تفسير ابن عرفة - ج ٣

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي

تفسير ابن عرفة - ج ٣

المؤلف:

أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي


المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-5181-9

الصفحات: ٤١٦

سورة والصافات صفا

قوله تعالى : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا).

قيل : الملائكة صافات أقدامها وأجنحتها في الهوى ، وقيل : الطير ، وقيل : العلماء العمال يصفون أقدامهم في التهجد.

الزمخشري : وقيل : الغزاة في سبيل الله تعالى التي تصف الصفوف ، وتجرد الخيل للجهاد ، وتتلوا الذكر مع ذلك ، لأنه لا يشغلها عنه شاغل ، كما يحكى عن علي.

قال الطيبي : إن عليا رضي الله عنه كان يمشي بين الصفوف وسيفه يقطر دما ، ولا يفتر عن خطبته.

قال ابن عرفة : إنما إمراره ما في الحديث الصحيح أن عليا رضي الله عنه في [.....] ما تركته منذ سمعته من رسول الله [٦٤ / ٣١٢] صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، قيل : ولا ليلة صفين ، قال : ولا ليلة صفين ، قال : والاصطفاف هو كون الكتائب على خط مستقيم ، وهل يشترط مع ذلك تلاصقها ، ومقاومتهما إلى مجرد كونها على خط ، وإن تباعد بعضها عن بعض ، وهكذا قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) [سورة الصف : ٤].

قال ابن عرفة : وهذه المعطوفات ، قيل : إن عطفها ترق ، وقيل : إنه بدل ، والصواب أنه ترق ؛ لأن الاصطفاف يكون من الجماد وغيره ، وهو قاصر غير متعد للغير ، والفعل المتعدي أقوى من القاصر مع أن الزجر يكون في الخير والشر ، فقد يزجر الإنسان غيره عن الخير ، وقد يزجره عن الشر ، بخلاف تلاوة الذكر ؛ فإنه مجرد طاعة فمتعلقه ذات الخالق وصفاته ، وهو بالضرورة أشرف وأبين ، وإذا جعلته ترقيا كان عطفها تأسيسا ، وإن كان تدليا كان بالعطف تأكيدا.

قال : وحكى الفخر في المعالم الخلاف هل الملائكة أفضل من البشر ، أو لا؟ وحكى في الأربعين والمحصل هل الملائكة بالإطلاق أفضل من الأنبياء أم لا؟

قال الزمخشري : والعطف بالفاء إما على الترتيب في الوجود ، كقوله : المصدر تام للحادث فالصاع والغنائم فلا ريب ، كأنه قال : الذي صبح فغنم ضأن.

ابن عرفة : صوابه الذي ورد اسم الفاء اسم الفاعل عنه ، وذكروا منه ، أيفع الكلام فهو يافع ، وأورش الشجر فهو وارش ؛ بخلاف صبح فلم ترد فيه صابح.

٣٦١

قوله تعالى : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ).

الإله هو المستغني بذاته المفتقر غيره إليه.

قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا).

التزيين هو زيادة وصف في الماهية بعد كمالها ، يوجب حسنها احترازا من زيادتها قبل كمالها ، فإنه ليس بتزيين.

قوله تعالى : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ).

قال الزمخشري : المارد الخارج عن الطاعة ، المبلس منها.

وقال ابن عطية : المرد التجرد للشر ، ومنه شجرة مرد لا ورق عليها.

قال ابن عرفة : المارد هو القوي ؛ فيحتمل أن يرجع إلى قوله نفسه ، وإلى قوته على التخيل ، وإن كان في نفسه ضعيفا ؛ فإن رجع إلى قوة نفسه فحفظ السماء من يستلزم حفظها من دونه من باب أحرى ، وإن رجع إلى قوته إلى التخيل مما يلزم حفظ السماء منه ، حفظها ممن لا يقدر على التخيل ، وإن كان في ذاته قويا هذا ينبني على الخلاف في السماء ، هل هي الآن محفوظة من جميع الشياطين المارد ، وغيره ، أو من المردة فقط.

قوله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ).

قال ابن عرفة : قالوا : الجملة الثالثة تارة تكون مفسرة لما قبلها ، كقولك : أخذ زيد يثني على عمرو ، قال : كذا وكذا ، تارة تكون أجنبية ، كقولك : خطب زيد ، وقال : كذا وكذا ، وهذه تحتمل الأمرين ، وآتت على المعنى الثاني ؛ لأن قبلها (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ).

قوله تعالى : (يَتَساءَلُونَ).

قال ابن عرفة : عادتهم يقولون : السؤال طلب القول صاحب الجمل الكلام ؛ إن دل على طلب الفعل كان مع الاستعلاء أمرا ومع الخضوع دعاء ، ومسألة دفع التساوي التماثل ، قال : والجملة الثانية مفسرة له ، فيلزم أخذ أمرين : إما تغيير الشيء بنقيضه ؛ لأن الثانية خبرية ؛ أو إبطال ما قاله صاحب الجملة ، وأجيب : بأن السؤال هنا المراد به التوبيخ ، وليس بسؤال حقيقة ، وقد قال المفسرون في قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ).

قوله تعالى : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ).

٣٦٢

زاد هنا عظاما وأسقطها في سورة ق ، فقال تعالى (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [سورة ق : ٣] ، [٦٤ / ٣١٣].

فأجاب بعضهم : بأن هذا كلام ابتدأ به المسلم ، فقال (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً) ، يجيء ويبعث ؛ فأنكر ذلك عليه قوله ، وأعاد كلامه على ما هو عليه بأداة الإنكار ، والمسلم كلام النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم أن عظام بني آدم كلها تفنى إلا عظم الذنب ، وهو قدر بغرز إبرة ؛ فلذلك قال : (عِظاماً) في سورة ق حكاية عن كلام كافر ابتدأ من غير أن يتقدمه شيء.

قوله تعالى : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ).

