تفسير الإمام الحسين عليه السلام

تفسير الإمام الحسين عليه السلام

المؤلف:


المحقق: السيد محمد علي الحلو
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة في العتبة الحسينيّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٩

فقال : نعم يا إلهي ، قال الله جلّ جلاله : قم بين يدي ، وأشدد مئزرك قيام العبد الذليل ، بين يدي الملك الجليل ، ففعل ذلك موسى عليه‌السلام فنادى ربّنا عزوجل يا أمّة محمّد فأجابوه كلهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم : لبيك اللهمّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك [لبيك] قال : فجعل الله عزوجل تلك الإجابة شعار الحجّ.

ثمّ نادى ربنا عزوجل : يا أمّة محمّد إن قضائي عليكم أن رحمتي سبقت غضبي وعفوي قبل عقابي ، فقد استجبت لكم من قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم من قبل أن تسألوني ، من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، صادق في أقواله ، محق في أفعاله ، وأنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أخوه ووصيه من بعده ووليه يلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمّد فإنّ أولياءه المصطفين المطهرين المبانين بعجائب آيات الله ، ودلائل حجج الله من بعده أولياءه ، أدخله جنّتي وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر. قال : فلما بعث الله عزوجل نبينا محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يا محمّد (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) أمتك بهذه الكلمة ثم قال عزوجل لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قل الحمد لله ربّ العالمين على ما أخصصتني به من هذه الفضيلة وقال لأمته : قولوا أنتم : الحمد لله ربّ العالمين على ما أخصصتنا به من هذه الفضائل» (١).

__________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه‌السلام ٥٥٢ ، معهد تحقيقات باقر العلوم / قم الطبعة الثالثة ١٤١٦ ه‍.

٨١

قوله تعالى :

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.)

عن الحاكم النيسابوري بسنده عن الحسين بن علي عليهما‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أن يجوز على الصراط كالريح العاصف ويلج الجنة بغير حساب فليتول وليي ووصيي وصاحبي وخليفتي على أهلي علي بن أبي طالب ، ومن أراد أن يلج النار فليترك ولايته فو عزة ربي وجلاله إنّه باب الله الذي لا يؤتى إلا منه ، وإنه الصراط المستقيم وإنه الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة (١).

وقوله تعالى :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.)

سورة الفاتحة الآية : ١.

حدثنا محمّد بن القاسم المفسر المعروف بأبي الحسن الجرجاني رضي الله عنه قال : حدثنا يوسف بن محمّد بن زياد وعلي بن محمّد بن سيار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه الرضا علي ابن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن

__________________

(١) شواهد التنزيل للحاكم النيسابوري : ١ ، ٧٦.

٨٢

علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أخيه الحسن بن علي عليهم‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

إن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية من فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات تمامها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن الله عزوجل قال لي : يا محمّد (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)(١) فافرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم وان فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش وان الله عزوجل خص محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشرفه بها ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان عليه‌السلام ، فإنه أعطاه منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : يحكي عن بلقيس حين قالت :

(أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٢) ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمّد وآله الطيبين منقادا لأمرهما مؤمنا بظاهرهما وباطنهما أعطاه الله عزوجل بكل حرف منها حسنة ، كل واحدة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها ، ومن استمع إلى قارئ يقرؤها كان له بقدر ما للقارئ ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم ، فإنه غنيمة لا يذهبن أوانه فتبقى قلوبكم في الحسرة.

__________________

(١) سورة الحجر : الآية ٨٧.

(٢) سورة النمل : الآية ٢٩ و ٣٠.

