التّوحيد

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

التّوحيد

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: السيد هاشم الحسيني الطهراني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٠

العليم ) (١) يعني بذلك صنع الرب العزيز في ملكه ، العليم بخلقه. قال : فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف أو قصره في الشتاء أو ما بين ذلك في الخريف والربيع ، قال : فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه ، ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فكأني بها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثم لا تكسى ضوءا وتؤمر أن تطلع من مغربها ، فذلك قوله عزوجل : ( إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت ) (٢). والقمر كذلك من مطلعه ومجراه في أفق السماء ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة ، ويسجد تحت العرش ثم يأتيه جبرئيل بالحلة من نور الكرسي فذلك قوله عزوجل : ( جعل الشمس ضياء * والقمر نورا ) (٣) قال أبو ذر رحمه‌الله : ثم اعتزلت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلينا المغرب.

٨ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه‌الله ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أورمة ، عن زياد القندي ، عن درست ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إن لله تبارك وتعالى ملكا بعد ما بين شحمة أذنه إلى عنقه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير.

٩ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن السياري ، عن عبد الله بن حماد ، عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل في السماء بحار؟ قال : نعم ، أخبرني أبي ، عن أبيه عن جده عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن في السماوات السبع لبحارا عمق أحدها مسيرة خمسمائة عام ، فيها ملائكة قيام منذ خلقهم الله عزوجل ، والماء إلى ركبهم ، ليس فيهم ملك إلا وله ألف وأربعمائة جناح ، في كل جناح أربعة وجوه ، في كل وجه أربعة ألسن ، ليس فيها جناح ولا وجه ولا لسان ولا فم إلا وهو يسبح الله عزوجل بتسبيح لا يشبه نوع منه صاحبه.

١٠ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن

__________________

١ ـ يس : ٣٨.

٢ ـ التكوير : ٢.

٣ ـ يونس : ٥.

٢٨١

يحيى العطار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أورمة ، عن أحمد بن الحسن الميثمي (١) عن أبي الحسن الشعيري (٢) عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين والله إن في كتاب الله عزوجل لآية قد أفسدت علي قلبي وشككتني في ديني ، فقال له علي عليه‌السلام : ثكلتك أمك وعدمتك وما تلك الآية؟ قال : قول الله تعالى : ( والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ) (٣) فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا ابن الكواء إن الله تبارك وتعالى خلق الملائكة في صور شتى إلا أن لله تبارك وتعالى ملكا في صورة ديك أبح أشهب ، براثنه في الأرض السابعة السلفي وعرفه مثنى تحت العرش له جناحان جناح في المشرق وجناح في المغرب واحد من نار وآخر من ثلج ، فإذا حضر وقت الصلاة قام على براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش ، ثم بجناحيه كما تصفق الديوك في منازلكم ، فلا الذي من النار يذيب الثلج ولا الذي من الثلج يطفئ النار ، فينادي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا سيد النبيين وأن وصيه سيد الوصيين وأن الله سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، قال : فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله وهو قوله تعالى ( والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ) من الديكة في الأرض.

١١ ـ حدثنا أبي رحمه‌الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن يونس بن يعقوب ، عن عمرو بن مروان ، عن أبي ـ عبد الله عليه‌السلام قال : إن لله تبارك وتعالى ملائكة أنصافهم من برد وأنصافهم من نار يقولون : يا مؤلفا بين البرد والنار ثبت قلوبنا على طاعتك.

وسأخرج الأخبار التي رويتها في ذكر عظمة الله تبارك وتعالى في كتاب العظمة إن شاء الله.

__________________

١ ـ كذا في نسخة ( ج ) وفي غيرها ( أحمد بن المحسن الميثمي ) وفي نسخه ( ط ) وحاشية نسخة ( ب ) ( الميثى ) مكان الميثمي.

٢ ـ في نسخة ( ط ) ( الأشعري ).

٣ ـ النور : ٤١.

٢٨٢

٣٩ ـ باب لطف الله تبارك وتعالى

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن سعيد بن جناح ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ما خلق الله خلقا أصغر من البعوض ، والجرجس أصغر من البعوض ، والذي تسمونه الولغ أصغر من الجرجس (١) وما في الفيل شيء إلا وفيه مثله ، وفضل على الفيل بالجناحين (٢).

٤٠ ـ باب أدنى ما يجزئ من معرفة التوحيد

١ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه‌الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم ، عن مختار بن محمد بن مختار الهمداني ، عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن أدنى المعرفة ، فقال : الاقرار بأنه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير وأنه قديم مثبت موجود غير فقيد وأنه ليس كمثله شيء.

٢ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد رفعه ، قال : سئل علي بن الحسين عليهما‌السلام عن التوحيد فقال : إن الله عزوجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله عزوجل ( قل

__________________

١ ـ الولغ في النسخ بالغين المعجمة ، وفي الكافي ومجع البحرين بالعين المهملة.

٢ ـ إن الله لطيف في الخلق أي في الصنع كما هنا وفي بعض الروايات في الباب الثاني والتاسع والعشرين ، ولطيف بالخلق أي بار بهم كما قال تعالى : ( الله لطيف بعباده ) ، ولطيف للخلق وهذا ما بحث عنه المتكلمون ، ولطيف بذاته بمعنيين : بمعنى النفاذ في الأشياء والدخول فيها بلا كيفية كما في الحديث الثاني من الباب التاسع والعشرين وفي كثير من كلمات أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد يفسر الآية : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) بهذا المعنى ، والمعنى الثاني أنه لا يدرك ذاته كما في الحديث المذكور.

٢٨٣

هو الله أحد * الله الصمد ) والآيات من سورة الحديد ـ إلى قوله : ( وهو عليم بذات الصدور ) (١) فمن رام ما وراء هنالك هلك.