قال المفسرون : إنما عرفه بعد مدة طويلة. ،

ابن عرفة : عادتهم يقولون : العطف بالفاء يقتضي التعقيب ، وأجابوا : بأنه دله ولم يعرفه ، ثم عرفه بعد مدة طويلة ؛ كما تنظر صاحبك في السجن ، فقد تبدلت سجيته وتغيرت حاله ؛ فما تعرفه إلا بعد التأمل ، وتكرار النظر.

قوله تعالى : (قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ).

كان بعضهم يقول : هذا دليل على أن القياس التمثيلي المستعمل في الكلام ؛ لأن المعنى قاربت أن ترديني على مثل دينك ؛ وقد نزل بك العذاب ؛ فكان يترك في مثل ما نزل بك ؛ والقسم بالتاء للتعجب.

قوله تعالى : (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي).

أي : شاملة لنا.

قوله تعالى : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى).

ابن عرفة : ظاهر الآية يقتضي ما قال المفسرون ؛ لأن الاستفهام بمعنى التقرير يصيرا المنفي مثبتا ، والمثبت منفيا ، مثل (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) [سورة الفجر : ٦] ، فيقتضي إثبات الموت والعذاب ؛ أي نحن ميتون غير الموت الأول ومعذبون ، وليس المراد تلك ، فلابد من إضمار ، بل المعنى : نحن مبعوثون غير ميتين غير الموت الأول ومعذبون ، فلم تدخل أداة الإنكار على المنفي ، بل على مثبته ، ونفي العذاب يستلزم نفي الأحيان.

قوله تعالى : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ).

٣٦٣

هذا تعليل لكونها مثبته لا سيما إن كانت جعل بمعنى خلق ، وفيه إبطال للقول بوجوب مراعاة الأصلح.

فإن قلت : هلا قال : إنها شجرة تنبت في أصل الجحيم.

قلنا : عادتهم يجيبون : بأن النبات فيه إشعار بالماء والتراب ؛ وهو أقرب للمعجزة ؛ لأنه نبات أخضر رطب فيما يناقضه وهو النار.

قال ابن عرفة : وهذه الشجرة يحتمل أن تكون واحدة بالنوع ؛ فتكون على جهة من جهات جهنم فيها شجرة ، أو تكون واحدة بالشخص.

قوله تعالى : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ).

الزمخشري : هذا استعارة إما لفظية أو معنوية.

قال الطيبي : اللفظية جعلك الشيء نفس الشيء وليس به ، وهو أن يطلق اسم المشبه على المشتبه به من غير الأول أداة تشبيه ، مثل : رأيت أسدا تريد رجلا كالأسد ، والمعنوية جعلك الشيء للشيء وليس له ، كقولك : إذا أصبحت بيد الشمال زمامها فهذا مدع أن للريح الشمال يدا ، وللسحاب زمام ، وأيضا خفى الأول بحسن الرجوع للتشبيه ، فيقال : رأيت رجلا كالأسد ، وفي الثاني لا يحسن ذلك ، فقال : ... (١) أما اللفظية فهي أن المطلع موضوع لحمل الشجرة مع قصد أن تكون نخلة باستعمال هنا غيرها ، كالرسن ، فإنه موضوع للأنف بشرط أن يكون فيه رسن ، فإذا استعمل في أنف الإنسان كان مجازا لفظيا ، وللمعنوي هو أن يشبه حمل تلك الشجرة بالطلع الحقيقي تشبيها بليغا ، ثم يطلق على ذلك الحمل اسم الطلع ؛ فاستعير لحمل شجرة الزقوم اسم الطلع ، وشبهه برؤوس الشياطين ، وفي المرئ بينهم بالقول.

كقول امرئ القيس :

أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

ولم تر الغول ولا أنيابها

فهذا حاصله.

قال ابن عرفة : وعادتهم يقررونه قبل وصول كتاب ، الطيبي لنا : بأن الاستعارة على ما قال ابن مالك في استعمال اللفظ في غير موضوعه ؛ كضرب من التأويل ؛

__________________

(١) كلمة غير واضحة في المخطوطة.

٣٦٤

فاللفظية هي استعمال اللفظ مطلقا من غير استحضار لثبوت المعنى المجازي فيه ولا نفيه ، والمعنوي [٦٤ / ٣١٣] إطلاق اللفظ مستحضرا فيه المعنى المجازي ؛ كإطلاق لفظ الأسد على الرجل ، فتارة يطلقه عليه غافلا عن معنى الشجاعة ، وكتسمية رجلا بكلب مع الغفلة عن استحضار صفة الذم فيه ؛ فإنه لا يكون ذما ؛ فهي استعارة لفظية ، وإذ أطلقت لفظ الأسد على الرجل الشجاع مستحضرا عنه المعنى الذي لأجله أطلقته عليه ؛ كان استعارة معنوية ، وكذلك لفظ كلب على رجل تريد به الذم ، قال : وكانوا يتلونه عن مستعير فرسا طريا ، وآخر يستعيرها بسرحها ، ولجامها ، وجهازها كله.

قوله تعالى : (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ).

ولم يقل : بطونهم مع أنه الأصل.

قال : وكان يجيبون : بأنه إشارة إلى واحد منهم ، فملأ منها بطنه بالفعل وبطن ولده ، ومن يعز عليه بالحض على الأكل منها ظانا أنها تنفعه وتنفعهم ؛ فيريدون عذابا ومضرة.

قوله تعالى : (أَلا تَأْكُلُونَ)(١).

قال ابن عرفة : الأصل كان بعجزهم ما ينافي الألوهية من القدرة والإرادة ، وإما الأكل ، فالثلاثة غني عنه لا يحتاج إليه ، ثم أجاب : بأنه آتاهم على وفق دعواهم ؛ لأنهم يتقربون إليهم بالذبائح يذبحونها ويعتقدون أنها تأكل.

قوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ).

لما خاطبهم فلم يجيبوه ، قال (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ).