٨٣

وفي عيون الأخبار : حدّثنا محمّد بن القاسم المفسر الاسترآبادي (رضي الله عنه) قال : حدثنا يوسف بن محمّد بن زياد ، وعلي بن محمّد بن سيار عن أبويهما ، عن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه علي بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الله عزوجل : قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي : ولعبدي ما سأل ، إذا قال العبد : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال الله جلّ جلاله : بدأ عبدي باسمي وحق عليّ أن أتمم له أموره وأبارك له في أحواله فإذا قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال جلّ جلاله : حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من عندي ، وأن البلايا التي دفعت عنه فبتطولي (١). أشهدكم أنّي أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة ، وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا وإذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال الله جلّ جلاله : شهد لي عبدي أنّي الرّحمن الرحيم ، أشهدكم لأوفرن من رحمتي حظه ، ولأجزلن من عطائي نصيبه ، فإذا قال : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله تعالى : أشهدكم كما أعترف أنّي أنا الملك يوم الدين لأسهلن يوم الحساب حسابه ، ولأتجاوزن عن سيئاته ، فإذا قال العبد : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) قال الله عزوجل :

__________________

(١) التطول : الامتنان ، وفي بعض النسخ (فبطولي) وهو بمعنى العطاء والفضل.

٨٤

صدق عبدي ، إياي يعبد أشهدكم لأثيبنه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي : فإذا قال : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله تعالى : بي استعان ، وإليّ التجأ ، أشهدكم لأعيننّه على أمره ، ولأغيثنّه في شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه ، فإذا قال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) إلى آخر السورة قال الله جلّ جلاله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ، فقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل ، وآمنته مما وجل منه (١).

تفسير سورة البقرة

قوله تعالى :

(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.)

سورة البقرة الآية : ٧٤ ، ٧٥.

عن الحسين بن علي عليهما‌السلام في قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) قال : إنه يقول : يبست قلوبكم معاشر اليهود

__________________

(١) عيون الأخبار : ١ : ٣٠٠ / ب ٢٨ / ح ٥٩.

٨٥

كالحجارة اليابسة ، لا ترشح برطوبته ، أي أنكم لا حق الله تؤدون ، ولا أموالكم تتصدّقون ، ولا بالمعروف تتكرّمون ، ولا للضيف تقرون ولا مكروبا تغيثون ، ولا بشيء من الإنسانية تعاشرون وتواصلون ، أو أشد قسوة أبهم على السامعين ولم يبيّن لهم كما يقول القائل : أكلت خبزا أو لحما ، وهو لا يريد به أني لا أدري ما أكلت بل يريد به أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ما ذا أكل ، وإن كان يعلم أن قد أكل أيهما ، (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) أي قلوبكم في القساوة بحيث لا يجيء منها خير يا يهودي : وفي الحجارة ما يتفجر منه الأنهار فتجيء بالخير والنبات لبني آدم ، (وَإِنَّ مِنْها) أي من الحجارة (لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) دون الأنهار وقلوبكم لا يجيء منها الكثير من الخير ولا القليل (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ) أي من الحجارة إن أقسم عليها باسم الله تهبط ، وليس في قلوبكم شيء منه فقالوا : زعمت يا محمّد أن الحجارة ألين من قلوبنا وهذه الجبال بحضرتنا فاستشهدها على تصديقك فإن نطقت بتصديقك فأنت المحق ، فخرجوا إلى أوعر جبل (١) فقالوا : استشهده ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أسألك يا جبل بجاه محمّد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه» ، فتحرّك الجبل وفاض الماء ، فنادى ، أشهد أنك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن قلوب هؤلاء اليهود كما

__________________

(١) الأوعر : المكان الأصلب ضد الأسهل عن المصدر.

٨٦

وصفت أقسى من الحجارة ، فقال اليهود : أعلينا تلبس أجلست أصحابك خلف هذا الجبل ينطقون بمثل هذا ، فإن كنت صادقا فتنح من موضعك إلى ذي القرار ، ومر هذا الجبل يسير إليك ، ومره أن ينقطع نصفين ترتفع السفلى وتنخفض العليا ، فأشار إلى حجر تدحرج ، فتدحرج ، ثم قال لمخاطبه : «خذه وقرّبه فسيعيد عليك ما سمعت ، فإن هذا خير من ذلك الجبل» ، فأخذه الرجل فأدناه من أذنه فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل ، قال : فائتني بما اقترحت ، فتباعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فضاء واسع ثم نادى : «أيها الجبل بحق محمّد وآله الطيبين لما اقتلعت من مكانك بإذن الله ، وجئت إلى حضرتي» ، فتزلزل الجبل وسار مثل الفرس الهملاج (١) فنادى : أنا سامع لك ومطيع أمرك.

