أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عرفة الورغمي
المحقق: جلال الأسيوطي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤١٦
الطول لأن فيه عطف جملة اسمية على فعلية وهو قليل.
وأما الثاني : فلأن الكافرين هم بعض الناس .... (١).
قال : والصواب أنها كلية مستقلة بنفسها ، قيل له : وهل ينتفع بها الملائكة في القول بالإحباط بمجرد الردة؟ قال : إن قلنا : إن المراد من خوطب به خاصة ؛ فلا يلزم ذلك إذ لا يلزم من إحباط المخاطب مجرد الردة إحباط غيره ، لأن عقوبة المقرنين أشد ، قال : والأظهر أن المراد بقوله تعالى : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ).
قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
يدل على تعظيمه الممكن المقدور عليه ؛ المأمور هو به أما تعظيمه حق تعظيمه ؛ فلا يستطيع أحد عليه ولهذا كان بعض شيخونا ينهى أن يكتب في الصدقات : الحمد الله حق حمده ، والحمد لله كما يحب لجلاله ؛ لأنه قد يقول ذلك ولا يعرف جلاله.
قال الفقيه أحمد بن سيدي الفقيه أبي القاسم أحمد الغبريني قال : ورد على صداق وأنا قاضي بباجية فيه أعلم بثبوته على ما هو عليه.
ابن عبد السّلام ابن يوسف الهواري : فلم أجد في الصداق موجبا لذلك إلا الحمد الله حق حمده ، قال ابن عبد السّلام : وما حكاه عن جبريل هو تصحيف ، وإنما هو جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم.
قوله تعالى : (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ).
الظاهر أن النسيان ضد الشرك لا ضد الذكر ، لأن ترتيب الذم عليه أشد ، والأول يرجع إلى ترك الأسباب.
قوله تعالى : (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ).
قال : ضم الياء أحسن من فتحها ، لأن الفتح إما أن تكون اللام لام العلة ، أو لام الصيرورة ؛ والقسمان باطلان ، أما الأول فلأن من جعل لله أندادا قد حصل في أشد الضلال في تعيبه ، وجعل الله أندادا يقتضي تقدم الضلال ؛ فيلزم تصيير ما سبق تصييره وذلك باطل ، قيل له : ما المانع أن يكون المراد بصيرورة الضلال مداومة وجوده ، فقال : يحتمل ويفضله قوله تعالى : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) ، إن التمتع به المداومة.
__________________
(١) بياض في المخطوطة.
قال الشيخ : ومن في قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) ، لا يصح أن تكون استفهاما لامتناع اجتماع حرفي الاستفهام في كلمة واحدة ؛ فلابد أن تكون من موصولة ، قيل له : ما المانع من كونها منادى والهمزة حرف نداء؟ فقال : يحتمل على .... (١) وقرئ (أَمَّنْ) بالتشديد.
فإن قلت : هل البداية بالسجود يدل على أنه أشرف أحوال الصلاة ؛ لأنه قدم على القيام الذي هو أول؟ قال : المراد في تفضيل العملين على غيرهما من العبادة ، لقوله تعالى : (ساجِداً وَقائِماً).
قوله تعالى : (اتَّقُوا رَبَّكُمْ).
قيل له : هل هو النفاق ؛ لأنه كان يقول (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) ، فقال : لا نسلم لأن الأمر بالتقوى صادر منه عليهالسلام ، فحسن أن يقول ربكم ، قيل له : يعكس عليك قوله تعالى : (يا عِبادِ) ، وهو السّلام لا نخاطبهم بذلك ، فقال : الأول على جهة الحكاية ، قيل له : أيما أبلغ هذه أم قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) [سورة يونس : ٢٥] ، فقال الثانية لأنها [٦٥ / ٣١٨] أعم من أن تكون في الدنيا أو في الآخرة ، قيل له : ما مناسبة قوله تعالى : (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ؟) قال : فكأن القائل يقول : فإن بعض الإحسان في بعض البلاد في العمل ، فقال تعالى (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ).
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ).
قال : ظاهر كلام الزمخشري في جواز العطف ؛ إنما لاختلاف الجهة دفعا للسؤال ؛ والسؤال لا يزول ، ولا بد الإخبار بالجملة الثانية لا معنى له إذ هو مستفاد من الأولى بالضرورة ؛ لأن عبادة الله منه مخلصا ؛ لابد أن يكون ذلك أول الإسلام لاستحالة وقوع ذلك بدون الإسلام ، فالأولى أخص ؛ والثانية أعم ، والأخص يستلزم الأعم ، فلما ذكر اللازم الثاني ، قيل له : لاختلاف الجهة ، فقال : اختلافها إنما هو بالنسبة إلى اللفظ في حق غيره ؛ وهذا السؤال إنما ورد من جهة المعنى ، ومن جهة اختصاصه به.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ).
بوقوعها في العذاب الدائم ؛ وليس لهم من الحور العين أو في الدنيا حصول.
__________________
(١) بياض في المخطوطة.
قوله تعالى : (ظُلَلٌ).
الظلل إنما يكون لدفع حرارة الشمس ، وهذه تجلب قوة الحرارة.
قوله تعالى : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ).
فإن قلت : ما معنى (مَبْنِيَّةٌ؟) قلت : رد لما يتوهم من أنها كالدنيا من أن الغرف التي على الأرض مبنية ، والتي فوقها من القصب والخوص والرؤية في الأثر بصرية.
قوله تعالى : (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ).
قوله تعالى : (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً).
وقال تعالى في الحديد (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) [سورة الحديد : ٢٠] ، فأجاب : بأنه لما كانت هذه الأفعال هنا مضافة إلى الله تعالى عزوجل حسن أن يقول : ولما كانت في تلك غير مصرح بها حسن أن يقول : (ثُمَّ يَكُونُ) ، قيل له : هل ينتفع بها من يقول : إن الإسلام والإيمان بمعنى واحد ؛ لأن شرح الصدر إنما يكون ما محله القلب ، وقد جعل هنا أن الإسلام محله القلب ؛ لأنه مشروح له ، فدل على أن المراد بالإسلام الإيمان.
