تفسير الخازن - ج ٤

علاء الدين علي بن محمّد بن إبراهيم البغدادي [ الخازن ]

تفسير الخازن - ج ٤

المؤلف:

علاء الدين علي بن محمّد بن إبراهيم البغدادي [ الخازن ]


المحقق: عبدالسلام محمّد علي شاهين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-4459-6

الصفحات: ٥١٢

(خ) «عن عامر بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال سألت عائشة عن قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ، فقالت الكوثر نهر أعطيه نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاطئاه در مجوف آنيته كعدد نجوم السماء» (ق) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها لا يظمأ أبدا» زاد في رواية «وزواياه سواء» (ق) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «أمامكم حوضي ما بين جنبيه كما بين جربا وأذرح» قال بعض الرواة هما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام ، وفي رواية «فيه أباريق كنجوم السّماء من ورده فشرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا» (ق) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «ما بين ناحيتي وفي رواية لابتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة» وفي رواية «مثل ما بين المدينة وعمان» وفي رواية قال «إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن ، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء» (م) عن أبي ذر رضي الله عنه قال «قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء ، وكواكبها ألا في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ عرضه ، مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل» (م) عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي ، أي حتى يرفض عليهم ، فسئل عن عرضه فقال من مقامي إلى عمان وسئل عن شرابه فقال أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما : من ذهب ، والآخر من الورق» (ق) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنا فرطكم على الحوض وليرفعن إلى رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول أي ربي أصحابي ، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (ق) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قال ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رفعوا إليّ اختلجوا دوني ، فلأقولن أي رب أصحابي أصحابي فليقالن لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» وفي رواية «يردن عليّ ناس من أمتي الحديث» وفي آخره «فأقول سحقا لمن بدل بعدي» (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «يرد عليّ يوم القيامة رهطان من أصحابي أو قال من أمتي فيجلون عن الحوض ، فأقول رب أصحابي ، فيقول إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى» ولمسلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «ترد عليّ أمتي الحوض ، وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله قالوا أيا نبي الله تعرفنا قال نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون على غرّا محجلين من آثار الوضوء وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون إليّ فأقول يا رب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول وهل تدري ما أحدثوا بعدك» (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «والذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض» (م) عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن ، والذي نفسي بيده لأذودن عنه الرجل كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن إبله قالوا يا رسول الله وتعرفنا؟ قال نعم تردون على غرّا محجلين من آثار الوضوء ليس لأحد غيركم» عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال «كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلنا منزلا فقال ما أنتم إلا جزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض ، قيل كم كنتم يومئذ قال سبعمائة أو ثمانمائة» أخرجه أبو داود.

(فصل في شرح هذه الأحاديث وذكر ما يتعلق بالحوض)

قال الشّيخ محيي الدّين النّووي : قال القاضي عياض أحاديث الحوض صحيحة ، والإيمان به فرض ، والتصديق به من الإيمان ، وهو على ظاهره عند أهل السنة ، والجماعة لا يتأول ، ولا يختلف فيه ، وحديثه متواتر النقل رواه الخلائق من الصحابة ، فذكره مسلم من رواية ابن عمر وأبي سعيد ، وسهل بن سعد ، وجندب بن

٤٨١

عبد الله ، وعبد الله بن عمر وعائشة وأم سلمة ، وعقبة بن عامر ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وحارثة بن وهب ، والمستورد وأبي ذر وثوبان ، وأنس ، وجابر بن سمرة ، ورواه غير مسلم من رواية أبي بكر الصّديق وزيد بن أرقم وأبي أمامة وعبد الله بن زيد وأبي برزة وسويد بن حبلة وعبد الله بن الصنابحي والبراء بن عازب وأسماء بنت أبي بكر الصّديق وخولة بنت قيس وغيرهم ، قال الشيخ محيي الدّين ، ورواه البخاري ومسلم أيضا من رواية أبي هريرة ورواه غيرهما من رواية عمر بن الخطاب وعائذ بن عمرو وآخرين ، وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور بأسانيده وطرقه المتكاثرة قلت وقد اتفقا على إخراج حديث الحوض وعن جماعة ممن تقدم ذكرهم من الصّحابة على ما سبق ذكره في الأحاديث ، وفيه بيان ما اتفقا عليه ، وانفرد به كل واحد منهما ، وأخرجا أيضا حديث الحوض عن أسماء بنت أبي بكر الصّديق وذكرها القاضي عياض ، فيمن خرج له في غير الصحيحين قال القاضي عياض وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواترا ، وأما صفة الحوض ومقداره فقد قال في رواية «حوضي مسيرة شهر وفي رواية ما بين جنبيه كما بين جرباء ، وأذرح ، وفي رواية كما بين أيلة ، وصنعاء اليمن ، وفي رواية عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ، وفي رواية إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن» فهذا الاختلاف في هذه الروايات في قدر الحوض ليس موجبا للاضطراب فيها لأنه لم يأت في حديث واحد بل في أحاديث مختلفة الرواة عن جماعات من الصّحابة سمعوها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مواطن مختلفة ضربها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته وقرب ذلك على أفهام السامعين لبعد ما بين هذه البلاد المذكورة لأعلى التقدير الموضوع للتحديد بل لإعلام السامعين عظم بعد المسافة وسعة الحوض وليس في ذكر القليل من هذه المسافة منع من الكثير ، فإن الكثير ثابت على ظاهره ، وصحت الرواية به ، والقليل داخل فيه فلا معارضة ، ولا منافاة بينهما وكذلك القول في آنية الحوض من أن العدد المذكور في الأحاديث على ظاهره ، وأنها أكثر عددا من نجوم السّماء ولا مانع يمنع من ذلك إذ قد وردت الأحاديث الصّحيحة الثّابتة بذلك وكذلك القول في الواردين إلى الحوض الشّاربين منه ، وكثرتهم وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما أنتم إلا جزء من مائة ألف جزء ممن يرد الحوض» لم يرد به الحصر بهذا العدد المذكور وإنما ضربه مثلا لأكثر العدد المعروف للسّامعين ويدل على هذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من ورد شرب منه» فهذا صريح في أن جميع الواردين يشربون ، وإنما يمنع منه الذين يزدادون ، ويمنعون الورود لارتدادهم ، وتبديلهم وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه من أمتي ، فيقول ما تدري ما أحدث بعدك ، وفي رواية وليرفعن إلى رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول أي رب أصحابي ، فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ونحو هذا من الروايات المذكورة في الأحاديث السابقة ، وهذا مما اختلف العلماء في معناه ، وفي المراد به من هم ، فقيل المراد بهم المنافقون ، والمرتدون في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيحتمل أنهم إذا حشروا عرفهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للسيما التي عليهم فيناديهم ، فيقال له ليس هؤلاء ممن وعدت بهم إنهم قد بدلوا بعدك ، أي لم يكونوا على ما ظهر من إسلامهم ، وقيل المراد بهم من أسلموا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم ارتدوا بعده في زمن أبي بكر الصّديق وهم الذين قاتلهم على الردة ، وهم أصحاب مسيلمة الكذاب ، فيناديهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما كان يعرفه من إيمانهم في حياته فيقال له قد ارتدوا بعدك ، وقيل المراد بهم أصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام ، وأصحاب المعاصي ، والكبائر الذين ماتوا على التّوحيد ، ولم يتوبوا من بدعتهم ومعاصيهم فعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء المطرودين عن الحوض بالنّار بل يجوز أن يزادوا عنه عقوبة لهم ثم يرحمهم‌الله ، فيدخلهم الجنة من غير عذاب ، وقال ابن عبد البر كل من أحدث في الدين كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء فهو من المطرودين عن الحوض قال وكذلك الظلمة المسرفون في الجور ، وغمط الحق ، والمعلنون بالكبائر فكل هؤلاء يخاف أن يكونوا ممن عنى بهذا الحديث وقوله من شرب منه لم يظمأ أبدا قال القاضي عياض : ظاهر هذا الحديث أن الشرب منه يكون بعد الحساب ، والنجاة من النار ، ويحتمل أن من شرب