فقال : «هؤلاء اقترحوا عليّ ان آمرك أن تنقطع من أصلك فتصير نصفين فينحط أعلاك ويرتفع أسفلك» ، فانقطع نصفين وارتفع أسفله وانخفض أعلاه ، فصار فرعه أصله ثم نادى الجبل : أهذا الذي ترون دون معجزات موسى الذي تزعمون أنكم به تؤمنون؟ فقال رجل منهم : هذا رجل تتأتى له العجائب فنادى الجبل ، يا عدو الله أبطلتم بما تقولون نبوة موسى حيث كان وقوف الجبل فوقهم كالظلل ، فيقال : هو رجل تتأتى له العجائب فلزمتهم الحجة ولم يسلموا (٢).

__________________

(١) دابة هملاج : حسنة السير في سرعة وبخترة عن المصدر.

(٢) الخرائج والجرائج : ٥١٩ / فصل في أعلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٨٧

قوله تعالى :

(وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ.)

البقرة الآية : ٣٥.

عن الحسين بن علي عن علي عليهما‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال إنما كان لبث آدم وحوا في الجنة حتى خرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أكلا من الشجرة فأهبطهما الله إلى الأرض من يومهما ذلك قال فحاج آدم ربّه فقال يا رب أرأيتك قبل أن تخلقني كنت قدّرت عليّ هذا الذنب وكل ما صرت وأنا صائر إليه ، أو هذا شيء فعلته أنا من قبل أن تقدره عليّ غلبت عليّ شقوتي فكان ذلك مني وفعلي لا منك ولا من فعلك؟ قال له : يا آدم أنا خلقتك وعلمتك أني أسكنك وزوجتك الجنة وبنعمتي ما جعلت فيك من قوتي قويت بجوارحك على معصيتي ولم تغب عن عيني ولم يخل علمي من فعلك ولا مما أنت فاعله قال آدم يا رب الحجة لك عليّ يا رب قال : فحين خلقتني وصوّرتني ونفخت فيّ من روحي وسجدت لك ملائكتي ونوّهت باسمك في سمواتي ، وابتدائك بكرامتي وأسكنتك جنّتي ، ولم أفعل ذلك إلا برضا منّي عليك ابتليتك بذلك من غير أن يكون عملت لي عملا تستوجب به عندي ما فعلت بك ، قال آدم : يا ربّ الخير منك والشرّ مني ، قال الله : يا آدم أنا الله الكريم خلقت الخير قبل الشرّ ، وخلقت رحمتي قبل غضبي ، وقدّمت بكرامتي قبل هواني ، وقدّمت

٨٨

باحتجاجي قبل عذابي ، يا آدم ألم أنهك عن الشجرة وأخبرك أن الشيطان عدوّ لك ولزوجتك؟ وأحذّر كما قبل أن تصيرا إلى الجنة ، وأعلمكما أنّكما أن أكلتما من الشجرة لكنتما ظالمين لا نفسكما عاصين لي ، يا آدم لا يجاورني في جنتي ظالم عاص بي قال : فقال : بلى يا ربّ الحجّة لك علينا ، ظلمنا أنفسنا وعصينا وإلّا تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين قال : فلما أقرّا لربهما بذنبهما ، وأن الحجة من الله لها ، تداركتهما رحمة الرحمن الرحيم ، فتاب عليهما ربّهما إنه هو التوّاب الرحيم.