٣ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي. قال : حدثني الحسين بن الحسن ، قال : حدثني بكر بن زياد ، عن عبد العزيز بن المهتدي ، قال سألت الرضا عليه‌السلام عن التوحيد ، فقال : كل من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد ، قلت : كيف يقرؤها؟ قال : كما يقرء الناس ، وزاد فيه ( كذلك الله ربي ، كذلك الله ربي ، كذلك الله ربي ).

٤ ـ أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمد بن أحمد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن علي الطاحي (٢) عن طاهر بن حاتم بن ما هوية قال : كتبت إلى الطيب ـ يعني أبا الحسن موسى ـ عليه‌السلام : ما الذي لا تجزئ معرفة الخالق بدونه (٣) فكتب : ليس كمثله شيء ولم يزل سميعا وعليما وبصيرا ، وهو الفعال لما يريد.

٥ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي‌الله‌عنه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي القريشي ، قال : حدثنا محمد بن سنان ، عن محمد بن يعلى الكوفي ، عن جويبر (٤) عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله علمني من غرائب العلم ، قال : ما صنعت في رأس العلم حتى تسأل

__________________

١ ـ وغيرهما من الآيات ليتعمقوا ويتفكروا فيها ويعرفوا ربهم ويستغنوا عن وصف الواصفين وأقاويل المتكلمين المتكلفين وكلمات المتفلسفين.

٢ ـ المظنون أنه أبو سمينة محمد بن علي الكوفي الصيرفي المذكور كثيرا في إسناد الكتاب ، وفي البحار في الباب العاشر من الجزء الثالث المطبوع حديثا وفي نسخة ( ن ) ( الطاحن ) والظاهر أنه خطأ.

٣ ـ في نسخة ( و ) و ( ب ) ( ما الذي لا يجتزء ـ الخ ).

٤ ـ هذا غير جويبر الصحابي المعروف ، وفي نسخة ( ط ) ( جوير ).

٢٨٤

عن غرائبه؟! قال الرجل : ما رأس العلم يا رسول الله؟ قال : معرفة الله حق معرفته ، قال الأعرابي : وما معرفة الله حق معرفته؟ قال : تعرفه بلا مثل ولا شبه ولا ند وأنه واحد أحد ظاهر باطن أول آخر لا كفو له ولا نظير فذلك حق معرفته.

٤١ ـ باب أنه عزوجل لا يعرف إلا به

١ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني ناظرت قومك فقلت لهم ، إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه ، بل العباد يعرفون بالله (١) فقال : رحمك الله.

٢ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن عقبة بن قيس ابن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفعه ، قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام بم عرفت ربك؟ فقال : بما عرفني نفسه ، قيل : وكيف عرفك نفسه؟ فقال : لا تشبهه صورة ، ولا يحس بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، قريب في بعده ، بعيد في قربه ، فوق كل شيء ولا يقال : شيء فوقه ، أمام كل شيء ولا يقال : له أمام ، داخل في الأشياء لا كشئ في شيء داخل ، وخارج من الأشياء لا كشئ من شيء خارج ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ، ولكل شيء ومبتدء.

٣ ـ حدثني أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن محمد بن حمران (٢) عن الفضل بن السكن ، عن أبي ـ

__________________

١ ـ على صيغة المجهول كما هو الظاهر نظير ما في الحديث الرابع ، ويحتمل معلوما كما في الحديث الثالث.

٢ ـ في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) ( محمد بن عمران ).

٢٨٥

عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولي الأمر بالمعروف والعدل والاحسان (١).

٤ ـ حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي ، قال : حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو (٢) قال : حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا : حدثنا محمد بن سنان الحنظلي ، قال : حدثنا عبد الله بن عاصم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن قيس ، عن أبي هاشم الرماني ، عن زاذان ، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى وما سأل عنه أبا بكر فلم يجبه ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فسأله عن

__________________

١ ـ المعنى الظاهر لهذا الحديث : اعرفوا كل شيء بما هو به هو كالعالم فإنه يعرف بالعلم والخياط يعرف بالخياطة وإلا فينكر أنه عالم أو خياط ، فمن أردتم أن تعتقدوا أنه عالم أو خياط فانظروا إلى علمه أو خياطته ، فإن كان له فهو هو وإلا فلا ، وكذلك الله والرسول وأولي الأمر ، فاعرفوا من سميتموه بالله وعبدتموه واعتقدتم أن الخلق والأمر له بالألوهية أي بأن يكون مبدء العالم وخالقه ومدبره وبيده أموره ويكون واحدا لا شريك ولا شبيه له فالله هو ذلك لا من هو بمعزل عن ذلك ، كما عرف هو نفسه بذلك في مواضع من كتابه ، واعرفوا من يدعى أنه رسول من الله وأردتم أن تعتقدوا أنه رسول من الله بالرسالة من الله وهي أن يخبر عن الله صدقا وصدقه يثبت بالمعجزات ، واعرفوا أولي الأمر بعد الرسول بهذه الخصال فمن تمت وكملت فيه فهو ولي الأمر بعده.

ثم إنه عليه‌السلام قال : اعرفوا الله بالله ولم يقل بالألوهية كما قال : الرسول بالرسالة لأن هذا التعبير يوهم زيادة الصفة على الموصوف ، وفي الكافي باب أنه لا يعرف إلا به : ( وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والاحسان ).

٢ ـ صغد بضم الصاد المهملة والغين المعجمة الساكنة آخره الدال المهملة موضع بيخارا وموضع بسمرقند ، وهذا السند بعينه مذكور في الحديث السادس عشر من الباب الثامن والعشرين والحديث الثالث من الباب الثامن والأربعين.

