إعراب القرآن - ج ٣

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٠

(وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) قيل : المعنى لا يكترثون بذلك ولا يعبئون به ولا يؤمنون.

قال ابن عباس : فما آمن منهم أحد.

(إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) أي إنّما ينتفع بالإنذار. قال أبو إسحاق : ومعنى (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) خاف الله جلّ وعزّ من حيث لا يراه أحد إلّا الله عزوجل.

(فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) قال الضحاك عن ابن عباس في معنى كريم : أي حسن ، وقيل : يراد به الجنة والله جلّ وعزّ أعلم.

الأصل في (إِنَّا) إنّنا حذفت النون لاجتماع النونات (نُحْيِ) حذفت منه الضمة لثقلها ، ولا يجوز إدغام الياء في الياء هاهنا لئلّا يلتقي ساكنان. (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) أي ذكر ما قدّموا ، وأقيم المضاف إليه مقام المضاف ، وتأوله ابن عباس بمعنى خطاهم إلى المساجد. وهو أولى ما قيل فيه ؛ لأنه قال : إنّ الآية نزلت في ذلك لأن الأنصار كانت منازلهم بعيدة من المسجد. وفي حديث عمرو بن الحارث عن أبي عشانة عن عقبة بن عامر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يكتب له برجل حسنة ، ويحطّ عنه برجل سيئة ذاهبا وراجعا إذا خرج إلى المسجد» (١) وتأوّله غير ابن عباس «ونكتب ما قدّموا وآثارهم» يعني نكتب ما قدّموا من خير وما سنّوا من سنة حسنة يعمل بها بعدهم. وواحد الآثار :

أثر ، ويقال : إثر. (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) منصوب على إضمار فعل ، ويجوز رفعه بالابتداء إلّا أنّ نصبه أولى ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل. وهذا قول الخليل وسيبويه رحمهما‌الله. قال مجاهد : (فِي إِمامٍ مُبِينٍ) في اللوح المحفوظ.

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) قال أبو إسحاق : أي اذكر لهم مثلا ، والضرب هو المثال والجنس ، يقال : هذا من ضرب هذا ، أي من مثال هذا وجنسه والمعنى : ومثّل لهم مثلا. (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) بدل من مثل فالمعنى مثل أصحاب القرية. (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) أي جاء أهلها المرسلون.

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة في سننه ـ المساجد ١ / ٢٥٤ ، والترمذي في سننه ٣ / ٨٣ ، وأحمد في مسنده ٤ / ١٥٦.

٢٦١

(إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) وقرأ عاصم (فَعَزَّزْنا) (١) وربما غلط في هذا بعض الناس فتوهّم أنه من عز يعزّ ، وليس منه إنما هو من قول العرب : عازّني فلان فعززته أعزّه أي غلبته وقهرته وله نظائر في كلامهم ، وتأول الفراء (٢) (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) أنّ الثالث أرسل قبل الاثنين وأنه شمعون وإنّ معنى فعزّزنا به أنّه غلبهم.

والظاهر يدلّ على خلاف ما قال ، ولو كان كما قال لكان الأولى في كلام العرب أن يقال: بالثالث إذ كان قد أرسل قبل ، كما يقال : في أول الكتاب سلام عليك وفي آخره والسلام ، وكما يقال : مررت برجل من قصّته كذا فقلت للرّجل.

(قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) مبتدأ وخبره.

قال الفراء : (لَنَرْجُمَنَّكُمْ) أي لنقتلنّكم قال : وعامة ما في القرآن من الرجم معناه القتل.

(قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) فيه سبعة أوجه من القراءات (٣) : قرأ أهل المدينة أين ذكرتم بتخفيف الهمزة الثانية ، وقرأ أهل الكوفة (أَإِنْ) بتحقيق الهمزتين ، والوجه الثالث أاإن بهمزتين بينهما ألف ، أدخلت الألف كراهة للجمع بين الهمزتين ، والوجه الرابع أاإن بهمزة بعدها ألف وبعد الألف همزة مخففة ، والقراءة الخامسة أان ذكرتم بهمزتين إلا أنّ الثانية همزة مخففة ، والوجه السادس أأن بهمزتين محققتين مفتوحتين. حكى الفراء (٤) : أنّ هذه قراءة أبي رزين. وقرأ عيسى بن عمر والحسن البصري قالوا طائركم معكم أين ذكّرتم بمعنى حيث والمعنى : أين ذكّرتم تطيّركم معكم. ومعنى أأن ألأن ، وقرأ يزيد بن القعقاع والحسن وطلحة ذكرتم (٥)

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٤٩ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٣٩.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٧٣.

(٣) انظر القراءات في البحر المحيط ٧ / ٣١٤ ، ومختصر ابن خالويه ١٢٥ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٤٠.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٧٤.

(٥) انظر المحتسب ٢ / ٢٠٥ ، والبحر المحيط ٧ / ٣١٤.

٢٦٢

بالتخفيف وزعم الفراء أن معنى (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) أي رزقكم وعملكم و (بَلْ) لخروج من كلام إلى كلام (أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) ابتداء وخبر.

(وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) وفي موضع آخر (رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) [القصص : ٢٠] والمعنى واحد إلّا أن حقّ الظروف أن تكون في آخر الكلام ، وتقديمها مجاز. ألا ترى أن معنى : إنّ في الدار زيدا ، إن زيدا في الدار ، (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ).

(اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) هذا يدلّ على إعادة الفعل (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) محمول على معنى «من».

وقرأ الأعمش وحمزة (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ) بإسكان الياء وهذه ياء النفس تفتح وتسكّن ، إذا كان ما قبلها متحرّكا فالفتح لأنها اسم فكره أن يكون اسم على حرف واحد ساكنا ، والإسكان لاتصالها بما قبلها ، وموضع (لا أَعْبُدُ) موضع نصب على الحال.

(إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ) شرط ومجازاة ، وعلامة الجزم فيه حذف الضمة من الدال وحذفت الياء التي قبل الدال لالتقاء الساكنين. والقول في الياء التي بعد النون كما تقدّم من الفتح والإسكان إلّا أنك إذا أسكنتها حذفتها في الإدراج لالتقاء الساكنين وجواب الشرط (لا تُغْنِ عَنِّي).

فأما ما روي عن عاصم أنه قرأ (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) بفتح النون فلحن لأنه في موضع جزم فإذا كسرت النون جاز لأنها النون التي تكون مع الياء لا نون الإعراب. قال أبو إسحاق : أشهد الرسل على إيمانه فقال : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ).

٢٦٣

(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) في الكلام حذف لعلم السامع والتقدير : فقتلوه فقيل : ادخل الجنة فلمّا رأى ما هو فيه من النعيم. (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ).

(بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) فيه ثلاثة أوجه : تكون «ما» مصدرا ، وتكون بمعنى «الذي» ، والثالث استفهاما ، وهذا ضعيف لأن الأكثر في الاستفهام : بم غفر لي ربّي؟ بغير ألف (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) قال أبو مجلز : أي بإيماني وتصديقي الرسل. قال أبو إسحاق :

(مِنَ الْمُكْرَمِينَ) أي أدخلني الجنة.

(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) أي لم ينزل جندا من السماء ينتصرون له.

(إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) في «كانت» مضمر أي أن كانت عقوبتهم أو بليتهم إلّا صيحة. قرأ أبو جعفر إن كانت إلّا صيحة واحدة بالرفع. قال أبو حاتم : ينبغي ألا يجوز لأنه إنما يقال : ما جاءني إلّا جاريتك ، ولا يقال : ما جاءتني إلّا جاريتك ، لأن المعنى ما جاءني أحد إلا جاريتك أي فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال : إن كان إلا صيحة واحدة. قال أبو جعفر : لا يمتنع من هذا شيء ، يقال : ما جاءتني إلّا جاريتك ، بمعنى ما جاءتني امرأة أو جارية. والتقدير : بالرفع في القراءة ما قاله أبو إسحاق ، قال : المعنى إن كانت عليهم صيحة إلّا صيحة واحدة وقدّره غيره بمعنى : ما وقعت إلّا صيحة واحدة «وكان» بمعنى : وقع كثير في كلام العرب. وقرأ عبد الرحمن بن الأسود ، ويقال : إنه في حرف عبد الله كذلك : إن كانت إلّا زقية واحدة (١). قال أبو جعفر : هذا مخالف للمصحف ، وأيضا فإن اللغة المعروفة : زقا يزقو إذا صاح فكان يجب على هذا أن يكون إلّا زقوة. قال قتادة : (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) أي هالكون.

(يا حَسْرَةً) منصوب لأنه نداء نكرة لا يجوز فيه إلا النصب عند البصريين ، وزعم الفراء أنّ الاختيار النصب وأنها لو رفعت النكرة الموصولة بالصفة لكان صوابا ، واستشهد بأشياء منها أنه سمع من العرب : يا مهمّ بأمرنا لا تهتمّ. وأنشد : [الكامل]

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٧٥ ، ومختصر ابن خالويه ١٢٥.

٢٦٤

٣٦١ ـ يا دار غيّرها البلى تغييرا (١)

قال أبو جعفر : في هذا بطلان باب النداء أو أكثره لأنه يرفع النكرة المحضة ويرفع ما هو منزلة المضاف في طوله ويحذف التنوين متوسطا ويرفع ما هو في المعنى مفعول بغير علة أوجبت ذلك. فأما ما حكاه عن العرب فلا يشبه ما أجازه ، لأن تقدير :

يا مهتمّ بأمرنا لا تهتمّ ، على التقديم والتأخير ، والمعنى : يا أيّها المهتم لا تهتمّ بأمرنا.

وتقدير البيت : يا أيّها الدار ، ثم حوّل المخاطبة أي يا هؤلاء غير هذه الدار البلى ، كما قال جلّ وعزّ : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢]. وكان أبو إسحاق يقول : بأن قوله جلّ وعزّ : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) من أصعب ما في القرآن من المسائل ، وإنما قال هذا لأن السؤال فيه أن يقال : ما الفائدة في نداء الحسرة؟ قال أبو جعفر : وقد شرح هذا سيبويه بأحسن شرح ، ومذهبه أن المعنى إذا قيل : يا عجباه فمعناه يا عجب هذا من أبانك ، ومن أوقاتك التي يجب أن تحضرها والمعنى على قوله إنه يجب أن تحضر الحسرة لهم على أنفسهم لاستهزائهم بالرسل ، وفي معنى الآية قول غريب إسناده جيد رواه الربيع بن أنس عن أبي العالية قال : لمّا رأى الكفار العذاب قالوا : يا حسرة على العباد ، يعنون بالعباد الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إليهم تحسروا على فواتهم إن لم يحضروا حتى يؤمنوا. قال الله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [الحجر : ١١].

(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ) قال الفراء (٢) : «كم» في موضع نصب من وجهين : أحدهما بيروا ، واستشهد على هذا القول بأنه في قراءة عبد الله بن مسعود ا لم يروا من أهلكنا ، والوجه الآخر أن تكون «كم» في موضع نصب بأهلكنا. قال أبو جعفر : القول الأول محال لأن «كم» لا يعمل فيها ما قبلها لأنها استفهام ، ومحال أن يدخل الاستفهام في حيّز ما قبله ، وكذا حكمها إذا كانت خبرا ، وإن كان سيبويه قد أومأ إلى بعض هذا فجعل «أنّهم» بدلا من «كم» ، وقد ردّ عليه محمد بن يزيد هذا أشدّ ردّ ، وقال : «كم» في موضع نصب بأهلكنا «وأنّهم» في موضع نصب. والمعنى عنده :

بأنهم أي ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون بالاستئصال.

__________________

(١) الشاهد بلا نسبة في معاني الفراء ٢ / ٣٧٦ ، وقد ذكر سيبويه في الكتاب ٢ / ٢٠٣ البيت للأحوص الأنصاري باختلاف بسيط :

«يا دار حسّرها البلى تحسيرا

وسفت عليها الريح بعدك مورا»

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٧٦.

٢٦٥

هذه إن الثقيلة في الأصل خفّفت فزال عملها في أكثر اللغات ، ولزمتها اللام فرقا بينها وبين «إن» التي بمعنى «ما». وقرأ الكوفيون (١) (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا) وفيه قولان :

أحدهما أنّ «لمّا» بمعنى إلا و «إن» بمعنى «ما». حكى ذلك سيبويه (٢) في قولهم :

سألتك بالله لمّا فعلت ، وزعم الكسائي أنه لا يعرف هذا. والقول الآخر أن المعنى :

وإن كلّ لمن ما ، وهذا قول الفراء (٣). قال وحذفت ما ، كما يقال علماء بنو فلان ، أراد به : على الماء بنو فلان.

(وَآيَةٌ) رفع بالابتداء ، والخبر (لَهُمُ) ، ويجوز أن يكون الخبر (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ).

قال أبو إسحاق : ويقال : الميتة ، والتخفيف أكثر.

(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) «ما» في موضع خفض على العطف أي ومما عملته أيديهم ، ويجوز أن تكون «ما» نافية لا موضع لها أي ولم تعمله أيديهم فإذا كان بحذف الهاء كانت «ما» في موضع خفض ، وحذف الهاء لطول الاسم ، ويبعد أن تكون نافية.

قال أبو إسحاق : أي الأجناس من الحيوان والنبات.

(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) وعلامة دالّة على توحيد الله.

(وَالشَّمْسُ تَجْرِي) ويكون تقديره وآية لهم الشمس ، ويجوز أن تكون الشمس مرفوعة بإضمار فعل يفسّره الثاني ، ويجوز أن تكون مرفوعة بالابتداء.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٣١٩ ، ومعاني الفراء ٢ / ٣٧٦.

(٢) انظر الكتاب ٣ / ١٢٣.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٧٦.

٢٦٦

(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) يكون تقديره : وآية لهم القمر ، ويجوز أن يكون القمر مرفوعا بالابتداء. وقرأ الكوفيون (وَالْقَمَرَ) بالنصب على إضمار فعل. وهو اختيار أبي عبيد ، قال : لأن قبله فعلا وبعده فعلا مثله قبله «نسلخ» وبعده «قدّرناه» قال أبو جعفر :

أهل العربية جميعا فيما علمت على خلاف ما قال ، منهم الفراء (١) ، قال : الرفع أعجب إليّ ، وإنما كان الرفع عندهما أولى لأنه معطوف على ما قبله فمعناه : وآية القمر والذي قاله : من أنّ قبله «نسلخ» فقبله ما أقرب إليه منه وهو يجري وقبله : والشمس بالرفع ، والذي ذكره بعده وهو «قدّرناه» قد عمل في الهاء. ووجه ثان في الرفع يكون مرفوعا بالابتداء ، ويقال : القمر ليس هو المنازل فكيف قال : قدّرنا منازل؟ ففي هذا جوابان :

أحدهما أن تقديره : قدرناه ذا منازل مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢]. والتقدير الآخر : قدّرنا له منازل ثمّ حذف اللام ، وكان حذفها حسنا لتعدّي الفعل إلى مفعولين مثل (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الأعراف : ١٥٥].

رفعت الشمس بالابتداء ، (٢) ولا يجوز أن تعمل «لا» في معرفة. وقد تكلّم العلماء في معنى هذه الآية فقال : بعضهم معناها أن الشّمس لا تدرك القمر فيبطل معناه ، وقيل : القمر في السماء الدنيا والشمس في السماء الرابعة فهي لا تدركه. وأحسن ما قيل في معناه وأبينه مما لا يدفع أن سير القمر سير سريع فالشمس لا تدركه في السير.

(وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) مما قد تكلموا فيه أيضا ، وقال بعضهم : هذا يدلّ على أن النهار مخلوق قبل الليل وأن الليل لم يسبقه بالخلق ، وقيل : لا يجوز أن يتقدّم أحدهما صاحبه ؛ لأن وجود هذا عدم هذا ولا يقع فيهما القبل والبعد. وهذا قول أهل النظر ، وقيل : كل واحد منهما يجيء في وقته لا يسبق أحدهما صاحبه. قال أبو جعفر : حدّثنا محمد بن الوليد وعلي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال : سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يقرأ (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) فقلت ما هذا؟ قال : أردت سابق النهار فحذفت التنوين لأنه أخفّ. قال أبو جعفر : يجوز أن يكون النهار منصوبا بغير تنوين ويكون التنوين حذف لالتقاء الساكنين.

هذه الآية من أشكل ما في السورة لقوله جلّ وعزّ (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) لأنهم هم المحمولون. فسمعت علي بن سليمان يقول : الضميران مختلفان والمعنى : وآية لأهل

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٧٨.

(٢) انظر تيسير الداني ١٤٩ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٤٠.

٢٦٧

مكة أنّا حملنا ذريات قوم نوح في الفلك. وفيها قول آخر حسن ، وهو أن يكون المعنى أن الله جلّ وعزّ خبّر بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذريات والصغار ، ويكون الضميران على هذا متفقين.

(وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) والأصل : يركبونه حذفت الهاء لطول الاسم ، وأنه رأس آية. وفي معناه ثلاثة أقوال : مذهب مجاهد وقتادة وجماعة من أهل التفسير أنّ معنى «من مثله» للإبل ، والقول الثاني أنه للإبل والدواب وكل ما يركب ، والقول الثالث أنه للسفن ، وهذا أصحّها لأنه متصل الإسناد عن ابن عباس رواه محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) قال : خلق لهم سفنا أمثالها يركبون فيها. وبغير هذا الإسناد أن ابن عباس احتجّ في أن هذا ليس للإبل بأن بعده (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) وهو حسن لأن بعده ما لا يجوز فيه إلا الرفع لأنّه معرفة وهو (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) والنحويون يختارون : لا رجل في الدار ولا زيد.

(إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) قال الكسائي : هو نصب على الاستثناء ، وقال أبو إسحاق : نصب لأنه مفعول له أي للرحمة (وَمَتاعاً) معطوف عليه. قال قتادة : (إِلى حِينٍ) أي إلى الموت.

وفي قوله جلّ وعزّ (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) خمس قراءات (١) : قرأ أبو عمرو وابن كثير وهم يخصّمون بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد ، وكذا روى ورش عن نافع. فأما أصحاب القراءات وأصحاب نافع سوى ورش فإنهم رووا عنه وهم يخصّمون بإسكان الخاء وتشديد الصاد على الجمع بين ساكنين وقرأ عاصم والكسائي (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) بكسر الخاء وتشديد الصاد ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة وهم يخصمون بإسكان الخاء وتخفيف الصاد ، وفي حرف أبيّ وهم يختصمون. قال أبو جعفر : القراءة الأولى وهم يخصّمون أبينها والأصل : يختصمون فأدغمت التاء في الصاد فقلبت حركتها إلى الهاء ، وإسكان الخاء

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٤٩ ، ومعاني الفراء ٢ / ٣٧٩ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٤١.

٢٦٨

لا يجوز لأنه جمع بين ساكنين وليس أحدهما حرف مدّ ولين وإنما يجوز في مثل هذا إخفاء الحركة فلم يضبط كما لم يضبط عن أبي عمرو (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) [البقرة : ٥٤] إلّا من رواية من يضبط اللغة ، كما روى سيبويه عنه أنه كان يختلس الحركة. فأما «يخصّمون» فالأصل فيه أيضا يختصمون فأدغمت التاء في الصاد ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين. وزعم الفراء (١) : أن هذه القراءة أجود وأكثر ، فترك ما هو أولى من إلقاء حركة التاء على الخاء واجتلب لها حركة أخرى وجمع بين ياء وكسرة ، وزعم أنه أجود وأكثر وكيف يكون أكثر وبالفتح قراءة أهل مكة وأهل البصرة وأهل المدينة. قال عكرمة في قوله جلّ وعزّ (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) [يس : ٢٩] قال : هي النفخة الأولى في الصّور.

(فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : ينفخ في الصور والناس في أسواقهم فمن جالب لقحة ، ومن ذارع ثوبا ، ومن مار في حاجة (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) وذكر الفراء (٢) فيه قولين أحدهما لا يرجعون إلى أهليهم قولا ، والقول الآخر لا يرجعون من أسواقهم إلى أهليهم.

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) في معناه قولان : قال قتادة : «الصّور» جمع صورة أي نفخ في الصّور الأرواح ، وصورة وصور

مثل سورة البناء وسور. قال العجاج : [الرجز]

٣٦٢ ـ فربّ ذي سرادق محجور

سرت إليه في أعالي السّور (٣)

وقد روي عن ابن هرمز أنه قرأ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) (٤) فهذا لا إشكال فيه. فأما «الصّور» بإسكان الواو فالصحيح فيه أنه القرن جاء بذلك الحديث والتوقيف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذلك معروف في كلام العرب. أنشد أهل اللغة (٥) : [الرجز]

٣٦٣ ـ نحن نطحناهم غداة الغورين

بالضّابخات في غبار النقعين

نطحا شديدا لا كنطح الصّورين

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٧٩.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٨٠.

(٣) الشاهد للعجاج في ديوانه ٣٤١ ، والكتاب ٤ / ١٦٢ ، وشرح الشواهد للشنتمري ٢ / ٢٣٢.

(٤) انظر المحتسب ٢ / ٢١٢.

(٥) البيت الأول والثالث بلا نسبة في لسان العرب (صور) ، وديوان الأدب ٣ / ٣١٥ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة ٢٦.

٢٦٩

(قالُوا يا وَيْلَنا) منصوب على أنه نداء مضاف أي من أيّامك ومن ابّانك ، ويجوز أن يكون منصوبا على معنى المصدر ، ويكون المنادى محذوفا على أن الكوفيين يقدّرونه «وي لنا» منفصلة فإذا قيل لهم فلم قلتم : ويل زيد؟ ففتحتم اللام وهي لام خفض ولم قلتم ويل له؟ فضممتم اللام ونونتموها ثم حكيتم : ويل زيد بالضم غير منوّن اعتلّوا بعلل لا تصحّ. قال أبو جعفر : وسنذكرها إن شاء الله فيما يستقبل. (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) يقال : كيف قالوا هذا وهم من المعذّبين في قولكم في قبورهم؟ فالجواب أن أبيّ بن كعب قال : ناموا نومة. وقال أبو صالح : إذا نفخ النفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور ، وهجعوا هجعة إلى النفخة الثانية وبينهما أربعون سنة فذلك قولهم : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا). قال مجاهد : أي فيقول لهم المؤمنون (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) وقال قتادة : فقال لهم من هدى الله (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) وقال الفراء : أي فقال لهم الملائكة (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ). قال أبو جعفر : وهذه الأقوال متفقة لأن الملائكة من المؤمنين وممن هدى الله وقرأ مجاهد ويروى عن ابن عباس (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا). قال أبو جعفر : وعلى هذا يتأوّل قول الله جلّ وعزّ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة : ٧] وكذا الحديث «المؤمن عند الله خير من كلّ ما خلق» (١)

ويجوز أن يكون الملائكة صلّى الله عليهم وغيرهم من المؤمنين قالوا «هذا ما وعد الرحمن» ، والتمام على هذا «من مرقدنا» «وهذا» في موضع رفع بالابتداء وخبره «ما وعد الرحمن» ويجوز أن يكون «هذا» في موضع خفض على النعت لمرقدنا فيكون التمام «من مرقدنا هذا» ويكون «ما وعد الرحمن» في موضع رفع من ثلاث جهات ذكر أبو إسحاق منها اثنتين ، قال : يكون بإضمار «هذا» ، والثانية : أن يكون بمعنى حق ما وعد الرحمن ، وقال أبو جعفر : والثالثة: أن يكون بمعنى بعثكم ما وعد الرحمن.

(فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ) مبتدأ وخبره وجميع نكرة و (مُحْضَرُونَ) من نعته.

قال عبد الله بن مسعود وابن عباس : شغلهم بافتضاض العذارى ، وقال أبو قلابة :

بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ قيل له تحول إلى أهلك فيقول : أنا مع أهلي مشغول فيقال له : تحوّل أيضا إلى أهلك ، وقيل : أصحاب الجنة في شغل بما هم فيه

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة في سننه باب ٦ ـ الحديث رقم (٣٩٤٧).

٢٧٠

من اللذات والنعيم عن الاهتمام بأهل المعاصي ومصيرهم إلى النار وما هم فيه من أليم العذاب وإن كانوا أقوياء هم وأهليهم. وقرأ الكوفيون (فِي شُغُلٍ) (١) بضم الشين والغين ، وعن مجاهد (فِي شُغُلٍ) وحكى أبو حاتم : أنّ هذا يروى عن أبي عمرو بن العلاء أنه قرأ به وهي لغات بمعنى واحد ويقال : شغل بفتح الشين وإسكان الغين (فاكِهُونَ) خبر إنّ ، وعن طلحة بن مصرف أنه قرأ فاكهين (٢) نصبه على الحال.

مبتدأ وخبره ، ويجوز أن يكون هم توكيدا (وَأَزْواجُهُمْ) عطفا على المضمر و (مُتَّكِؤُنَ) نعتا لقوله فاكهون.

الدال الثانية مبدلة من تاء لأنه يفتعلون من دعاء.

(سَلامٌ) مرفوع عن البدل من «ما» ، ويجوز أن يكون «ما» نكرة و «سلام» نعتا لها أي ولهم ما يدّعون مسلّم ويجوز أن يكون «ما» رفعا بالابتداء (سَلامٌ) خبرا عنها. وفي قراءة عبد الله بن مسعود سلاما (٣) يكون مصدرا. وإن شئت في موضع الحال أي ولهم الذي يدّعون مسلّما و (قَوْلاً) مصدر أي نقوله قولا يوم القيامة ، ويجوز أن يكون معناه قال الله جلّ وعزّ هذا قولا.

ويقال : تميّزوا وانمازوا.

(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ) ويقال : أعهد بكسر الهاء يكون من عهد يعهد. قال أبو إسحاق: ويجوز أن يكون عهد يعهد مثل حسب يحسب. (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) قال الكسائي : «لا» للنهي.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٤٩ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٢٧.

(٢) وهذه قراءة الأعمش أيضا ، انظر البحر المحيط ٧ / ٣٢٧.

(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٢٧.

٢٧١

(وَأَنِ اعْبُدُونِي) من كسر النون فعلى الأصل ، من ضم كره كسرة بعدها ضمة.

(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا) هذه قراءة أهل المدينة والعاصمين ، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى وعبد الله بن عبيد بن عمير والنضر بن أنس (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا) (١) بضم الجيم والباء وتشديد اللام ، قرأ ابن كثير والكوفيون إلا عاصما (جِبِلًّا) (٢) بضم الجيم والباء وتخفيف اللام ، وقرأ أبو عمرو (جِبِلًّا) (٣) بضم الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام وقرأ أبو يحيى والأشهب العقيلي (جِبِلًّا) بكسر الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام. قال أبو جعفر : فهذه خمس قراءات أبينها القراءة الأولى الدليل على ذلك أنهم قد أجمعوا على أن قرءوا (وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ١٨٤] ويكون جبل جمع جبلّة. والاشتقاق فيه كلّه واحد ، وإنما هو من : جبل الله الخلق أي خلقهم وقد ذكرت قراءة سادسة وهي (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) (٤) بالياء. (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) أي قد كنتم تعقلون ، وهذا على جهة التوبيخ ، وكذا «ألم أعهد» أي قد عهدت.

(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) أي لو شئنا لأعميناهم في الدنيا عقوبة على عصيان الله جلّ وعزّ ، ولكنا أخّرنا عقوبتهم إلى يوم القيامة. (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) أي فبادروا الطريق إلى منازلهم في أول ما يعمون ليلحقوا بأهليهم.

(وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) أي لو نشاء لمسخناهم في الموضع الذي اجترءوا فيه على معصية الله عزوجل. (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا) أي فلم يستطيعوا أن يهربوا. (وَلا يَرْجِعُونَ) إلى أهليهم ، وحكى الكسائي : طمس يطمس ويطمس. (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ) على مكانتهم يقال : مكان ومكانة ودار ودارة. وحكى ابن الأعرابي أنّ العرب تقول : في جمع مكان أمكنة ومكنات وأنّ منه حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أقرّوا الطير على مكناتها» (٥). قال أبو جعفر : مكنات جمع مكنة ، ومكنة ومكان بمعنى واحد. وقد تكلّم الناس في معنى هذا الحديث فقال : بعض الناس لا تنفروها بالليل ولا تصطادوها إلّا أن الشافعي رحمه‌الله فسّره لسفيان بن عيينة على غير هذا ، قال : كانت العرب تزجر

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٢٨ ، وتيسير الداني ١٥٠.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٢٨ ، وتيسير الداني ١٥٠.

(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٢٨ ، وتيسير الداني ١٥٠.

(٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٢٨ ، وقال هي قراءة علي بن أبي طالب وبعض الخراسانيين.

(٥) انظر اللسان (مكن).

٢٧٢

الطير في مكناتها إذا أرادوا الحاجة يتفاءلون بها ويتطيّرون فنهاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك فقال : «أقروا الطّير على مكناتها» أي لا تزجروها فإن الأمور تجري على ما قضى الله جلّ وعزّ. وقد روي عن عبد الله بن سلام غير هذا في تأويل هذه الآية وتأولها على أنها يوم القيامة. قال : إذا كان يوم القيامة ومدّ الصراط نادى مناد ليقم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمته فيقومون برّهم وفاجرهم فيتبعونه ليجاوزوا الصراط فإذا صاروا عليه طمس الله جلّ وعزّ أعين فجارهم فاستبقوا الصراط فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه ثم ينادي ليقم عيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمته فيقومون برهم وفاجرهم فتكون سبيلهم تلك السبيل ، وكذلك سائر الأنبياء صلوات الله عليهم.

(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) (١) قال أبو إسحاق : يبدل من القوة ضعفا ، ومن الشباب هرما. وعاصم والأعمش وحمزة يقرءون (نُنَكِّسْهُ) (٢) على التكثير والتخفيف يقع للقليل والكثير بمعنى واحد.

(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) وقد صحّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : [الرجز]

٣٦٤ ـ أنا النّبيّ لا كذب

أنا ابن عبد المطّلب

فتكلّم العلماء في هذا فقال بعضهم : إنما الرواية بالإعراب فإن كانت بالإعراب لم تكن شعرا لأنه إذا فتح الباء من البيت الأول أو ضمّها أو نوّنها وكسر الباء من البيت الثاني خرج عن وزن الشعر ، وقال بعضهم : ليس هذا الوزن من الشعر. قال أبو جعفر :

وهذا مكابرة العيان لأن أشعار العرب على هذا قد رواها الخليل وغيره. ومن حسن ما قيل في هذا قول أبي إسحاق : إنّ معنى (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) أي وما علّمناه أن يشعر أي ما جعلناه شاعرا ، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئا من الشعر ، وقد قيل إنما خبر الله عزوجل ما علّمه الشعر ، ولم يخبر أنّه لا ينشد شعرا ، وهذا ظاهر الكلام. وقد قيل فيه قول بين زعم صاحبه أنه إجماع من أهل اللغة ، وذلك أنهم قالوا : كل من قال قولا موزونا لا يقصد به إلى شعر فليس بشعر وإنما وافق الشعر ، وهذا قول بيّن. (وَما يَنْبَغِي لَهُ) قال أبو إسحاق : أي وما يتسهّل له ، وتأويله على معنى وما يتسهّل قول الشعر لا الإنشاد (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) أي ما الذي أنزلنا إليك (إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ).

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٥٠.

(٢) انظر تفسير الطبري ١٠ / ١٠٢.

٢٧٣

لتنذر من كان حيّا ... هذه قراءة أهل المدينة (١) ، ومال إليها أبو عبيد ، قال :

والشاهد لها «إنّما أنت منذر» وقراءة أبي عمرو وأهل الكوفة (لِيُنْذِرَ) يكون معناها لينذر الله جلّ وعزّ ، أو لينذر القرآن ، أو لينذر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقرأ محمد بن السميفع اليماني (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) قال جويبر عن الضحاك : «من كان حيّا» أي من كان مؤمنا أي لأن المؤمن بمنزلة الحيّ في قبوله ما ينفعه (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) أي يحقّ عليهم أن الله جلّ وعزّ يعذّبهم وإنما يحقّ عليهم هذا بعد كفرهم. وحكى بعض النحويين :

«لتنذر من كان حيّا» أي لتعلم من قولهم : نذرت بالقوم أنذر إذا علمت بهم فاستعددت لهم وحكي : ويحق القول على الكافرين بمعنى يوجب الحجة عليهم.

إن جعلت «ما» بمعنى الذي حذفت الهاء لطول الاسم ، وإن جعلت «ما» مصدرا لم يحتج إلى إضمار الهاء. وواحد الأنعام نعم والنّعم مذكّر.

(فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قرأت فمنها ركوبتهم (٢) قال أبو جعفر : حكى النحويون الكوفيون أنّ العرب تقول : امرأة صبور وشكور بغير هاء ، ويقولون : شاة حلوبة ، وناقة ركوبة لأنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما كان له الفعل وبين ما كان الفعل واقعا عليه فحذفوا الهاء مما كان فاعلا ، وأثبتوها فيما كان مفعولا ، كما قال عنترة : [الكامل]

٣٦٥ ـ فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغراب الأسحم (٣)

فيجب على هذا أن يكون «ركوبتهم» فأما أهل البصرة فيقولون :

حذفت الهاء على النسب والحجة للقول الأول ما رواه الجرمي عن أبي عبيدة قال : الركوبة تكون للواحدة والجماعة ، والركوب لا يكون إلّا للجماعة. فعلى هذا يكون على تذكير الجمع. وزعم أبو حاتم أنه لا يجوز «فمنها ركوبهم» بضم الراء لأنه مصدر والرّكوب ما يركب وأجاز الفراء(٤) : «فمنها ركوبهم» بضم الراء ، كما تقول :

فمنها أكلهم ، ومنها شربهم.

__________________

(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٥٤٤ ، وتيسير الداني ١٥٠.

(٢) مرّ الشاهد رقم (٢٧٤).

(٣) انظر مجاز القرآن ٢ / ١٦٥.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٨١.

٢٧٤

(وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ) لم ينصرفا ، لأنهما من الجموع التي لا نظير لها في الواحد ولا يجمع.

هذه اللغة الفصيحة ومن العرب من يأتي بأن فيقول : لعلّه أن ينصر.

(لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) يعني الآلهة ، وجمعوا على جمع الآدميين لأنه أخبر عنهم بخبرهم (وَهُمْ) يعني الكفار (لَهُمْ) الآلهة (جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) قال الحسن : يمنعون منهم ويدفعون عنهم ، وقال قتادة : يغضبون لهم.

(فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) هذه هي اللغة الفصيحة. ومن العرب من يقول : يحزنك (إِنَّا) بكسر الهمزة فيما بعد القول لأنه مستأنف.

(قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) حذفت الضمة من الياء لثقلها ، ولا يجوز الإدغام لئلا يلتقي ساكنان وكذا (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ).

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) فذكّر الشجر ومن العرب من يقول : الشجر الخضراء كما قال جلّ وعزّ : (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) [الواقعة : ