تفسير الخازن - ج ٤

علاء الدين علي بن محمّد بن إبراهيم البغدادي [ الخازن ]

تفسير الخازن - ج ٤

المؤلف:

علاء الدين علي بن محمّد بن إبراهيم البغدادي [ الخازن ]


المحقق: عبدالسلام محمّد علي شاهين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-4459-6

الصفحات: ٥١٢

الخيل ، وكذا إيراء النار بحوافرها ، وإثارة الغبار أيضا ، وإنما أقسم الله بخيل الغزاة لما فيها من المنافع الدينية ، والدنيوية ، والأجر ، والغنيمة ، وتنبيها على فضلها ، وفضل رباطها في سبيل الله عزوجل ، ولما ذكر الله تعالى المقسم به ذكر المقسم عليه. فقال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) أي لكفور وهو جواب القسم قال ابن عباس : الكنود الكفور الجحود لنعمة الله تعالى ، وقيل الكنود هو العاصي ، وقيل هو الذي يعد المصائب ، وينسى النّعم ، وقيل هو قليل الخير مأخوذ من الأرض الكنود ، وهي التي لا تنبت شيئا ، وقال الفضيل بن عياض الكنود : الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان ، وضده الشّكور الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) قال أكثر المفسرين : وإن الله على كونه كنود الشّاهد ، وقيل الهاء راجعة إلى الإنسان ، والمعنى أنه شاهد على نفسه بما صنع (وَإِنَّهُ) يعني الإنسان (لِحُبِّ الْخَيْرِ) أي المال (لَشَدِيدٌ) أي لبخيل والمعنى أنه من أجل حب المال لبخيل ، وقيل معناه وإنه لحب المال وإيثار الدّنيا لقوي شديد (أَفَلا يَعْلَمُ) يعني هذا الإنسان (إِذا بُعْثِرَ) أي أثير وأخرج (ما فِي الْقُبُورِ) يعني من الموتى (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) أي ميز وأبرز ما فيها من الخير والشر (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ) أي جمع الكناية لأن الإنسان اسم جنس (يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) أي عالم والله تعالى خبير بهم في ذلك اليوم ، وفي غيره ، ولكن المعنى أنه يجازيهم في ذلك اليوم على كفرهم وإنما خص أعمال القلوب بالذّكر في قوله ، (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب ، فإنه لو لا البواعث والإرادات التي في القلوب لما حصلت أعمال الجوارح والله أعلم.

٤٦١

سورة القارعة

مكية وهي ثمان آيات وست وثلاثون كلمة ومائة واثنان وخمسون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١))

قوله عزوجل : (الْقارِعَةُ) أصل القرع الصّوت الشّديد ، ومنه قوارع الدّهر أي شدائده ، والقارعة من أسماء القيامة. سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بالفزع ، والشدائد وقيل سميت قارعة بصوت إسرافيل لأنه إذا نفخ في الصور مات جميع الخلائق من شدة صوت نفخته ، (مَا الْقارِعَةُ) تهويل وتعظيم ، والمعنى أنها فاقت القوارع في الهول والشّدة (وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) معناه لا علم لك بكنهها لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها فهم أحد وكيفما قدرت أمرها فهي أعظم من ذلك (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) الفراش هذه الطير التي تراها تتهافت في النار سميت بذلك لفرشها ، وانتشارها ، وإنما شبه الخلق عند البعث بالفراش ، لأن الفراش إذا ثار لم يتجه لجهة واحدة. بل كل واحدة تذهب إلى غير جهة الأخرى ، فدل بهذا التشبيه على أن الخلق في البعث يتفرقون ، فيذهب كل واحد إلى غير جهة الآخر ، والمبثوث المتفرق ، وشبههم أيضا بالجراد فقال : كأنهم جراد منتشر وإنما شبههم بالجراد لكثرتهم قال الفراء : كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا فشبه الناس عند البعث بالجراد لكثرتهم بموج بعضهم في بعض ، ويركب بعضهم بعضا من شدة الهول. (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) أي كالصّوف المندوف ، وذلك لأنها تتفرق أجزاؤها في ذلك اليوم حتى تصير كالصّوف المتطاير عند الندف ، وإنما ضم بين حال الناس وحال الجبال ، كأنه تعالى نبه على تأثير تلك القارعة في الجبال العظيمة الصّلدة الصّلبة حتى تصير كالعهن المنفوش ، فكيف حال الإنسان الضّعيف عند سماع صوت القارعة ثم لما ذكر حال القيامة قسم الخلق على قسمين فقال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) يعني رجحت موازين حسناته قيل هو جمع موزون ، وهو العمل الذي له قدر وخطر عند الله تعالى ، وقيل هو جمع ميزان وهو الذي له لسان وكفتان توزن فيه الأعمال فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان ، فإن رجحت فالجنة له ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة فتخف ميزانه ، فيدخل النار ، وقيل إنما توزن أعمال المؤمنين فمن ثقلت حسناته على سيئاته دخل الجنة ، ومن ثقلت سيئاته على حسناته دخل النار ، فيقتص منه على قدرها ثم يخرج منها ، فيدخل الجنة أو يعفو الله عنه بكرمه ، فيدخل الجنة بفضل الله وكرمه ، ورحمته ، وأما الكافرون فقد قال : في

٤٦٢

حقهم (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) روى عن أبي بكر الصّديق أنه قال : إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدّنيا ، وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدّنيا وخفته عليهم ، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.

قوله تعالى : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي مرضية في الجنة ، وقيل في عيشة ذات رضا يرضاها صاحبها (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) أي رجحت سيئاته على حسناته (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) أي مسكنة النّار سمي المسكن أمّا لأن الأصل في السكون الأمهات ، وقيل معناه فأم رأسه هاوية في النّار ، والهاوية اسم من أسماء النار ، وهي المهواة التي لا يدرك قعرها فيهوون فيها على رؤوسهم ، وقيل كان الرجل إذا وقع في أمر شديد يقال هوت أمه أي هلكت حزنا وثكلا (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) يعني الهاوية ثم فسرها فقال (نارٌ حامِيَةٌ) أي حارة قد انتهى حرها نعوذ بالله وعظمته منها والله سبحانه وتعالى أعلم.