قوله تعالى : (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) ، اختار الشيخ بالحديث الكتب الأربعة المنزلة وأحسنه القرآن وكتابا يدل يؤمن من كل.
قوله تعالى : (مُتَشابِهاً).
أي متشابه الأجزاء من أقاصيص وأخبار.
قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ).
قال : هذا فكم لأن الوجه في العادة إنما يتقي عنه لا به ؛ وهو هنا به لا عنه.
قوله تعالى : (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ).
الخطاب في الدار الآخرة ؛ لأنها ليست دار تكليف ؛ وإنما إخبار بخلودهم.
قوله تعالى : (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ).
الآية ، فيكون عذابا في عذاب ؛ وجعل الناس كأنهم علموا أولا أشياء ثم نسوها ، فضرب الأمثال ؛ ومن كلامه في سورة الزمر (١) ، قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً) [سورة الزمر : ١١] ، وجه مناسبتها لما قبلها ؛ أن الاشتراك في الأمر المشق المؤلم أهون على النفوس من الاختصاص به ، كمن ضاع له دينار ولم يضع لغيره شيء ، وآخر ضاع له ولغيره ، وكذلك فعل الطاقات.
قال : ووقوعنا من بئس القوم ابتداء أقرب إلى الإنذار به فيها والإتباع ، فلذلك قال (أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً) ، ثم قال (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ).
قال الزمخشري : يعني أن الله تعالى أمرني أن أخلص له الدين بدليل العقل والسمع ، فإن عصيت ديني لمخالفة الدليلين استوجبت عذابه.
قيل لابن عرفة : هذا اعتزال ، فقال : هذا تنبيه يصدر من السني والمعتزلي ، فالمجرور في قوله بدليلي العقل تعلق بالفعل ، وهو أمرني وهو اعتزال ، وإن تعلق بقوله : أخلص فليس باعتزال ، قيل له : قد نص الضرر في أرجوزته على اعتقاد وحدانية الإله واجبة بالعقل والفروع ، والشرائع هي الواجبة بالسمع ، لأنه قال : ما نصه فخالق الأشياء وجداني ، وشاهد العقل بذلك يشهده.
قال ابن عرفة : هذا خطأ لأن الأصوليين حكموا الخلاف في النظر ؛ فذهب أهل السنة أنه واجب بالسمع ، [٦٥ / ٣١٨] ومذهب أهل المعتزلة أنه واجب بالعقل على أن كلام المفسرين يمكن تأويله ، فيحتمل أنه يريد به قصر معرفة ذلك في الدليل والإدراك ، أو رجوعه إلى الأمر التكليفي.
قيل له : ما عمله شارحه ابن خليل في شرحه : أن السلطان وأميره إذا دعا إلى معصية ؛ فإنه يجب إتباعه ، قال : وهذا خطأ طرح ؛ وحدث مسلم في كتاب الإعادة يرد عليه.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ،).
أي الخسران الأخص ، أي خسروا لذة أنفسهم ونعم أنفسهم ؛ لأن خسران الشيء هو ضياعه ، وأنفسهم لم تزل باقية.
قوله تعالى : (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ).
__________________
(١) وردت في المخطوطة : سورة الزخرف ، ولكنها الآية الموجودة في سورة الزمر قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً ، وقد أثبتنا الصحيح.
إن قلت : ظلل النار عليهم لا لهم ، فالجواب : أنه استغنى عن على بكلمة فوق ، فلو أتى بعلى لكان تكراره أتى ....... (١) ليفيد اختصاصهم بعذاب العذاب العظيم ، وإدخال من على فوق ليفيد أول مواضع الفوقية ؛ فيشعر بكمال ملاصقة النار لهم من غير فاصل.
قوله تعالى : (مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ).
جعلت النار ظله باعتبار أن لهيبها يصعد إلى فوق ؛ فيعلو عليهم ويصيرون تحته ، أو باعتبار أن النار تدور بهم كالكرة
فيصير الأعلى أسفل ؛ والأسفل أعلى ، فهي ظلة باعتبار ما كانت عليه فكل جهة منها فوقهم وتحتهم وفوق آخرين.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها).
قال الزمخشري : (الطَّاغُوتَ) مبالغة ؛ وقدر وجه المبالغة أنه إما مصدر المراد به الجنس ، فعبر فيه عن شخص معين ؛ وهو الشيطان أو غيره من معبوداتهم ، الثاني : فيه القلب ؛ لأن أصله طاغوت فصيرت اللام.
قال ابن عرفة : ليس في القلب مبالغة.
قوله تعالى : (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ).
قال ابن عرفة : عادتهم أنهم يقولون : الإنابة سبب في اجتناب الطاغوت ، والأصل تقديم السبب على مسببه ، فكان بعضهم يجيب : بأن الانتقال من الشيء لغيره لأحد وجهين :
إما لوصف في المنتقل عنه ونحوه.
قال ابن التلمساني في باب الأوامر في المسألة الثانية عشر في اعتراضه على مذهب : إلى أن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده ؛ قد يكون مقصود الطالب أعلى الخبر الأول ؛ فيكون الطلب منه نهيا ، وقد يكون مقصوده إشغال الخبر الثاني فيكون الطلب فيه أمرا مقدر هنا ، السبب إشغال بأن اجتنابهم الطاغوت لمحض ما فيه من المفسدة الدائمة لا لكونهم رأوا الإنابة إلى الله أحسن منه ؛ إذ الاشتراك بينهما في الحسن بوجه ، فكان الابتداء به أهم وأولى.
قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى).
__________________
(١) بياض في المخطوطة.
