التّوحيد

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

التّوحيد

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: السيد هاشم الحسيني الطهراني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٠

عزوجل واشتقاقها ، فقال : الله مشتق من إله ، وإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد ، أفهمت يا هشام ، قال : قلت : زدني ، قال : لله عزوجل تسعة وتسعون اسما ، فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها هو إلها ، ولكن الله عزوجل معنى ، يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره ، يا هشام الخبز اسم للمأكول (١) والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق ، أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتنافر أعداءنا والملحدين في الله والمشركين مع الله عزوجل غيره؟ (٢) قلت : نعم ، فقال : نفعك الله به وثبتك يا هشام ، قال هشام : فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حينئذ حتى قمت مقامي هذا.

١٤ ـ حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري ، قال : حدثنا مكي ابن أحمد بن سعدويه البرذعي ، قال : أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي قال : حدثني جدي ، قال : حدثنا ابن أبي أويس ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن داود بن قيس الصنعاني ، قال : حدثني أفلح بن كثير ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن جبرئيل نزل عليه بهذا الدعاء من السماء ونزل عليه ضاحكا مستبشرا ، فقال : السلام عليك يا محمد ، قال : وعليك السلام يا جبرئيل فقال : إن الله بعث إليك بهدية ، فقال : وما تلك الهدية يا جبرئيل؟ فقال : كلمات من كنوز العرش أكرمك الله بها ، قال : وما هن يا جبرئيل؟ قال : قل : ( يا من أظهر الجميل وستر القبيح ، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر ، يا عظيم العفو ، يا حسن التجاوز ، يا واسع المغفرة ، يا باسط اليدين بالرحمة ،

__________________

١ ـ الخبز اسم للمأكول ولا شيء من أحكام المأكول لاسمه ، فهما متغايران ذاتا ، وكذلك الله تعالى وأسماؤه.

٢ ـ في الكافي باب معاني الأسماء واشتقاقها تحت رقم ٢ هكذا ( أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عزوجل غيره ـ الخ ).

٢٢١

يا صاحب كل نجوى ، ويا منتهى كل شكوى ( يا مقيل العثرات (١) ) يا كريم الصفح ، يا عظيم المن يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها يا ربنا ويا سيدنا ويا مولانا ويا غاية رغبتنا أسألك يا الله أن لا تشوه خلقي بالنار ) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل فما ثواب هذه الكلمات؟ قال : هيهات هيهات ، انقطع العلم ، لو اجتمع ملائكة سبع سماوات وسبع أرضين على أن يصفوا ثواب ذلك إلى يوم القيامة ما وصفوا من ألف جزء جزءا واحدا ، فإذا قال العبد : ( يا من أظهر الجميل وستر القبيح ) ستره الله برحمته في الدنيا وجملة في الآخرة وستر الله عليه ألف ستر في الدنيا والآخرة ، وإذا قال : ( يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر ) لم يحاسبه الله يوم القيامة ولم يهتك ستره يوم يهتك الستور ، وإذا قال : ( يا عظيم العفو ) غفر الله له ذنوبه ولو كانت خطيئته مثل زبد البحر ، وإذا قال : ( يا حسن التجاوز ) تجاوز الله عنه حتى السرقة وشرب الخمر وأهاويل الدنيا ، وغير ذلك من الكبائر ، وإذا قال : ( يا واسع المغفرة ) فتح الله عزوجل له سبعين بابا من الرحمة فهو يخوض في رحمة الله عزوجل حتى يخرج من الدنيا ، وإذا قال : ( يا باسط اليدين بالرحمة ) بسط الله يده عليه بالرحمة ، وإذا قال : ( يا صاحب كل نجوى و ( يا ) منتهى كل شكوى ) أعطاه الله عزوجل من الآجر ثواب كل مصاب وكل سالم وكل مريض وكل ضرير وكل مسكين وكل فقير إلى يوم القيامة ، وإذا قال : ( يا كريم الصفح ) أكرمه الله كرامة الأنبياء ، وإذا قال : ( يا عظيم المن ) أعطاه الله يوم القيامة أمنيته وأمنية الخلائق ، وإذا قال : ( يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها ) أعطاه الله من الأجر بعدد من شكر نعماءه ، وإذا قال : ( يا ربنا ويا سيدنا ويا مولانا ) (٢) قال الله تبارك وتعالى : اشهدوا ملائكتي أني غفرت له وأعطيته من الأجر بعدد من خلقته في الجنة والنار والسماوات السبع والأرضين السبع الشمس والقمر والنجوم وقطر الأمطار وأنواع الخلق والجبال والحصى والثرى وغير ذلك والعرش والكرسي ، وإذا قال : ( يا مولانا ) ملأ الله قلبه من الإيمان ، وإذا قال :

__________________

١ ـ ليس في أكثر النسخ ( يا مقيل العثرات ) وليس في نسخة بيان ثوابه.

٢ ـ الظاهر زيادة ( ويا مولانا ) هنا لذكره من بعد.

٢٢٢

( يا غاية رغبتنا ) أعطاه الله يوم القيامة رغبته ومثل رغبة الخلائق ، وإذا قال : ( أسألك يا الله أن لا تشوه خلقي بالنار ) قال الجبار جل جلاله : استعتقني عبدي من النار ، اشهدوا ملائكتي أني قد أعتقته من النار وأعتقت أبويه وأخواته وأخوانه وأهله وولده وجيرانه ، وشفعته في ألف رجل ممن وجب لهم النار ، وآجرته من النار ، فعلمهن يا محمد المتقين ولا تعلمهن المنافقين فإنها دعوة مستجابة لقائليهن إن شاء الله ، وهو دعاء أهل البيت المعمور حوله إذا كانوا يطوفون به.

