تفسير ابن عرفة - ج ٣

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي

تفسير ابن عرفة - ج ٣

المؤلف:

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي


المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-5181-9

الصفحات: ٤١٦

قوله تعالى : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً).

معناه إما لازما ملتزما ، وإما قضاء مقضيا.

قوله تعالى : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ).

ومن بفتح التاء وكسرها فهو إما اسم جامد أو صفة بمعنى اسم الفاعل ، كالخاتم الذي يطبع الكتابة عند كماله.

وكان بعضهم يقول في التاريخ : إذا كتبه في العشرين في الشهر يقول : الموفي عشرين ، وفي الثلاثين يقول : الموفي ثلاثين والثلاثون هو نفس الشهر ، فكأنه يقول : الموفي به شهر والعشرون بعض الشهر ، فكأنه يقول : كتبته في اليوم الموفي عشرين من الشهر.

قال ابن عطية : ولفظ الآية مع قوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " أنا خاتم الأنبياء" ، عند علماء الأمة نص صريح في أنه لا نبي بعده.

وما ذكره القاضي الباقلاني في كتاب الهداية من أنه ظاهر ليس بتصريح ، وما ذكره الغزالي في الاقتصاد وتصدى إلى إفساد عقيدة المسلمين في جهة النبوة الشريفة.

قال ابن عرفة : قال الغزالي في آخر الاقتصاد : الأكثرون على العمل بالإجماع فيما لم يرد فيه نص قطعي ، وذهب النظام إلى عدم العمل به ، قال : وهو مردود بقوله : وهو (خاتَمَ النَّبِيِّينَ).

قال ابن عرفة : فقوله هذا دليل على أن ختمه للنبيين إنما ثبت عنده بالإجماع.

قال : وقال الفخر غير هذا أن الأدلة الشرعية لا تفيد الظن ، فضلا عن اليقين لإمكان تأويلها ، فهي عنده ظاهرة وليست نصا ، وسلمه له ابن التلمساني.

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ).

من عطف الجمل لا من عطف المفردات ، أي ملائكته يصلون عليكم ؛ لأن المقامين مختلفان.

قوله تعالى : (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ).

ولم يقل : إلى الضياء مع أنه أخص من النور.

قلت : وقال : إلى الضياء لما وجد في الأمة عاص ، ولو كانت الدلائل الشرعية بديهية يدركها كل أحد بالضرورة.

٣٠١

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ).

ابن عطية : عن ابن زيد : أي أحللنا لك جميع النساء ، وعن ابن عباس : المراد أزواجه التسع التي في عصمته.

ابن عرفة : وهذا كما يقول المنطقيون في العنوان والوصف : هل هو صادر عن الذات بالقابلية قاله الفارابي ، والفعل قاله ابن سينا.

وحكى النحويون في اسم الفاعل خلافا ، هل هو حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال؟ فعلى قول ابن زيد : هو مجاز فيمن هو قابل لتزويجه ، ولا سؤال فيه ، وعلى تأويل ابن عباس ، هو حقيقة في الحال لكن فيه سؤال ؛ لأنه تحصيل الحاصل ، لأن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، معصوم في اجتهاده ، لا يفعل إلا ما هو حلال له في نفس الأمر ، وقد كان تزوجهن ، فلا فائدة في إحلالهن له إلا على القول الشاذ الذي حكاه ابن الحاجب عن بعض الملاحدة ، من أنه جوز عليه الخطأ في اجتهاده.

قال : ويحتمل الجواب عنه : بأنه ليس المراد حقيقة الإحلال ، بل لازمه وهو الاعتناء بهن والتشريف بذكرهن ، ففي ضمنه التوصية عليهن بالرعي والإكرام ، وبدليل قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) [سورة الأحزاب : ٥٢] ، وبدليل تأكيد الإحلال.

فإن قلت : فعلى هذا يكون خبرا لا إنشاء ، اخترناهن لك واصطفيناهن عن غيرهن وحجزنا عنك ما سواهن ، والله تعالى لا يختار لنبيه إلا الطيب ، كما قال تعالى (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) [سورة النور : ٢٦].

قوله تعالى : (وَبَناتِ عَمِّكَ).

ولم يقل : (اللَّاتِي [٦١ / ٢٩٧] آتَيْتَ أُجُورَهُنَ).

فإن أن يكون حذف من الثاني لدلالة الأول عليه ، أو يكون كما.

ابن عرفة : يسير في العطف خلافا ، هل يشرك في الإعراب والمعنى؟ وحملنا على أنه أراد إذا قيد أحد المعطوفين يقيد في صفة أو عدمها ، هل يدخل فيه الإحرام؟ لا كقولك : جاز العاقل وعمرو.

فإن قلت : لم أفرد العم والخال ، وجمع العمات والخالات؟ فالجواب : أن بنات العم وبنات الخال منسوبات إلى الأب ، وهو واحد في جنسه ونسبه ، وبنات العمات

٣٠٢

والخالات منسوبات للأم والأولاد يختلفون فيهم الشريف والوضيع والمتوسط وأشرفهن إلا من جهة أمهاتهن لاختلاف آبائهن في النسب.

قوله تعالى : (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ).

هذا جار على الخلاف في النعت والاستثناء إذا تعقب جملا ، هل يرجع إلى الآخرة أم لا؟ والقرينة هنا تعين رجوعه للجميع.

قوله تعالى : (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها).

هل هو شرط في الثاني ، وهو جوابه شرط في الأول ، وجواب الثاني جواب لهما معا ، يحتمل الأمرين والمعنى واحد كقوله تعالى : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) [سورة هود : ٣٤].

قوله تعالى : (خالِصَةً لَكَ).