قال الله : يا آدم اهبط أنت وزوجك إلى الأرض فإذا أصلحتما أصلحتكما ، وإن عملتما لي قوّيتكما ، وإن تعرّضتما لرضاي تسارعت إلى رضاكما ، وإن خفتما مني آمنتكما من سخطي ، قال فبكيا عند ذلك وقالا : ربّنا فأعنا على صلاح أنفسنا وعلى العمل بما يرضيك عنا ، قال الله لهما : إذا عملتما سوءا فتوبا إليّ منه أتب عليكما وأنا الله التواب الرحيم ، قال : فأهبطنا برحمتك إلى أحبّ البقاع إليك ، قال : فأوحى الله إلى جبرائيل أن أهبطهما إلى البلدة المباركة مكة فهبط بهما جبرائيل فألقى آدم على الصّفا وألقى حوّا على المروة قال : فلما القيا ما على أرجلهما ورفعا رؤوسهما إلى السماء وضجا بأصواتهما بالبكاء إلى الله وخضعا بأعناقهما ، قال فهتف الله بهما ما يبكيكما بعد رضاي عنكما؟ قال : فقالا : ربنا أبكتنا خطيئتنا وهي أخرجتنا من جوار ربّنا وقد خفي عنا تقديس ملائكتك لك ربنا وبدت لنا عوراتنا وأخطرنا ذنبنا إلى حرث الدنيا ومطعمها ومشربها ودخلتنا وحشة شديدة

٨٩

لتفريقك بيننا ، قال فرحمهما الرحمن الرحيم عند ذلك وأوصى إلى جبريل أنا الله الرحمن الرحيم وأنّي قد رحمت آدم وحوّا لما شكيا إليّ فاهبط عليهما بخيمة من خيام الجنة وعزّهما عني بفراق الجنة ، واجمع بينهما في الخيمة فاني قد رحمتهما لبكائهما ووحشتهما ووحدتهما وانصب لهما الخيمة على الترعة التي بين جبال مكة ، قال والترعة مكان البيت وقواعدها التي رفعتها الملائكة قبل ذلك فهبط جبرائيل على آدم بالخيمة على مقدار أركان البيت وقواعده ، فنصبها. قال : وأنزل جبرائيل آدم من الصفا وأنزل حوّا من المروة وجمع بينهما في الخيمة قال : وكان عمود الخيمة قضيب ياقوت أحمر فأضاء نوره وضوؤه جبال مكة وما حولها ، قال وكلما امتد ضوء العمود فجعله الله حرما فهو مواضع الحرم اليوم كل ناحية من حيث بلغ ضوء العمود فجعله الله حرما لحرمة الخيمة والعمود لأنهن من الجنة قال : ولذلك جعل الله الحسنات في الحرم مضاعفة والسيئات فيه مضاعفة قال : ومدت أطناب الخيمة حولهما فمنتهى أوتادها ما حول المسجد الحرام قال : وكانت أوتارها من غصون الجنة وأطنابها من ظفائر الأرجوان قال : فأوحى الله إلى جبرائيل أهبط على الخيمة سبعين ألف ملك يحرسونها من مردة الجن ويؤنسون آدم وحوّا ويطوفون حول الخيمة تعظيما للبيت والخيمة ، قال فهبطت الملائكة فكانوا بحضرة الخيمة يحرسونها من مردة الشياطين والعتاة ويطوفون حول أركان البيت والخيمة كل يوم وليلة كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور ، قال وأركان البيت

