التّوحيد

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

التّوحيد

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: السيد هاشم الحسيني الطهراني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٠

يقتضيان حكما واحدا من حيث تماثلا منها (١) وقد قام الدليل على أن الله عزوجل قديم ، ومحال أن يكون قديما من جهة وحادثا من أخرى. ومن الدليل على أن الله تبارك وتعالى قديم أنه لو كان حادثا لوجب أن يكون له محدث ، لأن الفعل لا يكون إلا بفاعل ، ولكان القول في محدثه كالقول فيه ، وفي هذا وجود حادث قبل حادث لا إلى أول ، وهذا محال ، فصح أنه لا بد من صانع قديم ، وإذا كان ذلك كذلك فالذي يوجب قدم ذلك الصانع ويدل عليه يوجب قدم صانعنا ويدل عليه (٢).

٣٧ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله وعلي بن عبد الله الوراق ، قالا : حدثنا محمد بن هارون الصوفي ، قال : حدثنا أبو تراب عبيد الله ابن موسى الروياني ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، قال : دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام فلما بصر بي قال لي : مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا ، قال : فقلت له : يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كان مرضيا أثبت عليه حتى ألقى الله عزوجل : فقال : هات يا أبا القاسم ، فقلت : إني أقول : إن الله تبارك وتعالى واحد ، ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدين حد الإبطال وحد التشبيه ، وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسم الأجسام ، ومصور الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ، وإن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة وأقول : إن الإمام والخليفة وولي الأمر من بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي ، فقال

__________________

١ ـ أي من جهة من الجهات.

٢ ـ أي يوجب أن يكون صانعنا القديم الذي كلامنا فيه ذلك الصانع القديم الذي اضطر العقل إلى إثباته.

٨١

عليه‌السلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده ، قال : فقلت : وكيف ذاك يا مولاي؟ قال : لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، قال : فقلت : أقررت ، وأقول إن وليهم ولي الله ، وعدوهم عدو الله ، وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله ، وأقول : إن المعراج حق ، والمسألة في القبر حق ، وإن الجنة حق ، وإن النار حق ، والصراط حق ، والميزان حق ، وإن الساعة آتية لا ريب فيها ، وإن الله يبعث من في القبور ، وأقول : إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال علي بن محمد عليهما‌السلام : يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

٣ ـ باب معنى الواحد والتوحيد والموحد

١ ـ حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني عليهما‌السلام ، ما معنى الواحد؟ فقال : المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية (١).

__________________

١ ـ هذا الحديث رواه الكليني رحمه‌الله في باب معاني الأسماء من الكافي ، ورواه المجلسي رحمه‌الله في البحار في باب التوحيد ونفي الشريك عن المحاسن والاحتجاج وفيه بلفظ ( الأحد ) كلهم عن أبي هاشم الجعفري ، والسؤال ليس عن المفهوم لأن السائل عارف به ولا عن الحقيقة الشرعية إذ ليس له حقيقة شرعية وراء ما عند العرف ، بل عن معنى الواحد في حق الله تعالى أنه بأي معنى يطلق عليه تعالى ، فأجاب عليه‌السلام أنه يطلق عليه بالمعنى الذي اجتمع الناس كلهم بلسان فطرتهم عليه ، وذلك المعنى أنه تعالى لا شبيه له ولا شريك له في الألوهية وصنع الأشياء كما أشار إليه بالاستشهاد بقوله تعالى ( ولئن سئلتهم ـ الآية ) كما في الخبر الآتي ، وصرح به بعد ذكر الآية بقوله : ( بعد ذلك له شريك وصاحبه )؟! استفهاما إنكاريا كما في البحار عن الاحتجاج ، ولا يخفى أن الحديث هنا وما في الكافي والمحاسن

٨٢

٢ ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني ، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنهما ، قالا : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن محمد ، ومحمد بن الحسن جميعا ، عن سهل بن زياد ، عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام ما معنى الواحد؟ قال : الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد ، كما قال الله عزوجل : ( ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) (١).

٣ ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن سعيد بن يحيى البزوري ، قال : حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي ، قال : حدثنا أبي ، عن المعافي بن عمران ، عن إسرائيل ، عن المقدام بن شريح بن هانئ ، عن أبيه ، قال : إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : يا أمير ـ المؤمنين أتقول : إن الله واحد؟ قال : فحمل الناس عليه ، قالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : دعوه ، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ، ثم قال : يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على الله عزوجل ، ووجهان يثبتان فيه ، فأما اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنه كفر من قال : ثالث ثلاثة. وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد به النوع من الجنس ، فبهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه ، وجل ربنا عن ذلك وتعالى (٢). وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء

__________________

والاحتجاج واحد إلا أن الرواة غيروه بالتقطيع والنقل بالمعنى ، أو أبو هاشم نفسه فعل ذلك عند نقله للرواة المتعددين ، فلذلك ترى لفظ الحديث فيها مختلفا.

