تفسير الإمام الحسين عليه السلام

تفسير الإمام الحسين عليه السلام

المؤلف:


المحقق: السيد محمد علي الحلو
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة في العتبة الحسينيّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٩

وقوله تعالى :

(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧) وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)(١).

في تفسير علي بن إبراهيم في قوله (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) قتل الحسين عليه‌السلام (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧) وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) أي لأحد من آل محمّد فلا تتخذوا من غيرهم وليا (٢).

وقال أيضا حدثنا الحسين بن عامر عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن صفوان بن يحيى عن حكيم الحناط عن ضريس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) قال الحسن والحسين عليهما‌السلام.

وقال أيضا : حدثنا الحسين بن أحمد المالكي عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن المثنى الحناط عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله ـ عزوجل ـ (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) قال هي في القائم عليه‌السلام وأصحابه (٣).

__________________

(١) الجن الآية : ١٧ ، ١٨.

(٢) نور الثقلين ٢٦ ج ٨.

(٣) تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب / ١٠٢ ـ ١٠٣ ج / ٩.

٦١

ما ورد عن الإمام الحسين عليه‌السلام في فضل القرآن

محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن علي بن الحكم أو غيره عن سيف بن عميرة عن رجل عن جابر عن مسافر عن بشر بن غالب الأسدي عن الحسين بن علي عليهما‌السلام قال :

من قرأ آية من كتاب الله عزوجل في صلاته قائما يكتب له بكل حرف مائة حسنة ، فإذا قرأها في غير صلاة كتب الله له بكل حرف عشر حسنات ، وان استمع القرآن كتب الله له بكل حرف حسنة ، وان ختم القرآن ليلا صلت عليه الملائكة حتى يصبح ، وان ختمه نهارا صلت عليه الحفظة حتى يمسي ، وكانت له دعوة مجابة وكان خيرا له مما بين السماء إلى الأرض ، قلت هذا لمن قرأ القرآن فمن لم يقرأ؟. قال : يا أخا بني أسد ان الله جواد ماجد كريم ، إذا قرأ ما معه أعطاه الله ذلك (١).

الصدوق حدثنا محمّد بن الحسن رحمه‌الله قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن محمّد بن مروان عن سعد بن طريف عن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جده [الحسين بن علي عليهم‌السلام] قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ومن قرأ خمسين آية يكتب من الذاكرين ، ومن قرأ مائة

__________________

(١) مسند الإمام الحسين عليه‌السلام للشيخ عزيز الله العطاردي ٣ : ١٥٢. انتشارات عطارد قم ١٣٧٦ ه‍. ش.

٦٢

آية يكتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين ، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار ، والقنطار خمسون ألف مثقال ذهب والمثقال أربعة وعشرون قيراطا أصغرها مثل جبل أحد ، وأكبرها ما بين السماء والأرض (١).

روى الهيثمي بإسناده عن الحسين بن علي عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حملة القرآن عرفاء أهل الجنة يوم القيامة (٢).

زيد بن علي عن أبيه عن جده [الحسين بن علي] عن علي عليهم‌السلام قال : إن صاحب القرآن يسأل عما يسأل عنه النبيون إلا أنه لا يسأل عن الرسالة (٣).

وبنفس السند قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تعلموا القرآن وتفقهوا به وعملّوه الناس ولا تستأكلوهم به ، فإنه سيأتي قوم من بعدي يقرؤونه ويتفقهون به ، يسألون الناس لا خلاق لهم عند الله عزوجل» (٤).

وبنفس السند عن الحسين بن علي عن علي أنه قال : من قرأ القرآن وحفظ فظن أن أحدا أوتي مثل ما أوتي فقد عظّم ما حقّر الله وحقّر ما عظّم الله تعالى (٥).

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

(٣) مسند زيد بن علي : ٣٨٧.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق.

٦٣
٦٤

تفسير الإمام الحسين عليه‌السلام

٦٥
٦٦

تفسير حروف المعجم

الصدوق ، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقري الحاكم قال : حدثنا أبو عمر ومحمد بن جعفر المقري الجرجاني ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد قال : حدثنا محمد بن عاصم الطريفي قال : حدثنا أبو زيد عباس بن يزيد بن الحسين بن علي الكحال مولى زيد بن علي قال : أخبرني أبي يزيد بن الحسن قال : حدثني موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : جاء يهودي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال له : ما الفائدة في حروف الهجاء ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : أجبه ، وقال اللهم وفقّه وسدّده ، فقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ما من حرف الّا وهو أسم من أسماء الله عزوجل.