٤٦٣

سورة التكاثر

مكية وهي ثمان آيات وثمان وعشرون كلمة ومائة وعشرون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢))

قوله عزوجل : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) أي شغلتكم المفاخرة ، والمباهاة ، والمكاثرة بكثرة المال ، والعدد ، والمناقب عن طاعة الله ربكم ، وما ينجيكم من سخطه ، ومعلوم أن من اشتغل بشيء أعرض عن غيره ، فينبغي للمؤمن العاقل أن يكون سعيه وشغله في تقديم الأهم وهو ما يقربه من ربه عزوجل. فالتفاخر بالمال والجاه والأعوان ، والأقرباء تفاخر بأخس المراتب ، والاشتغال به يمنع الإنسان من الاشتغال بتحصيل السّعادة الأخروية التي هي سعادة الأبد ، ويدل على أن المكاثرة ، والمفاخرة بالمال مذمومة ، ما روي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال : انتهيت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقرأ هذه الآية (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) «فقال يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت» أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح (خ) عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه ماله وأهله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أي حتى متم ودفنتم في المقابر يقال لمن مات زار قبره وزار رمسه ، فيكون معنى الآية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت ، وأنتم على ذلك قيل نزلت هذه الآية في اليهود ، قالوا نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، شغلهم ذلك حتى ماتوا ضلالا ، وقيل نزلت في حيين من قريش ، وهما بنو عبد مناف ، وبنو سهم بن عمرو ، وكان بينهم تفاخر فتعادوا القادة ، والأشراف أيّهم أكثر فقال بنو عبد مناف نحن أكثر سيدا ، وأعز عزيزا ، وأعظم نفرا ، وأكثر عددا ، وقال بنو سهم مثل ذلك ، فكاثرهم بنو عبد مناف ، ثم قالوا نعد موتانا فعدوا الموتى حتى زار والقبور ، فعدوهم فقالوا هذا قبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لأنهم كانوا في الجاهلية أكثر عددا فأنزل الله هذه الآية ، وهذا القول أشبه بظاهر القرآن لأن قوله (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) يدل على أمر مضى ، فكأنه تعالى يعجبهم من أنفسهم ويقول مجيبا هب إنكم أكثر عددا ، فما ذا ينفع ثم رد الله تعالى عليهم فقال :

(كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨))

(كَلَّا) أي ليس الأمر كما يتوهمه هؤلاء بالتّكاثر والتّفاخر ، وقيل المعنى حقا (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) وعيد لهم

٤٦٤

(ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) كرره توكيدا والمعنى سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم الموت ، فهو وعيد بعد وعيد ، وقيل معناه كلا سوف تعلمون يعني الكافرين ثم كلا سوف تعلمون يعني المؤمنين وصاحب هذا القول يقرأ الأولى بالياء والثانية بالتاء. (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) أي علما يقينا وجواب لو محذوف والمعنى لو تعلمون علما يقينا لشغلكم ما تعلمون عن التّكاثر والتّفاخر ، قال قتادة كنا نحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) اللام تدل على أنه جواب قسم محذوف والقسم لتوكيد الوعيد ، وإن ما أوعدوا به لا يدخله شك ولا ريب ، والمعنى أنكم ترون الجحيم بأبصاركم بعد الموت (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها) يعني مشاهدة (عَيْنَ الْيَقِينِ) وإنما كرر الرّؤية لتأكيد الوعيد (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) يعني أن كفار مكة كانوا في الدّنيا في الخير والنعمة ، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه لأنهم لم يشكروا رب النّعيم حيث عبدوا غيره ثم يعذبون على ترك الشكر ، وذلك لأن الكفار لما ألهاهم التّكاثر بالدّنيا ، والتّفاخر بلذاتها عن طاعة الله والاشتغال بشكره سألهم عن ذلك ، وقيل إن هذا السّؤال يعم الكافر ، والمؤمن ، وهو الأولى لكن سؤال الكافر توبيخ ، وتقريع لأنه ترك شكر ما أنعم الله به عليه ، والمؤمن يسأل سؤال تشريف وتكريم لأنه شكر ما أنعم الله به عليه ، وأطاع ربه فيكون السّؤال في حقه تذكرة بنعم الله عليه. يدل على ذلك ما روي «عن الزّبير قال لما نزلت (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال الزبير : يا رسول الله وأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التّمر والماء قال أما أنه سيكون» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن واختلفوا في النعيم الذي يسأل البعد عنه ، فروي عن ابن مسعود رفعه قال لتسألن يومئذ عن النّعيم قال الأمن ، والصحة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له ألم نصح لك جسمك ونروك من الماء البارد» أخرجه التّرمذي وقال حديث غريب (م) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة ، قالا الجوع يا رسول الله قال وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما ، فقوموا فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار ، فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت مرحبا وأهلا ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أين فلان قالت ذهب يستعذب لنا الماء إذا جاء الأنصاري ، فنظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحبيه ثم قال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني قال فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر ، وتمر ، ورطب فقال : كلوا وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إياك والحلوب ، فذبح لهم شاة فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي بكر وعمر والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النّعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النّعيم» وأخرجه التّرمذي بأطول من هذا «وفيه ظل بارد ورطب طيب وماء بارد» وروي عن ابن عباس قال : النّعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العبيد يوم القيامة فيم استعملوها وهو أعلم بذلك منهم ، وقيل يسأل عن الصحة والفراغ والمال (خ) عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» ، وقيل الذي يسأل العبد عنه هو القدر الزائد على ما يحتاج إليه فإنه لا بد لكل أحد من مطعم ، ومشرب ، وملبس ، ومسكن ، وقيل يسأل عن تخفيف الشرائع وتيسير القرآن ، وقيل عن الإسلام فإنه أكبر النّعم ، وقيل يسأل عما أنعم به عليكم وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي أنقذكم به من الضّلال إلى الهدى ، والنّور وامتنّ به عليكم والله أعلم.

٤٦٥

سورة العصر

مكية قاله ابن عباس والجمهور وقيل هي مدنية وهي ثلاث آيات وأربع عشر كلمة وثمانية وستون حرفا.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣))

