التّوحيد

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

التّوحيد

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: السيد هاشم الحسيني الطهراني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٠

عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : إن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره ، نورا لا ظلام فيه (١) وصادقا لا كذب فيه (٢) وعالما لا جهل فيه ، وحيا لا موت فيه ، وكذلك هو اليوم ، وكذلك لا يزال أبداً.

٦ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أورمة ، قال : حدثنا يحيى بن يحيى (٣) عن عبد الله بن الصامت ، عن عبد الأعلى ، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال : إن الله ـ لا إله إلا هو ـ كان حيا بلا كيف ولا أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكانا (٤) ولا قوي بعد ما كون الأشياء ، ولا يشبهه شيء يكون ، ولا كان خلوا من القدرة على الملك قبل إنشائه ، ولا يكون خلوا من القدرة بعد ذهابه ، كان عزوجل إلها حيا بلا حياة حادثة ، ملكا قبل أن ينشئ شيئا ومالكا بعد إنشائه ، وليس لله حد ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم

__________________

١ ـ قوله : ( نورا ) خبر كان ، وقوله : ( ولا شيء غيره ) جملة معترضة بينهما ، كذا قيل وليس بصحيح لأن الواو لغو حينئذ ، بل الصحيح أن كان تامة ، والجملة معطوفة عليها و ( نورا ) مع ما بعده من المنصوبات أحوال لفاعل كان ، وعلى هذا فمعنى قوله : ( وكذلك هو اليوم ) أنه اليوم كان ولا شيء غيره ، أي بحقيقة الشيئية التي هي كونه نورا لا ظلام فيه ـ الخ.

٢ ـ الصادق بحسب الذات لا الصادق الذي هو صفة الكلام فإنه من صفات الأفعال ليس بعين الذات.

٣ ـ أظن أن هذا الرجل هو المذكور في الحديث الثاني والعشرين من الباب الأول وأظن أيضا أنه يحيى بن أبي يحيى المذكور في سند الحديث السادس عشر من الباب العاشر وإن كانت النسخ متفقة على زيادة لفظ ( أبي ) هناك.

٤ ـ أي ولا ابتدع لمكانته وعظمته مكانا إذ لا يحيط به الأماكن ، وفي نسخة ( د ) و ( و ) ( ولا ابتدع لكان مكانا ) أي لا ابتدع لأنه كان قادرا عالما حيا ـ الخ ـ مكانا إذ الصفات عين الذات ، ونظير هذا الحديث الثاني من الباب الثامن والعشرين.

١٤١

للبقاء ، ولا يصعق لدعوة شيء (١) ولخوفه تصعق الأشياء كلها ، وكان الله حيا بلا حياة حادثة (٢) ولا كون موصوف ، ولا كيف محدود (٣) ولا أين موقوف (٤) ولا مكان ساكن (٥) بل حي لنفسه ، ومالك لم يزل له القدرة ، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيته وقدرته ، كان أولا بلا كيف ، ويكون آخرا بلا أين وكل شيء هالك إلا وجهه ، له الخلق والأمر تبارك رب العالمين.

٧ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أرومة ، عن علي بن الحسن بن محمد ، عن خالد بن يزيد ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اسم الله غير الله ، وكل شيء وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله ، فأما ما عبرت الألسن عنه أو عملت الأيدي فيه فهو مخلوق (٦) والله غاية من غاياه ، والمغيى غير الغاية ، والغاية موصوفة ،

__________________

١ ـ الصعق بمعنى الصوت الشديد المفزع ويأتي بمعنى الفزع والغشية من أمر مخوف صوت أو غيره ، أي ليس دعوته بصعق وصوت بل بما يناسب المدعو ، وفي البحار باب جوامع التوحيد : ( ولا يصعق لذعرة شيء ) والذعرة بمعنى الخوف ، أي لا يفزع لخوف شيء وهذا أنسب بالجملة التالية.

٢ ـ في نسخة ( ب ) ( وكان عزوجل إلها حيا ـ الخ ).

٣ ـ الوصف إيضاحي أتى به للتنبيه على أنه يوجب محدودية المكيف ، ويمكن أن يكون للاحتراز أي ليس له الكيفيات الامكانية بل له كيفية هي نفس ذاته الواجبة كما ورد في بعض الأخبار : ( لا تدرك كيفيته ).

٤ ـ الأين هو النسبة إلى المكان ، أي ليس له أين موقف على مكان خاص ، بل نسبته إلى جميع الأماكن على السواء.

٥ ـ قال العلامة المجلسي رحمه‌الله : وتقييد المكان بالساكن مبني على المتعارف الغالب من كون المكان المستقر عليه ساكنا.

٦ ـ ما عبرت الألسن هو اللفظ والعبارة ، وما عملت الأيدي هو الكتابة ، وقد مضى بعض البيان لهذا الحديث ذيل الحديث السادس عشر من الباب الثاني.

