قبل أن يصل إليه سيفه ورماهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقبضة من الحصى فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه منها شيء فهزموا (ذلِكَ) العذاب الواقع بهم (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا) خالفوا (اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١٣) له (ذلِكُمْ) العذاب (فَذُوقُوهُ) أيها الكفار في الدنيا (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) في الآخرة (عَذابَ النَّارِ) (١٤) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) أي مجتمعين كأنهم لكثرتهم يزحفون (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) (١٥) منهزمين (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ) أي يوم لقائهم (دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً) منعطفا (لِقِتالٍ) بأن يريهم الفرة مكيدة وهو يريد الكرة (أَوْ مُتَحَيِّزاً) منضما (إِلى فِئَةٍ) جماعة من المسلمين يستنجد بها (فَقَدْ باءَ) رجع (بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٦) المرجع هي وهذا مخصوص بما إذا لم يزد الكفار على

____________________________________

في المصباح : البنان الأصابع ، وقيل أطرافها ، والواحدة بنانة. قوله : (إلا دخل في عينيه) أي وفي فمه وأنفه.

قوله : (ذلِكَ) (العذاب) أي من إلقاء الرعب والقتل والأسر ، وقوله : (بِأَنَّهُمْ) الباء سببية. قوله : (خالفوا) (اللهَ وَرَسُولَهُ) أصل معناها المجانبة ، لأنهم صاروا في شق ، وجانب عن النبي والمؤمنين. قوله : (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) أي وما نزل بهم في هذا اليوم قليل ، بالنسبة لما ادخر لهم عند الله. قوله : (ذلِكُمْ) (العذاب) اسم إشارة مبتدأ خبره محذوف قدره المفسر ، وقوله : (فَذُوقُوهُ) لا تعلق له بما قبله من جهة الإعراب. قوله : (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) عطف على ذلكم ، أو نصب على المفعول معه.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ) خطاب لكل من يحضر القتال. قوله : (زَحْفاً) حال من المفعول به وهو (الَّذِينَ) فهو مؤول بالمشتق ، أي حال كونهم زاحفين. قوله : (أي مجتمعين) إلخ ، أي فالمعنى على التشبيه بالزاحفين على أدبارهم في بطء السير ، وذلك لأن الجيش إذا كثر والتحم بعضه ببعض ، يتراءى أن سيره بطيء ، وإن كان في نفس الأمر سريعا ، وفي المصباح زحف القوم زحفا من باب نفع. قوله : (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) ويطلق الدبر على مقابل القبل ، ويطلق على الظهر وهو المراد هنا ، والمقصود ملزوم تولية الظهر وهو الانهزام ، فهذا اللفظ استعمل في ملزوم معناه كما أشار المفسر بقوله : (منهزمين) و (الْأَدْبارَ) مفعول ثان لتولوهم. وكذا (دُبُرَهُ) مفعول ثان ليولوهم ، وفي الآية تعريض ، حيث ذكر لهم حالة تستهجن من فاعلها في تعبيره بلفظ الدبر دون الظهر. قوله : (أي يوم لقائهم) حل معنى ، وإلا فمقتضى التنوين في إذ ، أن يقول : يوم لقيتموهم ، لأنه عوض عن جملة.

قوله : (إِلَّا مُتَحَرِّفاً) في نصبه مع ما عطف عليه وجهان : أحدهما أنه حال ، والثاني أنه مستثنى من ضمير المؤمنين. قوله : (الفرة) بفتح الفاء ، وهي المرة من الفر ، بمعنى الفرار ، أي الهرب ، وقوله : (مكيدة) أي خديعة ومكرا ، قوله : (وهو يريد الكرة) أي الرجعة ، لأن الكرة المرة من الرجوع ، والكر الرجوع ، وهذا أحد أبواب الحرب ومكايدها. قوله : (أَوْ مُتَحَيِّزاً) التحيز والتحوز الانضمام ، وأصل تحيز : تحيوز ، اجتمعت الواو والياء ، وسبقت إحداهما بالسكون ، قلبت الواو ياء ، وادغمت الياء في الياء قوله : (يستنجد) أي يستنصر ويستعين.

قوله : (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ) جواب الشرط وهو من ، والباء للملابسة ، أي ملتبسا ومصحوبا بغضب. قوله : (وَمَأْواهُ) أي مسكنه ، وفي الآية وعيد عظيم ، ولذلك قيل : إن الفرار أكبر الكبائر بعد

٨

الضعف (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) ببدر بقوتكم (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) بنصره إياكم (وَما رَمَيْتَ) يا محمد أعين القوم (إِذْ رَمَيْتَ) بالحصى لأن كفا من الحصى لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية بشر (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) بإيصال ذلك إليهم فعل ذلك ليقهر الكافرين (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً) عطاء (حَسَناً) هو الغنيمة (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) (١٧) بأحوالهم (ذلِكُمْ) الإبلاء حق (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ) مضعف (كَيْدِ الْكافِرِينَ) (١٨) (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) أيها الكفار أي تطلبوا الفتح أي القضاء حيث قال أبو جهل منكم اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة

____________________________________

الكفر. قوله : (مخصوص) أي مقصور ، أي فإن زادت عن الضعف ، كما إذا كان المسلمون ربع الكفار ، فلا يحرم الفرار.

قوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) نزلت هذه الآية لما افتخر المسلمون بعد رجوعهم من بدر ، فكان الواحد منهم يقول : أنا قتلت كذا ، أسرت كذا ، فعلمهم الله الأدب بقوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) إلخ ، والفاء واقعة في جواب شرط مقدر ، أي افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم. قوله : (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) قرىء بتشديد لكن وتخفيفها ، فعلى التخفيف تكون مهملة ، ولفظ الجلالة مرفوع على الابتداء ، وعلى التشديد تكون عاملة عمل إن ، ولفظ الجلالة منصوب على أنه اسمها ، وهما قراءتان سبعيتان.

قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) ظاهره التناقض ، حيث جمع بين النفي والإثبات ، والجواب أن المنفي الرمي ، بمعنى إيصال الحصى لأعينهم ، والمثبت فعل الرمي ، كما أشار لهذا الجواب المفسر بقوله : (بإيصال ذلك اليهم). قوله : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) فيه القراءتان المتقدمتان ، وقد علمت أن حكمة قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) التأديب لبعض المؤمنين ، وأما حكمة قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ) إثبات أنها معجزة من الله لنبيه ، لتذكر من جملة معجزاته التي أمر بالتحدث بها ، قال تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) ، وقال البوصيري :

ورمى بالحصى فأقصد جيشا

ما الحصا عنده وما الإلقاء

قوله : (فعل) أي الله ذلك ، أي القتل والرمي ، وقوله : (ليقهر) إلخ قدره ليعطف عليه (وَلِيُبْلِيَ). قوله : (عطاء) أي فالمراد من الإبلاء الإعطاء ، فهو إبلاء بخير لا بشر ، فإن البلاء يقع على النعمة وعلى المحنة لأن أصله الاختيار ، وذلك كما يكون بالمحنة لإظهار الصبر ، يكون بالنعمة لإظهار الشكر. قوله : (ذلِكُمْ) مبتدأ خبره محذوف ، قدره المفسر بقوله : (حق) ، وقوله : (وَأَنَّ اللهَ) يجوز أن يكون معطوفا على (ذلِكُمْ) فيكون في محل رفع بالابتداء ، وخبره محذوف أيضا ، والمعنى ذلكم الإبلاء للمؤمنين حق ، وتوهين كيد الكافرين حق و (مُوهِنُ) بفتح الواو وتشديد الهاء والتنوين ، فكيد منصوب على المفعولية به ، ويقرأ بسكون الواو ، وتخفيف الهاء من أوهن ، كأكرم ، منونا أو مضافا ، إلى كيد ، فالقراءات ثلاث ، وكلها سبعية. قوله : (أيها الكفار) أي فهو خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم ، لأنهم الذين وقع بهم الهلاك ، والفتح وقع لغيرهم. قوله : (أي القضاء) أي الحكم بينكم وبين محمد ، بنصر المحق وخذلان المبطل. قوله : (حيث قال أبو جهل) أي وغيره من قريش ، حين أرادوا الخروج إلى بدر ، وتعلقوا بأستار الكعبة ، ودعوا بما ذكره المفسر. قوله : (أينا) أي الفريقين ، يعني نفسه ومن معه ، ومحمدا ومن معه ، وهو يزعم أن محمدا هو القاطع للرحم ، حيث خرج من بلده وترك أقاربه. قوله : (فأحنه

٩

أي أهلكه (فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) القضاء بهلاك من هو كذلك وهو أبو جهل ومن قتل معه دون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين (وَإِنْ تَنْتَهُوا) عن الكفر والحرب (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا) لقتال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (نَعُدْ) لنصره عليكم (وَلَنْ تُغْنِيَ) تدفع (عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ) جماعاتكم (شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٩) بكسر إن استئنافا وفتحها على تقدير اللام (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا) تعرضوا (عَنْهُ) بمخالفة أمره (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (٢٠) القرآن والمواعظ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (٢١) سماع تدبر واتعاظ وهم المنافقون أو المشركون (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُ) عن سماع الحق (الْبُكْمُ) عن النطق به (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (٢٢) (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) صلاحا بسماع الحق (لَأَسْمَعَهُمْ) سماع تفهم (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) فرضا وقد علم أن لا خير فيهم (لَتَوَلَّوْا) عنه (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣) عن قبوله عنادا وجحودا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) بالطاعة (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) من أمر

____________________________________

الغداة) الحين ، بالفتح الهلاك ، حان الرجل : هلك ، وأحانه الله : أهلكه ، والغداة ظرف للحين أي أهلكه فيما يستقبل. قوله : (وفتحها على تقدير اللام) أي فهما قراءتان سبعيتان ، أي واللام المقدرة للتعليل.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) أي دوموا على طاعته وعلى عدم التولي يدم لكم العز الذي حصل ببدر. قوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ) إلخ نزلت في جماعة من بني عبد الدار بن قصي ، كانوا يقولون : نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد ، وتوجهوا مع أبي جهل حاملين اللواء لقتال النبي وأصحابه ببدر ، فقتلوا جميعا ، ولم يسلم منهم إلا اثنان ، مصعب بن عمير ، وسبيط بن حرملة ، والدواب في اللغة ما دب على وجه الأرض ، عاقلا أو غيره ، وفي العرف ، مخصوص بالخيل والبغال والحمير ، وفي الآية غاية الذم لهم ، بأنهم أشر من الكلب والخنزير والحمير. قوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) هذا تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عدم إيمانهم ، ولو حرف امتناع لامتناع ، والمعنى امتنع سماعهم الخير ، سماع تفهم لامتناع علم الخير فيهم.

قوله : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) هذا ترق في التسلية ، والمعنى لو فرض أن الله أسمعهم سماع تفهم ، لتولوا وهم معرضون عنه عنادا فلا تحزن على كفرهم ، فإن كفرهم ثابت مطلقا ، فهموا الحق أولا ، هذا حاصل معنى الآية ، واستشكل ظاهرها بأن الآية دلت على القياس ، حاصله لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ، ولو أسمعهم لتولوا ، ينتج : لو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهو فاسد ، إذ لو علم الله الخير فيهم لآمنوا ولم يكفروا ، وأجيب بجوابين ، الأول : أن الحد المكرر لم يتحد معنى ، وشرط الإنتاج اتحاده معنى ، لأن المراد بالإسماع الأول الموجب للفهم والإذعان ، والإسماع الثاني للفهم من غير إذعان. الثاني : أن الكلام تم عند قوله : (لَأَسْمَعَهُمْ) وقوله : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) ترق في التشنيع عليهم ، فالمعنى هم لم يؤمنوا ولم ينقادوا عند التفهم على فرض حصوله ، فعدم إيمانهم عند عدمه أولوي ، نظير لو لم يخف الله لم يعصه ، ولكن توليهم عند ظهور الحق عناد وجحود ، وعند عدمه جهل.

قوله : (اسْتَجِيبُوا) السين والتاء زائدتان للتوكيد. قوله : (إِذا دَعاكُمْ) أفرد لأن دعوة الرسول في الحقيقة هي لله ، وذكر الرسول أولا ، لأنه المبلغ عن الله ، فعدم طاعته مخالفة لله. قوله : (لِما يُحْيِيكُمْ)

١٠

الدين لأنه سبب الحياة الأبدية (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإرادته (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٢٤) فيجازيكم بأعمالكم (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) إن أصابتكم (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) بل تعمهم وغيرهم واتقاؤها بإنكار موجبها من المنكر (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢٥) لمن خالفه (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) أرض مكة (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) يأخذكم الكفار بسرعة (فَآواكُمْ) إلى المدينة (وَأَيَّدَكُمْ) قوّاكم (بِنَصْرِهِ) يوم بدر بالملائكة (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) الغنائم (لَعَلَّكُمْ

____________________________________

ما إما نكرة وجملة يحييكم صفة ، أو اسم موصول وما بعدها صلة ، والمعنى لما فيه حياتكم الأبدية. قوله : (من أمر الدين) أي وهو الإيمان والإسلام ، وقيل هو القرآن ، لأنه حياة القلوب ، وبه النجاة من أهوال الدنيا والآخرة ، وقيل هو الحق مطلقا ، وقيل الجهاد في سبيل الله وأتمها ما قاله المفسر.

قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) أي يفصل بينهما بتصاريفه وأحكامه ، وذلك كناية عن كونه أقرب للشخص من قلبه ومن قلبه لذاته ، بل هو أقرب من السمع للأذن ، ومن البصر للعين ، ومن اللمس للجسد ، ومن الشم للأنف ، ومن الذوق للسان ، فشبه القرب بالحيلولة ، واستعير اسم المشبه به ، وهو الحيلولة للمشبه ، وو هو القرب واشتق من الحيلولة يحول بمعنى يقرب ، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية. قوله : (فلا يستطيع أن يؤمن أو يفكر إلا بإرادته) تقدم أنه لا مفهوم للفكر والإيمان بل السمع والبصر والشم والذوق واللمس في قبضة الله سبحانه ، إن شاء أبقاه وإن شاء أذهبه ، وإنما خص الإيمان والكفر لأن مناط السعادة والشقوة بهما. قوله : (فيجازيكم بأعمالكم) أي إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.

قوله : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) أي سبب فتنة وهي المعاصي ، فإنها سبب لنزول المصائب الدنيوية. قوله : (تُصِيبَنَ) الجملة صفة لفتنة ، و (لا) نافية ، و (تُصِيبَنَ) فعل مضارع مبني على الفتح ، لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، وهو واقع في جواب شرط مقدر ، قدره المفسر بقوله : (إن أصابتكم) وليس جوابا للأمر ، لأن المرتب على تقواها عدم إصابتها أحدا لا خصوصا ولا عموميا ، وإنما أكد الفعل المضارع المنفي بالنون ، إجراء له مجرى النهي. قوله : (بل تعمهم وغيرهم) أي فالظالم لظلمه ، وغير الظالم لإقراره وسكوته وعدم نهيه عن المنكر ، وفي الحديث ما معناه «مثل الظالم كمثل جماعة في أسفل مركب ، ومثل غير الظالم كمثل جماعة في أعلى المركب ، فأراد أهل الأسفل أن يخرقوا خرقا يستقون منه ، فإن سلم لهم أهل الأعلى هلكوا جميعا ، وإن قاموا عليهم نجوا جميعا. قال ابن عباس : إن الله أمر المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم ، فيعمهم الله بالعذاب ، فيصيب الظالم وغير الظالم ، وفي الحديث : «إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة ، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك ، عذب الله العامة والخاصة» ، وورد «إذا عمت الخطيئة في الأرض ، كان من شهدها فأنكر ، كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها فرضيها ، كان كمن شهدها» ، إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في ذلك ، فإذا علمت ذلك ، فلا تشكل هذه بقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ، بما علمت أن الساكت على المنكر ، مؤاخذ بوزر نفسه لا بوزر المباشر.

قوله : (وَاذْكُرُوا) خطاب للنبي وأصحابه ، نزلت بعد غزوة بدر. قوله : (مُسْتَضْعَفُونَ) أي

١١

تَشْكُرُونَ) (٢٦) نعمه. ونزل في أبي لبابة مروان بن عبد المنذر وقد بعثه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكمه فاستشاروه فأشار إليهم أنه الذبح لأن عياله وماله فيهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا

____________________________________

مظهرون الضعف لعدم أمركم بالقتال. قوله : (الغنائم) أي فلما هاجروا وأمروا بالقتال ، تركوا التجارة وصار رزقهم من الغنائم ، وفي الحديث : «جعل رزقي تحت ظل رمحي».

قوله : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي فتزدادوا من النعم ، لأن بالشكر تزداد النعم ، قال تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ). قوله : (ونزل في أبي لبابة) اسمه مروان كما في بعض النسخ ، وقيل رفاعة. قوله : (وقد بعثه) إلخ حاصل قصته : أن رسول الله حاصر قريظة خمسا وعشرين ليلة ، وقيل خمسة عشر ، وقيل بضعة عشر يوما ، فلما اشتد عليهم الأمر ، قام عليهم رئيسهم كعب بن أسد ، وعرض عليهم الإيمان ، فقال : يا معشر اليهود ، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإني أعرض عليكم خصالا ثلاثا ، فخذوا أيها شئتم ، قالوا : وما هي؟ قال : نتابع هذا الرجل ونصدقه ، فو الله لقد تبين أنه نبي مرسل ، وأنه الذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ، فأبوا ، فقال : هلم نقتل أبناءنا ونسائنا ، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه ، رجالا مجردين السيوف من أغمادها ، ولم نترك وراءنا ثقلا ، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، فقالوا : أي عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا؟ فقال : إن هذه الليلة ليلة السبت ، وعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها ، فانزلوا لعلنا نصيب منهم غزوة ، فقالوا : نفسد سبتنا ، وقد علمت مسخ من خالف السبت ، فأرسلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ابعث لنا أبا لبابة نستشيره في أمرنا فأرسله إليهم ، فلما رأوه قام إليه الرجال ، وفزع النساء والصبيان يبكون في وجهه ، فرق لهم ، وقالوا : يا أبا لبابة ، أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال نعم ، وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح ، فقال أبو لبابة : فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني خنت الله ورسوله ، ثم انطلق وسلك طريقا أخرى ، فلم يا أت رسول الله حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال : لا أبرح من مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت ، فما بلغ خبره رسول الله وقد استبطأه قال : أما لو جاءني لاستغفرت له ، وأما إذا فعل ما فعل ، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه ، فأقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال ، وقيل بضعة عشر ليلة ، حتى ذهب سمعه وكاد يذهب بصره ، وكانت امرأته تأتيه في وقت كل صلاة ، فتحله للصلاة ثم تربطه ، ثم نزلت توبته في بيت أم سلمة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سحرا ، فقام يضحك ، فقالت أم سلمة : مم تضحك أضحك الله سنك؟ قال : تيب على أبي لبابة ، قالت : أفلا أبشره ، يا رسول الله؟ قال : بلى إن شئت ، فقامت على باب حجرتها ، وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب ، فقالت : يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك ، فتسارع إليه الناس ليطلقوه ، فقال لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده ، فلما أصبح الصبح أطلقه فلما اشتد الحصار على بني قريظة ، أطاعوا وانقادوا أن ينزلوا على حكم رسول الله ، فحكم فيهم سعد بن معاذ وكان في خيمة في المسجد الشريف لامرأة من أسلم يقال لها رفيدة ، وكانت تداوي الجرحى حسبة ، فأتي به ، فلما حضر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوموا لسيدكم ، فقاموا إليه ، فقالوا : إن رسول الله ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم ، فقال سعد : إني أحكم فيهم أن تقتل الرجال ، وتقسم الأموال ، وتسبي الذراري والنساء ، فقال عليه الصلاة والسّلام : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ، والرقيع السماء ، ففعل بهم كما قال سعد.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إنما عمم الخطاب إشارة إلى الستر عليه ، وأن العبرة بعموم اللفظ لا