٤٨٢

منه من هذه الأمة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالظمأ بل يكون عذابه بغير ذلك لأن ظاهر الحديث أن جميع الأمة تشرب منه إلا من ارتد ، وصار كافرا ، وقيل إن جميع المؤمنين يأخذون كتبهم بأيمانهم ، ثم يعذب الله من شاء من عصاتهم ، وقيل إنما يأخذ بيمينه الناجون منهم خاصة ، والشرب من الحوض مثله.

(شرح غريب ألفاظ الأحاديث)

قوله فيختلج العبد منهم ، أي ينتزع ويجذب منهم ، قوله ما بين جنبيه كما بين جربا ، وأذرح أما جربا فبجيم ثم راء ساكنة ثم باء موحدة ثم ألف مقصورة ، ووقع عند بعض رواة البخاري فيها المد والقصر أولى ، وهي قرية من الشام ، وأما أذرح فبهمزة ثم ذال معجمة ثم راء ثم حاء مهملة ، وهي في طرف الشام قريب من الشّوبك ، وأما عمان فبفتح العين وتشديد الميم بليدة بالبلقاء من أرض الشّام ، وأما أيلياء فبفتح الهمزة وإسكان المثناة تحت وفتح اللام مدينة معروفة في طرف الشام على ساحل البحر متوسطة بين دمشق ومصر بينها وبين المدينة نحو خمس عشرة مرحلة وبينها وبين مصر ثمان مراحل وإلى دمشق اثنا عشر مرحلة وهي آخر الحجاز وأول الشّام ، وأما صنعاء فهي قاعدة اليمن ، وأكبر مدنه ، وإنما قيد باليمن في الحديث لأن بدمشق موضعا يعرف بصنعاء دمشق وقد تقدم الكلام على اختلاف هذه المسافات والجمع بين رواتها قوله يشخب فيه ميزابان هو بفتح الياء المثناة تحت وبالشين والخاء المعجمتين ، أي يسيل فيه وفي الحديث الآخر يغت بفتح الياء وبالغين المعجمة وكسرها ، وتشديد التاء المثناة فوق ، أي يدفق منه ميزابان تدفقا شديدا متتابعا قوله إني لبعقر حوضي هو بضم العين المهملة ، وإسكان القاف وهو موقف الإبل من الحوض إذا وردته للشرب ، وقيل هو مؤخر الحوض قوله أذود الناس ، أي أضرب الناس لأهل اليمن بعصاي حتى يرفض عليهم ، معناه أطرد الناس عنه غير أهل اليمن ، ومعنى يرفض أي يسيل عليهم ، وفيه منقبة عظيمة لأهل اليمن قوله أنا فرطكم على الحوض الفرط بفتح الفاء والراء هو الذي يتقدم على الواردين ليصلح لهم الحياض ، والدّلاء ونحوها من آلات الاستقاء ، والمعنى أنا سابقكم على الحوض كالمهيئ له قوله سحقا ، أي بعدا وفيه دليل لمن قال إنهم أهل الردة إذ لا يقال للمؤمن سحقا بل يشفع قلت في حديث أنس الأول دليل لمن يقول أن سورة الكوثر مدنية وهو الأظهر لقوله بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أظهرنا إذا أغفى إغفاءه يعني نام نومة ثم رفع رأسه متبسما والله أعلم.

قوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) معناه أن ناسا كانوا يصلون لغير الله تعالى وينحرون لغير الله فأمر الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يصلي له وينحر له متقربا إلى ربه بذلك ، وقيل معناه فصل لربك صلاة العيد يوم النحر ، وانحر نسكك ، وقيل معناه فصل الصّلاة المفروضة بجمع ، وانحر البدن بمنى وقال ابن عباس : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أي ضع يدك اليمنى على اليسرى في الصّلاة عند النّحر ، وقيل هو رفع اليدين مع التّكبير إلى النّحر حكاه ابن الجوزي ، ومعنى الآية قد أعطيتك ما لا نهاية لكثرته من خير الدّارين وخصصتك بما لم أخص به أحدا غيرك ، فاعبد ربك الذي أعطاك هذا العطاء الجزيل ، والخير الكثير ، وأعزك ، وشرفك على كافة الخلق ، ورفع منزلتك فوقهم فصل له واشكره على إنعامه عليك ، وانحر البدن متقربا إليه (إِنَّ شانِئَكَ) يعني عدوك ومبغضك (هُوَ الْأَبْتَرُ) يعني هو الأذل المنقطع دابره نزلت في العاص بن وائل السهمي وذلك أنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خارجا من المسجد وهو داخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا له من الذي كنت تتحدث معه فقال ذلك الأبتر يعني به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان قد توفي ابن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خديجة ، وقيل إن العاص بن وائل كان إذا ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له ، فإذا هلك انقطع ذكره ، فأنزل الله تعالى هذه السّورة وقال ابن عباس : نزلت في كعب بن الأشرف ، وجماعة من قريش ، وذلك أنه لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيد أهل المدينة فنحن خير أم هذا الصّنبور المنبتر

٤٨٣

من قومه ، فقال أنتم فنزلت فيه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) ونزلت في الذين قالوا إنه أبتر (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) أي المنقطع من كل خير قولهم في النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا الصّنبور أرادوا أنه فرد ليس له ولد ، فإذا مات انقطع ذكره شبهوه بالنخلة المفردة يدق أسفلها ، وتسمى الصنبور ، وقيل هي النّخلة التي تخرج في أصل أخرى تغرس ، وقيل الصّنابر سعفات تنبت من جذع النّخلة تضربها ودواؤها أن تنقطع تلك الصّنابر منها فأراد كفار مكة أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمنزلة الصّنابر تنبت في جذع نخلة فإذا انقلع استراحت النّخلة فكذا محمد إذا مات انقطع ذكره ، وقيل الصّنبور الوحيد الضعيف الذي لا ولد له ولا عشيرة ولا ناصر من قريب ولا غريب فأكذبهم الله تعالى في ذلك ورد عليهم أشنع رد فقال إن شانئك يا محمد هو الأبتر الضعيف الوحيد ، الحقير ، وأنت الأعز ، الأشرف الأعظم ، والله أعلم بمراده.