٩٠

الحرام في الأرض حيال البيت المعمور الذي في السماء. قال : ثم ان الله أوحى إلى جبرائيل بعد ذلك أن اهبط إلى آدم وحوّا فنحّهما عن مواضع قواعد بيتي لأني أريد ان أهبط في ظلال من ملائكتي إلى أرضي فأرفع أركان بيتي لملائكتي ولخلقي من ولد آدم قال فهبط جبرائيل على آدم وحوّا فأخرجهما من الخيمة ونهاهما عن ترعة البيت الحرام ونحّى الخيمة عن موضع الترعة قال ووضع آدم على الصفا ووضع حوّا على المروة ورفع الخيمة إلى السماء فقال آدم وحوّا يا جبرائيل أبسخط من الله حولتنا وفرقت بيننا أم برضا تقديرا من الله علينا فقال لهما : لم يكن ذلك سخطا من الله عليكما ولكن الله عزوجل لا يسأل عما يفعل ، يا آدم ان السبعين ألف ملك الذين أنزلهم الله إلى الأرض ليؤنسوك ويطوفون حول أركان البيت والخيمة سألوا الله أن يبني لهم مكان الخيمة بيتا على موضع الترعة المباركة حيال البيت المحمود فيطوفون حوله كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور ، فأوحي الله إليّ أن أنحيّك وحوّا وأرفع الخيمة إلى السماء ، فقال آدم رضينا بتقدير الله ونافذ أمره فينا فكان آدم على الصفا وحوا على المروة قال : فداخل آدم لفراق حوّا وحشة شديدة وحزن قال فهبط من الصفا يريد المروة شوقا إلى حوا وليسلم عليها وكان فيما بين الصفا والمروة واديا وكان آدم يرى المروة من فوق الصفا ، فلما انتهى إلى موضع الوادي غابت عنه المروة فسعى في الوادي حذرا لما لم ير المروة مخافة ان يكون قد ضل عن طريقه فلما ان جاز الوادي وارتفع عنه نظر إلى المروة فمشى

٩١

حتى انتهى إلى المروة فصعد عليها فسلم على حرّا ثم اقبلا بوجههما نحو موضع الترعة ينظران هل رفع قواعد البيت ويسألان الله أن يردهما إلى مكانهما حتى هبط من المروة فرجع إلى الصفا فقام عليه وأقبل بوجهه نحو موضع الترعة فدعا الله ثم أنه اشتاق إلى حوّا فهبط من الصفا يريد المروة ففعل مثل ما فعله في المرة الأولى ثم رجع إلى الصفا ففعل عليه مثل ما فعل في المرة الأولى ثم انه هبط من الصفا إلى المروة ففعل مثل ما فعل في المرتين الأوليين ثم رجع إلى الصفا فقام عليه ودعا الله أن يجمع بينه وبين زوجته حوّا قال : فكان ذهاب آدم من الصفا إلى المروة ثلاث مرات ورجوعه ثلاث مرات ، فذلك ستة أشواط فلما ان دعيا الله وبكيا إليه وسألاه ان يجمع بينهما استجاب الله لهما من ساعتهما من يومهما ذلك مع زوال الشمس ، فاتاه جبرائيل وهو على الصفا واقف يدعو الله مقبلا بوجهه نحو الترعة فقال له جبرائيل ، انزل يا آدم من الصفا فالحق بحوّا فنزل آدم من الصفا إلى المروة ففعل مثل ما فعل في الثلاث المرات حتى انتهى إلى المروة فصعد عليها وأخبر حوّا بما أخبره جبرائيل ففرحا بذلك فرحا شديدا وحمدا الله وشكراه فلذلك جرت السنة بالسعي بين الصفا والمروة ولذلك قال الله (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما.)

قال ثم أن جبرائيل أتاهما فأنزلهما من المروة وأخبرهما ان الجبار تسبارك وتعالى قد هبط إلى الأرض فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصفا وحجر من

٩٢

المروة وحجر من طور سينا وحجر من جبل السلام وهو ظهر الكوفة فأوحى الله إلى جبرائيل ان ابنه وأتمه.

قال : فاقتلع جبرائيل الأحجار الأربعة بأمر الله من مواضعهن بجناحيه فوضعها حيث أمره الله في أركان البيت على قواعده التي قدرها الجبار ونصب أعلامها ثم أوحى الله إلى جبرائيل ان ابنه وأتممه بحجارة من أبي قبيس واجعل له بابين باب شرقي وباب غربي.

قال : فأتمه جبرائيل فلما أن فرغ منه طافت الملائكة حوله فلما نظر آدم وحوا إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا بالبيت سبعة أشواط ثم خرجا يطلبان ما يأكلان وذلك من يومهما الذي هبط بهما فيه (١).

قوله تعالى :

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ.)

يونس : ٤١.