١ ـ العنكبوت : ٦١ ، ولقمان : ٢٥ ، والزمر : ٣٨ ، والزخرف : ٩.

٢ ـ الجنس في اللغة يأتي بمعنى التشابه والتماثل ، وقوله عليه‌السلام : ( يريد به النوع من الجنس ) أي يريد القائل بالواحد هكذا الوحدة النوعية التي تنتزع من الأفراد

٨٣

شبه ، كذلك ربنا ، وقول القائل : إنه عزوجل أحدي المعنى ، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم (١) كذلك ربنا عزوجل.

قال مصنف هذا الكتاب : سمعت من أثق بدينه ومعرفته باللغة والكلام يقول : إن قول القائل : واحدا واثنين وثلاثة إلى آخره إنما وضع في أصل اللغة للإبانة عن كمية ما يقال عليه ، لا لأن له مسمى يتسمى به بعينه ، أو لأن له معنى سوى ما يتعلمه الانسان بمعرفة الحساب ويدور عليه عقد الأصابع عند ضبط الآحاد والعشرات والمئات الألوف ، وكذلك متى أراد مريد أن يخبر غيره عن كمية شيء بعينه سماه باسمه الأخص ثم قرن لفظ الواحد به وعلقه عليه يدل به على كميته لا على ما عدا ذلك من أوصافه ، ومن أجله يقول القائل : درهم واحد ، وإنما يعني به أنه درهم فقط ، وقد يكون الدرهم درهما بالوزن ، ودرهما بالضرب ، فإذا أراد المخبر أن يخبر عن وزنه قال : درهم واحد بالوزن ، وإذا أراد أن يخبر عن عدده وضربه قال : درهم واحد بالعدد ودرهم واحد بالضرب ، وعلى هذا الأصل يقول القائل : هو رجل واحد ، وقد يكون الرجل واحدا بمعنى أنه إنسان وليس بإنسانين ، ورجل وليس برجلين ، وشخص وليس بشخصين ، ويكون واحد في الفضل واحدا في العلم واحدا في السخاء واحدا في الشجاعة ، فإذا أراد القائل أن يخبر عن كميته قال : هو رجل واحد ، فدل ذلك من قوله على أنه رجل وليس هو برجلين ، وإذا أراد أن يخبر عن فضله قال : هذا واحد عصره ، فدل ذلك على أنه لا ثاني له

__________________

المتجانسة المتماثلة كأفراد الإنسان مثلا ، والفرق بين القسمين اللذين لا يجوز أن عليه تعالى أن الأول يثبت له وقوعا أو إمكانا فردا آخر مثله في الألوهية أو صفة غيرها وإن لم يكن مجانسا له في حقيقته والثاني يثبت له فردا آخر من حقيقته ، فالمنفي أولا الوحدة العددية وثانيا النوعية.

١ ـ أي لا في الخارج كانقسام الإنسان إلى بدن وروح ، ولا في عقل كانقسام الماهية إلى أجزائها الحدية ، ولا في وهم كانقسام قطعة خشب إلى النصفين في التصور.

٨٤

في الفضل ، وإذا أراد أن يدل على علمه قال : إنه واحد في علمه ، فلو دل قوله : واحد بمجرده على الفضل والعلم كما دل بمجرده على الكمية لكان كل من أطلق عليه لفظ واحد أراد فاضلا لا ثاني له في فضله وعالما لا ثاني له في علمه وجوادا لا ثاني له في جوده ، فلما لم يكن كذلك صح أنه بمجرده لا يدل إلا على كمية الشيء دون غيره وإلا لم يكن لما أضيف إليه من قول القائل : واحد عصره ودهره معنى ، ولا كان لتقييده بالعلم والشجاعة معنى ، لأنه كان يدل بغير تلك الزيادة وبغير ذلك التقييد على غاية الفضل وغاية العلم والشجاعة ، فلما احتيج معه إلى زيادة لفظ واحتيج إلى التقييد بشيء صح ما قلناه ، فقد تقرر أن لفظة القائل : واحد إذا قيل على الشيء دل بمجرده على كميته في اسمه الأخص ، ويدل بما يقترن به على فضل المقول عليه وعلى كماله وعلى توحده بفضله وعلمه وجوده ، وتبين أن الدرهم الواحد قد يكون درهما واحدا بالوزن ، ودرهما واحدا بالعدد ودرهما وحدا بالضرب ، وقد يكون بالوزن درهمين وبالضرب درهما واحدا ، وقد يكون بالدوانيق ستة دوانيق وبالفلوس ستين فلسا ويكون بالأجزاء كثيرا ، وكذلك يكون العبد عبدا واحدا ولا يكون عبدين بوجه ، ويكون شخصا واحدا ولا يكون شخصين بوجه ، ويكون أجزاء كثيرة وأبعاضا كثيرة ، وكل بعض من أبعاضه يكون جواهر كثيرة متحدة اتحد بعضها ببعض ، وتركب بعضها مع بعض ، ولا يكون العبد واحدا وإن كان كل واحد منا في نفسه إنما هو عبد واحد ، وإنما لم يكن العبد واحدا لأنه ما من عبد إلا وله مثل في الوجود أو في المقدور ، وإنما صح أن يكون للعبد مثل لأنه لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها صار عبدا مملوكا ، ووجب لذلك أن يكون الله عزوجل متوحدا بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى ، ليكون إلها واحدا ولا يكون له مثل ، ويكون واحدا لا شريك له ولا إله غيره ، فالله تبارك وتعالى واحد لا إله إلا هو ، وقديم واحد لا قديم إلا هو ، وموجود واحد ليس بحال ولا محل ولا موجود كذلك إلا هو ، وشيء واحد لا يجانسه شيء ، ولا يشاكله شيء ، ولا يشبهه شيء ، ولا شيء كذلك إلا هو ، فهو كذلك موجود غير منقسم في الوجود ولا في الوهم ،