٤٨٤

سورة قل يا أيها الكافرون

مكية وهي ست آيات وست وعشرون كلمة وأربعة وتسعون حرفا عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من قرأ (إِذا زُلْزِلَتِ) عدلت له نصف القرآن ومن قرأ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) عدلت له ربع القرآن ومن قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) عدلت له ثلث القرآن» أخرجه التّرمذي وقال حديث غريب وله عن ابن عباس نحوه ، وقال فيه غريب ، ووجه كون هذه السّورة تعدل ربع القرآن أن القرآن مشتمل على الأمر والنهي ، وكل واحد منهما ينقسم إلى ما يتعلق بعمل القلوب ، وإلى ما يتعلق بعمل الجوارح ، فحصل من ذلك أربعة أقسام وهذه السّورة مشتملة على النهي عن عبادة غير الله تعالى وهي من الاعتقاد وذلك من أفعال القلوب ، فكانت هذه السورة ربع القرآن على هذا التقسيم ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦))

قوله عزوجل : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) إلى آخر السّورة نزلت في رهط من قريش منهم الحارث بن قيس السّهمي ، والعاص بن وائل السهمي والوليد بن المغيرة ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد ، وأمية بن خلف قالوا يا محمد هلم اتبع ديننا ونتبع دينك ، ونشركك في ديننا كله تعبد آلهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة فإن كان الذي جئت به خيرا كنا قد شركناك فيه ، وأخذنا حظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيرا كنت قد شركتنا في أمرنا ، وأخذت بحظك منه فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معاذ الله أن أشرك به غيره قالوا فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ، ونعبد إلهك قال حتى أنظر ما يأتي من ربي فأنزل الله (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) إلى آخر السورة فغدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المسجد الحرام وفيه أولئك الملأ من قريش ، فقام على رؤوسهم ثم قرأها عليهم حتى فرغ من السّورة فأيسوا منه عند ذلك وآذوه وأصحابه ، وقيل إنهم لقوا العباس ، فقالوا يا أبا الفضل لو أن ابن أخيك استلم بعض آلهتنا لصدقناه فيما يقول ، ولآمنّا بإلهه ، فأتاه العباس ، فأخبره بقولهم ، فنزلت هذه السّورة وقيل نزلت في أبي جهل والمستهزئين ومن لم يؤمن منهم.

ومعنى ذلك ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان مأمورا بتبليغ الرّسالة بجميع ما أوحي إليه فلما قال الله تعالى (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) أداه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما سمعه من جبريل عليه‌السلام فكأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أمرت بتبليغ جميع ما أنزل الله عليّ ، وكان فيما نزل عليه (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) وقيل إن النّفوس تأبى سماع الكلام الغليظ الشّنيع من النّظير ، ولا أشنع ولا أغلظ من المخاطبة بالكفر فكأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ليس هذا من عندي إنما هو من عند الله عزوجل وقد أنزل الله عليّ قل يا أيها الكافرون والمخاطبون بقوله يا أيّها الكافرون كفرة مخصوصون قد سبق في علم الله أنهم لا

٤٨٥

يؤمنون (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) في معنى الآية قولان : أحدهما أنه لا تكرار فيها ، فيكون المعنى لا أعبد ما تعبدون لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلبه منكم من عبادة إلهي ثم قال (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) أي ولست في الحال بعباد معبودكم (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي ولا أنتم في الحال بعابدين معبودي وقيل يحتمل أن يكون الأول للحال ، والثاني للاستقبال ، وقيل يصلح كل واحد منهما أن يكون للحال ، والاستقبال ، ولكن يختص أحدهما بالحال والثاني للاستقبال لأنه أخبر أولا عن الحال ثم أخبر ثانيا عن الاستقبال ، فيكون المعنى لا أعبد ما تعبدون في الحال ولا أنتم عابدون ما أعبد في الاستقبال وما بمعنى من أي من أعبد ويحتمل أن تكون بمعنى الذي أي الذي أعبد.

القول الثاني : حصول التّكرار في الآية ، وعلى هذا القول يقال إن التّكرار يفيد التّوكيد ، وكلما كانت الحاجة إلى التّوكيد أشد كان التكرار أحسن ، ولا موضع أحوج إلى التوكيد من هذا الموضع لأن الكفار راجعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذا المعنى مرارا فحسن التوكيد ، والتكرار في هذا الموضع لأن القرآن نزل بلسان العرب وعلى مجاري خطابهم ، ومن مذاهبهم التّكرار إرادة التّوكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التّخفيف ، والإيجاز ، وقيل تكرار الكلام لتكرار الوقت ، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن سرك أن ندخل في دينك عاما فأدخل في ديننا عاما ، فنزلت هذا السّورة جوابا لهم على قولهم (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) أي لكم كفركم ولي إخلاصي وتوحيدي ، والمقصود منه التّهديد فهو كقوله : اعملوا ما شئتم وهذه الآية منسوخة بآية القتال ، والله أعلم.

٤٨٦

سورة النصر

مدنية وهي ثلاث آيات وسبع عشرة كلمة وسبعة وسبعون حرفا.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣))

قوله عزوجل : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) يعني فتح مكة وكانت قصة الفتح على ما ذكره محمد بن إسحاق ، وأصحاب الأخبار «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما صالح قريشا عام الحديبية اصطلحوا على وضع الحرب بين الناس عشرين سنة ، وقيل عشر سنين يأمن فيهن الناس ، ويكف بعضهم عن بعض وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش ، وعهدهم دخل فيه. فدخلت بنو بكر في عهد قريش ، ودخلت خزاعة في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان بينهما شر قديم ثم إن بني بكر عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم أسفل مكة يقال له الوتير ، فخرج نوفل بن معاوية الدؤلي في بني الدئل من بني بكر حين بقيت خزاعة على الوتير ، فأصابوا منهم رجلا ، وتحاوروا واقتتلوا ، وردفت قريش بني بكر بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل باللّيل مستخفيا حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، وكان ممن أعان بني بكر من قريش على خزاعة ليلتئذ بأنفسهم بكر بن صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو مع عبيدهم ، فلما انتهوا إلى الحرم قالت بنو بكر يا نوفل إنا قد دخلنا إلى إلهك فقال كلمة عظيمة إنه لا إله اليوم يا بني بكر أصيبوا ثأركم فلعمري إنكم لتسرفون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه قال : فلما تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة ، وأصابوا منهم ما أصابوا ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة ، وكانوا في عقده خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، وكان ذلك مما أهاج فتح مكة فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس فقال :

يا رب إني ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الأتلدا

قد كنتمو ولدا وكنا والدا

ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصرا اعتدا

وادع عباد الله يأتوا مددا

فيهم رسول الله قد تجردا

إن سيم خسفا وجهه تربدا

في فيلق كالبحر يجري مزبدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداء رصدا