٢٨٦

مسائل فأجابه عنها ، وكان فيما سأله أن قال له : أخبرني عرفت الله بمحمد أم عرفت محمدا بالله عزوجل؟ فقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ما عرفت الله بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن عرفت محمدا بالله عزوجل حين خلقه وأحدث فيه الحدود من طول ، وعرض ، فعرفت أنه مدبر مصنوع باستدلال وإلهام منه وإرادة كما ألهم الملائكة طاعته وعرفهم نفسه بلا شبه ولا كيف (١).

__________________

١ ـ قيل هذا نظير دعا مأمور بقراءته في أيام غيبة صاحب الأمر عليه‌السلام : ( اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك ـ الخ ) ، وهذا ظاهر لأن المضاف بما هو مضاف لا يعرف إلا بعد معرفة المضاف إليه ، أقول : هذا حق ، ولكنه عليه‌السلام نهج هنا منهجا آخر مذكورا في كثير من أحاديث الكتاب ، ومراده عليه‌السلام : إني ما عرفت ذاته تعالى بحدود ذات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن ذاته لا تدرك بذاته ولا بشيء من الذوات ، ولكن عرفت محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بذاته وخصوصياته أنه مصنوع مدبر له بإلهامه تعالى ودلالته إياي.

وجملة الكلام في معرفته تعالى أنه لا يدرك ذاته ولا صفاته الذاتية لأنها عينها. وهذا ما نطق به كثير من أحاديث الكتاب من أنه تعالى لا يوصف ولا يدرك بعقل ولا بوهم ، فالمدرك منه بحسب العقل والتصور هو العناوين الصادقة عليه ذاتا أو صفة كالشيء والموجود والإله والعالم والحي والقادر إلى غير ذلك من أسمائه تعالى كما تبين في مواضع من الكتاب وأمر العباد بأن يدعوه بها ، وبحسب الفطرة هو نوره وظهوره لكل موجود على قدر نورانيته وصفاء فطرته ، وهذا ما نطق به الآيات والأخبار من لقائه ورؤيته بالقلب وشهوده وغير ذلك من التعبيرات ، ثم إن معرفته كائنة ما كانت من حيث السبب بذاته لا بشيء آخر لأنه مبدء الكل فأينما كانت فيه كانت سواء كان لها مبدء وسطي أم لا وسواء كان لها شرط أم لا كسائر الأمور فما صدر عنهم عليهم‌السلام من أنه يعرف بذاته لا بخلقه وأنه دال على ذاته بذاته وأمثالهما ناظر إلى هذه الحيثية ، وهنا كلام آخر لا يسعني ذكره ، وأما من حيث الوجود فمتوقفة على الخلق إذ حيث لا خلق لا معرفة للخلق به ، وهذا ما شاع في الآيات والأخبار وألسنة العلماء والمتكلمين من الاستدلال بالآثار على مبدء الآثار ، فاحتفظ على هذه الوجوه كي لا يشتبه عليك المراد في الأحاديث المختلفة التي كل منها ناظر إلى كل منها.

٢٨٧

والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ، وقد أخرجته بتمامه في آخر أجزاء كتاب النبوة.

٥ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قال : سمعت محمد بن يعقوب يقول : معنى قوله ( اعرفوا الله بالله ) يعني : أن الله عزوجل خلق الأشخاص والألوان والجواهر ، فالأعيان الأبدان ، والجواهر الأرواح ، وهو عزوجل لا يشبه جسما ولا روحا ، وليس لأحد في خلق الروح الحساس الدراك أثر ولا سبب ، هو المتفرد بخلق الأرواح والأجسام ، فمن نفي عنه الشبهين : شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله ، ومن شبهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله.

٦ ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه‌الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن زياد بن المنذر ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام أنه قال : إن رجلا قام إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك؟ قال : بفسخ العزم ونقض الهم ، لما هممت فحيل بيني وبين همي ، وعزمت فخالف القضاء عزمي علمت أن المدبر غيري ، قال : فبماذا شكرت نعماءه؟ قال : نظرت إلى بلاء قد صرفه عني وأبلى به غيري فعلمت أنه قد أنعم علي فشكرته ، قال : فلما ذا أحببت لقاءه ، قال : لما رأيته قد أختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه علمت أن الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحببت لقاءه.

٧ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي المقري ، قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقري ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الموصلي ببغداد قال : حدثنا محمد بن عاصم الطريفي ، قال : حدثنا عياش بن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي (١) قال : حدثني أبي ، قال : حدثني موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال : قال

__________________

١ ـ هذا السند بعينه مذكور في الحديث الثاني في الباب الثاني والثلاثين والحديث الأول من الباب الرابع والثلاثين ، وفي بعض النسخ في بعض هذه المواضع الثلاثة : ( الضحاك ) بدل ( الكحال ) ولا يبعد أن يكون للرجل لقبان.

٢٨٨

قوم للصادق عليه‌السلام : ندعو فلا يستجاب لنا ، قال : لأنكم تدعون من لا تعرفونه.

٨ ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه‌الله ، قال : حدثنا أبي قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام فقيل له : بما عرفت ربك؟ قال : بفسخ العزم ونقض الهم عزمت ففسخ عزمي ، وهممت فنقض همي.