قوله تعالى : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ).

ابن عرفة : الصبر استحضار المؤلم وعدم التأثر له على تركه ، والعفو استحضاره وعدم الالتفاف إليه ؛ فهذا أعلاها.

قوله تعالى : (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ).

وقال بعده (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) [سورة الأنبياء : ٧٠].

__________________

(١) وردت في المخطوطة : أفلا تأكلون ووردت في المصحف أَلا تَأْكُلُونَ ، وقد أثبتنا ما في المصحف.

٣٦٥

قال صاحب البرهان : لما تقدمها (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً) ، وهو أمر حسي يقتضي العلو والارتفاع ، قابله بنقيضه حسا ، فقال (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) ، بخلاف قوله تعالى : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) [سورة الأنبياء : ٧٠] ، فإن الكيد أمر معنوي فقابله بالمعنوي.

قوله تعالى : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ).

ابن عرفة : الحاكم إذا حكم بحكم مستدلا له قرينه على أن الحكم مختلف فيه ، ولو كان مجمعا عليه لما احتاج إلى استدلال على صحته.

وقال الفخر في أجزاء المعالم اللدنية : الدليل على أن النبي أفضل من الولي وأشرف ؛ أن النبي كامل مكمل ، والولي كامل فقط ؛ فإن الكامل المكمل أشرف ، الثاني : أنه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم قال : " ما طلعت الشمس غير النبيين أفضل من أبي بكر" ، فقوله : " غير النبيين" ، دليل على أن النبي أشرف ، وهذا لم يخالف فيه أحد.

قيل له : لعل بعض الملاحدة أو المبتدعة خالف فيه ، فقال قوله تعالى : (مِنَ الصَّالِحِينَ) ، قد يتوهم منه ذلك ، ولو لا ذلك لما كان لذكره بعد النبوة.

قال : وعادتهم يجيبون عنه : أن النعت تارة يكون مرادا به الثناء ، وهذا يكون فيه الثاني أعلى من الأول ، وتارة يراد به حقيقة ذلك الوصف ، كقوله تعالى : (أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [سورة الأنعام : ١٢٤] ، وكوصفك طعاما طيبا بأنه حسنا ، وتارة تصفه بأنه قبيح ، فهذا لا حقيقة لذلك الوصف ؛ فهو إشارة إلى أنه ممن يستحق أن يوصف بتلك الصفة.

وأجاب بعض الطلبة : بأن ذكر الصالحين تنبيه على إبراهيم لمطلوب ، لقوله (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) ، أو يكون الصلاح مقولا بالتشكيك ؛ وصلاح النبي أعلى من صلاح الولي.

قوله تعالى : (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ).

هي زوجته ، ولوطا هو ابن أخت إبراهيم عليهما الصلاة والسّلام ، وقيل : ابن أخيه.

ابن عرفة : ولا يبعد أن يكون جمع الأمرين ؛ فيكون أخوه من أبيه تزوج أخته من أمه ؛ فتولد له لوطا عليه‌السلام.

٣٦٦

قوله تعالى : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ).

الأصل تقديم الليل [٦٤ / ٣١٤] لأن العرب تؤرخ بالليل ؛ لكن إنما قدم الصباح لكي ينظروا ويتأملوا من مواضعهم ، فإذا مروا عليهم بالليل تذكروا ، وأما كانوا نظروا بالنهار.

قلت : أو لأن مرورهم بالنهار أكثر ، وتأكيد بإن مثل :

جاء شقيق عارضا رمحه

إن بني عمك فيهم رماح

لأن حالتهم في الغفلة وعدم التذكر والاعتبار شبيهة بحالة من لم تمر عليهم ؛ ولا نظر لمساكنهم ولا لمصرعهم ؛ فهو من نفي اللازم لنفي ملزومه فلذلك أخره.

قوله تعالى : (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ).

قال ابن عرفة : قال الفقيه أبو عبد الله محمد بن نزار : يوم جمعة في الكتبيين : أبق بكسر الباء فأنكرتها عليه وأنا صغير ؛ فأحتشم مني ثم أتاني في الجمعة الأخرى بصحاح الجوهري ضبطها بالفتح والكسر والفتح أشهره.

وقال الثعالبي : من فقه اللغة أن يقال : أبق إلى كذا ، ولا يقال : أبق بالإطلاق ، وإنما يقال مقيدا.

٣٦٧

سورة ص

قال ابن عطية : هو مفتاح أسماء الله تعالى ، ص صادق الوعد صانع المصنوعات.

ابن عرفة : أسماء الله تعالى توقيفية ؛ ولذلك استشكل الناس قول أصول الدين بأن الدليل على وحدانية الصانع إلا أنه يريد في القرآن معناه ، ورد في القرآن في سورة الأحزاب (وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) [سورة الأحزاب : ٢٢] ، وفي سورة النمل (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [سورة النمل : ٨٨].

قوله تعالى : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ).

ذكروا فيه تأويلات.

قال ابن عرفة : ويحتمل عندي والقرآن المذكور على ألسنة الخلق إلى يوم القيامة ، لقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [سورة الحجر : ٩] ، فهو المعرف بالذكر الدائم بخلاف غيره من الكتب ؛ فإنه لم يبق مذكورا لما وقع فيه من التغيير.

قوله تعالى : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ).

كان بعض الطلبة يورد على هذا قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [سورة فاطر : ١٠] ، وأجيب : بأن العزة المختصة بالله بمعنى الرفعة والعلو ، والعزة المسندة للكافرين هي بمعنى الممانعة والنعت.

قال : والفرق بين العزة والشقاق ؛ أن العزة مانعة فقط ، والشقاق مانعة مكائدة مكابرة ومجاهرة بالسوء ، قال : ومن كلامهم من عزيز أي من غلب سلب.

قوله تعالى : (أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ).

ابن عرفة : لما تقدم التنبيه على انعاتهم بالعزة والمكابرة ، عقبه بيان غفلتهم عن فعل مثل فعلهم فنزل به العذاب والهلاك.

قوله تعالى : (فَنادَوْا).

هذا يرد فيه ما أورد ابن عصفور في قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) [سورة الأعراف : ٤] ، لأن النداء سابق على الإهلاك ، كما أن مجيء البأس سابق أيضا عليه ، والجواب كالجواب : إما أردنا إهلاكهم فنادوا ، ويرد عليه ما قال البصري : من أن الإرادة قديمة تقتضي التعقيب ؛ فيلزم إما قدم العالم أو حدوث

٣٦٨

الإرادة ، وإما أن يجاب بأن الإهلاك نزل أولا ببعضهم ، وهم رؤساءهم ؛ فنادى الأتباع (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) ، مستغيثين ؛ أي لا مخلص لهم ؛ فلم ينفعهم ذلك ، والمناص المخلص والمنجا والفرار.

قوله تعالى : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ).

الضمير عائد على قوله تعالى : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، لأن المتعجبين ليس هم السابقة ؛ بل المعاصرون للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم.

قوله تعالى : فقال (الْكافِرُونَ).

أتى بالفاعل ظاهرا غير مضمر ؛ والأصل أن يقول : فقالوا لأن خبر المبتدأ تارة يكون عاما صالحا لكل واحدة ، وتارة يكون خاصا لا يصح إلا لذلك المبتدأ.

قوله تعالى : (وَعَجِبُوا).

العجب يصلح أن يقع من كل أحد [٦٤ / ٣١٤] فأتى بفاعله مضمرا ، وقوله تعالى : (هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) ، كلام حلف لا يصح أن ينسب لإلههم ، وقولهم : (كَذَّابٌ) ؛ إما أن يريدوا أنه كاذب في سحره ، أو أنه عالم بالسحر كذاب في أموره على العموم ، قيل له : لعل عندهم ساحر في شيء كذاب في شيء ، كما قال تعالى (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) [سورة البقرة : ١٠٢] ، وعطف العجب هنا ، وفي ق بالفاء ؛ لأن التعجب بالقول سبب على التعجب بالفعل ، كقوله تعالى : (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) [سورة ق : ٢] ، بخلاف السحر والكذب ؛ فإنه غير مسبب عن التعجب بالفعل.

قوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ).

هم الأشراف ، الأصوب تعلق منهم بالملأ لا بانطلق يشعر بأنهم أشراف فقط ، وتعلقه بإطلاق يشعر بأنهم أشرافهم ؛ وإن كان في غيرهم من هو أشرف منهم.

قلت : جعله عكس ما قاله البصريون في إضافة الصفة المشبهة ؛ أنه في معنى الحسن الوجه.

وقال الكوفيون : إنه في معنى الحسن وجهه.

قوله تعالى : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ).

٣٦٩

قال ابن عرفة : إن قلت : ما فائدة تأكيده بإن والمخاطب به غير منكر له؟ قلنا : هو مستغفر ، والمستغفر عادته أن يتمنى مطلوبه ويستبعد الزيادة على مطلوبه من الإحسان والإنعام ، فذلك أكده بإن.

قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ).

وقال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [سورة البقرة : ٣٠] ، فقدم المجرور على خليفة ، فأجيب بوجهين :

الأول : قال ابن عرفة : عادتهم يجيبون : بأن أحد أسباب التقديم الشرف ، وكان آدم عليه الصلاة والسّلام حينئذ معدوما والأرض موجودة ، والوجود أشرف من العدم ، وأما هنا فالمخاطب داود عليه الصلاة والسّلام وهو موجود ، وهو أشرف من الأرض بالضرورة.

الثاني : قال بعض الطلبة : هذه الآية في معرض التشريف لداود عليه الصلاة والسّلام تقدم فيها ما يقتضي التشريف وهو الخلافة ، وآية البقرة خرجت مخرج الاعتناء بالأرض ، فجعل الخليفة الموجبة لإزالة الفساد عنها ، وتغيير المناكر.

قوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).

ابن عرفة : انظر ما أشد هل هذه أو آية العقود في قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [سورة المائدة : ٤٧] ، (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فقالوا : تلك أشد لأنهم توعدوا على عدم الحكم بالحق ، وهذا الوعيد على الحكم بالهوى ، فالحكم يتناول من حكم بالباطل ، ومن حكم بالحق لمفارقتها غير مقصود ، فآية العقود الوعيد فيها على عدم الحكم بالحق أعم من الحكم بالباطل ، أو من ترك الحكم من أصل ، وهذه الآية الوعيد فيها على الحكم بالهوى ؛ أعم من أن يكون بالباطل متبعا للهوى ، أو بالحق متبعا.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ).

ابن عرفة : قد يؤخذ منه جواز تعليل الحكم بعلتين لمنتقلتين ؛ لأن حلول العذاب بهم يعلل بإتباعهم الهوى المضل عن سبيل الله ، ونسيانهم يوم الحساب سبب في ضلالهم ؛ فالعلتان متداخلتان فهي علة واحدة.

قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً).

٣٧٠

أخذ عنه نفي الجوهر المفارق ؛ لأن الملائكة في السماء وهم فيما بينهما ؛ فدل على أنهم في حيز.

ورده ابن عرفة : بأن الجوهر المفارق غير متحيز كما أن الغرض غير متحيز ، وكذلك النفوس البشرية عند الحكماء بعد مفارقتها للأجسام ، والمراد : وما خلقنا والأرض عبثا ، ولا لغرض مقصود ؛ بل خلقنا ذلك مصاحبا لمنفعة الخلق ومؤخرتهم لا لقصد ذلك.

قوله تعالى : (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا).

احتج بها الآمدي على العنبري [٦٥ / ٣١٥] القائل بأن الكافر غير المعاند لا مخلد في النار ، بخلاف المعاند فإنهم اتفقوا على أنه مخلد في نار جهنم.