حجة لمن يقول بوجوب الاقتداء بالنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولو لا ذلك لما كان لقوله تعالى : (خالِصَةً لَكَ) فائدة.

قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).

أي لما قد تقع المخالفة بما بينه له وحدده.

قوله تعالى : (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ).

ابن عرفة : كان بعضهم يرد بها على الزمخشري في جعله قد عرف توقع مع أن التوقع هنا من الفاعل محال ، فما هي إلا حرف تحقيق بخلاف قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [سورة المؤمنون : ١].

قالوا : وكانوا يجيبونه : بأن التوقع من المخاطب ، قيل له : علم الله محقق غير متوقع ، فقال : باعتبار ظهور متعلقه وإبرازه هو التعلق التحيزي لا باعتباره في ذاته.

قوله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ).

ابن عرفة : إن قلت : لم أخر في الجملة الأولى المجرور الذي هو مفعول في المعنى وقدمه في الثانية؟ فهلا قيل : ترجي منهن من تشاء ، أو يقال : تأوي من تشاء إليك.

قال : والجواب : أن تقدم المجرور بإلى في الثانية تشريف له صلّى الله عليه وعلى آله وسلم.

٣٠٣

قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَ).

أي أقرب لأن تقر أعينهن ، فقروا أعينهن فيما حصل لهن ، وعدم حزنهن على ما فاتهن ؛ لأن الحزن على فوات الماضي ، والخوف على توقع المستقبل ورضاهن ، فما آتين إشارة إلى من حصل لها منه حظ وحصل لغيرها أكثر منه لا تتشوق إليه ، بل ترضى بما حصل لها ، وإن كان الحاصل لغيرها أكثر ، وكان تأسيس لا تأكيد فيها بوجه.

قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ).

ابن عرفة : إن قلت : ما الفرق بينه وبين أن يقال : حرمت عليك النساء؟ فالجواب : أن نفي الحلية تقتضي رفع الإذن ابتداء ولا يستلزم المنع بعد الفعل ، والتحريم يستلزم المنع ابتداء وبعد الفعل فهذا أخف ، فلذلك خوطب به النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم.

قوله تعالى : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ).

يحتمل أمرين :

أحدهما : ولا أن تبدل بهن من نسائهم زوجات لغيرك ، فيكون نهيا على ما كانت عليه الجاهلية ، من أن كل من الرجلين ينزل لصاحبه عن زوجته ويتبادلا ، وهو ظاهر قول عيينة بن حصين للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : إن شئت نزلت لك عن أحسن نساء العرب جمالا.

وإن كان ابن عطية قال : ليس بمبادلة ولكنه اختص عائشة رضي الله عنها.

ابن عرفة : فيكون على هذا نهيا أخص وإطلاق الأزواج هنا حقيقة.

الثاني : أن المعنى ولا أن تبدل بهن من نساء تتزوجهن بإطلاق الأزواج ، هنا مجازا باعتبار إلى الأمر.

وما حكاه ابن عطية من أنه نظر إلى أسماء بنت عميس ، وأعجبته لم يرد في الصحيح ، والمحل ضيق [٦١ / ٢٩٧] فلا ينبغي نقله.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ).

قال ابن عرفة : اقتضت الآية النهي عن دخول بيوت النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم للإقامة فيها.

٣٠٤

قيل : لانتظاره بعده للاستئناس فيها بالحديث ، فمقتضاها جواز دخولها للطعام ، بشرط عدم فيها ، ولفظها يقتضي بأنه مشروط بالإذن ، وتقدم الإقامة فحينئذ يرد فيها ثلاثة أسئلة :

الأول : ........ (١).

الثاني : أن الدخول بإذن مشروط بعدم الإقامة قبل الطعام وبعده ، وقد تأخر عنه ففيه تأخير الشرط على المشروط ، وجوابه : أن الشرط متأخر ودليله متقدم ، وهو عدم الضرر ، فالدخول مشروط بعدم الضرر ، أعني بالعزم عليه ، وهذا كما قال مالك في كتاب الإيلاء فيما إذا أطلق عليه القاضي ثم راجع في العدة فوطئها بعد الثلاثة أشهر ، فإنه لا يقال لها والرجعة تامة لانتفاء الضرر.

والسؤال الثالث : أن فيه تكليف الإنسان بفعل غيره ؛ لأن تأخير الطعام من فعل غير الداخلين ، فيتعلق جواز دخول المأذون فيه على عدم انتظاره من باب التكليف بفعل الغير ؛ لأنهم إذا دخلوا قد لا يتهيأ حضور الطعام حينئذ ، وجوابه : أنهم لا يدخلون إلا إذا علموا أن الطعام حضر أو قرب حضوره.

فإن قلت : لم جمع البيوت؟ قلت : لئلا يكون النهي خاصا ببيت زينب ، إذ هي السبب في النهي.

قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ).

الإذائة هنا راكبة للإذائة في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [سورة التوبة : ٦١] ، لأن الأولى مقصورة وهذه غير مقصورة.

قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً).

عبر بإذا دون إن ؛ لأن سؤال المتاع من مصالح التكليف المرغب فيها شرعا.

ابن عطية : المتاع جميع ما يطلب من مرافق الدين والدنيا.

ابن العربي : متاعا قيل : عارية ، وقيل : حاجة ، وقيل : فتوى ، وقيل : مصحف القرآن.

ابن عرفة : وفي التفسير بلفظ السؤال تعظيم لهن ، لقول صاحب الجمل الطلب من الأدنى إلى الأعلى دعاء ومسألة.

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

٣٠٥

قوله تعالى : (مِنْ وَراءِ حِجابٍ).