قوله عزوجل : (وَالْعَصْرِ) قال ابن عباس : هو الدّهر قيل أقسم الله به لما فيه من العبر ، والعجائب للنّاظر وقد ورد في الحديث «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» وذلك لأنهم كانوا يضيفون النّوائب والنّوازل إلى الدهر ، فأقسم به تنبيها على شرفه وأن الله هو المؤثر فيه فما حصل فيه من النّوائب والنّوازل كان بقضاء الله وقدره ، وقيل تقديره ورب العصر ، وقيل أراد بالعصر اللّيل والنّهار لأنهما يقال لهما العصران ، فنبه على شرف الليل والنهار لأنهما خزانتان لأعمال العباد ، وقيل أراد بالعصر آخر طرفي النهار أقسم بالعشي كما أقسم بالضّحى ، وقيل أراد صلاة العصر أقسم بها لشرفها ولأنها الصّلاة الوسطى في قول بدليل قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) لما قيل هي صلاة العصر والذي في مصحف عائشة رضي الله عنها وحفصة والصّلاة الوسطى صلاة العصر وفي الصحيحين «شغلونا عن الصّلاة الوسطى صلاة العصر» وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» ، وقيل أراد بالعصر زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقسم بزمانه كما أقسم بمكانه في قوله (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) نبه بذلك على أنه زمانه أفضل الأزمان وأشرفها ، وجواب القسم قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) أي لفي خسران ونقصان قيل أراد بالإنسان جنس الإنسان بدليل قولهم كثر الدرهم في أيدي الناس أي الدرهم وذلك لأن الإنسان لا ينفك عن خسران ، لأن الخسران هو تضييع عمره وذلك لأن كل ساعة تمر من عمر الإنسان إما أن تكون تلك السّاعة في طاعة أو معصية ، فإن كانت في معصية فهو الخسران المبين الظاهر وإن كانت في طاعة ، فلعل غيرها أفضل وهو قادر على الإتيان بها فكان فعل غير الأفضل تضييعا وخسرانا ، فبان بذلك أنه لا ينفك أحد من خسران ، وقيل إن سعادة الإنسان في طلب الآخرة وحبها والإعراض عن الدّنيا ثم إن الأسباب الداعية إلى حب الآخرة خفية ، والأسباب الدّاعية إلى حب الدّنيا ظاهرة ، فلهذا السبب كان أكثر الناس مشتغلين بحب الدّنيا مستغرقين في طلبها ، فكانوا في خسار وبوار قد أهلكوا أنفسهم بتضييع أعمارهم ، وقيل أراد بالإنسان الكافر بدليل أنه استثنى المؤمنين فقال تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعني فإنهم ليسوا في خسر ، والمعنى أن كل ما مر من عمر الإنسان في طاعة الله تعالى فهو في

٤٦٦

صلاح وخير وما كان بضده فهو في خسر وفساد وهلاك. (وَتَواصَوْا) أي أوصى بعض المؤمنين بعضا (بِالْحَقِ) يعني بالقرآن والعمل بما فيه ، وقيل بالإيمان والتّوحيد (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) أي على أداء الفرائض وإقامة أمر الله وحدوده ، وقيل أراد أن الإنسان إذا عمر في الدّنيا وهرم لفي نقص وتراجع إلا الذين آمنوا ، وعملوا الصّالحات فإنهم تكتب أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحتهم وهي مثل قوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) والله سبحانه وتعالى أعلم.

٤٦٧

سورة الهمزة

مكية وهي تسع آيات وثلاثون كلمة ومائة وثلاثون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١))

قوله عزوجل : (وَيْلٌ) أي قبح ، وقيل اسم واد في جهنم (لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) قال ابن عباس هم المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب وقيل معناهما واحد وهو العياب المغتاب للناس في بعضهم قال الشاعر :

إذا لقيتك من كره تكاشرني

وإن تغيبت كنت الهامز اللمزا

وقيل بل يختلف معناهما فقيل الهمزة الذي يعيبك في الغيب ، واللّمزة الذي يعيبك في الوجه ، وقيل هو على ضده ، وقيل الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللّمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم ، وقيل هو الذي يهمز بلسانه ويلمز بعينه ، وقيل الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ ، واللمزة الذي يرمق بعينه ويشير برأسه ويرمز بحاجبه ، وقيل الهمزة المغتاب للناس واللمزة الطعان في أنسابهم وحاصل هذه الأقاويل يرجع إلى أصل واحد ، وهو الطعن وإظهار العيب وأصل الهمز الكسر والقبض على الشيء بالعنف ، والمراد منه هنا الكسر من أعراض الناس والغض منهم ، والطعن فيهم ، ويدخل فيه من يحاكي الناس بأقوالهم ، وأفعالهم ، وأصواتهم ليضحكوا منه ، وهما نعتان للفاعل على نحو سخرة وضحكة للذي يسخر ويضحك من الناس ، واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية ، فقيل نزلت في الأخنس بن شريق بن وهب. كان يقع في الناس ويغتابهم وقال محمد بن إسحاق : ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أمية بن خلف الجمحي ، وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ورائه ويطعن عليه في وجهه ، وقيل نزلت في العاص بن وائل السّهمي ، وقيل هي عامة في كل شخص هذه صفته كائنا من كان ، وذلك لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ والحكم ، ومن قال إنها في أناس معينين قال أن يكون اللّفظ عاما لا ينافي أن يكون المراد منه شخصا معينا وهو تخصيص العام بقرينة العرف والأولى أن تحمل على العموم في كل من هذه صفته ثم وصفه فقال تعالى :

(الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩))

(الَّذِي جَمَعَ مالاً) وإنما وصفه بهذا الوصف لأنه يجري مجرى السبب والعلة في الهمز واللمز يعني وهو بإعجابه بما جمع من المال يستصغر الناس ويسخر منهم ، وإنما نكر مالا لأنه بالنسبة إلى مال هو أكثر منه

٤٦٨

كالشّيء الحقير وإن كان عظيما عند صاحبه فكيف يليق بالعاقل أن يفتخر بالشيء الحقير (وَعَدَّدَهُ) أي أحصاه من العدد ، وقيل هو من العدة أي استعده وجعله ذخيرة وغنى له (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) أي يظن أنه يخلد في الدّنيا ولا يموت ليساره وغناه قال الحسن ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت ومعناه أن الناس لا يشكون في الموت مع أنهم يعملون عمل من يظن أنه يخلد في الدّنيا ولا يموت (كَلَّا) رد عليه أي لا يخلده ماله بل يخلده ذكر العلم ، والعمل الصّالح ومنه قول علي : مات خزان المال ، وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر ، وقيل معناه حقا (لَيُنْبَذَنَ) واللام في لينبذن جواب القسم فدل ذلك على حصول معنى القسم ، ومعنى لينبذن ليطرحن (فِي الْحُطَمَةِ) أي في النار ، وهو اسم من أسمائها مثل سقر ولظى ، وقيل هو اسم للدركة الثانية منها وسميت حطمة لأنها تحطم العظام وتكسرها ، والمعنى يا أيّها الهمزة اللمزة الذي يأكل لحوم الناس ، ويكسر من أعراضهم إن وراءك الحطمة التي تأكل اللحوم وتكسر العظام (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) أي نار لا كسائر النيران (نارُ اللهِ) إنما أضافها إليه على سبيل التفخيم والتعظيم لها (الْمُوقَدَةُ) أي لا تخمد أبدا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أوقد على النّار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة» أخرجه التّرمذي قال ويروى عن أبي هريرة موقوفا وهو أصح (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) أي يبلغ ألمها ووجعها إلى القلوب ، والمعنى أنها تأكل كل شيء حتى تنتهي إلى الفؤاد ، وإنما خص الفؤاد بالذكر لأنه ألطف شيء في بدن الإنسان ، وأنه يتألم بأدنى شيء ، فكيف إذا اطلعت عليه واستولت عليه ، ثم إنه مع لطافته لا يحترق إذ لو احترق لمات صاحبه ، وليس في النار موت ، وقيل إنما خصه بالذكر لأن القلب موطن الكفر ، والعقائد ، والنيات الفاسدة. (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) أي مطبقة مغلقة (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) قال ابن عباس : أدخلهم في عمد فمدت عليهم بعماد وفي أعناقهم السلاسل سدت عليهم بها الأبواب ، وقال قتادة : بلغنا أنهم عمد يعذبون بها في النّار ، وقيل هي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار ، والمعنى أنها مطبقة عليهم بأوتاد ممدودة ، وقيل أطبقت الأبواب عليهم ثم سدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا ينفتح عليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح ، وممددة صفة العمد ، أي مطولة فتكون أرسخ من القصيرة نعوذ بالله من النار ، وحرها والله سبحانه وتعالى أعلم.