والعجب من البيضاوي كيف لم يذكر غير مذهب باطل؟

ونقل نحوه عياض في الشفاء عن الغزالي ، قلنا : قاله الغزالي في كتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة ، وفي كتاب الحقائق.

قال ابن عرفة : وكلامه في كتاب الاعتقاد ، كمذهب أهل السنة.

قوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ).

عبر عن المؤمنين بالفعل ، وعن المفسدين بالاسم ؛ إشارة إلى من اتصف بمطلق الإيمان والعمل الصالح ؛ مخالف لما اتصف بأبلغ الفساد ، فأحرى أن مخالفة من اتصف بأبلغ العمل الصالح هذا في ظرف الإيمان ، ويبقى من اتصف بمطلق الفساد في الأرض ، فيجاب عنه : بأن المراد من ثبت على فساده ؛ لئلا يدخل فيه من أفسد وتاب ؛ فإنه من قسم من آمن.

فإن قلت : لم نفى من تفاوت المؤمن للمفسد وهلا عكس ، كما قيل (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) [سورة الحشر : ٢٠] لأن أسباب الفساد أكثر من أسباب الصلاح ، بدليل ما تقدم في قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [سورة الأنعام : ١] ، قالوا : جمع الظلمات وأفرد النور ؛ كثرة تشعب طرق الشرك واتخاذ الهدى ، ونفي ما يتوهم ثبوته أو قرب ثبوته أولى ، فالجواب : أنه بدأ بالمؤمنين اعتناء بهم وتشريفا لهم.

قوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).

٣٧١

إن قلت : لم عبر في (الْمُتَّقِينَ) بالاسم ، وعبر في قوله تعالى : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، بالفعل؟ قلت : لأن التقوى أمر اعتقادي تجدده خفي غير ظاهر ، وهو أقرب للثبوت ؛ فاللزوم والعمل الصالح أمر فعلي يتجدد شيئا فشيئا ، وتجدده ظاهر يدرك بالحس.

فإن قلت : هلا قيل : أم نجعل المتقين في الأرض كالفجار؟ قلنا : التقوى أمر علمي معنوي غير عذري بالحس ، والعمل الصالح أمر فعلي محسوس فناسب ذكر محله ، ولذلك قالوا : الإنسان له قوتان : علمية وعملية.

قوله تبارك وتعالى (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ).

قال ابن عرفة : النظر مطلوب في الجميع ؛ والنتيجة إنما تحصل لأولي الألباب منهم ، وظاهر الآية حجة لبعض المبتدعة ، في قوله تعالى : إن المعلوم تذكرته ؛ وهو مذهب باطل لما يلزم عليه من قدم العالم ، ويحتج بالآية من ترجح تنزيل القرآن على سرده ، كما قال تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [سورة المزمل : ٤] ؛ وتحتج لمن غير سرده ، بقوله (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [سورة طه : ١١٤] ؛ قوله : جواز العجل فيه بعد استبقاء الملك له (وَحْيُهُ) عن الله تعالى ، وكذلك حديث عائشة في ركعتين الفجر : قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخفف فيهما حتى نقول هل قرأ فيهما لم لا ، وفي بعض التوراة ، أن ولد أحمد بن حنبل ، قال لأبيه : أنت تسرد القرآن ولا ترتله ، فقال : ما سردته حتى فهمت مواعظه وزواجره.

قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ).

قال ابن عرفة : إن قلت : هلا قيل : ووهبنا سليمان لداود؟ فالجواب : أنه قصد الاعتناء بداود والتشريف له ؛ وأيضا إنما أخر سليمان ليعود الضمير عليه ، في قوله (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ، والضمير إنما يعود على أقرب مذكور.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ).

الفتنة الاختبار ، قال الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) [سورة الحج : ١١] ؛ فاقتضت أن الأنبياء والأولياء يفتنون فيفتنون على دينهم ، وكذلك سليمان عليه‌السلام وما يزيدهم ذلك إلا إيمانا وتسليما كسورة الأحزاب ؛ وفي آخر سورة براءة.

٣٧٢

وما حكاه ابن عطية [٦٥ / ٣١٥] والزمخشري من قضية ؛ [.....] التي طلبت أن تحكم لأختها على خصمه فمن كلام القصاص لا يليق ذكرها ؛ والأنبياء معصومون منه ، والأنسب في هذه أن تكون فتنة في قول : لأطوفن الليلة على مائة امرأة فتأتي كل واحدة بولد ؛ ولم يقل : إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً).

وقال تعالى في سورة يونس لفرعون (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) [سورة يونس : ٩٢] ، ولم يقل : بجسدك ففرق تقطعهم بأن البدن ينطلق على ما كثرت أجزاؤه ، ولذلك يقال : فلان بدن ، وفي الحديث أن عائشة رضي الله عنها وكرم وجه أبيها قالت : فلما بدن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، أي فلما طعن في السن ، وفرعون كان قد بلغ الغاية في السن ، وأما الجسد فيصدق على الصغير الناقص الأجزاء ، ولذلك قال : لم تحمل من نسائه إلا واحدة ولدت شق ولد.

قوله تعالى : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي).

نقلوا عن الحجاج ، أنه قال : لقد كان حسودا.

قال ابن عطية : وهذا من فسقه.

قال ابن عرفة : كان بعضهم يقول : بل هذا من جهله ؛ فإن الإنسان تارة يطلب من أن يعطيه شيئا يخصه به دون غيره ، وتارة يطلب منه شيئا علم منه أنه لا يعطيه إلا رجل واحد ؛ فيرغب منه أن يكون هو ذلك الرجل ، والأول : طلب الإعطاء والخصوصية ، والثاني : طلب الإعطاء فقط ؛ فلعل الله تعالى أوحى إلى سليمان عليه الصلاة والسّلام أن هذه الهبة لا ينالها إلا رجل واحد يكون نوعه منحصرا في شخصيه ، فرغب من الله تعالى أن يكون هو ذلك الرجل ، فليس في هذا حسد ؛ إنما الحسد على طلب الإعطاء والخصوصية ؛ لأنه يطلب منه شيئا ؛ ويحرم منه غيره.

