التّوحيد

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

التّوحيد

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: السيد هاشم الحسيني الطهراني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٠

قول الله عزوجل : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه ) فقال : ذلك تعيير الله تبارك وتعالى لمن شبهه بخلقه ، ألا ترى أنه ، قال : ( وما قدروا الله حق قدره ) ومعناه إذ قالوا : إن الأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه ، كما قال عزوجل : ( وما قدروا الله حق قدره ) إذ قالوا : ( ما أنزل الله على بشر من شيء ) (١) ثم نزه عزوجل نفسه عن القبضة واليمين فقال : « سبحانه وتعالى عما يشركون » (٢).

٢ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي رحمه‌الله قال : حدثنا أحمد بن يحيى ابن زكريا القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم ابن بهلول ، عن أبيه ، عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيمة ) فقال : يعني ملكه لا يملكها معه أحد ، والقبض من الله تبارك وتعالى في موضع آخر المنع والبسط ، منه الاعطاء والتوسيع ، كما قال عزوجل : ( والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) (٣) يعني يعطي ويوسع ويمنع ويضيق ، والقبض منه عزوجل في وجه

__________________

١ ـ الأنعام : ٩١.

٢ ـ مراده عليه‌السلام أن قوله تعالى : ( والأرض جميعا ـ الخ ) حكاية قول من شبه الله بخلقه بتقدير إذ قالوا كما في الآية الأخرى ، فيكون قوله تعالى : ( وما قدروا الله حق قدره ) تعييرا من الله عليهم لقولهم ذلك ، فلذا نزه نفسه في آخر الآية غن ذلك لأنه تشبيه له بخلقه كما أنه تعالى عيرهم في الآية الأخرى لقولهم : ما أنزل الله ، ثم إن ( إذ ) في الموضعين للتعليل قال العلامة المجلسي في البحار في الصفحة الثانية من الجزء الرابع من الطبعة الحديثة : هذا وجه حسن لم يتعرض له المفسرون ، ويؤيده أن العامة رووا ( أن يهوديا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر نحوا من ذلك فيضحك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا التفسير لا ينافي ما في الحديث التالي وغيره لأن المتشابهات تحمل على بعض الوجوه الحقة المحكمة أو على جميعها بدلالة من الراسخين في العلم.

٣ ـ البقرة : ٢٤٥.

١٦١

آخر الأخذ (١) في وجه القبول منه كما قال : ( ويأخذ الصدقات ) (٢) أي يقبلها من أهلها ويثيب عليها ، قلت : فقوله عزوجل : ( والسماوات مطويات بيمينه )؟ قال : اليمين اليد ، واليد القدرة والقوة ، يقول عزوجل : السماوات مطويات بقدرته وقوته ، سبحانه وتعالى عما يشركون.

١٨ ـ باب تفسير قول الله عزوجل :

( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) (٣)

١ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال : سألت الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام ، عن قول الله عزوجل : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده ، ولكنه يعني ، إنهم عن ثواب ربهم لمحجوبون.

١٩ ـ باب تفسير قوله عزوجل :

( وجاء ربك والملك صفا صفا ) (٤)

١ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي ، قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال : سألت الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام ، عن قول الله عزوجل ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) فقال : إن الله عزوجل لا يوصف بالمجيء والذهاب تعالى عن الانتقال ، إنما يعني بذلك وجاء أمر ربك والملك صفا صفا.

__________________

١ ـ في نسخة ( ج ) وحاشية نسخة ( ب ) ( في موضع آخر الأخذ ).

٢ ـ التوبة : ١٠٤.

٣ ـ المطففين : ١٥.

٤ ـ الفجر : ٢٢.

١٦٢

٢٠ ـ باب تفسير قوله عزوجل :

( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) (١)

١ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي ، قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام ، قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) قال : يقول : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام ، وهكذا نزلت.

٢١ ـ باب تفسير قوله عزوجل :

( سخر الله منهم ) (٢) وقوله عزوجل : ( الله يستهزئ بهم ) (٣) وقوله عزوجل : ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) (٤) وقوله عزوجل : ( يخادعون الله وهو خادعهم ) (٥)

١ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام ، قال : سألته عن قول الله عزوجل ( سخر الله منهم ) وعن قول الله عزوجل : ( الله يستهزئ بهم ) وعن قوله : ( ومكروا ومكر الله ) وعن قوله ( يخادعون الله وهو خادعهم ) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع ولكنه عزوجل يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء ، وجزاء المكر والخديعة ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً. (٦).