ثم قال : أما الألف فالله لا إله إلّا هو الحيّ القيوم وأمّا الباء فالباقي بعد فناء خلقه ، وأمّا التاء فالتوّاب يقبل التوبة عن عباده ، وأمّا الثاء فالثابت الكائن (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ـ الآية وأما الجيم فجلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه ، وأمّا الحاء فحقّ حليم ، وأمّا الخاء فخبير بما يعمل العباد ، وأمّا الدال فديّان يوم الدين ، وأمّا الذال فذو الجلال والإكرام ، وأما

٦٧

الراء فرءوف بعباده وأما الزاي فزين المعبودين. أمّا السين فالسميع البصير ، وأما الشين فالشاكر لعباده المؤمنين ، وأما الصاد فصادق في وعده ووعيده ، وأما الضاد فالضار النافع ، وأما الطاء فالطاهر المطهر ، وأما الظاء فالظاهر المظهر لآياته ، وأمّا العين فعالم بعباده ، وأما الغين فغياث المستغيثين من جميع خلقه ، وأما الفاء ففالق الحب والنوى ، وأما القاف فقادر على جميع خلقه ، وأما اللام فلطيف بعباده.

أمّا الميم فمالك الملك ، وأما النون فنور السموات من نور عرشه ، وأما الواو فواحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ، وأما الهاء فهاد لخلقه ، وأما اللام ألف لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأما الياء فيد الله باسطة على خلقه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا هو القول الذي رضي الله عزوجل لنفسه من جميع خلقه ، فأسلم اليهودي» (١).

فضل فاتحة الكتاب

عن زيد بن علي عن أبيه عن جده [الحسين بن علي] عن علي عليهم‌السلام قال : من قرأ فاتحة الكتاب فقال الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، صرف الله عنه سبعين نوعا من البلاء أهونها الهم (٢).

__________________

(١) التوحيد للصدوق : ص ٢٣٤.

(٢) مسند زيد بن علي : ٣٨٩.

٦٨

تفسير سورة الفاتحة

قوله تعالى :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.)

عن الحسين بن علي عليهما‌السلام : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا علي أنت المظلوم من بعدي ، فويل لمن ظلمك واعتدى عليك وطوبى لمن تبعك ولم يختر عليك ، يا علي أنت المقاتل بعدي ، فويل لمن قاتلك وطوبى لمن قاتل معك ، يا علي أنت الذي تنطق بكلامي وتتكلم بلساني بعدي فويل لمن رد عليك وطوبى لمن قبل كلامك ، يا علي أنت سيد هذه الأمّة بعدي وأنت إمامها وخليفتي عليها من فارقك فارقني يوم القيامة ، ومن كان معك كان معي يوم القيامة يا علي أنت أول من آمن بي وصدقني وأنت أول من أعانني على أمري وجاهد معي عدوي وأنت أول من صلى معي والناس يومئذ في غفلة الجهالة ، يا علي أنت أول من تنشق عنه الأرض معي وأنت أول من يجوز الصراط معي ، وأن ربي عزوجل أقسم بعزته أنه لا يجوز عقبة الصراط إلا من معه براءة بولايتك وولاية الأئمّة من ولدك وأنت أول من يرد حوضي تسقي منه أولياءك وتذود عنه أعداءك وأنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود تشفع لمحبينا فتشفع فيهم ، وأنت أول من يدخل الجنة وبيدك لوائي وهو لواء الحمد وهو سبعون شقة ، الشقة منه أوسع من

٦٩

الشمس والقمر ، وأنت صاحب شجرة طوبى في الجنة أصلها في دارك وأغصانها في دور شيعتك ومحبيك. قال إبراهيم بن أبي محمود فقلت للرضا : عليه‌السلام يا ابن رسول الله إن عندنا أخبارا في فضائل أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ وفضلكم أهل البيت وهي رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم ، أفندين بها؟.

فقال : يا ابن أبي محمود ، لقد أخبرني أبي عن أبيه ، عن جده عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فان كان الناطق عن الله عزوجل فقد عبد الله جل علاه عزوجل وان كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس.

ثم قال الرضا : عليه‌السلام يا ابن أبي محمود ان مخالفينا وضعوا أخبارا من فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام ، أحدها الغلو ، ثانيها التقصير من أمرنا وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا.

فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عزوجل (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)(١) يا ابن أبي محمود إذا أخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا ، فإنّه من لزمنا لزمناه ومن فارقنا فارقناه ، إن أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول

__________________

(١) الأنعام : ١٨.

٧٠

للحصاة هذه نواة ثم يدين بذلك ويبرأ ممن خالفه ، يا ابن أبي محمود إحفظ ما حدثتك به ، فقد جمعت لك خير الدنيا والآخرة (١).

عن الحسن بن علي العسكري عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام ، قال : جاء رجل إلى الرضا عليه‌السلام ، فقال له : يابن رسول الله أخبرني عن قول الله عزوجل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ما تفسيره؟ فقال : لقد حدثني أبي ، عن جدي عن الباقر ، عن زين العابدين ، عن أبيه ـ الحسين بن علي ـ عليهم‌السلام أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : أخبرني عن قول الله عزوجل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ما تفسيره؟.

فقال : الحمد لله هو أن عرف عباده بعض نعمه عليهم جملا ، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف ، فقال لهم : قولوا : الحمد لله على ما أنعم به علينا رب العالمين وهم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات وأما الحيوانات فهو يقلبها في قدرته ويغذوها من رزقه ويحوطها بكنفه ويدبر كلا منها بمصلحته ، وأما الجمادات فهو يمسكها بقدرته ويمسك المتصل منها أن يتهافت (٢) ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ويمسك الأرض ان تنخسف إلا بأمره انه

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢٧١ ـ ٢٧٢.

(٢) التهافت : التساقط.

٧١

بعباده لرءوف رحيم ، وقال عليه‌السلام : رب العالمين مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون ، فالرزق مقسوم وهو يأتي ابن آدم على أي سيرة سارها من الدنيا ، ليس تقوى متق بزايده ولا فجور فاجر بناقصه وبينه وبينه ستر وهو طالبه ، فلو أن أحدكم يفر ورزقه لطلبه رزقه كما يطلبه الموت ، فقال الله جل جلاله ، قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا ، وذكرنا به من خير في كتب الأولين قبل أن نكون ففي هذا إيجاب على محمّد وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى شيعتهم أن يشكروه بما فضلهم وذلك ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لما بعث الله عزوجل موسى بن عمران عليه‌السلام واصطفاه نجيا وفلق له البحر ونجّى بني إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح رأى مكانه من ربه عزوجل ، فقال : يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي.

فقال الله جل جلاله : يا موسى أما علمت أن محمّدا عندي أفضل من جميع ملائكتي وجميع خلقي ، قال موسى عليه‌السلام : يا رب فان كان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكرم عندك من جميع خلقك فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي؟ قال الله جل جلاله : يا موسى أما علمت أن فضل آل محمّد على جميع آل النبيين كفضل محمّد على جميع المرسلين.

فقال موسى : يا رب فان كان آل محمّد كذلك فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمتي ظللت عليهم الغمام وأنزلت عليهم المن والسلوى وفلقت لهم

٧٢

البحر ، فقال الله جل جلاله يا موسى أما علمت أن فضل أمة محمّد على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي.

فقال موسى عليه‌السلام : يا رب ليتني كنت أراهم فأوحى الله عزوجل إليه : يا موسى إنك لن تراهم ، وليس هذا أوان ظهورهم ، ولكن سوف تراهم في الجنات جنات عدن والفردوس بحضرة محمّد في نعيمها يتقلبون وفي خيراتها يتبحبحون (١) أفتحب ان أسمعك كلامهم؟ فقال : نعم إلهي ، قال الله جل جلاله ، قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، ففعل ذلك موسى عليه‌السلام : فنادى ربنا عزوجل يا أمة محمّد ، فأجابوه كلهم ، وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك ، قال :

فجعل الله عزوجل تلك الإجابة شعار الحاج ، ثم نادى ربنا عزوجل : يا أمة محمّد ان قضائي عليكم ، ان رحمتي سبقت غضبي ، وعفوي قبل عقابي ، فقد استجبت لكم من قبل ان تدعوني ، وأعطيتكم من قبل أن تسألوني من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمّدا عبده ورسوله ، صادق في أقواله محق في أفعاله ، وأن علي بن أبي طالب أخوه ووصيه من بعده ووليه ويلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمّد ، وان أولياءه المصطفين الطاهرين المطهرين المنبئين

__________________

(١) بحبح الرجل بحبحة وبحباحا وتبحبح إذا تبحبحا إذا تمكن في المقام والحلول / عن المصدر.