قوله تعالى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ).

الفاء للسبب ، أي لسبب قوله (وَهَبْ لِي مُلْكاً ؛ فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ).

قال القشيري : ومن الدليل على فضل نبينا محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ؛ أن بعض الأولياء من شبه قدرة الله تعالى على أن تحمل الريح ؛ فيقطع المسافة الطويلة في الزمن القصير.

٣٧٣

قال ابن عرفة : وعادتهم يوردون سؤالا تقديره ؛ أن تأثير الفعل تارة يكون بوقوع أثره في الفاعل ، وتارة بوقوع أثره في المنفعل ، ويمثلونه بحائط عليه بنيته فحدث فيه اختلاف فذهاب الخلل منه إما بإعدامه وبنائه ، وإما بتخفيف الثقل الذي عليه ، فالأول : تأثير في الفاعل وهو الحائل للثقل ، والثاني : في المنفعل وهو المحمول.

قال : وتوهم بظاهر الأثر الحاصل في الشيء المفارق ، فهلا قيل : فأقدرناه على الريح ؛ لأنه يكون تأثيرا في الفاعل راجع إلى ذاته ؛ وأما تسخير الريح فهو تأثير في المنفعل بأمر خارق لذات الفاعل ؛ وهو سليمان عليه‌السلام ، وكذلك أيضا والسواء في قصة داود ، في قوله تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) [سورة سبأ : ١٠] ، ولم يقل : وأقدرناه على عمل الحديد ، قال : والجواب : أن هداه دعاء إلى خالق التذكير بالنعمة ، وهو أن الإنسان إذا أنعم عليه بصفة في غيره ؛ فإنه يتوهم في كل وقت لصالحها فهنا لو وجد هنا باقية شكر الله على دوامها ، بخلاف ما إذا كانت صفة له ملازمة لبدنه ، فإنه قد يثق بها ويتأنى الشكر عليها ؛ ويقبل عن تذكر زوالها ؛ فتذكر زوال النعمة المفارق للبدن أقرب من تذكر زوال النعمة المخالطة للبدن.

قوله تعالى : (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ).

قال ابن عرفة : هذا من باب مطرنا السهل والجبل ، فالمراد بالبناء : من يعمل منهم العمل المرتفع عل الأرض ، وبالغواص : من يعمل منهم العمل المنخفض في الأرض من حفر الآبار وغيرها.

قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ).

وليس المعنى سخرنا [٦٥ / ٣١٦] له آخرين ؛ بأن المقرن في الأصفاد غير مسخر للخدمة.

قوله تعالى : (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ).

وقال تعالى في سورة الأنبياء (١)(مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [سورة الأنبياء : ٨٣] ، فأجيب : أن آية الأنبياء أتت في معرض الامتنان ؛ فذكر النعم لأن قبلها (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) [سورة الأنبياء : ٨٤] ، ثم قال تعالى (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) [سورة الأنبياء : ٦٩] ، ثم قال تعالى (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ

__________________

(١) وردت في المخطوطة في سورة البقرة وهي في المصحف في سورة الأنبياء ، وقد أثبتنا ما في المصحف.

٣٧٤

مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) [سورة الأنبياء : ٧٤] ، وقال تعالى (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) [سورة الصافات : ١١٣] ، (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) [سورة الأنبياء : ٧٣] ، وهذه الآية خرجت مخرج ما عنى بالأنبياء لأن قبلها (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) ، ثم قال (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) ، ومنهم من أجاب : بأن (مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) فيما هو الأصل الأهم.

قوله تعالى : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ).

ابن عرفة : يؤخذ منه جواز التداوي للمرض ، أو ترجيحه مع الإجماع على عدم وجوبه ؛ إلا إذا أدى تركه إلى الإخلال بالفرض ؛ فإنه يجب كمن يمنعه المؤمن من الصلاة قائما ؛ فيجب عليه التداوي ؛ وهنا جعل له الماء دواه.

وذكر ابن عطية في سبب نزول الآية : أنه دخل على بعض الملوك فرأى منكرا فلم يغيره ، قال : وروي أنه ذبح شاه وطبخها ؛ وله جار جائع فلم يطعمه منها.

قال ابن عرفة : أما الثاني : فخيف إذ لعله لم يعلم بحاجة جاره ، وأما الأول : فشديد لا يحل نقله وإسناده إلى الأنبياء.

قال الزمخشري : فإن قلت : لم نسبه إلى الشيطان ؛ ولا يجوز أن يسلط على أنبيائه؟ قلت : لما كانت وسوسته سببا فيما مسه من المرض نسبه إليه ؛ وقد راع الأدب حيث لم ينسب إلى الله تعالى في دعائه مع أن الله تعالى فاعله.

قيل لابن عرفة : كيف وهو يقول إن العبد يخلق أفعاله ، فقال : لعله ممن يقول بالاعتزال ؛ ولا يقول بالتولد ، وتخرج من كلام الزمخشري أنه قرئ بنصب ، ونصب ابن عرفة وهو خطأ ، ولا يقرأ إما أخذوا الذي ذكر ابن عطية ، وابن حيان من خفض عن عاصم نصب ، والقراءة المشهورة عن الجمع نصب.

قوله تعالى : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً).

قال تعالى في طه (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) [سورة طه : ٢٠] ، (قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ) [سورة طه : ٢١] ، ولم يقل : خذها بيدك.

قال ابن عرفة : أجيب : بأن هذا من تمام النعمة على أيوب عليه‌السلام إشعار بأنه ردت له قوته وصحته كما كانت ، فلذلك قال تعالى (وَخُذْ بِيَدِكَ ؛) لأن أعضاءه كلها كانت معطلة.

قوله تعالى : (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ).

٣٧٥

إشارة إلى القوة العلمية والعملية.