قال مصنف هذا الكتاب : الدليل على أن الله تعالى عزوجل عالم حي قادر لنفسه لا بعلم وقدرة وحياة هو غيره أنه لو كان عالما بعلم لم يخل علمه من أحد أمرين أما أن يكون قديما أو حادثا ، فإن كان حادثا فهو جل ثناؤه قبل حدوث العلم غير عالم ، وهذا من صفات النقص ، وكل منقوص محدث بما قدمنا ، وإن كان قديما وجب أن يكون غير الله عزوجل قديما وهذا كفر بالاجماع ، فكذلك القول في القادر وقدرته والحي وحياته ، والدليل على أنه تعالى لم يزل قادرا عالما حيا أنه قد ثبت أنه عالم قادر حي لنفسه وصح بالدليل أنه عزوجل قديم وإذا كان كذلك كان عالما لم يزل إذ نفسه التي لها علم لم تزل ، وهذا يدل على أنه قادر حي لم يزل (١).

٣٠ ـ باب القرآن ما هو؟

١ ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرضا علي بن موسى عليهما‌السلام : يا ابن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق؟ فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله عزوجل.

٢ ـ حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن الريان بن الصلت ، قال :

__________________

١ ـ ذكر هذا الكلام في الباب الحادي عشر كان أنسب.

٢٢٣

قلت للرضا عليه‌السلام : ما تقول في القرآن؟ فقال : كلام الله لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا.

٣ ـ حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا علي بن سالم ، عن أبيه ، قال : سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام فقلت له : يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقال : هو كلام الله وقول الله وكتاب الله ووحي الله وتنزيله ، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

٤ ـ حدثنا أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، قال : كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم‌السلام إلى بعض شيعته ببغداد : بسم الله الرحمن الرحيم عصمنا الله وإياك من الفتنة فإن يفعل فقد أعظم بها نعمة (١) وإن لا يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة ، اشترك فيها السائل والمجيب ، فيتعاطى السائل ما ليس له ، ويتكلف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلا الله عزوجل ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون.

٥ ـ حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن فقد اختلف فيه من قبلنا؟ فقال قوم : إنه مخلوق ، وقال قوم : إنه غير مخلوق ، فقال عليه‌السلام : أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكني أقول : إنه كلام الله.

٦ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قال : حدثنا

__________________

١ ـ الضمير راجع إلى العصمة ، وفي نسخة ( ط ) ( فقد تعظم بها نعمة ).

٢٢٤

محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ( كذا ) الجعفري ، قال : حدثنا أبي ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن سعد الخفاف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لما وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام على الخوارج ووعظهم وذكرهم وحذرهم القتال قال لهم : ما تنقمون مني؟ ألا إني أول من آمن بالله ورسوله (١) فقالوا : أنت كذلك ، ولكنك حكمت في دين الله أبا موسى الأشعري ، فقال عليه‌السلام : والله ما حكمت مخلوقا ، وإنما حكمت القرآن ، ولولا أني غلبت علي أمري وخولفت في رأيي لما رضيت أن تضع الحرب أوزارها بيني وبين أهل حرب الله حتى أعلي كلمة الله وأنصر دين الله ولو كره الكافرون والجاهلون.

قال مصنف هذا الكتاب : قد جاء في الكتاب أن القرآن كلام الله ووحي الله وقول الله وكتاب الله ، ولم يجئ فيه أنه مخلوق ، وإنما امتنعنا من إطلاق المخلوق عليه (٢) لأن المخلوق في اللغة قد يكون مكذوبا ، ويقال : كلام مخلوق أي مكذوب ، قال الله تبارك وتعالى : ( إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ) (٣) أي كذبا ، وقال تعالى حكاية عن منكري التوحيد : ( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) (٤) أي افتعال وكذب ، فمن زعم أن القرآن مخلوق بمعنى أنه مكذوب فقد كفر ، ومن قال : إنه غير مخلوق بمعنى أنه غير مكذوب فقد صدق وقال الحق والصواب ، ومن زعم أنه غير مخلوق بمعنى أنه غير محدث وغير منزل وغير محفوظ فقد أخطأ وقال غير الحق والصواب ، وقد أجمع أهل الإسلام على أن القرآن كلام الله عزوجل على الحقيقة دون المجاز ، وأن من قال غير ذلك فقد قال منكرا من القول وزورا ، ووجدنا القرآن مفصلا وموصلا وبعضه غير بعض وبعضه قبل بعض كالناسخ الذي يتأخر عن المنسوخ ، فلو لم يكن ما هذه صفته حادثا بطلت الدلالة

__________________

١ ـ ( ألا ) حرف تنبيه وما قبله استفهام توبيخ ، أو حرف استثناء.

٢ ـ في نسخة ( و ) ( وإنما منعنا ـ الخ ).

٣ ـ العنكبوت : ١٧.

٤ ـ ص : ٧.

٢٢٥

على حدوث المحدثات وتعذر إثبات محدثها بتناهيها وتفرقها واجتماعها.

وشيء آخر وهو أن العقول قد شهدت والأمة قد اجتمعت على أن الله عزوجل صادق في إخباره ، وقد علم أن الكذب هو أن يخبر بكون ما لم يكن ، وقد أخبر الله عزوجل عن فرعون وقوله : ( أنا ربكم الأعلى ) (١) وعن نوح : أنه نادى ابنه وهو في معزل : يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (٢). فإن كان هذا القول وهذا الخبر قديما فهو قبل فرعون وقبل قوله ما أخبر عنه ، وهذا هو الكذب ، وإن لم يوجد إلا بعد أن قال فرعون ذلك فهو حادث لأنه كان بعد أن لم يكن.