٤٦٩

سورة الفيل

مكية وهي خمس آيات وعشرون كلمة وستة وتسعون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١))

قوله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) كانت قصة أصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير ، وعكرمة عن ابن عباس ، وذكره الواقدي أن النجاشي ملك الحبشة كان بعث أرياط إلى اليمن ، فغلب عليها فقام رجل من الحبشة يقال له أبرهة بن الصّباح بن يكسوم ، فساخط أرياط في أمر الحبشة حتى انصدعوا صدعين ، فكان طائفة مع أرياط ، وطائفة مع أبرهة ، فتزاحفا فقتل أبرهة أرياط ، واجتمعت الحبشة لأبرهة ، وغلب على اليمن ، وأقره النّجاشي على عمله ، ثم إن أبرهة رأى النّاس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة لحج بيت الله عزوجل ، فبنى كنيسة بصنعاء ، وكتب إلى النّجاشي إني قد بنيت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها ، ولست منتهيا حتى أصرف إليها حج العرب فسمع بذلك مالك بن كنانة فخرج لها ليلا ، فدخل وتغوط فيها ولطّخ بالعذرة قبلتها ، فبلغ ذلك أبرهة فقال : من اجترأ عليّ ، فقيل صنع ذلك رجل من العرب من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت ، فحلف أبرهة عند ذلك ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها ، فكتب إلى النجاشي يخبره بذلك ، وسأله أن يبعث إليه بفيله ، وكان له فيل يقال له محمود ، وكان فيلا لم ير مثله عظما ، وجسما ، وقوة ، فبعث به إليه ، فخرج أبرهة في الحبشة سائرا إلى مكة ، وخرج معهم الفيل ، فسمعت العرب بذلك ، فعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم ، فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له ذو نفر بمن أطاعه من قومه ، فقاتلوه فهزمه أبرهة ، وأخذ ذا نفر فقال يا أيها الملك استبقني فإن بقائي خير لك من قتلي فاستحياه وأوثقه وكان أبرهة رجلا حليما ، ثم سار حتى إذا دنا من بلاد خثعم ، خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي في خثعم ومن اجتمع إليه من قبائل اليمن ، فقاتلوه فهزمهم ، وأخذ نفيلا فقال نفيل أيها الملك إني دليل بأرض العرب ، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطّاعة ، فاستبقاه وخرج معه يدله حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن مغيث في رجال من ثقيف فقال : أيّها الملك نحن عبيدك ليس عندنا خلاف لك ، إنما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه ، فبعثوا معه أبا رغال مولى لهم ، فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال وهو الذي يرجم قبره ، وبعث أبرهة رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مسعود على مقدمة خيله ، وأمره بالغارة على نعم الناس ، فجمع الأسود أموال أصحاب الحرم ، وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير ، ثم إن أبرهة أرسل بحناطة الحميري إلى أهل مكة ، وقال له : سل عن شريفها ، ثم أبلغه ما أرسلك به إليه أخبره أني لم آت لقتال ، إنما جئت لأهدم هذا البيت ، فانطلق حتى دخل مكة ، فلقي عبد المطلب بن هاشم فقال له إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال ، إلا أن تقاتلوه ، إنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم ، فقال عبد المطلب : ما له عندنا قتال ولا

٤٧٠

لنا به يد إنا سنخلي بينه وبين ما جاء له ، فإن هذا بيت الله الحرام ، وبيت إبراهيم خليله عليه الصّلاة والسّلام ، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه وإن يخل بينه وبين ذلك فو الله ما لنا به قوة قال فانطلق معي إلى الملك ، فزعم بعض العلماء أنه أردفه على بغلة كان عليها ، وركب معه بعض بنيه حتى قدم على العسكر ، وكان ذو نفر صديقا لعبد المطلب ، فأتاه فقال : يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟ قال فما غناء رجل أسير لا يأمن من أن يقتل بكرة أو عشية ، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل ، فإنه لي صديق ، فأسأله أن يصنع لك عند الملك ما استطاع من خير ، ويعظم خطرك ، ومنزلتك عنده قال فأرسل إلى أنيس ، فأتاه فقال ، له إن هذا سيد قريش ، وصاحب عير مكة يطعم النّاس في السّهل ، والوحوش في رؤوس الجبال ، وقد أصاب الملك له مائتي بعير فإن استطعت أن تنفعه عنده ، فانفعه فإنه صديق لي أحب ما وصل إليه من الخير ، فدخل أنيس على أبرهة فقال : أيها الملك هذا سيد قريش ، وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السّهل ، والوحوش في رؤوس الجبال يستأذن عليك ، وأنا أحب أن تأذن له ، فيكلمك فقد جاء غير ناصب ، ولا مخالف عليك ، فأذن له وكان عبد المطلب رجلا جسيما ، وسيما فلما رآه أبرهة عظمه ، وأكرمه ، وكره أن يجلس معه على السرير وأن يجلس تحته ، فهبط إلى البساط فجلس عليه ، ثم دعاه ، فأجلسه معه ثم قال لترجمانه قل له ما حاجتك إلى الملك فقال الترجمان : ذلك له فقال له عبد المطلب حاجتي إلى الملك أن يرد عليّ مائتي بعير أصابها لي ، فقال أبرهة لترجمانه قل له كنت أعجبتني حين رأيتك ، ولقد زهدت الآن فيك قال لم قال جئت إلى بيت هو دينك ، ودين آبائك ، وهو شرفكم ، وعصمتكم لأهدمه لم تكلمني فيه ، وتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، قال عبد المطلب : أنا رب هذه الإبل ، ولهذا البيت رب سيمنعه منك ، قال ما كان ليمنعه مني قال فأنت وذاك فأمر بإبله فردت عليه ، فلما ردت الإبل على عبد المطلب خرج ، فأخبر قريشا الخبر وأمرهم أن يتفرقوا في الشّعاب ويتحرزوا في رؤوس الجبال تخوفا عليهم من معرة الحبش ، ففعلوا وأتى عبد المطلب الكعبة ، وأخذ حلقة الباب وجعل يقول :