٨٥

وشيء لا يشبهه شيء بوجه ، وإله لا إله غيره بوجه ، وصار قولنا : يا واحد يا أحد في الشريعة اسما خاصا له دون غيره لا يسمى به إلا هو عزوجل ، كما أن قولنا : الله اسم لا يسمى به غيره.

وفصل آخر في ذلك وهو أن الشيء قد يعد مع ما جانسه وشاكله وماثله ، يقال : هذا رجل ، وهذان رجلان ، وثلاثة رجال ، وهذا عبد ، وهذا سواد ، وهذان عبدان ، وهذان سوادان ، ولا يجوز على هذا الأصل أن يقال : هذان إلهان إذ لا إله إلا إله واحد ، فالله لا يعد على هذا الوجه ، ولا يدخل في العدد من هذا الوجه بوجه ، وقد يعد الشيء مع ما لا يجانسه ولا يشاكله ، يقال : هذا بياض ، وهذان بياض وسواد ، وهذا محدث ، وهذان محدثان ، وهذان ليسا بمحدثين ولا بمخلوقين ، بل أحدهما قديم والآخر محدث وأحدهما رب والآخر مربوب ، فعلى هذا الوجه يصح دخوله في العدد ، وعلى هذا النحو قال الله تبارك وتعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ـ الآية ) (١) وكما أن قولنا : إنما هو رجل واحد لا يدل على فضله بمجرده فكذلك قولنا : فلان ثاني فلان. لا يدل بمجرده إلا على كونه ، وإنما يدل على فضله متى قيل : إنه ثانيه في الفضل أو في الكمال أو العلم.

فأما توحيد الله تعالى ذكره فهو توحيده بصفاته العلى ، وأسمائه الحسنى كان كذلك إلها واحدا لا شريك له ولا شبيه ، والموحد هو من أقر به على ما هو عليه عزوجل من أوصافه العلى ، وأسمائه الحسنى على بصيرة منه ومعرفة وإيقان وإخلاص ، وإذا كان ذلك كذلك فمن لم يعرف الله عزوجل متوحدا بأوصافه العلى ، وأسمائه الحسنى ولم يقر بتوحيده بأوصافه العلى ، فهو غير موحد ، وربما قال جاهل من الناس : إن من وحد الله وأقر أنه واحد فهو موحد وإن لم يصفه بصفاته التي توحد بها لأن من وحد الشيء فهو موحد في أصل اللغة ، فيقال له : أنكرنا ذلك لأن من زعم أن ربه إله واحد وشيء واحد ، ثم أثبت معه موصوفا آخر بصفاته التي توحد بها

__________________

١ ـ المجادلة : ٧.

٨٦

فهو عند جميع الأمة وسائر أهل الملل ثنوي غير موحد ومشرك مشبه غير مسلم ، وإن زعم أن ربه إله واحد وشيء واحد وموجود واحد ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون الله تبارك وتعالى متوحدا بصفاته التي تفرد بالإلهية من أجلها وتوحد بالوحدانية لتوحده بها ليستحيل أن يكون إله آخر ، ويكون الله واحدا والإله واحدا لا شريك له ولا شبيه لأنه إن لم يتوحد بها كان له شريك وشبيه كما أن العبد لما لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها كان عبدا كان له شبيه ، ولم يكن العبد واحدا وإن كان كل واحد منا عبدا واحدا ، وإذا كان كذلك فمن عرفه متوحدا بصفاته وأقر بما عرفه واعتقد ذلك كان موحدا وبتوحيد ربه عارفا. والأوصاف التي توحد الله عزوجل بها وتوحد بربوبيته لتفرده بها هي الأوصاف التي يقتضي كل واحد منها أن لا يكون الموصوف به إلا واحدا لا يشاركه فيه غيره ولا يوصف به إلا هو ، وتلك الأوصاف هي كوصفنا له بأنه موجود واحد لا يصح أن يكون حالا في شيء ، ولا يجوز أن يحله شيء ، ولا يجوز عليه العدم والفناء والزوال ، مستحق للوصف بذلك بأنه أول الأولين ، وآخر الآخرين ، قادر يفعل ما يشاء ولا يجوز عليه ضعف ولا عجز ، مستحق للوصف بذلك بأنه أقدر القادرين وأقهر القاهرين ، عالم لا يخفى عليه شيء ، ولا يعزب عنه شيء ، ولا يجوز عليه جهل ولا سهو ولا شك ولا نسيان ، مستحق للوصف بذلك بأنه أعلم العالمين ، حي لا يجوز عليه موت ولا نوم ، ولا ترجع إليه منفعة ولا تناله مضرة ، مستحق للوصف بذلك بأنه أبقى الباقين وأكمل الكاملين ، فاعل لا يشغله شيء عن شيء ولا يعجزه شيء ولا يفوته شيء ، مستحق للوصف بذلك بأنه إله الأولين والآخرين وأحسن الخالقين وأسرع الحاسبين ، غني لا يكون له قلة ، مستغن لا يكون له حاجة ، عدل لا يلحقه مذمة ولا يرجع إليه منقصة ، حكيم لا تقع منه سفاهة ، رحيم لا يكون له رقة فيكون في رحمته سعة ، حليم لا يلحقه موجدة ، ولا يقع منه عجلة ، مستحق للوصف بذلك بأنه أعدل العادلين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين ، وذلك لأن أول الأولين لا يكون إلا واحدا وكذلك أقدر القادرين وأعلم العالمين وأحكم الحاكمين وأحسن