وزعموا أن لست أدعو أحدا

وهم أذل وأقل عددا

٤٨٧

هم بيتونا بالوتير هجدا

وقتلونا ركعا وسجدا

فانصر هداك الله نصرا أيدا

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد نصرت يا عمرو بن سالم ثم عرض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنان من السماء ، فقال إن هذه السحابة لتشهد بنصر بني كعب ، وهم رهط عمرو بن سالم ، ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة فأخبروه بما أصيب منهم ، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء يشدد في العقد ويزيد في المدة ، ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بعسفان قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشدد في العقد ويزيد في المدة وقد رهبوا من الذي صنعوا ، فلما لقي أبو سفيان بديلا قال : من أين أقبلت يا بديل وظن أنه أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : سرت في خزاعة في هذا الساحل ، وفي بطن هذا الوادي قال : وهل أتيت محمدا قال : لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان لئن كان جاء المدينة لقد علف منها النوى فعمد إلى مبرك ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طوته عنه فقال : أي بنية أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني فقالت بل هو فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنت رجل مشرك نجس لم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر ، ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكلمه ، فلم يرد عليه شيئا ، ثم ذهب إلى أبي بكر ، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمر بن الخطاب ، فكلمه فقال أنا لا أشفع لك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فو الله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ، ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب ، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعندها الحسن بن علي غلاما يدب بين يديها فقال : يا علي إنك أمس القوم بي رحما ، وأقربهم مني قرابة ، وقد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا ، فاشفع لي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ويحك يا أبا سفيان لقد أرى عزم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه. فالتفت إلى فاطمة وقال : يا بنت محمد هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر. فقالت : والله ما بلغ بني أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت عليّ ، فانصحني قال والله لا أعلم شيئا يغني عنك ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال : وترى ذلك مغنيا عني شيئا قال لا والله ما أظن ذلك ولكن لا أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ، ثم ركب بعيره ، فانطلق فلما قدم على قريش قالوا ما وراءك قال : جئت محمدا فكلمته فو الله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة ، فلم أجد عنده خيرا ، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ، ثم أتيت علي بن أبي طالب فوجدته ألين القوم وقد أشار عليّ بشيء صنعته فو الله ما أدري هل يغني ذلك شيئا أم لا قالوا : وما ذاك قال أمرني أن أجير بين الناس ، ففعلت قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا ويلك والله ما زاد على أن لعب بك فما يغني عنك ما قلت قال لا والله ما وجدت غير ذلك قال : وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة ، وهي تصلح بعض جهاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أي بنية أمركم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تجهزوه ، قالت نعم. قال فأين ترينه يريد قالت لا والله ما أدري ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجد والتهيؤ وقال اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ، فتجهز الناس وكتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد تقدمت قصته في تفسير سورة الممتحنة ثم مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسفره ، واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري وخرج رسول الله عامدا إلى مكة لعشر بقين من رمضان سنة ثمان من الهجرة فصام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد بين

٤٨٨

عسفان ، وأمج أفطر ثم مضى حتى نزل بمر الظّهران في عشرة آلاف من المسلمين. ولم يتخلف من الأنصار والمهاجرين عنه أحد فلما نزل بمر الظّهران ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، ولا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا يدرون ما هو فاعل خرج في تلك اللّيالي أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به وقد كان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببعض الطريق قال ابن هشام : لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله ، وقد كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنه راض فلما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مر الظّهران قال العباس بن عبد المطلب. ليلتئذ واصباح قريش ، والله لئن دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه الهلاك لقريش إلى آخر الدهر. قال فجلست على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البيضاء ، فخرجت عليها حتى جئت الأراك لعلي أجد حاطبا ، أو صاحب لبن أو ذا حاجة يدخل مكة ، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة قال العباس : فو الله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء ، وهما يتراجعان ، وأبو سفيان يقول ما رأيت كالليلة نيرانا قط. فقال بديل هذه والله نيران خزاعة حمشتها الحرب ، فقال أبو سفيان خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها ، فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتي ، فقال يا أبا الفضل فقلت نعم قال ما لك فداك أبي وأمي قلت : ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال : وما الحيلة قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأستأمنه لك فردفني ، ورجع صاحباه فخرجت أركض به على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلما مررت بنار من نيران المسلمين ينظرون إليّ ، ويقولون عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا فقام إليّ فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة ، قال أبو سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ، ولا عهد ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وركضت البغلة فسبقته كما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء قال فاقتحمت عن البغلة سريعا ، فدخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودخل عليه عمر فقال : يا رسول الله هذا عدو الله أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ، ولا عهد فدعني أضرب عنقه قال فقلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم جلست إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذت برأسه ، وقلت والله لا ينجيك الليلة أحد دوني فلما أكثر عمر في شأنه قلت مهلا يا عمر. فو الله ما تصنع هذا إلا أنه رجل من بني عبد مناف ، ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، فقال مهلا يا عباس ، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما ذاك إلا لأني أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اذهب به يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فائتني به قال فذهبت به إلى رحلي فبات عندي ، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ، قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك ، وأوصلك أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئا فقال العباس : ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك فتشهد شهادة الحق وأسلم قال العباس : فقلت يا رسول الله إن أبا سفيان هذا رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله قال فخرجت به حيث أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أحبسه قال ومرت به القبائل على راياتها كلما مرت به قبيلة قال من هؤلاء يا عباس ، فأقول سليم فيقول ما لي ولسليم ، ثم القبيلة فيقول من هؤلاء ، فأقول مزينة فيقول ما لي ولمزينة حتى نفدت القبائل. لا تمر قبيلة إلا سألني عنها ، فإذا أخبرته عنها. فيقول ما لي ، ولبني فلان حتى مر رسول الله

٤٨٩

صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتيبته الخضراء ، وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد ، وظهوره فيها وفيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد فقال سبحان الله من هؤلاء يا عباس؟ قلت هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المهاجرين ، والأنصار. قال ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة ، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما قلت ويحك إنها النبوة ، قال فنعم إذا فقلت الحق الآن بقومك فحذرهم ، فخرج سريعا حتى أتى مكة ، فصرخ في المسجد بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به قالوا فمه قال : قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا ويحك ، وما تغني عنا دارك قال من دخل المسجد ، فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم ، وإلى المسجد قال وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلما وبايعاه ، فلما بايعاه بعثهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام ، ولما خرج حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عامدين إلى مكة بعث في أثرهما الزبير وأعطاه رايته وأمره على خيل المهاجرين والأنصار وأمره أن يركز رايته بأعلى مكة بالحجون ، وقال لا تبرح حيث أمرتك أن تركز رايتي حتى آتيك ، ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما انتهى إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجرا بشقه عليه برد حبرة ، وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليضع رأسه تواضعا لله عزوجل حين رأى ما أكرمه به من الفتح حتى أن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل ، ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل مكة وضرب قبته بأعلى مكة ، وأمر خالد بن الوليد ، فيمن أسلم من قضاعة ، وبني سليم أن يدخلوا من أسفل مكة وبها بنو بكر ، وقد استنفرتهم قريش ، وبنو الحارث بن عبد مناف ومن كان من الأحابيش أمرتهم قريش أن يكونوا بأسفل مكة ، وأن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل ، وسهيل بن عمرو كانوا قد جمعوا ناسا بالخندمة ليقاتلوا وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لخالد والزبير حين بعثهما لا تقاتلا إلا من قاتلكما ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كدى فقال سعد : حين توجه داخلا اليوم يوم الملحمة اليوم يوم تستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين قيل : هو عمر بن الخطاب فقال : لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اسمع ما قال سعد بن عبادة ، وما نأمن أن يكون له في قريش صولة فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي بن أبي طالب أدركه بهذه الراية. فكن أنت الذي تدخن بها ، فلم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير قتال ، وأما خالد بن الوليد ، فقدم على قريش وبني بكر ، والأحابيش بأسفل مكة ، فقاتلوه فهزمهم الله ، ولم يكن بمكة قتال غير ذلك ، وقتل من المشركين اثنا عشر رجلا أو ثلاثة عشر رجلا ، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل من جهينة يقال له سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد ورجلان يقال لهما كرز بن جابر ، وخنيس بن خالد بن الوليد شذا وسلكا طريقا غير طريقه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا نفرا منهم سماهم أمر بقتلهم ، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وإنما أمر بقتله لأنه كان قد أسلم فارتد مشركا ففر إلى عثمان ، وكان أخاه من الرضاعة فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أن اطمأن أهل مكة فاستأمنه له وعبد الله بن خطل رجل من بني تميم بن غالب ، وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مصدقا ، وكان له مولى يخدمه ، وكان مسلما فنزل منزلا وأمر المولى أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما ونام فاستيقظ ، ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا ، وكان له قينتان يغنيان بهجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر بقتلهما معه والحويرث بن نقيد بن وهب ، وكان ممن يؤذيه بمكة ومقيس صبابة ، وإنما أمر بقتله لقتله الأنصاري الذي قتل أخاه خطأ ، ورجوعه إلى قريش مرتدا ، وسارة مولاة لبني عبد المطلب ، وكانت ممن يؤذيه بمكة ، وعكرمة بن أبي جهل فأما عكرمة فهرب إلى اليمن ، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، فاستأمنت له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمنه فخرجت في طلبه حتى أتت به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأما عبد الله بن خطل فقتله سعيد بن الحارث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه وأما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبد الله رجل من قومه وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما ، وهربت الأخرى حتى استؤمن لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمنها وأما سارة فتغيبت