قدم المجرور للحصر إما للتشريف ، وإما لأجل الآي ، وإما باعتبار تقابله.
قوله تعالى : (يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ).
ابن عطية : قيل : هو كتاب الله.
ابن عرفة : فعلى هذا يكون في القرآن حسن وأحسن منه وفيه خلاف ، هل يصح أن يقال : بعض العذاب أعظم من بعض؟ أو أوضح من بعض؟ وهو بمعنى لفظ القرآن بالعجز ، وإنما معناه القديم الأزلي فلا تجوز فيه ذلك بإتقان ، وإما أن يراد بأحسنه أبينه ؛ وهو عند المتشابه ، وأما تعليم التكاليف التي عليها الثواب عند المباح الذي لا ثواب فيه.
قوله تعالى : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ).
ابن عرفة : هذا من باب إطلاق المسبب على السبب ، لأن المراد : فمن دام على الكفر وضمير (عَلَيْهِ) فأنت تنقله عنه وتصرفه إلى الإيمان ، فالكفر سبب في العذاب ، والإيمان سبب في الإبعاد.
قال ابن عطية : وأسقط الثاني في الفعل إما للفصل ، مثل : حضر القاضي اليوم امرأة ، وإما لتأنيث الكلمة غير حقيقي.
ابن عرفة : كان بعضهم يقول : وإما لأن العذاب مذكور ، فتوحي إضافة الكلمة إليه ؛ لأنه الأهم المقصود بالذات.
قوله تعالى : (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ).
[٦٦ / ٣١٩] يحتمل أن يريد من فوقها غرف لهم أيضا ، كما ورد" أن أهل الجنة يرون الغرف كما ترون الكوكب الدري في السماء" ، والظاهر الأول إذ به تتم النعمة ، والأنهار تجري من تحت الجميع ، أو تجري تحت الغرف العليا كما تجري تحت السفلى ، فهو أكمل في باب النعمة.
قوله تعالى : (مَبْنِيَّةٌ).
ابن عرفة : وكان بعضهم يقول : بل هو إشارة إلى وجودها الآن ، وأنها مخلوقة خلافا لمن أنكر ذلك.
قيل لابن عرفة : أو هذا إشارة إلى تنويعها إلى أصناف من الذهب والفضة والياقوت والزبرجد ، كما أن البناء في الغرف يتنوع إلى الحجر والجص والجير ، فليس الحائط كله زجاجا خالصا ، ولا ذهبا خالصا ، وإنما هو منوع فهو أعظم وأعجب.
قوله تعالى : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ).
إما فيما يرجع إلى الثواب فظاهر إذ لا خلاف فيه ، وإما فيما يرجع إلى العقاب ، ففيه خلاف بيننا وبين المعتزلة في المعاصي ؛ فنحن نقول : إنه في المشيئة ، والمعتزلة يقولون : بتخليده في نار جهنم ؛ فيكون عندنا مخصوص بالمعاصي.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً).
فإن قلت : لم عبر في (أَنْزَلَ) وسلكه بالماضي ، وقال (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً) ، فعبر بالمستقبل؟ فالجواب بوجهين :
الأول : أن إنزال الماء في الأرض سبب في إخراج النبات ، فناسب جعل السبب ماضيا ومسببه مستقبلا لتأخره عنه في الوجود.
الثاني : إن الماء إذا حصل في الأرض لا يستغرقها ولا يتغير ، والنبات إذا خرج يتغير ويببس فناسب أن يعبر عن الأول بالماضي المقتضي للتحقيق والثبوت ، وعن الثاني بالمستقبل المقتضي للتجدد والاختلاف.
قوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ).
إشارة إلى اتصافه بالمقدمات والدلائل المرشدة إلى الهداية.
قوله تعالى : (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ).
إشارة إلى حصول النتيجة عن ذلك ، وأنه نظر فاهتدى.
قال : وفي الآية حذف التقابل ، أي فيرى له (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) ، فهم على ضلال من ربهم ، وأسند الشرح إلى الصدر مبالغة وتخصيصا على الاتصاف بأسباب ذلك.
قوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً).
ابن عرفة : لما تقدمها (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) عقبه ببيان أن قساوة (قُلُوبُهُمْ) أمر ذاتي لها ؛ لا بسبب غموض الذكر والقرآن الملقى إليهم ؛ بل هو أحسن الحديث وأبينه.
وذكر ابن عطية في سبب نزول الآية غير هذا.
ونقل الزمخشري ، عن ابن مسعود : أن أصحاب النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، ملوا ملة ، فقالوا حديثا فنزلت.
ابن عرفة : وفي هذا اللفظ إنجاء من والصواب ما قلناه.
قوله تعالى : (مُتَشابِهاً).
قال المفسرون : أي متماثل المعاني في الصحة والكلام والصدق ، ونفع الخلق وتناسب ألفاظه.
ابن عرفة : وكان بعضهم يقول : يحتمل أن يريد بالتشابه أن آياته متشابهات باعتبار الحفظ ؛ بحيث تشتبه على من هو ضعيف الحفظ.
قوله تعالى : (مَثانِيَ).
جمع مثنى أي مكرر ومردد لما بين من قصصه وأحكامه ، أو إشارة إلى أنه مهما كرر في التلاوة يزداد حلاوة ولا يمل.
ابن عرفة : ويحتمل أن يراد به الدوام ، تعني أنه محفوظ لا يزال دائما يكرر ويقوى إلى آخر الدهر ؛ بخلاف غيره من الكتب المنزلة.
قوله تعالى : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ).
الزمخشري : إن قلت : لما ذكر الجلود وحدها أولا ثم كرر منها القلوب ثانيا؟ فأجاب : بأن ذكر الخشية أولا أغنى عن ذكر القلوب ؛ لأنها محلها.