٨٧

الخالقين ، وكلما جاء على هذا الوزن ، فصح بذلك ما قلناه ، وبالله التوفيق ومنه العصمة والتسديد.

٤ ـ باب تفسير قل هو الله أحد إلى آخرها

١ ـ حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ، ثم الإيلاقي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثني أبو سعيد عبدان بن الفضل ، قال : حدثني أبو الحسن محمد بن يعقوب بن محمد بن يوسف بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بمدينة خجندة ، قال : حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن شجاع الفرغاني ، قال : حدثني أبو الحسن محمد بن حماد العنبري بمصر ، قال : حدثني إسماعيل بن عبد الجليل البرقي ، عن أبي البختري وهب بن وهب القرشي ، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي الباقر عليهم‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : ( قل هو الله أحد ) قال : ( قل ) أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد ، وهو اسم مكنى مشار إلى غائب ، فالهاء تنبيه على معنى ثابت ، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس ، كما أن قولك ( هذا إشارة إلى الشاهد عند الحواس (١) وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك (٢) فقالوا : هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار ، فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه ، فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو الله أحد ، فالهاء تثبيت للثابت (٣) والواو إشارة

__________________

١ ـ في نسخة ( ج ) ( المشاهد ) بصيغة المفعول من باب المفاعلة ، وهو الأصح ، وكذا فيما يأتي على الاحتمال الأول فيه.

٢ ـ يحتمل أن يكون إشارة مضافا إلى الشاهد المدرك ويكون مفعول نبهوا محذوفا ويحتمل أن يقرأ بالتنوين ويكون الشاهد المدرك مفعول نبهوا فالمدرك على الاحتمال الأول بصيغة المفعول وعلى الثاني بصيغة الفاعل.

٣ ـ نظير هذا يوجد في أحاديثهم عليهم‌السلام كتفسير الحروف المقطعة في أوائل السور وهذا منهم لا أنه وضع لغوي.

٨٨

إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وأنه تعالى عن ذلك ، بل هو مدرك الأبصار ومبدع الحواس.

٢ ـ حدثني أبي (١) ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، قال : رأيت الخضر عليه‌السلام في المنام قبل بدر بليلة ، فقلت له : علمني شيئا أنصر به على الأعداء ، فقال : قل : يا هو يا من لا هو إلا هو ، فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لي : يا علي علمت الاسم الأعظم ، فكان على لساني يوم بدر. وإن أمير المؤمنين عليه‌السلام قرأ قل هو الله أحد فلما فرغ قال : يا هو ، يا من لا هو إلا هو ، اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين ، وكان علي عليه‌السلام يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد ، فقال له عمار بن ياسر : يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات؟ قال : اسم الله الأعظم وعماد التوحيد لله لا إله إلا هو (٢) ثم قرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو (٣) وآخر الحشر ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال.

قال : وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق ويؤله إليه ، والله هو المستور عن درك الأبصار ، المحجوب عن الأوهام والخطرات.

قال الباقر عليه‌السلام : الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته (٤) ويقول العرب : أله الرجل إذا تحير في الشيء فلم يحط به علما ، ووله إذا فزع إلى شيء مما يحذره ويخافه فالإله هو المستور عن حواس الخلق (٥).

__________________

١ ـ من تتمة كلام الباقر عليه‌السلام.

٢ ـ عماديته باعتبار اشتماله على هو الذي هو إشارة إلى الثابت الموجود الذي لا يستطيع أحد أن ينكره ولا أن يثبت له ثانيا.

٣ ـ آل عمران : ١٨.