٤٩٠

حتى استؤمن لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعاشت حتى أوطأها رجل من الناس فرسا له في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها ، وأما الحويرث ابن نقيد فقتله علي بن أبي طالب قالت أم هانئ : لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأعلى مكة فر إليّ رجلين من أحمائي من بني مخزوم ، وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي قالت : فدخل عليّ علي بن أبي طالب أخي فقال : والله لأقتلنهما ، فأغلقت عليهما باب بيتي ، ثم جئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو بأعلى مكة ، فوجدته يغتسل من جفنة وإن فيها لأثر العجين ، وفاطمة ابنته تستره بثوبه فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ، ثم صلى ثمان ركعات الضحى ، ثم انصرف إليّ فقال مرحبا وأهلا بأم هانئ ما جاء بك؟ فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي بن أبي طالب فقال : قد أجرنا من أجرت وأمنّا من أمنت فلا نقتلهما ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج لما اطمأن الناس حتى جاء البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة ، وأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة ، وقد استكف له الناس في المسجد فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهي تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت ، وسقاية الحاج ألا قتل الخطأ شبه العمد بالسوط ، والعصا ، ففيه الدية مغلظة مائة من الإبل أربعون منها خلفة في بطونها أولادها. يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم وآدم من تراب ، ثم تلا هذه الآية : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) الآية ثم قال يا معشر قريش ما ترون إني فاعل فيكم ، قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم قال فاذهبوا فأنتم الطلقاء ، فأعتقهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد ، وكان الله أمكنه منهم عنوة فبذلك سموا أهل مكة الطلقاء ، ثم جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة بيده فقال : يا رسول الله اجمع لنا بين الحجابة ، والسقاية فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أين عثمان بن طلحة فدعي له فقال هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم وفاء وبر ، قال واجتمع الناس للبيعة فجلس إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الصفا ، وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس. فبايعونه على السمع والطاعة فيما استطاعوا ، فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء قال عروة بن الزبير : خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن فقال عمير بن وهب الجمحي يا رسول الله إن صفوان بن أمية سيد قومي قد خرج هاربا منك ليقذف بنفسه في البحر ، فأمنه يا رسول الله ، فقال هو آمن قال : يا رسول الله أعطني شيئا يعرف به أمانك ، فأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمامته التي دخل بها مكة ، فخرج بها عمير حتى أدركه بجدة ، وهو يريد أن يركب البحر فقال يا صفوان فداك أبي وأمي أذكرك الله في نفسك أن تهلكها ، فهذا أمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جئتك به؟ فقال ويلك أغرب عني لا تكلمني قال : فداك أبي وأمي أفضل الناس ، وأبر النّاس وأحلم الناس ، وخير الناس ابن عمتك عزه عزك وشرفه شرفك ، وملكه ملكك ، قال إني أخافه على نفسي قال : هو أحلم من ذلك ، وأكرم فرجع به معه حتى وقف به على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال صفوان : إن هذا يزعم أنك آمنتني قال صدق ، قال فاجعلني في ذلك بالخيار شهرين قال : أنت بالخيار أربعة أشهر «قال ابن هشام وبلغني أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين افتتح مكة ، ودخلها قام على الصّفا يدعو ، وقد أحدقت به الأنصار فقالوا فيما بينهم أترون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا فتح الله عليه مكة أرضه ، وبلاده يقيم بها فلما فرغ من دعائه قال ماذا قلتم قالوا لا شيء يا رسول الله فلم يزل بهم حتى أخبروه.

فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم» قال ابن إسحاق : وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف ، وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من رمضان سنة ثمان ، وأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة ثم خرج إلى هوازن وثقيف ، وقد نزلوا حنينا (ق) عن أبي هريرة أن خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام الفتح بقتيل لهم في الجاهلية فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الناس فحمد الله ، وأثنى عليه وقال : إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد

٤٩١

من بعدي ، ألا وإنما أحلت لي ساعة من نهار إلا ، وإنها ساعتي هذه فلا ينفر صيدها ولا يختلى خلاها ، ولا يقطع شوكها ، ولا تحل ساقطتها لا لمنشد ، ومن قتل له قتيل ، فهو بخير النظرين. إما أن يفتدي وإما أن يقيد فقال العباس : إلا الإذخر فإنا نجعله لقبورنا وبيوتنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا الإذخر ، فقام أبو شاه رجل من أهل اليمن فقال اكتبوا لي يا رسول الله فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اكتبوا لأبي شاه قال الأوزاعي : يعني الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

(وأما التفسير)

فقوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) يعني إذا جاءك يا محمد نصر الله ، ومعونته على من عاداك وهم قريش.

ومعنى مجيء النصر أن جميع الأمور مرتبطة بأوقاتها يستحيل تقدمها عن وقتها أو تأخرها عنه فإذا جاء ذلك الوقت المعين حضر معه ذلك الأمر المقدر ، فلهذا المعنى قال (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) يعني فتح مكة في قول جمهور المفسرين ، وقيل هو جنس نصر الله المؤمنين وفتح بلاد الشرك عليهم على الإطلاق ، والفرق بين النصر والفتح. أن النصر هو الإعانة والإظهار على الأعداء وهو تحصيل المطلوب ، وهو كالسبب للفتح. فلهذا بدأ بذكر النصر وعطف عليه الفتح ، وقيل النصر هو إكمال الدين وإظهاره ، والفتح هو الإقبال الذي هو تمام النعمة. (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) يعني زمرا وأرسالا القبيلة بأسرها. والقوم بأجمعهم من غير قتال قال الحسن : لما فتح الله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة قالت العرب بعضها لبعض إذا ظفر الله محمد بأهل الحرم ، وكان قد أجارهم من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا. بعد أن كانوا يدخلون واحدا واحدا واثنين اثنين. وقيل أراد بالناس أهل اليمن (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا ، وأرق أفئدة الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ودين الله هو الإسلام» وأضافه إليه تشريفا وتعظيما ، كبيت الله وناقة الله قوله (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) يعني فإنك حينئذ لا حق به (ق) عن ابن عباس : قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال : بعضهم لم يدخل هذا الفتى معنا ، ولنا أبناء مثله فقال إنه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم.