ابن عرفة : [٦٦ / ٣١٩] وكان بعضهم يقدر الجواب : بأن وجوب السبب يستلزم وجود السبب ؛ فوصف الجلود بكونها مقشعرة مسبب عن وصف القلوب بالخشية والخوف ، ووصف الجلود باللين تقضي نفي عنها ، ونفي المسبب لاستلزام السبب ؛ فلذلك ذكرت القلوب ثانيا.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ).
قال ابن عرفة : ذكر اسم الإشارة ؛ وإن كان مستغنى عنه ؛ إشارة إلى تحقيق القرآن ، وأما العجز المشتمل على إخبار الصدق والمواعظ الحسنة ، فلذلك فرقوا في باب الإيمان بين من حلف لا آكل طعام فلان فأكله بعد انتقاله عن ملك فلان ، قالوا : لا يحنث ، وبين قوله : لا أكلت هذا الطعام ؛ فأكل منه أنه يحنث على كل حال.
قوله تعالى : (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ).
يؤخذ منه جواز القياس ، ولا سيما القياس التمثيلي ؛ لأنه تشبيه معلوم في إثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما.
قوله تعالى : (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
إما تعليل التعليل أو تعليل بعد تعليل ، فعلى الأول : المعنى رجاء أن يتذكروا ؛ فيكون تذكرهم سببا في ترجي تقواهم.
وعلى الثاني : المعنى رجاء أن يحصل لهم التذكر والتقوى.
قيل لابن عرفة : فهلا عطف؟ فقال : الحكمان إذا كانا في غاية الاتصال ، أو في غاية الانفصال لا يعطفان.
قوله تعالى : (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ).
قالوا إذا قلت : زيد ذو مال ، فهو دليل على كثرة ماله ، ومنه قوله تعالى : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) [سورة القلم : ١٣ ـ ١٤] ، ونحوه للقاضي عياض في حديث : " قد بلغ علي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال".
وقال السهيلي في الروض الآنف في حديث هرقل في قول أبي سفيان : هو فينا دون والانخفاض منه.
قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً).
لما تقدم أن القرآن يشتمل على ضرب الأمثال عقبه ببيان أن من حمله ذلك هذا المثل.
قوله تعالى : (فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ).
ذكر ابن عرفة كلام المفسرين ، ثم قال : وكان بعضهم يحمله على أن طريق الحق واحدة والضلال متعددة ، فنسب ما أفصح به الزمخشري ، في قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [سورة الأنعام : ١] فالمحق يتبع دليلا واحدا ؛ والمبطل من نفسه عند الشهوات متعددة.
قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
إشارة إلى أن من ليس فيه استشارة قابلية للعلم فجهله نعمة ، لأن الحمد إنما هو على المنعم.
قيل لابن عرفة : اختار جملة نعمة لغيره ؛ لأنه نعمة به.
فإن قلت : لم قال فيه شركاء فعله [.....] لرجل : فعداه باللام ، قلنا : اللام تفيد الاختصاص ، وهو مناسب للمؤمن ، والمشرك مناسب للظرفية ؛ لأن كل واحد له فيه جزاء مظروف منه.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ).
قال ابن عرفة : اعلم إنه تارة يكون المقصود نفي الثاني ، والمقصود هنا ملزوم الشرطية ، وهو أنه لا يجتمع وجود ملكهم لما في الأرض ومثله وجه ؛ مع عدم اقتدائهم به من سوء العذاب.
قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
ابن عرفة : يحتمل أن يريد ما عظموه أخص تعظيمه ، وهو مقتضي كلام المفسرين ، ويحتمل أن ما عظموه مطلق تعظيمه ؛ وهو الصواب ، لقوله تعالى : في سورة الأنعام (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [سورة الأنعام : ٩١] فهم أنكروا الرسالة ، فلو عظموه فمطلق التعظيم لصدقوا الرسول الوارد عنه ، والقرآن يفسر بعضه بعضا.
قيل لابن عرفة : تأكيده بالمصدر دليل على أن المراد أخص تعظيم ، [٦٦ / ٣٢٠] فقال : التأكيد يشعر بأن المراد التعظيم الواجب التكميلي.
قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
قال ابن عرفة : عادتهم يوردون : فيه سؤالا ، وهو أنه ما المناسبة لتعقبه بهذا مع هذا لا يعقب إلا بما يناقضه ، فيقال : ما عظمت زيدا ؛ وهو شجاع عالم محظي عند الأمير ؛ فتأتي بما يناقض عدم تعظيمك له في الحال لا في المستقبل ، ولا تقول : ما عظمت زيدا وهو بعد عشرين متصف بالشجاعة والعلم والحظوة ، فالمناسب كان عدم تقييد الجملة بيوم القيامة ، وأجيب : بأن العلم بتحقيق وقوع ذلك في المستقبل كاف في حصول التصديق به ، واتصاف فاعله بكمال القدرة ؛ لأن بعثة الرسول عندنا جائزة ، وقد أخبر الرسول بوقوع المعاد الدار الآخرة ، وهو حاصل بالدليل السمعي ، ونسب الطي للسماوات دون الأرض لعظمتها ، فكبر جرمها بالنسبة إلى الأرض ؛ فليس وجوب المعاد مستفاد بالدليل العقلي إلا عند المعتزلة القائلين بالتحسين والتقبيح.
قوله تعالى : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ).
ابن عرفة : قالوا : لما عطفه بالواو؟ فأجابوا : بأنه لو لم يعطفه لتوهم إنه من تمام المقاولة مع الملائكة ، كأن قائلا يقول : بالذي أجابوا به الملائكة ، فيقال (الْحَمْدُ
لِلَّهِ) ، فلما عطفه بالواو دل على إنه معطوف على قوله تعالى : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) ، وما بينهما جملة اعتراض.