وأمر آخر وهو أن الله عزوجل قال : ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) (٣) وقوله : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) (٤) وما له مثل أو جاز أن يعدم بعد وجوده فحادث لا محالة.

٧ ـ وتصديق ذلك ما أخرجه شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه في جامعه ، وحدثنا به ، عن محمد بن الحسن الصفار (٥) عن العباس بن معروف ، قال :

حدثني عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حماد بن عثمان ، عن عبد الرحيم القصير ، قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك ، اختلف الناس في أشياء قد كتبت بها إليك ، فأن رأيت جعلني الله فداك أن تشرح لي جميع ما كتبت به إليك ، اختلف الناس جعلت فداك بالعراق في المعرفة والجحود ، فأخبرني جعلت فداك أهما مخلوقان؟ واختلفوا في القرآن ، فزعم قوم : أن القرآن كلام الله غير مخلوق وقال آخرون : كلم الله مخلوق ، وعن الاستطاعة أقبل الفعل أو مع الفعل؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه ورووا فيه ، وعن الله تبارك وتعالى هل يوصف بالصورة أو بالتخطيط؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد ، وعن الحركات أهي مخلوقة أو غير مخلوقة؟ وعن الإيمان ما هو؟ فكتب عليه‌السلام على يدي عبد الملك

__________________

١ ـ النازعات : ٢٤.

٢ ـ هود : ٤٢.

٣ ـ الإسراء : ٨٦.

٤ ـ البقرة : ١٠٦.

٥ ـ ( حدثنا ) عطف على أخرجه ، والضمير المستتر فيه يرجع إلى ( شيخنا ).

٢٢٦

ابن أعين : سألت عن المعرفة ما هي : فاعلم رحمك الله أن المعرفة من صنع الله عزوجل في القلب مخلوقة ، والجحود صنع الله في القلب مخلوق (١) ، وليس للعباد فيهما من صنع ولهم فيهما الاختيار من الاكتساب فبشهوتهم الإيمان اختاروا المعرفة فكانوا بذلك مؤمنين عارفين ، وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلالا ، وذلك بتوفيق الله لهم وخذلان من خذله الله ، فبالاختيار والاكتساب عاقبهم الله وأثابهم ، وسألت رحمك الله عن القرآن واختلاف الناس قبلكم ، فإن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى ذكره ، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، كان الله عزوجل ولا شيء غير الله معروف ولا مجهول ، كان عزوجل ولا متكلم ولا مريد ولا متحرك ولا فاعل (٢) عزوجل ربنا ، فجميع هذه الصفات محدثة عند حدوث الفعل منه ، عزوجل ربنا ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ، فيه خبر من كان قبلكم وخبر ما يكون بعدكم (٣) أنزل من عند الله على محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

وسألت رحمك الله عن الاستطاعة للفعل (٥) فإن الله عزوجل خلق العبد وجعل

__________________

١ ـ الكلام في المعرفة والجحود يأتي في الباب الثالث والستين.

٢ ـ قوله ( ولا متحرك ) أي فاعل الحركة ، أو المعنى لا ظاهر بفعله ، وقوله ( ولا فاعل ) لا ينافي قول الرضا عليه‌السلام في الحديث الثاني من الباب الثاني : ( وله معنى الخالق ولا مخلوق ، إذ المراد هناك كمال الفاعلية باعتبار ذاته وهنا وجود المفعول باعتبار فعله.

٣ ـ في نسخة ( ب ) ( وخبر من يكون بعدكم ) وفي نسخة ( و ) و ( د ) ( وخبر من كان بعدكم ).

٤ ـ في نسخة ( د ) ( ونزل من عند واحد نزل من عند الله على محمد ـ الخ ـ ) وفي نسخة ( و ) ( أنزل من عند واحد نزل من عند الله على محمد ـ الخ ـ ) ، وفي نسخة ( ب ) ( نزل من عند واحد على محمد ـ الخ ) وفي حاشيتها ( نزل من عند الله على محمد ـ الخ ).

٥ ـ الكلام في الاستطاعة يأتي في الباب الخامس والخمسين.

٢٢٧

له الآلة والصحة وهي القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل ، ولا متحرك إلا وهو يريد الفعل ، وهي صفة مضافة إلى الشهوة التي هي خلق الله عزوجل مركبة في الإنسان (١) فإذا تحركت الشهوة في الإنسان اشتهى الشيء فأراده ، فمن ثم قيل للإنسان مريد ، فإذا أراد الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة ، فمن ثم قيل للعبد : مستطيع متحرك ، فإذا كان الإنسان ساكنا غير مريد للفعل وكان معه الآلة وهي القوة والصحة اللتان بهما تكون حركات الإنسان وفعله كان سكونه لعلة سكون الشهوة فقيل : ساكن فوصف بالسكون ، فإذا اشتهى الإنسان وتحركت شهوته التي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحركت بالقوة المركبة فيه واستعمل الآلة التي بها يفعل الفعل فيكون الفعل منه عندما تحرك واكتسبه فقيل : فاعل ومتحرك ومكتسب ومستطيع ، أولا ترى أن جميع ذلك صفات يوصف بها الإنسان.

وسألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك ، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله عزوجل ، فأعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزوجل ، فانف عن الله البطلان والتشبيه ، فلا نفي ولا تشبيه وهو الله الثابت الموجود ، تعالى الله عما يصفه الواصفون ، ولا تعد القرآن فتضل بعد البيان (٢).