٩ ـ حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن الخزاز الكوفي ، قال : حدثنا سليمان بن جعفر قال : حدثنا علي بن الحكم ، قال : حدثنا هشام بن سالم ، قال : حضرت محمد بن النعمان الأحول فقام إليه رجل فقال له : بم عرفت ربك؟ قال بتوفيقه وإرشاده وتعريفه وهدايته ، قال : فخرجت من عنده ، فلقيت هشام بن الحكم فقلت له : ما أقول لمن يسألني فيقول لي بم عرفت ربك؟ فقال : إن سأل سائل فقال : بم عرفت ربك؟ قلت : عرفت الله جل جلاله بنفسي (١) لأنها أقرب الأشياء إلي ، وذلك أني أجدها أبعاضا مجتمعة وأجزاء مؤتلفة ، ظاهرة التركيب ، متبينة الصنعة ، مبينة على ضروب من التخطيط والتصوير ، زائدة من بعد نقصان ، وناقصة من بعد زيادة ، قد أنشأ لها حواس مختلفة ، وجوارح متباينة ـ من بصر وسمع وشام وذائق ولا مس ـ مجبولة على الضعف والنقص والمهانة ، لا تدرك واحدة منها مدرك صاحبتها ولا تقوى على ذلك ، عاجزة عند اجتلاب المنافع إليها ، ودفع المضار عنها ، واستحال في العقول وجود تأليف لا مؤلف له ، وثبات صورة لا مصور لها ، فعلمت أن لها خالقا خلقها ، ومصورا صورها ، مخالفا لها على جميع جهاتها (٢) قال الله عزوجل ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) (٣).

__________________

١ ـ في نسخة ( ج ) ( فقل عرفت الله ـ الخ ).

٢ ـ في نسخة ( و ) ( من جميع جهاتها ). وفي نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) ( في جميع جهاتها ).

٣ ـ الذاريات : ٢١.

٢٨٩

١٠ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن جعفر أبو الحسين الأسدي ، قال : حدثنا الحسين بن المأمون القرشي (١) عن عمر بن عبد العزيز ، عن هشام بن الحكم ، قال : قال لي أبو شاكر الديصاني : إن لي مسألة تستأذن لي على صاحبك ، فإني قد سألت عنها جماعة من العلماء فما أجابوني بجواب مشبع ، فقلت : هل لك أن تخبرني بها فلعل عندي جوابا ترتضيه فقال : إني أحب أن ألقى بها أبا عبد الله عليه‌السلام ، فاستأذنت له فدخل فقال له : أتأذن لي في السؤال؟ فقال له : سل عما بدا لك ، فقال له : ما الدليل على أن لك صانعا؟ فقال : وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين : إما أن أكون صنعتها أنا أو صنعها غيري ، فإن كنت صنعتها أنا فلا أخلو من أحد معنيين : إما أن أكون صنعتها وكانت موجودة ، أو صنعتها وكانت معدومة ، فإن كنت صنعتها وكانت موجودة فقد استغنت بوجودها عن صنعتها ، وإن كانت معدومة فإنك تعلم أن المعدوم لا يحدث شيئا فقد ثبت المعنى الثالث أن لي صانعا وهو الله رب العالمين فقام وما أحار جوابا.

قال مصنف هذا الكتاب : القول الصواب في هذا الباب هو أن يقال : عرفنا الله بالله لأنا إن عرفناه بعقولنا فهو عزوجل واهبها ، وإن عرفناه عزوجل بأنبيائه ورسله وحججه عليهم‌السلام فهو عزوجل باعثهم ومرسلهم ومتخذهم حججا ، وإن عرفناه بأنفسنا فهو عزوجل محدثها ، فبه عرفناه ، وقد قال الصادق عليه‌السلام : ( لولا الله ما عرفنا (٢) ولولا نحن ما عرف الله ) ومعناه لولا الحجج ما عرف الله حق معرفته ، ولولا الله ما عرف الحجج ، وقد سمعت بعض أهل الكلام يقول : لو أن رجلا ولد في فلاة من الأرض ولم ير أحدا يهديه ويرشده حتى كبر وعقل ونظر إلى السماء والأرض لدله ذلك على أن لهما صانعا ومحدثا ، فقلت : إن هذا شيء لم يكن ، وهو إخبار بما لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ، ولو كان ذلك لكان لا يكون

__________________

١ ـ في حاشية نسخه ( ب ) ( الحسن بن المأمون القرشي ).

٢ ـ أي لولا تعريف الله إيانا لخلقه ما عرفنا أحد منهم ، وما في بعض النسخ من زيادة ضمير المفعول الراجع إلى الله هنا خطأ.

٢٩٠

ذلك الرجل إلا حجة الله تعالى ذكره على نفسه ، كما في الأنبياء عليهم‌السلام منهم من بعث إلى نفسه ، ومنهم من بعث إلى أهله وولده ، ومنهم من بعث إلى أهل محلته ، ومنهم من بعث إلى أهل بلده ، ومنهم من بعث إلى الناس كافة ، وأما استدلال إبراهيم الخليل عليه‌السلام بنظره إلى الزهرة ثم إلى القمر ثم إلى الشمس ، وقوله لما أفلت : ( يا قوم إني بريء مما تشركون ) فإنه عليه‌السلام كان نبيا ملهما مبعوثا مرسلا وكان جميعا قوله بإلهام الله عزوجل إياه ، وذلك قوله عزوجل : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ) (١) وليس كل أحد كإبراهيم عليه‌السلام ، ولو استغنى في معرفة التوحيد بالنظر عن تعليم الله عزوجل وتعريفه لما أنزل الله عزوجل ما أنزل من قوله : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) (٢) ومن قوله : ( قل هو الله أحد ـ إلى آخرها ) ومن قوله : ( بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ـ إلى قوله ـ وهو اللطيف الخبير ) (٣) وآخر الحشر ، وغيرها من آيات التوحيد (٤).

__________________

١ ـ الأنعام : ٨٣.

٢ ـ محمد : ١٩.

٣ ـ الأنعام : ١٠٣.