يا رب لا أرجو لهم سواكا

يا رب فامنع منهم حماكا

إن عدو البيت من عاداكا

امنعهم أن يخربوا قراكا

وقال أيضا :

لا هم إن العبد يمنع

رحله فامنع رحالك

وانصر على آل الصليب

وعابديه اليوم آلك

لا يغلبن صليبهم

ومحالهم عدوا محالك

جروا جموع بلادهم

والفيل كي يسبوا عيالك

عمدوا حماك بكيدهم

جهلا وما رقبوا جلالك

إن كنت تاركهم و

كعبتنا فأمر ما بدا لك

ثم ترك عبد المطلب الحلقة ، وتوجه في بعض تلك الوجوه مع قومه ، وأصبح أبرهة بالمغمس ، وقد تهيأ للدخول ، وهيأ جيشه ، وهيأ فيله ، وكان فيلا لم ير مثله في العظم والقوة ، ويقال كان معه اثنا عشر فيلا ، فأقبل نفيل إلى الفيل الأعظم ، ثم أخذ بإذنه ، وقال له أبرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك ببلد الله الحرام ، فبرك الفيل ، فبعثوه فأبى ، فضربوه بالمعول في رأسه ، فأدخلوا محاجنهم تحت مراقه ، ومرافقه ، ففزعوه ليقوم فأبى فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ، ففعل مثل ذلك ، ووجوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك فصرفوه إلى الحرم ، فبرك وأبى أن يقوم ، وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل ، وأرسل الله عزوجل طيرا من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طائر منها ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره أمثال

٤٧١

الحمص ، والعدس ، فلما غشين القوم أرسلناها عليهم ، فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك ، وليس كل قوم أصابت وخرجوا هاربين لا يهتدون إلى الطريق الذي جاءوا منه ويتساءلون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، ونفيل ينظر إليهم من بعض الجبال وفي ذلك يقول نفيل :

فإنك ما رأيت ولن تراه

لدى حين المحصب ما رأينا

حمدت الله إذ أبصرت طيرا

وحصب حجارة تلقى علينا

وكلهم يسائل عن نفيل

كأن عليّ للحبشان دينا

وخرج القوم وماج بعضهم في بعض يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون في كل منهل ، وبعث الله على أبرهة داء في جسده ، فجعل تتساقط أنامله كلما سقطت أنملة تبعتها مدة من قيح ، ودم ، فانتهى إلى صنعاء ، وهو مثل فرخ الطّير ، فيمن بقي من أصحابه ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، ثم هلك قال الواقدي : وأما محمود فيل النجاشي فربض ولم يشجع على الحرم ، والفيل الآخر شجعوا ، فحصبوا أي رموا بالحصباء ، وقال بعضهم انفلت أبو يكسوم وزير أبرهة ، وتبعه طير ، فحلّق فوق رأسه حتى بلغ النّجاشي فقص عليه القصة ، فلما أنهاها وقع عليه حجر من ذلك الطير ، فخر ميتا بين يدي النجاشي قال أمية بن أبي الصّلت :

إن آيات ربنا ساطعات

ما يماري فيهن إلا الكفور

حبس الفيل بالمغمس حتى

ظل يعوي كأنه معقور

وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت : رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة يستطعمان الناس ، وزعم مقاتل بن سليمان أن السبب الذي جرأ أصحاب الفيل ، أن فئة من قريش أججوا نارا حين خرجوا تجارا إلى أرض النّجاشي ، فدنوا من ساحل البحر ، وثم بيعة للنّصارى تسميها قريش الهيكل ، فنزلوا فأججوا النّار واشتووا ، فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف ، فهاجت الريح ، فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصّريخ إلى النّجاشي فأسف غضبا للبيعة ، فبعث أبرهة لهدم الكعبة ، وكان في مكة يومئذ أبو مسعود الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتو بمكة ، وكان رجلا نبيها نبيلا تستقيم الأمور برأيه ، وكان خليلا لعبد المطلب فقال له عبد المطلب : ما ذا عندك فهذا يوم لا يستغنى فيه عن رأيك؟ فقال أبو مسعود اصعد بنا إلى حراء ، فصعد الجبل فقال أبو مسعود لعبد المطلب اعمد إليّ مائة من الإبل ، فاجعلها لله وقلدها نعلا ، واجعلها لله ثم أبثثها في الحرم ، فلعل بعض السودان يعقر منها شيئا ، فيغضب رب هذا البيت ، فيأخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم إلى تلك الإبل ، فحملوا عليها ، وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو فقال أبو مسعود إن لهذا البيت ربا يمنعه فقد نزل تبع ملك اليمن صحن هذا البيت ، وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه ، وأظلم عليه ثلاثة أيام ، فلما رأى تبع ذلك كساه القباطي البيض ، وعظمه ونحر له جزورا ، فانظر نحو البحر ، فنظر عبد المطلب فقال : أرى طيرا بيضاء نشأت من شاطئ البحر فقال ارمقها ببصرك أين قرارها قال أراها قد دارت على رؤوسنا ، قال : هل تعرفها؟ قال والله ما أعرفها ما هي بنجدية ، ولا بتهامية ، ولا عربية ، ولا شامية ، قال : ما قدرها؟ قال : أشباه اليعاسيب في مناقيرها حصى ، كأنها حصى الخذف قد أقبلت كالليل يتبع بعضها بعضا أمام كل رفقة طير يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق ، فجاءت حتى إذا حاذت عسكر القوم ركدت فوق رؤوسهم ، فلما توافت الرجال كلهم أهالت الطير ما في مناقيرها على من تحتها مكتوب على كل حجر اسم صاحبه ، ثم إنها رجعت من حيث جاءت فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل ، فمشيا حتى صعدا ربوة ، فلم يؤنسا أحدا ثم دنوا فلم يسمعا حسا فقال بات القوم سامرين ، فأصبحوا نياما فلما دنوا من عسكر القوم فإذا هم خامدون وكان يقع الحجر على بيضة أحدهم