قال وما رأيت أنه كان دعاني يومئذ إلا ليريهم مني.

قال ما تقولون في قول الله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) حتى ختم السورة ، فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ، ونستغفره إذ نصرنا ، وفتح علينا ، وسكن بعضهم فلم يقل شيئا فقال لي أكذلك تقول يا ابن عباس ، قال : قلت ؛ لا قال فما هو قلت هو أجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلمه ، فقال (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) ، فذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ، قال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم (ق) عن عائشة قالت : «ما صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة بعد أن أنزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح ، إلا يقول فيها سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ، وفي رواية قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن ، وفي رواية قالت كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكثر القول من سبحان الله ، وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه ، وقال أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي. فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه قد رأيتها إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة ، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا». قال ابن عباس : لما نزلت هذه السورة علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه نعيت إليه نفسه.

وقال الحسن : أعلم أنه قد اقترب أجله فأمر بالتسبيح والتوبة ، ليختم بالزيادة في العمل الصالح قيل عاش

٤٩٢

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين ، وقيل في معنى السورة إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فاشتغل أنت بالتسبيح والتحميد ، والاستغفار ، فالاشتغال بهذه الطاعة يصير سببا لمزيد درجاتك في الدنيا والآخرة.

وفي معنى التسبيح وجهان : أحدهما نزه ربك عما لا يليق بجلاله ثم احمده.

والثاني فصل لربك لأن التسبيح جزء من أجزاء الصلاة ، ثم قيل عني به صلاة الشكر ، وهو ما صلاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة ثمان ركعات.

وقيل هي صلاة الضحى. وفي الآية دليل على فضيلة التسبيح ، والتحميد حيث جعل ذلك كافيا في أداء ما وجب عليه من شكر نعمة النصر والفتح.

فإن قلت ما معنى هذا الاستغفار ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

قلت إنه تعبد الله بذلك ليقتدي به غيره. إذ لا يأمن كل واحد من نقص يقع في عبادته واجتهاده ففيه تنبيه على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع عصمته وشدة اجتهاده ما كان يستغني عن الاستغفار فكيف بمن هو دونه وقيل هو ترك الأفضل والأولى لا عن ذنب صدر منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى قول من جوز الصغائر على الأنبياء يكون المعنى ، واستغفره لما عسى أن يكون قد وقع من تلك الأمور منه ، وقيل المراد منه الاستغفار لذنوب أمته ، وهذا ظاهر لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمُؤْمِناتِ) والله سبحانه وتعالى أعلم.

٤٩٣

سورة المسد

مكية وهي خمس آيات وعشرون كلمة وسبعة وسبعون حرفا.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥))

قوله عزوجل : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) (ق) «عن ابن عباس قال : لما نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) صعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الصفا ، ونادى يا بني فهر يا بني عدي لبطون من قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ ، قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب تبّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) وفي رواية «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل ، فنادى يا صباحاه فاجتمعت عليه قريش». الحديث وذكر نحوه ومعنى تبت خابت وخسرت ، والتباب هو الخسار المفضي إلى الهلاك ، والمراد من اليد صاحبها وجملة بدنه ، وذلك على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله ، وجميعه ، وقيل إنه رمى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحجر ، فأدمى عقبه فلهذا ذكرت اليد ، وإن كان المراد جملة البدن فهو كقولهم خسرت يده ، وكسبت يده فأضيفت الأفعال إلى اليد ، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه.

فإن قلت لم كناه وفي الكنية تشريف وتكرمة قلت فيه وجوه أحدها أنه كان مشتهرا بالكنية دون الاسم ، فلو ذكره باسمه لم يعرف الثاني أنه كان اسمه عبد العزى ، فعدل عنه إلى الكنية لما فيه من الشّرك الثالث. أنه لما كان من أهل النّار ومآله إلى النار ، والنار ذات لهب وافقت حاله كنيته ، وكان جديرا بأن يذكر بها. (وَتَبَ) قيل الأول أخرج مخرج الدعاء عليه ، والثاني أخرج مخرج الخبر كما يقال أهلكه الله ، وقد هلك وقيل تبت يدا أبي لهب ، يعني ماله وملكه ، كما يقال فلان قليل ذات اليد يعنون به المال ، وتب يعني نفسه أي وقد أهلكت نفسه (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) قال ابن مسعود : لما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقرباءه إلى الله تعالى قال أبو لهب : إن كان ما تقول يا ابن أخي حقا ، فأنا أفتدي نفسي بمالي وولدي ، فأنزل الله تعالى : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ) ، أي شيء يغني عنه ماله ، أي ما يدفع عنه عذاب الله ، وما كسب يعني من المال ، وكان صاحب مواش ، أي ما جمع من المال أو ما كسب من المال ، أي الربح بعد رأس ماله ، وقيل وما كسب يعني ولده لأن ولده الإنسان من كسبه ، كما جاء في الحديث «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أولادكم من كسبكم» أخرجه التّرمذي ثم أوعده بالنّار فقال تعالى : (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) أي نارا تلتهب عليه (وَامْرَأَتُهُ) يعني أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن

٤٩٤

حرب عمة معاوية بن أبي سفيان ، وكانت في نهاية العداوة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) قيل كانت تحمل الشّوك ، والحسك والعضاه باللّيل ، فتطرحه في طريق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه لتؤذيهم بذلك وهي رواية عن ابن عباس فإن قلت إنها كانت من بيت العز والشرف فكيف يليق بها حمل الحطب؟ قلت يحتمل أنها كانت مع كثرة مالها ، وشرفها في نهاية البخل والخسة ، فكان يحملها بخلها على حمل الحطب بنفسها ، ويحتمل أنها كانت تفعل ذلك لشدّة عداوتها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا ترى أنها تستعين في ذلك بأحد بل تفعله هي بنفسها ، وقيل كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث وتلقي العداوة بين النّاس وتوقد نارها ، كما توقد النار الحطب يقال فلان يحطب على فلان إذا كان يغري به ، وقيل حمالة الخطايا والآثام التي حملتها في عداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنها كانت كالحطب في مصيرها إلى النار. (فِي جِيدِها) أي عنقها (حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) قال ابن عباس : سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا تدخل من فيها ، وتخرج من دبرها ، ويكون سائرها في عنقها. فتلت من حديد فتلا محكما وقيل هو حبل من ليف ، وذلك الحبل هو الذي كانت تحتطب به ، فبينما هي ذات يوم حاملة الحزمة أعيت ، فقعدت على حجر تستريح أتاها ملك ، فجذبها من خلفها ، فأهلكها ، وقيل هو حبل من شجر ينبت باليمن يقال له المسد ، وقيل قلادة من ودع ، وقيل كانت لها خرزات في عنقها ، وقيل كانت لها قلادة فاخرة. قالت لأنفقنها في عداوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والله تعالى أعلم.