١٢

اللهَ وَالرَّسُولَ) لا (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) ما ائتمنتم عليه من الدين وغيره (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٧) (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) لكم صادة عن أمور الآخرة (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (٢٨) فلا تفوتوه بمراعاة الأموال والأولاد والخيانة لأجلهم. ونزل في توبته (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ) بالإنابة وغيرها (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) بينكم وبين ما تخافون فتنجون (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩) (وَ) اذكر يا محمد (إِذْ

____________________________________

بخصوص السبب. قوله : (وَتَخُونُوا) معطوف على الفعل قبله ، فهو في حيز النهي ، ولذا قدر المفسر لا ، فهو نهي عن الخيانتين. قوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الجملة حالية من فاعل (تَخُونُوا.) قوله : (صادة) أي مانعة. قوله : (فلا تفوتوه بمراعاة الأموال) إلخ. أي لأنها أمور زائلة فانية ، وسعادة الآخرة لا نهاية لها فهي أولى بتقديمها على ما يفنى. قوله : (فُرْقاناً) أي نجاة مما تخافون ، وقد أشار لهذا المفسر بقوله : (فتنجون) وقيل : المراد بالفرقان النور الكائن في القلب الذي يفرق به بين الحق والباطل ، وهو أولى. قوله : (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي يمحها ، فقوله : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) عطف مرادف عليه.

قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ) إذ ظرف معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله : (اذكر) وهذا تذكير لنعمة الله على نبيه ، إثر تذكير نعمة الله على المؤمنين بقوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) ، والمكر الاحتيال على إيصال الضر للغير. وحاصل ذلك : أن قريشا عرفوا لما أسلم الأنصار ، أن أمر رسول الله يتفاخم ويظهر ، فاجتمع نفر من كبار قريش في دار الندوة ليتشاوروا في أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان رؤساؤهم : عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل ، وأبو سفيان ، وطعمة بن عدي ، والنضر بن الحرث ، وأبو البحتري بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، فجاءهم إبليس في صورة شيخ نجدي ، فلما رأوه قالوا له : من أنت؟ قال : أنا شيخ من نجد ، سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ، ولن تعدموا مني رأيا ونصحا ، فقالوا له : ادخل فدخل ، فقال أبو البحتري : أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدا وتحبسوه في بيت مقيدا ، وتسدوا باب البيت غير كوة تلقون منها طعامه وشرابه حتى يهلك ، فصرخ ذلك الشيخ النجدي وقال : بئس الرأي ، إن أصحابه يقاتلونكم ويخرجونه قهرا عليكم ، فقالوا : صدق الشيخ النجدي ، فقال هشام بن عمرو : إني أرى أن تحملوه على بعير فتخرجوه من بين أظهركم ، فلا يضركم ما صنع ، فقال الشيخ النجدي : ما هذا برأي ، تعمدون إلى رجل قد اتبعه سفهاؤكم ، فتخرجوه إلى غيركم فيفسدهم ، ألم تروا إلى حلاوة منطقه وطلاقة لسانه ، لئن فعلتم ذلك ، يذهب ويستميل قلوب آخرين ، فيسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم ، فقال أبو جهل : إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا ، ويعطى كل شاب سيفا صارما ، ثم يضربونه به ضربة واحدة ، فإذا قتل تفرق دمه في القبائل ، ولا أظن أن هذا الحي من بني هاشم ، يقوون على حرب قريش كلها ، غايته يطلبون ديته وهو أمر سهل ، فقال إبليس : إنه أجودكم رأيا فتفرقوا على ذلك ، فأتى جبريل وأخبر رسول الله بذلك ، وبأن الله أذن له في الخروج إلى المدينة ، فلما كان الليل ، اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام ، فأمر رسول الله عليا أن يبيت بمضجعه ، وقال له : تسج ببردتي ، فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه ، ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم ، وقد أخذ أبصارهم ، فلم يره منهم أحد ، ونثر على رؤوسهم التراب وهو يتلو قوله تعالى (يس) إلى قوله : (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ثم أتاهم آت فقال لهم : إن محمدا خرج عليكم ووضع التراب على

١٣

يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وقد اجتمعوا للمشاورة في شأنك بدار الندوة (لِيُثْبِتُوكَ) يوثقوك ويحسبوك (أَوْ يَقْتُلُوكَ) كلهم قتلة رجل واحد (أَوْ يُخْرِجُوكَ) من مكة (وَيَمْكُرُونَ) بك (وَيَمْكُرُ اللهُ) بهم بتدبير أمرك بأن أوحى إليك ما دبروه وأمرك بالخروج (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣٠) أعلمهم به (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) القرآن (قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) قاله النضر بن الحرث لأنه كان يا أتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مكة (إِنْ) ما (هذا) القرآن (إِلَّا أَساطِيرُ) أكاذيب (الْأَوَّلِينَ) (٣١) (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) الذي يقرؤه محمد (هُوَ الْحَقَ) المنزل (مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٢) مؤلم على إنكاره قاله النضر وغيره استهزاء وإيهاما أنه على بصيرة وجزم ببطلانه قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ

____________________________________

رؤوسكم ، فما من رجل منهم أصابه ذلك التراب ، إلا قتل يوم بدر كافرا. قوله : (بدار الندوة) أي بالدار التي يقع فيها الحديث والاجتماع ، وهي أول دار بنيت بمكة ، فلما حج معاوية ، اشتراها من الزبير العبدري بمائة الف درهم ، ثم صارت كلها بالمسجد الحرام ، وهي في جانبه الشمالي. قوله : (لِيُثْبِتُوكَ) هذا إشارة لرأي أبي البحتري.

قوله : (أَوْ يَقْتُلُوكَ) أي شبان القبائل كلهم قتلة رجل واحد ، وهو إشارة لرأي أبي جهل. قوله : (أَوْ يُخْرِجُوكَ) هو إشارة لرأي هشام بن عمرو. قوله : (وَيَمْكُرُونَ) (بك) أي يحتالون ويتدبرون في أمرك. قوله : (بتدبير أمرك) جواب عما يقال : إن حقيقة المكر محالة على الله تعالى ، لأنه الاحتيال على الشيء من أجل حصول العجز عنه ، وأجيب أيضا : بأن المراد يمكر الله ، معاملته لهم معاملة الماكر ، حيث خيب سعيهم وضيع أملهم ، أو المراد جازاهم على مكرهم ، فسمى الجزاء مكرا لأنه في مقابلته. قوله : (أعلمهم به) دفع بذلك ما يقال : إن المكر لا خير فيه ، وأجيب أيضا : بأن اسم التفضيل ليس على بابه.

قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) هذا من جملة قبائح أهل مكة. قوله : (مِثْلَ هذا) تنازعه كل من سمعنا وقلنا. قوله : (الحيرة) بلدة بقرب الكوفة. قوله : (اخبار الأعاجم) أي كالفرس والروم قوله : (إِلَّا أَساطِيرُ) جمع اسطورة ، كأكاذيب جمع أكذوبة وزنا ومعنى ، وقد رد الله عليهم تلك المقالة بقوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) ، وقال أيضا (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ،) فعجزوا عن ذلك وقال البوصيري :

سور منه أشبهت صورا

منا ومثل النظائر النظراء

قوله : (وَإِذْ قالُوا) هذا من جملة قبائحهم الشنيعة. قوله : (هُوَ الْحَقَ) القراء السبعة على نصب الحق خبرا لكان ، وهو ضمير فصل لا محل له من الإعراب ، وقرىء شذوذا برفعه على أنه خبر للضمير ، والجملة خبر لكان. قوله : (مِنْ عِنْدِكَ) حال من الحق. قوله : (حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) أي من سجيل مسومة كما أرسلتها على اصحاب الفيل. قوله : (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي كالصيحة والخسف. قوله : (قاله النضر) أي ابن الحرث ، وقوله : (وغيره) أي وهو أبو الجهل ، ولا مانع من أن كلا قال ذلك. قوله : (استهزاء) أي سخرية به صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قوله : (وإيهاما أنه على بصيرة) أي لأن اصعب الأيمان الدعاء على النفس.

١٤

لِيُعَذِّبَهُمْ) بما سألوه (وَأَنْتَ فِيهِمْ) لأن العذاب إذا نزل عم ولم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣٣) حيث يقولون في طوافهم غفرانك غفرانك وقيل هم المؤمنون المستضعفون فيهم كما قال لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) بالسيف بعد خروجك والمستضعفين وعلى القول الأول هي ناسخة لما قبلها وقد عذبهم الله ببدر وغيره (وَهُمْ يَصُدُّونَ) يمنعون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أن يطوفوا به (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) كما زعموا (إِنْ) ما (أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣٤) أن لا ولاية لهم عليه (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً) صفيرا (وَتَصْدِيَةً)

____________________________________

قوله : (بما سألوه) أي وهو الحجارة أو العذاب الأليم ، ولا بالعذاب العام ، لرفعه ببركته صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قوله : (وَأَنْتَ فِيهِمْ) أي في بلدهم ، فإن خرجت منها أنت والمؤمنون ، عذبهم الله على أيديكم عذابا خاصا بهم.

قوله : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ) أي عذابا عاما ولا خاصا. قوله : (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الجملة حالية من الضمير في معذبهم. والمعنى أن الله لا يعذبهم ، والحال أنهم يستغفرون ، فاستغفارهم نافع لهم ، بعدم نزول العذاب عليهم. إن قلت : يشكل على هذا قوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) ، وقوله تعالى : «وما دعاء الكافرين (إِلَّا فِي تَبابٍ)» ، أجيب : بأن استغفارهم نافع لهم في الدنيا فقط ، وأما هاتان الآيتان فالمراد منهما ما يحصل في الآخرة ، فأعمال الكفار الصالحة التي لا تفتقر إلى نية ، كالصدقات وفعل المعروف والاستغفار ، تنفعهم في الدنيا وتمنع عنهم العذاب فيها ، ولا تنفعهم في الآخرة. قوله : (وقيل هم المؤمنون) أي فضمير معذبهم يعود إلى أهل مكة ، وقوله : (وَهُمْ) الضمير عائد على أهل مكة باعتبار مجموعهم وهم المؤمنون. قوله : (تزيلوا) أي تميز المؤمنون على الكفار.

قوله : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) أي : أي شيء ثبت لهم في عدم تعذيب الله لهم ، أي لا مانع لهم منه. قوله : (والمستضعفين) أي وخروج المستضعفين أيضا. قوله : (وعلى القول الأول) أو وهو كون الضمير عائد على الكفار. قوله : (هي ناسخة لما قبلها) أي وهي قوله : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) لأنه اخبر أولا أنه لا يعذبهم مع استغفارهم ، وأخبر ثانيا أنه يعذبهم ولا يبالي باستغفارهم ، والوجه أنها ليست منسوخة لأنها خبر ، والأخبار لا تنسخ ، وايضا استغفارهم قد انقطع بخروجهم للمقاتلة ، لارتباط استغفارهم بالبيت. قوله : (وَهُمْ يَصُدُّونَ) الجملة حالية من ضمير (يُعَذِّبَهُمُ). قوله : (أن يطوفوا به) أي النبي والمؤمنون.

قوله : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) رد لقولهم نحن ولاة البيت فنصد من نشاء ، وندخل من نشاء. قوله : (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) أي المجتنبون الشرك. قوله : (أو لا ولاية لهم عليه) أشار بذلك إلى أن مفعول (يَعْلَمُونَ) محذوف. قوله : (إِلَّا مُكاءً) استثناء من الصلاة على حسب زعمهم ، حيث ادعوا أن المكاء والتصدية من جنس الصلاة ، فالاستثناء زيادة في التشنيع عليهم. قوله : (صفيرا) أي فكان الواحد منهم يشبك اصابع إحدى كفيه بأصابع الأخرى ويضمها وينفخ فيهما ، فيظهر من ذلك صوت. قوله :

١٥

تصفيقا أي جعلوا ذلك موضع صلاتهم التي أمروا بها (فَذُوقُوا الْعَذابَ) ببدر (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٥) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) في حرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ) في عاقبة الأمر (عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) ندامة لفواتها وفوات ما قصدوه (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) في الدنيا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) منهم (إِلى جَهَنَّمَ) في الآخرة (يُحْشَرُونَ) (٣٦) يساقون (لِيَمِيزَ) متعلق بتكون بالتخفيف والتشديد أي يفصل (اللهُ الْخَبِيثَ) الكافر (مِنَ الطَّيِّبِ) المؤمن (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) يجمعه متراكما بعضه على بعض (فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٣٧) (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) كأبي سفيان وأصحابه (إِنْ يَنْتَهُوا) عن الكفر وقتال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) من أعمالهم (وَإِنْ يَعُودُوا) إلى قتاله (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) (٣٨) أي سنتنا فيهم بالاهلاك فكذا نفعل بهم (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ)

____________________________________

(تصفيقا) أي ضربا بأحدى اليدين على الأخرى. قوله : (أي جعلوا ذلك) إلخ ، جواب عما يقال : إن المكاء والتصدية ليسا من جنس الصلاة ، فكيف يصح استثناؤهما منها؟ فأجاب بأنهم كانوا يعتقدون أنهما من جنسها ، فجرى الاستثناء على معتقدهم ، كانوا يفعلون ذلك حين يشتغل النبي والمؤمنون بالصلاة وقراءة القرآن ، كما حكى الله عنهم بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ).

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) نزلت في كفار مكة ، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فإن المشاهد في الكفار ذلك إلى يوم القيامة. قوله : (فَسَيُنْفِقُونَها) أي يعلمون عاقبة إنفاقها. قوله : (ثُمَّ تَكُونُ) (في عاقبة الأمر) أي وهي عدم وصولهم لمقصودهم. قوله : (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) التعبير بثم إشارة إلى أنهم يمهلون استدراجا لهم ، وزيادة حسرة لهم في العاقبة. قوله : (بالتخفيف والتشديد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (جَمِيعاً) إما حال من الهاء في (فَيَرْكُمَهُ) أو توكيد لها. قوله : (يجمعه متراكما بعضه على بعض) ظاهر الآية أن هذا الجمع قبل دخولهم النار ، وحينئذ فيكون بيانا لحالهم في الموقف كما تقدم أنه يكون سبعون الف قدم على قدم. قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أي الخائبون في الدنيا وفي الآخرة.

قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبلغ الكفار ما ذكر. قوله : (كأبي سفيان وأصحابه) إنما خصهم لأنهم هم الباقون من كفار مكة ، لأن الآية نزلت بعد بدر ، وفيها قتل من قتل من صناديدهم ، وبقي من بقي ، فالخطاب لمن بقي. قوله : (إِنْ يَنْتَهُوا) (عن الكفر) أي بأن ينطقوا بالشهادتين صادقين مصدقين ، فكلمة التوحيد سبب للانتقال من ديوان الأشقياء لديوان السعداء إذا علمت أن هذا الفضل لمن سبق له الكفر ، فما بالك بمن لم يسبق له الكفر وعاش مؤمنا ومات كذلك ، قال السنوسي : فعلى العاقل أن يكثر من ذكرها مستحضرا لما احتوت عليه المعاني ، حتى تمتزج مع معناها بلحمه ودمه ، فإنه يرى لها من الأسرار والعجائب ما لا يدخل تحت حصر. قوله : (من أعمالهم) أي السيئة وأعظمها الكفر.

قوله : (وَإِنْ يَعُودُوا) وأصل العود الرجوع عن الشيء بعد التلبس به ، وحينئذ فيكون المعنى وإن يرتدوا عن الإسلام بعد تلبسهم به ، ويصح أن يفسر العود بالاستمرار على الكفر. قوله : (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) أي كعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ممن هلك ، إن قلت : إن هؤلاء قد أصابهم الهلاك

١٦

توجد (فِتْنَةٌ) شرك (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) وحده ولا يعبد غيره (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٣٩) فيجازيهم به (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإيمان (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) ناصركم ومتولي أموركم (نِعْمَ الْمَوْلى) هو (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٤٠) أي الناصر لكم (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) أخذتم من الكفار قهرا (مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) يأمر فيه بما يشاء (وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بني هاشم وبني المطلب (وَالْيَتامى) أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم فقراء (وَالْمَساكِينِ) ذوي الحاجة من المسلمين (وَابْنِ السَّبِيلِ) المنقطع في سفره من

____________________________________

العام ، وأما أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمحفوظة منه. وأجيب : بأن التشبيه في مطلق هلاك ، وإن كان ما سبق عاما وهذا خاص ، والأقرب أن يراد بالأولين من سبق قبلهم من أولاد عمهم وأقاربهم ممن قتل ببدر ، وجملة (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) تعليل لمحذوف ولا يصلح للجواب ، وتقدير الجواب : إن يعودوا نهلكهم كما أهلكنا الأولين.

قوله : (وَقاتِلُوهُمْ) أي الكفار مطلقا ، مشركين أو غيرهم. قوله : (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي شوكة لأهل الشرك ، أي بأن ينقرضوا رأسا ، أو بدخولهم في الإسلام ، أو بأن يؤدوا الجزية بدليل قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) إلى أن قال : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) فالمكلف به مأخوذ من مجموع الآيتين. قوله : (توجد) أشار بذلك إلى أن كان تامة و (فِتْنَةٌ) بالرفع فاعلها. قوله : (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ يَكُونَ) ناقصة و (الدِّينُ) اسمها و (لِلَّهِ) متعلق بمحذوف خبرها. قوله : (بِما يَعْمَلُونَ) القراء السبعة على الياء التحتية ، وقرأ يعقوب من العشرة بالتاء الفوقية. قوله : (فيجازيهم به) أي بالذي تعملونه من خير وشر. قوله : (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي اعرضوا ولم يمتثلوا. قوله : (نِعْمَ الْمَوْلى) هذا ثناء من الله على نفسه ، فهو حمد قديم لقديم ، والمعنى أن الله ينصر العبد ويشكره ولا يضيعه ، بخلاف الناصر من الخلق ، ينصر ويمنّ بذلك النصر. قوله : (هو) أشار بذلك إلى أن المخصوص بالمدح محذوف.

قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) تقدم أن الحق أن هذه الآية مفصلة لآية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) قوله : (مِنْ شَيْءٍ) بيان لما ونكرة ليشمل الجليل والحقير ، والشريف والوضيع. قوله : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) بفتح الهمزة خبر لمحذوف ، والتقدير فحكمه أن خمسه لله. قوله : (يأمر فيه بما يشاء) أي فالخمس يقسم ستة أقسام : قسم لله يصرف في الكعبة ، والخمسة أقسام : للنبي ، ولآله ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، وبذلك قال بعض الأئمة غير الأربعة ، وقال الأربعة : إنه يقسم خمسة أقسام فقط للخمسة المذكورين ، وذكر الله للتعظيم ، وهذا ما كان في زمنه ، وأما بعد وفاته ، فالخمس الذي كان يأخذه النبي يوضع في بيت المال ، يصرف في مصالح المسلمين ، وهو كواحد منهم ، وبهذا قال الشافعي ، وقال مالك : النظر فيه للإمام ، وقال أبو حنيفة : سقط سهمه وسهم القربى بوفاته ، وصار الكل للثلاثة فقط. قوله : (من بني هاشم وبني المطلب) هذا مذهب الشافعي ، وعند مالك : الآل بنو هاشم فقط ، وعند أبي حنيفة فرق خمسة : آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس ، وآل الحرث.

قوله : (وَالْمَساكِينِ) المراد بهم ما يشمل الفقراء. قوله : (المنقطع في سفره) أي المحتاج ولو غنيا

١٧

المسلمين أي يستحقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل خمس الخمس والأخماس الأربعة الباقية للغانمين (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) فاعلموا ذلك (وَما) عطف علي بالله (أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الملائكة والآيات (يَوْمَ الْفُرْقانِ) أي يوم بدر الفارق بين الحق والباطل (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) المسلمون والكفار (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤١) ومنه نصركم مع قلتكم وكثرتهم (إِذْ) بدل من يوم (أَنْتُمْ) كائنون (بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) القربى من المدينة وهي بضم العين وكسرها جانب الوادي (وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) البعدى منها (وَالرَّكْبُ) العير كائنون بمكان (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) مما يلي البحر (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) أنتم والنفير للقتال (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ) جمعكم بغير ميعاد (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) في علمه وهو نصر الإسلام ومحق الكفر فعل ذلك (لِيَهْلِكَ) يكفر (مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) أي بعد حجة ظاهرة قامت عليه وهي نصر المؤمنين مع قلتهم على الجيش الكثير (وَيَحْيى) يؤمن (مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٤٢) اذكر

____________________________________

ببلده. قوله : (أي يستحقه النبي) إنما لم يقل الله ، و (النبى) إشار إلى أن ذكر اسم الله للتعظيم والتبرك ، كما هو التحقيق. قوله : (من أن لكل) أي من الأصناف الخمسة. قوله : (والأخماس الأربعة) بيان لمفهوم قوله خمسة. قوله : (فاعلموا ذلك) أشار بذلك إلى أن جواب الشرط محذوف ، لدلالة ما قبله عليه ، والمراد علم ذلك مع العمل بمقتضاه ، لأن العلم المجرد لا ثمرة له. قوله : (عطف على بالله) أي على مدخول الباء ، وهو لفظ الجلالة. قوله : (من الملائكة) إلخ بيان لما. قوله : (الفارق بين الحق) أي بظهوره واتضاحه. وقوله : (والباطل) أي بخموده وذهابه. قوله : (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) بدل من يوم الأول.

قوله : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) كالتذييل والتدليل لما قبله. قوله : (بدل من يوم) أي الثاني بدل اشتمال. قوله : (بضم العين وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان ، والعدوة الشاطىء والشفير والجانب ، سميت بذلك لأن السيل يعدوها ويتجاوزها لعلوها عن الوادي ، والمعنى أنتم بالجانب القريب من المدينة ، وهم بالجانب الآخر ، وبينهما مقدار الرامي. قوله : (كائنون بمكان) (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أشار المفسر إلى أن (الرَّكْبُ) مبتدأ خبره محذوف وقوله : (أَسْفَلَ) ظرف صفة لمحذوف ، والمعنى أن (الرَّكْبُ) في مكان (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) بحيث لو استغاثوا بقومهم لأغاثوهم.

قوله : (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) أي أعلم كل منكم الآخر بالخروج للقتال. قوله : (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) أي لأمكن اختلافكم في التواعد ، بمعنى انكم لم توفوا بذلك ، بل قد تتخلفون عن الخروج. قوله : (لِيَهْلِكَ) علة لمحذوف قدره المفسر بقوله : (فعل ذلك) وهو جمعهم بغير ميعاد ، وإخراجهم بغير تأهل. قوله : (يكفر) أي يستمر على كفره. قوله : (أي بعد حجة) أشار بذلك إلى أن (عَنْ) بمعنى بعد ، على حد قوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) ، والمعنى أنه لم يبق لهم عذر في عدم إيمانهم ، بل صار كفرهم عنادا. قوله : (وَيَحْيى) أي يستمر على الحياة وهي الإيمان. قوله : (مَنْ حَيَ) بالفك والإدغام ، قراءتان سبعيتان. قوله : (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ) أي بأقوالكم (عَلِيمٌ) بأحوالكم فيجازيكم عليها. قوله :

١٨

(إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ) أي نومك (قَلِيلاً) فأخبرت به أصحابك فسروا (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) جبنتم (وَلَتَنازَعْتُمْ) اختلفتم (فِي الْأَمْرِ) أمر القتال (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) كم من الفشل والتنازع (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤٣) بما في القلوب (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) أيها المؤمنون (إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) نحو سبعين أو مائة وهم ألف لتقدموا عليهم (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) ليقدموا ولا يرجعوا عن قتالكم وهذا قبل التحام الحرب فلما التحم أراهم إياهم مثيلهم كما في آل عمران (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ) تصير (الْأُمُورُ) (٤٤) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) جماعة كافرة (فَاثْبُتُوا) لقتالهم ولا تنهزموا (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) ادعوه بالنصر (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٤٥) تفوزون (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا) تختلفوا فيما بينكم

____________________________________

(قَلِيلاً) مفعول ثالث ، لأن رأي العلمية تنصب مفعولين بلا همز ، فإذا دخلت عليها الهمزة نصبت ثلاثة ، والمعنى اذكر يا محمد هذه النعمة العظيمة ، وهي رؤيتك إياهم في المنام قليلا ، تشجيعا لأصحابك وتثبيتا لهم ، وإشارة إلى ضعف الكفار ، وأنهم يهزمون ، وبهذا اندفع ما يقال : إن رؤيا الأنبياء حق ، فكيف يراهم قليلا مع كثرتهم.

قوله : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً) أي وأخبرت أصحابك بذلك. قوله : (لَتَنازَعْتُمْ) عطف على فشلتم ، عطف سبب على مسبب. قوله : (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) مفعوله محذوف قدره المفسر ، وقوله : (من الفشل) إلخ ، متعلق بسلم. قوله : (بما في القلوب) أي الخطرات والسرائر التي احتوت عليها القلوب ، فالمراد بصاحبات الصدور والسرائر ، و (الصُّدُورِ) القلوب ، من باب تسمية الحال باسم محله ، قوله : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) هذه الرؤية بصرية ، فتنصب مفعولا واحدا إن لم تدخل عليها الهمزة ، وإلا نصبت مفعولين ، فالكاف مفعول أول ، والهاء مفعول ثان ، و (قَلِيلاً) حال. قوله : (أيها المؤمنون) تفسير للكاف. قوله : (وهم ألف) أي في الواقع ونفس الأمر. قوله : (لتقدموا عليهم) علة لقوله : (يُرِيكُمُوهُمْ) إلخ. قوله : (ليقدموا) علة لقوله : (وَيُقَلِّلُكُمْ) قوله : (وهذا) أي تقليلكم في أعينهم. قوله : (أراهم) أي الكفار ، (إياهم) أي المسلمين (مثليهم) أي مثلي الكفار وكانوا ألفا ، فرأوا المسلمين قدر ألفين ، لتضعف قلوبهم ، ويتمكن المسلمون منهم ، فلا تنافي بين ما هنا ، وبين ما تقدم.

قوله : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً) علة لمحذوف تقديره فعل ذلك ليقضي إلخ. قوله : (تُرْجَعُ) بالبناء للفاعل أو للمفعول ، قراءتان سبعيتان ، و (الْأُمُورُ) فاعل على الأول ، ونائب فاعل على الثاني. قوله : (تصير) هذا على قراءة البناء للفاعل ، وأما على قراءة البناء للمفعول ، فمعناه ترد. قوله : (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) أي حاربتم جماعة ، والفئة اسم جمع لا واحد له من لفظه. قوله : (فَاثْبُتُوا) أمر للمؤمنين في أي زمان. قوله : (ادعوه بالنصر) أي فالمراد بالذكر ما يشمل الدعاء ، ويصح أن يبقى الذكر على إطلاقه ، فيشمل ملاحظته تعالى بالقلوب ، وأنه معهم بالعون والنصر. قوله : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الترجي بمنزلة التحقق لأنه وعد ووعد الله لا يخلف.

قوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي فيما يأمركم به. قوله : (فَتَفْشَلُوا) عطف مسبب على سبب

١٩

(فَتَفْشَلُوا) تجبنوا (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) قوتكم ودولتكم (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٤٦) بالنصر والعون (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) ليمنعوا عيرهم ولم يرجعوا بعد نجاتها (بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) حيث قالوا لا نرجع حتى نشرب الخمور وننحر الجزور وتضرب علينا القيان ببدر فيتسامع بذلك الناس (وَيَصُدُّونَ) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ) بالياء والتاء (مُحِيطٌ) (٤٧) علما فيجازيهم به (وَ) اذكر (إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) إبليس (أَعْمالَهُمْ) بأن شجعهم على لقاء المسلمين لما خافوا الخروج من أعدائهم بني بكر (وَقالَ) لهم (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) من كنانة وكان أتاهم في صورة سراقة بن مالك سيد تلك الناحية (فَلَمَّا تَراءَتِ) التقت (الْفِئَتانِ) المسلمة والكافرة ورأى الملائكة وكان يده في يد الحرث بن هشام (نَكَصَ) رجع (عَلى عَقِبَيْهِ) هاربا (وَقالَ) لما قالوا له أتخذ لنا على هذا الحال (إِنِّي بَرِيءٌ

____________________________________

قوله : (تجبنوا) أي عن الحرب. قوله : (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) عطف مسبب على سبب أيضا ، وهذا على الترتيب ، فالاختلاف ينشأ عنه الجبن ، والجبن ينشأ عنه ذهاب الريح. قوله : (قوتكم) أي ويطلق على الغلبة والرحمة والنصرة. قوله : (ودولتكم) الدولة في الحرب بفتح الدال وجمعها دول بكسر الدال ، وأما دولة المال فبضم الدال وجمعها دول بضم الدال. قوله : (وَاصْبِرُوا) أي على قتالهم.

قوله : (كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أي وهم أبو جهل ومن ذلك أنهم لما بلغوا الجحفة ، وافاهم رسول الله أبي سفيان وقال لهم : ارجعوا فقد سلمت عيركم ، فقال أبو جهل : لا والله حتى نقدم بدرا ، ونشرب الخمر ، وننحر الجزور ، وتضرب علينا القيان ، فيتسامع بذلك الناس ويهابوننا. قوله : (ليمنعوا عيرهم) أي ليمنعوا المسلمين عن قافلتهم التي كانت مع أبي سفيان. قوله : (ولم يرجعوا بعد نجاتها) قدره المفسر إشارة إلا أن (بَطَراً) وما عطف عليه علة لمحذوف لا ، لقوله : (خَرَجُوا) لأن خروجهم ليس للبطر ، بل لمنع الناس عن العير ، والبطر علة لعدم رجوعهم بعد نجاحها. قوله : (بَطَراً) هو وما بعده مفعول لأجله ، والبطر كفران النعمة وعدم شكرها. قوله : (القيان) جمع قينة ، وهي الجارية المغنية. قال ابن مالك : فعل وفعله قيام لهما. قوله : (فيتسامع بذلك الناس) أي القبائل فيها بوننا ، وقد بدلهم الله شرب الخمور بشرب كأس الموت ، وضرب القيان بنوح النائحات ، ونحر الجزور بنحر رقابهم.

قوله : (وَيَصُدُّونَ) عطف على بطرا ، فهو في قوة المصدر أي وصدا ، قال ابن مالك : واعطف على اسم شبه فعلى فعلا. قوله : (بالياء والتاء) ظاهره أنهما سبعيتان وليس كذلك ، بل التاء الفوقية لم يقرأ بها السبعة ولا العشرة ، فذكرها سبق قلم. قوله : (وَإِذْ زَيَّنَ) عطف على (وَلا تَكُونُوا) عطف قصة على قصة (وَإِذْ) ظرف معمول لمحذوف قدره بقوله : (اذكر). قوله : (لما خافوا الخروج) أي لما خافوا من أعدائهم حين الخروج من مكة لقتالهم. قوله : (بني بكر) أي وهم قبيلة كنانة ، وكانت قريبة من قريش ، وبينهم الحروب الكثيرة.

قوله : (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) أي مجير ومعين. قوله : (وكان أتاهم) إلخ ، قال ابن عباس : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين ، معه راية في صورة رجل من رجال بني مدلج سراقة بن مالك ، فقال المشركين : لا غالب لكم اليوم من الناس. قوله : (ورأى الملائكة) أي نازلين من السماء. قوله : (أتخذلنا)

٢٠