١٤٢

وكل موصوف مصنوع ، وصانع الأشياء غير موصوف بحد مسمى ، لم يتكون فتعرف كينونته بصنع غيره ، ولم يتناه إلى غاية إلا كانت غيره ، ولا يذل من فهم هذا الحكم أبدا (١) وهو التوحيد الخالص ، فاعتقدوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله عزوجل ومن زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك (٢) لأن الحجاب والمثال والصورة غيره (٣) وإنما هو واحد موحد ، فكيف يوحد من زعم أنه عرفه بغيره ، إنما عرف الله من عرفه بالله (٤) فمن لم يعرفه به فليس يعرفه ، إنما يعرف غيره ، والله خالق الأشياء لا من شيء ، يسمى بأسمائه فهو غير أسمائه والأسماء غيره ، والموصوف غير الواصف (٥) فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف فهو ضال عن المعرفة ، لا يدرك مخلوق شيئا إلا بالله ، ولا تدرك معرفة الله إلا بالله ، والله خلوا من خلقه ، وخلقه خلو منه ، إذا أراد الله شيئا كان كما أراد بأمره من غير نطق ، لا ملجأ لعباده مما قضى ، ولا حجة لهم فيما ارتضى ، لم يقدروا على عمل ولا معالجة مما أحدث في أبدانهم المخلوقة إلا بربهم ، فمن زعم أنه يقوى على عمل لم يرده الله عزوجل فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله (٦) تبارك الله رب العالمين.

قال مصنف هذا الكتاب : معنى ذلك أن من زعم أنه يقوى على عمل لم يرده الله أن يقويه عليه فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله ، تبارك الله رب العالمين.

٨ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثني عمي محمد بن

__________________

١ ـ لأن العز كل العز في حقيقة التوحيد.

٢ ـ أي زعم أنه يعرف الله بما بينه وبين الله من الأشياء أو بما يتصوره في الذهن ، أو بما حسبه مثلا وشبيها له.

٣ ـ والمغاير لا يكون معرفا للمغاير.

٤ ـ يأتي لهذا الكلام بيانات في الباب الواحد والأربعين.

٥ ـ هذا عبارة أخرى عن قوله في الحديث السادس عشر من الباب الثاني : فالذاكر الله غير الله.

٦ ـ لأن لإرادته تعالى في فعل العبد دخلا كما يأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى.

١٤٣

أبي القاسم ، قال : حدثني محمد بن علي الصيرفي الكوفي ، قال : حدثني محمد بن سنان ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام : أخبرني عن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بصيرا عليما قادرا؟ قال : نعم ، فقلت له : إن رجلا ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول : إن الله تبارك وتعالى لم يزل سميعا بسمع وبصيرا ببصر وعليما بعلم وقادرا بقدرة ، فغضب عليه‌السلام ، ثم قال : من قال ذلك ودان به فهو مشرك وليس من ولايتنا على شيء ، إن الله تبارك وتعالى ذات علامة سميعة بصيرة قادرة.

٩ ـ حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه‌الله ، قال : أخبرنا علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : من صفة القديم أنه واحد ، أحد ، صمد ، أحدي المعنى ، وليس بمعان كثيرة مختلفة ، قال : قلت : جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع ، قال : فقال : كذبوا وألحدوا وشبهوا ، تعالى الله عن ذلك ، إنه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع ، قال : قلت : يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه ، قال : فقال : تعالى الله إنما يعقل ما كان بصفة المخلوقين ، وليس الله كذلك (١).

١٠ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن العباس بن عمرو ، عن هشام بن الحكم ، قال في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله عليه‌السلام أنه قال له : أتقول : إنه سميع بصير؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هو سميع بصير ، سميع بغير جارحة ، وبصير بغير آلة ، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه ، وليس قولي : إنه يسمع بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر ، ولكني أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا ، وإفهاما لك إذ كنت سائلا ، فأقول : يسمع بكله ، لا أن كله له بعض ، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن

__________________

١ ـ أي بصير بالآلة التي يعقلونها في أنفسهم ، فرد عليه‌السلام ذلك بقياس من الشكل الثاني إن المعقول لنا ما كان بصفة المخلوقين ولا شيء من الله بصفة المخلوق فلا شيء من الله بمعقول لنا.

١٤٤

نفسي ، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى.

١١ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه‌الله ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن فضيل ابن سكرة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك إن رأيت أن تعلمني هل كان الله جل ذكره يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده؟ (١) فقد اختلف مواليك ، فقال بعضهم : قد كان يعلم تبارك وتعالى أنه وحده قبل أن يخلق شيئا من خلقه ، وقال بعضهم ، إنما معنى يعلم يفعل ، فهو اليوم يعلم أنه لا غيره قبل فعل الأشياء ، وقالوا : إن أثبتنا أنه لم يزل عالما بأنه لا غيره فقد أثبتنا معه غيره في أزليته ، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني ما لا أعدوه إلى غيره ، فكتب عليه‌السلام (٢) : ما زال الله تعالى عالما تبارك وتعالى ذكره.