٤٩٥

سورة الإخلاص

(وهي مكية وقيل مدنية وهي أربع آيات ، وخمس عشرة كلمة وسبعة وأربعون حرفا)

(فصل في فضلها)

(خ) عن أبي سعيد الخدري «أن رجلا سمع رجلا يقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن» ، وفي رواية قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشق ذلك عليهم فقالوا : أيّنا يطيق ذلك يا رسول الله فقال : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) ثلث القرآن» (م) عن أبي الدّرداء أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء ، فجعل قل هو الله أحد جزءا من القرآن» (م) عن أبي هريرة قال : «خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أقرأ عليكم ثلث القرآن ، فقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) ، حتى ختمها» ، وقد ذكر العلماء رضي الله عنهم في كونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن أقوال متناسبة متقاربة ، فقيل إن القرآن العزيز لا يعدو ثلاثة أقسام ، وهي الإرشاد إلى معرفة ذات الله تعالى وتقديسه أو صفاته وأسمائه أو معرفة أفعاله ، وسنته مع عباده ، ولما اشتملت سورة الإخلاص على أحد هذه الأقسام الثلاثة ، وهو التّقديس وازنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بثلث القرآن لأن منتهى التقديس في أن يكون واحدا في ثلاثة أمور لا يكون حاصلا منه من هو من نوعه وشبهه ودل عليه. قوله (لَمْ يَلِدْ) ، ولا يكون حاصلا ممن هو نظيره ، وشبيهه ، ودل عليه قوله (وَلَمْ يُولَدْ) ، ولا يكون أحد في درجته وإن لم يكن أصلا له ، ولا فرعا منه ، ودل عليه قوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ، ويجمع ذلك كله قوله (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، وجملته وتفصيله ، هو قولك لا إله إلا الله فهذا سر من أسرار القرآن المجيد الذي لا تتناهى أسراره ، ولا تنقضي عجائبه وقال الإمام فخر الدين الرّازي : لعل الغرض منه أن يكون المقصود الأشرف في جميع الشرائع ، والعبادات معرفة ذات الله جلّ جلاله وتعالى علاؤه وثناؤه ، ومعرفة أفعاله ، وهذه السورة مشتملة على معرفة ذات الله تعالى ، فلهذا كانت هذه السورة معادلة لثلث القرآن ، وقال الشّيخ محيي الدين النّووي رحمه‌الله ، قيل معناه إن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص ، وأحكام وصفات الله تعالى ، وقل هو الله أحد متضمنة للصفات ، فهي ثلث القرآن ، وجزء من ثلاثة أجزاء ، وقيل معناه أن ثواب قراءتها يتضاعف بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف. قوله يتقالها يقال استقللت الشيء ، وتقللته وتقاللته أي عددته قليلا في بابه ، ونظرت إليه بعين القلة قيل سميت (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) سورة الإخلاص. إما لأنها خالصة لله تعالى في صفته أو لأن قارئها قد أخلص لله التوحيد ، ومن فوائد هذه السّورة أن الاشتغال بقراءتها يفيد الاشتغال بالله ، وملازمة الأعراض عما سوى الله تعالى وهي متضمنة تنزيه الله تعالى ، وبراءته ، عن كل ما لا يليق به لأنها مع قصرها جامعة لصفات الأحدية والصّمدانية ، والفردانية ، وعدم النّظير عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد ، محيت عنه ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين» ، وفي رواية عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أراد أن ينام على فراشه ، فنام على يمينه فقرأ قل هو الله أحد مائة مرة فإذا كان يوم القيامة يقول

٤٩٦

الرب جلّ جلاله يا عبدي ادخل عن يمينك الجنة» أخرجه التّرمذي وقال : حديث غريب وعنه «أن رجلا قال يا رسول الله إني أحب هذه السّورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، قال حبك إيّاها أدخلك الجنة» أخرجه التّرمذي عن أبي هريرة قال «أقبلت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسمع رجلا يقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجبت قلت : وما وجبت قال الجنة» أخرجه الترمذي ، وقال حديث حسن غريب صحيح ، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤))

قوله عزوجل : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) عن أبي بن كعب «أن المشركين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انسب لنا ربك ، فأنزل الله (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) والصّمد الذي لم يلد ، ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله لا يموت ولا يورث ، ولم يكن له كفوا أحد. قال لم يكن له شبيه ، ولا عديل ، وليس كمثله شيء» أخرجه التّرمذي وقال : وقد روي عن أبي العالية أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر آلهتهم ، فقالوا انسب لنا ربك ، فأتاه جبريل بهذه السّورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وذكر نحوه ، ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب ، وهذا أصح وقال ابن عباس أن عامر بن الطفيل ، وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال عامر : إلام تدعونا يا محمد قال إلى الله قال صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة ، أم من حديد ، أم من خشب ، فنزلت هذه السّورة ، وأهلك الله أربد بالصاعقة وعامر بالطاعون ، وقد تقدم ذكرهما في سورة الرّعد ، وقيل جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك ، فإن الله تعالى أنزل نعته في التوراة ، فأخبرنا من أي شيء هو ، وهل يأكل ويشرب ، وممن ورث الربوبية ، ولمن يورثها ، فأنزل الله هذه السّورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يعني الذي سألتموني عنه هو الله الواحد في الألوهية ، والرّبوبية الموصوف بصفات الكمال والعظمة المنفرد عن الشبه ، والمثل والنظير ، وقيل لا يوصف أحد بالأحدية غير الله تعالى فلا يقال رجل أحد ، ودرهم أحد بل أحد صفة من صفات الله تعالى. استأثر بها فلا يشركه فيها أحد ، والفرق بين الواحد ، والأحد أن الواحد يدخل في الأحد ، ولا ينعكس ، وقيل إن الواحد يستعمل في الإثبات والأحد في النفي تقول في الإثبات رأيت رجلا واحدا ، وفي النفي ما رأيت أحدا ، فتفيد العموم ، وقيل الواحد هو المنفرد بالذات فلا يضاهيه أحد ، والأحد هو المنفرد بالمعنى فلا يشاركه فيه أحد (اللهُ الصَّمَدُ) قال ابن عباس : الصمد الذي لا جوف له وبه قال جماعة من المفسرين ، ووجه ذلك من حيث اللّغة أن الصّمد الشيء المصمد الصّلب الذي ليس فيه رطوبة ، ولا رخاوة ، ومنه يقال لسداد القارورة الصماد. فإن فسر الصمد بهذا كان من صفات الأجسام ، ويتعالى الله جلّ وعزّ عن صفات الجسمية ، وقيل وجه هذا القول إن الصمد الذي ليس بأجوف ، معناه هو الذي لا يأكل ، ولا يشرب ، وهو الغني عن كل شيء ، فعلى هذا الاعتبار هو صفة كمال ، والقصد بقوله الله الصّمد التّنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا له الإلهية ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) وقيل الصّمد الذي ليس بأجوف شيئان أحدهما دون الإنسان ، وهو سائر الجمادات الصّلبة والثاني أشرف من الإنسان وأعلى منه وهو البارئ جل وعز وقال أبي بن كعب الصمد الذي لم يلد ، ولم يولد لأن من يولد سيموت ، ومن يموت يورث منه. وروى البخاري في أفراده عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : الصّمد هو السّيد الذي انتهى سؤدده ، وهي رواية عن ابن عباس ، أيضا قال هو السيد الذي كمل فيه جميع أوصاف السؤدد ، وقيل هو السيد المقصود

