تفسير ابن عرفة - ج ٣

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي

تفسير ابن عرفة - ج ٣

المؤلف:

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي


المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-5181-9

الصفحات: ٤١٦

مما بقي من البرد وعدم العلم بأحد النقيضين يستلزم عدم العلم بالآخر ولهذا إذا جهل أحد النقيضين جهل الآخر ، وأجاب ابن عطية : بأن ذكر أحدهما يدل على الآخر قال :

ومنه قول الشاعر :

 ................

 ................

أمرا أريد الخبر أيهما هي الخبر الذي أنا أتبعه ........ (١) فإن تولوا إما ماضي أو مضارع حذف منه حرف المضارعة إن قال : (تَوَلَّوْا).

قوله تعالى : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ).

قال الزمخشري : هذا من إقامة السبب مقام مسببه.

قال ابن عرفة : بل من إقامة سبب السبب مقام السبب لأن التكليف بالتبليغ سبب في التبليغ بالفعل والتبليغ بالفعل سبب في الخروج من العهدة وعدم العتب فكأنه يقول : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) فلا عتب عليك لأنك لم تكلف إلا بالتبليغ وقد بلغت.

قوله تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها).

..... (٢) منه أن كفرهم عاد لأن معرفتهم النعمة من حيث إضافتها إلى الله يستلزم معرفتهم الله فأنكروا ما عرفوا إذ لا يقولوا عرفت دار زيد إلا إذا عرفت زيدا ، وأجيب : بأن المعرفة تتعلق بالنسبة ولذلك يتعدى إلى مفعولين فأفاد نفس النعمة مطلقا لا من حيث نسبتها إلى الله وإن كانت في نفس الأمر من الله وإنهم أنكروا نسبتها إلى الله فلم ينكروا ما عرفوا فليس كفرهم عنادا والعطف يتم لبعد ما بين منزلة النعمة وإذكارها لا من حقها الشكر عليها.

قوله تعالى : (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ).

إما أن المراد كلهم أو ذلك باعتبار من سيؤمن منهم أو بالنسبة إلى صغارهم لأنهم ليسوا كافرين ، قاله الفخر يصرح بنسبة إليه وإن علم أن قوله تعالى : (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي لا يجدون من يزيل عنهم العتب واللوم ، يقال : عتبته إذا خاطبته بالعتب واللوم وأعتبت إذ أنزلت عنه العتب وهو رضا بقوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) [سورة النحل : ١١١] ، وأجيب بوجهين : الأول لابن عطية ، أنها في أول الأمر تجادل ثم يؤتى بالشهود عليها فلا يقبل منها مجادلة ، الثاني : قال

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

(٢) طمس في المخطوطة.

٤١

بعض الطلبة : قوله تعالى : (لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) خاص بالكفار وقوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) [سورة النحل : ١١١] عام فيكون مخصوصا بهذه الآية وباق على عمومه في المؤمنين والمؤمنات ، قيل : منهم المجادلة عن أنفسهم لإيمانهم.

قوله تعالى : (وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ).

قال ابن عرفة : انظر هل هذا من عطف الخاص على العام أو من عطف الشيء على ما يغايره أو يخالفه ، وهو الظاهر وعلى هذا يكون المراد بقوله : (فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) الشهادة في الدار الآخرة ، ويقوله على هؤلاء شهيدا ، الشهادة [٤٨ / ٢٣١] في دار الدنيا لأن الشهادة مطلقة ويراد بها أحد معنيين إما النحل وإما أداؤها فدخل في عموم قوله تعالى : (فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) أو المراد وجئنا بك رسولا لأن الشهادة في دار الدنيا من لوازم الرسالة.

قال ابن عرفة : ويكون هذا الشكل الأول مشتملا على كبرى وصغرى والصغرى فيه مؤخرة فكأنه يقول أنت رسول وكل رسول شهيد على أمته يوم القيامة فيصح أنه هو شهيد على أمته يوم القيامة.

قوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ).

وإنما قال نزل ولم يقل أنزل لأجل أن البيان به إنما وقع شيئا بعد شيء وقد تقدم أن نزل يقتضي التفريق.

قوله تعالى : (وَهُدىً وَرَحْمَةً).

ابن عرفة : الهدى والرحمة راجعان إلى الأمور الاعتقادية والسياق فإن أظهر في الأمور التكليفية والشرائع فهلا أخر في الذكر ، وأجيب : بأن هذا من عطف خاص على العام أو لأن المخاطب النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، وليس هو محتاج إلا نشر التكاليف والشرائع فقدم الأهم عليه.

قوله تعالى : (لِلْمُسْلِمِينَ).

متعلق (بُشْرى) فقط لأن الكتاب هدى ورحمة للجميع وبشارة خاصة بالمسلمين وهو للكافرين نذير ، وفي الآية أدلة منها أنها تدل على أن السعة ليست مبينة للقرآن لأنها داخلة في عموم شيء فهو مبين بها ولغيرها فلو كانت هي مبينة له يلزم الدور ، وأجيب : بأن القرآن على الجملة مبين لجملة السنة وبعض السنة مبين لبعض القرآن ومنها أن فيها دليلا على بطلان العمل بالقياس لأنه ما من صورة مثبتة بالقياس ألا أن القرآن مبين بها لقوله تعالى : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) فلا يصح إثبات الحكم فيها

٤٢

بالقياس لأنه قياس في معرض النص ، ورد هذا بأن القرآن بين الحكم فيها بواسطة القياس لأنه بينه من غير قياس بدليل إما نحو كثيرا من المسائل ليس فيها نص منها أن فيها دليل على صحة العمل بالقياس لأنه (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ومن جملة ذلك الإجماع والقياس.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ).

قال العدل : هو الواجب لأن الله تعالى يدل فيه على عباده فجعل ما فرضه عليهم وأنها تحت طاقتهم.

قال ابن عرفة : هذا اعتزال على مذهبه وأما نحن فمذهبنا جواز تكليف ما لا يطاق واختلفنا في وقوعه ، فقال الفخر في المعالم : إنه واقع والصحيح عدم وقوعه ومذهبنا أنه لا حسن ولا يصح وإن جميع الكائنات من خير وشر بالنسبة إلى الله تعالى لكنه بتكليف ما لا يطاق وإن كان منجيا فهو من الله حسن وعدل في خلقه.