__________________

١ ـ البقرة : ٢١٠.

٢ ـ التوبة : ٧٩.

٣ ـ البقرة : ١٥.

٤ ـ آل عمران : ٥٤.

٥ ـ النساء : ١٤٢.

٦ ـ إن الله تبارك وتعالى ذاته الأحدية منزهة عن كل حدوث وتركيب وتغير وزوال

١٦٣

٢٢ ـ باب معنى جنب الله عزوجل

١ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله : قال :

حدثنا محمد بن جعفر الكوفي (١) ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي الكوفي ، عن عمه الحسين بن يزيد ، عن علي بن الحسين ، عمن حدثه ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : أنا علم الله ، وأنا قلب الله الواعي ، ولسان الله الناطق ، وعين الله ، وجنب الله ، وأنا يد الله.

قال مصنف هذا الكتاب رضي‌الله‌عنه : معنى قوله عليه‌السلام : وأنا قلب الله الواعي أي أنا القلب الذي جعله الله وعاء لعلمه ، وقلبه إلى طاعته ، وهو قلب مخلوق الله عزوجل كما هو عبد الله عزوجل ، ويقال : قلب الله كما يقال : عبد الله وبيت الله وجنة الله ونار الله. وأما قوله : عين الله ، فإنه يعني به : الحافظ لدين الله ، وقد قال الله عزوجل : ( تجري بأعيننا ) (٢) أي بحفظنا ، وكذلك قوله عزوجل : ( ولتصنع على عيني ) (٣) معناه على حفظي.

٢ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن ابن سنان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبته : أنا الهادي ، وأنا المهتدي ، وأنا أبو اليتامى والمساكين وزوج الأرامل ، وأنا ملجأ كل

__________________

وإمكان ونقصان بالبراهين العقلية والنقلية ، وإنما هو الله عزوجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما فكل ما أسند إليه تعالى في الكتاب والسنة باعتبار مما تنزه تعالى عنه بالبراهين فهو راجع إلى خلقه الممكن فيه ذلك ، أو يؤول إلى ما يليق بقدسه. وهذان الوجهان مذكوران في كثير من أحاديث هذا الكتاب فاستبصر.

١ ـ هو أبو الحسين محمد بن جعفر بن عون الأسدي الكوفي المذكور في كثير من أسانيد الكتاب بعنوان محمد بن أبي عبد الله.

٢ ـ القمر : ١٤.

٣ ـ طه : ٣٩.

١٦٤

ضعيف ومأمن كل خائف ، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنة ، وأنا حبل الله المتين ، وأنا عروة الله الوثقى وكلمة التقوى ، وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده ، وأنا جنب الله الذي يقول : ( أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ) (١) وأنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة ، وأنا باب حطة ، من عرفني وعرف حقي فقد عرف ربه لأني وصي نبيه في أرضه ، وحجته على خلقه ، لا ينكر هذا إلا راد على الله ورسوله.

قال مصنف هذا الكتاب رضي‌الله‌عنه : الجنب الطاعة في لغة العرب ، يقال : هذا صغير في جنب الله أي في طاعة الله عزوجل ، فمعنى قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنا جنب الله أي أنا الذي ولايتي طاعة الله ، قال الله عزوجل : ( أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ) أي في طاعة الله عزوجل (٢).

٢٣ ـ باب معنى الحجزة

١ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه‌الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن محمد بن بشر الهمداني (٣) قال : سمعت محمد بن الحنفية يقول : حدثني أمير المؤمنين عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة آخذ بحجزة الله ، ونحن آخذون بحجزة نبينا ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا ، قلت : يا أمير المؤمنين وما الحجزة؟ قال : الله أعظم من أن يوصف بالحجزة أو غير ذلك ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذ بأمر الله ، ونحن آل محمد آخذون بأمر نبينا وشيعتنا آخذون بأمرنا.

٢ ـ أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى

__________________

١ ـ الزمر : ٥٦.

٢ ـ قد مر الكلام جملة في أمثال هذه الأحاديث المروية عنهم عليهم‌السلام في ذيل الحديث التاسع من الباب الثاني عشر ، والشاهد لما قلنا ما في الباب الرابع والعشرين.

٣ ـ في نسخة ( و ) وحاشية نسخة ( ب ) محمد بن بشير الهمداني.

١٦٥

عن الحسن بن علي الخزاز ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة آخذ بحجزة الله ، ونحن آخذون بحجزة نبينا ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا ثم قال : والحجزة النور.