٤ ـ أي تحير الخلق بتضمين معنى عجز وإلا فهو يتعدى بفي لا بعن.

٥ ـ تفريع على المعنى الأول ، وذكر العلامة المجلسي رحمه الله تعالى في البحار باب التوحيد ونفي الشريك في ذيل هذا الخبر اشتقاق لفظ الجلالة أو عدمه ومن أي شيء اشتق واختلاف الأقوال فيه وأنه عربي أم لا ، وللصدوق رحمه الله تعالى كلام في اشتقاقه

٨٩

قال الباقر عليه‌السلام : الأحد الفرد المتفرد ، والأحد والواحد بمعنى واحد ، وهو المتفرد الذي لا نظير له ، والتوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد ، والواحد المتبائن الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشيء ، ومن ثم قالوا : إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله : الله أحد : المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته ، متعال عن صفات خلقه.

٣ ـ قال الباقر عليه‌السلام : حدثني أبي زين العابدين ، عن أبيه الحسين بن علي عليهم‌السلام أنه قال : الصمد الذي لا جوف له (١) والصمد الذي قد انتهى سؤدده ، والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب ، والصمد الذي لا ينام ، والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال.

قال الباقر عليه‌السلام : كان محمد بن الحنفية رضي‌الله‌عنه يقول : الصمد القائم بنفسه ، الغني عن غيره ، وقال غيره : الصمد المتعالي عن الكون والفساد ، والصمد الذي لا يوصف بالتغاير.

قال الباقر عليه‌السلام : الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه.

قال : وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليهما‌السلام ، عن الصمد ، فقال : الصمد الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء.

٤ ـ قال وهب بن وهب القرشي : قال زيد بن علي زين العابدين عليه‌السلام : الصمد هو الذي إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا ، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند.

٥ ـ قال وهب بن وهب القرشي : وحدثني الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه الباقر عن أبيه عليهم‌السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما‌السلام ، يسألونه عن الصمد

__________________

ذيل الحديث التاسع من الباب التاسع والعشرين ، وفي هذا الباب في الحديث الثالث عشر صرح الإمام عليه‌السلام باشتقاقه.

١ ـ هذا المعنى يرجع فيه تعالى إلى أنه كامل ليس فيه جهة إمكان ونقصان.

٩٠

فكتب إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار ، وإن الله سبحانه قد فسر الصمد فقال : ( الله أحد. الله الصمد ) ثم فسره فقال : ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ). ( لم يلد ) لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا يتشعب منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع ، تعالى أن يخرج منه شيء ، وأن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف. ( ولم يولد ) لم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الأشجار ، ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الأذن والشم من الأنف والذوق من الفم (١) والكلام من اللسان والمعرفة والتميز من القلب (٢) وكالنار من الحجر ، لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء ، مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه (٣) فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، ولم يكن له كفوا أحد.

__________________

١ ـ هذه الثلاثة من قبيل خروج القوة وظهورها في محلها لا خروجها إلى خارج المحل كخروج قوة البصر إلى خارج العين على القول بالشعاع ، ويمكن أن تكون كذلك ولما يدركها الإنسان.

٢ ـ كخروج النور من النير.

٣ ـ علق عليه‌السلام تلاشى الفاني بالمشيئة وبقاء الباقي بالعلم لمناسبة المشيئة المحدثة لما يفنى والعلم القديم لما يبقى لأنها في مذهب أهل البيت عليهم‌السلام محدثة ، وإلا فلا شيء خارج عن تعلق العلم والمشيئة.

٩١

٦ ـ قال وهب بن وهب القرشي : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : قدم وفد من أهل فلسطين على الباقر عليه‌السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم ، ثم سألوه عن الصمد ، فقال : تفسيره فيه ، الصمد خمسة أحرف : فالألف دليل على إنيته وهو قوله عزوجل : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو ) (١) وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس ، واللام دليل على إلهيته بأنه هو الله ، والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان (٢) ولا يقعان في السمع ويظهران في الكتابة دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ولا تقع في لسان واصف ، ولا أذن سامع ، لأن تفسير الإله هو الذي إله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم ، لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس ، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة ، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه كما أن لام الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من الحواس الخمسة ، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف ، فمتى تفكر العبد في ماهية البارئ وكيفيته أله فيه وتحير ولم تحط فكرته بشيء يتصور له لأنه عزوجل خالق الصور ، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عزوجل خالقهم ومركب أرواحهم في أجسادهم. وأما الصاد فدليل على أنه عزوجل صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق ووعد بالصدق دار الصدق وأما الميم فدليل على ملكه وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه. وأما الدال فدليل على دوام ملكه وأنه عزوجل دائم تعالى عن الكون والزوال بل هو عزوجل يكون الكائنات ، الذي كان بتكوينه كل كائن ، ثم قال عليه‌السلام : لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عزوجل حملة لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان والدين والشرائع من الصمد ، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين عليه‌السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر : ( سلوني قبل أن تفقدوني

__________________

١ ـ آل عمران : ١٨.