١٢ ـ أبي رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي ـ جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : كان الله ولا شيء غيره ، ولم يزل عالما بما كون. فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد ما كونه.

١٣ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا سعد ابن عبد الله ، عن أيوب بن نوح أنه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن الله عزوجل أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونها ، أو لم يعلم ذلك حتى خلقها وأراد خلقها وتكوينها ، فعلم ما خلق عندما خلق وما كون عندما كون؟ فوقع عليه‌السلام بخطه : لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء

__________________

١ ـ توضيح كلام السائل أنه تعالى هل كان عالما في الأزل بغيره فيعلم أن غيره معدوم فيعلم أنه وحده لا شيء غيره لأن العلم بأنه وحده لا شيء غيره يستلزم العلم بأن غيره معدوم ، والعلم بأن غيره معدوم يستلزم العلم بالغير ، أم علم الغير حين خلقه فعلم بعدمه قبل خلقه فعلم أنه وحده لا شيء كان معه في الأزل الذي لم يكن فيه خلق.

٢ ـ كذا.

١٤٥

بعد ما خلق الأشياء.

١٤ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، وسعد بن عبد الله جميعا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، والحسين ابن سعيد ، ومحمد بن خالد البرقي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال لي : أتنعت الله؟ فقلت : نعم ، قال : هات ، فقلت : هو السميع البصير ، قال : هذه صفة يشترك فيها المخلوقون (١) قلت : فكيف تنعته؟ فقال : هو نور لا ظلمة فيه ، وحياة لا موت فيه ، وعلم لا جهل فيه ، وحق لا باطل فيه. فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد.

١٥ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا الحسين بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : لم يزل الله مريدا؟ فقال : إن المريد لا يكون إلا لمراد معه : بل لم يزل عالما قادرا ثم أراد (٢).

١٦ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم ، عن بكير بن أعين ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : علم الله ومشيته هما مختلفان أم متفقان؟

فقال : العلم ليس هو المشية ، ألا ترى أنك تقول : سأفعل كذا إن شاء الله ، ولا تقول سأفعل كذا إن علم الله ، فقولك إن شاء الله دليل على أنه لم يشأ ، فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء ، وعلم الله سابق للمشية.

__________________

١ ـ أي من حيث المفهوم. وأما من حيث الحقيقة فذاته ذات الصفة بعينها بخلاف الممكنات.

٢ ـ إن مذهب أهل البيت عليهم‌السلام على ما يظهر من أخبار كثيرة في هذا الكتاب وغيره أن الإرادة من صفات الأفعال وأنها غير العلم وأنه سابق لها وأنها نفس الفعل والايجاد وقد أوردنا البحث فيها مستوفي في التعليقة على التجريد.

١٤٦

١٧ ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي‌الله‌عنه ، عن أبيه ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أخبرني عن الإرادة من الله ومن المخلوق ، قال : فقال : الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل ، وأما من الله عزوجل فإرادته إحداثه لا غير ذلك (١) لأنه لا يروي ، ولا يهم ، ولا يتفكر ، وهذه الصفات منفية عنه ، وهي من صفات الخلق ، فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك يقول له : كن فيكون ، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ، ولا كيف لذلك كما أنه بلا كيف (٢).

١٨ ـ أبي رحمه‌الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : المشية محدثة.

١٩ ـ أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي ـ

__________________

١ ـ إن الفعل لا يصدر منا إلا أن يتقدمه أمور : تصوره جزئيا ، واعتقاد النفع في ذلك الفعل ، وشوق يعقب ذلك الاعتقاد ، والاقبال نحو الفعل ليرتكبه سمى بالشوق الأكيد والاجماع. والقول الأصح أن الإرادة هي هذا الأخير ، والمراد بالضمير المذكور في الرواية هو ما يحدث في خلد الإنسان بين تصوره للفعل ووقوع الفعل في الخارج ، وأما الله تعالى فليس بين علمه وفعله هذه الأمور فإرادته هي علمه أو فعله ، فقوم على الأول ، وأخرى على الثاني ، والآية : ( إنما أمره أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ظاهرة في الثاني وطالب التفصيل يراجع مظانه ، والظاهر أن الواو بعد قوله : ( الضمير ) عاطفة عطفت كلمة ( ما ) عليه ، وعلى هذا فمجموع الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل هو إرادة المخلوق فكل منهما جزء الإرادة ، ويمكن أن يقال : إن الضمير شرط الإرادة فإرادة المخلوق فعله مشروطا بما يحدث في نفسه وإرادة الخالق فعله من غير شرط ، ويحتمل أن يكون الواو للاستيناف ، و ( ما ) موصولة مبتدءا ، و ( يبدو له ) صلته و ( بعد ذلك ) متعلقا به ، و ( من الفعل ) خبر المبتدأ ، وعلى هذا فالضمير فقط هو الإرادة وما يبدو له بعد ذلك من الحركة في العضلات هو من الفعل.