وسألت رحمك الله عن الإيمان ، فالإيمان هو إقرار باللسان (٣) وعقد بالقلب وعمل بالأركان ، فالإيمان بعضه من بعض (٤) وقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما ، فالإسلام قبل الإيمان وهو

__________________

١ ـ مركبة خبر بعد خبر لهي.

٢ ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( فيضلك بعد البيان ).

٣ ـ في نسخة ( د ) و ( ب ) و ( و ) و ( ج ) ( هو الاقرار باللسان ).

٤ ـ أي فالإقرار والعمل ناشئان من عقد القلب ، والأقوال في الإيمان وحده مختلفة ، وفي التجريد عرفه بالعقد والإقرار ، وكذا اختلفوا في أن الإسلام والإيمان مختلفان أم متفقان.

٢٢٨

يشارك الإيمان ، فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عزوجل عنها كان خارجا من الإيمان وساقطا عنه اسم الإيمان وثابتا عليه اسم الإسلام (١) فإن تاب واستغفر عاد إلى الإيمان ولم يخرجه إلى الكفر والجحود والاستحلال ، وإذا قال للحلال : هذا حرام وللحرام : هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الإيمان والإسلام إلى الكفر ، وكان بمنزلة رجل دخل الحرم ، ثم دخل الكعبة فأحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار (٢).

قال مصنف هذا الكتاب : كان المراد من هذا الحديث ما كان فيه من ذكر القرآن ، ومعنى ما فيه أنه غير مخلوق أي غير مكذوب ، ولا يعني به أنه غير محدث لأنه قال : محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى ذكره.

٣١ ـ باب معنى ( بسم الله الرحمن الرحيم )

١ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي‌الله‌عنه ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد مولى بني هاشم ، عن علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال : سألت الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام ، عن بسم الله ، قال : معنى قول القائل بسم الله أي أسم على نفسي سمة من سمات الله عزوجل وهي العبادة (٣) قال : فقلت

__________________

١ ـ لا الخروج من الإيمان إلى الكفر فيحكم عليه بأحكامه ، بل الخروج في الحال أو عن كما له مع بقاء أصله كما نبه عليه بقوله : ( ولم يخرجه إلى الكفر ـ الخ ) وسمى هذا في الحديث بكفر الترك فإن له أقساما خمسة في كتاب الله ، والظاهر أن قوله : ( التي نهى الله عزوجل عنها ) قيد لصغائر المعاصي فقط فتأمل.

٢ ـ في نسخة ( د ) ( وضربت عنقه ـ الخ ) ، وفي نسخة ( ج ) ( فأحدث في الكعبة حدثا فإذا خرج عن الكعبة وعن الحرم ضربت عنقه وصار إلى النار ).

٣ ـ أي سمه الله التي يسم بها العبد نفسه في كل أمر هي العبادة حقيقة لا مجرد القول والعمل.

وتلك السمة علامة بينه وبين ربه يعرف بها الحق عن الباطل.

٢٢٩

له : ما السمة؟ فقال : العلامة.

٢ ـ حدثنا أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : الباء بهاء الله ، والسين سناء الله والميم مجد الله. وروي بعضهم : ملك الله ، والله إله كل شيء ، الرحمن بجميع خلقه ، والرحيم بالمؤمنين خاصة.

٣ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن صفوان بن يحيى ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال : الباء بهاء الله ، والسين سناء الله ، والميم ملك الله ، قال : قلت : الله؟ قال : الألف آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا ، واللام إلزام الله خلقه ولايتنا ، قلت : فالهاء؟ قال : هوان لمن خالف محمدا وآل محمد صلوات الله عليهم ، قال : قلت : الرحمن؟ قال : بجميع العالم ، قلت : الرحيم؟ قال : بالمؤمنين خاصة.

٤ ـ حدثنا أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن سلمة بن الخطاب عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال : سألته عن معنى الله ، قال : استولى على ما دق وجل (١).

٥ ـ حدثنا محمد بن القاسم الجرجاني المفسر رحمه‌الله قال : حدثنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد ، وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار وكانا من الشيعة الإمامية عن أبويهما (٢) عن الحسن بن علي بن محمد عليهم‌السلام في قول الله عزوجل : ( بسم الله

__________________

١ ـ على هذا التفسير مشتق من الإله بمعنى من له ملك التأثير والتصرف وغيره مألوه كما مر بيانه في الحديث الثاني من الباب الثاني.

٢ ـ أن أبويهما لم يرويا عن الإمام عليه‌السلام بل هما ، وعليه فالظرف متعلق بكانا ، أي كانا شيئيين عن تربية أبويهما لا أنهما تشيعا استبصارا فإن الأبوين أيضا كانا من الشيعة ، وهذا دفع لخدشة أوردت على تفسير الإمام عليه‌السلام ، وللتفصيل راجع الذريعة.

٢٣٠

الرحمن الرحيم )؟ فقال : الله هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من كل من هو دونه ، وتقطع الأسباب من جميع ما سواه ، يقول : بسم الله أي أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة إلا له ، المغيث إذا استغيث ، والمجيب إذ دعي ، وهو ما قال رجل للصادق عليه‌السلام : يا ابن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني ، فقال له : يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟ قال : نعم قال : فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال : نعم قال : فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ فقال نعم ، قال الصادق عليه‌السلام : فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي ، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث ، ثم قال الصادق عليه‌السلام : ولربما ترك بعض شيعنا في افتتاح أمره بسم الله الرحمن الرحيم فيمتحنه الله بمكروه لينبهه على شكر الله تبارك وتعالى والثناء عليه ويمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه قول بسم الله الرحمن الرحيم.