فإن قلت : هل قال : (صَدَقَنا) في خبره؟ فالجواب : أن الصدق في الخبر واجب والوفاء بالعهد مختلف فيه ، قيل : يجب ، وقيل : لا يلزم ؛ وإذا صدق حيث لا يلزم الصدق ، فأحرى أن يصدق حيث يلزم الصدق ، فهو من التنبيه بالأدنى على الأعلى.
قوله تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ).
يحتمل أن يريد حوله في مقصره من داخل ، أو دخوله في محرابه من خارجه ، وهو الذي تقدم لنا ؛ هل خارجه الخلاء والملأ؟
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها).
كان بعضهم يأخذ من هذه الآية إن جاء لا يصدق إلا على من مضى ووصل إلى الشيء ، بخلاف قولك : مضى زيد لعمرو ، فإنه يحتمل أن يكون رجع من الطريق ، وبقى المعنى مستفاد من قوله (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، فما أفاد جاء إلا لدخول المحل.
سورة المؤمن (١)
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ).
قال الزمخشري : قيل : خلق الله تعالى خلقا يقال له : أسرا ، قيل : زاوية من زوايا العرش على كاهله.
ابن عرفة : إنما هذا إذا قلنا : إن السماء بسيطة ، وأما إن كانت كروية ؛ فلا يحتاج إلى حامل ، لأن الكورة تحمل بعضها بعضا ، نعم إن مجموعها محتاج أن تحل بمستقر.
ابن عرفة : وهذا دليل على أن الملائكة أجسام لطيفة ، وهو مذهب أهل السنة.
قوله تعالى : (وَمَنْ حَوْلَهُ).
يحتمل أن يكون حاملا ولا محمولا ، أي لا يكون ظلا ؛ فيكون معطوفا على الذين يحملون العرش وخبره يسبحون.
قوله تعالى : (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ).
الزمخشري : ما فائدة قوله تعالى : (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ؟) ، فأجاب : بأن فائدته إظهار شرف الإيمان والحض عليه.
قال ابن عرفة : وعادتهم يجيبون بجواب آخر : وهو احتمال عود الضمير المجرور بأن على الحمد ، أي ويؤمنون بحمد ربهم ، بمعنى أنهم يعتقدون أنه المستحق للحمد ؛ فإنا قد نجد في الدنيا بعضنا يحمد بعضا في الظاهر دون الباطن.
قوله تعالى : (رَحْمَةً وَعِلْماً).
العلم عام ، والرحمة إما عامة [٦٦ / ٣٢٠] فما من عذاب منزل إلا وفي علم الله تعالى ما هو أعظم منه ، وإما أنه مخصوص بذلك وبالغائب.
قوله تعالى : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا).
احتج بها المعتزلة ، ونحن نقول : إما أن المعاصي أقل والتوبة هنا من الكفر لقوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) ، وإما أن التوبة من الذنوب والمعاصي مسكوت عنه ، وهذا الدعاء مقبول من البعض قطعا.
__________________
(١) وهي سورة غافر.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا).
أي وجبت.
قوله تعالى : (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ).
حجة لمن يقول من المحدثين : إن الصاحب هو من دام الصحبة معك ، خلافا لأكثر المحدثين في قولهم : إن الصاحب من رأى النبي صلىاللهعليهوسلم وجلس معه ولو لحظة.
قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا).
إنما من قريش وشبه حالهم في عذابهم وإهلاكهم ، قال : أممهم السالفة أو عام فيهم ، وفي الأمم السالفة ، وشبه إهلاكهم في الدنيا إهلاكهم في الآخرة الموعود بوقوعه بهم.
قوله تعالى : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ ،).
قال ابن عرفة : عادتهم يقولون : إن الدعاء تحصيل الحاصل ؛ لا يجوز إذ لا فائدة فيه ؛ ووعد الله حق واجب وقوعه ، وقال تعالى (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [سورة مريم : ٦١] ، قال : وأجيب : بأن الدعاء يتم لمن اتصف بالتوبة ؛ واتباع سبيل الحق والدعاء لمن أحل بعض ذلك ؛ لكن يلحقه بروحه في وفاته ، ويدخله الجنة التي وعد المتقين ، وراعى في هذه المعطوفات السبقية في الزمان ؛ فالأب أنسب ثم الزوجات ثم الأولاد.
وقوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
مع أن المناسب الغفور الرحيم إشارة أن هذه النعمة محض تفضل منك ولا تجب عليك شيء.
قوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ).
قال ابن عرفة : هذا احتراس أو تتميم ، أما تقرير كونه احتراسا فلأنه لما تقدمها (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) ، فقد يتوهم من وصف النحاة في الحدود ، فاحترس من ذلك بما يتضمن أن من صفة العدل ؛ فيجزي كل نفس ما كسبت لا يزيد عليها ولا ينقص ، وأما تقدير كونه تتميما ، فلأنه لما تقدم اختصاص الله تعالى يومئذ بالملك والقهر والغلبة تممه بأن السلاطين والجبابرة أذلاء محكومون ، فهو ينصف المظلوم من ظالمه ؛ وإن كان جبارا عنيدا ، وخبره بما كسبت وما كسب ؛ فعلى قراءة
السالكون : المراد نجازي كل نفس بسبب كسبها الذي كسبت ، فيرجع نسخه الجزاء وهو الثواب والعقاب ، والجزاء يطلق على الإثم وهو المجزى به ، وعلى المصدر ؛ وهو المجازات وهي المحاسبة.
قوله تعالى : (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ).
مع أن الظلم منفي عن الله تعالى في الدنيا والآخرة ، لكن التقييد بالظرف راجع إلى الناس فيما بينهم ، أي لا يظلم بعضهم بعضا يوم القيامة بخلاف الدنيا.
قوله تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ).
يحتمل أن يكون الظرف والعامل فيها ما في (الْآزِفَةِ) ، أي يوم الواقعة القريبة إذ الحناجر ، ويكون عبر بإذ عن المستقبل بالتحقيق ، كقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [سورة النحل : ١].