٢ ـ أي لا كيف لإيجاده كما لا كيف لنفسه لأن كيفية الفعل من قبل كيفية الفاعل.

١٤٧

عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خلق الله المشية بنفسها ، ثم خلق الأشياء بالمشية (١).

قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب رضي‌الله‌عنه : إذا وصفنا الله تبارك وتعالى بصفات الذات فإنما ننفي عنه بكل صفة منها ضدها ، فمتى قلنا : إنه حي نفينا عنه ضد الحياة وهو الموت ، ومتى قلنا : إنه عليم نفينا عنه ضد العلم وهو الجهل ، ومتى قلنا : إنه سميع نفينا عنه ضد السمع وهو الصمم ، ومتى قلنا : بصير نفينا عنه ضد البصر وهو العمى ، ومتى قلنا : عزيز نفينا عنه ضد العزة وهو الذلة ، ومتى قلنا : حكيم نفينا عنه ضد الحكمة وهو الخطأ ، ومتى قلنا : غني نفينا عنه ضد الغنى وهو الفقر ، ومتى قلنا : عدل نفينا عنه الجور والظلم ومتى قلنا : حليم نفينا عنه العجلة ، ومتى قلنا : قادر نفينا عنه العجز ، ولو لم نفعل ذلك أثبتنا معه أشياء لم تزل معه ، ومتى قلنا : لم يزل حيا عليما سميعا بصيرا عزيزا حكيما غينا ملكا حليما عدلا كريما ، فلما جعلنا معنى كل صفة من هذه الصفات التي هي صفات ذاته نفي ضدها أثبتنا أن الله لم يزل واحدا لا شيء معه (٢) وليست الإرادة والمشية والرضا والغضب وما يشبه ذلك من صفات الأفعال بمثابة صفات الذات ، لأنه لا يجوز أن يقال : لم يزل الله مريدا شائيا كما يجوز أن يقال : لم يزل الله قادرا عالماً.

__________________

١ ـ روى هذا الحديث في الباب الرابع والخمسين بسند آخر بعبارة أخرى ، وأظهر التفاسير أن المشيئة هو أول ما تجلى منه تعالى الذي كان واسطه بينه وبين الأشياء ، وقد سمى ذلك في لسان الأخبار بأسماء منها النور المحمدي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنها العقل ومنها الظل ومنها الماء ومنها غير ذلك ، وإطلاق كل منها عليها باعتبار ، وعلى هذا فالمشيئة من الله تعالى غير إرادته كما صرح به في أخبار وبأنها قبل الإرادة ، وإن استعملنا كثيرا في الكتاب والسنة بالترادف كالعرف العام والخاص.

٢ ـ قوله : ( فلما جعلنا ) عطف على قوله : ( ومتى قلنا ) ، وقوله : ( نفي ضدها ) على صيغة المصدر مفعول ثان لجعلنا ، وقوله : ( أثبتنا أن الله ـ الخ ) جواب ( لمتى قلنا ).

١٤٨

١٢ ـ باب تفسير قول الله عزوجل

( كل شيء هالك إلا وجهه )

١ ـ أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله : قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن جليس لأبي حمزة ، عن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله عزوجل ( كل شيء هالك إلا وجهه )؟ (١) قال : فيهلك كل شيء ويبقي الوجه ، إن الله عزوجل أعظم من أن يوصف بالوجه ، ولكن معناه كل شيء هالك إلا دينه والوجه الذي يؤتى منه (٢).

٢ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي بصير ، عن الحارث بن المغيرة النصري (٣) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) قال : كل شيء هالك إلا من أخذ طريق الحق.

٣ ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه‌الله ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن سهل ابن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) قال : من أتى الله بما أمر به من طاعة محمد والأئمة من بعده صلوات الله عليهم فهو الوجه الذي لا يهلك ، ثم قرأ : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (٤).

__________________

١ ـ القصص : ٨٨.

٢ ـ في نسخة ( ب ) ( والوجه الذي يؤتى الله منه ).

٣ ـ من بني نصر بن معاوية. ثقة ثقة.

٤ ـ النساء : ٨٠.

١٤٩

٤ ـ وبهذا الإسناد قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : نحن وجه الله الذي لا يهلك (١).

٥ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي‌الله‌عنه قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن ربيع الوراق ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : كل شيء هالك إلا وجهه قال : نحن.

٦ ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه‌الله ، عن أبيه ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي سلام ، عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : نحن المثاني التي أعطاها الله نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ونحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم ، عرفنا من عرفنا ، ومن جهلنا فأمامه اليقين (٣).

__________________

١ ـ الوجه من كل شيء هو أول ما يظهر منه ويتوجه إليه منه ، وجميع الأخبار الواردة في هذا الباب في هذا الكتاب وغيره عن أئمتنا صلوات الله عليهم فسر الوجه فيه بهم وبما يتعلق بهم من الأمور الإلهية.