٤٧٢

فيخرقها حتى تقع في دماغه ، وتخرق الفيل والدّابة ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه ، فعمد عبد المطلب ، فأخذ فأسا من فؤوسهم ، فحفر حتى أعمق في الأرض ، فملأه من الذهب الأحمر ، والجواهر ، وحفر لصاحبه مثله فملأه ثم قال لأبي مسعود اختر إن شئت حفرتي وإن شئت حفرتك ، وإن شئت فهما لك معا فقال أبو مسعود فاختر لي على نفسك ، فقال عبد المطلب إني أرى أجود المتاع في حفرتي فهي لك وجلس كل واحد منهما على حفرته ونادى عبد المطلب في الناس فتراجعوا ، وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ، وساد عبد المطلب بذلك قريشا ، وأعطته القادة فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود في أهليهما في غنى من ذلك المال ، ودفع الله عزوجل عن كعبته ، واختلفوا في تاريخ عام الفيل ، فقيل كان قبل مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأربعين سنة وقيل بثلاث وعشرين سنة ، والأصح الذي عليه الأكثرون من علماء السير ، والتواريخ ، وأهل التفسير أنه كان في العام الذي ولد فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنهم يقولون ولد عام الفيل ، وجعلوه تاريخا لمولده صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأما التّفسير فقوله عزوجل (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم ، وذلك لأن هذه الواقعة كانت قبل مبعثه بزمان طويل إلا أن العلم بها كان حاصلا عنده لأن الخبر بها كان مستفيضا معروفا بمكة وإذا كان كذلك فكأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم علمه وشاهده يقينا ، فلهذا قال تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) ، قيل كان معهم فيل واحد ، وقيل كانوا فيلة ثمانية ، وقيل اثني عشر وإنما وحده لأنه نسبهم إلى الفيل الأعظم الذي كان يقال له محمود ، وقيل وإنما وحده لو فاق الآي ، وفي قصة أصحاب الفيل دلالة عظيمة على قدرة الله تعالى وعلمه ، وحكمته إذ يستحيل في العقل أن طيرا تأتي من قبل البحر تحمل حجارة ترمي بها ناسا مخصوصين ، وفيها دلالة عظيمة على شرف محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعجزة ظاهرة له وذلك أن الله تعالى إنما فعل ذلك لنصر من ارتضاه ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الدّاعي إلى توحيده ، وإهلاك من سخط عليه ، وليس ذلك لنصرة قريش ، فإنهم كانوا كفارا لا كتاب لهم ، والحبشة لهم كتاب فلا يخفى على عاقل ، أن المراد بذلك نصر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكأنه تعالى قال أنا الذي فعلت ما فعلت بأصحاب الفيل تعظيما لك ، وتشريفا لقدومك ، وإذ قد نصرتك قبل قدومك فكيف أتركك قبل ظهورك.

(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥))

(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ) يعني مكرهم ، وسعيهم في تخريب الكعبة (فِي تَضْلِيلٍ) أي تضييع وخسار ، وإبطال ما أرادوا أضل كيدهم ، فلم يصلوا إلى ما أرادوا من تخريب البيت ، بل رجع كيدهم عليهم ، فخربت كنيستهم ، واحترقت ، وهلكوا وهو قوله تعالى : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) يعني طيرا كثيرة متفرقة يتبع بعضها بعضا ، وقيل أبابيل أقاطيع كالإبل المؤبلة ، وقيل أبابيل جماعات في تفرقة قيل لا واحد لها من لفظها ، وقيل واحدها أبالة ، وقيل أبيل ، وقيل أبول مثل عجول قال ابن عباس : كانت طيرا لها خراطيم ، كخراطيم الطير ، وأكف كأكف الكلاب ، وقيل رؤوس كرؤوس السباع ، وقيل لها أنياب كأنياب السباع ، وقيل طير خضر لها مناقير صفر ، وقيل طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا مع كل طائر ثلاثة أحجار ، حجران في رجليه ، وحجر في منقاره لا تصيب شيئا إلا هشمته ، ووجه الجمع بين هذه الأقاويل في اختلاف أجناس هذه الطير أنه كانت فيها هذه الصفات كلها فبعضها على ما حكاه ابن عباس ، وبعضها على ما حكاه غيره ، فأخبر كل واحد بما بلغه من صفاتها ، والله أعلم.

قوله عزوجل : (تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ) قال ابن مسعود : صاحت الطّير ، ورمتهم بالحجارة ، وبعث الله ريحا ، فضربت بالحجارة ، فزادتها شدة ، فما وقع حجر منها على رجل إلا خرج من الجانب الآخر ، وإن وقع على رأسه

٤٧٣

خرج من دبره (مِنْ سِجِّيلٍ) قيل السّجيل اسم علم للدّيوان الذي كتب فيه عذاب الكفار ، واشتقاقه من الإسجال ، وهو الإرسال ، والمعنى ترميهم بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدون بما كتب الله في ذلك الكتاب ، وقيل معناه من طين مطبوخ كما يطبخ الأجر ، وقيل سجيل حجر ، وطين مختلط ، وأصله سنك ، وكل فارسي معرب ، وقيل سجيل الشّديد. (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) يعني كزرع وتبن أكلته الدّواب ، ثم راثته ، فيبس ، وتفرقت أجزاؤه شبه تقطع أوصالهم ، وتفرقها بتفرق أجزاء الرّوث ، وقيل العصف ورق الحنطة ، وهو التبن ، وقيل كالحب إذا أكل ، فصار أجوف وقال ابن عباس : هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف ، والله تعالى أعلم.

٤٧٤

سورة قريش

مكية وقيل مدنية والأول أصح وأكثر وهي أربع آيات وسبع عشرة كلمة وثلاثة وسبعون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١))

قوله عزوجل : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) اختلفوا في هذه اللام ، فقيل هي متعلقة بما قبلها وذلك أن الله تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم بما صنع بالحبشة ، فقال فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ، أي هلك أصحاب الفيل لتبقى قريش ، وما ألفوا من رحلة الشتاء والصيف ، ولهذا جعل أبي بن كعب هذه السّورة وسورة الفيل واحدة ولم يفصل بينهما في مصحفه ببسم الله الرّحمن الرّحيم والذي عليه الجمهور من الصحابة وغيرهم ، وهو المشهور أن هذه السّورة منفصلة عن سورة الفيل وأنه لا تعلق بينهما وأجيب عن مذهب أبي بن كعب في جعل هذه السّورة ، والسورة التي قبلها سورة واحدة بأن القرآن كالسورة الواحدة يصدق بعضه بعضا ويبين بعضه معنى بعض وهو معارض أيضا بإطباق الصّحابة ، وغيرهم على الفصل بينهما ، وأنهما سورتان فعلى هذا القول اختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله (لِإِيلافِ) ، فقيل هي لام التعجب ، أي اعجبوا الإيلاف قريش رحلة الشّتاء والصّيف ، وتركهم عبادة رب هذا البيت ، ثم أمرهم بعبادته ، فهو كقوله على وجه التعجب اعجبوا لذلك ، وقيل هي متعلقة بما بعدها تقديره ، فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، أي ليجعلوا عبادتهم شكرا لهذه النعمة والإيلاف من ألفت الشيء إلفا وهو بمعنى الائتلاف فيكون المعنى لإيلاف قريش هاتين الرحلتين فتتصلا ولا تتقطعا ، وقيل هو من ألفت كذا ، أي لزمته وألفنيه الله ألزمنيه الله ، وقريش هم ولد النضر بن كنانة ، فكل من ولده النضر ، فهو من قريش ، ومن لم يلده النضر ، فليس بقرشي (م) عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم» (م) عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «الناس تبع لقريش في الخير والشر» (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن الناس تبع لقريش في هذا الشّأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم» عن سعيد بن زيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من أراد هوان قريش أهانه الله» أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن غريب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اللهم أذقت أول قريش نكالا ، فأذق آخرهم نوالا» أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح غريب.