٢ ـ في حال الوصل ، وهذا معنى الادغام اللغوي.

٩٢

فإن بين الجوانح مني علما جما ، هاه هاه إلا لا أجد من يحمله ، ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ).

ثم قال الباقر عليه‌السلام : الحمد لله الذي من علينا ووفقنا لعبادته ، الأحد الصمد (١) الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، وجنبنا عبادة الأوثان ، حمدا سرمدا وشكرا واصبا ، وقوله عزوجل : ( لم يلد ولم يولد ) يقول : لم يلد عزوجل فيكون له ولد يرثه (٢) ولم يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته وملكه ( ولم يكن له كفوا أحد ) فيعاونه في سلطانه (٣).

٧ ـ حدثنا أبي رحمه‌الله ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد ابن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الربيع بن مسلم ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام وسئل عن الصمد فقال : الصمد الذي لا جوف له.

٨ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن علي بن إسماعيل ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن اليهود سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : انسب لنا ربك ، فلبث ثلاثا لا يجيبهم ، ثم نزلت هذه السورة إلى آخرها ، فقلت له : ما الصمد؟ فقال : الذي ليس بمجوف.

٩ ـ أبي رحمه‌الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن أبي السري (٤) ، عن جابر بن يزيد ،

__________________

١ ـ في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( ط ) و ( ن ) ( ووفقنا لعبادة الأحد الصمد ) ـ الخ ).

٢ ـ في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) و ( و ) ( يرثه في ملكه ).

٣ ـ في نسخة ( ج ) ( فيعارضه في سلطانه ) وفي البحار ( فيعازه في سلطانه ).

٤ ـ في نسخة ( و ) و ( د ) و ( ب ) ( الحسين بن أبي السري ) وكلاهما تصحيف والصحيح الحسن بن السري كما في الكافي باب تأويل الصمد وفي البحار في الحديث السادس عشر من الباب السادس في الجزء الثالث من الطبعة الحديثة ، وفي جامع الرواة.

٩٣

قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن شيء من التوحيد ، فقال : أن الله ـ تباركت أسماؤه التي يدعى بها وتعالى في علو كنهه ـ واحد ، توحد بالتوحيد في علو توحيده ، ثم أجراه على خلقه (١) فهو واحد ، صمد ، قدوس ، يعبده كل شيء ويصمد إليه كل شيء ، ووسع كل شيء علما.

١٠ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ولقبه شباب الصيرفي ، عن داود بن القاسم الجعفري ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ما الصمد؟ قال : السيد المصمود إليه في القليل والكثير.

١١ ـ حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين المرواني ، قال : حدثنا أبو أحمد محمد ابن سليمان بفارس ، قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الرواسي (٢) قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن يزيد الرشك (٣) عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث سرية واستعمل عليها عليا عليه‌السلام ، فلما رجعوا سألهم فقالوا : كل خير غير أنه قرأ بنا في كل صلاة بقل هو الله أحد ، فقال : يا علي لم فعلت هذا؟ فقال : لحبي لقل هو الله أحد ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أحببتها حتى أحبك الله عزوجل.

١٢ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن أحمد بن ـ

__________________

١ ـ إجراء التوحيد على الخلق هو فطرهم بفطرة التوحيد كما ذكر في الكتاب وفسر به في الآثار ، وإليه يصمد كل شيء بالفطرة وإن غشيتها في البعض كدورات العلائق المادية فغفلوا عنها.

٢ ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( محمد بن عبد الله الرقاشي ).

٣ ـ هو يزيد بن أبي يزيد الضبعي أبو الأزهر البصري ، يعرف بالرشك ـ بكسر الراء المهملة وسكون الشين المعجمة ـ قال ابن حجر : ثقة عابد وقال الذهبي وثقه أبو حاتم وأبو زرعه ، روى عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وروى عنه جعفر بن سليمان الضبعي الإمامي.

٩٤

هلال ، عيسى بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة حين يأخذ مضجعه غفر الله له عزوجل ذنوب خمسين سنة.

١٣ ـ حدثنا أبي رحمه‌الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى على سعد بن معاذ ، فقال : لقد وافى من الملائكة للصلاة عليه سبعون ألف ملك وفيهم جبرئيل يصلون عليه ، فقلت : يا جبرئيل بم استحق صلاتكم عليه؟ قال : بقراءة قل هو الله أحد قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائيا.

١٤ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن سيف بن عميرة ، عن محمد بن عبيد ، قال : دخلت علي الرضا عليه‌السلام ، فقال لي : قل للعباسي : يكف عن الكلام في التوحيد وغيره ، ويكلم الناس بما يعرفون ، ويكف عما ينكرون ، وإذا سألوك عن التوحيد فقل كما قال الله عزوجل : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) وإذا سألوك عن الكيفية فقل كما قال الله عزوجل ( ليس كمثله شيء ) وإذا سألوك عن السمع فقل كما قال الله عزوجل : ( هو السميع العليم ) فكلم الناس بما يعرفون.