٢ ـ إشارة إلى قوله تعالى : ( ولد آتينا سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) و ( من ) في الآية بيانية ، والمثاني جمع المثنى ، وقد فسر في أخبار بهم كما هنا ، ومن المحتمل في ذلك أنهم عليهم‌السلام سبع بحسب أسمائهم وإن كرر بعضها : علي ، فاطمة ، حسن ، حسين ، محمد ، جعفر ، موسى ، عليهم‌السلام ، وما ذكره المصنف حق لكنه بعيد من ظاهر اللفظ ، وقد قيل في تفسيرها وجوه أخر.

٣ ـ أي يتيقن بعد الموت الذي أمامه أنا وجه الله الذي لا بد لعباده أن يتوجهوا إليه به ، وفي السفينة عن سابع البحار : ( عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا ، من عرفنا فأمامه اليقين ومن جهلنا فأمامه السعير ) أي يتيقن عين اليقين بما وعده الله على ولايتنا ومعرفتنا ، وفي باب النوادر من توحيد الكافي : ( عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا وإمامة المتقين ) وهي بالنصب عطف على ضمير المتكلم في جهلنا الثاني أي جهلنا وجهل بجهله إيانا إمامة المتقين فلم يكن منهم.

١٥٠

قال مصنف هذا الكتاب رضي‌الله‌عنه : معنى قوله : نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا ، فأخبر أمته بأن لا نفترق حتى نرد عليه حوضه (١).

٧ ـ أبي رحمه‌الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن سيف ، عن أخيه الحسين بن سيف (٢) ، عن أبيه سيف بن عميرة النخعي عن خيثمة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل ( كل شيء هالك إلا وجهه ) قال : دينه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام دين الله ، ووجهه وعينه في عباده ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده على خلقه ، ونحن وجه الله الذي يؤتى منه ، لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية ، قلت : وما الروية؟ قال : الحاجة فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحب (٣).

٨ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، قال : حدثنا بكر ، عن الحسن بن سعيد ، عن الهيثم بن عبد الله ، عن مروان بن صباح ، قال : أبو عبد الله عليه‌السلام : إن الله عزوجل خلقنا فأحسن خلقنا ، وصورنا فأحسن صورنا (٤) وجعلنا عينه في عباده ، ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ، ووجهه الذي يؤتي منه ، وبابه الذي يدل عليه ، وخزائنه في سمائه وأرضه (٥) بنا

__________________

١ ـ ( حوضه ) منصوب على الظرفية ، وفي نسخة ( ب ) و ( ط ) ( حتى نرد على حوضه ).

٢ ـ هكذا في النسخ ، والظاهر على العكس برواية الحسين عن أخيه على كما في الحديث الثامن والتاسع والعاشر والثاني عشر والثالث عشر من الباب الأول وغيرها.

٣ ـ المراد بها ما يتعلق به إرادته تعالى كحاجة الإنسان التي يتعلق بها إرادته من دون احتياج له تعالى.

٤ ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) و ( و ) ( فأحسن صورتنا ).

٥ ـ في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( و ) ( وخزانه في سمائه وأرضه ).

١٥١

أثمرت الأشجار ، وأينعت الثمار وجرت الأنهار ، وبنا نزل غيث السماء ونبت عشب الأرض ، بعبادتنا عبد الله ، ولولا نحن ما عبد الله.

٩ ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد العزيز ، عن ابن أبي يعفور ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن الله واحد ، أحد ، متوحد بالوحدانية ، متفرد بأمره ، خلق خلقا ففوض إليهم أمر دينه ، فنحن هم يا ابن أبي يعفور نحن حجة الله (١) في عباده ، وشهداؤه على خلقه ، وأمناؤه على وحيه ، وخزانه على علمه ، ووجهه الذي يؤتي منه وعينه في بريته ، ولسانه الناطق ، وقلبه الواعي ، وبابه الذي يدل عليه ، ونحن العاملون بأمره ، والداعون إلى سبيله ، بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ، نحن الأدلاء على الله ، ولولانا ما عبد الله ، (٢).

١٠ ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي بن الحسين السكري ، قال : حدثنا الحكم بن أسلم ، قال : حدثنا ابن علية (٣) عن الجريري ، عن أبي الورد بن ثمامة ، عن علي عليه‌السلام ، قال : سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا يقول لرجل : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مه ، لا تقل هذا ، فإن الله خلق آدم على صورته. قال مصنف هذا الكتاب رحمه‌الله تركت المشبهة من هذا الحديث أوله وقالوا : إن الله خلق آدم على صورته ، فضلوا في معناه وأضلوا.

١١ ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه‌الله ، قال : حدثنا علي ـ

__________________

١ ـ كذا.

٢ ـ جعلهم الله تعالى منه منزلة الأعضاء من الإنسان لأن أمره تعالى جار في خلقه بهم ومن طريقهم كما يدل عليه الآيات والأخبار ، فلا يلزم من ذلك أن يكون لله تعالى أعضاء ولا أن يكونوا هم الله الواحد الأحد المتوحد بالوحدانية المتفرد بالأمر ، تعالى عما يقول الجاهلون ، وفي نسخة ( و ) نحن القائمون بأمره ، وفي نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) ( نحن القائلون بأمره ).