قوله تعالى : (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى).

قال ابن عطية : وهذا عام يتناول الإتيان بالقليل والكثير فلا يحصل الخروج من العهدة إلا بإعطاء الشيء الكثير ، وقال الشيخ عز الدين : إن القربى هنا المراد بهم وهي المحارم فهم الذين أمر الإنسان بمواساتهم والإنفاق عليهم وإنما ابن عمه وابن خاله فليس منهم.

قوله تعالى : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ).

ابن عرفة : الفحشاء هو كل ما يتستر الإنسان به غالبا من المعاصي كالزنا والسرقة ونحوها والمنكر ما لا يتستر به غالبا فالغيبة والحرابة والغضب ويحتمل أن يراد بالفحشاء الحرام وبالمنكر المكروه لأنه من قسم ما لن يؤذن في فعله وهذا فهو الأظهر فإنهم قالوا العدل هو الواجب والإحسان هو فعل المندوب فيكون هنا طباقه ويجيء في الآية طباق خمسة لخمسة يطابق بأمر ينهي والباقي بالعدل يعني في قوله : (عَنِ الْفَحْشاءِ) لأن الباء للاتصاف أو للمصاحبة ، وعن المزاولة أو للمجاوزة وذلك عند الاتصاف والعدل يطابقه الفحشاء والإحسان يطابقه المنكر (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) يطابقه البغي ، قال وهذا أكثر ما ينتهي إليه المطابقة ، قال ابن مالك : والطباق يكون في اثنين باثنين كقوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) [سورة التوبة : ٨٢] وقال الشاعر :

يا عجبا كيف اتفقنا فناصح

وافي ومطوي على الغلّ غادر

٤٣

فطابق الناصح الوافي بالمطوي الغادر ويكون في ثلاثة مثلا كقول الشاعر :

إذا هبطا سهلا أثارا عجاجة

وإن علوا حزنا تشظّت جنادل

يصف حمارا وأتانا ، فطابق هبطا بعلو وسهلا بحزنا وأثارا بتشظّت.

وقال الآخر :

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا

وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل

ويكون في أربعة بأربعة ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) [سورة الليل : من ٥ : ١٠] وتكون في خمسة بخمسة وهو غاية ما وجد منه كقول المتنبي :

أزورهم وظلام الليل يشفع لي

وأنثني وبياض الصبح يغري بي

قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) انظر هل الوفاء بمقتضى الزيادة على أم اختلفوا في قوله تعالى : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ) [سورة الإسراء : ٣٥] هل تجب الزيادة السبب ...... (١) على القدر الواجب لأنها مما لا يتصل إلى الواجب إلا به وكذلك اختلفوا في الزيادة على المرفقين في غسل الذراعين ، قال ابن أبي زيد : فليس بواجب إدخالهما فيه ، وإدخالهما فيه أحوط لزوال تكلف التجديد ، فإن قلت : ما فائدة قوله : (إِذا عاهَدْتُمْ) فالجواب : إن قوله (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) جواب : إذا ولو قيل إذا عاهدتم فأوفوا بعهد الله لكان كلاما مفيدا لا سؤال فيه.

قال ابن عرفة : ومن حلف بعهد الله وحنث لزمته كفارة يمين بالله وفي كتاب ابن المواز وهو قول ابن المواز ونقله ابن رشد عن ابن القاسم : أنه إن قصد بعهد الله التوثيق به فهو أعظم من أن يكفر باليمين الغموس.

قوله تعالى : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها).

هل المراد به الحنث مطلقا أو الحنث من غير كفارة وهو الظاهر ، وقال القاضي عياض في الإكمال في حديث النخامة في المسجد وكفارتها دفنها ، قال القاضي : قوله كفارتها دفنها لا يريد به الكفارة الواقعة للإثم إذ لم يكن هناك إثم ولا يريد بالكفارة رفع ما يتوهم ، قال ابن عرفة : يريد أن الإثم إنما يترتب عن درء الكفارة لا عن مجرد الحنث في اليمين ، وقال الشيخ أبو الحسن اللخمي في كتاب الإيمان : إن الحنث على

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

٤٤

خمسة أقسام واجب وحرام ومستحب ومكروه ومباح فيجيب إذا حلف على فعل ما لا يجوز له في فعله ويحرم إذا حلف أن يفعل ما يجب عليه شرعا.

قوله تعالى : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها).

يقال أكدوا وكذا قال الزجاج : الهمزة بدل من الواو ، ورده ابن عطية : بأنه ليس في وجوه تصريفه ما يدل على ذلك ، قلت : لقول ابن عصفور في معربه الهمزة لا تبدل من الواو المفتوحة قياسا وشذ قولهم [.....].

قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها).

ابن عرفة : أكثر ما يتأتى هذا في الصوف واختلفوا هل كان هذا ووجد فقيل وجد في امرأة صماء واسمها ريطة بنت سعد ، وقيل : في امرأة اسمها عطية ، وقيل : هو ضرب مثل لا عن امرأة معينة وقصد تشبيها بوجود بالمعدوم المقدر الموجود ونص ابن مالك : على أن هذا إنما يصح فيما هو مشهور وإن كان معدوما كقول امرئ القيس :

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

لأن القول مشهور عند العرب وإن لم يوجد بخلاف قولك هذا كبحر من زئبق ، ويحكى عن بعض المجانين أنه كان يصنع أشياء عجيبة فإذا أكملها يفسدها فأشهره بعض الملوك يصنع ذلك لكونه أحسن أهل زمانه وأمر رجلا يرصده فإذا رآه قارب إكمال صناعته حال بينه وبينها.

قوله تعالى : (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ).

هذه صريحة في الرد على المعتزلة في خلق الأفعال في آدم ، وقال الزمخشري : في قوله تعالى : (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إنها رد على الجبرية القائلين : أن الخلق مجبورون على الأفعال وأنهم كحركة المرتعش.

ابن عرفة : واختلف الناس في المباح هل تكتبه الحفظة ويتعلق فيه السؤال أو لا وعموم الآية تدل على أنه يسأل عنه ويكتب لأن ما أن كانت موصولة بمعنى الذي [٤٨ / ٢٣٢] فهي عامة لأن الذي معرف بالألف واللام وهذه بمعناه وإن كانت مضافة فيعم بالإضافة كما أعم بها قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) [سورة النساء : ١١] وهذا مذكور في قوله تعالى : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [سورة ق : ١٨].

قوله تعالى : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها).

٤٥

قلت لابن عرفة : قوله بعد ثبوتها مع أن قوله فتزل قدم يعني عنه ، فأجاب بوجهين الأول : إنه مبالغة في التنفير عن ذلك ، الثاني : إن الواقف المعتمدة على أحد قدميه لا يقع إلا إذا زالت قدمه التي اعتمد عليها وأما إذا زالت الأخرى فلا يقع فهو إشارة إلى أنهم زالوا عما كانوا ثابتين عليه معتمدين.

قوله تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً).

ابن عرفة : الثمن في الاصطلاح مشترى به لا مشترى فكذلك جعل الزمخشري تشتروا بمعنى تستبدلوا أو عهد الله.

قال الزمخشري : هو إبيان البيعة لأن قوما من أسلم بمكة أحبوا أن ينقضوا ما بايعوا عليه النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم فثبتهم ، وقال ابن عطية : المراد به ما عهد الله بعباده من النهي عن الرشاء وأخذ الأموال على فعل ما يجب على الأخذ ، ورده ابن عرفة : لكن هذا أعم يتناول ما قال الزمخشري وغيره : فالحاصل أن المراد بها النهي عن فعل ما يجب تركه أو النهي عن ترك ما يجب فعله.

قوله تعالى : (ثَمَناً قَلِيلاً).

يريد باعتبار كميته وحاله فقد يكون كثيرا في كميته وحقيرا في ماله ، وهو جميع عرض الدنيا.

ابن عرفة : وهذا النعت تقليل إن كان للبيان ولإزالة الاشتراك فيلزم المفهوم وهو أنه قد يكون ما يشترونه بعهد الله ثمنا كثيرا فلم ينهوا عنه وإن لم يكن كذلك لمجرد التأكيد قال : وأجيب بأنه للبيان ومنع من المفهوم.

قوله تعالى : (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

من كل ما سواه وخير هنا فعل أو أفعل وعلى كل تقدير فلا يلزم منه مفهوم ، قوله تعالى : (ما عِنْدَكُمْ) بنقد عبر عنه بالفعل لأن انتفاءه وهو التغير والزوال والبقاء صفة ثبوتيه دائمة زمنين فصاعدا فناسب التغيير منها بالاسم.

قوله تعالى : (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ).

قلت لابن عرفة : لما عبر عنهم بالفعل وهم ثابتون على حالتهم فقال : تثبيتها على سعة رحمة الله تعالى ، وإن من اتصف بمجرد الصبر زمنا ما فله أجره.

قوله تعالى : (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).

٤٦

قيل : هو راجع لعملهم أو لجزائه فهل المراد يجزيهم بجزاء أحسن عملهم أو بأحسن جزاء عملهم والباء على هذا للتعدية أو للإنصاف أو المراد أنهم يجازون على أحسن عملهم ويبقى ما دونه مسكوتا عنه والباء على هذا للسبب وفي الآية دليل على أن الترك فعل لأن الصبر هو حبس النفس إما على المؤلمات والمشاق فهو فعل أو عقبها على الملائمات فهو ترك وسمى في الآية جميع ذلك عملا.

قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ).

أي إذا أردت أن تقرأه ، الزمخشري : وعبر عن إرادة الفعل بالفعل لأن الفعل يوجد عند الإرادة بصبر فاجعل ابن عرفة : أراد أن الإرادة لا تكون إلا مقارنة للفعل ولا تكون سابقة عليه ، وهذا في الإرادة الحادثة بإتقان منا ومنهم وإنما بخلاف بيننا في إرادة الله تعالى ، قيل لابن عرفة : قد يريد اليوم أن يقوم [...] فقال هذه تسمى عندنا وعندهم شهوة ولقبت بإرادة ، قال : لأن الإرادة هي التخصيص والتخصيص لا يكون إلا بوجود المخصص وأما الشهوة فهي الليل ولهذا تجد المريض بالحمى مشتهي البطيخ ولا يريد أن يأكله لأنه يضر به حسبما ذكر ذلك قاله إمام الحرمين في الشامل.

قال الزمخشري : وعن ابن مسعود : قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقال لي : " يا ابن أم عبد قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبريل عن القلم عن اللوح" قال ابن عرفة : المناسبة عن اللوح عن القلم ، قلنا : إنما قال الزمخشري ما تقدم فقال : يحتمل أن يكون وجهه أن جبريل كتب ذلك من اللوح المحفوظ في صحف ونزل بها إلى سماء الدنيا ثم كان يخبر النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم بما في تلك الصحف ، وقوله : " يا ابن أم عبد (١) " يعني هو بذاته لأن اسمه عبد الله بن مسعود ، وقال ابن عرفة : وفي لفظ القرآن خلاف قيل إنه اسم للكل مثل غيره بالنسبة إلى أجزائها ، وقيل : إنه يصح أن يطلق على بعضه قرآنا فيكون كالماء ونحوه من أسماء الأجناس

__________________

(١) أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين حديث رقم : ١٨٥٧ ، وابن ماجه في سننه حديث رقم : ٢٨٦٠ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ٤٩٢٩ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٣٥٣٣ ، وأبو بكر البزار في البحر الزخار بمسند البزار حديث رقم : ١٧٧٦ ، ومحمد بن هارون الروياني في مسنده حديث رقم : ١٤٤٦ ، والهيثمي في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث حديث رقم : ٧٨٩ ، وعبد الله بن وهب في الجامع في الحديث حديث رقم : ٥٤٤ ، والبيهقي في دلائل النبوة حديث رقم : ٢٦٩٥.

٤٧

يصدق على القليل والكثير على حد السوية ليكون متواطئا ، وقال ابن رشد : الصحيح الأول لنهيه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو مع أنه كتب على هرقل بقوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران : ٦٤].

ابن عرفة : وهذا الأمر عام في الأشخاص لإجماعهم على أنه يتناول كل قارئ والعام في الأشخاص قيل إنه عام في الأزمنة والأحوال ، وقيل إنه مطلق فيهما فعلى الأول يومي المصلي بالاستعاذة والمشهور من مذهبنا منع ذلك في الفريضة وطلبه في النافلة والخلاف المتقدم ذكره القرافي ، والشيخ عز الدين ، وابن دقيق العيد في شرح العهدة في حديث النبي عن استقبال القبلة لبول أو غائط مع حديث ابن عمر وفيه أنه وجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بول أو غائط مستقبلا بيت المقدس مستدبرا القبلة ، قال : اختلفوا في العام في الأشخاص إلى آخره ، قيل لابن عرفة : وحكي ابن بريدة في هذا الموضع من تفسيره أن في المجموعة قولا بأنه يتعوذ في الصلاة بعد الفاتحة وقبل السورة.

ابن عرفة : وهذا غريب ، قيل : وأظن أن ابن العربي حكاه كذلك ، وقد قال ابن الحاجب : ولا يتعوذ ولا يبسمل وله أن يتعوذ ويبسمل في النافلة ، قال ابن عبد السّلام : فإن قلت : عموم فإذا قرأت القرآن فاستعذ يتناوله فهلا قلتم يتعوذ في الفريضة ، قلنا : قد نقلت لنا قراءة رسول الله عليه وعلى آله وسلّم في الصلاة ولم يذكر منها استعاذة فيكون ذلك مخصصا للآية.

ابن عرفة : لا يصح تخصيص عموم القرآن إلا بلفظ ورد منصوصا عليه في السنة أو تابع المنصوص عليه كالمفهوم وأما هذا فلم يرد فيه نص ولا هو تابع والأصل عدم التخصيص.

ابن عرفة : ويتناول هذا الأمر بالتعوذ من يقرأ آية استعاذة كقوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) [سورة المؤمنون : ٩٧ ، ٩٨] لأنه يصدق عليه أنه قارئ القرآن.

ابن عرفة : وفي الآية سؤال وهو أن الاستعاذة من الشيطان إنما يطلب حيث يتوهم حضوره وهو عند إرادة القراءة إذا هب ولو لا ذلك لوسوس ومنع منها يستعاذ منه عند القراءة ، وأجاب : بأنه قد جاء أن كل حرف بعشر حسنات كما قال : " لا أقول الم

٤٨

حرف بل الألف حرف واللام حرف والميم حرف" فهو لرؤيته ذلك وعمله بحصول هذا الخير العظيم يوسوس القارئ ويبعده عن القراءة فلهذا أمر بالاستعاذة منه.

قوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا).

أي ليس له عليهم حجة في الآخرة ، وقوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [سورة الإسراء : ٦٥] أما ليس لك عليهم تسلط في الدنيا أو لا حجة لك عليهم في الآخرة ، وقوله تعالى : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) وهم عصاة المؤمنين والمشركين ... (١) المشركين حقيقة وأهل الكتاب لقولهم الله ثالث ثلاثة ، وقول اليهود عزير ابن الله ، والنصارى المسيح ابن الله.

قوله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ).

قال ابن عرفة : كان الشيخ أبو عبد الله محمد الآيلي يحكي أنه جرى ذكر الآية في مجلس الأمير أبي الحسن ، قال : واختلفا في معناها وحدها ما هو ، فقال بعضنا هو الكلام المستقل وقال بعضنا هي العلامة وقيل : ........ (٢) ولنا على غير شيء ، وابن عرفة : والصحيح أنها توفيقية فما عدها من الشارع بدليل أن القراء ذكروها وعدوها ، وقالوا إن عدها مكان آية وآية الكرسي وآية الدين وقيل : هذا ليس للنظر فيه محال قال ابن عرفة : وهذه الآية نص في جواز النسخ ، واستدل الفخر في المحصول بقوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ) [سورة البقرة : ١٠٦] [٤٨ / ٢٣٣] (مِنْها أَوْ مِثْلِها) وأجابه سراج الأرموي : بأن ملزومية الشيء للشيء ما يدل على وقوعه ولا إمكان وقوعه.

ابن عرفة : وهذا كقول المنطقيين بأن القضية الشرطية قد تكون صادقة وجزاءها كاذبين كقوله كلما كان الشيء متحر كائنا كان اجتمع النقيضان فهو أحق والجزاء الأول كاذب ويفهم قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [سورة الزخرف : ٨١] ورد عليه شمس الدين الجزري : بأن القصد في قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) [سورة البقرة : ١٠٦] المدح والتمدح إنما يكون بالممكن الواقع لا

__________________

(١) كلمة غير واضحة في المخطوطة.

(٢) سقط في المخطوطة.

٤٩

بالمحال والتحقيق في هذا أن المدح دال على جواز النسخ وإمكانه فقط لا على وقوعه كما يقول فلان قادر على أن يعطي ألف درهم وإن لم ........ (١) بالفعل.

قوله تعالى : (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ).

هذا إضراب انتقال قال ابن عطية : إما أن المراد أقلهم عاملون معاندون وإما أن أقلهم شاكون قيل لابن عرفة : الشاك غير عالم فكلهم إذا لا يعلمون فقال ابن عرفة : أراد أن معنى الآية بل أكثرهم مصممون وأما الشاكون فليسوا بمصممين على الكذب فيجوز في لفظ لا يعلمون وأرادوا به التصميم على الكذب.

قوله تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ).

لفظ الرب هنا دليل على صحة مذهب أهل السنة في أن بعثة الرسل محض تفضل من الله عزوجل ، قلت لابن عرفة : هل فيه دليل على أن جبريل هو الذي نزل به من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا فقال : لا بل يحتمل أن يكون أنزلته معه ملائكة أخر.

قوله تعالى : (بِالْحَقِ).

أي مصاحبا للحق وهو حال من ضمير القرآن المتصل بينزل.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ).

ابن عطية : مخصوص بمن آمن منهم.

ابن عرفة : أراد أن المؤمنين عام فلذلك خصصه لكن تقدم في علم المنطق أن القضية على قسمين مطلقة ودائمة نحو كل كاتب محرك يده دائما فهي كاذبة وكذلك هي في الآية إن قلنا معناها أن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ما داموا كافرين بها فلا يحتاج إلى تخصيص لكن بقي فيه عدم الفائدة في الخبر فقد يمتنع كما منع النحويون الذاهبة جاءت صاحبها وإن قلنا ليس في الآية تقدير وأبقيناها على عمومها احتجنا إلى تخصيصها كما قال ابن عطية والله أعلم. قال ابن عطية : وفيها تقديم وتأخير والتقدير أن الذين لا يهديهم الله لا يؤمنون بالله ورده ابن عرفة بأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بالخبر وهو أجنبي ، قلت له : يبقى السؤال لأي شيء قدم ما شأنه التأخير وأخر ما حقه التقديم؟ فقال : لو قيل كذلك لما أفادت الثانية شيئا لأن كل

__________________

(١) سقط في المخطوطة.

٥٠

أحد يفهم نقيضها من الأولى خلاف هذه فإن الذين لا يؤمنون بالله قد يهديهم الله فيؤمنون فأفادت الثانية ما لم تفده الأولى ، وقال بعض الطلبة : بل ورودها على هذا الشيء ، قلت : في الآية حجة للمعتزلة القائلين بأن الله لم يخلق الضلال فإنه ذكر عدم هداية الله لهم بعد أن أسند إليهم الامتناع من الإيمان بلام الملك.

قوله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

وليس بداخل في حكم التأكيد بأن بل هل هو معطوف على الجملة كلها كقولك إن زيد قائم وعمر خارج ولا يصح عطفه على الخبر.

قوله تعالى : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ).

ابن عطية : إنما ليست للحصر حقيقة بل للمبالغة لأن كثيرا من المؤمنين يفترون الكذب ، وأجاب ابن عرفة : بأن الألف واللام في الكذب المعهود فالمراد إنما يفترى الكذب على الله فإنها للحصر حقيقة ، قيل لابن عرفة : إذا أفتى رجل نفسه تحليل ما هو عنده حرام فقال : هو مفتر على الله الكذب ومعنى الأمر أن يقول أو يفعل ما يخالف علمه فنقدا لذلك ، قلت له : إذا أفتى بالمشهود في مثله ، قال : هذا هو حكم الله فهل هو مفتر ، إن قلنا : إن المصيب واحد فقال : لا لأنه مقلد فكان يقول هذا هو حكم الله عند هذا القائل.

قوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ).

ابن عطية : إن قلت لم كرر هذا مع أنه مفهوم ، فأجاب : بأن الكاذبين هنا صفة لازمة للموصوف فهو آكد من الأول.

ابن عرفة : وهذا لا يصح من جهة النحو ، ولا من جهة الأصول فالصفة ليست لازمة للموصوف بوجه وأما النحويون فإنما فرقوا بين قولك زيد هذا القائم وبين زيد قائم ، فقالوا : إن الصفة أقوى وآكد من الخبر لأن قائما في قولك زيد قائم خبر محتمل للصدق والكذب والقيام في الأول صفة فما جيء بها إلا بناء على أن المخاطب موافق على معناها لا هو ولا غيره وليس الكاذبون هنا صفة لمقدر أي هم القوم الكاذبون فقال : لم يقل أحد في القائم في قولك زيد القائم صفة لمقدر وإلا فإن يلزم عليه التسلسل فما قاله ابن عطية لا وجه له قال : وإنما الحكمة في تكرير هذه الجملة عندي أحد أمرين إما أنه قصد التذييل ومعناه عند البيانيين أن يؤتى بجمل مختلفة الألفاظ متقاربة المعاني وإما أن الأول بلفظ الفعل وهو قوله تعالى : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ) فكرر بلفظ الاسم تأكيدا له بما هو أبلغ منه.

٥١

قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ).

أعربه الزمخشري : بدلا من (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) ورده أبو حيان : بأنه يلزم عليه حصر افتراء الكذب فيمن كفر بالله من بعد إيمانه ويبقى من لم يزل كافرا وأجاب ابن عرفة : بأن هنا بناء على أن إنما للحصر حقيقة وإن جعلناها للمبالغة كما قال ابن عطية فلا يعقبه قوله إلا من أكره. ابن عطية : إذ أطلق مكرها لم يلزمه اللخمي إن صرف تنبيه عن الطلاق لم يجب وإن صرفها إلى الطلاق لزمه ، وإن ذهل عن النية فإن كان في ضيق من الزمان لم يحنث وإن كان في صحة حنث.

ابن عرفة : هذا مشكل لأن المشهور من مذهبنا أن الغاصب لا يرد الفلات ، قال ابن عطية : وإذا أكره على حال الغير فإن كان في حلفه مصور لما له حلف لم يحنث وإلا فلا ، وقال ابن بشير : أن كان الضائع كثيرا حلف من ماله يسيرا لم يحنث وإن حلف وإن كان الضائع من ماله كثيرا حلف ولا حنث عليه.

قال ابن عرفة : وإذا أكره على إخراج رجل من داره للقتل وحلف بالطلاق على أنه ليس عنده فالمنصوص أنه إن حلف حنث إلا أن يتوعد على ذلك بالضرب إن لم يحلف وإن قيل : إن لم تحلف دخلنا دارك وأخرجناه فهو في سعة ولا إثم إن لم يحلف وإن حلف حنث وكذلك في اليمين بعموم العام والمشي إلى مكة ، قال اللخمي : قيل لابن عرفة : كنت حكيت لنا عن الفقيه المدرس أبي عبد الله الرماح القيرواني أن بعض الكبار أودع عنده طعاما فطلب بعض الأعراب أخذه ، فقال : ليس عندي شيء فأحلفه على ذلك بالطلاق فحلف فقال المنقول : إنه لا يحلف فيما يرجع بلفظ النفوس وإن حلف حنث فأحرى الأموال قال فإذا أكره على الزنا فإن كانت المزني بها أمة للمكره فإن كان الإكراه ينفعه وإن كانت لغيره لم يجز له ذلك لأنه لا يحل له القدوم على ملك غيره كما إذا أكره على أخذ مال غيره.

ابن عرفة : وسبب نزول الآية أن ناسا من ضعفاء المسلمين أكرهوا على الكفر فكفروا في الظاهر منهم بلال وصهيب وخباب.

ابن عطية : وإذا أكره على السجود للصنم فإنه يسجد له إن كان في القبلة وينوي السجود لله تعالى.

ابن عرفة قال له أن ينوي السجود لله وإن لم يكن الصنم في القبلة كما سجد غير المضطر وكالمسافر فإنه يصلي على دابته حيث ما توجهت به.

٥٢

قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ).

قال صاحب الإرشاد واختلافا في الطبع ما هو ..... (١) فمنهم من قال هو أن يختم عليه بالكفر ، وقيل : هو أن يجعل عليه علامة دالة على الكفر ، وأما المعتزلة فقالوا : هو أن يجعل عليه علامة من غير أن يخلق في قلبه الكفر ، وفي الحديث" أنه يخلق فيه نكتة سوداء".

قوله تعالى : (وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ).

إن قلت : الطبع على القلب يستلزم ما سواه ، فالجواب : أنه نفي بالطبع على القلب المعلوم النظر به وبعض الضروريات وهي الأوليات تكون الواحد نصف الاثنين والوحدانيات كعلمك بشبع نفسك وبقيت المحسوسات فنفاها بقوله : (وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) قيل لابن عرفة : الأوليات والوحدانيات أجلا من المحسوسات فإذا انتفت فأحرى أن ينتفي عنهم المحسوسات ، فقال : هذا أبلغ ، قلت له : ويحتمل [٤٩ / ٢٣٤] أن يقال : الفكر القلبي مسبب عن السمع والبصر ، ونفي المسبب ما يستلزم نفي السبب فلهذا قال وسمعهم وأبصارهم ، قال : وأفرد السمع لأنه مصدر في الأصل منهم لا يثنّى ولا يجمع إلا إذا اختلفت أنواعه على العموم والاشتغال بخلاف البصر فإنه ليس بمصدر.

قوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها).

ابن عرفة : قال ابن عصفور : إن الإضافة في قولك مررت بالرجل الحسن وجهه إنما هي عن نصب وليست عن رفع إذ لو كانت عن رفع يلزم عليه إضافة الشيء إلى نفسه لأنك إذا قلت : الحسن وجهه بالرفع فالحسن هو الوجه لأنه فاعله حينئذ يرتفع على أنه فاعل بالحسن وإذا قلت : وجهه بالنصب فالحسن هو الرجل لأن فاعله حينئذ ضمير عائد على الرجل فإذا كانت إضافة وجهه عن نصب لم يكن فيه إضافة الشيء إلى نفسه بل إضافة الحسن الذي هو من صفة الرجل إلى وجهه وعلى الرفع أضاف صفة الوجه إلى الوجه فهي إضافة الشيء إلى نفسه لا يجوز فقوله تعالى : (عَنْ نَفْسِها) أضاف الشيء إلى نفسه خبر وفيه إشكال إذ لا يجوز إضافة الشيء إلى نفسه.

ابن عرفة : والجواب أن ابن عصفور قال : لا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل إلى مضمر المتصل فلا يجوز مرتني ويجوز مرت نفسي لأن الاسم الظاهر يتنزل منزلة الأجنبي مكانه قيل هنا تجادل عن غيرها قلت : وهذا الذي نقل عن ابن عصفور ذكره

__________________

(١) سقط بالمخطوطة.

٥٣

في الشرح الصغير على الجمل الصغير في باب الصفة المشبهة باسم الفاعل ندبة على أبي القاسم في قوله في الوجه الحادي عشر يضاف الشيء إلى نفسه.

قوله تعالى : (رَسُولٌ مِنْهُمْ).

تنكيره للتعظيم.

قوله تعالى : (فَكَذَّبُوهُ).

الفاء للتعقيب وللسبب بمعنى أن تكذيبهم إليه لأجل دعوة الرسالة فقط لأنه كان عندهم مشهورا بالصدق والأمانة فما كذبوه إلا بسبب دعواه ، والرسالة.

قوله تعالى : (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ).

ابن عرفة : هذه حال مبنية لأنهم تارة يكذبونه وهم جاهلون بصحة رسالته فلا يكونون ظالمين وتارة يكذبونه مع ظهور الدلائل الدالة على صدقه فهؤلاء ظالمون.

قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ).

هذا أمر امتنان ويحتمل أن يكون للإباحة إذا قلنا إن الأشياء على الحظر.

قوله تعالى : (حَلالاً طَيِّباً).

هذه حال منتقلة لصحة وجود النسخ في القرآن فيكون الشيء حلالا ثم ينسخ فيصير حراما.

قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ).

انظر ما تقدم في صورة العقود والأنعام.

قوله تعالى : (عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ).

ليس المراد الجهل المصادر للعلم وإنما المراد به العمد لا يلزم على الأول المفهوم وهو أن المغفرة إنما هي لهم فقط ، وقال بعضهم : بجهلهم ترتب العقوبة عليهم.

قوله تعالى : (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا).

ابن عرفة : اختلفوا في القاذف إذا تاب فقيل : تقبل توبته ، والمشهور إنها لا تقبل توبته حتى تزيد حالته الثانية على حالته الأولى في الدين والصلاح ولا حجة لقوله تعالى : (وَأَصْلَحُوا).

قال الزمخشري : من بعدها أي من بعد التوبة.

٥٤

ابن عرفة : فيكون من باب ذكر المسبب عقيب سببه كقولك : أحسن فأكرمنك.

ابن عرفة : وقيل أي من بعد المعصية فيكون من باب ذكر الشيء عقيب توصيفه كقولك : أسأت إلي فأحسنت إليك.

قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شاكِراً لِأَنْعُمِهِ).

قلت له : الأصل أن يؤتي النعوت المفردة متوالية فلم فصل بينهما عندنا فقال : لأن كونه قانتا وحنيفا وشاكرا لأنعمه متفق عليه وكونه ليس مشركا يخالف فيه الكفار فوسطه بينهما على عصمه فيكون من عطف التسوية مالا وأيضا ..... (١) أمر اعتقادي ........ (٢)

قوله تعالى : (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

استفاد منه دليل على قربة لأن الجزء المعوج عند المهندسين إما بسط وقوم يصير أطول من المستقيم ، وإذا كان أطول فطريقه أبعد.

قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ).

نقل لابن عرفة : أن هذه جرت في مجلس الأستاذ أبي سعيد بن لب بالأندلس فقال : هذه الآية خرجت مخرج الثناء على إبراهيم فلم أدخل فيها النبي ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ثم أجاب بأن في ذكره وأمره باتباع إبراهيم زيادة تشريف بملة إبراهيم صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وأنشد قول ابن الرومي :

قالوا أبو الصخر من شيبان قلت لهم

كلّا لعمري ولكن منه شيبان

وكم أب قد علا بابن ذرى شرف

كما علت برسول الله عدنان

ثم قال : ومن كلام العرب العصا من العصية فقال له بعض الطلبة : إنما نظيرها قول العامة مزبلة الحمام أكبر من الذي عملها فأنكر عليه وعمل عقد وألزم الكفر وقتل وكتب ابن جزي الأندلسي في المسألة : فما ألزمه فيها الكفر وتحامل على أبي سعيد في قوله العصا من العصية وجعله القسم الثاني في السقاء المختلفة فيه ولكن ترك أمره لشهرة أبي سعيد وتقدمته في العلم ومكانته من السلطنة.

قوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

(٢) بياض في المخطوطة.

٥٥

أي بالبرهان والموعظة هي الخطابة.

ابن عرفة : وذكر الغزالي في الإفضاء هذه الثلاثة قال والبرهان يخاطب به الأذكياء والخطابة يخاطب العوام لأنهم لا يفهمون البرهان وإنما يفهمون المواعظ والجدال لا يخاطب به إلا المعاندون في الاعتقاد لأنهم لا يرجعون عن مذهبهم بالموعظة ولم يذكر هنا العائلة لأنها ليست لكل الناس بل لمن لم ينفع فيه من ذلك فإن قلت قد قال عليه الصلاة والسّلام : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" الحديث قلنا : قد تقرر في كتاب الجهاد أنهم يدعون أولا إلى الإسلام فإن لم يستجيبوا حينئذ يقاتلون ، قلت : وقال الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد بن البنا المراكشي في كتابه المسمى بالروض المريع في صناعة البديع : المخاطبات على خمسة أقسام على ما أحصيت قديما الأول : البرهان وهو الخطاب بأقوال اضطرارية يحصل عنها اليقين ، والثاني : الحول وهو الخطاب بأقوال مشهورة يحصل عنها الظن الغالب ، والثالث : الخطابة وهو الخطاب بأقوال مقبولة يحصل عنها استقرار في النفس الإقناع وهذه الثلاثة هي التي تستعمل في طريق الحق.

والرابع : الشعر وهو الخطاب بأقوال كاذبة يحصل عنها استقرار في النفس ، والخامس : المخالطة وهي الخطاب بأقوال كاذبة يحصل عنها الاعتقاد ما ليس بحق أنها حق وهذان اسمان خارجان عن باب العلم وأخلاقه في باب الجهل فالمنظوم يكون إذا شعرا وغير شعر كما أن المنثور كذلك ، وأهل العرب يسمون المنظوم كله شعرا معرض في دار في الشعر انتهى كلامه ، وقال غيره : البرهان قياس مركب من مقدمات يقينية كعلمنا بأن الواحد نصف الاثنين والجدل قياس مركب من مقدمات مشهورة كالعلم بأن العلم حسن والجهل قبيح ، والخطابة قياس مركب من مقدمات منقولة وهي المأخوذة عن الأنبياء والعلماء ومن فيه زيادة عقل أو دين كعلمنا بأن إعادتنا حق وإنما مجازون بالجنة والنار ولاختلاف الناس أمر النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدعوا بالثالثة قدر العمل والفهم بدعا بالحكمة وهم الخواص ومن دونهم بدعا بالجدال والعوام يدعوا بالموعظة إذ لو دعوا بالحكمة لم يفهموها والقياس الشعر من مركب من مقدمات تخيلية للفعل النفس لها كتشبيه الخمر ياقوتة سيالة فرغب فيه وتشبيه العسل بقيء فتنفى عنه النفس ، وكذلك البيض بقوله إنه خارج من محل العذرة فتنفى عنه النفس وهذا لا فائدة فيه إلا أنه يوجب قبضا وبسطا في النفس وأما السرقسطاني وهو المغالطي : فهو قياس مركب من مقدمات مشبهة بقضايا أوليات كقول القائل كل من

٥٦

ليس في مكان وجهة لا يدرك بحاسة البصر فيصح استحالة رؤية الله وهذه مغالطة إذ ليس من شرط الإبصار الجهة وقد سمي الغزالى هذا وأنظاره ميزان الشيطان.

قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ).

وإن أردتم [٤٩ / ٢٣٥] العقابة والأمر للإباحة.

قوله تعالى : (بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ).

سمى فعل الجاني عما يأمن مجاز المقابلة كقوله ..... (١) :

قالوا اقترح لونا يجاد طبخه

قلت اطبخوا لي جبة وقميصا (٢)

وقال في المدونة : فمن مثل برجل فقطع يده وجرحه إلى غير ذلك ثم قتله قال إن العلم أنه قصد الممثل به فعل به مثل ذلك والأصل فقط.

قوله تعالى : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ).

فيه رد على المعتزلة في قولهم العبد خلق أفعاله ورد على الجبرية القائلين بأن حركة العبد حركة المرتعش وإنه قيل له : افعل بأمر لا فعل له ودليل لأهل السنة في إثبات الكسب لأنه أمر بالصبر ثم إنه لا صبر له إلا بالله.

قوله تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ).

أي لا تحزن على ما سلف من قتالهم وعدم إيمانهم في المستقبل ولا تك في ضيق مما يمكرون به ويحلون فيه فنهاه عن التأسف على كفرهم ثم عن الخوف والجزع مما سيجدون عنهم في المستقبل فإن قلت هلا قال ولا يكن في صدرك ضيق فهو أبلغ.

__________________

(١) سقط في المخطوطة.

(٢) سقط في المخطوطة.

٥٧

سورة الإسراء

آية وعشر آيات (١)

قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً).

قال ابن عرفة : وجه ذكر التسبيح هنا أن الباقي بعده للمصاحبة فيقتضي مصاحبة بعده في الإسراء وذلك مستحيل كما استحال في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ). فذكر تنزيهه عن ذلك وغيره.

قوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ).

قال ابن عرفة : هي دليل على صحة تكليف ما لا يطاق ولا يتحمل على أنهم مخلفون بالإصلاح والإيمان مع كونه قضى عليهم بالفساد في الأرض وما قضاه وأراده فلابد منه فهم مخلفون بالإيمان وحوطوا بأنهم سيفسدون قال : والجواب أن هذا ليس محل النزاع لأنه في المستحيل عقلا وهو الذي علم الله أنه لا بد منه خلاف المستحيل عادة وأتى فيه بالقسم لأجل أنه مستبعد عنهم فلذلك أقسم له.

قوله تعالى : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) ابن عطية قرأ الجنس فجاسوا بالفاء المهملة تعني الطلبة والدخول بهذا وقيل لأنه السماك إنما القراءة جاسوا بالجيم فقال جاسوا وجاسوا وأخذ ابن عطية فهذا يدل على جر لا على رواية ولهذا لا تجوز الصلاة بقراءته وقراءة نظرائه.

قال ابن عرفة : قال الشيخ أبو الحسن اللخمي في كتاب الصلاة في فعل القراءة يجوز نقل القرآن بالمعنى تخريجا من راوية ابن وهب أنه حال مبالغة الإقراء بقراءة ابن مسعود أن (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) فقال الرجل : طعام اليتيم فقال ابن مسعود : طعام الفاجر أيقرأ بهذا ، فقال : نعم فخرج الفخر عدم إعادة المصلي بها وأنكر عليه المازري ، وقال هذه وله لأن لفظه معجز فلا يصح بديله بالمرادف الذي في الحديث القدر بل فعل وحده وليس هذا [...] مستوفيا خروج المباح منه لأن المعنى أن يصدر منكم إحسان فلأنفسكم والمباح ليس لهم ولا يليهم فإن قلتم نص الأصوليون على أن المباح من أقسام الحسن قلنا : هذا صحيح لكن قوله هنا لأنفسكم يرده لأنه تنبيه على الثواب الحاصل لهم في الدار الآخرة والمباح لا ثواب فيه وكرر لفظ مستهم للاستجلاء كقول أبي نواس :

__________________

(١) يراد أنها مكية إلا آية وعشر آيات.

٥٨

ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر

ولا تسقني سرّا إذا أمكن الجهر

وقال ابن الخطيب : لعظم قدره عند الله تعالى كقوله الحسنة بعشر أمثالها إلى مائة وأزيد والسيئة بمثلها وتجاوز ابن عرفة وهذا على جهة الأعم الأغلب وإلا فقد يحسن الإنسان لغيره كمن يدعو لميت ويتصدق عنه بشيء.

قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ).

قال المعبرون : المراد الوجه خصصه ويحتمل أن يريد به أشرافهم ويتناول من دونهم من باب أحرى.

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً).

ابن عطية : الحصير من الحصر يعني السجن ، ويقال لجني الإنسان حصيرا أي لأنهم يحصران جانب من هنا وجانب من هنا ، وقال : الحصر في الآية بالفرش وبسط فالحصير المعروف عند الناس.

ابن عرفة : لا يريد أنها ذات حصر كقولك امرأته طالق وشاة لأن ملازمة الحصر لهذه فهي متصفة به دائما خلاف المرأة والشاة والطلاق أيضا ليس من فعل المرأة.

قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ).

الزمخشري : حذف الموصول بما في إيهامه بالجميع من فخامة فقدمت مع ذكره ابن عرفة أراد أنه حذف قصد للعموم لبقاء اللفظ صالحا لأن يكون المقدر يهدي الطريق التي هي أقوم أو للملة التي هي أقوم ولو ذكر أحداهما لكان خاصا فحذف لقصد صلاحية هدايته للجميع.

قوله تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً).

ابن عرفة : عاداتهم يقولون المناسب وكان الإنسان جهولا لأن من يدعو على نفسه بالشر مثل ما يدعو بها بالخير سواء جاهل أو لا يستوي بين العامل والجاهل فأما العجول فإنما يناسب أن الإنسان يستعجل الدعاء بالخير قبل حضور أوانه قال : والجواب أن العجلة سبب في الجهالة لأن المستعجل لا يتأمل ولا ينظر بل يبادر إلى الشيء من غير تأمل فهو كالجاهل سواء قائم السبب مقام سببه ، قلت : وهذا قال الزمخشري في قوله : أعجلتم أمر ربكم فقال : يجمل الأمر إذا نزلت غير عام والجملة عنه غيره.

قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ).

٥٩

ابن عطية جعل بمعنى خلق لا بمعنى صير لأنه يلزم عليه وجودهما ، قيل : ذلك واجب بالتزام ذلك ويكونا في ثاني حال صير آيتين ورد بأن حالتهما الأولى مساء ، وبالحالة الثانية إلا أن يقال : إنهما خلفاء مكتفين وحين صيرا اثنين خلق فيهما النور وغير أن في كلام ابن عطية ابن عرفة والآية حجة لأهل السنة على أن الكلمة أمر وجودي وأنها جواهر كثيفة واستدلوا بأنها ترى وكل ما يرى فهو وجودي ، وقال المعتزلة : إنها أمر عرفي أو لا فرق بين حالة الإنسان إذا فتح عينيه في الظلام وقال إذا أغلقها قاله الفخر في المحصل والمشهور عند الأصوليين أن العدم الإضافي لا يصح أن يكون أمرا للقدرة واجمعوا على العدم المطلق به ويستقيم القول بأن العرض لما بقي وما بين الآية دليل على أن الميل أمر وجودي لأن العامل فيه خلق أو صير.

قوله تعالى : (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ).

قال ابن عرفة : إن أريد الحساب القمري جلون معا الفضل بالنهار ومعرفة الحساب بالليل وعدد السنين راجع لعلم مدها ومداها والحساب واسع لجمعها وطرح بعضها من بعض وعند ما قالوا العدد كمية منفصلة ذات ترتيب والحساب هو التصرف فمن العدد بالتركيب والتحليل.

قوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً).

قال ابن القصار في قول الشاعر : ..... (١) لهم لاحتمال أن يكون صنع بعضهم تجعله في الرفع كالعلي وفي النصب كل الكل ، وأجاب الآخرون بأن ذلك إنما هو في النفي والحكم في الثبوت على خلافه ولهذا مثل المنطقيون المبالغة الجزئية بقولك ليس كل كذا وكذا.

قال ابن عرفة : فهذا إن كان قوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) متعلقا بتعلموا معطوفا على قوله عدد السنين فلا يكون عالما فإن معرفتنا لأنهم وإن كان راجعا لله تعالى فهو كلية فيكون عالما لأنه يعلم الأشياء جملة وتفصيلا ونحن لا نعلمها إلا جملة فإذا رجع العلم إلينا كلا لا كلية وهو على المجموع من حيث هو مجموع كقولك كل من عام يرفع الصخرة العظيمة.

قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).

__________________

(١) طمس في المخطوطة.

٦٠