ظاهره ولو كان ملتحفات بساتر ، فإنه لا بد من حجاب آخر يحول بينهن وبين السائل ، ألا ترى إلى ما حكى ابن عطية من قول عمر رضي الله عنه لما توفيت زينب بنت جحش رضي الله عنه : لا يشهد جنازتها إلا ذو محرم ، حتى أشارت عليه أسماء بنت عميس بسترها في النفس العتبة.

قوله تعالى : (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ).

إن قلت : هلا عكس العطف ، إذ لو قيل : (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ).

لكان تأسيسا ؛ لأن كونه أطهر لقلوبنا ، يستلزم كونه أطهر لقلوبهن من باب أحرى ؛ لأن قلوبهن أقرب للسلامة من الإدناس من قلوب غيرهن ، فكل ما ينزل عن قلوبهن يزيله عن قلوبنا.

قال : والجواب : أن ذلك من أسبابها هي ، وهو جهة للفظ ، فيقول : إنه قصد الاهتمام بتقديم تطهير ما هو أقرب للوقوع في الدنس على ما هو أبعد منه ؛ لأن قلوب غيرهن أقرب للدنس من قلوبهن.

فإن قلت : أطهر أفعل وشرطها ألا تنبني إلا فيما يبنى منه فعل التعجب مع أنه لا ينبني إلا من الخلق التي تزيد وتنقص ، وطهارة القلوب راجعة لسلامتها من الأدناس فهي أمر عدمي ، والأمور العدمية لا تزيد ولا تنقص.

قال : والجواب : أن الزيادة لأسبابها وهي وجودية للأمور المنافية للطهارة التي وقع التكليف بها شرعا ، كما يقول : وجود المنافي للغيبة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقرب من وجود المنافي لها في غيره.

قلت : وأجاب بعض الطلبة : بأن المراد متعلق ذلك العدم أو إنماء ذلك إذا اتحد العدم ، أما إذا تعددت الأمور العدمية فلا ، كما يقال : قلب فلان الطائع أطهر من قلب فلان العاصي ، تعلقت به أدناس ، سلم الآخر من بعضها.

قوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ).

الإذائة أخف من الضرر ، قال الله تعالى (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) [سورة آل عمران : ١١١] ، وقال تعالى (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [سورة البقرة : ٢٦٤] ، فنفي الإذائة يستلزم نفي الضرر مع أن هذا اللفظ يقتضي نفي الصحة والقبول للإذائة [٦١ / ٢٩٨] لا نفي وجود الإذائة.

٣٠٦

قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ).

المراد به نفي التحريم فقط ، وقوله تعالى : (وَاتَّقِينَ اللهَ).

والتقوى فيكون عطف تأسيس لا تأكيد ، وقدم الآباء لأن حرمتهن أكد من حرمة الأبناء ، وحرمة الأبناء أكد من حرمة الأخوة ، بدليل أن آدم عليه‌السلام كان يزوج الأخ لأخته ، والتي تزايدت قبله أو بعده من بطن آخر ، ولم ينقل أن ابن تزوج أمه قط ، فهو تدلي.

هكذا كان ابن عبد السّلام يقرره ، لأنه لا يلزم من نفي الحرج عليهن في دخول من تحريمه عليهن أشد نفيه في دخوله من تحريمه أخف.

وأورد الفخر سؤالا ، قال : خوطب أولا الرجال بقوله تعالى : (فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [سورة الأحزاب : ٥٣] ، ثم نفى الجناح عن النساء في دخول محارمهن عليهن ، فهلا نفى الجناح عن الرجال ، فيقال : لا جناح على آبائهن ولا أبنائهن في الدخول إليهن.

وأجاب ابن عرفة : عنه بأنه اعتبر أولا حال الفاعل ، وهنا حال المنفعل ؛ لأن المنفعل قسمان : منه موصوف بالشدة ، ومنه موصوف باللين ، ونسوة النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم من القسم الأول ، بحيث لا يتجاسر أحد محلهن إلا بإذن ، فكان الدخول عليهن من فعلهن إذ لا يتصور إلا بإذنهن ، فالحرج فيه وعدمه مصروف لهن فلذلك نفى عنهن الجناح فيه.

قوله تعالى : (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ).

ابن عرفة : العام في الأشخاص مطلق في الأزمنة والأحوال ، فلذلك قال مالك رحمه‌الله في العبد : أنه لا يرى نحو سيدته إلا إذا كان وغدا.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ).

قال ابن عرفة : لما تقدم التنبيه على تعظيم أزواجه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، أمر سائر الأمة بتعظيمهم ، حيث نهوا أن يسألوهن إلا من وراء حجاب ، وأن لا ينكحوهن من بعده ، عقبه ببيان تعظيمه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم بما هو أقوى من ذلك وأعظم ، وهو صلاة الله عليه وملائكته ، وقرر الفخر وجه المناسبة بغير هذا ، وعلى الصلاة عليه بالوصف الأعم ، وهو النبوة فيستلزم الصلاة عليه من حيث اتصافه بالأخص ، وهو الرسالة من باب أحرى.

٣٠٧

ابن عطية : وما ورد عن الخطيب القائل : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ، فقال له النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " بئس خطيب القوم أنت ، قل : ومن يعص الله ورسوله" ، وأجيب بوجوه منها :

قال ابن عرفة : قال المصري على قراءة من قرأ (وَمَلائِكَتَهُ) بالرفع فهو محمول عند البصريين على الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، أي أن الله يصلي وملائكته يصلون ، وليس عطفا على الموضع ، و (يُصَلُّونَ) خبر عنهما لئلا يتوارد عاملان على معمول واحد ، والصلاة المذكورة بمعنى الاستغفار ، والمحذوفة بمعنى الرحمة.