النكال : العذاب ، والمشقة ، والشّدة ، والنّوال : العطاء ، والخير ، وسموا قريشا من القرش ، والتقريش وهو الجمع ، والتكسب ، يقال فلان يقرش لعياله ، ويقترش لهم ، أي يكتسب وذلك لأن قريشا كانوا قوما تجارا وعلى جمع المال ، والأفضال حراصا ، وقال أبو ريحانة سأل معاوية عبد الله بن عباس لم سميت قريش قريشا قال لدابة تكون في البحر هي من أعظم دوابه يقال لها القرش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته ، وهي تأكل ولا

٤٧٥

تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، قال وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها قال نعم وأنشده شعر الجمحي.

وقريش هي التي تسكن البحر

بها سميت قريش قريشا

سلطت بالعلو في لجة البحر

وعلى سائر البحور جيوشا

تأكل الغث والسمين ولا تترك

فيه لذي الجناحين ريشا

هكذا في الكتاب حي قريش

يأكلون البلاد أكلا كشيشا

ولهم في آخر الزمان نبي

يكثر القتل فيهم والخموشا

يملأ الأرض خيلة ورجالا

يحشرون المطي حشرا كميشا

وقيل إن قريشا كانوا متفرقين في غير الحرم ، فجمعهم قصي بن كلاب ، وأنزلهم الحرم فاتخذوه مسكنا فسموا قريشا لتجمعهم ، والتقرش التجمع يقال تقرش القوم إذا تجمعوا ، وسمي قصي مجمعا لذلك قال الشاعر :

أبو كم قصي كان يدعى مجمعا

به جمع الله القبائل من فهر

(إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤))

وقوله تعالى : (إِيلافِهِمْ) هو بدل من الأول تفخيما لأمر الإيلاف ، وتذكيرا لعظم المنة فيه. (رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) قال ابن عباس كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف فأمرهم الله تعالى أن يقيموا بالحرم ، ويعبدوا رب هذا البيت ، وقال الأكثرون كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة : رحلة في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ ، ورحلة في الصيف إلى الشام ، وكان الحرم واديا مجدبا لا زرع فيه ، ولا ضرع ، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم ، وكانوا لا يتعرض لهم أحد بسوء ، وكانوا يقولون قريش سكان حرم الله وولاة بيته وكانت العرب تكرمهم ، وتعزهم ، وتعظمهم لذلك ، فلو لا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة ولو لا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف ، فشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام ، فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن ، فحملوا الطعام إلى مكة ، أهل الساحل حملوا طعامهم في البحر على السفن إلى مكة وأهل البر حملوا على الإبل والحمير فألقى أهل الساحل بجدة وأهل البر بالمحصب وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة وألفوا بالأبطح فامتار أهل مكة من قريب ، وكفاهم الله مؤنة الرحلتين جميعا وقال ابن عباس : كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين ، فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني ، والفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم ، وقال الكلبي : كان أول من حمل السمراء يعني القمح إلى الشام ، ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف وفيه يقول الشاعر :

قل للّذي طلب السّماحة والنّدى

هلّا مررت بآل عبد مناف

هلا مررت بهم تريد قراهم

منعوك من ضر ومن إكفاف

الرّائشين وليس يوجد رائش

والقائلين هلم للأضياف

والخالطين غنيهم بفقيرهم

حتى يكون فقيرهم كالكافي

والقائمين بكل وعد صادق

والرّاحلين برحلة الإيلاف

عمرو العلا هشيم الثّريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف

سفرين سنهما له ولقومه

سفر الشتاء ورحلة الأصياف

قوله عزوجل : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) يعني الكعبة ، وذلك أن الإنعام على قسمين أحدهما : دفع

٤٧٦

ضر ، وهو ما ذكره في سورة الفيل ، والثاني جلب نفع ، وهو ما ذكره في هذه السّورة ، ولما دفع الله عنهم الضّر ، وجلب لهم النفع ، وهما نعمتان عظيمتان أمرهم بالعبودية ، وأداء الشكر ، وقيل إنه تعالى لما كفاهم أمر الرّحلتين أمرهم أن يشتغلوا بعبادة رب هذا البيت. فإنه هو (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ومعنى الذي أطعمهم من جوع ، أي من بعد جوع بحمل الميرة إليهم من البلاد في البر والبحر ، وقيل في معنى الآية أنهم لما كذبوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا عليهم ، فقال اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف فاشتد عليهم القحط ، وأصابهم الجوع ، والجهد ، فقالوا : يا محمد ادع الله لنا فإنا مؤمنون فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخصبت البلاد ، وأخصب أهل مكة بعد القحط ، والجهد ، فذلك قوله تعالى (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ، أي بالحرم وكونهم من أهل مكة حتى لم يتعرض لهم أحد في رحلتهم ، وقيل آمنهم من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدهم الجذام ، وقيل آمنهم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالإسلام والله أعلم.

٤٧٧

سورة الماعون

مكية وقيل نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل والنصف الثاني بالمدينة في عبد الله بن أبي بن سلول المنافق.

وهي سبع آيات وخمس وعشرون كلمة ومائة وخمسة وعشرون حرفا.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١))

قوله عزوجل : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) قيل نزل في العاص بن وائل السّهمي ، وقيل في الوليد بن المغيرة ، وقيل في عمرو بن عائذ المخزومي ، وفي رواية عن ابن عباس أنها في رجل من المنافقين ، ومعنى الآية هل عرفت الذي يكذب بيوم الجزاء ، والحساب ، فإن لم تعرفه.