٤ ـ حاصل كلامه رحمه‌الله أن معنى قوله عليه‌السلام في الخبر الثالث : اعرفوا الله بالله أي اعرفوا الله بتعليمه تعالى وتعريفه ، ولا تكتفوا لمعرفته بالنظر والاستدلال ببعض خلقه من وجود الأنبياء أو جود أنفسنا وعقولنا أو غير ذلك من دون تعليمه تعالى ، وتعليمه تعالى إما بالوحي كما للأنبياء عليهم‌السلام ، أو بسمع الكلام من الأنبياء والأوصياء كما لنا ، فليس في كلامه تشويش ولا تناقض كما نسب إليه العلامة المجلسي رحمه‌الله فلذا قال : إن المولود في فلاة إن كان نبيا يوحى إليه فهو وإلا فلا يكفي نظره بل لا بد من تعلم من نبي ، أو ممن تعلم من نبي ، واستدلال إبراهيم عليه‌السلام ليس مجرد استدلال لنفسه بل تعلم من الله بالوحي ، ثم استدل لغيره بما تعلم منه تعالى فتعلم غيره منه ، وهذا ما في بعض الأخبار من قولهم عليهم‌السلام : ( إن الله تعالى أرسل رسله إلى عباده ليعقلوا عنه ما جهلوه ).

٢٩١

٤٢ ـ باب إثبات حدوث العالم

١ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، قال : حدثني علي بن منصور ، قال : سمعت هشام بن الحكم يقول : دخل أبو شاكر الديصاني (١) على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له : إنك أحد النجوم الزواهر ، وكان آباؤك بدورا بواهر ، وأمهاتك عقيلات عباهر ، وعنصرك من أكرم العناصر ، وإذا ذكر العلماء فبك تثنى الخناصر (٢) فخبرني أيها البحر الخضم الزاخر ما الدليل على حدوث العالم؟ (٣) فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : نستدل عليه بأقرب الأشياء (٤) قال : وما هو؟ قال : فدعا أبو عبد الله عليه‌السلام ببيضة فوضعها على راحته ، فقال : هذا حصن ملموم داخله غرقئ رقيق لطيف (٥) به فضة سائلة وذهبة مائعة ثم تنفلق ، عن مثل الطاووس ، أدخلها شيء؟ (٦) فقال : لا ، قال : فهذا الدليل على حدوث العالم ، قال : أخبرت فأوجزت ، وقلت فأحسنت ، وقد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه

__________________

١ ـ منسوب إلى رجل مسمى بديصان ، ويقال له ابن ديصان أيضا كما في قول المصنف في أواخر الباب السادس والثلاثين ، اختلق مذهبا ودعا الناس إليه ، ذكر صفته وتفصيل مذهبه في الفهرست لابن النديم والملل والنحل والبحار في باب التوحيد ونفي الشريك ، قال ابن النديم في الفهرست : الديصانية إنما سمي صاحبهم بديصان باسم نهر ولد عليه ، وهو قبل مانى ، والمذهبان قريبان بعضهما من بعض ـ الخ.

٢ ـ أي أنت تعد أولا ومقدما عليهم ثم يعد سائر العلماء في المرتبة المتأخرة عنك.

٣ ـ أي كونه مصنوعا للصانع.

٤ ـ في ( ج ) و ( و ) و ( د ) ( يستدل عليه ـ الخ ).

٥ ـ الغرقئ كالزبرج وهمزته للالحاق هو القشر اللطيف في البيض تحت القشر الظاهر.

٦ ـ أي لا شبهة أن صيرورتها طاووسا أو غيره إنما هي بصنعة صانع ، ولم يدخل فيها شيء مما ندركه ويصلح للصانعية لها ، فالصانع لها طاووسا موجود متعال عن إدراكنا.

٢٩٢

بأبصارنا ، أو سمعناه بآذاننا ، أو شممناه بمناخرنا أو ذقناه بأفواهنا أو لمسناه بأكفنا أو تصور في القلوب بيانا أو استنبطه الرويات (١) إيقانا ، قال أبو عبد الله : ذكرت الحواس الخمس وهي لا تنفع شيئا بغير دليل كما لا يقطع الظلمة بغير مصباح (٢).

٢ ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن العباس بن عمرو الفقيمي ، عن هشام بن الحكم أن ابن أبي العوجاء دخل على الصادق عليه‌السلام فقال له : يا ابن أبي العوجاء أمصنوع أنت أم غير مصنوع؟! فقال : لا ، لست بمصنوع ، فقال له الصادق عليه‌السلام : فلو كنت مصنوعا كيف كنت تكون (٣) فلم يحر ابن أبي العوجاء جوابا ، وقام وخرج.

٣ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار (ره) قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، أنه دخل عليه رجل فقال له : يا ابن رسول الله ما الدليل على حدث العالم؟ قال : أنت لم تكن ثم كنت ، وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلم.

٤ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن حماد ، عن الحسن بن إبراهيم عن يونس بن عبد الرحمن ، عن يونس بن يعقوب ، قال : قال لي علي بن منصور : قال لي هشام بن الحكم : كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبد الله عليه‌السلام علم (٤) فخرج

__________________

١ ـ في بعض النسخ ( استنبطه الروايات إيقانا ).

٢ ـ أي لا تفيد الحواس يقينا وتصديقا بشيء من دون دلالة العقل وحكمه لأن شأنها إيجاب التصور للجزئيات كما أن الطريق المظلم لا يقطع بدون المصباح ، فإذا كان الأمر كذلك فالمتبع حكم العقل سواء كان هناك إحساس أم لا.

٣ ـ منطوق بيانه عليه‌السلام أنك لو كنت مصنوعا لكنت على الأوصاف التي أنت عليها الآن لكنك على الأوصاف فأنت مصنوع.