قال : والصواب عندي أن الصلاة لغة بمعنى واحد ، وهو العطف ثم العطف بالنسبة إلى الله تعالى الرحمة ، وإلى الملائكة الاستغفار ، وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض ، وأما قول الجماعة جمع منعه من جهات :

أحدها : الاقتضاء والاشتراك ، والأصل عدمه.

الثانية : أنا لا نعرف في العربية فعلا واحد يختلف معناه باختلاف المسند إليه إذا كان الإسناد حقيقيا.

الثالث : أن الرحمة فعلها متعد والصلاة فعلها قاصر ، ولا يحسن تفسير القاصر بالمتعدي.

الرابع : أنه قيل : كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم [.....] انعكس المعنى وحق المتداخلين صحة حلول كل منهما محل الآخر.

قلت : ظاهر هذا أن الحذف من الأولى لدلالة الثاني عليه ، وهو مذهب سيبويه ، وأبطله أبو حيان في براءة.

وعادتهم يجيبون : بأن الآية في سياق الثبوت ، وكلام ابن الخطيب في سياق النفي ؛ لأن العصيان أمر سلبي ، وهو عدم امتثال المأمورات ، فيحتمل أن يكون الوعيد إنما هو لمن عصاهما من حيث الاجتماع ، لا من عصى أحدهما فقط ؛ لأن المضمرات على المعروف كل لا كلية بخلاف ما لو قال (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) [سورة نوح : ٢٣].

وانظر قول عبد الوهاب في حد القياس : أنه حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما ، وانتقاد الناس عليه أو يحتمل أن يجاب : بأن الواو للترتيب ، فلذلك قال (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) [سورة نوح : ٢٣].

٣٠٨

ونقل ابن العربي في العارضة قولا في المذهب بوجوب الصلاة عليه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم [٦١ / ٢٩٨] في كل مجلس.

ونقل لابن عرفة عن المفسر المشرقي : أنه احتج بالآية على أن الملك أشرف من بني آدم لأن .... (١) المشروف ، فرده ابن عرفة : بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" [...] إلا أن يستغفر لكما" مع أنها أشرف منه.

ابن عرفة : ووقع وجوب [...] في زمن الأشياخ البخاري مختصرا منه الصلاة وكنت [.....] لم يعلم به إلا بعد انعقاد السمع ، فحكم لمشتريه بأنه [...] يرجع به على تابعه.

قال ابن عرفة : وكان ابن عبد السّلام يكفي إذ يقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا يحتاج إلى زيادة تسليما.

وكان الفقيه أبو عبد الله محمد الزبيدي أنكر ذلك ، وقال : بل يحتاج إليه وكتب له براءة به فأبى أن يجيب عنها.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ).

قال ابن عطية : عن الجمهور إذائة الله كفر ، ونسبة الصاحبة والولد والشريك ، ووصفه بما لا يليق ، وعن عكرمة بتصوير الصور وفعل ما لا يفعله إلا هو ، وعن فرقة :

أنه على مضاف إلى يؤذون أولياء الله.

قال ابن عرفة : وكان بعضهم يقول : إن احتيج إلى هذا المضاف ؛ لأن الفعل المتعدي على قسمين : فعل له أثر في المفعول كقتلت زيدا لو ضرب عمرا ، أو فعل لا أثر له في المفعول ، كعرفت زيدا وسمعت صوت عمرو ، وتصورت ذات زيد ، وفعل الإذائة لا أثر هنا له ، فلا حاجة إلى تقدير المضاف ، ولما كانت إذائة الله لا أثر لها فيه ، قابلها بالنفي الذي هو المفرد ، والإبقاء وهو مجرد ترك ، وإذائة الرسول فيه فقابلها بالعذاب المهين ؛ لأنه جزاء عن إذائته ، وإذائة الله تعالى.

قال : وجعل من يقول : إن الذين يؤذون رسول الله ورسول رسوله.

قوله تعالى : (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا).

__________________

(١) طمس في المخطوطة.

٣٠٩

قال عرفة : هذا هو الذي في الحديث : " إذا قلت في أخيك ما ليس فيه فقد غبته ، وإذا قلت فيه ما فيه فقد اغتبته" ، وهو إذائته بما اكتسب.

ويجاب : الرجم من المدونة سئل هل ينكل من قذف هؤلاء الزناة؟ فقال : من أذى مسلما نكل ، قال : وإذا علم المقذوف من تغيبه أنه وإن قاله العباد على قاذفه لخوف المعرة.

قوله تعالى : (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ).

(مِنْ) للتبعيض إما في أنواع الجلاليب أو في أجزاء كل واحد منها وهو الظاهر ؛ لأن كل امرأة لها جلبابان.

قوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ).

ابن عرفة : هذه كالمقيد لما قبلها ، أو كالسبب مع مسببه ؛ لأن قبلها (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ).

والإذائة إما في الفروع أو في الأصول الراجعة لأمور الدنيا والآخرة ، فإن أريد نفي لم ينتهوا عن إذائتهم على العموم ، فيتناول الفروع والأصول.

قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ).

ابن عرفة : وجه مناسبتها لما قبلها ، أنها تقرير لما لحق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى آله وسلم في قومه من المشاق فمنها إذائتهم له في بدنه فإذائتهم له بقولهم تزوج بزوجة وولده من الشبق ، وفي إطالتهم الجلوس في بيت زينب رضي الله عنها ، وفي التكلم في تسلية ، وفي سؤالهم له عن الساعة ، وهي ما استأثر الله بعلمه ، فاليهود سألوه امتحانا.

قوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ).

لما كان المذكورون بين قول أقوام ثلاثة ، ينظر إلى اعتبار أمور ثلاثة : وهو المؤذون لله تعالى ، والمؤذون للرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، والمؤذون للمؤمنين ، حكم للمشركين ثلاثة نظرا إلى اعتبار أمور ثلاثة :

أحدها : المنافق الذي يؤذي الله بيده.