٧٣

بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما أولياؤه أدخلته جنتي وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر.

قال عليه‌السلام : فلما بعث الله عزوجل نبينا محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يا محمّد (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا)(١) أمتك بهذه الكرامة ثم قال عزوجل لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل : الحمد لله رب العالمين على ما اختصني به من هذه الفضيلة ، وقال لأمته : قولوا انتم : الحمد لله رب العالمين على ما اختصنا به من هذه الفضائل.

وعن علي بن الحسين بن علي عن الحسين بن علي عن الحسن بن علي. عن أمير المؤمنين (عليهم‌السلام) أن رجلا قام إليه فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ما معناه فقال ـ عليه‌السلام ـ إن قولك «الله» أعظم الأسماء ـ من أسماء الله تعالى ـ وهو الأسمى الذي لا ينبغي به غير الله ولم يتسم به مخلوق. فقال الرجل فما تفسيرقوله تعالى : «الله» فقال ـ عليه‌السلام ـ هو الذي يتأله إليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق ، عند انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه وتقطع الأسباب من كلّ من سواه وذلك أن كل مترئس من هذه الدنيا أو متعظم فيها وإن عظم غناؤه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه إليه فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر (عليها هذا المتعاظم وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر

__________________

(١) سورة القصص الآية : ٤٦.

٧٤

عليها فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته ، حتى إذا كفى همه عاد إلى شركه أما تسمع الله عزوجل يقول : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) الأنعام : ٤٠ ـ ٤١.

فقال الله تعالى لعباده : أيها الفقراء إلى رحمتي إني قد ألزمتكم الحاجة إلي في كل حال وذلة العبودية في كل وقت فإلي فافزعوا في كل أمر تأخذون به وترجون قيامه وبلوغ غايته فإني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم [فأنا أحق من سئل وأولى من تضرع إليه] فقولوا عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أي أستعين على هذا الأمر بالله الذي لا تحق العبادة لغيره ألغيث إذا استغيث [و] المجيب إذا دعي (الرَّحْمنِ) الذي يوصم ببسط الرزق علينا (الرَّحِيمِ) ينافي أدياننا ودنيانا وآخرتنا خفف الله علينا الدين ، وجعله سهلا خفيفا وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه ثم قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أحزنه أمر تعاطاه فقال :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وهو مخلص لله عزوجل ويقبل بقلبه إليه ، لم ينفك من إحدى اثنتين : إما بلوغ حاجته الدنيا به وأما ما يعد له عنده ، ويدخر لديه وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين (١).

__________________

(١) تفسير العسكري ـ عليه‌السلام ـ ٧ ـ ٨.

٧٥

قوله تعالى :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.)

الفاتحة الآية : ١ ـ ٥.

عن الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : عليهم‌السلام : قال : قال رسول الله : قال الله عزوجل : قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل ، إذا قال العبد : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال الله جل جلاله : بدأ عبدي باسمي وحق علي أن أتمم له أموره وأبارك له في أحواله فإذا قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال الله جل جلاله : حمدني عبدي وعلم ان النعم التي له من عندي وان البلايا التي دفعت عنه فبطولي أشهدكم إني أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا فإذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال الله جل جلاله شهد لي عبدي أني الرحمن الرحيم أشهدكم لأوفرن من رحمتي حظه ولأجزلن من عطائي نصيبه ، فإذا قال (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله جل جلاله : أشهدكم كما اعترف أني أنا مالك يوم الدين ، لأسهلن يوم الحساب حسابه ، ولأتجاوزنّ عن سيئاته فإذا قال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) قال الله عزوجل صدق عبدي إياي يعبد أشهدكم لأثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي ، فإذا قال : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله عزوجل :

٧٦

بي استعان عبدي والتجأ إلي ، أشهدكم لأعيننه على أمره ولأغيثنه من شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه فإذا قال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) إلى آخر السورة قال الله : عزوجل : هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل فقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمّل وآمنته مما منه وجل : قال : وقيل لأمير المؤمنين : عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أهي من فاتحة الكتاب؟ فقال نعم : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأها ويعدها آية منها : ويقول فاتحة الكتاب هي السبع ، المثاني (١).