(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧))

(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) ولفظ أرأيت استفهام ، والمراد به المبالغة في التّعجب من حال هذا المكذب بالدّين وهو خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل هو خطاب لكل واحد ، والمعنى أرأيت يا أيها الإنسان أو يا أيّها العاقل هذا الذي يكذب بالدين بعد ظهور دلائله ، ووضوح بيانه ، فكيف يليق به ذلك الذي يدع اليتيم ، أي يقهره ، ويدفعه عن حقه ، والدع الدفع بعنف ، وجفوة ، والمعنى أنه يدفعه عن حقه ، وماله بالظلم ، وقيل يترك المواساة له وإن لم تكن المواساة واجبة ، وقيل يزجره ، ويضربه ، ويستخف به ، وقرئ يدعو بالتخفيف ، أي يدعوه ليستخدمه قهرا واستطالة. (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه لأنه يكذب بالجزاء ، وهذا غاية البخل ، لأنه يبخل بماله وبمال غيره بالإطعام.

قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) يعني المنافقين ، ثم نعتهم فقال تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) روى البغوي بسنده عن سعد قال «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال إضاعة الوقت» وقال ابن عباس : هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس. ويصلون في العلانية إذا حضروا معهم لقوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) وقال تعالى في وصف المنافقين (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ) ، وقيل ساه عنها لا يبالي صلّى أو لم يصل ، وقيل لا يرجون لها ثوابا إن صلوا ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا ، وقيل غافلون عنها ويتهاونون بها ، وقيل هم الذين إن صلوا صلوها رياء وإن فاتتهم لم يندموا عليها وقيل هم الذين لا يصلونها لمواقيتها ، ولا يتمون ركوعها ، ولا سجودها ، وقيل لما قال تعالى عن صلاتهم ساهون بلفظة عن علم

٤٧٨

أنها في المنافقين ، والمؤمن قد يسهو في صلاته والفرق بين السهوين أن سهو المنافق هو أن لا يتذكرها ، ويكون فارغا عنها ، والمؤمن إذا سها في صلاته تداركه في الحال ، وجبره بسجود السهو فظهر الفرق بين السّهوين ، وقيل السّهو عن الصّلاة هو أن يبقى ناسيا لذكر الله في جميع أجزاء الصّلاة ، وهذا لا يصدر إلا من المنافق الذي يعتقد أنه لا فائدة في الصّلاة ، فأما المؤمن الذي يعتقد فائدة صلاته ، وأنها عليه واجبة ، ويرجو الثواب على فعلها ، ويخاف العقاب على تركها ، فقد يحصل له سهو في الصّلاة يعني أن يصير ساهيا في بعض أجزاء الصّلاة بسبب وارد يرد عليه بوسوسة الشّيطان أو حديث النّفس ، وذلك لا يكاد يخلو منه أحد ، ثم يذهب ذلك الوارد عنه ، فثبت بهذا الفرق أن السّهو عن الصّلاة من أفعال المنافق والسّهو في الصّلاة من أفعال المؤمن. (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) يعني يتركون الصّلاة في السّر ويصلونها في العلانية ، والفرق بين المنافق ، والمرائي أن المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان ، والمرائي يظهر الأعمال مع زيادة الخشوع ليعتقد فيه من يراه أنه من أهل الدّين والصّلاح أما من يظهر النّوافل ليقتدى به ويأمن على نفسه من الرّياء ، فلا بأس بذلك وليس بمراء ثم وصفهم بالبخل. فقال تعالى : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) روي عن علي أنه قال هي الزكاة ، وهو قول ابن عمر والحسن ، وقتادة ، والضحاك ووجه ذلك أن الله تعالى ذكرها بعد الصلاة فذمهم على ترك الصّلاة ومنع الزكاة ، وقال ابن مسعود : الماعون الفاس والدلو والقدر ، وأشباه ذلك ، وهي رواية عن ابن عباس ، ويدل عليه ما روي عنه قال كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عارية الدّلو ، والقدر ، أخرجه أبو داود ، وقال مجاهد : الماعون العارية وقال عكرمة : الماعون أعلاه الزكاة المفروضة ، وأدناه عارية المتاع ، وقال محمد بن كعب القرظي : الماعون المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم وقيل أصل الماعون من القلة فسمي الزّكاة والصّدقة ، والمعروف ماعونا لأنه قليل من كثير ، وقيل الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء ، والملح ، والنار ، ويلتحق بذلك البئر ، والتنور في البيت فلا يمنع جيرانه من الانتفاع بهما ، ومعنى الآية الزجر عن البخل بهذه الأشياء القليلة الحقيرة ، فإن البخل بها في نهاية البخل قال العلماء ويستحب أن يستكثر الرجل في بيته مما يحتاج إليه الجيران فيعيرهم ويتفضل عليهم ولا يقتصر على الواجب ، والله أعلم.

٤٧٩

سورة الكوثر

وهي مكية قاله ابن عباس والجمهور ، وقيل إنها مدنية قاله الحسن وعكرمة ، وقتادة وهي ثلاث آيات وعشر كلمات واثنان وأربعون حرفا

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣))

قوله عزوجل : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) نهر في الجنة أعطاه الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل الكوثر القرآن العظيم ، وقيل هو النّبوة ، والكتاب ، والحكمة ، وقيل هو كثرة أتباعه ، وأمته ، وقيل الكوثر الخير الكثير كما فسره ابن عباس (خ) عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه ، قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير أن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ، فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه ، وأصل الكوثر فوعل من الكثرة ، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو كثير القدر والخطر كوثرا ، وقيل الكوثر الفضائل الكثيرة التي فضل بها على جميع الخلق فجميع ما جاء في تفسير الكوثر فقد أعطيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطي النبوة ، والكتاب ، والحكمة ، والعلم ، والشفاعة ، والحوض المورود ، والمقام المحمود ، وكثرة الأتباع ، والإسلام ، وإظهاره على الأديان كلها ، والنّصر على الأعداء ، وكثرة الفتوح في زمنه وبعده إلى يوم القيامة.

وأولى الأقاويل في الكوثر الذي عليه جمهور العلماء ، أنه نهر في الجنة كما جاء مبينا في الحديث (ق) عن أنس قال «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءه ثم رفع رأسه متبسما ، فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال أنزلت عليّ آنفا سورة ، فقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ، ثم قال أتدرون ما الكوثر ، قلنا الله ورسوله أعلم قال ، فإنه نهر وعدنيه ربي عزوجل فيه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة. آنيته عدد نجوم السماء ، فيختلج العبد منهم ، فأقول رب إنه من أمتي. فيقول ما تدري ما أحدث بعدك» لفظ مسلم وللبخاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لما عرج بي إلى السّماء أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فإذا طينه أو طينته مسك أذفر» شك الراوي عن أنس رضي الله عنه قال «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما الكوثر قال ذلك نهر أعطانيه الله يعني في الجنة أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزور ، قال عمر إن هذه لناعمة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكلتها أنعم منها» أخرجه التّرمذي ، وقال حديث حسن صحيح.

عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر ، والياقوت تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج» أخرجه التّرمذي ، وقال حديث حسن صحيح

٤٨٠