الثاني : في قلبه مرض الذي يؤذي المؤمن بإتباع غاية.

الثالث : الرجل الذي يؤذي النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم بالإرجاف بقوله :

غاب محمد وسيخرج من المدينة ، وسيؤخذ وغيرهم ، وسألوا سؤال تعنت واستهزاء.

٣١٠

قال ابن عرفة : وانظر ما هي عدم ، قيل : عبارة عن وقت فناء العالم الأول ، وعن إنشائه النشأة الثانية بعد العدم لقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) [سورة الروم : ٥٥].

قوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً).

ابن عرفة : كان بعضهم يقول : فرق بين قولك : لعل مجيء زيد قرب ، وبين قولك [٦١ / ٢٩٩] هل مجيء زيد يكون قريبا؟ فالأول : تقوله إذا أخذ في أسباب المجيء ولم يحضر ، والثاني : تقوله إذا أراد أن يجيء ولم يسرع في أسباب المجيء ، بل يكون مجيئه مستقبلا.

قيل لابن عرفة : هذا مردود بقوله الآية في الأجزاء ، لعل الساعة قربت يستعجلها الذين يؤمنون بها.

قوله تعالى : (لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً).

الولي هو الموالي ، وقد يكون نصيرا دون وجه.

قوله تعالى : (وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا).

ابن عرفة : إن أريد الكبراء في السن ، فالعطف تأسيس ، وإن أريد في المنزلة والقدر فتأكيد ، إلا أن يريد بالسادة من هو سيد في ذاته ، وبالكبراء من أسلافه سادة ، وإن لم يكن مثلهم.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ).

التقوى عند المتقدمين هي الإيمان ، وعند المتأخرين أخص منه.

وقال الإمام مالك رحمه‌الله في المتعة في قوله (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [سورة البقرة : ٢٣٦] و (عَلَى الْمُتَّقِينَ).

وقال : إن كنت متقيا فمنع ، فإن كانت بمعنى الإيمان فتعني الأمر بالتقوى ، أما المداومة عليها كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) [سورة النساء : ١٣٦] ، وأما الذين آمنوا ظاهرا بألسنتهم آمنوا باطنا بقلوبكم.

قوله تعالى : (سَدِيداً).

أي مستقيما.

كقوله :

٣١١

أعلمه الرماية كل يوم

فلما اشتد ساعده رماني

على روايته بالسين المهملة.

قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ).

المراد من يفعل جميع الطاعات أو أكثرها ، وليس المراد مطلق الطاعة ، لئلا يكون فيه حجة للمرجئة القائلين : بأن مجرد النطق بالشهادتين كاف في دخول الجنة.

قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ).

العرض إما الاختبار أو الإعطاء ، وعرض ذلك على السماوات ، إما بعد خلق التمييز فيها والإدراك ، وإما عرضه على ملائكتها.

قوله تعالى : (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها).

من باب تقديم المسبب على سببه ، لأن الإشفاق سبب في الإبانة أو يكون الإشفاق علة غاية.

قوله تعالى : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ).

هو آدم عليه‌السلام أو الجنس ، والمراد بعضه لا كله ، وفيه أن عدم الدخول في العهدة أولا كقول مالك رحمه‌الله في أهل الكتاب ، وترك الحكم بينهم أحب إلي.

قيل لابن عرفة : المراد عرضناها على الإنسان فحملها ، قال : لا بل حملها لأن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

ولذلك كان الشيخ ابن عبد السّلام يحكي أن الفقهاء اجتمعوا في جنازة ، فقال بعضهم : هذا عليه دخلنا ، فقال الآخر : بل عليه أدخلنا.

قوله تعالى : (لِيُعَذِّبَ اللهُ).

اللام للصيرورة على قراءة ، (وَحَمَلَهَا).

بتخفيف اللام وللتعليل حقيقة على قراءة التشديد في اللام.

٣١٢

سورة سبأ

ذكر سيبويه في قولهم (لَهُ) ، في علم الفقهاء أن الرفع يقتضي عموم الجنس.

قوله تعالى : (وَما فِي الْأَرْضِ).

إنما أعاد لفظ (ما) وفي المخالفة نوع (ما فِي الْأَرْضِ) لنوع ما في السماء.

ابن عرفة : وهذا من العام الباقي على عمومه.

فإن قلنا : إن العام في الأشخاص عام في الأزمنة والأحوال ، فسيكون قوله تعالى :

(وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) تأكيدا.

وإن قلنا : إنه مطلق غير عام ، فيجاب بثلاثة أوجه :

الأول : جواب الزمخشري على قاعدته بأن الحمد الأول واجبا له في الدنيا على نعم متفضل بها.

والثاني : (فِي الْآخِرَةِ) على نعم واجبة الإيصال إلى مستحقها ؛ لأنهم يقولون : إن الطائع يجب على الله أن يثيبه.

ورده ابن عرفة : بأنه باطل على مذهبه ؛ [٦١ / ٢٩٩] لأنهم يقولون بوجوب رعاية الأصلح ، فكيف يقولون النعم متفضل بها؟

الجواب الثاني : أنهما مختلفان باختلاف المتعلق والفاعل فحمد الآخرة أكثر لدوامه ، إذ هي حياة لا موت فيها ، قال الله تعالى (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) [سورة فاطر : ٣٤] وحمد الدنيا منقطع بموت صاحبه ، ثم تموت جميع الخلائق عند النفخ في الصور.

الجواب الثالث : أنهما مختلفان باختلاف السبب ، فحمد الآخرة أعظم لتبيين الحقائق فيه وصيرورة الأمر النظر ضروريا ، فالمحق يرى ما أعد الله له ، وما نجاه منه عيانا ، فحمده حينئذ أعظم وأجل.