كتب يزيد إلى عمرو بن سعيد كتابا فيه أبيات أمره أن يقرأ ما فيه على أهل الموسم وكتب مثله إلى أهل المدينة ومن تلك الأبيات.

__________________

(١) تفسير كنز الدقائق ١ : ٣٥ ـ ٣٨.

٩٣

أبلغ قريشا على نأي المزار بها

بيني وبين الحسين الله والرحم

عنيتم قومكم فخرا بأمكم

أم لعمري حصان عمها الكرم

هي التي لا يداني فضلها أحد

بنت الرسول وكل الناس قد علموا

يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ سكنت

واستمسكوا بحبال الخير واعتصموا

ووجه أهل المدينة الأبيات إلى الحسين بن علي عليهما‌السلام فلما نظر إليها علم انها من يزيد فكتب إليهم في الجواب.

بسم الله الرحمن الرحيم : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)(١).

قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.)

البقرة الآية : ٢٩.

عن الحسين بن علي عليهما‌السلام قال :

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في قول الله عزوجل (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.)

__________________

(١) مقتل الخوارزمي ١ : ٢١٩ ، أدب الحسين وحماسته : ١٢١.

٩٤

قال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) : لتعتبروا ولتتوصلوا به إلى رضوانه وتتوقوا به من عذاب نيرانه.

(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) : أخذ في خلقها وإتقانها.

(فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) : ولعلمه بكل شيء علم المصالح فخلق لكم كلما في الأرض لمصالحكم يا بني آدم (١).

قوله تعالى :

(إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.)

البقرة الآية : ٣٠.

عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي :

عن علي عليه‌السلام قال :

بينما أنا أمشي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض طرقات المدينة إذ لقينا شيخ طويل كث اللحية بعيد ما بين المنكبين ، فسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورحب به ثم التفت إليّ فقال : السلام عليك يا رابع الخلفاء ورحمة الله

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ : ١٥.

٩٥

وبركاته ، أليس كذلك هو يا رسول الله؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بلى.

ثم مضى فقلت يا رسول الله ما هذا الذي قال لي هذا الشيخ وتصديقك له؟

قال : أنت كذلك والحمد لله ، إن الله عزوجل قال في كتابه (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(١) والخليفة المجعول فيها آدم عليه‌السلام وقال : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) فهو الثاني.

وقال عزوجل حكاية عن موسى حين قال لهارون عليهما‌السلام (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ)(٢) فهو هارون عليهما‌السلام ، إذ استخلفه موسى عليه‌السلام في قومه فهو الثالث.

وقال عزوجل (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)(٣) فكنت أنت المبلغ عن الله وعن رسوله وأنت وصيي ووزيري وقاضي ديني والمؤدي عني وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، فأنت رابع الخلفاء كما سلم عليك الشيخ. أو لا تدري من هو؟ قلت : لا.

قال : ذاك أخوك الخضر عليه‌السلام فاعلم (٤).

__________________

(١) سورة ص ، الآية : ٢٦

(٢) سورة أعراف ، الآية : ١٤٢.

(٣) سورة التوبة ، الآية : ٣.

(٤) عيون أخبار الرضا : ٢ : ١٢.

٩٦

قوله تعالى :

(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.)

البقرة الآية : ٣١.

قال علي بن الحسين حدثني أبي [الحسين بن علي عليه‌السلام] عن أبيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [قال] قال : يا عباد الله إنّ آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره ، رأى النور ، ولم يتبين الأشباح فقال يا ربّ ما هذه الأنوار؟ قال الله عزوجل : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت دعاء لتلك الأشباح فقال آدم : يا رب لو بينتها لي؟ فقال الله عزوجل : انظر يا آدم إلى ذروة العرش فنظر آدم ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا فقال : يا رب ما هذه الأشباح قال الله تعالى : يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي : هذا محمّد وأنا المحمود الحميد في أفعالي ، شققت له اسما من اسمي وهذا علي وأنا العليّ العظيم شققت له اسما من اسمي وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض ، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عما يعدّهم ويسيئهم فشققت لها اسما من اسمي وهذان

٩٧

الحسن والحسين وأنا المحسن [و] المجمل شققت اسميهما من اسمي هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي بهم آخذ وبهم أعطي ، وبهم أعاقب وبهم اثبت ، فتوسل إليّ بهم. يا آدم وإذا دهتك داهية فاجعل إليّ شفعاءك فإني آليت على نفسي قسما حقا [أن] لا أخيب بهم آملا ولا أرد بهم سائلا ، فلذلك حين زلت منه الخطيئة دعا الله عزوجل بهم فتاب عليه وغفر له (١).