٣ ـ هو إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية. والجريري هو أبو مسعود سعيد بن أياس.

١٥٢

ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن الله خلق آدم على صورته ، فقال : قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مر برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك ، فإن الله عزوجل خلق آدم على صورته (١).

١٣ ـ باب تفسير قول الله عزوجل :

« يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي »

١ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، قال : حدثنا بكر ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن عبد الله بن بحر ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام فقلت : قوله عزوجل : ( يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) (٢)؟ فقال : اليد في كلام العرب القوة والنعمة ، قال : ( واذكر عبدنا داود ذا الأيد ) (٣) وقال : ( والسماء بنيناها بائيد ) (٤) أي بقوة وقال : ( وأيدهم بروح منه ) (٥) أي قواهم ويقال : لفلان عندي أيادي كثيرة أي فواضل وإحسان ، وله عندي يد بيضاء أي نعمة (٦).

٢ ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن ـ

__________________

١ ـ قد مر ذكر وجوه لهذه الرواية في ذيل الحديث الثامن عشر من الباب السادس.

٢ ـ ص : ٧٥.

٣ ـ ص : ١٧.

٤ ـ الذاريات : ٤٧.

٥ ـ المجادلة : ٢٢.

٦ ـ المشهور أن لفظ اليد ناقص يائي حذفت ياؤه ، ومن هذا الحديث يظهر أنه مهموز الفاء حذفت فاؤه.

١٥٣

سيف ، عن محمد بن عبيدة ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن قول الله عزوجل لإبليس : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت )؟ قال : يعني بقدرتي وقوتي.

قال مصنف هذا الكتاب : سمعت بعض مشايخ الشيعة بنيسابور يذكر في هذه الآية أن الأئمة عليهم‌السلام كانوا يقفون على قوله : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت ) ثم يبتدؤون بقوله عزوجل : ( بيدي أستكبرت أم كنت من العالين ) وقال : هذا مثل قول القائل : بسيفي تقاتلني وبرمحي تطاعنني ، كأنه يقول عزوجل : بنعمتي قويت على الاستكبار والعصيان.

١٤ ـ باب تفسير قول الله عزوجل :

« يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود » (١)

١ ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، عن بكر ، عن الحسين بن سعد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في قوله عزوجل : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : حجاب من نور يكشف ، فيقع المؤمنون سجدا ، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود (٢).

٢ ـ أبي رحمه‌الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : تبارك الجبار ، ثم أشار إلى ساقه فكشف عنها الإزار ، قال : ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ، قال : أفحم القوم (٣)

__________________

١ ـ القلم : ٤٢.

٢ ـ تدمج على صيغة المجهول ، والدمج دخول شيء في شيء مستحكما ، كأنه يدخل في أصلابهم شيء يمنعهم عن الانحناء فلا يستطيعون السجود.

٣ ـ الافحام الاسكات بالحجة ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) و ( د ) بالقاف وهو الادخال في مكان بالعنف.

١٥٤

ودخلتهم الهيبة ، وشخصت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون.

قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب : قوله عليه‌السلام : تبارك الجبار وأشار إلى ساقه فكشف عنها الإزار ، يعني به : تبارك الجبار أن يوصف بالساق الذي هذا صفته.

٣ ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الحسين بن موسى ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : كشف إزاره عن ساقه ، ويده الأخرى على رأسه فقال : سبحان ربي الأعلى.

قال مؤلف هذا الكتاب : معنى قوله : ( سبحان ربي الأعلى ) تنزيه لله عز وجل أن يكون له ساق.

١٥ ـ باب تفسير قول الله عزوجل :

« الله نور السماوات والأرض ـ إلى آخر الآية » (١)

١ ـ حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن العباس بن هلال ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : ( الله نور السماوات والأرض ) فقال : هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض. وفي رواية البرقي : هدى من في السماوات وهدى من في الأرض.

قال مصنف هذا الكتاب : إن المشبهة تفسر هذه الآية على أنه ضياء السماوات والأرض ، ولو كان كذلك لما جاز أن توجد الأرض مظلمة في وقت من الأوقات لا بالليل ولا بالنهار (٢) لأن الله هو نورها وضياؤها على تأويلهم وهو موجود غير

__________________

١ ـ النور : ٣٥.

٢ ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( لما جاز أن توجد في الأرض ظلمة ـ الخ ).