قال ابن عرفة : وكان بعضهم يقول في قوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم" لا أحصي ثناء عليك" (١) لا ينبغي لنا أن نقوله كذلك ، إنما نقول : لا نحصي ثناء عليك ؛

__________________

(١) أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٧٥٣ ، وابن خزيمة في صحيحه حديث رقم : ٦٥٥ ، وابن حبان في صحيحه حديث رقم : ١٩٧١ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك على ـ

٣١٣

لأن سيد الأولين والآخرين صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، هو الذي اعترف بعجزه عن إحصاء الثناء عليه ، مع أنه في منزلة يتوهم فيها قدرته على إحصاء الثناء عليه ، إذ هو معصوم محفوظ وقع هذا فاعترف بالعجز ، وإنما قال : لا يحصى ليكون النفي عاما في القائل وغيره فيكون أبلغ.

قوله تعالى : (وَهُوَ الْحَكِيمُ).

قيل : المتقن ، وقيل : واضع الأشياء في مجالها ، قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها) [سورة الحديد : ٤] هذا كقوله تعالى : (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [سورة طه : ٧] ، فيرد فيه السؤال من جهة أن العطف تأكيد ، والجواب كالجواب إما أنه قصد التسوية في علمه بالنوعين ، وإما الاهتمام بتقديم الأخبار ، فمعرفة ما هو في مظنة الخفاء ، وإما الدلالة على معرفة بالمطابقة وباللزوم.

قيل لابن عرفة : ليس هذا مثله بل هو كقوله : فلان يعلم أن زوجته حامل ، ولا يعلم ما في بطنها ، ويعلم ما يخرج من بطنها عند خروجه ، فقال : لا بل هو مثله.

قوله تعالى : (وَما يَعْرُجُ فِيها).

ولم يقل : وما يعرج إليها ؛ لأنه لو قال : إليها لتوهم أن أعمال العبادة تعرج إلى سماء الدنيا فقط ، والمنقول أنها تعرج إلى السماوات السبع ، وتصعد إلى أعلاها.

قوله تعالى : (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ).

ابن عرفة : من رحمته بهم مغفرة ذنوبهم.

قيل لابن عرفة : قال بعضهم في الفرقان أربع سور استفتحت بالحمد ، وخمس بالتسبيح ، وسورتان بالبركة ، ولم تذكر فيه لا حول ولا قوة إلا بالله ، لما ورد أنها كنز

__________________

الصحيحين حديث رقم : ١٠٨٨ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم حديث رقم : ٩١٧ ، والترمذي في جامعه حديث رقم : ٣٤٤٠ ، وأبو داود السجستاني في سننه حديث رقم : ١٢١٨ ، والنسائي في السنن الكبرى حديث رقم : ١٤٢٧ ، وابن ماجه في سننه حديث رقم : ٣٨٣٩ ، والدارقطني في سننه حديث رقم : ٤٥٧ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ٤٥٠٣ ، ومالك بن أنس في موطأ مالك رواية يحيى الليثي حديث رقم : ٤٩٦ ، ومالك بن أنس في موطأ مالك برواية مصعب الزهري حديث رقم : ٤١٥ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٩٣١.

٣١٤

من كنوز الجنة ، والكنز من شأنه الخفاء ، فرده ابن عرفة بقوله تعالى : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) [سورة الكهف : ٤٠].

قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ).

ابن عرفة : كل واحد منهما لصاحبه آت كقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) [سورة الجمعة : ٨] ، لكن الصواب استناد الإتيان إلى الموجود ، وهو الذين كفروا ؛ لأن الساعة معدومة.

قوله تعالى : (عالِمِ الْغَيْبِ).

ابن عرفة : لا خلاف أن العلم القديم لا يختلف ، وفي الحادث خلاف ، فإن قلنا : أنه يتفاوت بالمبالغة في العلم القديم بالنسبة إلى العلم الحادث.

وإن قلنا : لا يتفاوت ، فالمبالغة باعتبار متعلقه ، فإن قلت : ما أفاد قوله (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ) ، مع أن (عالِمِ الْغَيْبِ) يكفي عنه؟ فالجواب : أن هذه المذكورات إن كانت كبيرة الجرم فهي ظاهر معلقة فعزوبها عن المخلوقات ، إنما هو حالة كونها في الغيب لم تخلق ولم تظهر للوجود ، فدخلت في قوله تعالى : (عالِمِ الْغَيْبِ) ، إن كانت موجودة فعزوبها ، إنما هو باعتبار رجوعها. [٦٢ / ٣٠٠] في خفية عن أعين الناظرين لا تخفى على الله.

قوله تعالى : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

انظر تعقب أبي حيان على الزمخشري.

وقال ابن عرفة : الصواب أن هكذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم.

كقول النابغة :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

قوله تعالى : (وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).

وجه مناسبة القراءة هنا أن (الْعَزِيزِ) هو الذي لا يمانع ، فإما أن تراد أن كلامه لا يقدر أحد على ممانعته ، وإما أن يكون أشار إلى أنه لا تهتدي إلى المطالب القلبية الخفية الممتنعة عن الإدراك إلا به ، و (الْحَمِيدِ) إشارة إلى حمده هذه النعمة العظيمة التي أنعم بها ، وهو القرآن العظيم الهادي إلى طريق الحق.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ).