١٥ ـ حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي ـ عبد الله عليه‌السلام ، قال : من قرأ قل هو الله أحد مرة واحدة فكأنما قرأ ثلث القرآن وثلث التوراة وثلث الإنجيل وثلث الزبور.

٩٥

٥ ـ باب معنى التوحيد والعدل

١ ـ حدثنا أبو الحسن محمد بن سعيد بن عزيز السمرقندي ـ الفقيه بأرض بلخ (١) قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد الزاهد السمرقندي بإسناده رفعه إلى الصادق عليه‌السلام ، أنه سأله رجل فقال له : إن أساس الدين التوحيد والعدل ، وعلمه كثير ، ولا بد لعاقل منه ، فاذكر ما يسهل الوقوف عليه ويتهيأ حفظه ، فقال عليه‌السلام : أما التوحيد فأن لا تجوز على ربك ما جاز عليك ، وأما العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لا ملك عليه.

٢ ـ حدثنا محمد بن أحمد الشيباني المكتب رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا سهل بن زياد الآدمي ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن الإمام علي بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه الرضا علي بن موسى عليهم‌السلام ، قال : خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق عليه‌السلام ، فاستقبله موسى ابن جعفر عليهما‌السلام فقال له : يا غلام ممن المعصية؟ قال : لا تخلو من ثلاث : إما أن تكون من الله عزوجل ، وليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه وإما أن تكون من الله عزوجل ومن العبد ، وليس كذلك فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف ، وإما أن تكون من العبد وهي منه ، فإن عاقبه الله فبذنبه وإن عفا عنه فبكرمه وجوده.

٣ ـ حدثنا أبو الحسين علي بن أحمد بن حرابخت الجير فتي النسابة (٢) قال : حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، قال :

__________________

١ ـ في نسخة ( ب ) وحاشية نسخة ( د ) ( محمد بن سعيد بن عزيز ) بالراء المهملة في آخره.

٢ ـ في نسخة ( د ) ( خدابخت ) وأظن أنه الصحيح ، والكلمة عجمية مركبة من خدا بمعنى مالك وبخت بمعنى الحظ ، وحرابخت معنى خوشبخت ، وجيرفت قرية قرب كرمان ، وفي بعض الأسماء المذكورة في السند اختلاف في النسخ لم نذكره لقلة الجدوى.

٩٦

حدثنا خالد العرني ، قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا أبو سفيان مولى مزينة عمن حدث عن سلمان الفارسي رحمه‌الله ، أنه أتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله إني لا أقوى على الصلاة بالليل ، فقال : لا تعص الله بالنهار ، وجاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين إني قد حرمت الصلاة بالليل ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنت رجل قد قيدتك ذنوبك.

٦ ـ باب إنه عزوجل ليس بجسم ولا صورة

١ ـ حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه‌الله ، قال : أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن محمد بن حكيم ، قال : وصفت لأبي الحسن عليه‌السلام قول هشام الجواليقي وما يقول في الشاب الموفق (١) ووصفت له قول هشام بن الحكم ، فقال : إن الله عزوجل لا يشبهه شيء.

٢ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا علي بن محمد ، رفعه ، عن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم ، وهشام بن سالم في الصورة ، فكتب عليه‌السلام : دع عنك حيرة الحيران ، واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان (٢).

٣ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن سهل بن زياد ، عن حمزة بن محمد ، قال : كتبت إلى أبي ـ الحسن عليه‌السلام : أسأله عن الجسم والصورة ، فكتب عليه‌السلام : سبحان من ليس كمثله

__________________

١ ـ الموفق على بناء الفاعل من باب الأفعال : الذي حسنت خلقته وجملت صورته لتوافق أعضائه وتناسب هندسة أشكاله.

٢ ـ لا ريب في جلالة قدر الهشامين عند الأصحاب ، وفي كتب الرجال والأخبار توجيهات لما يزريهما. راجع هامش شرح أصول الكافي للمولى صالح المازندراني ج ٣ ص ٢٨٨.

٩٧

شئ لا جسم ولا صورة.

٤ ـ أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم : أن الله عزوجل جسم ، صمدي ، نوري ، معرفته ضرورة ، يمن بها على من يشاء من خلقه (١) فقال عليه‌السلام : سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، لا يحد ، ولا يحس ، ولا يجس ولا يمس ، ولا تدركه الحواس ، لا يحيط به شيء ، لا جسم ، ولا صورة ، ولا تخطيط ، ولا تحديد.