٤ ـ في البحار وفي نسخة ( و ) و ( ج ) و ( د ) و ( ب ) ( يبلغه عن أبي عبد الله عليه‌السلام فخرج ـ الخ ) وفي الكافي باب حدوث العالم : ( تبلغه عن أبي عبد الله عليه‌السلام أشياء فخرج ـ الخ ).

٢٩٣

إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها ، فقيل له : هو بمكة فخرج الزنديق إلى مكة ، ونحن مع أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقاربنا الزنديق ونحن مع أبي عبد الله عليه‌السلام في الطواف فضرب كتفه كتف أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال له أبو عبد الله جعفر عليه‌السلام : ما اسمك؟ قال : اسمي عبد الملك ، قال : فما كنيتك؟ قال : أبو عبد الله ، قال : فمن الملك الذي أنت له عبد ، أمن ملوك السماء أم من ملوك الأرض؟! وأخبرني عن ابنك أعبد إله السماء؟ أم عبد إله الأرض؟! فسكت ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : قل ما شئت تخصم ، قال هشام بن الحكم : قلت للزنديق : أما ترد عليه؟! فقبح قولي ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا فرغت من الطواف فأتنا ، فلما فرغ أبو عبد الله عليه‌السلام أتاه الزنديق ، فقعد بين يديه ، ونحن مجتمعون عنده ، فقال للزنديق : أتعلم أن للأرض تحتا وفوقا؟! قال : نعم ، قال : فدخلت تحتها؟! قال : لا ، قال : فما يدريك بما تحتها؟! قال : لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شيء ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : فالظن عجز ما لم تستيقن ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : فصعدت السماء؟! قال : لا ، قال : فتدري ما فيها؟! قال : لا ، قال : فأتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما؟! قال : لا ، قال : فعجبا لك ، لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل تحت الأرض ولم تصعد السماء ولم تخبر هنالك فتعرف ما خلفهن (١) وأنت جاحد ما فيهن ، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟! (٢) فقال الزنديق : ما كلمني بهذا أحد غيرك ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : فأنت في شك من ذلك ، فلعل هو أو لعل ليس هو ، قال الزنديق : ولعل ذاك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم ، فلا حجة للجاهل على العالم ، يا أخا أهل مصر تفهم عني ، فإنا لا نشك في

__________________

١ ـ في البحار وفي نسخة ( ب ) ( ولم تجز هنالك فتعرف ما خلقهن ).

٢ ـ هذا نظير قوله تعالى : ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) فإن العقل لا يجوز أن ينكر الإنسان ما لا يعلم حتى يعلم نفيه كما لا يجوز أن يقبله حتى يعلم إثباته ، قال تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) ، فلذا قال عليه‌السلام : فلعل هو أو لعل ليس هو ، فالأمر في بقعة الامكان ما لم يعلم نفيه أو ثبوته.

٢٩٤

الله أبدا ، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يشتبهان ، يذهبان ويرجعان ، قد اضطرا ، ليس لهما مكان إلا مكانها ، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلا يرجعان (١) فلم يرجعان؟! وإن لم يكونا مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا والنهار ليلا ، اضطرا والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما ، والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر منهما ، قال الزنديق : صدقت.

ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أخا أهل مصر! الذي تذهبون إليه وتظنونه بالوهم (٢) فإن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردهم ، وإن كان يردهم لم لا يذهب بهم ، القوم مضطرون ، يا أخا أهل مصر السماء مرفوعة والأرض موضوعة ، لم لا تسقط السماء على الأرض ، ولم لا تنحدر الأرض فوق طاقتها؟ (٣) فلا يتماسكان ولا يتماسك من عليهما ، فقال الزنديق : أمسكهما والله ربهما وسيدهما (٤) فآمن الزنديق على يدي أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له حمران بن أعين : جعلت فداك إن آمنت الزنادقة على يديك فقد آمنت الكفار على يدي أبيك ، فقال المؤمن الذي آمن على يدي أبي عبد الله عليه‌السلام : اجعلني من تلامذتك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لهشام بن الحكم : خذه إليك فعلمه ، فعلمه هشام ، فكان معلم أهل مصر وأهل الشام ، وحسنت طهارته حتى رضي بها أبو عبد الله عليه‌السلام.

٥ ـ حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله ، قالا : حدثنا أحمد بن إدريس ، ومحمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن يعقوب الهاشمي ، عن مروان بن مسلم ، قال : دخل ابن أبي العوجاء على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : أليس تزعم أن الله خالق كل شيء؟

__________________

١ ـ في البحار وفي نسخة ( ب ) و ( ج ) ( ولا يرجعان ).

٢ ـ خبر ( الذي ) مقدر وهو ( ليس بالمبدء الفاعل للأمور ) ، وقوله : ( فإن كان الدهر ـ الخ ) تعليل جعله مكان الخبر لكونه معلولا له ، وفي الكافي : ( وتظنون أنه الدهر ).

٣ ـ أي فوق محيطها ، أي لا تخرج عن مكانها ، وفي الكافي والبحار : ( فوق طباقها ).

٤ ـ في الكافي : ( أمسكهما الله ربهما وسيدهما ).

٢٩٥

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : بلى ، فقال : أنا أخلق ، فقال عليه‌السلام له : كيف تخلق؟! فقال : أحدث في الموضع ثم ألبث عنه فيصير دواب ، فأكون أنا الذي خلقتها ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أليس خالق الشيء يعرف كم خلقه؟ قال : بلى ، قال : فتعرف الذكر منها من الأنثى ، وتعرف كم عمرها؟! فسكت.