٣١٥

قال ابن عرفة : وجه مناسبتها لما قبلها أنها نزلت تخويفا لقريش ، لأنهم اتبعوا الشيطان فيما اتبعه فيه آبائهم من الكفر ، وقد هلكوا وعذبوا ، فلم يهددون أن ينزل بهم ما نزل بآبائهم ، كعبدين عصى أحدهما سيده فعذبه ، ثم عصاه الآخر فهو متوقع بعذابه ، وأطلق قول إبليس بفعله المستقبل صدقه وهو قوله (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [سورة ص : ٨٢ ، ٨٣] ، ففيه دليل على أن من يعتقد صدقه من الأولياء إذا أخبر بشيء قبل وقوعه أن يقال فيه : صدق فلان في مقالته.

قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ).

ابن عرفة : يشار بلفظ القريب للبعيد تعظيما لأمره في قلبه ، إما مدحا أو ذما ، كقوله تعالى : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [سورة يوسف : ٣٢] ، وعكسه أن يشار البعيد للقريب تحقيرا له في بابه ومثل (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [سورة الفرقان : ٤١] ، وكذلك هذا هم تحتقرونه ، واستعمل لفظ ذا في المستقبل ، وهو ظرف لما مضى.

وأجيب : بأنه أمر تقديري أي لو حضروا بين يديك ورأيتهم لرأيت عجبا ؛ لأنه يخلص الفعل للماضي أو يكون المراد من مات منهم.

قال : وعدم إيمانهم بالقرآن إما راجع لعدم التصديق لكونه معجزا ، أو لعدم التصديق لكونه عجزا ، أو لعدم التصديق لما تضمنا من رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فالأول عقلي ، والثاني سمعي نظري.

قوله تعالى : (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ).

القول دليل على أن البعض يطلق على النصف وأكثر منه.

قال : وعادتهم يقولون : عبر عنهم أولا بوصف الكفر (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ) [سورة الأنعام : ٩٣] ، والظلم أعم من الكفر لصدقه عليه ، وعلى ما دونه من الماضي ، قال : وحكمة ذلك أنه أسند لهم المخاصمة والمراجعة وهي مبادئ التعنت والاختلاف ، فلذلك قرنها بمطلق الظلم لا بأخصه ، فإن قلت : لم قال : (الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) [سورة سبأ : ٣١] ، بلفظ المضارع ، ثم عقبه بقوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) [سورة الأعراف : ٧٦] ، بالماضي؟ فالجواب : إما بأن الأول مضارع لتكرره منهم وتجدده المرة بعد المرة ، فلما تكرر منهم المرة بعد المرة حينئذ أجابهم

٣١٦

أكابرهم بهذا الجواب ، وإما أنه بدل وتفسير لقوله تعالى : (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) [سورة سبأ : ٣١] ، وهو مضارع يفسره بالمضارع.

قوله تعالى : (قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ).

قال الزمخشري ، وابن عطية : (دَابَّةُ الْأَرْضِ) هي الأرضة ، قالا : وروي أن الجن أرادوا أن يعرفوا وقت موته ، فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت منها في يوم وليلة [٦٢ / ٣٠٠] مقدار ، فحسبوا ذلك النمو المقدر فوجدوه قد مات منذ سنة.

قال ابن عرفة : ما يتوهم هذا إلا لو كانت الأرضة شرعت في أكل العصا منذ سنة ، ولعلها ما بدأت الأكل إلا بعد مدة طويلة.

قوله تعالى : (جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ).

اليمين والشمال نسبة وإضافة فاعتبر حاصل الوادي بالنسبة إلى الهابط من أعلاه ، والطالع من أسفله ، ويمين الإنسان في الأكثر هو اليد القوية السريعة الحركة غالبا والشمال ضدها ، وقد تكون العكس فيمن يخلق شيئا ، وهو الأيسر ويكون أعسر أيسر فالأعسر الذي يبطش بيساره دون يمناه ، والأعسر الأيسر الذي يبطش بهما يديه جميعا وهو الأضبط.

قوله تعالى : (فَأَعْرَضُوا).

أول الآية أشد من آخرها ، لأن ظاهر أوطان العقوبة نالتهم بنفس إعراضهم ، فيتناول العاصي والكافر ، لقوله تعالى : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ).

قوله تعالى : (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ).

قال أبو حيان : المجرور بالباء هو المأخوذ المعوض وغيره.

وقال ابن عرفة : الصواب أنك تقول : بدلت الدار بالجنان ، أي أخذت الدار عوضا عن الجنان ، ثم قال : الحاصل أن المقدم هو العوض ، والمؤخر هو المعوض قلت : و .... (١).

__________________

(١) بياض في المخطوطة.

٣١٧

فيها عن ابن عبد السّلام القاضي ما نصه قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ) [سورة سبأ : ١] ، قال : تعقيب الحكم بالوصف المناسب ويشعر أنه علة ؛ لأن كل ما في السماوات وما في الأرض مستحق للحمد.

فإن قلت : ظاهر الآية أن السماء بسيطة إذ لو كانت كروية لاكتفى بقوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) عن قوله (وَما فِي الْأَرْضِ).

قلنا : مقام الاستبدلال حقه من فيه الاستئناف فالصريح بدلالة المطابقة دون دلالة الالتزام ، إذ هو أقوى منها ، وإنما تقدم علمه بما يلج في الأرض على علمه بما ينزل من السماء ؛ لأن النزول بمنزلة الخروج والعروج كالولوج.

قوله تعالى : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ).

لما نفوا الساعة بدعوى مجردة عن الدلائل ، قوبلوا بدعوى مقسم عليها ، وإن كان القسم لا يثبت دعوى.

قوله تعالى : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ).

قال ابن عرفة : بدأ هنا بالسماوات ، قال تعالى (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ).

بدأ بالسماء لأن إتيانها أعظم ، فلما أراد بالثاني التخويف من العذاب بدأ بالأرض ، لأنها المشاهدة في حصول العذاب ، وقوله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) ، دليل على أن الرؤية في قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَرَوْا) ، علمية لا بصرية ، قوله تعالى : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [سورة يونس : ٦١] ، المراد به العلم لا حقيقة الكتاب ، لئلا يلزم عليه التسلسل ؛ لأن الكتاب إما أصغر أو أكبر ، وكل أصغر وأكبر من كتاب فيلزم أن يكون من كتاب ، وينتقل الكلام لذلك الكتاب فيتسلسل.

قوله تعالى : (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ).

قال ابن عبد السّلام : هذا الترتيب على الأصل ، لأنه لا يلزم من نفي الملك في الأقوى ، وهو السماء ، نفي الملك في الأضعف وهو الأرض ، وقوله تعالى : (وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) فعلى عكس ذلك ؛ لأن ما لا يملك مثقال ذرة فيهما كيف يكون شريكا فيهما أو ظهيرا؟ وأجاب : بأن ذلك استعظام لنقصان عقولهم ، وأنهم يعتقدون الإعانة والشرك فبين من لا يملك مثقال ذرة ، فكأنه لا يملك مثقال ذرة ، الذي هو أحرى أن يكون شريكا ولا ظهيرا كيف يعبد من دون الله؟ فإن

٣١٨

قلت : إذا انتفيت الشفاعة وانتفى النفع الحاصل عنهما فما [٦٢ / ٣٠١] أفاد قوله تعالى : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ).

قلت : هو كقوله على" لا حب لا يهتدي بمنارة" أي ليس ثم شفاعة ينتفع بها.

قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً).

أو تعني الواو نفيه اللف والنشر وعلى بابها تكون من تجاهل الفارق.

قوله تعالى : (لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا).

نزلت بمكة قبل شريعة الجهاد ، وسائر الأحكام ، لأن هذا الأمر لم يبق بعد كذلك.

قوله تعالى : (كَلَّا بَلْ هُوَ اللهُ).

الكلام إما وقع في إثبات الشركاء له في إثبات الله تعالى أو نفيه ، حتى يضرب عن مقالتهم إلى إثباتهم ، وإنما المعنى بل الوحدانية لله تعالى.

قوله تعالى : (مَتى هذَا الْوَعْدُ).

المراد به متعلقه ، والوعد والوعيد بمعنى واحد بخلاف ألا تعاد.

قال : وعبر عن المراجعة بالقوة دون الكلام ، لأن القول غير مقيد ، قيل له : لم عطف ، وقال (الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا). بالواو ، والأصل في المراجعة عدم العطف ، كما في قوله تعالى : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) [سورة الشعراء : ٢٣] الآية ، وقد جعله ابن مالك في المصباح من البديع وأنشد عليه ، فأجاب : بأن الجملة التي دخلت عليها معطوفة على كلامهم ، وليست جوابا عما قبلها ، فلم تدخل واو في المراجعة وبتقدير أن يكون جوابا ، وإنها دخلت في المراجعة فليس بممتنع ، ولم يثبت امتناعه عن القرب ، والشعر الذي ذكره ابن مالك مولد ، وإنما وقع ذلك في آية موسى عليه‌السلام مع فرعون عليه اللعنة.

قلت : هكذا ذكره السكاكي ، وذلك منه قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) [سورة الذاريات : ٢٤ ـ ٢٥] ، قال : لما قال (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) [سورة الذاريات : ٢٦] ، كأنه قيل : فما قال لهم ، قال المجيب : (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) [سورة الذاريات : ٢٧] ، ثم قال (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ) [سورة الذاريات : ٢٨] ، فكأنه قيل : فما قالوا له حين رأوه ، كذلك قال (قالُوا لا تَخَفْ) [سورة الذاريات : ٢٨].

٣١٩

قال ابن عبد السّلام : قوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سورة سبأ : ٣٣] أضاف المكر إلى الليل ، وإن كان لا يصح منه ذلك تنزيلا للمكر فيه منزلة الماكر.

قوله تعالى : (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ).

شدد عليهم في التوبيخ ، لأنهم عبدوا غير الملائكة ، فإذا وبخوا على عبادة أكرم خلق الله فأحرى أن يوبخوا على ما دون الملائكة انتهى.

قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ).

قال شيخنا ابن عرفة : فرد أن رسالة نوح عليه‌السلام عامة أيضا ، ويجاب : إما بأن محمدا صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، بعث للإنس والجن ، ورسالة نوح عليه‌السلام خاصة بالإنس ، وأما نبينا صلّى الله عليه وعلى آله وسلم آمن به من قبله ، لأن كل نبي أخبر به بخلاف نوح عليه‌السلام.

قوله تعالى : (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ).

قال الزمخشري : (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) بالفقر لكثرة أموالنا.

وضعفه ابن عطية قال : وإنما المراد نحن في الآخرة لكثرة أموالنا وأولادنا ، إما اعتناء بنا وإكرام من الله تعالى لنا ، وإكرامه لنا في الدنيا دليل على رضاه عنا ، وعلى إكرامه لنا في الآخرة بعدم العذاب ، فهو قياس منهم فيكون (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ، نتيجة عن قولهم (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً).

وقيل : إنه استئناف منتقل بنفيه فعقبه بقوله (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) ، فيبسط الرزق ليس منحصرا في الإكرام ، بل قد تكون أملا ، كقوله تعالى : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [سورة آل عمران : ١٧٨].

قوله تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ).

قال ابن عرفة : تكرير (لا) في العطف محض تأكيد ، إذ لو جعلناها تأسيسا لزم عليه المفهوم ، إذ لا يلزم من نفي التقريب عن كل مرفوع منهما نفي التقرب عنهما مجتمعين.

قوله تعالى : (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ)(١).

__________________

(١) وردت في المخطوطة : ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم تعبدون ووردت في المصحف : ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ وقد أثبتنا ما في المصحف.

٣٢٠