قوله تعالى :

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ.)

البقرة الآية : ٣٤.

عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه : عن الحسين بن علي عليهم‌السلام قال : ان يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لعلي عليه‌السلام في كلام طويل : هذا آدم أسجد الله له ملائكته فهل فعل بمحمّد شيئا من هذا؟.

فقال له علي عليه‌السلام : لقد كان كذلك ولئن أسجد الله لآدم ملائكته فإن سجودهم لم يكن سجود طاعة ، انّهم عبدوا آدم من دون الله عزوجل ولكن اعترافا لآدم بالفضيلة ، ورحمة من الله له.

__________________

(١) تفسير العسكري : ١١٢ ـ ١١٤.

٩٨

ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطي ما هو أفضل من هذا ، ان الله عزوجل صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها ، وتعبّد المؤمنون بالصلاة عليه ، فهذه زيادة يا يهودي (١).

قوله تعالى :

(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.)

البقرة الآية : ٤٩.

عن الحسين بن علي عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليهم‌السلام ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لما حضرت يوسف عليه‌السلام الوفاة جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه ثم حدثهم بشدة تنالهم تقتل فيها الرجال ، وتشق فيها بطون الحبالى ، وتذبح الأطفال ، حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب ، وهو رجل أسمر طوال ، ووصفه ونعته لهم بنعته ، فتمسكوا بذلك ووقعت الغيبة والشدة ببني إسرائيل وهم ينتظرون قيام القائم أربعمائة سنة ، حتى إذا بشروا بولادته ـ ورأوا علامات ظهوره اشتدت البلوى عليهم وحمل عليهم بالحجارة والخشب ، وطلب الفقيه الذي كان

__________________

(١) الاحتجاج : ٢١٠ ، تفسير نور الثقلين ١ : ٣٤.

٩٩

يستريحون إلى أحاديثه ، فاستتر فراسلوه فقالوا : كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك فخرج بهم إلى بعض الصحارى ، وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر ، وكانت ليلة قمراء فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم موسى عليه‌السلام وكان في ذلك الوقت حديث السن وقد خرج من دار فرعون يظهر النزهة ، فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة ، وعليه طيلسان خز فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وانكب على قدميه فقبلهما ثم قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فانكبوا على الأرض شكرا لله عزوجل ، فلم يزدهم إلا أن قال : أرجو أن يعجل الله فرجكم ، ثم غاب بعد ذلك وخرج إلى مدينة مدين ، فأقام عند شعيب النّبي ما أقام ، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى ، وكانت نيفا وخمسين سنة واشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه فبعثوا إليه إنه لا صبر لنا على استتارك عنا فخرج إلى بعض الصحارى واستدعاهم وطيب نفوسهم وأعلمهم أن الله عزوجل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة فقالوا بأجمعهم : الحمد لله فأوحى الله عزوجل إليه قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد لله فقالوا : كل نعمة فمن الله فأوحى الله إليه قل لهم : قد جعلتها عشرين سنة ، فقالوا لا يأتي بالخير إلا الله فأوحى الله إليه قل لهم : قد جعلتها عشرا سنة ، فقالوا : لا يصرف السوء إلا الله ، فأوحى الله إليه قل لهم لا تبرحوا فقد أدنت لكم في فرجكم ، فبيناهم كذلك إذ طلع موسى عليه‌السلام راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه وجاء موسى ـ عليه‌السلام ـ حتى وقف

١٠٠