٣ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثني علي بن العباس ، قال : حدثنا الحسن بن يوسف (١) ، عن عبد السلام ، عن عمار ابن أبي اليقظان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يجئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة آخذا بحجزة ربه ، ونحن آخذون بحجزة نبينا ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا ، فنحن وشيعتنا حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ، والله ما نزعم أنها حجزة الإزار ولكنها أعظم من ذلك ، يجئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بدين الله ، ونجئ نحن آخذين بدين نبينا وتجئ شيعتنا آخذين بديننا.

٤ ـ وقد روي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : ( الصلاة حجزة الله ) وذلك أنها تحجز المصلي عن المعاصي ما دام في صلاته (٣) قال الله عزوجل : ( إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ) (٤).

__________________

١ ـ في نسخة ( و ) ( الحسين بن يوسف ).

٢ ـ في البحار باب معنى حجزة الله في الجزء الرابع من الطبعة الحديثة وفي نسخة ( و ) عن عمار عن أبي اليقظان ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) عن عمار أبي اليقظان ، والصحيح هو الأخير.

٣ ـ الحجزة في اللغة موضع شد الإزار والحزام والتكة وقيل لها الحجزة أيضا للمجاورة ، ثم استعيرت في الكلام لسبب القائم بمن يلتجأ إليه به ويعتصم به عن الهلاك ، فإن دين الله ونوره وأمره وصلاته كما في هذه الأحاديث كذلك ، والحجزة في الحديث كالعروة الوثقى في الآية.

٤ ـ العنكبوت : ٤٥.

١٦٦

٢٤ ـ باب معنى العين والأذن واللسان

١ ـ أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن لله عزوجل خلقا من رحمته خلقهم من نوره ورحمته من رحمته لرحمته (١) فهم عين الله الناظرة ، وأذنه السامعة ولسانه الناطق في خلقه بإذنه ، وأمناؤه على ما أنزل من عذر أو نذر أو حجة ، فبهم يمحو السيئات ، وبهم يدفع الضيم ، وبهم ينزل الرحمة ، وبهم يحيي ميتا ، وبهم يميت حيا ، وبهم يبتلي خلقه ، وبهم يقضي في خلقه قضيته ، قلت : جعلت فداك من هؤلاء؟ قال : الأوصياء.

٢٥ ـ باب معنى قوله عزوجل :

( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ).

١ ـ أبي رحمه‌الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن أبي ـ عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن علي بن نعمان ، عن إسحاق بن عمار ، عمن سمعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في قوله الله عزوجل : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة ) : لم يعنوا أنه هكذا ، ولكنهم قالوا : قد فرغ من الأمر ، فلا يزيد ولا ينقص ، فقال الله جل جلاله تكذيبا لقولهم : ( غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) (٢) ألم تسمع الله عزوجل يقول : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت و

__________________

١ ـ في نسخة ( ج ) و ( د ) ( إن الله عزوجل خلقا خلقهم من نوره ـ الخ ) وفي نسخة ( ب ) و ( و ) ( إن لله عزوجل خلقا خلقهم من نوره ورحمة من رحمته لرحمته ) ورحمة بالتنوين عطف على خلقا.

٢ ـ المائدة : ٦٤.

١٦٧

عنده أم الكتاب ). (١)

٢ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن المشرقي ، عن عبد الله بن قيس (٢) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سمعته يقول : ( بل يداه مبسوطتان ) فقلت : له يدان هكذا ، وأشرت بيدي إلى يده ، فقال : لا ، لو كان هكذا لكان مخلوقا.

٢٦ ـ باب معنى رضاه عزوجل وسخطه

١ ـ حدثنا أبي رحمه‌الله ، قال : حدثني أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن أبي ـ عبد الله ، عن محمد عيسى اليقطيني ، عن المشرقي ، عن حمزة بن الربيع (٣) ، عمن ذكره ، قال : كنت في مجلس أبي جعفر عليه‌السلام إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له جعلت فداك قول الله تبارك وتعالى : ( ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ) (٤) ما ذلك الغضب؟ فقال أبو جعفر عليه‌السلام : هو العقاب يا عمرو ، إنه من زعم أن الله عزوجل زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق ، إن الله عزوجل لا يستفزه شيء ولا يغيره.

٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله الله عزوجل : ( فلما آسفونا انتقمنا ) (٥) قال : إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون ، وهم مخلوقون

__________________

١ ـ الرعد : ٣٩.