قال : وقام رجل إلى علي بن الحسين عليهما‌السلام ، فقال : أخبرني عن معنى بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : حدثني أبي ، عن أخيه الحسن ، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم‌السلام أن رجلا قام إليه : فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن بسم الله الرحمن الرحيم ما معناه؟ فقال : إن قولك : ( الله ) أعظم اسم من أسماء الله عزوجل وهو الاسم الذي (١) لا ينبغي أن يسمى به غير الله ولم يتسم به مخلوق ، فقال الرجل فما تفسير قوله : ( الله )؟ قال الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه ، وتقطع الأسباب من كل من سواه وذلك أن كل مترئس في هذه الدنيا ومتعظم فيها وإن عظم غناؤه وطيغانه وكثرت حوائج من دونه إليه فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم ، وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها ، فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته حتى إذا كفى همه عاد إلى شركه ، أما تسمع الله عزوجل يقول : ( قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله

__________________

١ ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( فهو الاسم الذي ـ الخ ).

٢٣١

أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ) (١) فقال الله عزوجل لعباده : أيها الفقراء إلى رحمتي إني قد ألزمتكم الحاجة إلي في كل حال ، وذلة العبودية في كل وقت ، فإلي فافزعوا في كل أمر تأخذون فيه وترجون تمامه وبلوغ غايته فإني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم ، فأنا أحق من سئل ، وأولى من تضرع إليه ، فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير أو عظيم : بسم الله الرحمن الرحيم أي أستعين على هذا الأمر بالله الذي لا يحق العبادة لغيره ، المغيث إذا استغيث ، المجيب إذا دعي ، الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا ، الرحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا ، خفف علينا الدين وجعله سهلا خفيفا ، وهو يرحمنا بتميزنا من أعدائه (٢) ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من حزنه أمر تعاطاه فقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وهو مخلص لله (٣) يقبل بقلبه إليه لم ينفك من إحدى اثنتين : إما بلوغ حاجته في الدنيا وإما يعد له عند ربه ويدخر لديه ، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين.

٣٢ ـ باب تفسير حروف المعجم

١ ـ حدثنا محمد بن بكران النقاش رحمه‌الله ، بالكوفة ، قال : حدثنا أحمد بن محمد الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، قال : إن أول ما خلق الله عزوجل ليعرف به خلقه الكتابة حروف المعجم (٤) وإن الرجل إذا ضرب على رأسه بعصا فزعم أنه

__________________

١ ـ الأنعام : ٤١.

٢ ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( بتمييزنا من أعاديه ).

٣ ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( وهو يخلص لله ويقبل ـ الخ ).

٤ ـ الاعجام إزالة الابهام عن الحرف بنقطة مخصوصة ، والمراد بالمعجم الكتاب باعتبار أنه مؤلف من الحروف المعجمة ، وقد اختص المعجمة بالحروف المنقوطة ، وهذا أمر حادث إذ في الأمر وضع لكل حرف نقطة في الكتابة ، فالسين مثلا كانت منقوطة بثلاث نقط

٢٣٢

لا يفصح ببعض الكلام فالحكم فيه أن يعرض عليه حروف المعجم ، ثم يعطي الدية بقدر ما لم يفصح منها.

ولقد حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام في ( ا ب ت ث ) أنه قال : الألف آلاء الله ، والباء بهجة الله ( والباقي وبديع السماوات والأرض ). والتاء تمام الأمر بقائم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والثاء ثواب المؤمنين على أعمالهم الصالحة.

( ج ح خ ) فالجيم جمال الله وجلال الله ، والحاء حلم الله ، ( حي حق حليم ) عن المذنبين ، والخاء خمول ذكر أهل المعاصي عند الله عزوجل.

( د ذ ) فالدال دين الله ( الذي ارتضاه لعباده ) ، والذال من ذي الجلال والاكرام.

( ر ز ) فالراء من الرؤوف الرحيم ، والزاي زلازل يوم القيامة.

( س ش ) فالسين سناء الله ( وسرمديته ) ، والشين شاء الله ما شاء ، وأراد ما أراد ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ).

( ص ض ) فالصاد من صادق الوعد في حمل الناس على الصراط ، وحبس الظالمين عند المرصاد ، والضاد ضل من خالف محمد وآل محمد.

( ط ظ ) فالطاء طوبى للمؤمنين ، وحسن مآب ، والظاء ظن المؤمنين بالله خير وظن الكافرين به سواء (١).

( ع غ ) فالعين من العالم ، والغين من الغني الذي لا يجوز عليه الحاجة على الاطلاق.

( ف ق ) فالفاء ( فالق الحب والنوى ، و ) وفوج من أفواج النار ، والقاف قرآن على الله جمعه وقرآنه.

__________________

في التحت والشين بها في الفوق ، فرأوا أن عدم النقطة في بعض الحروف المتشابهة الكتابة يكفي في الامتياز فحذفوها ، فخص المنقوطة باسم المعجمة وغيرها باسم المهملة ، ويقال لهذه الحروف حروف التهجي والهجاء أيضا ، كما في الحديث الثاني.

١ ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) و ( ج ) ( وظن الكافرين به شرا ).

٢٣٣

( ك ل ) فالكاف من الكافي ، واللام لغو الكافرين في افترائهم على الله الكذب.

