تفسير ابن عرفة - ج ١

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي

تفسير ابن عرفة - ج ١

المؤلف:

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي


المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-5181-9

الصفحات: ٤٦٣

١
٢

بسم الله الرّحمن الرحيم

مقدمة التحقيق

الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسّلام على سيد الأولين والآخرين ، سيدنا محمد النبي العربي الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، واجعلنا منهم يا رب العالمين اللهم آمين.

وبعد ..

فالحديث عن القرآن حديث عن كتاب الله الذي جعله ربنا هدى للمتقين ، ونور للمؤمنين ، من أخذ به هدي ، ومن أعرض عنه خاب ، ومن حكم به عدل ، ومن عمل بما فيه فقد هدي إلى صراط مستقيم.

فواجب المسلم أن يرتبط به في حياته كلها تلاوة ، وفهما ، وعملا ، فهذا الكتاب قال فيه رب العالمين (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] إذ إن جميع الكتب السابقة بعد تحريفها وتبديلها فيها شك وارتياب ، ما عدا هذا الكتاب ، وكذلك كتب الناس من العلماء على اختلاف مشاربهم فيها نقص وريب ، وكذب وعيب ، أما القرآن فإنه كتاب حفظه الله من كل شين ، ولذا كان أجدر بالحديث عنه دون سواه ، أن الله تولى حفظه ، فقال عزوجل (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩].

فالقرآن معجزة الإسلام الباقية ، ولذا شغل الإنسانية كلها من المسلمين وغيرهم إلى يومنا هذا ، وإلى يوم القيامة.

فالقرآن معجزة باقية بإعجازها للبشرية في جوانب اللغة بفروعها ، فهو أصل لجميع العلوم العربية التي قامت عليها الدراسات ، وتأسست لها المدارس ، والمنتديات والجامعات ، وهو باق بنصه منذ نزل إلى يوم الناس هذا ، وإلى أن تقوم الساعة.

٣

لذا فنحن نقف أمام قرآن ربنا ونقول : كل كتاب يرد فيه الطعن ويؤخذ عليه زيادة أو نقص ، وتأتيه رياح الحاقدين والحاسدين فينهدم ، إلا القرآن العظيم.

وهذا الكتاب هو الوحيد الذي أخرج الأمة من الظلمات إلى النور باقية على الرغم من كثرة أعدائها إلى يوم القيامة إن شاء الله.

فلهذا الكتاب العظيم كتاب الله الكريم ، مكانة عظمى لذا فإن الدهور ستأتي وتنقضي كما انقضت سابقا وهو لا تنتهي عجائبه ، ولذلك اهتم العلماء به ، وبتفسيره.

ونحن هنا نقدم إلى الأمة بأجمعها هذا التفسير ـ وهو تفسير أبي عبد الله بن عرفة ـ الذي لا غنى عنه وهو تفسير يجمع بين العربية وجوانبها وكذلك الفقه المالكي وجوانبه ، فلم يترك ابن عرفة موضعا فيه كلام فقه إلا علق عليه ، ولم يترك كذلك موضعا فيه جوانب لغوية إلا تكلم فيها ، فهو بحق كتاب لا غنى عنه وكما قال علماء التاريخ إن الأمة لم تأت بمثله بعده. فهو حق يقال له.

وقد اعتمدنا في كتابنا هذا على أصل مخطوط وهو بخط ابن عرفة نفسه ، وقد استعنا بثلاث نسخ أخرى لتلاميذ ابن عرفة ولكن الواضح منها أنها منقولة من هذا التفسير أو هذه النسخة التي اعتمدنا عليها وقد اختصرها تلاميذه إلى حد كبير.

علمنا في الكتاب :

أما عملنا في الكتاب فيتمثل في :

١ ـ نسخ المخطوط الأصل.

٢ ـ مطابقة هذا المخطوط الأصل بما نسخ لتدارك الأخطاء.

٣ ـ مطابقة النسخة الأصل بغيرها من النسخ.

٤ ـ ترجمة الأعلام والمشايخ الذين نقل عنهم ابن عرفة.

٥ ـ تعريف بالأماكن والبلدان.

٦ ـ تعريف الكلمات الصعبة من المعاجم اللغوية.

٧ ـ تشكيل ما ألبث من الكلمات.