عن الحسين بن علي ، عن أخيه الحسن بن علي عليهم‌السلام ، قال أمير المؤمنين : عليه‌السلام : إن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أن الله عزوجل قال لي : يا محمّد (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) فافرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم وان فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش وأن الله عزوجل خص محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشرفه بها ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان عليه‌السلام : فانه أعطاه منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يحكى عن بلقيس حين قالت : (أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ص ٢٩٩ ـ ٢٧٠.

٧٧

اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمّد وآله الطيبين منقادا لأمرها مؤمنا بظاهرها ، وباطنها أعطاه الله عزوجل بكل حرف منها حسنة ، كل واحدة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها ، ومن استمع إلى قارئ يقرؤها كان له بقدر ما للقارئ ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم ، فإنّه غنيمة لا يذهبن أوانه فتبقى قلوبكم في الحسرة (١).

قوله تعالى :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.)

الفاتحة الآية : ٢.

روي في الكافي أنه (٢) : جاء رجل إلى الرضا عليه‌السلام فقال : يا ابن رسول الله أخبرني عن قول الله عزوجل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٣) ما تفسيره؟.

فقال : «لقد حدثني أبي ، عن جدّي ، عن الباقر ، عن زين العابدين ، عن أبيه عليهما‌السلام أنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : أخبرني عن قول الله عزوجل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ما تفسيره؟.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ص ٢٧٠ ـ ٢٧١.

(٢) الكافي : ٢ : ٦١١ حديث ٣ ، مسائل الشيعة ٤ : ٨٤١ حديث.

(٣) الفاتحة : الآية ٢.

٧٨

فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) هو أن عرّف عباده بعض نعمه جملا إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل ، لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف فقال لهم قولوا (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ما أنعم به علينا (رَبِّ الْعالَمِينَ) وهم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات ، فأما الحيوانات فهو يقلبها في قدرته ويغذوها من رزقه ويحفظها بكنفه ، ويدبر كلا منها بمصلحته وأمّا الجمادات فهو يمسكها بقدرته ، يمسك المتصل منها أن يتهافت (١) ، ويمسك المتهافت منها أن يتلاحق ، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، ويمسك الأرض أن تنخسف إلا بأمره إنه بعباده لرءوف رحيم.

قال عليه‌السلام (رَبِّ الْعالَمِينَ) مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم من حيث هم يعلمون ومن حيث لا يعلمون ، والرزق مقسوم وهو يأتي ابن آدم على أيّ سيرة سارها من الدّنيا ليس تقوى متّق بزائده ، ولا فجور فاجر بناقصه ، وبيننا وبينه ستر وهو طالبه ولو أنّ أحدكم يفرّ من رزقه لطلبه رزقه كما يطلبه الموت فقال جلّ جلاله : قولوا (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ما أنعم به علينا وذكرنا به من خير في كتب الأوّلين قبل أن تكون.

ففي هذا إيجاب على محمّد وآل محمّد وعلى شيعتهم أن يشكره بما فضّلهم ، وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لما بعث الله عزوجل موسى بن

__________________

(١) التهافت : التساقط : المنجد : هفت.

٧٩

عمران عليه‌السلام واصطفاه نجيا وفلق له البحر ، ونجى بني إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح رأى مكانه من ربّه فقال : يا ربّ لقد أكرمتني بكرامة لم يكرم بها أحد من قبلي ، فقال الله جلّ جلاله : يا موسى أما علمت أنّ محمّدا أفضل عندي من جميع ملائكتي وجميع خلقي؟.

قال موسى : يا ربّ إن كان محمّد أكرم عندك من جميع خلقك ، فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي؟ قال الله جلّ جلاله : يا موسى أما علمت أنّ فضل آل محمّد على جميع آل النبيين كفضل محمّد على جميع المرسلين؟.

فقال موسى : يا ربّ فإن كان آل محمّد كذلك فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمتي ، ظللت عليهم الغمام ، وأنزلت عليهم المنّ والسلوى ، وفلقت لهم البحر؟.

فقال الله جلّ جلاله : يا موسى أما علمت أنّ فضل أمّة محمّد على جميع الأمم كفضلي على جميع خلقي؟.

فقال موسى : يا رب ليتني كنت أراهم ، فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى إنك لن تراهم وليس هذا أوان ظهورهم ، ولكن سوف تراهم في الجنان ، جنة عدن والفردوس ، بحضرة محمّد في نعيمها يتقلبون ، وفي خيراتها يتبحبحون (١) ، أفتحب أن أسمعك كلامهم؟.

__________________

(١) «يتبحبحون» إذا تمكن في المقام والحلول.

٨٠