١٥٥

معدوم ، فوجودنا الأرض مظلمة بالليل (١) ووجودنا داخلها أيضا مظلما بالنهار يدل على أن تأويل قوله : ( الله نور السماوات والأرض ) هو ما قاله الرضا عليه‌السلام دون تأويله المشبهة ، فإنه عزوجل هاد لأهل السماوات والأرض ، المبين لأهل السماوات والأرض أمور دينهم ومصالحهم ، فلما كان بالله وبهداه يهتدي أهل السماوات والأرض إلى صلاحهم وأمور دينهم كما يهتدون بالنور الذي خلق الله لهم في السماوات والأرض إلى صلاح دنياهم قال : إنه نور السماوات والأرض على هذا المعنى ، وأجرى على نفسه هذا الاسم توسعا ومجازا ، لأن العقول دالة على أن الله عزوجل لا يجوز أن يكون نورا ولا ضياء ولا من جنس الأنوار والضياء ، لأنه خالق الأنوار وخالق جميع أجناس الأشياء ، وقد دل على ذلك أيضا قوله : ( مثل نوره ) وإنما أراد به صفة نوره ، وهذا النور هو غيره ، لأنه شبهه بالمصباح وضوئه الذي ذكره ووصفه في هذه الآية ، ولا يجوز أن يشبه نفسه بالمصباح ، لأن الله لا شبه له ولا نظير ، فصح أن نوره الذي شبهه بالمصباح إنما هو دلالته أهل السماوات والأرض على مصالح دينهم وعلى توحيد ربهم وحكمته وعدله ، ثم بين وضوح دلالته هذه وسماها نورا من حيث يهتدي بها عبادة إلى دينهم وصلاحهم ، فقال : مثله كمثل كوة وهي المشكاة فيها المصباح والمصباح هو السراج في زجاجة صافية شبيهة بالكوكب الدري في صفائه ، والكوكب الدري ، هو الكوكب المشبه بالدر في لونه ، وهذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية يتوقد من زيت زيتونة مباركة ، وأراد به زيتون الشام لأنه يقال : إنه بورك فيه لأهله وعنى عزوجل بقوله : ( لا شرقية ولا غربية ) أن هذه الزيتونة ليست بشرقية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الغروب ، ولا غربية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الطلوع ، بل هي في أعلى شجرها والشمس تسقط عليها في طول نهارها فهو أجود لها وأضوء لزيتها ، ثم أكد وصفه لصفاء زيتها فقال : ( يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ) لما فيها من الصفاء فبين أن دلالات الله التي بها دل عباده في السماوات والأرض على

__________________

١ ـ في البحار نقلا عن التوحيد ( فوجود الأرض مظلمة بالليل ).

١٥٦

مصالحهم وعلى أمور دينهم هي في الوضوح والبيان بمنزلة هذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية ويتوقد بها الزيت الصافي الذي وصفه ، فيجتمع فيه ضوء النار مع ضوء الزجاجة وضوء الزيت وهو معنى قوله : ( نور على نور ) وعنى بقوله عزوجل : ( يهدي الله لنوره من يشاء ) يعني من عباده وهم المكلفون ليعرفوا بذلك ويهتدوا به ويستدلوا به على توحيد ربهم وسائر أمور دينهم ، وقد دل الله عزوجل بهذه الآية وبما ذكره من وضوح دلالاته وآياته التي دل بها عباده على دينهم أن أحد منهم لم يؤت فيما صار إليه من الجهل ومن تضييع الدين لشبهة ولبس دخلا عليه في ذلك من قبل الله عزوجل ، إذ كان الله عزوجل قد بين لهم دلالاته وآياته على سبيل ما وصف ، وإنهم إنما أتوا في ذلك من قبل أنفسهم بتركهم النظر في دلالات الله واستدلال بها على الله عزوجل وعلى صلاحهم في دينهم ، وبين أنه بكل شيء من مصالح عباده ومن غير ذلك عليم.

٢ ـ وقد روي عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن قول الله عزوجل : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) فقال : هو مثل ضربه الله لنا ، فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين من دلالات الله وآياته التي يهتدى بها إلى التوحيد ومصالح الدين وشرائع الإسلام والفرائض والسنن ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

٣ ـ وتصديق ذلك ما حدثنا به إبراهيم بن هارون الهيتي بمدينة السلام ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج ، قال : حدثنا الحسين بن أيوب ، عن محمد بن غالب عن علي بن الحسين ، عن الحسن بن أيوب ، عن الحسين بن سليمان ، عن محمد بن مروان الذهلي عن الفضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : ( الله نور السماوات والأرض )؟ قال : كذلك الله عزوجل ، قال : قلت : ( مثل نوره )؟ قال : محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قلت ( كمشكاة )؟ قال : صدر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : قلت : ( فيها مصباح )؟ قال : فيه نور العلم يعني النبوة ، قلت : ( المصباح في زجاجة )؟ قال : علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صدر إلى قلب علي عليه‌السلام ، قلت : ( كأنها )؟ قال : لأي شيء

١٥٧

تقرأ كأنها ، فقلت : فكيف جعلت فداك؟ قال : كأنها كوكب دري (١) قلت : ( يوقد من شجرة زيتونة مباركة لا شرقية ولا غربية )؟ قال : ذلك أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه‌السلام لا يهودي ولا نصراني ، قلت : ( يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار )؟ قال : يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد من قبل أن ينطق به (٢) ، قلت : ( نور على نور )؟ قال : الإمام في إثر الإمام عليه‌السلام.

٤ ـ حدثنا إبراهيم بن هارون الهيتي ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي ـ الثلج ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري ، قال : حدثنا أحمد بن صبيح قال : حدثنا ظريف بن ناصح ، عن عيسى بن راشد ، عن محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام في قوله عزوجل : ( كمشكاة فيها مصباح ) ، قال : المشكاة نور العلم في صدر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ( المصباح في زجاجة ) الزجاجة صدر علي عليه‌السلام ، صار علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صدر علي عليه‌السلام ( الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة ) قال : نور ، ( لا شرقية ولا غربية ) قال : لا يهودية ولا نصرانية ( يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ) قال : يكاد العالم من آل محمد عليهم‌السلام يتكلم بالعلم قبل أن يسأل ، ( نور على نور ) يعني : إماما مؤيدا بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد عليهم‌السلام ، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة.

فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله عزوجل خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه لا تخلوا الأرض في كل عصر من واحد منهم عليهم‌السلام ، يدل على صحة ذلك قول أبي طالب في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

أنت الأمين محمد قرم أغر مسود

لمسودين أطائب كرموا وطاب المولد

أنت السعيد من السعود تكنفتك الأسعد

من لدن آدم لم يزل فينا وصي مرشد

فلقد عرفتك صادقا بالقول لا تتفند

ما زلت تنطق بالصواب وأنت طفل أمرد

يقول : ما زلت تتكلم بالعلم قبل أن يوحى إليك وأنت طفل كما قال

__________________

١ ـ تذكير الضمير باعتبار تأويل الزجاجة بقلب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٢ ـ أي من قبل أن يسأل عنه ، كما في الحديث التالي.

١٥٨

إبراهيم عليه‌السلام وهو صغير لقومه : ( إني برئ مما تشركون ) (١) وكما تكلم عيسى عليه‌السلام في المهد فقال : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت ـ الآية ) (٢).

ولأبي طالب في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ذلك في قصيدته اللامية حين يقول :

وما مثله في الناس سيد معشر

إذا قايسوه عند وقت التحاصل

فأيده رب العباد بنوره

وأظهر دينا حقه غير زائل

ويقول فيها :

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل

تطيف به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وميزان صدق لا يخيس شعيرة

وميزان عدل وزنه غير عائل

٥ ـ حدثنا علي بن عبد الله الوراق ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن أسلم الجبلي ، عن الخطاب بن عمر (٣) ومصعب بن عبد الله الكوفيين ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة ) فالمشكاة صدر نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه المصباح ، والمصباح هو العلم في الزجاجة والزجاجة أمير المؤمنين عليه‌السلام وعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده.

١٦ ـ باب تفسير قول الله عزوجل :

( نسوا الله فنسيهم ) (٤)

١ ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان ، قال : حدثنا أبو حامد عمران

__________________

١ ـ الأنعام : ٧٨.

٢ ـ مريم : ٣١.

٣ ـ في نسخة ( و ) و ( ب ) و ( د ) ( عن الخطاب أبي عمر ) ولم أجده.

٤ ـ التوبة : ٦٧.

١٥٩

ابن موسى بن إبراهيم ، عن الحسن بن القاسم الرقام ، عن القاسم بن مسلم ، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم ، قال : سألت الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام عن قول الله عزوجل : ( نسوا الله فنسيهم ) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو ، وإنما ينسى ويسهو المخلوق المحدث ، ألا تسمعه عزوجل يقول : ( وما كان ربك نسيا ) (١) وإنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم ، كما قال عزوجل : ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنسيهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ) (٢) وقوله عزوجل ( فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ) (٣) أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا.

قال مصنف هذا الكتاب رضي‌الله‌عنه : قوله : نتركهم أي لا نجعل لهم ثواب من كان يرجوا لقاء يومه ، لأن الترك لا يجوز على الله عزوجل ، وأما قول الله عزوجل : ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) (٤) أي لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتوبوا (٥).

١٧ ـ باب تفسير قوله عزوجل :

« والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه » (٦)

١ ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان الكليني ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، قال : سألت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليهما‌السلام ، عن

__________________

١ ـ مريم : ٦٤.

٢ ـ الحشر : ١٩.

٣ ـ الأعراف : ٥١.

٤ ـ البقرة : ١٧.

٥ ـ حاصل كلام الإمام عليه‌السلام أن الله تعالى لا ينسى ولا يسهو بل ينسى غيره مجازاة ، وأما نسيانه فهو بمعنى الترك ، ومراد الصدوق رحمه‌الله أن تركه تعالى ليس ترك إهمال وسدى بل على وجوه أخرى كترك الأخذ بالعجلة.

٦ ـ الزمر : ٦٧.

١٦٠