٨ ـ تخريج الأحاديث وآيات الشواهد.

٤

هذا بخلاف الكثير الذي تم في العمل ولقد كانت المخطوطة الأصل صعبة جدا في القراءة والخط ، ولكن تمت قراءتها بفضل الله ومنه ، فمن وجد خطأ فليغفر لنا وليأخذ الثمين من الكتاب.

والله نسأل أن يعيننا ويوفقنا إلى طريق الخير والسداد.

المحقق

٥
٦

ترجمة المصنف

اسمه وكنيته ونسبه

أبو عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي

مذهبه :

المالكي ، شيخ الإسلام بالمغرب

شيوخه : سمع من

ابن عبد السّلام الهواري

والوادي آشي

وابن سلمة وغيرهم

نشأته :

ولد بتونس سنة ست عشرة وسبعمائة ، واشتغل بالفنون. قال ابن ظهيرة في معجمه : إمام علامة ، وقرأ بالروايات على ابن سلمة وغيره وبرع في الأصول والفروع والعربية والمعاني والبيان والفرائض والحساب ، وسمع من الوادي آشي الصحيحين وكان رأسا في العبادة والزهد والورع ملازما للشغل بالعلم. رحل إليه الناس وانتفعوا به ولم يكن بالعربية من يجري مجراه في التحقيق ولا من اجتمع له في العلوم ما اجتمع له وكانت الفتوى تأتي إليه من مسافة شهر.

مصنفاته :

وله مؤلفات مفيدة منها المبسوط في المذهب في سبعة أسفار ، ومختصر الحوفي في الفرائض.

وقال ابن حجر : أجاز لي وكتب لي خطه لما حج وعلق عنه بعض أصحابه كلاما في التفسير كثير الفوائد في مجلدين.

وفاته :

توفي ليلة الخميس الأربع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانمائة ولم يخلف بعده مثله

٧

مصادر الترجمة :

شذرات الذهب ٤/٣٨

ذيل تذكرة الحفاظ ١/١٩٣

كشف الظنون

الديباج المذهب

٨

٩

١٠

١١

١٢

١٣

١٤

١٥
١٦

١٧
١٨

[١ ظ] بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم

قال سيدنا وبركتنا الشيخ الفقير العلم العلامة عز الأنام الحبر الهمام الصدر المحقق فريد دهره وحيد عصره ؛ أبو عبد الله محمد بن عرفة :

علم التفسير

القول في حقيقته وموضوعه ودليله وفائدته واستمداده وحكمه

أما حقيقته : فهو العلم بمدلول القرآن وخاصيته كيفية دلالته [ومتشابهه](١) والناسخ والمنسوخ.

فقولنا : خاصيته كيفية دلالته : هي إعجازه ومعانيه الثابتة وما فيه من علم البديع التي يذكرها الزمخشري (٢). من المفسرين لم يذكرها ؛ كالطبري (٣) الذي هو إمام المفسرين ، فقال : كان ذلك مذكورا في طبعه وإن لم يكتبه.

وموضوعه : القرآن.

ودليله : القرينة والبيان ؛ لأن المفسر فسر اللفظة بمعنى ويستدل عليها بشواهد من الشعر ، وكذلك يستدل على إعرابها.

وفائدته : استنباطه الأحكام والمعاني من أصول الدين وأصول الفقه والعربية.

__________________

(١) ما بين المعكوفين ـ هنا وفي الصفحات القادمة ـ بياض في الأصل ، وهو زيادة منا ليستقيم السياق.

(٢) الزمخشري هو : العلامة كبير المعتزلة أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي النحوي صاحب الكشاف والمفصل ، ولد بزمخشر قرية من عمل خوارزم في رجب سنة سبع وستين وأربع مئة ، رحل وسمع ببغداد وحج وجاور وتخرج به أئمة ، وكان رأسا في البلاغة والعربية والمعاني والبيان ، مات ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة. سير أعلام النبلاء ٢٠/١٥١ ، طبقات المحدثين ١/١٥٩ ، ميزان الاعتدال ٦/٣٨٣ ، لسان الميزان ٦/٤ ، المغني في الضعفاء ٢/٦٤٧.

(٣) الطبري هو : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير ، الإمام العلم الفرد الحافظ أبو جعفر الطبري ؛ أحد الأعلام وصاحب التصانيف ، من أهل آمل طبرستان ، مولده سنة أربع وعشرين ومائتين ، طلب العلم بعد الأربعين ومائتين وأكثر الترحال ولقي نبلاء الرجال ، وكان من أفراد الدهر علما وذكاء وكثرة تصانيف ، قل أن ترى العيون مثله. مولد العلماء ووفياتهم ٢/٦٣٩ ، تذكرة الحفاظ ٢/٧١٠ ، سير أعلام النبلاء ١٤/٢٦٧.

١٩

وحكمه : أنه فرض كفاية (١) وهو الآن ساقط لحصوله في الكتب ، وقام به جمع كثير.

لكن الناس على أقسام :

مجتهد مفسر كالشيخ عز الدين بن عبد السّلام (٢).

وآخر مفسر غير مجتهد كسيبويه (٣) والفارسي (٤) ، والزمخشري ؛ لم يحصّلوا أدوات الاجتهاد وحصلوا أدوات التفسير.

وآخر مجتهد غير مفسر حسبما ذكر الغزالي (٥) في شروط الاجتهاد : أنه لا يلزم

__________________

(١) فرض الكفاية : هو كل ما أوجبه الشرع على المجموع ليعملوا به ، فلو قام به أحدهم لسقط عن الباقين ؛ أي : إذا فعله من فيه كفاية سقط الحرج عن الباقين ، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم.

(٢) هو : عبد العزيز بن عبد السّلام بن القاسم بن الحسن بن محمد المهذب الشيخ عز الدين بن عبد السّلام أبو محمد السلمي الدمشقي الشافعي شيخ المذهب ومفيد أهله ، ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة ، وله مصنفات حسان منها التفسير واختصار النهاية والقواعد الكبرى والصغرى وكتاب الصلاة والفتاوى الموصلية وغير ذلك ، توفي في عاشر جمادى الأولى سنة ستين وستمائة ، ودفن من الغد بسفح المقطم. البداية والنهاية ١٣/٢٣٥ ، طبقات الفقهاء ١/٢٦٧.

(٣) هو : إمام النحاة ، عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر المعروف بسيبويه مولى بني الحارث بن كعب ، وقيل آل مولى الربيع بن زياد. وإنما سمي سيبويه ؛ لأن أمه كانت ترقصه وتقول له ذلك ، ومعنى سيبويه رائحة التفاح وقد كان في ابتداء أمره يصحب أهل الحديث والفقهاء ، وكان يستملي على حماد بن سلمة فلحن يوما فرد عليه قوله فأنف من ذلك فلزم الخليل بن أحمد فبرع في النحو ودخل بغداد وناظر الكسائي ، وقد صنف في النحو كتابا لا يلحق شأوه وشرحه أئمة النحاة بعده ، توفي في سنة ثمانين ومائة. قال الخطيب البغدادي يقال إنه توفي وعمره ثنتان وثلاثون سنة. البداية والنهاية ١٠/١٧٦ ، والكامل في التاريخ لابن الأثير ٥/٣٧٠ ، والمنتظم لابن الجوزي ٩/٥٤.

(٤) هو : أبو علي الفارسي الحسن بن محمد بن عبد الغفار النحوي صاحب التصانيف ، كان متهما بالاعتزال وقد فضله بعضهم على المبرد وكان عديم المثل ، ومن تصانيفه كتاب التذكرة وهو كبير وكتاب المقصور والممدود وكتاب الحجة في القراءات وكتاب الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني وكتاب العوامل المائة وكتاب المسائل الحلبيات وكتاب المسائل البغداديات وكتاب المسائل الشيرازيات وكتاب البصرية وكتاب المسائل المجلسيات وغير ذلك وكان مولده سنة ثمان وثمانين ومائتين وتوفي في يوم الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين ثلاثمائة ببغداد ودفن بالشونيزية ، ويقال له الفسوي بفتح الفاء والسين المهملة وبعدها واو نسبة إلى مدينة فسا من أعمال فارس : شذرات الذهب ٢/٨٨ ، وسير أعلام النبلاء ١٦/٣٧٩.

(٥) الغزالي هو : الشيخ الإمام البحر حجة الإسلام أعجوبة الزمان ، زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الغزالي ، صاحب التصانيف والذكاء المفرط ، تفقه ببلده ـ

٢٠