٤٩٧

في جميع الحوائج المرغوب إليه في الرغائب المستعان به عند المصائب ، وتفريج الكرب وقيل هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وتلك دالة على أنه المتناهي في السودد والشرف ، والعلو والعظمة ، والكمال والكرم والإحسان ، وقيل الصمد الدائم الباقي بعد فناء خلقه ، وقيل الصمد الذي ليس فوقه أحد ، وهو قول علي ، وقيل هو الذي لا تعتريه الآفات ولا تغيره الأوقات وقيل هو الذي لا عيب فيه وقيل الصمد هو الأول الذي ليس له زوال والآخر الذي ليس لملكه انتقال. والأولى أن يحمل لفظ الصمد على كل ما قيل فيه لأنه محتمل له ، فعلى هذا يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله تعالى العظيم القادر على كل شيء وأنه اسم خاص بالله تعالى انفرد به له الأسماء الحسنى والصّفات العليا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

قوله عزوجل : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) وذلك أن مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الله ، وقالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النّصارى المسيح ابن الله فكذبهم الله عزوجل ، ونفى عن نفسه ما قالوا بقوله (لَمْ يَلِدْ) يعني كما ولد عيسى ، وعزير ، (وَلَمْ يُولَدْ) معناه أن من ولد كان له والد فنفى عنه إحاطة النسب من جميع الجهات ، فهو الأول الذي لم يتقدمه ، والد كان عنه وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه ، ومن كان كذلك فهو الذي لم يكن له كفوا أحد ، أي ليس له من خلقه مثل ، ولا نظير ولا شبيه فنفى عنه. بقوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) العديل والنّظير ، والصّاحبة والولد (خ) عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال الله عزوجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ، ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إيّاي فقوله لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ، ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» والله سبحانه وتعالى أعلم.

٤٩٨

سورة الفلق

مدنية وقيل مكية والأول أصح وهي خمس آيات وثلاث وعشرون كلمة وأربعة وسبعون حرفا.

(م) عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «ألم تر آيات أنزلت هذه اللّيلة لم ير مثلهن قط ، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) فيه بيان عظيم فضل هاتين السورتين ، وفيه دليل واضح على كونهما من القرآن ، وفيه رد على من نسب إلى ابن مسعود خلاف هذا ، وفيه بيان أن لفظة قل من القرآن أيضا وأنه من أول السورتين بعد البسملة ، وقد اجتمعت الأمة على هذا كله بعد خلاف ذكر فيه (خ) عن زر بن حبيش قال : «سألت أبي بن كعب عن المعوذتين قلت يا أبا الوليد إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا ، فقال سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : قيل لي فقلت فنحن نقول كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» ، وفي رواية مثلها ولم يذكر ابن مسعود عن عبد الله بن حبيب قال «أصابنا طش وظلمة فانتظرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي بنا فخرج فقال قلت ما أقول قال (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) ، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح تكفيك كل شيء» وفي رواية «قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بطريق مكة فأصبت خلوة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدنوت منه فقال قل قلت ما أقول قال (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) ، حتى تختمها ثم (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، حتى تختمها ثم قال : ما تعوذ بالنّاس بأفضل منهما» أخرجه النسائي عن جابر بمثله ، ومعنى الطّش الطشيش المطر الضّعيف ، وهو قول أبي الدّرداء.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥))

قوله عزوجل : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) قال ابن عباس وعائشة : «كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدبت إليه اليهود ، فلم يزالوا به حتى أخذ من مشاطة رأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعدة من أسنان مشطه ، فأعطاها اليهود ، فسحروه فيها ، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود فنزلت السورتان فيه». (ق) عن عائشة «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أن يصنع الشيء ولم يصنعه» وفي رواية «أنه يخيل إليه فعل الشيء ، وما فعله حتى إذا كان يوم ، وهو عندي دعا الله ، ودعاه ثم قال أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه قلت : وما ذاك يا رسول الله قد جاءني رجلان ، فجلس أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، ثم قال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب ، قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق قال : فيما ذا قال في مشط ومشاطة ، وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان ، ومن الرواة من قال في بئر بني زريق فذهب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله فأخرجه. قال أما أنا فقد عافاني الله وشفاني ، وخفت أن أثير

٤٩٩

على الناس منه شرا». وفي رواية للبخاري «أنه كان يرى أنه يأتي النساء ، ولا يأتيهن قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك» عن زيد بن أرقم قال «سحر رجل من اليهود النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاشتكى ذلك أياما فأتاه جبريل فقال إن رجلا من اليهود سحرك ، وعقد لك عقدا في بئر كذا فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا فاستخرجها ، فجاء بها فحلها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأنما نشط من عقال ، فما ذكر ذلك لليهودي ، ولا رآه في وجهه قط» أخرجه النسائي وروي «أنه كان تحت صخرة في البئر فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة ، فإذا فيه مشاطة من رأسه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسنان من مشطه» ، وقيل كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة وقيل كان مغروزا بالإبر فأنزل الله هاتين السورتين ، وهما إحدى عشرة آية سورة الفلق خمس آيات ، وسورة الناس ست آيات ، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها ، فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأنما نشط من عقال وروي «أنه لبث ستة أشهر ، واشتد عليه ذلك ثلاث ليال فنزلت المعوذتان» (م) عن أبي سعيد الخدري «أن جبريل أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال يا محمد اشتكيت قال نعم قال بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك».

(فصل وقبل الشروع في التفسير نذكر معنى الحديث ، وما قيل فيه ،

وما قيل في السحر ، وما قيل في الرقى)

قولها في الحديث إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشيء ، ولم يصنعه.

قال الإمام المازري : مذهب أهل السّنة ، وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر ، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثّابتة خلافا لمن أنكر ذلك ، ونفى حقيقته ، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها ، وقد ذكره الله في كتابه ، وذكر أنه مما يتعلم ، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به ، وأنه يفرق بين المرء ، وزوجه وهذا كله لا يمكن أن يكون مما لا حقيقة له وهذا الحديث الصحيح مصرح بإثباته ، ولا يستنكر في العقل أن الله تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام أو المزج بين قوي لا يعرفها إلا الساحر ، وأنه لا فاعل إلا الله تعالى ، وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى على يد من يشاء من عباده.

فإن قلت المستعاذ منه هل هو بقضاء الله ، وقدره فذلك قدح في القدرة.

قلت كل ما وقع في الوجود هو بقضاء الله وقدره ، والاستشفاء بالتّعوذ ، والرّقى من قضاء الله ، وقدره يدل على صحة ذلك. ما روى التّرمذي عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال : «سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقي بها ، ودواء نتداوى به ، وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا ، قال : هي من قدر الله تعالى» قال التّرمذي : هذا حديث حسن وعن عمر نفر من قدر الله إلى قدر الله تعالى.

(فصل)

وقد أنكر بعض المبتدعة حديث عائشة المتفق عليه ، وزعم أنه يحط منصب النّبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثّقة بالشّرع.

ورد على هذا المبتدع بأن الذي ادعاه باطل لأن الدّلائل القطعية ، والنقلية قد قامت على صدقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ ، والمعجزة شاهدة بذلك ، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل.

وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا ، وهو ما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له.

٥٠٠