٥ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيغ ، عن محمد ابن زيد ، قال : جئت إلى الرضا عليه‌السلام أسأله عن التوحيد ، فأملي علي : الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته ، لا من شيء فيبطل الاختراع ، ولا لعلة فلا يصح الابتداع (٢) خلق ما شاء كيف شاء ، متوحدا بذلك لا ظهار حكمته وحقيقة ربوبيته ، لا تضبطه العقول ، ولا تبلغه الأوهام ، ولا تدركه الأبصار ، ولا يحيط به مقدار ، عجزت دونه العبارة ، وكلت دونه الأبصار ، وضل فيه تصاريف ـ الصفات ، احتجب بغير حجاب محجوب. واستتر بغير ستر مستور ، عرف بغير رؤية ووصف بغير صورة ، ونعت بغير جسم ، لا إله إلا الله الكبير المتعال.

__________________

١ ـ أي ليست معرفته من صنع العباد بل ضرورية بالفطرة كما يأتي الأخبار بذلك في الباب الثالث والستين.

٢ ـ العلة المنفية ليست الفاعلية لأنه تعالى فاعل الأشياء ، ولا المادة إذ نفاها قبل هذا ، ولا الصورة إذ هي في الحقيقة نفس الشيء المعلول. ولا الغاية إذ لا يناسب التفريع. بل المراد بها مثال سابق خلق الأشياء على ذلك المثال كما وقع كثيرا في كلامه وكلام آبائه عليهم‌السلام في هذا الكتاب وغيره ، ويستفاد ذلك من التفريع لأن الابتداع هو إنشاء الشيء من دون أن يكون له مثال سبقه.

٩٨

٦ ـ حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رضي‌الله‌عنه ، عن أبيه ، عن جده أحمد بن أبي عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن محمد بن حكيم ، قال : وصفت لأبي إبراهيم عليه‌السلام قول هشام الجواليقي ، وحكيت له قول هشام بن الحكم : إنه جسم ، فقال : إن الله لا يشبهه شيء ، أي فحش أو خناء أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد أو أعضاء؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً.

٧ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، والحسين بن علي ، عن صالح بن أبي حماد (١) عن بكر بن صالح ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن محمد بن زياد ، قال : سمعت يونس بن ظبيان يقول : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له : إن هشام بن الحكم يقول قولا عظيما إلا أني أختصر لك منه أحرفا ، يزعم : أن الله جسم لأن الأشياء شيئان : جسم وفعل الجسم ، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ، ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ويله ، أما علم أن الجسم محدود متناه ، والصورة محدودة متناهية ، فإذا احتمل الحد احتمل الزيادة والنقصان ، وإذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقا ، قال : قلت : فما أقول؟ قال : لا جسم ولا صورة ، وهو مجسم الأجسام ، ومصور الصور ، لم يتجزء ، ولم يتناه. ولم يتزايد ، ولم يتناقص ، لو كان كما يقول لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق ، ولا بين المنشئ والمنشأ ، لكن هو المنشئ ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئا (٢).

__________________

١ ـ هذا الحديث بعين السند والمتن مذكور في الكافي باب النهي عن الجسم والصورة وليس هناك في السند : ( والحسين بن علي ، عن صالح بن أبي حماد ).

٢ ـ فرق على صيغة المصدر ، ومعادل كلمة بين محذوف أي وبينه ، ومر نظير هذا في الحديث السابع عشر من الباب الثاني بذكر المعادل ، وكون فرق بصيغة الفعل الماضي حتى

٩٩

٨ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني (١) ، قال : قلت لأبي الحسن موسى ابن جعفر عليهما‌السلام : إن هشام بن الحكم زعم : أن الله جسم ليس كمثله شيء ، عالم سميع ، بصير ، قادر متكلم ، ناطق ، والكلام والقدرة والعلم تجري مجرى واحدا ليس شيء منها مخلوقا ، فقال : قاتله الله ، أما علم أن الجسم محدود ، والكلام غير المتكلم (٢) معاذ الله وأبرء إلى الله من هذا القول ، لا جسم ولا صورة ولا تحديد ، وكل شيء سواه مخلوق وإنما تكون الأشياء بإرادته ومشيته من غير كلام ولا تردد في نفس ، ولا نطق بلسان.

٩ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، قال كتبت إلى الرجل يعني أبا الحسن عليه‌السلام : أن من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم من يقول جسم ، ومنهم من يقول صورة ، فكتب عليه‌السلام بخطه : سبحان من لا يحد ، ولا يوصف ، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ـ أو قال : البصير ـ.

١٠ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عيسى ، عن هشام بن إبراهيم ،

__________________

لا يحتاج إلى المعادل بعيد المناسبة لما قبله ، وقوله : ( إذ كان ـ الخ ) بيان وتعميم للفرق أي من جميع الجهات.

١ ـ المظنون أن الحسن بن الحسين بن عبد الله مكان هذا الرجل كما في نسخة ( ط ) و ( ن ) اشتباه من النساخ لشهادة سائر النسخ والحديث السابع باب النهي عن الجسم والصورة من الكافي والحديث التاسع عشر باب نفي الجسم والصورة من البحار.

٢ ـ تعرض عليه‌السلام لإبطال شيئين في كلام هشام ليسا بالحق : كونه تعالى جسما وكلامه تعالى كالعلم والقدرة من صفات الذات ، وسكت عن الباقي لكونه حقا.

١٠٠