( م ن ) فالميم ملك الله يوم الدين يوم لا مالك غيره ويقول الله عزوجل ( لمن الملك اليوم ) ثم تنطق أرواح أنبيائه ورسله وحججه فيقولون : ( لله الواحد القهار ) فيقول جل جلاله : ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ) (١). والنون نوال الله للمؤمنين ، ونكاله للكافرين.

( وهـ ) فالواو ويل لمن عصى الله من عذاب يوم عظيم ، والهاء هان على الله من عصاه.

( لا ) فلام ألف لا إله إلا الله وهي كلمة الاخلاص. ما من عبد قالها مخلصا إلا وجبت له الجنة.

( ى ) يد الله فوق خلقه باسطة بالرزق ، سبحانه وتعالى عما يشركون (٢).

ثم قال عليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى أنزل هذا القرآن بهذه الحروف التي يتداولها جميع العرب ثم قال : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) (٣).

٢ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقرئ الحاكم ، قال : حدثنا أبو ـ عمرو محمد بن جعفر المقرئ الجرجاني ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد ، قال : حدثنا محمد بن عاصم الطريفي ، قال : حدثنا أبو زيد عياش بن يزيد ابن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي ، قال : أخبرني أبي يزيد بن الحسن قال : حدثني موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن

__________________

١ ـ المؤمن : ١٧.

٢ ـ ليس في أكثر النسخ الباقي وبديع السماوات والأرض في تفسير الباء ، وحي حق حليم في تفسير الحاء ، والذي ارتضاه لعباده في تفسير الدال ، وسرمديته في تفسير السين ، وفالق الحب والنوى في تفسير الفاء.

٣ ـ الإسراء : ٨٨.

٢٣٤

أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : جاء يهودي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال له : ما الفائدة في حروف الهجاء (١) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : أجبه ، وقال : اللهم وفقه وسدده ، فقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ما من حرف إلا وهو اسم من أسماء الله عزوجل ، ثم قال : أما الألف فالله لا إله إلا هو الحي القيوم (٢) ، وأما الباء فالباقي بعد فناء خلقه ، وأما التاء فالتواب يقبل التوبة عن عباده ، وأما الثاء فالثابت الكائن ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ـ الآية ) (٣) وأما الجيم فجل ثناؤه وتقدست أسماؤه ، وأما الحاء فحق حي ، حليم ، وأما الخاء فخبير بما يعمل العباد ، وأما الدال فديان يوم الدين ، وأما الذال فذو الجلال والاكرام ، وأما الراء فرؤوف بعباده ، وأما الزاي فزين المعبودين ، وأما السين فالسميع البصير ، وأما الشين فالشاكر لعباده المؤمنين ، وأما الصاد فصادق في وعده ووعيده ، وأما الضاد فالضار ، النافع ، وأما الطاء فالطاهر المطهر ، وأما الظاء فالظاهر المظهر لآياته ، وأما العين فعالم بعباده ، وأما الغين فغياث المستغيثين من جميع خلقه ، وأما الفاء ففالق الحب والنوى ، وأما القاف فقادر على جميع خلقه ، وأما الكاف فالكافي الذي لم يكن له كفوا أحد ولم يلد ولم يولد ، وأما اللام فلطيف بعباده ، وأما الميم فمالك الملك ، وإما النون فنور السماوات من نور عرشه ، وأما الواو فواحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ، وأما الهاء فهاد لخلقه ، وأما اللام ألف فلا إله إلا الله وحده

__________________

١ ـ الهجاء تقطيع الكلمة بحروفها ، وحروف الهجاء أي حروف تقطع الكلمة بها وتفصل إليها ، ولعل اليهودي أراد بها الحروف المقطعة في مفتتح السور ، أو أراد فائدة غير تركب الكلام منها.

٢ ـ المراد بها الهمزة إذ تسمى بالألف أيضا ، وبينهما فرق من جهات ذكر في محله ، وقد تعدى اثنتين فالحروف تسعة وعشرون ، وقد تعدى واحدة فهي ثمانية وعشرون كما في الباب الخامس والستين.

٣ ـ إبراهيم عليه‌السلام : ٢٧.

٢٣٥

لا شريك له. وأما الياء فيد الله باسطة على خلقه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا هو القول الذي رضي الله عزوجل لنفسه من جميع خلقه ، فأسلم اليهودي.

٣٣ ـ باب تفسير حروف الجمل

١ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا أحمد بن محمد الهمداني مولى بني هاشم ، قال : حدثنا جعفر بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : حدثنا كثير بن عياش القطان ، عن أبي الجارود زياد بن المنذر ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهم‌السلام ، قال : لما ولد عيسى بن مريم عليه‌السلام كان ابن يوم كأنه ابن شهرين ، فلما كان ابن سبعة أشهر أخذت والدته بيده وجاءت به إلى الكتاب (١) وأقعدته بين يدي المؤدب فقال له المؤدب : قل بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال عيسى عليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال له المؤدب : قل : أبجد ، فرفع عيسى عليه‌السلام رأسه فقال : هل تدري ما أبجد؟ فعلاه بالدرة ليضربه ، فقال : يا مؤدب لا تضربني ، إن كنت تدري وإلا فاسألني حتى أفسر لك ، قال : فسره لي ، فقال عيسى عليه‌السلام : الألف آلاء الله ، والباء بهجة الله ، والجيم جمال الله ، والدال دين الله. ( هوز ) الهاء هول جهنم ، والواو ويل لأهل النار ، والزاي زفير جنهم. ( حطي ) حطت الخطايا عن المستغفرين. ( كلمن ) كلام الله لا مبدل لكلماته. ( سعفص ) صاع بصاع والجزاء بالجزاء. ( قرشت ) قرشهم فحشرهم ، فقال المؤدب : أيتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم ولا حاجة له في المؤدب.