قوله تعالى : (لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ).

في الاصطفاء ؛ فإن المصطفين متفاوتون في الأخيرية.

قوله تعالى : (وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ).

إنما عطفه بالواو تنبيها على دخول من دخول زمن ذكر قبلهم تفهم في وصف الأخيرية.

قوله تعالى : (هذا ذِكْرٌ).

كان بعضهم يقول : معناه هنا ذكر على سبيل التشريف لهذا لا بالتعيين على سبيل العموم ؛ وتشريف آخر وثواب تعميم.

قوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ).

يؤخذ منه مرجوحية تزويج الشابة للشيخ ، أو الشاب للعجوز هذا على تفسير من قال : المراد أنهن أتراب لأزواجهن أسنانهن كأسنانهن.

قوله تعالى : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ).

قال أبو حيان : معكم ظرف متعلق بمقتحم ، ولا يصح أن يكون حالا من (هذا فَوْجٌ) ، فيكون تعديا على مقتحم.

قال ابن عرفة : المختصر في هذا : انظر ابن عرفة امتنع جعله حالا من (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ) ، لأنه يكون المعنى : هذا فوج حالة كونه مقتحم ، وعلى تلك الحالة غير مقتحم ؛ لأنه قد دخل ووقع منه الاقتحام ، لأنه لا يصح أن يقول لزيد وهو معك في الدار : هذا زيد داخل الدار في الزمان والاقتحام [٦٥ / ٣١٦] في المكان ، فتقول الخزنة لرؤساء الكفار عند وردوها هذا الفوج ، وقبل دخوله عليهم (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ) ، أو بقوله بعض العافين لبعض .... (١)

__________________

(١) بياض وسقط في المخطوطة.

٣٧٦

سورة الزمر

قوله تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ).

ابن عطية : أي اتخاذ التشريف والتلبي ، وأما الاتخاذ المسمى المعلوم ؛ فلا يتوهم ولا يستقيم عليه الاصطفاء ، قال : وقوله تعالى : (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) [سورة مريم : ٩٢] ؛ توهم اتخاذ ولد واتخاذ الاصطفاء ، فأما الأول لمعقول ، وأما الثاني فبخبر الشارع.

وقال الزمخشري : أي لو أراد اتخاذ الولد لم يصح لكونه محالا ، ولم يتأتى إلا أن يصطفي بعض خلقه ويختصهم ويقربهم ؛ كما يختص الرجل ولده ، وقد فعل ذلك بالملائكة فغركم ذلك وزعمتم أنهم أولاده جدلا منكم.

قال ابن عرفة : فحمله ابن عطية على اتخاذ التشريف ، وحمل الزمخشري على اتخاذ الولد حقيقة ، فكان جواب الشرط على قول الزمخشري مشكلا ؛ لأن القضية الشرطية المتصلة يلزمها منفصلة مانعة الجمع من غير مقدمها ونقيض بالهاء ومانعة الخلو من نقيض مقدمها وعين تاليها ، فيدخلها نفي الملزوم مع صحة وجود اللازم ، وهذا خلاف إجماع النظام ، لأنه قال : لو أراد الله اتخاذ الولد لامتنع ذلك ، لكونه محالا ؛ فلم يثق إلا أن يصطفي من خلقه ما يشاء ، وقد فعل ذلك بالملائكة والأنبياء عليهم‌السلام مع أن (لَوْ) إذا دخلت محل نفي عاد ثبوتين وبالعكس ، وهنا دخلت على ثبوتين فيعودا تعيين فيعود أحدهما : وهو الأول نفيا ، والثاني ثبوتا.

وأجاب شيخنا : بأن المثبت الاصطفاء الواقع من الله تعالى للأنبياء ؛ لا الاصطفاء الذي هو التلبي وهو المراد من اللازم ، والمراد نفيه فينتفي الملزوم ، وتقديره لو أراد الله اتخاذ الولد للاصطفاء اصطفاء التلبي واللازم باطل والملزوم مثله ، قيل له : عبر في اللازم بالإرادة وفي الملزوم بالمشيئة ؛ وهما معنى واحد ، فأجاب : بأنه تفنن في الخطاب ، قيل له : هل تدل لفظ التكوير على أن السماء كورية؟ فقال : نعم ؛ لأن تكويرها مع فردها عن محله محال ، ومن لوازمه تكور فلكها لاستحالة تعلقها دون مكان.

فإن قلت : معهم التكوير مع البساطة ؛ لأن المراد تداخل الزمانين والباء من أحدهما للآخر ، قلت : مسلم لكن مع إشعار لفظ التكوير ؛ يريد تكوير لكور العمامة بعضه على بعض.

٣٧٧

فإن قلت : بدأ بالليل على النهار في التكوير على العادة عند الغرب ، وبدأ بالشمس في التسخير ، والمناسب كان الابتداء بالقمر لمقابلته الليل ، لأنه فيه يظهر ، فلم عدل من ذلك؟ قلت : لأن آية الشمس أبدع في النفوس بخلاف القمر.

فإن قلت : إذا كان المراد من النفس آدم ؛ فيكون لفظ خلق استعمل في حقيقته ومجازه ؛ لأنه في أولاد آدم المباشرين حقيقة ، وفي غيرهم مجاز ، ثم إنه عبر عن الخلائق بالخلق ، وعن جواب الجعل.

قلت : لأن الزمخشري كان تقدم له أنه خلق بمعنى أبرز من العدم إلى الوجود وجعل معنى صير وهو تكوير.

قال شيخنا : قالوا : إن حواء عليهاالسّلام خلقت من ضلع أعوج ، قال : و ...... (١) الآخرة مسألة الخشي ، قال : وهذا خلاف مذهب أهل التشريع ؛ لأنهم قالوا : لو وقع بالآخر لوجد ؛ لأنه مما يدرك بالبصر ولم يدرك ولم يوجد ؛ واختار التراخي في الزمان.

قوله تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ).