٦ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني بإسناده رفع الحديث أن ابن أبي العوجاء حين كلمه أبو عبد الله عليه‌السلام عاد إليه في اليوم الثاني فجلس وهو ساكت لا ينطق ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه ، فقال : أردت ذاك يا ابن رسول الله فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما أعجب هذا ، تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله ، فقال : العادة تحملني على ذلك ، فقال له العالم عليه‌السلام : فما يمنعك من الكلام؟ قال : إجلالا لك ومهابة ما ينطلق لساني بين يديك فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك ، قال : يكون ذلك ، ولكن أفتح عليك بسؤال (١) وأقبل عليه ، فقال له : أمصنوع أنت أم غير مصنوع؟! فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء أنا غير مصنوع ، فقال له العالم عليه‌السلام : فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون فبقي عبد الكريم مليا لا يحير جوابا ، وولع بخشبة كانت بين يديه (٢) وهو يقول : طويل عريض عميق قصير متحرك ساكن ، كل ذلك صفة خلقه (٣) فقال له العالم عليه‌السلام : فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل نفسك مصنوعا لما تجد في نفسك

__________________

١ ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( ولكن افتح عليك سؤالا ).

٢ ـ أي أخذ يتأملها.

٣ ـ الضمير يرجع إلى خشبة ، والتذكير باعتبار كونها شيئا ، أي كل هذه الأمور صفة مخلوقية هذا الشيء ، أو يرجع إلى الله ، وهذا اعتراف بالفطرة ، ولكن المعاندة منعته عن الاعتراف باللسان ، فقال له العالم عليه‌السلام : إن اعترفت بهذا المقدار من صفة المخلوقية في هذه الخشبة فأنت أيضا مثلها في الاتصاف بهذه الأوصاف ، فاجعل نفسك أيضا مصنوعا ، والمصنوع لا بد له من صانع غير مصنوع.

٢٩٦

مما يحدث من هذه الأمور ، فقال له عبد الكريم : سألتني عن مسألة لم يسألني أحد عنها قبلك ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : هبك علمت أنك لم تسأل فيما مضى فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد ، على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء فكيف قدمت وأخرت (١).

ثم قال : يا عبد الكريم أزيدك وضوحا (٢) أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر فقال لك قائل : هل في الكيس دينار؟ فنفيت كون الدينار في الكيس ، فقال لك قائل : صف لي الدينار وكنت غير عالم بصفته ، هل كان لك أن تنفي كون الدينار في الكيس وأنت لا تعلم؟ قال : لا ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس ، فلعل في العالم صنعة لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة فانقطع عبد الكريم ، وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه ، وبقي معه بعض.

فعاد في اليوم الثالث فقال : أقلب السؤال؟ فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : سل عما شئت ، فقال : ما الدليل على حدث الأجسام؟ فقال : إني ما وجدت شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا إذا ضم إليه مثله صار أكبر ، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى (٣) ولو كان قديما ما زال ولا حال لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل ، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث ، وفي كونه في الأولى (*) دخوله في العدم ، ولن يجتمع صفة الأزل والعدم في شيء واحد (٤) فقال عبد الكريم : هبك

__________________

١ ـ هذا مرتبط بقوله عليه‌السلام : ( هبك علمت ـ الخ ) والمعنى إنك يا عبد الكريم قائل بأن كل نوع من الأشياء على السواء لا تفاضل بين أفراده فيكف قدمتني وأخرت غيري بفضل العلم.

٢ ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( أنزيدك وضوحا ).

٣ ـ هذا إشارة إلى الدليل المشهور بين المتكلمين : ( العالم متغير وكل متغير حادث فالعالم حادث ) لأن القديم لا يحول ولا يزول عن حاله.

* ـ لعلّ الصواب ( في الأزل ).

٤ ـ هكذا في النسخ التي عندي ، وفي البحار باب إثبات الصانع : ( وفي كونه في الأزل دخوله في القدم ، ولن تجتمع صفة الأزل والحدوث والقدم والعدم في شيء واحد ). وفي باب حدوث العالم من الكافي هكذا : ( وفي كونه في الأزل دخوله في العدم ولن تجتمع صفة الأزل والعدم والحدوث والقدم في شيء واحد ).

٢٩٧

علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت على حدوثها ، فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثها؟ فقال العالم عليه‌السلام : إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع ، فلو رفعناه ووضعنا عالما أخر كان لا شيء أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ولكن أجيبك من حيث قدرت أنك تلزمنا ، ونقول : إن الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ما ضم شيء منه إلى مثله كان أكبر ، وفي جواز التغير عليه خروجه من القدم كما بان في تغيره دخوله في الحدث ، ليس لك وراءه شيء يا عبد الكريم ، فانقطع وخزي.

فلما كان من العام القابل التقى معه في الحرم ، فقال له بعض شيعته : إن ابن أبي العوجاء قد أسلم ، فقال العالم عليه‌السلام : هو أعمى من ذلك لا يسلم ، فلما بصر بالعالم عليه‌السلام قال : سيدي ومولاي ، فقال له العالم عليه‌السلام : ما جاء بك إلى هذا الموضع؟ فقال : عادة الجسد وسنة البلد ولنبصر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة ، فقال العالم عليه‌السلام : أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبد الكريم ، فذهب يتكلم ، فقال له : لا جدال في الحج ونفض رداءه من يده ، وقال : إن يكن الأمر كما تقول ـ وليس كما تقول ـ نجونا ونجوت ، وإن يكن الأمر كما نقول ـ وهو كما نقول ـ نجونا وهلكت ، فأقبل عبد الكريم على من معه فقال : وجدت في قلبي حزازة (١) فردوني ، فردوه ومات لا رحمه الله.

قال مصنف هذا الكتاب رحمه‌الله : من الدليل على حدث الأجسام (٢) أنا وجدنا أنفسنا وسائر الأجسام (٣) لا تنفك مما يحدث من الزيادة والنقصان وتجري عليها من الصنعة والتدبير ويعتورها من الصور والهيئات ، وقد علمنا ضرورة أنا لم نصنعها ولا من هو من جنسنا وفي مثل حالنا صنعها ، وليس يجوز في عقل ، ولا يتصور في

__________________

١ ـ في نسخة ( ج ) و ( د ) و ( هـ ) و ( ط ) ( حرارة ).

٢ ـ في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) ( من الدليل على حدث العالم ).

٣ ـ في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) و ( و ) ( سائر أجسام العالم ).

٢٩٨

وهم أن يكون ما لم ينفك من الحوادث ولم يسبقها قديما ، ولا أن توجد هذه الأشياء على ما نشاهدها عليه من التدبير ونعاينه فيها من اختلاف التقدير ، لا من صانع ، أو تحدث لا بمدبر ، ولو جاز أن يكون العالم بما فيه من إتقان الصنعة وتعلق بعضه ببعض وحاجة بعضه إلى بعض ، لا بصانع صنعه ، ويحدث لا بموجد أوجده لكان ما هو دونه من الإحكام والاتقان أحق بالجواز وأولى بالتصور والامكان ، وكان يجوز على هذا الوضع وجود كتابة لا كاتب لها ، ودار مبنية لا باني لها ، وصورة محكمة لا مصور لها ، ولا يكمن (١) في القياس أن تأتلف سفينة على أحكم نظم وتجتمع على أتقن صنع لا بصانع صنعها ، أو جامع جمعها ، فلما كان ركوب هذا وإجازته خروجا عن النهاية والعقول كان الأول مثله ، بل غير ما ذكرناه في العالم وما فيه من ذكر أفلاكه واختلاف أوقاته وشمسه وقمره وطلوعهما وغروبهما ومجيء برده وقيظه في أوقاتهما واختلاف ثماره وتنوع أشجاره ومجيء ما يحتاج إليه منها في إبانه ووقته أشد مكابرة وأوضح معاندة. وهذا واضح والحمد لله.

وسألت بعض أهل التوحيد والمعرفة عن الدليل على حدث الأجسام ، فقال : الدليل على حدث الأجسام أنها لا تخلو في وجودها من كون وجودها مضمن بوجوده ، والكون هو المحاذاة في مكان دون مكان ، ومتى وجد الجسم في محاذاة دون محاذاة مع جواز وجوده في محاذاة أخرى علم أنه لم يكن في تلك المحاذاة المخصوصة إلا لمعنى ، وذلك المعنى محدث ، فالجسم إذا محدث إذ لا ينفك من المحدث ولا يتقدمه.

ومن الدليل على أن الله تبارك وتعالى ليس بجسم أنه لا جسم إلا وله شبه إما موجود أو موهوم ، وما له شبه من جهة من الجهات فمحدث بما دل على حدوث الأجسام ، فلما كان الله عزوجل قديما ثبت أنه ليس بجسم. وشيء آخر : وهو أن قول القائل جسم سمة في حقيقة اللغة لما كان طويلا عريضا ذا أجزاء وأبعاض محتملا للزيادة (٢) فإن كان القائل يقول : إن الله عزوجل جسم ، يحقق هذا القول و

__________________

١ ـ في نسخة ( ب ) و ( و ) ( ولا مكن ).

٢ ـ في بعض النسخ ( محتملا ).

٢٩٩

يوفيه معناه لزمه أن يثبته سبحانه بجميع هذه الحقائق والصفات ، ولزمه أن يكون حادثا بما به يثبت حدوث الأجسام أو تكون الأجسام قديمة ، وإن لم يرجع منه إلا إلى التسمية فقط كان واضعا للاسم في غير موضعه ، وكان كمن سمى الله عزوجل إنسانا ولحما ودما ، ثم لم يثبت معناها وجعل خلافه إيانا على الاسم دون المعنى ، وأسماء الله تبارك وتعالى لا تؤخذ إلا عنه أو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عن الأئمة الهداة عليهم‌السلام.

٧ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا الحسن بن علي السكري قال : حدثنا محمد بن زكريا ، عن جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين عليهم‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن للجسم ستة أحوال : الصحة والمرض والموت والحياة والنوم واليقظة ، وكذلك الروح فحياتها علمها ، وموتها جهلها ، ومرضها شكها ، وصحتها يقينها ، ونومها غفلتها ، ويقظتها حفظها.

ومن الدليل على أن الأجسام محدثة (١) أن الأجسام لا تخلو من أن تكون مجتمعة أو مفترقة ، ومتحركة أو ساكنة ، والاجتماع والافتراق والحركة والسكون محدثة ، فعلمنا أن الجسم محدث لحدوث ما لا ينفك منه ولا يتقدمه.

فإن قال قائل : ولم قلتم : إن الاجتماع والافتراق مبنيان وكذلك الحركة والسكون حتى زعمتم أن الجسم لا يخلو منهما؟ قيل له : الدليل على ذلك أنا نجد الجسم يجتمع بعد أن كان مفترقا ، وقد كان يجوز أن يبقى مفترقا ، فلو لم يكن قد حدث معنى كان لا يكون بأن يصير مجتمعا أولى من أن يبقى مفترقا على ما كان عليه ، لأنه لم يحدث نفسه في هذا الوقت فيكون بحدوث نفسه ما صار مجتمعا (٢) ولا بطلت في هذا الوقت فيكون لبطلانها ، ولا يجوز أن يكون لبطلان معنى ما صار مجتمعا ، ألا ترى أنه لو كان أنما يصير مجتمعا لبطلان معنى ومفترقا

__________________

١ ـ هذا الكلام إلى آخر الباب من المصنف ، قد أتى بالحديث في ضمن كلامه شاهدا.

٢ ـ ( ما ) هذه مصدرية وكذا ما بعدها.

٣٠٠