٢ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، وأحمد بن الحسن بن

__________________

١ ـ ليس المراد أنه نشأ في كل يوم كنشئ غيره في شهرين في كل شيء حتى يكون في سبعة أشهر على صورة رجل ذي خمس وثلاثين سنة ، بل المعنى أنه كان ابن يوم كأنه ابن شهرين في نموه ورشد بدنه إلى مدة حتى كان في الشهر السابع كالطفل المميز القابل لأن يجاء به إلى الكتاب ، والكتاب بضم الكاف وتشديد التاء مفرد المكتب جمعه الكتاتيب.

٢٣٦

علي بن فضال ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن زيد (١) قال : حدثني محمد بن سالم ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سأل عثمان بن عفاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تفسير أبجد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تعلموا تفسير أبجد فإن فيه الأعاجيب كلها ، ويل لعالم جهل تفسيره ، فقيل : يا رسول الله : ما تفسير أبجد؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما الألف فآلاء الله حرف من حروف أسمائه (٢). وأما الباء فبهجة الله ، وأما الجيم فجنة الله وجلال الله وجماله ، وأما الدال فدين الله ، وأما ( هوز ) فالهاء هاء الهاوية فويل لمن هوى في النار ، وأما الواو فويل لأهل النار ، وأما الزاي فزاوية في النار فنعوذ بالله مما في الزاوية يعني زوايا جهنم ، وأما ( حطي ) فالحاء حطوط الخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبرئيل مع الملائكة إلى مطلع الفجر ، وأما الطاء فطوبى لهم وحسن مآب وهي شجرة غرسها الله عزوجل ونفخ فيها من روحه وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة تنبت بالحلي والحلل متدلية على أفواهم ، وأما الياء فيد الله فوق خلقه سبحانه وتعالى عما يشركون ، وأما ( كلمن ) فالكاف كلام الله لا مبدل لكلمات الله ولن تجد من دونه ملتحدا ، وأما اللام فإلمام أهل الجنة بينهم في الزيارة والتحية والسلام ، وتلاوم أهل النار فيما بينهم ، وأما الميم فملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى ، وأما النون فنون والقلم وما يسطرون ، فالقلم قلم من نور وكتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون وكفى بالله شهيدا ، وأما ( سعفص ) فالصاد صاع بصاع وفص بفص يعني الجزاء بالجزاء ، وكما تدين تدان ، إن الله لا يريد ظلما للعباد ، وأما ( قرشت ) يعني قرشهم الله فحشرهم ونشرهم إلى يوم القيامة فقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون. (٣)

__________________

١ ـ في نسخة ( ط ) و ( ج ) ( عن الحسين بن يزيد ).

٢ ـ في البحار في أواخر الجزء الثاني من الطبعة الحديثة وفي نسخة ( و ) و ( ج ) و ( د ) حرف من أسمائه.

٣ ـ عدم ذكر ثخذ وضظغ لما ذكره ابن النديم في أول الفهرست فراجع ، وللمجلسي رحمه‌الله حل إشكال عن الأبجد في البحار في الباب الثالث عشر من الجزء العاشر من الطبعة الحديثة.

٢٣٧

٣٤ ـ باب تفسير حروف الأذان والإقامة

١ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي الحاكم المقرئ ، قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن المقرئ الجرجاني ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد ، قال : حدثنا محمد بن عاصم الطريفي ، قال : حدثنا أبو زيد عياش ابن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي ، قال : أخبرني أبي يزيد بن الحسن ، قال : حدثني موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : كنا جلوسا في المسجد إذا صعد المؤذن المنارة فقال : الله أكبر الله أكبر ، فبكى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وبكينا ببكائه ، فلما فرغ المؤذن قال : أتدرون ما يقول المؤذن؟! قلنا : الله ورسوله ووصيه أعلم ، فقال : لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ، فلقوله : ( الله أكبر ) معان كثيرة : منها أن قول المؤذن : ( الله أكبر ) يقع على قدمه وأزليته وأبديته وعلمه وقوته وقدرته وحلمه وكرمه وجوده وعطائه وكبريائه ، فإذا قال المؤذن ( الله أكبر ) فإنه يقول : الله الذي له الخلق والأمر ، وبمشيته كان الخلق ، ومنه كان كل شيء للخلق ، وإليه يرجع الخلق ، وهو الأول قبل كل شيء لم يزل ، والآخر بعد كل شيء لا يزال ، والظاهر فوق كل شيء لا يدرك ، والباطن دون كل شيء لا يحد ، فهو الباقي وكل شيء دونه فان ، والمعنى الثاني ( الله أكبر ) أي العليم الخبير علم ما كان وما يكون قبل أن يكون ، والثالث ( الله أكبر ) أي القادر على كل شيء ، يقدر على ما يشاء ، القوي لقدرته ، المقتدر على خلقه ، القوي لذاته ، قدرته قائمة على الأشياء كلها ، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ، والرابع ( الله أكبر ) على معنى حلمه وكرمه يحلم كأنه لا يعلم ويصفح كأنه لا يرى ويستر كأنه لا يعصى ، لا يعجل بالعقوبة كرما وصفحا وحلما ، والوجه الآخر في معنى ( الله أكبر ) أي الجواد جزيل العطاء كريم الفعال ، والوجه الآخر ( الله أكبر ) فيه نفي كيفيته كأنه يقول : الله أجل من أن يدرك الواصفون قدر صفته التي هو موصوف بها وإنما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله ، تعالى الله عن