فإن قلت : المضاف إليه لا يعمل ، قلنا : قد عملت الجوامد ، كقوله : أنا ابن جارية إذ حد النظر ؛ وأحرى المضاف إليه ، وجعله أبو حيان بدلا من قوله (يَوْمَ الْآزِفَةِ) وأعرب (يَوْمَ الْآزِفَةِ) مفعولا ؛ فأخرجها عن الظرفية ، وجعله من عمل الفعل في المفعول به لا في الظرف.
قوله تعالى : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ).
يحتمل أن يريد بالقضاء الحكم فقط ، ويحتمل الحكم والفعل ، [٦٦ / ٣٢١] فيكون فيه شبهة للمعتزلة في أنه لا يفعل القبائح ؛ يحتمل أن يريد بالحق الأمر المستلزم للثواب ، فحينئذ ترك هذه الشبهة ، ويحتمل أن يريد به نفس الحق الذي هو ضد الباطل ، وهذا إما في الدنيا والآخرة فهو الصواب ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) ، أو هو في الدنيا فقط.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا).
يحتمل السير الحسي بالنظر في آثار الأمم السالفة وفي مساكنهم ، وحمل السير المعنوي بالنظر في كتب التاريخ ، ويؤخذ منه أن التواتر يفيد العلم ، وأن العلم الحاصل عن التواتر نظري لا ضروري ؛ وفيه خلاف ، قيل : إنه نظري ، وقيل : إنه ضروري ، وهذه الآية تدل على أنه نظر ، كقوله (فَيَنْظُرُوا) ، لكن هذا إن أريد به النظر بالكفر ، إما أن أريد به النظر بالبصر والسير الحسي ؛ فلا يؤخذ منه ذلك.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ).
ابن عرفة : كررت هذه القصص في القرآن كثيرا ؛ وذلك لكثرة الوفود الواردين على النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ؛ فيسمعوا قوم ولم يسمعها آخرون ، فأنزلت القصة عليه لأجلهم بلفظ آخر ، إما بحسب اختلاف الأذهان والعقول ، وإما لأن الإخبار بها إذا أنزلت بلفظ آخر خاص بالنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم لا يسمع من غيره ، بخلاف ما لو نزلت بلفظها الأول لكان يقول بعض الصحابة ممن سمعها قبل ذلك يشارك النبي صلىاللهعليهوسلم في الإخبار بها للوفود الواردين عليه.
قال : والآيات المعجزات والسلطان المبين راجع إلى التحدي بها والاحتجاج ، فهو من قبيل الإرجاع ، كقولك : جاءني الشيخ والرجل الصالح ، أو يكون السلطان راجع إلى ظهور المعجزة إلا المقترح ، قال : وليس من شرطها ظهورها أو راجع إلى نتيجتها ، قوله تعالى : (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) [سورة الروم : ٥٧] يحتمل أن يكون من باب العدم والملكة ؛ فهم يعبدون ولا ينفعهم ، أو من باب السلب والإيجاب ؛ مثل الحائط لا يبصر فهم لا قدرة لهم على العبادة بوجه.
قوله تعالى : (فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ).
إما أن بعضهم ، قال (ساحِرٌ) ، وبعضهم قال : (كَذَّابٌ) ، أو كل واحد منهم قال ذلك ، وهل المراد (كَذَّابٌ) بالإطلاق ، أو كذب في سحره إشارة إلى أن سحره توبة وتقوى وليس بحقيقي ؛ لأن السحر عندهم محمود ، إذ هو علم من العلوم ، وعلى هذا فيكون أطلق الكذب على الفعل ، وقد تقدم في حديث سليمان ؛ حيث كان يظهر أنه يفعل ولا يفعل ، أنه يؤخذ منه عدم إطلاق الكذب على الفعل ، وظاهر كلام ابن التلمساني في باب الإخبار في صحة إطلاق الكذب عليه ونحوه لابن عطية في قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) [سورة مريم : ٤١].
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ) الحق (مِنْ عِنْدِنا).
مع ما قبلها إشكال ؛ لإيهامه إنه قبل ذلك ولم يكن جاءهم ، كقولهم : جئت زيدا ، فلما أخبرته بقصة عمرو خرج مسافرا ، فمفهومه أنه قبل المجيء لم يخبره بذلك ، فيلزم منه أنه يجيبهم بالحق ، قيل ذلك بدليل قوله تعالى : (فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ) ، والجواب : إنه أولا لم يدعهم إلى الإيمان ، بل أتى بالمعجزات فقط ، ثم لما دعاهم إلى الإيمان ، قالوا ذلك ، واعلم أن المبتدأ لا يحذف إلا إذا كان الخبر لا يصلح له ؛ وكذلك هذا هو عندهم لا يصح أن يوصف بالسحر إلا هذا الرجل.
قوله تعالى : (وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ).
من باب عطف الصفات لا الموصوفات ، لئلا يلزم عليه تعدد الآلهة.
فإن قلت : [٦٦ / ٣٢١] هلا قال : ربنا ، فيغلب ضمير المتكلم ، لأنه الأصل؟
فالجواب : إنه قال (وَرَبِّكُمْ) ، ليدخل فيه فرعون وقومه ، ولو قال : وربنا ، ما دخل فيه فرعون.
قوله تعالى : (يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ).
ابن عرفة : اتبعوني بالإيمان ، كقولك : قال الصالح : اتبعوني في الصلاح.
وقال الفقيه : اتبعوني في الفقه.
قوله تعالى : (إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ).
أي تمتع زائد ، والتمتع أمر عرضي ، والعرض لا يبقى زمنين ، والقرار وهو دائم لأن مذهبنا : أن الأجسام فانية ؛ ولا بد لها من مستقر ، والمتاع راجع إلى نفي المانع ، والقرار راجع إلى وجود المقتضي ؛ لأن التمتع مانع من الزهد في الدنيا والتقشف ، وكون الآخرة دار مستقر تقتضي وجود الحرص على أسباب الموصل إليها.