٢ ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) و ( و ) ( عن المشرقي عبد الله بن قيس ) وفي معاني الأخبار ص ١٨ هذا الخبر بإسناده ( عن محمد بن عيسى عن المشرقي عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ) وفي الكافي ج ١ ص ١١٠ باب الإرادة في حديث ( عن محمد بن عيسى عن المشرقي حمزة بن المرتفع ). وفي المعاني باب رضي الله ( عن محمد بن عيسى اليقطيني عن المشرقي حمزة بن الربيع ).

٣ ـ كذا وتقدم الكلام فيه.

٤ ـ طه : ٨١.

٥ ـ الزخرف : ٥٥.

١٦٨

مدبرون ، فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم لنفسه سخطا ، وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه ، فلذلك صاروا كذلك ، وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه ، ولكن هذا معنى ما قال من ذلك ، وقد قال أيضا : ( من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها ). وقال أيضا : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (١) وقال أيضا : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) (٢) وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك ، هكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى المكون الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل أن يقول : إن المكون يبيد يوما ما ، لأنه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغيير وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة ، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون ، ولا القادر من المقدور ، ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا ، هو الخالق للأشياء لا لحاجة ، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه ، فافهم ذلك إن شاء الله (٣).

٣ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن العباس بن عمرو الفقيمي ، عن هشام بن الحكم أن رجلا سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الله تبارك وتعالى له رضا وسخط؟ فقال : نعم ، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ، وذلك أن الرضا والغضب دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال ، معتمل ، مركب ، للأشياء فيه مدخل (٤) وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه ، واحد ، أحدي الذات ، وأحدي المعنى ، فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال ، فإن ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين ، وهو تبارك وتعالى القوي العزيز الذي لا حاجة

__________________

١ ـ النساء : ٨٠.

٢ ـ الفتح : ١٠.

٣ ـ إذا كان لا لحاجة كان واجب الوجود ، وواجب الوجود يستحيل أن يحد أو يكيف.

٤ ـ قوله : معتمل على صيغة المفعول أي منفعل يتأثر من الأشياء ، وتقدير الكلام :

لأن المخلوق معتمل ـ الخ ، كما في الكافي.

١٦٩

به إلى شيء مما خلق ، وخلقه جميعا محتاجون إليه ، أنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا.

٤ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا الحسن بن علي السكري قال : حدثنا محمد بن زكريا الجوهري ، عن جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، قال : سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، فقلت له : يا ابن رسول الله أخبرني عن الله عزوجل هل له رضا وسخط؟ فقال : نعم ، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ولكن غضب الله عقابه ، ورضاه ثوابه.

٢٧ ـ باب معنى قوله عزوجل :

( ونفخت فيه من روحي ) (١)

١ ـ حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه‌الله ، قال : أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله الله عزوجل : ( ونفخت فيه من روحي ) قال : روح اختاره الله واصطفاه وخلقه إلى نفسه وفضله على جميع الأرواح ، فأمر فنفخ منه في آدم (٢).

__________________

١ ـ الحجر : ٢٩ ، وص ٧٢.

٢ ـ نفخ الروح ذكر في القرآن في مواضع : بدن آدم ، رحم مريم أي بدن عيسى الذي سواه الله في رحمها ، الطين كهيئة الطير التي خلقها عيسى ، والنافخ في الموضع الأول والثاني ملك بإذن الله لما في الحديث السادس ولقوله تعالى : ( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ) وفي الموضع الثالث عيسى عليه‌السلام بإذن الله لقوله تعالى : ( إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ) ثم يحتمل أن تكون لفظة ( من ) في قوله تعالى : ( ونفخت فيه من روحي ) نشوية ابتدائية أي نفخت فيه من طريق ملك وبواسطته وسمى ذلك الملك روحا فأضافه إلى نفسه كما في قوله تعالى في قصة عيسى : ( فأرسلنا إليها روحنا ـ الآية ) فمعنى كان روح اختاره الله واصطفاه ـ الخ ، فأمر الله فنفخ الله في آدم من طريقه وبواسطته ويقرب هذا الاحتمال قوله تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ـ الآية ) فإن النفخ في بدن عيسى في رحم مريم بواسطة الملك قطعا.

١٧٠

٢ ـ أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن الحلبي ، وزرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إن الله تبارك وتعالى أحد ، صمد ، ليس له جوف ، وإنما الروح خلق من خلقه ، نصر وتأييد وقوة ، يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين (١).

٣ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن ، قال : حدثنا بكر بن صالح ، عن القاسم بن عروة ، عن عبد الحميد الطائي ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : ( ونفخت فيه من روحي ) كيف هذا النفخ؟ فقال : إن الروح متحرك كالريح ، وإنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح ، وإنما أخرجه على لفظ الروح لأن الروح مجانس للريح ، وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما اصطفى بيتا من البيوت ، فقال : بيتي ، وقال لرسول من الرسل : خليلي ، وأشباه ذلك ، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبرا (٢).

٤ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله ، قال : حدثنا علي بن ـ

__________________

١ ـ الظاهر أن المراد به غير ما نحن فيه ، بل هو ما في قوله تعالى في وصف المؤمنين ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ).

٢ ـ الريح هو الهواء المتحرك وأصله الواو كالروح قلبت ياء لكسرة ما قبلها ، والروح ما يقوم به الحياة في الشيء ، والحياة منشأ الادراك والفعل ، وأما تحركه كالريح ففي الروح ما يقوم البخاري المعروف عند الأطباء الذي هو البخار اللطيف المنبعث من القلب الساري في جميع البدن ، وأما الروح التي هي النفس الناطقة التي هي محل العلوم والكمالات الإنسانية ومدبرة للبدن فمتحركة حركة تناسب حقيقتها نظير حرة الفكر المذكورة في المنطق.

١٧١

إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن أبي جعفر الأصم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الروح التي في آدم عليه‌السلام والتي في عيسى عليه‌السلام ماهما؟ قال : روحان مخلوقان اختارهما واصطفاهما ، روح آدم عليه‌السلام وروح عيسى عليه‌السلام.

٥ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد ابن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا علي بن العباس ، قال : حدثنا علي بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله عزوجل : ( ونفخت فيه من روحي ) قال : من قدرتي (١).

٦ ـ حدثنا محمد بن أحمد السناني ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب ، وعلي ابن أحمد بن محمد بن عمران رضي الله عنهم قالوا : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا علي بن العباس ، قال : حدثنا عبيس بن هشام ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل : ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ) قال : إن الله عزوجل خلق خلقا وخلق روحا ثم أمر ملكا فنفخ فيه (٢) فليست بالتي نقضت من قدرة الله شيئا من قدرته (٣).

__________________

١ ـ هذا تأويل للمتشابه إلى محكم لازم له ، ويحتمل أن يكون تفسيرا للروح بالقدرة.

٢ ـ خلق خلقا هو بدن آدم ، وخلق روحا هو روح آدم ، ثم أمر ملكا فنفخ ذلك الملك ذلك الروح في بدن آدم ، ولا بأس بإسناد النفخ إليه تعالى وإلى الملك أيضا كإسناد التوفي إليه تعالى وإلى ملك الموت وعماله ، ويمكن ارجاع ضمير نفخ إليه تعالى كما في الحديث الأول.

٣ ـ دفع لتوهم أن الروح التي نفخها الملك ليست مقدورة لله حتى نفخها الملك ، لا بل هي مقدورة له تعالى نفخها بإذنه وأمره وقدرته وإقداره إياه على ذلك ، بل نفخه نفخه تعالى في الواقع كما هو الشأن في التوفي الذي يقابل هذا النفخ ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) وليست بالتي ـ الخ.

١٧٢

٢٨ ـ باب نفي المكان والزمان والسكون

والحركة والنزول والصعود والانتقال عن الله عزوجل

١ ـ أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : سأل نافع بن الأزرق أبا جعفر عليه‌السلام فقال : أخبرني عن الله متى كان؟ فقال له : ويلك ، أخبرني أنت متى لم يكن حتى أخبرك متى كان ، سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.

٢ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه‌الله ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام فقال له : يا أبا جعفر أخبرني عن ربك متى كان؟ فقال : ويلك ، إنما يقال لشيء لم يكن فكان : متى كان ، إن ربي تبارك وتعالى كان لم يزل حيا بلا كيف ، ولم يكن له كان (١) ولا كان لكونه كيف ، ولا كان له أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لكونه مكانا (٢) ولا قوي بعد ما كون شيئا : ولا ضعيفا قبل أن يكون شيئا ، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا ، ولا يشبه شيئا مكونا ، ولا كان خلوا من ( القدرة على ) الملك قبل إنشائه ، ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه ، لم يزل حيا بلا حياة ، وملكا قادرا قبل أن ينشئ شيئا ، وملكا جبارا بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ،

__________________

١ ـ أي لا يقال له : كان كذا وكذا كونا زمانيا.

٢ ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) و ( و ) ولا ابتدع لكانه مكانا ، وفي نسخة ( ج ) ولا ابتدع لمكانه مكانا. كما في الحديث الذي في الباب الحادي عشر.

١٧٣

لا له أين ، ولا له حد ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشيء ، ولا يجوفه شيء ، تصعق الأشياء كلها من خيفته ، كان حيا بلا حياة عارية (١) ولا كون موصوف ، ولا كيف محدود ، ولا أثر مقفو (٢) ولا مكان جاور شيئا ، بل حي يعرف ، وملك لم يزل له القدرة والملك ، أنشأ ما شاء بمشيته ، لا يحد ولا يبعض ، ولا يفنى ، كان أولا بلا كيف ، ويكون آخرا بلا أين ، وكل شيء هالك إلا وجهه ، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ، ويلك أيها السائل ، إن ربي لا تغشاه الأوهام ، ولا تنزل به الشبهات ، ولا يجار من شيء (٣) ولا يجاوره شيء ولا تنزل به الأحداث ، ولا يسأل عن شيء يفعله ، ولا يقع على شيء ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.

٣ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الموصلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : جاء حبر من الأحبار إلى أمير ـ المؤمنين عليه‌السلام فقال له : يا أمير المؤمنين متى كان ربك؟ فقال له : ثكلتك أمك ، ومتى لم يكن حتى يقال : متى كان ، كان ربي قبل القبل ، بلا قبل ويكون بعد البعد بلا بعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنه ، فهو منتهى كل غاية (٤) فقال : يا أمير المؤمنين فنبي أنت؟ فقال : ويلك ، إنما أنا عبد من عبيد ـ

__________________

١ ـ في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( و ) بلا حياة جارية ، وفي البحار باب جوامع التوحيد وفي حاشية نسخة ( ن ) بلا حياة حادثة.

٢ ـ هذا كناية عن عدم إدراك أحد ذاته ، وفي نسخة ( د ) ولا أثر مفقود. أي آثاره ظاهرة وإعلامه لائحة.

٣ ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ولا يحاذر من شيء.

٤ ـ قد مضى نظير هذا الحديث والحديث السادس في أواخر الباب الثاني ، وكان الكل واحد.

١٧٤

محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال مصنف هذا الكتاب رضي‌الله‌عنه : يعني بذلك : عبد طاعته لا غير ذلك (١).

٤ ـ وروي أنه سئل عليه‌السلام أين كان ربنا قبل أن يخلق سماء وأرضا؟ فقال عليه‌السلام : « أين » سؤال عن مكان ، وكان الله ولا مكان.

٥ ـ حدثنا علي بن الحسين بن الصلت رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ابن علي بن الصلت ، عن عمه أبي طالب عبد الله بن الصلت ، عن يونس بن عبد الرحمن ، قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : لأي علة عرج الله بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السماء ، ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومنها إلى حجب النور ، وخاطبه وناجاه هناك والله لا يوصف بمكان؟ فقال عليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان ، ولكنه عزوجل أراد أن يشرف به ملائكته وسكان سماواته ، ويكرمهم بمشاهدته ، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه ، وليس ذلك على ما يقول المشبهون ، سبحان الله وتعالى عما يشركون.

٦ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن سهل بن زياد ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمد بن يحيى الخزاز ، عن محمد بن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رأس الجالوت لليهود : إن المسلمين يزعمون أن عليا ، من أجدل الناس وأعلمهم ، اذهبوا بنا إليه لعلي أسأله عن مسألة أخطئه فيها ، فأتاه فقال : يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن مسألة ، قال : سل عما شئت ، قال : يا أمير المؤمنين متى كان ربنا؟ قال : يا يهودي ، إنما يقال : متى كان لمن لم يكن فكان ، هو كائن بلا كينونة كائن كان بلا كيف ، يا يهودي ،

__________________

١ ـ إن العبودية : الإطاعة والخضوع والتعظيم لأحد ، وهذا غير منكر ، إذا كان هو أهلا لها والمنكر أن يعتقد فيه الألوهية ولم يكن إلها كالنصارى في عيسى والغالين في بعض الأئمة عليهم‌السلام ، أو يطاع ويعظم ويخضع له ولم يكن أهلا لها كأكثر الأمة لخلفاء الجور أو هما معا كالمشركين لأصنامهم ، وفي نسخة ( و ) و ( د ) عبد طاعة ـ الخ.

١٧٥

كيف يكون له قبل وهو قبل القبل بلا غاية ولا منتهى ، غاية ولا غاية إليها ، غاية انقطعت الغايات عنه ، فهو غاية كل غاية ، فقال : أشهد أن دينك الحق وأن ما خالفه باطل.

٧ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن هارون الصوفي ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى أبو تراب الروياني ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقال عليه‌السلام : لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه ، والله ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك ، إنما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله تبارك وتعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير ، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فاعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ يا طالب الخير أقبل ، يا طالب الشر اقصر ، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء ، حدثني بذلك أبي عن جدي ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٨ ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال : حدثنا علي بن محمد ، عن محمد بن سليمان ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمد التميمي ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد (١) عن زيد ابن علي عليه‌السلام قال : سألت أبي سيد العابدين عليه‌السلام فقلت له : يا أبه أخبرني عن جدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما عرج به إلى السماء وأمره ربه عزوجل بخمسين صلاة كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران عليه‌السلام : ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك؟ فقال عليه‌السلام : يا بني ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا يقترح على ربه عزوجل ولا يراجعه في شيء يأمره به ، فلما سأله موسى عليه‌السلام ذلك وصار شفيعا لأمته إليه لم يجز له رد شفاعة أخيه موسى عليه‌السلام ، فرجع إلى ربه عزوجل فسأله التخفيف إلى أن ردها إلى خمس صلوات ، قال :

__________________

١ ـ في نسخة ( ج ) و ( ط ) و ( ن ) ( عمر بن خالد ) وهو تصحيف.

١٧٦

فقلت : يا أبه فلم لم يرجع إلى ربه عزوجل ولم يسأله التخفيف بعد خمس صلوات (١) فقال : يا بني أراد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحصل لأمته التخفيف مع أجر خمسين صلاة لقول الله عزوجل : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) (٢) ألا ترى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما هبط إلى الأرض نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، ويقول : إنها خمس بخمسين ( ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد ) (٣) قال : فقلت له يا أبه أليس الله تعالى ذكره لا يوصف بمكان؟ فقال : بلى ، تعالى الله عن ذلك ، فقلت فما معنى قول موسى عليه‌السلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارجع إلى ربك؟ فقال : معناه معنى قول إبراهيم عليه‌السلام : ( إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) (٤) ومعنى قول موسى عليه‌السلام : ( وعجلت إليك رب لترضى ) (٥) ومعنى قول عزوجل : ( ففروا إلى الله ) (٦) يعني حجوا إلى بيت الله ، يا بني إن الكعبة بيت الله فمن حج بيت الله فقد قصد إلى الله ، والمساجد بيوت الله ، فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه ، والمصلي ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي الله جل جلاله ، وأهل موقف عرفات وقوف بين يدي الله عزوجل وإن لله تبارك وتعالى بقاعا في سماواته ، فمن عرج به إليها فقد عرج به إليه (٧) ألا تسمع الله عزوجل يقول : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) (٨) ويقول عزوجل : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) (٩).

__________________

١ ـ في البحار باب نفي الزمان والمكان بعد قوله : ( خمس صلوات ) هذه بعبارة : ( وقد سأله موسى عليه‌السلام أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف ).

٢ ـ الأنعام : ١٦٠.

٣ ـ ق : ٢٩.

٤ ـ الصافات : ٩٩.

٥ ـ طه : ٨٤.

٦ ـ الذاريات : ٥١.

٧ ـ في البحار ( فمن عرج إلى بقعة منها فقد عرج به إليه ).

٨ ـ المعارج : ٤ ، وفي البحار بعد هذا هكذا : ويقول في قصة عيسى عليه‌السلام بل رفعه الله إليه.

٩ ـ فاطر : ١٠.

١٧٧

٩ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أورمة ، عن ابن محبوب ، عن صالح بن حمزة ، عن أبان ، عن أسد (١) ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : من زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك ، لو كان الله عزوجل على شيء لكان محمولا ، ولو كان في شيء لكان محصورا ، ولو كان من شيء لكان محدثا.

١٠ ـ حدثنا أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب عن حماد بن عمرو ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كذب من زعم أن الله عزوجل في شيء أو من شيء أو على شيء.

قال مصنف هذا الكتاب رضي‌الله‌عنه : الدليل على أن الله عزوجل لا في مكان أن الأماكن كلها حادثة ، وقد قام الدليل على أن الله عزوجل قديم سابق للأماكن ، وليس يجوز أن يحتاج الغني القديم إلى ما كان غنيا عنه ، ولا أن يتغير عما لم يزل موجودا عليه ، فصح اليوم أنه لا في مكان كما أنه لم يزل كذلك وتصديق ذلك :

١١ ـ ما حدثنا به أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، عن بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن سليمان بن حفص المروزي ، عن سليمان بن مهران ، قال : قلت لجعفر بن محمد عليهما‌السلام هل يجوز أن نقول : إن الله عزوجل في مكان؟ فقال : سبحان الله وتعالى عن ذلك ، إنه لو كان في مكان لكان محدثنا ، لأن الكائن في مكان محتاج إلى المكان والاحتياج من صفات المحدث لا من صفات القديم.

١٢ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم

__________________

١ ـ في نسخة ( ج ) ( عن أبان بن أسد ).

١٧٨

موسى بن جعفر عليهما‌السلام أنه قال : إن الله تبارك وتعالى كان لم يزل بلا زمان ولا مكان وهو الآن كما كان ، لا يخلو منه مكان (١) ولا يشغل به مكان ، ولا يحل في مكان ، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا (٢) ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، لا إله إلا هو الكبير المتعال.

١٣ ـ حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي قال : حدثنا الحسين بن إشكيب ، قال : أخبرني هارون بن عقبة الخزاعي ، عن أسد بن سعيد النخعي ، قال أخبرني عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : قال محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام : يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله عزوجل ، يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس (٣) ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجره (٤) فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى ، يا جابر إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه ، تعالى عن صفة الواصفين ، وجل عن أوهام المتوهمين ، واحتجب عن أعين الناظرين لا يزول مع الزائلين. ولا يأفل مع الآفلين ، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.

١٤ ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي‌الله‌عنه ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، قال : رأى سفيان الثوري أبا ـ الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام وهو غلام يصلي والناس يمرون بين يديه ، فقال

__________________

١ ـ لا بالحواية ، بل بإحاطته تعالى به.

٢ ـ المجادلة : ٧.

٣ ـ المقدم والتالي كلاهما مزعومهم الباطل.

٤ ـ هو إبراهيم النبي على نبينا وآله وعليه السلام وضع قدمه على حجرة في مكة حين تفقد عن ابنه إسماعيل لتغسلها زوجته فبقي فيها نقش منها ، وهي الآن في المحل المعروف بمقام إبراهيم عليه‌السلام قرب الكعبة ، وقصته طويلة تطلب من مظانها.

١٧٩

له ، إن الناس يمرون بك وهم في الطواف ، فقال عليه‌السلام : الذي أصلي له أقرب إلي من هؤلاء.

١٥ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قالا : حدثنا أحمد بن يحيى ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثني محمد بن عبيد الله ، قال : حدثنا علي بن الحكم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن الأسود ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صديقان يهوديان ، قد آمنا بموسى رسول الله ، وأتيا محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعا منه ، وقد كانا قرءا التوراة وصحف إبراهيم وموسى عليهما‌السلام ، وعلما علم الكتب الأولى ، فلما قبض الله تبارك وتعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أقبلا يسألان عن صاحب الأمر بعده ، وقالا : إنه لم يمت نبي قط إلا وله خليفة يقوم بالأمر في أمته من بعده قريب القرابة إليه من أهل بيته ، عظيم الخطر ، جليل الشأن ، فقال أحدهما لصاحبه : هل تعرف صاحب الأمر من بعد هذا النبي؟ قال الآخر : لا أعلمه إلا بالصفة التي أجدها في التوراة ، وهو الأصلع المصفر ، فإنه كان أقرب القوم من رسول الله.

فلما دخلا المدينة وسألا عن الخليفة أرشدا إلى أبي بكر ، فلما نظرا إليه قالا : ليس هذا صاحبنا ، ثم قالا له : ما قرابتك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : إني رجل من عشيرته ، وهو زوج ابنتي عائشة ، قالا : هل غير هذا؟ قال : لا ، قالا : ليست هذه بقرابة ، قالا : فأخبرنا أين ربك؟ قال : فوق سبع سماوات ، قالا : هل غير هذا؟ قال : لا ، قالا : دلنا على من هو أعلم منك ، فإنك أنت لست بالرجل الذي نجد صفته في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته ، قال : فتغيظ من قولهما وهم بهما ، ثم أرشدهما إلى عمر ، وذلك أنه عرف من عمر أنهما إن استقبلاه بشيء بطش بهما ، فلما أتياه قالا : ما قرابتك من هذا النبي؟ قال : أنا من عشيرته ، وهو زوج ابنتي حفصة ، قالا : هل غير هذا؟ قال : لا ، قالا : ليست هذه بقرابة ، وليست هذه الصفة التي نجدها في التوراة ، ثم قالا له فأين ربك؟ قال : فوق سبع

١٨٠