٢٣٨

أن يدرك الواصفون صفته علوا كبيرا ، والوجه الآخر ( الله أكبر ) كأنه يقول : الله أعلى وأجل وهو الغني عن عباده لا حاجة به إلى أعمال خلقه ، وأما قوله : ( أشهد أن لا إله إلا الله ) فإعلام بأن الشهادة لا تجوز إلا بمعرفة من القلب ، كأنه يقول : اعلم أنه لا معبود إلا الله عزوجل وأن كل معبود باطل سوى الله عزوجل وأقر بلساني بما في قلبي من العلم بأنه لا إله إلا الله ، وأشهد أنه لا ملجأ من الله إلا إليه ولا منجى من شر كل ذي شر وفتنة كل ذي فتنة إلا بالله ، وفي المرة الثانية ( أشهد أن لا إله إلا الله ) معناه أشهد أن لا هادي إلا الله ، ولا دليل لي إلا الله ، وأشهد الله بأني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد سكان السماوات وسكان الأرضين وما فيهن من الملائكة والناس أجمعين ، وما فيهن من الجبال والأشجار والدواب والوحوش وكل رطب ويابس بأني أشهد أن لا خالق إلا الله ، ولا رازق ولا معبود ولا ضار ولا نافع ولا قابض ولا باسط ولا معطي ولا مانع ولا دافع ولا ناصح ولا كافي ولا شافي ولا مقدم ولا مؤخر إلا الله ، له الخلق والأمر وبيده الخير كله ، تبارك الله رب العالمين ، وأما قوله : ( أشهد أن محمد رسول الله ) يقول : أشهد الله أني أشهد أن لا إله إلا هو ، وأن محمد عبده ورسوله ونبيه وصفيه ونجيه أرسله إلى كافة الناس أجمعين بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وأشهد من في السماوات والأرض من النبيين والمرسلين والملائكة والناس أجمعين أني أشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد الأولين والآخرين ، وفي المرة الثانية ( أشهد أن محمدا رسول الله ) يقول : أشهد أن لا حاجة لأحد إلى أحد إلا إلى الله الواحد القهار مفتقرة إليه سبحانه (١) وأنه الغني عن عباده والخلائق أجمعين ، وأنه أرسل محمدا إلى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، فمن أنكره وجحده ولم يؤمن به أدخله الله عزوجل نار جهنم خالدا مخلدا لا ينفك عنها أبدا ، وأما قوله : ( حي على الصلاة ) أي هلموا إلى خير أعمالكم ودعوة ربكم ، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وإطفاء ناركم التي

__________________

١ ـ قوله : مفتقرة بالنصب حال من حاجة باعتبار ذيها ، أو بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أي كل نفس ، وليس في النسخ المخطوطة عندي ( مفتقرة إليه سبحانه وأنه ).

٢٣٩

أوقدتموها على ظهوركم ، وفكاك رقابكم التي رهنتموها بذنوبكم ليكفر الله عنكم سيئاتكم ، ويغفر لكم ذنوبكم ، ويبدل سيئاتكم حسنات ، فإنه ملك كريم ذو الفضل العظيم ، وقد أذن لنا معاشر المسلمين بالدخول في خدمته والتقدم إلى بين يديه ، وفي المرة الثانية ( حي على الصلاة ) أي قوموا إلى مناجاة ربكم وعرض حاجاتكم على ربكم وتوسلوا إليه بكلامه وتشفعوا به وأكثروا الذكر والقنوت والركوع والسجود والخضوع والخشوع ، وارفعوا إليه حوائجكم فقد أذن لنا في ذلك ، وأما قوله : ( حي على الفلاح ) فإنه يقول : أقبلوا إلى بقاء لا فناء معه ونجاة لا هلاك معها ، وتعالوا إلى حياة لا موت معها ، وإلى نعيم لا نفاذ له ، وإلى ملك لا زوال عنه ، وإلى سرور لا حزن معه ، وإلى أنس لا وحشة معه ، وإلى نور لا ظلمة معه (١) وإلى سعة لا ضيق معها ، وإلى بهجة لا انقطاع لها ، وإلى غنى لا فاقة معه ، وإلى صحه لا سقم معها ، وإلى عز لا ذل معه ، وإلى قوة لا ضعف معها ، وإلى كرامة يا لها من كرامة ، وعجلوا إلى سرور الدنيا والعقبى ونجاة الآخرة والأولى ، وفي المرة الثانية ( حي على الفلاح ) فإنه يقول : سابقوا إلى ما دعوتكم إليه ، وإلى جزيل الكرامة وعظيم المنة وسني النعمة والفوز العظيم ونعيم الأبد في جوار محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وأما قول : ( الله أكبر ) فإنه يقول : الله أعلى وأجل من أن يعلم أحد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد أجابه وأطاعه وأطاع ولاة أمره وعرفه وعبده واشتغل به وبذكره وأحبه وأنس به واطمأن إليه ووثق به وخافه ورجاه واشتقاق إليه ووافقه في حكمه وقضائه ورضي به ، وفي المرة الثانية ( الله أكبر ) فإنه يقول : الله أكبر وأعلى وأجل من أن يعلم أحد مبلغ كرامته لأوليائه وعقوبته لأعدائه ، ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه وأجاب رسوله ، ومبلغ عذابه ونكاله وهو أنه لمن أنكره وجحده ، وأما قوله : ( لا إله إلا الله ) معناه : لله الحجة البالغة عليهم بالرسل والرسالة والبيان والدعوة وهو أجل من أن يكون لأحد منهم عليه حجة ، فمن أجابه فله النور والكرامة ومن

__________________

١ ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( وإلى نور لا ظلمة له ).

٢٤٠