قوله تعالى : (بِغَيْرِ حِسابٍ).
أي رزقا كثيرا دائما غير منقطع ؛ لا يحاسبون على كثيره بشيء.
قوله تعالى : (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ).
ابن عرفة : كان بعضهم يقول في مثل هذا ، وفي قوله تعالى : (ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [سورة يسن : ٥٢] ، إنما المخبر بالشيء قبل وقوعه ؛ تارة يخبر به لموجب ودليل عام عنده ، وتارة يكون خبره لغير موجب ، فإن أخبر به لموجب ثم وقع نحو ما أخبر به كان خبره صدقا ، وإلا كان اتفاقيا ولم يكن صدقا ، وكان يستشهد على ذلك بقول مالك رحمهالله فيمن حلف بالطلاق ؛ لتمطرن السماء غدا فأمطرت ؛ فإنه تطلق عليه زوجته ؛ لأن ذلك أمر اتفاقي لا دليل عليه ، فمعنى الآية سيظهر لكم صدقي وتندمون على اتباعي فيه ؛ وتعلمون أني إنما قلته لكم لدليل ظهر لي وخفي عنكم.
قوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها ،).
نقل ابن عطية ، عن الأوزاعي ، أنه قال له رجل : رأيت طيورا بيضاء تغدوا من البحر ثم ترجع سودا مثلها ، فقال له الأوزاعي : تلك التي هي في حواصلها أرواح آل فرعون تخترق ريشها له وتسود بالعرض.
قيل لابن عرفة : وكيف تغدو من الغد بيضاء؟ فقال : لعل تلك الأرواح تنتقل من الغد إلى حواصل طيور أخرى بيض ، أو لعل تلك الطيور نبت لها من الغد ريش أبيض ؛ لأن ذلك خرق.
قوله تعالى : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ).
قال ابن عرفة : عادتهم يقولون : المحاجة مفاعلة واقعة من الجانبين ؛ وهي هنا واقعة من الضعفاء فقط ، وأما المستكبرون فإنهم قالوا : أنأكل فيها ، وهذا ليس باحتجاج ولا جواب مع أن قول الضعفاء أتى كالتفسير للمحاجة ، قال : وتقدم الجواب بأن الجملة المفسرة إنما تأتي غير معطوفة ، والعطف يقتضي المغايرة إلا في قليل ، كقوله تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) [سورة التوبة : ٦١] فهذا ما خرج عن ذلك ؛ فلم يفسر والآية مخاطبتهم ، بل ذكر ما يقولون بعد تمامها.
قيل لابن عرفة : أو يكون قول المستكبرين : إن الله قد حكم بين العباد هو الجواب : أي حكم بمساواتكم لنا في العذاب ، فلا طاقة لنا على تحقيقه عنكم.
قوله تعالى : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ).
يؤخذ منه منع أهل الذمة من الخروج مع المسلمين للاستسقاء في دار الدنيا ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، لمعاذ لما بعثه إلى اليمن وأهل كفار : " واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب (١) ".
قوله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).
ابن عطية : هذا إما عام مخصوص ؛ لأن في الأنبياء من قتله قومه ولم ينصر عليهم كيحيى ، وإما لأن المضرة واقعة بين وفاة من قتل منهم بالانتقام له في قومه في الدنيا.
ابن عرفة : فإن قيل : أن يحيى عليهالسلام ليس برسول فالمقام باق على عمومه ، [٦٦ / ٣٢٢] قلنا : هو داخل في عموم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا).
قوله تعالى : (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ).
__________________
(١) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه حديث رقم : ٢١٩٥ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم حديث رقم : ٧٤ ، والترمذي في جامعه حديث رقم : ٥٦٧ ، وأبو داود السجستاني في سننه حديث رقم : ١٣٥٥ ، والنسائي في السنن الكبرى حديث رقم : ٢٢٨٧ ، وابن ماجه في سننه حديث رقم : ١٧٧٣ ، والبيهقي في معرفة السنن والآثار حديث رقم : ٢٠٤٩ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ١٩٩٥ ، والنسائي في سننه حديث رقم : ٢٤٨٦.
الأصل لأن يقال : وعليهم اللعنة ، لكن كان بعضهم يقول : عبر باللام المقتضية للملك والاستحقاق وإشعار استحقاقهم اللعنة ، كأنهم حائزون لها جوز المالك إليها.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى).
ابن عرفة : هو التورية وأسباب الرشاد.
قوله تعالى : (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ).
عبر بالوراثة ؛ لأن بني إسرائيل طوائف تنتقل فيهم التوراة من جيل إلى جيل ، فكان بعضهم يرثها عن بعض.
ابن عطية : والوراثة في حق الصدر الأول منهم مجاز.
ابن عرفة : بل حقيقة ؛ لأنهم ورثوها عن موسى عليهالسلام ؛ وصاروا بعد موته هم القائمين بها ؛ وعنهم أخذها أولادهم.
قوله تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ).
إن أريد به حقيقة الذكر ؛ فيكون من باب ضربته الظهر والبطن ، فالأمر بالتسبيح عام في كل الأزمنة ، وإن أريد به الصلوات الخمس ؛ فيكون على ظاهره وحقيقته ، واختلفوا ، ما الأفضل : فالصحيح أن الفكر في أوقاته المعينة في الحديث أفضل من قراءة القرآن في غير ذلك الوقت أفضل من الذكر.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ).
قال ابن عرفة : فإن قلت : ما فائدة قوله تعالى : (أَتاهُمْ) ، مع أنه مستغن عنه؟
قال : عادتهم يجيبون : بأن السلطان المراد به الموجب ، أي بغير شبهة توجب لهم عذر.
قيل لابن عرفة : السلطان هو الدليل لا الشبهة ، فقال : بل المراد به هنا الموجب ، ومنهم من أجاب : بأن المراد الدليل النقلي والعقلي ، فقوله تعالى : (بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ) إشعار نفي الدليل السمعي ، وقوله تعالى : (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) ، إشعار بنفي الدليل العقلي ، فدل على أن كفرهم عنادا.
قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ).
قال ابن عرفة : إن قلت : لم كرر لا في قوله تعالى : (وَلَا الْمُسِيءُ) ، ولم يذكرها في قوله تعالى : (وَالْبَصِيرُ)؟
قال : عادتهم يجيبون : بأن عدم مساواة الأعمى والبصير ظاهرة لا تخفى على أحد ، وعدم مساواة المسيء للصالح خفية لا يدركها إلا من اطلع على حالهما معا ، فلذلك كرره.
قوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
قال : عادتهم يقولون : القرآن كله بقول الله تعالى فتخصيصه بنسبته إليه لا بد له من فائدة ، وهي الاعتناء بهذا ، وأنه سالك لا يسوغ تركه ، وقوله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، ولفظ الأمر فيه زيادة الإشعار بتأكد الطلب.
قال ابن عطية : ومعناه إن شئت ذلك.
قال ابن عرفة : لا حاجة إلى تقييده بالمشيئة ، لأن هذه الشرطية مطلقة كما تقدم لنا في الجواب عن الإشكال الوارد في قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) [سورة الأنفال : ٢٣] ، قال : وبيان ذلك أن القائل لزوجته : إن دخلت النملة الدار فأنت طالق ، فلا تطلق بالأحوال إلا مرة واحدة ، ولا يتكرر عليه الطلاق بدخولها مرارا ، فالمطلق يصدق وقد وجدنا بعض الداعيين يستجاب ، فتصدق الشرطية بذلك ، أو يجاب : بأن كل داع يستجاب له ، ومن لا يستجاب له لم يكن أخلص النية ، أو استجيب له بإدخال الثواب باستجابة الدعاء وحفظه الليل والنهار ونقصه ، والخبر هو المبتدأ لكن أفاد بما ذكر معه من الأوصاف ، وقدم هنا صفة الخلق على كلمة التوحيد ، وعكس في الأنعام لتقدم ذكر المخلوقات هنا.
قوله تعالى : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).
استغراب وتعجب من صرفهم على الإيمان به ، ثم قال : كذلك تؤفك على وجه التسلية [٦٦ / ٣٢٢] للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وتؤفك حكاية حال ماضية ، أي كذلك فعل الذين من قبلهم.
قوله تعالى : (وَالسَّماءَ بِناءً).
ابن عرفة : انظر هل يؤخذ أنها كروية ، وأنها كالقبة ، فهي مثل دائرة ، لكن يقال : لو كانت نصف دائرة لانكشف عنه دورانها.
قوله تعالى : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ).
قالوا : الإنسان هو أحسن الحيوانات خلقا ، كما قال الله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) [سورة الإسراء : ٧٠].
فإن قلت : إنه غير عام فإن فيه الأعرج والأحدب والأعمى ، قلنا : أحكام الخلق له اعتبارات ، فإن اعتبر بالنسبة إلى المفعول فيرد ما قلتموه ، وإن اعتبر بالنظر إلى الفاعل فإنه عام ؛ لأنه فعل كله بحكم متقن دال على اتصافه فاعله بالقدرة والإرادة وصفات الكمال ، وتفاوته لا يقدح في إبداعه ، ويحتمل أن يقال : إن كل أحدب هو أحسن من غيره من الحيوانات ، فمن هو أحدب وأعمى من الناس أحسن من أعمى من غيره.
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ)(١).
قال ابن عرفة : التعبير عن المنع عن الشيء بلفظ النهي يشعر بأن المكلف بذلك كان ملتبسا به قبل النهي ، والنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم لم يعبد آلهتهم قط ، وفرق بين قولك : لا تفعل كذا ، وبين قولك : نهيتك من فعل كذا ، فالأول : يقتضي المنع المطلق ، والثاني : يقتضي المنع مما أنت فاعله.
قال : والجواب : أن النهي عن المنتهي يقتضي اتصاف أمثاله به ، والنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، كان بين أظهر المشركين فنهي عن أن يتصف بصفاتهم ، قال : وعادة الشيوخ يذكرون سؤالا موردا في حسن الائتلاف ؛ وهو لم أشد لفظ العبادة ولفظ الدعاء لآلهتهم ، وهلا قال : أن أعبد الذين تعبدون ، أو يقول : أن أدعوا الذين تدعون ، أو يقول : إن الذين تعبدون فما السر في ذلك؟
قال : فأجابوا : بأن المراد بالعبادة الخضوع ، أي نهيت أن أخضع للذين دعوتهم آلهة ، والخضوع يستلزم أن يدعوهم آلهة بل هو أعم ، فناسب إسناد النهي للأعم المطلق ؛ لكونه يستلزم النهي عما فوق من باب آخر ، فاستعمل الأخص في الثبوت والأعم في النهي.
فإن قلت : قوله تعالى : (لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي) ، مفهومه أنه كان متصفا بذلك قبل مجيء البينات؟ فالجواب : بأن النهي له والمراد غيره ، وإما أن يراد بالبينات مطلق الوحي المنزل عليه وعلى من قبله من الأمم ، ولا شك إنه كان حين بلوغه متشرعا بشريعة إبراهيم صلّى الله عليه وعلى آلهما وسلم ، وإنما يرد السؤال لو قلنا : المراد لما حضر زمن إرساله ونزول الوحي عليه.
قوله تعالى : (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).
__________________
(١) أورد المصنف في الحاشية : قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ ، فيه إشكال عظيم.