التّوحيد

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

التّوحيد

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: السيد هاشم الحسيني الطهراني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٠

ابن عيسى ، عن الحسين بن سيف ، عن أخيه علي ، عن أبيه سيف بن عميرة ، عن الحسن بن الصباح ، قال : حدثني أنس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كل جبار عنيد من أبى أن يقول لا إله إلا الله.

١٠ ـ حدثنا جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة الكوفي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثني جدي الحسن بن علي الكوفي ، عن الحسين بن سيف ، عن أخيه علي ، عن أبيه سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : جاء جبرئيل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد طوبى لمن قال من أمتك : لا إله إلا الله وحده وحده وحده.

١١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي عبد الله جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبرئيل بين الصفا والمروة ، فقال : يا محمد طوبى لمن قال من أمتك : لا إله إلا الله وحده مخلصا.

١٢ ـ حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا علي بن الحسين الكوفي ، عن أبيه ، عن الحسين بن سيف ، عن أخيه علي ، عن أبيه سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي الطفيل ، عن علي عليه‌السلام قال : ما من عبد مسلم يقول : لا إله إلا الله إلا صعدت تخرق كل سقف لا تمر بشيء من سيئاته إلا طلستها حتى تنتهي إلى مثلها من الحسنات فتقف.

١٣ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسين بن سيف ، عن أخيه علي ، عن المفضل بن صالح ، عن عبيد بن زرارة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قول لا إله إلا الله ثمن الجنة.

١٤ ـ حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن الحسين بن سيف ، عن سليمان بن عمرو ، قال : حدثني عمران بن أبي عطاء ، قال : حدثني عطاء ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما من الكلام

٢١

كلمة أحب إلى الله عزوجل لا إله إلا الله ، وما من عبد يقول : لا إله إلا الله يمد بها صوته فيفرغ إلا تناثرت ذنوبه تحت قدميه كما يتناثر ورق الشجر تحتها (١).

١٥ ـ حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي الفقيه بسرخس ، قال : حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي ، قال : حدثنا هارون بن عبد الله الجمال ، عن أبي أيوب ، قال : حدثني قدامة بن محرز الأشجعي ، قال : حدثني مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج (٢) ، عن أبيه ، عن أبي حرب بن زيد بن خالد الجهني ، قال : أشهد على أبي زيد بن خالد لسمعته يقول : أرسلني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لي : بشر الناس أنه من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له فله الجنة.

١٦ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، قال : حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن زياد ، عن أبان وغيره ، عن الصادق عليه‌السلام قال : من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح (٣) تقبل الله منه صيامه ، فقيل له : يا ابن رسول الله ما القول الصالح؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، والعمل الصالح إخراج الفطرة.

١٧ ـ حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور ، قال : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هارون الخوري ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ابن زياد الفقيه الخوري ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله الجويباري ، ويقال له : الهروي والنهرواني والشيباني ، عن الرضا علي بن موسى ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما جزاء من أنعم الله عزوجل عليه

__________________

١ ـ في نسخة ( ج ) : ( كما يتناثر ورق الشجرة تحتها ).

٢ ـ عنونه ابن حجر في التقريب وقال : مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج أبو ـ المسور المدني صدوق.

٣ ـ الترديد بحسب أفراد المكلفين فإن من لم يقدر على إخراج الفطرة فليختم صيامه بشهادة أن لا إله إلا الله ، وهذا الحديث ذكره الصدوق في معاني الأخبار بالواو في هذا الموضع مكان أو.

٢٢

بالتوحيد إلا الجنة.

١٨ ـ وبهذا الإسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن لا إله إلا الله كلمة عظيمة كريمة على الله عزوجل ، من قالها مخلصا استوجب الجنة ، ومن قالها كاذبا عصمت ماله ودمه ، وكان مصيره إلى النار.

١٩ ـ وبهذا الإسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قال : لا إله إلا الله في ساعة من ليل أو نهار طلست (١) ما في صحيفته من السيئات.

٢٠ ـ وبهذا الإسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عزوجل عمودا من ياقوتة حمراء (٢) رأسه تحت العرش ، وأسفله على ظهر الحوت في الأرض السابعة السفلى. فإذا قال العبد : لا إله إلا الله اهتز العرش (٣) وتحرك العمود وتحرك الحوت ، فيقول الله تبارك وتعالى : اسكن يا عرشي ، فيقول : كيف أسكن وأنت لم تغفر لقائلها (٤) فيقول الله تبارك وتعالى : اشهدوا سكان سماواتي أني قد غفرت لقائلها.

__________________

١ ـ أي محيت.

٢ ـ ذكر العمود في الأحاديث كثير ، وهذا الكلام تمثيل لوضع عمود الأمر النازل من عرش الله تعالى على كاهل صاحب الأمر عليه‌السلام الذي عبر عنه بالحوت كما عبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنون ، وإطلاق العمود على الأمر القائم عليه أمر آخر من الأمور المجردة غير قليل في لسان الشرع وغيره كما ورد في الحديث ( الصلاة عمود الدين ) والمراد من العمود هنا كما يستفاد من أخبارنا هو علم الإمام الذي عليه يقوم أمر الخلائق من التكوين والتشريع ، وكونه من ياقوتة حمراء تعبير عن تلك الحقيقة بأنفس جوهر من الجواهر الجسمانية كما هو الشأن في السنة أصحاب الوحي إذا حاولوا بيان حقائق العوالم التي فوق عالمنا هذا ، فإنهم يعبرون عن تلك الحقائق بنفائس جواهر هذا العالم إذ ليست عندنا ألفاظ ومفاهيم تحكى عن تلك الحقائق ، والأرض السابعة هي هذه الأرض التي هي قرار الإنسان وغيره مما يحتاج إليه لحياته الدنيوية وهي سابعة الأراضي السبع التي ست منها في السماوات على ما فصل في حديث مذكور عن الإمام الرضا عليه‌السلام.

٣ ـ الاهتزاز البهجة والسرور ، وهذا تمثيل لتأثير حقيقة التوحيد في جميع الكائنات.

٤ ـ هذا تمثيل لاستدعاء العرش لأن يشمل رحمة الحق تعالى وغفرانه الداخل في حيطة التوحيد ، والعرش يطلق على معان : منها جميع الخلق باعتبار ملك الحق عليه ونفاذ سلطانه فيه ، والأنسب في هذا الحديث هذا المعنى ، والذي ذكرت في تفسير الحديث يستفاد من أحاديثنا والمتتبع غير جاهل به.

٢٣

٢١ ـ حدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن الشاه الفقيه بمرو الروذ ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله النيسابوري ، قال : حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد ابن عباس الطائي بالبصرة ، قال : حدثني أبي في سنة ستين ومائتين ، قال : حدثني علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، سنة أربع وتسعين ومائة (١) قال : حدثني أبي موسى ابن جعفر ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي محمد بن علي قال : حدثني أبي علي بن الحسين ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول الله جل جلاله : ( لا إله إلا الله ) حصني ، فمن دخله أمن من عذابي.

٢٢ ـ حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر النيسابوري بنيسابور ، قال : حدثني أبو علي الحسن بن علي الخزرجي الأنصاري السعدي (٢) قال : حدثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي ، قال : كنت مع علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء ، فإذا محمد بن رافع وأحمد بن حرب ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه وعدة من أهل العلم قد تعلقوا بلجام بغلته في المربعة (٣) فقالوا : بحق آبائك المطهرين حدثنا بحديث قد سمعته من أبيك ، فأخرج رأسه من العمارية وعليه مطرف خز ذو وجهين وقال : حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر ، قال : حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي أبو جعفر محمد بن علي باقر علم الأنبياء ، قال : حدثني أبي علي بن ـ

__________________

١ ـ في النسخ سنة أربع وستين ومائة وهو تصحيف ، صححناه من كتاب العيون ص ١٩٤.

٢ ـ في نسخة ( ب ) و ( هـ ) « الحسن بن علي الخزرجي الأنصاري السعيدي ». وفي العيون كما في المتن.

٣ ـ المربعة بفتح الأول يحتمل أن يكون اسما للمكان الذي فيه اليربوع أي الفار البري ، وذكر العلامة المجلسي رحمه‌الله في البحار في الصفحة السادسة من الجزء السادس من الطبعة الحديثة بعد ذكر هذا الحديث وجوها لها.

٢٤

الحسين سيد العابدين ، قال : حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين ، قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : قال الله جل جلاله : إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني ، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي.

٢٣ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي ، قال : حدثنا محمد بن الحسين الصوفي ، قال : حدثنا يوسف ابن عقيل ، عن إسحاق بن راهويه ، قال : لما وافى أبو الحسن الرضا عليه‌السلام بنيسابور وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له : يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا (١) بحديث فنستفيده منك؟ وكان قد قعد في العمارية ، فأطلع رأسه وقال : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد يقول : سمعت أبي محمد بن علي يقول : سمعت أبي علي بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين ابن علي بن أبي طالب يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : سمعت جبرئيل يقول : سمعت الله جل جلاله يقول : لا إله إلا الله حصني فمن دخل أمن من عذابي.

قال : فلما مرت الراحلة نادانا. بشروطها وأنا من شروطها.

قال مصنف هذا الكتاب : من شروطها الاقرار للرضا عليه‌السلام بأنه إمام من قبل الله عزوجل على العباد ، مفترض الطاعة عليهم.

٢٤ ـ حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي ، قال : حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي ، قال : حدثنا إسحاق بن إسرائيل ، قال : حدثنا حريز (٢) عن عبد العزيز ، عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر رحمه‌الله قال : خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمشي وحده ليس معه إنسان ، فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد ، قال : فجعلت أمشي في ظل القمر ، فالتفت فرآني ، فقال : من

__________________

١ ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( ولم تحدثنا ).

٢ ـ أخرجه البخاري في صحيحه ج ٨ ص ١١٦ عن حريز عن زيد عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه.

٢٥

هذا؟ قلت : أبو ذر جعلني الله فداك ، قال : يا أبا ذر تعال ، فمشيت معه ساعة ، فقال : إن المكثرين هم الأقلون (١) يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح منه بيمينه وشماله (٢) وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا ، قال : فمشيت معه ساعة ، فقال : اجلس ههنا ، وأجلسني في قاع حوله حجارة ، فقال لي : إجلس حتى أرجع إليك ، قال : وانطلق في الحرة حتى لم أره وتوارى عني ، فأطال اللبث ، ثم إني سمعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مقبل وهو يقول : وإن زنى أن سرق ، قال : فلما جاء لم أصبر حتى قلت : يا نبي الله جعلني الله فداك من تكلمه في جانب الحرة؟ فإني ما سمعت أحدا يرد عليك من الجواب شيئا ، قال : ذاك جبرئيل عرض لي في جانب الحرة ، فقال : بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله عزوجل شيئا دخل الجنة ، قال : قلت : يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق؟ قال : نعم وإن شرب الخمر (٣).

قال مصنف هذا الكتاب : يعني بذلك أنه يوفق للتوبة حتى يدخل الجنة.

٢٥ ـ حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الأنماطي ، قال أخبرنا أبو عمرو أحمد بن الحسن بن غزوان ، قال : حدثنا إبراهيم بن أحمد ، قال : حدثنا داود بن عمرو ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينا رجل مستلق على ظهره ينظر إلى

__________________

١ ـ الأقلون جمع الأقل وهو صفة مشبهة على نحو أحمر وأحمق بمعنى المقل الذي لا شيء عنده. وفي صحيح البخاري ( هم المقلون ).

٢ ـ النفح بالحاء المهملة : الضرب والرمي كما في النهاية الأثيرية وفي الصحيح ( فنفح فيه يمينه وشماله ) أي ضرب يديه فيه بالعطاء. وعلى ما في المتن ( من ) للتبعيض والضمير المجرور بها يرجع إلى المال المدلول عليه في الكلام لا إلى ( خيرا ) لأن المراد منه التوفيق وحب الإنفاق الناشئ من الإيمان بالله واليوم الآخر ، والباء للظرفية ، ومعنى الكلام : إلا من أعطاه الله التوفيق وحب الإنفاق فأخرج بعضا من ماله فيمن حوله من الفقراء والجيران ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) و ( ج ) و ( هـ ) ( فنفخ ) بالخاء المعجمة.

٣ ـ هذا الحديث بعينه سندا ومتنا مذكور في الباب الثالث والستين. وليس بمذكور ههنا في نسخة ( ب ) و ( د ).

٢٦

السماء وإلى النجوم ويقول : والله إن لك لربا هو خالقك اللهم اغفر لي ، قال : فنظر الله عزوجل إليه فغفر له.

قال مصنف هذا الكتاب : وقد قال الله عزوجل : ( أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء ) (١) يعني بذلك : أولم يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض وفي عجائب صنعها ، أولم ينظروا في ذلك نظر مستدل معتبر ، فيعرفوا بما يرون ما أقامه الله عزوجل من السماوات والأرض مع عظم أجسامها وثقلها على غير عمد وتسكينه إياها بغير آله ، فيستدلوا بذلك على خالقها ومالكها ومقيمها أنه لا يشبه الأجسام ولا ما يتخذ الكافرون إلها من دون الله عزوجل ، إذ كانت الأجسام لا تقدر على إقامة الصغير من الأجسام في الهواء بغير عمد وبغير آلة ، فيعرفوا بذلك خالق السماوات والأرض وسائر الأجسام ، ويعرفوا أنه لا يشبهها ولا تشبهه في قدرة الله وملكه (٢) وأما ملكوت السماوات والأرض فهو ملك الله لها واقتداره عليها ، وأراد بذلك ، أولم ينظروا ويتفكروا في السماوات والأرض في الخلق الله عزوجل إياهما على ما يشاهدونهما عليه ، فيعلموا أن الله عزوجل هو مالكها والمقتدر عليها لأنها مملوكة مخلوقة ، وهي في قدرته وسلطانه وملكه ، فجعل نظرهم في السماوات والأرض وفي خلق الله لها نظرا في ملكوتها وفي ملك الله لها لأن الله عزوجل لا يخلق إلا ما يملكه ويقدر عليه ، وعنى بقوله : ( وما خلق الله من شيء ) يعني : من أصناف خلقه ، فيستدلون به على أن الله خالقها وأنه أولى بالإلهية من الأجسام المحدثة المخلوقة.

٢٦ ـ حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : من قال. لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة وإخلاصه أن تحجزه لا إله إلا الله عما حرم

__________________

١ ـ الأعراف : ١٨٥.

٢ ـ لم أعلم لهذا القيد وجها لأنه تعالى لا يشبهه شيء في شيء ، إلا أن يتعلق الظرف بقوله : ( يعرفوا ) على وجه بعيد.

٢٧

الله عزوجل.

٢٧ ـ حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، والحسن بن علي الكوفي ، وإبراهيم بن هاشم كلهم ، عن الحسين ابن سيف ، عن سليمان بن عمرو ، عن المهاجر بن الحسين (١) ، عن زيد بن أرقم ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : من قال : لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة ، وإخلاصه أن تحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله عزوجل.

٢٨ ـ حدثنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن عمرو العطار ببلخ ، قال : حدثنا محمد بن محمود ، قال : حدثنا حمران ، عن مالك بن إبراهيم بن طهمان ، عن ( أبي ) حصين ، عن الأسود بن هلال (٢) ، عن معاذ بن جبل ، قال : كنت رديف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا معاذ هل تدري ما حق الله عزوجل على العباد؟ ـ يقولها ثلاثا ـ ، قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، فقال رسول الله : حق الله عزوجل على العباد أن لا يشركوا به شيئا ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هل تدري ما حق العباد على الله عزوجل إذا فعلوا ذلك؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : أن لا يعذبهم ، أو قال : أن لا يدخلهم النار.

٢٩ ـ حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري : قال : حدثنا محمد بن أحمد بن حمران القشيري ، قال : حدثنا أبو الجريش أحمد بن عيسى الكلابي قال : حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام سنة خمسين ومائتين ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عن علي عليهم‌السلام ، في قول الله عزوجل : ( هل جزاء الاحسان إلا الاحسان ) قال علي عليه‌السلام : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن الله عزوجل قال : ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة.

__________________

١ ـ في نسخة ( د ) و ( ب ) و ( و ) ( المهاجر بن الحسن ).

٢ ـ الأسود بن هلال هو المحاربي أبو سلام الكوفي مخضرم ثقة جليل مات سنة أربع وثمانين كما في التقريب لابن حجر والخبر رواه مسلم عن أبي حصين ، عن الأسود عن معاذ.

٢٨

٣٠ ـ حدثنا الحاكم عبد الحميد بن عبد الرحمن بن الحسين ، قال : حدثنا أبو يزيد بن محبوب المزني ، قال : حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : حدثنا شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن أبي بشر العنبري ، عن حمران ، عن عثمان بن عفان ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من مات وهو يعلم أن الله حق دخل الجنة. (١)

٣١ ـ حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : أخبرني علي بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدثني إبراهيم بن إسحاق النهاوندي ، عن عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن الحسين بن يحيى بن الحسين ، عن عمرو بن طلحة ، عن أسباط بن نصر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي بعثني بالحق بشيرا لا يعذب الله بالنار موحدا أبدا ، وإن أهل التوحيد ليشفعون فيشفعون ، ثم قال عليه‌السلام : إنه إذا كان يوم القيامة أمر الله تبارك وتعالى بقوم ساءت أعمالهم في دار الدنيا إلى النار ، فيقولون يا ربنا كيف تدخلنا النار وقد كنا نوحدك في دار الدنيا؟ وكيف تحرق بالنار ألسنتنا وقد نطقت بتوحيدك في دار الدنيا؟ وكيف تحرق قلوبنا وقد عقدت على أن لا إله إلا أنت؟ أم كيف تحرق وجوهنا وقد عفرناها لك في التراب؟ أم كيف تحرق أيدينا وقد رفعناها بالدعاء إليك ، فيقول الله جل جلاله : عبادي ساءت أعمالكم في دار الدنيا فجزاؤكم نار جهنم ، فيقولون : يا ربنا عفوك أعظم أم خطيئتنا؟ فيقول عزوجل : بل عفوي ، فيقولون : رحمتك أوسع أم ذنوبنا؟ فيقول عزوجل : بل رحمتي ، فيقولون : إقرارنا بتوحيدك أعظم أم ذنوبنا؟ فيقول عزوجل : بل إقراركم بتوحيدي أعظم ، فيقولون : يا ربنا فليسعنا عفوك ورحمتك التي وسعت كل شيء ، فيقول الله جل جلاله ، ملائكتي وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إلي من المقرين لي بتوحيدي وأن لا إله غيري ، وحق علي أن لا أصلي بالنار أهل توحيدي ادخلوا عبادي الجنة.

__________________

١ ـ أخرجه مسلم في صحيحه ج ١ ص ٤١ بإسناده عن خالد الحذاء ـ الخ ».

٢٩

٣٢ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان : حدثنا الحسن بن علي السكري ، قال : حدثنا محمد بن زكريا الجوهري البصري ، قال : حدثنا جعفر ابن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من مات لا يشرك بالله شيئا أحسن أو أساء دخل الجنة.

٣٣ ـ حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وأبي أيوب ، قالا : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من قال : لا أله إلا الله مائة مرة كان أفضل الناس ذلك اليوم عملا إلا من زاد.

٣٤ ـ حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثني أحمد بن هلال ، عن أحمد بن صالح ، عن عيسى بن عبد الله من ولد عمر بن علي ، عن آبائه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال الله جل جلاله لموسى : يا موسى لو أن السماوات وعامريهن والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله (١).

٣٥ ـ حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد العزيز العبدي ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : من قال في يوم : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ) كتب الله عزوجل له خمسة وأربعين ألف ألف حسنة ، ومحا عنه خمسة وأربعين ألف ألف سيئة ، ورفع له في الجنة خمسة وأربعين ألف ألف درجة ، وكان كمن قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة ، وبنى الله بيتا في الجنة.

__________________

١ ـ لأن الموجودات قائمة بحقيقة التوحيد الذي أجراه الله تعالى عليها كما في الحديث السابع من الباب العاشر والقائم يقصر عن الذي قام به.

٣٠

٢ ـ باب التوحيد ونفي التشبيه

١ ـ حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه محمد بن خالد البرقي ، عن أحمد بن النضر ، وغيره ، عن عمرو بن ثابت ، عن رجل ـ سماه ـ عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الأعور قال : خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام يوما خطبة بعد العصر ، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله ، قال : أبو إسحاق : فقلت للحارث : أوما حفظتها؟ قال : قد كتبتها ، فأملاها علينا من كتابه :

الحمد لله الذي لا يموت ، ولا تنقضي عجائبه ، لأنه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن (١) الذي لم يولد فيكون في العز مشاركا ، ولم يلد فيكون موروثا هالكا ، ولم يقع عليه الأوهام فتقدره شبحا ماثلا (٢) ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها ، حائلا (٣) الذي ليست له في أوليته نهاية ، ولا في آخريته حد ولا غاية ، الذي لم يسبقه وقت ، ولم يتقدمه زمان ، ولم يتعاوره (٤) زيادة ولا نقصان ، ولم يوصف بأين ولا بمكان (٥) الذي بطن من خفيات الأمور ، وظهر في العقول بما يرى في

__________________

١ ـ أي هو تعالى في كل وقت يوجد فيه بديعا من خلقه يكون في شأن إيجاد ذلك البديع فاليوم يوم ذلك الموجود البديع ووقته.

٢ ـ في نسخة ( ج ) ( مماثلا ).

٣ ـ أي فيكون تعالى بعد انتقال الأبصار متحولا متغيرا عن الحالة التي كان عليها من المقابلة والوضع الخاص والمحاذاة للأبصار ، وبعض الأفاضل قرأ بضم الأول على أن يكون مصدرا لبعد يبعد وفسر الحائل بالحاجز أي فيكون بعد انتقال الأبصار حاجزا من رؤيته تعالى ، وبعضهم قرأ خائلا بالخاء المعجمة أي متمثلا في القوة المتخيلة.

٤ ـ تعاور القوم الشيء : تعاطوه وتداولوه. والتعاور : الورود على التناوب.

٥ ـ في الكافي في باب جوامع التوحيد وفي البحار في الصفحة ٢٦٥ من الجزء الرابع من الطبعة الحديثة وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( ولم يوصف بأين ولا بما ولا بمكان ) أي ليست له ماهية وراء حقيقة الوجود حتى يسأل بما هو ويجاب بما هو ، والمراد بها الماهية بالمعنى الأخص المقابل للوجود ، وأما الماهية بالمعنى الأعم فلا شيء بدونها كما أثبتها له الإمام الصادق عليه‌السلام في جواب السائل بقوله : ( لا يثبت الشيء الابانية ومائية ) في الحديث الأول من الباب السادس والثلاثين.

٣١

خلقه من علامات التدبير ، الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص (١) بل وصفته بأفعاله ، ودلت عليه بآياته (٢) ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده ، لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن ، فلا مدفع لقدرته (٣) الذي بان من الخلق فلا شيء كمثله ، الذي خلق الخلق لعبادته (٤) وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم ، وقطع عذرهم بالحجج ، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا ، ولله الفضل مبدئا ومعيدا.

ثم إن الله وله الحمد افتتح الكتاب بالحمد لنفسه ، وختم أمر الدنيا ومجيء

__________________

١ ـ الظاهر أن المراد بالحد والنقص ما هو اصطلح عليه أهل الميزان في باب الحد والرسم ، ويحتمل أن يكون المراد بالحد التحدد بالحدود الجسمانية وغيرها وبالنقص الأوصاف الموجبة للنقص ، وفي نسخة ( ج ) ( ولا ببعض ) أي التركب والتبعض ، وكل ذلك منفى عنه تعالى لا يوصف به.

٢ ـ كما قال الخليل : ( ربي الذي يحيي ويميت ). وقال الكليم في جواب فرعون حيث قال : ( وما رب العالمين : رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ) وقال المسيح : ( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) وكما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلسان الوحي في القرآن من آيات كثيرة في ذلك ، وأبلغ ما أجيب في هذا المقام ما قاله الإمام الصادق عليه‌السلام في جواب الزنديق الذي سأله عنه : ( هو شيء بخلاف الأشياء ارجع بقولي شيء إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية ) ويأتي هذا في الحديث الأول من الباب السادس والثلاثين.

٣ ـ المراد به الاعتقادي الذي يرجع إلى معنى الجحد والانكار ، أي فلا منكر لقدرته مع ظهور آثارها في السماوات والأرض ، أو الدفع الفعلي ، أي لا يمانعه ولا يدافعه أحد في قدرته لأن كل ما سواه مفطور مخلوق له ، والأول أنسب بما قبله ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( فلا مدافع لقدرته ).

٤ ـ ليست العبادة الغاية النهائية بل هي غاية قريبة ، والنهائية هي ما تترتب على العبادة وهي القرار في جوار رحمته تعالى على ما نطق به التنزيل حيث قال تعالى : ( إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) على ما فسرت الآية في الحديث العاشر من الباب الثاني والستين.

٣٢

الآخرة بالحمد لنفسه ، فقال : ( وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ) (١).

الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد ، والمرتدي بالجلال بلا تمثل ، والمستوي على العرش بلا زوال ، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم ، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم ، ليس له حد ينتهي إلى حده ، ولا له مثل فيعرف بمثله ، ذل من تجبر غيره ، وصغر من تكبر دونه ، وتواضعت الأشياء لعظمته ، وانقادت لسلطانه وعزته ، وكلت عن إدراكه طروف العيون ، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق ، الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء ، ولا يعد له شيء ، الظاهر على كل شيء بالقهر له ، والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها ، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة ، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، وهو الحكيم العليم ، أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه ، ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه ، ابتدأ ما أراد ابتداءه ، وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراده من الثقلين الجن والإنس لتعرف بذلك ربوبيته ، وتمكن فيهم طواعيته.

نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها ، ونستهديه لمراشد أمورنا ونعوذ به من سيئات أعمالنا ، ونستغفره للذنوب التي سلفت منا ، ونشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، بعثه بالحق دالا عليه وهاديا إليه ، فهدانا به من الضلالة ، واستنقذنا به من الجهالة ، من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ، ونال ثوابا كريما ، ومن يعص الله ورسوله فقد خسر خسرانا مبينا ، واستحق عذابا أليما ، فانجعوا (٢) بما يحق عليكم من السمع والطاعة وإخلاص النصحية وحسن المؤازرة وأعينوا أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة ، وهجر الأمور المكروهة ، وتعاطوا

__________________

١ ـ الزمر : ٧٥.

٢ ـ الانجاع : الافلاح ، أو هو ثلاثي من النجعة بمعنى طلب الكلاء من موضعه ، أي فاطلبوا بذلك ما ينفعكم لتعيش الآخرة كما ينفع الكلاء لتعيش الدنيا.

٣٣

الحق بينكم ، وتعانوا عليه ، وخذوا على يدي الظالم السفيه ، مروا بالمعروف ، وانهو عن المنكر ، واعرفوا لذوي الفضل فضلهم ، عصمنا الله وإياكم بالهدي ، وثبتنا وإياكم على التقوى ، وأستغفر الله لي ولكم.

٢ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن عمر والكاتب ، عن محمد بن زياد القلزمي (١) ، عن محمد بن أبي زياد الجدي صاحب الصلاة بجدة ، قال : حدثني محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد ، قال ابن أبي زياد : ورواه لي أيضا أحمد بن عبد الله العلوي مولى لهم وخالا (*) لبعضهم عن القاسم بن أيوب العلوي أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه‌السلام على هذا الأمر جمع بني هاشم فقال : إني أريد أن أستعمل الرضا على هذا الأمر من بعدي ، فحسده بنو هاشم ، وقالوا : أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر (٢) بتدبير الخلافة؟! فابعث إليه رجلا يأتنا فترى من جهله ما يستدل به عليه ، فبعث إليه فأتاه ، فقال له بنو هاشم : يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علما (٣) نعبد الله عليه ، فصعد عليه‌السلام المنبر ، فقعد مليا لا يتكلم مطرقا ، ثم انتفض انتفاضة (٤). واستوى قائما ، وحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه وأهل بيته.

ثم قال : أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفة الله توحيده ، ونظام توحيد ـ

__________________

١ ـ في نسخة ( ب ) و ( و ) وحاشية ( ط ) ( محمد بن زياد القلمزي ) بتقديم الميم على الزاي ، وفي ( د ) ( العلوي ) وفي ( ج ) ( العامري ) وفي عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ( القلوني ) وفي نسخة منه ( العرزمي ) ولم أجده.

* ـ كذا.

٢ ـ وهكذا في العيون وفي نسخة ( ب ) و ( و ) و ( د ) ( ليس له بصيرة ).

٣ ـ بالفتحتين ، ويحتمل كسر الأول وسكون الثاني.

٤ ـ نفض الثوب : حركة لينتفض ، ونفض المكان نظر جميع ما فيه حتى يتعرفه. ونفض الطريق تتبعها.

٣٤

الله تفي الصفات عنه (١) لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق (٢) وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف ، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران ، وشهادة الاقتران بالحدث ، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث ، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته ، ولا إياه وحده من اكتنهه (٣) ولا حقيقة أصاب من مثله ، ولا به صدق من نهاه (٤) ولا صمد صمده من أشار إليه (٥) ولا إياه عنى من شبهه ، ولا له تذلل من بعضه ، ولا إياه أراد من توهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع (٦) وكل قائم في سواه معلول ، بصنع الله يستدل عليه وبالعقول يعتقد معرفته ، وبالفطرة تثبت حجته (٧). خلق الله حجاب بينه

__________________

١ ـ هذا الكلام كثير الدور في الكلمات أئمتنا سلام الله عليهم ، والمراد به أنه تعالى ليس له صفة مغايرة لذاته بالحقيقة بل ذاته المتعالية نفس كل صفة ذاتية كما يأتي التصريح به في بعض الأخبار في باب العلم وباب صفات الذات خلافا للأشاعرة حيث قالوا : ( إن كل مفهوم من مفاهيم الصفات الذاتية كالعلم والقدرة له حقيقة مغايرة لحقيقة الذات ) ، وفي بعض كلماتهم عليهم‌السلام يمكن تفسير نفي الصفات بنفي الوصف كما نزه نفسه تعالى في الكتاب عن وصف الواصفين.

٢ ـ أي كل مركب من الصفة والموصوف.

٣ ـ الاكتناه طلب الكنه ، فإن من طلب كنهه تعالى لم يوحده بل جعله مثلا للممكنات التي يمكن اكتناهها.

٤ ـ التنهية جعل الشيء ذا نهاية بحسب الاعتقاد أو الخارج.

٥ ـ أي لا قصد نحوه ولم يتوجه إليه بل توجه إلى موجود آخر لأنه أينما تولوا فثم وجه الله ، فليس له جهة خاصة حتى يشار إليه في تلك الجهة.

٦ ـ أي كل ما عرف بذاته وتصور ماهيته فهو مصنوع ، وهذا لا ينافي قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : ( يا من دل على ذاته بذاته ) ولا قول الصادق عليه‌السلام : ( اعرفوا الله بالله ) لأن معنى ذلك أنه ليس في الوجود سبب لمعرفة الله تعالى إلا الله لأن الكل ينتهي إليه ، فالباء هنا للالصاق والمصاحبة أي كل معروف بلصوق ذاته ومائيته ومصاحبتها لذات العارف بحيث أحاط به إدراكا فهو مصنوع ، وهنالك للسببية.

٧ ـ أي لولا الفطرة التي فطر الناس عليها لم تنفع دلالة الأدلة وحجية الحجج.

٣٥

وبينهم (١) ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم ، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدء عن ابتداء غيره ، وأدوه إياهم دليل على أن لا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المتأدين (٢) وأسماؤه تعبير ، وأفعاله تفهيم ، وذاته حقيقة ، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه ، وغبوره تحديد لما سواه (٣) فقد جهل الله من استوصفه ، وقد تعداه من اشتمله (٤) وقد أخطأه من اكتنهه ، ومن قال : كيف فقد شبهه ، ومن قال : لم فقد علله ، ومن قال : متى فقد وقته ، ومن قال : فيم فقد ضمنه ، ومن قال : إلى م فقد نهاه ، ومن قال. حتى م فقد غياه (٥) ومن غياه فقد غاياه ، ومن

__________________

١ ـ ( خلق الله ) على صيغة المصدر مبتدء مضاف إلى فاعله والخلق مفعوله ، وحجاب خبر له. وفي نسخة ( ب ) و ( و ) و ( د ) ( خلقة الله ـ الخ ) ، والكلام في الحجاب بينه وبين خلقه طويل عريض عميق لا يسعه التعليق وفي كثير من أحاديث هذا الكتاب مذكور ببيانات مختلفة فليراجع.

٢ ـ آدوه على وزان فلس مصدر جعلى من الأداة مضاف إليه تعالى ، أي جعله إياهم ذوي أدوات وآلات في إدراكاتهم وأفعالهم ، وكذا أدوته بزيادة التاء في نسخة ( و ) و ( د ) و ( ب ) و ( ج ). والمتأدين أيضا من هذه المادة جمع لاسم الفاعل من باب التفعل أي من يستعمل الأدوات في أموره ، وأما ادواؤه على صيغة المصدر من باب الأفعال كما في نسخة ( ط ) و ( ن ) وكذا ( المادين ) على صيغة اسم الفاعل من مد يمد كما في نسخة ( ج ) و ( ط ) و ( ن ) فخطأ من النساخ لعدم توافق المادة في الموضوعين وعدم تناسب المعنى. وفي العيون ( وادواؤه إياهم دليلهم على أن لا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين ) وهكذا في تحف العقول في خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام إلا أن فيه ( وايداؤه إياهم شاهد على أن لا أداة فيه ).

٣ ـ بالباء الموحدة مصدر بمعنى البقاء أي بقاؤه الملازم لعدم محدوديته محدد لما سواه ، وفي نسخة ( ج ) و ( ط ) و ( و ) بالياء المثناة وعلى هذا فهو مصدر بمعنى المغايرة لا جمع الغير ، وفي نسخة ( د ) و ( ب ) ( وغبوره تجديد لما سواه ) بالجيم أي قدمه يوجب حدوث ما سواه.

٤ ـ الاشتمال هو الإحاطة ، أي من أحاط بشيء تصور أو توهم إنه الله تعالى فقد تجاوز عن مطلوبه ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( أشمله ) من باب الأفعال.

٥ ـ أي من توهم إنه تعالى ذو نهايات وسأل عن حدوده ونهاياته فقد جعل له غايات

٣٦

غاياه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فيه ، لا يتغير الله بانغيار المخلوق ، كما لا يتحدد بتحديد المحدود ، أحد لا بتأويل عدد ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجل لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، مبائن لا بمسافة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسم ، موجود لا بعد عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بحول فكرة (١) مدبر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ، شاء لا بهمة ، مدرك لا بمجسة (٢) سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة.

لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمنه الأماكن ، ولا تأخذه السنات (٣) ولا تحده الصفات ، ولا تقيده الأدوات (٤) سبق الأوقات كونه. والعدم وجوده ، والابتداء أزاله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له (٥) وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة ، والجلاية بالبهم ، والجسو بالبلل (٦) ، والصرد بالحرور ، مؤلف بين متعادياتها ، مفرق بين متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها ، وبتأليفها على مؤلفها ، ذلك قوله عزوجل : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين

__________________

ينتهي إليها ، ومن جعل له غايات فقد جعل المغاياة بينه وبين غيره بجعل الحد المشترك بينهما ، ومن جعله كذلك فقد جعله ذا أجزاء ، ومن توهمه كذلك فقد وصفه بصفة المخلوق ومن وصفه بها فقد ألحد فيه ، والالحاد هو الطعن في أمر من أمور الدين بالقول المخالف للحق المستلزم للكفر.

١ ـ أي بقوة الفكرة ، وفي نسخة ( د ) و ( ن ) بالجيم.

٢ ـ المجسة : آلة الجس.

٣ ـ جمع السنة وهي النعاس ، وفي حاشية نسخة ( ب ) و ( د ) ( السبات ) بالباء الموحدة :

على وزان الغراب وهو النوم ، أو أوله أو الراحة من الحركات فيه.

٤ ـ في نسخة ( ط ) ( ولا تفيده الأدوات ) من الإفادة.

٥ ـ لعلو الصانع عن مرتبة ذات المصنوع وكذا فيما يشابه هذه من الفقرات الآتية.

٦ ـ جسا يجسو جسوا : يبس وصلب.

٣٧

لعلكم تذكرون ) (١) ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها ، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها (٢) ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها (٣) له معنى الربوبية إذ لا مربوب (٤) وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه (٥) ومعنى العالم ولا معلوم ، ومعنى الخالق ولا مخلوق ، وتأويل السمع ولا مسموع (٦) ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا باحداثه البرايا استفاد معنى البارئية (٦) كيف (٧) ولا تغيبه مذ ، ولا تدنيه قد ، ولا تحجبه لعل ، ولا توقته متى ، ولا تشمله حين ،

__________________

١ ـ الذاريات : ٤٩ ، والآية إما استشهاد للمضادة فالمعنى : ومن كل شيء خلقنا ضدين كالأمثلة المذكورة بخلافه تعالى فإنه لا ضد له ، أو استشهاد للمقارنة فالمعنى : ومن كل شيء خلقنا قرينين فإن كل شيء له قرين من سنخه أو مما يناسبه بخلاف الحق تعالى ، والأول أظهر بحسب الكلام هنا ، والثاني أولى بحسب الآيات المذكور فيها لفظ الزوجين.

٢ ـ إثبات التفاوت هنا لا ينافي قوله تعالى : ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) لأن ما في الآية بمعنى عدم التناسب.

٣ ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) وفي البحار : ( من غيرها ).

٤ ـ كل كلام نظير هذا على كثرتها في أحاديث أئمتنا سلام الله عليهم يرجع معناه إلى أن كل صفة كمالية في الوجود ثابتة له تعالى بذاته ، لا أنها حاصلة له من غيره ، وهذا مفاد قاعدة ( أن الواجب الوجود لذاته واجب لذاته من جميع الوجوه ).

٥ ـ الإلهية إن أخذت بمعنى العبادة فالله مألوه والعبد آله متأله ، وأما بمعنى ملك التأثير والتصرف خلقا وأمرا كما هنا وفي كثير من الأحاديث فهو تعالى إله والعبد مألوه ، وعلى هذا فسر الإمام عليه‌السلام ( الله ) في الحديث الرابع من الباب الحادي والثلاثين.

٦ ـ إنما غير أسلوب الكلام وقال : ( وتأويل السمع ) إذ ليس له السمع الذي لنا بل سمعه يؤول إلى علمه بالمسموعات ، وفي نسخة ( ب ) و ( ج ) كلمة إذ في الفقرات الثلاثة الأخيرة مكان الواو أيضا.

٦ ـ في أكثر النسخ ( البرائية ) وفي نسخة ( ن ) والبحار ( البارئية ) كما في المتن.

٧ ـ أي كيف لا يستحق معنى الخالق والبارئ قبل الخلق والحال أنه لا تغيبه مذ التي

٣٨

ولا تقارنه مع ، إنما تحد الأدوات أنفسها ، وتشير الآلة إلى نظائرها (١) وفي الأشياء يوجد فعالها (٢) منعتها منذ القدمة ، وحمتها قد الأزلية ، وجبتها لولا التكملة (٣) افترقت فدلت على مفرقها ، وتباينت فأعربت من مباينها لما تجلى صانعها للعقول (٤)

__________________

هي لابتداء الزمان عن فعله أي لا يكون فعله وخلقه متوقفا على زمان حتى يكون غائبا عن فعله بسبب عدم الوصول بذلك الزمان منتظرا لحضور ابتدائه ، ولا تقربه قد التي هي لتقريب زمان الفعل فلا يقال : قد قرب وقت فعله لأنه لا ينتظر وقتا ليفعل فيه بل كل الأوقات سواء النسبة إليه ، ولا تحجبه عن مراده لعل التي هي للترجي أي لا يترجى شيئا لشيء مراد له له بل ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ولا توقته في مبادى أفعاله ( متى ) أي لا يقال : متى علم ، متى قدر ، متى ملك لأن له صفات كما له ومبادي أفعاله لذاته من ذاته أزلا كأزلية وجوده ، ولا تشمله ولا تحدده ذاتا وصفه وفعلا ( حين ) لأنه فاعل الزمان ، ولا تقارنه بشيء ( مع ) أي ليس معه شيء ولا في مرتبته شيء في شيء ، ومن كان كذلك فهو خالق بارئ قبل الخلق لعدم تقيد خلقه وإيجاده بشيء غيره ، فصح أن يقال : له معنى الخالق إذ لا مخلوق ، وفي نسخة ( ج ) يغيبه وما بعدها من الأفعال بصيغة التذكير.

١ ـ أي إنما يتقيد في الفعل والتأثير بالأدوات أمثالها في المحدودية والجسمانية ، ولا يبعد أن يكون ( تحد ) على صيغة المجهول فلا يفسر أنفسها بأمثالها ، وإشارة الآلة كناية عن التناسب أي تناسب الآلة نظائرها وأمثالها في المادية والجسمانية والمحدودية.

٢ ـ أي في الأشياء الممكنة توجد تأثيرات الآلات والأدوات ، وأما الحق تعالى فمنزه عن ذلك كله.

٣ ـ منذ وقد ولولا فواعل للأفعال الثلاثة والضمائر مفاعيل أولى لها والقدمة والأزلية والتكملة مفاعيل ثواني ، والمعنى أن اتصاف الأشياء بمعاني منذ وقد ولولا وتقيدها بها يمنعها عن الاتصاف بالقدم والأزلية والكمال في ذاتها فإن القديم الكامل في ذاته لا يتقيد بها ، والأظهر أن الضمائر المؤنثة من قوله : منعتها إلى قوله : عرفها الاقرار ترجع إلى الأشياء.

٤ ـ لما تجلى متعلق بدلت وأعربت ، و ( ما ) مصدرية ، وفي البحار وفي هامش نسخة ( و ) ( بها تجلى صانعها للعقول ) فجملة مستقلة.

٣٩

وبها احتجب عن الرؤية ، وإليها تحاكم الأوهام ، وفيها أثبت غيره (١) ومنها أنيط الدليل (٢) وبها عرفها الاقرار ، وبالعقول يعتقد التصديق بالله ، وبالاقرار يكمل الإيمان به ، ولا ديانة إلا بعد المعرفة ولا معرفة إلا بالاخلاص ، ولا إخلاص مع التشبيه ، ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبيه (٣) فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه ، وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه ، لا تجري عليه الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، أو يعود إليه ما هو ابتدأه (٤) إذا لتفاوتت ذاته ، ولتجز أكنهه ، ولامتنع من الأزل معناه ، ولما كان للبارئ معنى غير المبروء ، ولوحد له وراء إذا حد له أمام ، ولو التمس له التمام إذا لزمه النقصان ، كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث ، وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الانشاء ، إذا لقامت فيه آية المصنوع ، ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه ، ليس في محال القول حجة (٥) ولا في المسألة عنه جواب ، ولا في معناه له تعظيم ، ولا في إبانته عن الخلق ضيم ، إلا بامتناع الأزلي أن يثنى وما لا بدأ له أن يبدأ (٦) ، لا إله إلا الله

__________________

١ ـ غيره بفتح الأول وسكون الثاني مصدر بمعنى التغير أي في الأشياء أثبت التغير والاختلاف من عنده تعالى بحسب حدودها الامكانية وباعتبارها ، وأما لولا اعتبار الحدود ففيضه الفائض على الأشياء ورحمته الواسعة كل شيء وتوحيده الساري على هياكل الممكنات واحد ، ويمكن أن يقرأ بكسر الأول وفتح الثاني بمعنى الأحداث المغيرة لأحوال الشيء أي في الأشياء أثبت ذلك ، وفي نسخة ( ج ) ( عزه ) بالعين والزاي المشددة.

٢ ـ أنيط بالنون والياء المثناة مجهول أناط بمعنى علق ووصل أي من الأشياء يوصل بالدليل عليه ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) و ( ط ) بالنون والباء الموحدة أي من الأشياء انبط وأخرج الدليل عليه وعلى صفاته.

٣ ـ أي لا نفي لتشبيهه تعالى بالمخلوق مع إثبات الصفات الزائدة له.

٤ ـ في نسخة ( ط ) وفي البحار ( أو يعود فيه ـ الخ ).

٥ ـ من إضافة الصفة إلى الموصوف ، والقول المحال هو القول المخالف للحق الواقع.

٦ ـ أي ليس في القول بأنه تعالى بائن عن خلقه في ذاته وصفاته وأفعاله ظلم وافتراء

٤٠