كقوله تعالى : [٦٥ / ٣١٧] (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [سورة يوسف : ٣٢] (فِيهِ) الإشارة للتعظيم.

قوله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ).

الخطاب لمن في قولكم ، والمراد من هذا الكلام ، في قوله تعالى : (غَنِيٌّ عَنْكُمْ) ، لازمه ، وهو أن الضرر الناشئ عن الكفر إنما يعود عليكم ، لأن الله تعالى غني على الإطلاق ؛ فكفركم إنما يعود بالوبال عليكم.

قال : والمنفي في قوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) ، على ظاهره من الرضى الذي هو الحب لا الإرادة ، قال : وأما الوجه الثاني في أن المراد بالعباد المؤمنين فقط ، بخلاف الظاهر.

فإن قلت : ما ذكرتوه يستلزم عليه الإضمار ، وما ذكرناه يستلزم عليه التخصيص ، وهو خير من الإضمار ، قلت : ذكره آخر الشكر ، في قوله تعالى : (وَإِنْ تَشْكُرُوا) ، يدل على الأول دون الثاني.

__________________

(١) سقط في المخطوطة.

٣٧٨

فإن قلت : هل ينتفع ب (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، في مسألة علمه بالجزئيات؟

فقلت : نعم.

قوله تعالى : (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ).

قال الشيخ ابن عبد السّلام : يدخل في هذا جميع من كذب على الله من أكثر الفقهاء ، إذا لم تحكم بمستند التنزيل وهو الداء إذا لم يستحقها.

قيل : هل في الآية دليل على تكفير من يكفر بالذنب ؛ لأنه سجل عليهم بوصف الكفر ، فقال : قد لا يؤخذ ذلك وقد يؤخذ ، قيل له : قوله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) ، وهل فيه حذف الفاعل تقديره : والذي جاءوا فيكون المراد بالذي الجنس ، فقال : ما ذكرته إنما يصح إذا جاء بالموصول مجموعا ، فحينئذ تؤتى بالصلة مفردة حذفا لما ذكرت ، وهنا ليس كذلك فليس من ذكر الباب ، وإنما المراد بالذي الجنس ، دليله قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) قيل : هل يتناول العصاة أولا؟ فقال : لا لأنه يلزم عليه أن يكونوا موعدين بأن لهم ما يشاء عند ربهم ، وذلك باطل إجماعا.

قيل له : أجمع أهل السنة على أنهم لا بد لهم من الجنة ، فقال : وأجمع المسلمون ما عدا الجبرية على دخول طائفة النار ، وإلا فيلزم أن يوصف ذو الكبيرة بالرحمة ، وأنه يعبد الله كأنه يراه ، وذلك باطل بالإجماع.

قوله تعالى : (أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا).

قال : لما كانوا في غاية الورع كانت تصدر منهم بعض الحسنات يعدونها سيئات ، وليست بسيئة ، وإنما هي حسنة ، وليس المراد بقوله (أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) أسوأ السيئات ، وإنما المراد التشبيه في اعتقادهم أنها سيئة.

فإن قلت : لم قال هنا (بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) ، وقال تعالى في النحل (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة النحل : ٩٦] ، قلت : في النحل تقدم ذكرها ، وهنا تقدم ذكر الذي في قوله (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ).

قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ).

قيل : له قوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) ، هل كقوله في الحديث : " لهم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت" ، بالنقيض أم لا؟ فقال : لا لأنه إنما نفى ما لم يحتسبوه ، وإلا فهو محسوب عند غيرهم ، لأنه من جنس ما يقع منهم ،

٣٧٩

أما قوله : " فيها ما لا عين رأت (١) " فنقيض أنهم سيروا لهم في الآخرة ما لم يقدر أحد ولا يخطر على قلب بشر.

قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ).

حصول الغفران مطلقا أو لمن تاب.

قال الشيخ : والظاهر أن هذا العموم مخصوص ؛ لأنه إن لم يخصه يلزم من مذهب المرجئة ، قال : ومن نظر وعاقل سبب النزول أنه ما قلناه من التخصيص.

قيل : لم أسقط البغتة في الأول؟ فقال : فيه حذف التقابل ، قيل له : المفهوم من قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) ، هو المفهوم من قوله تعالى : (بَغْتَةً) ، فقال : تأكيد وانتقال من الالتزام المطابقة.

قوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ).

قال : الآية مخصوصة بالإجماع بالواجبات كلها ، قيل له : هل ينتفع بها في مسألة خلق الأعمال؟ فقال : لا لوجهين :

الأول : أن [٦٥ / ٣١٧] المخصوص هل يبقى حجة أم لا؟ فيه خلاف ، وإذا قلنا : لا يؤخذ بنفي حجة ، فالمسألة من قواعد العقائد ؛ فلا يثبت بمثل هذا.

الثاني : أن المراد خالف المعنى ؛ فيقتضي إن ما وجد مخلوقا فالله خالقه ؛ وعلى هذا لا دليل فيه البتة ؛ لأن خلقها لله محل النزاع ، والمنسوب في الآية ما هو منسوب لله.

فإن قلت : هل يؤخذ من الآية أن المعدوم شيء أو لا؟ قال : قلت : لا يؤخذ ؛ وإنما المراد ما وجه مخلوقا لله فالله خالقه.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ).

أي سيحيي الله ولا على ما قبله ، أما الأول فلوجهين :

__________________

(١) أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٥٠٥٦ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين حديث رقم : ٣٤٨٤ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٢٢٢٣٥ ، وابن أبي شيبة في مسنده حديث رقم : ٩٣ ، وأبو يعلى الموصلي في مسنده حديث رقم : ٧٤٧٧ ، ومحمد بن هارون الروياني في مسنده حديث رقم : ١٠٣٨ ، وعبد بن حميد في مسنده حديث رقم : ٤٧١ ، وابن أبي شيبة في مصنفه حديث رقم : ٣٢٢٥٧.

٣٨٠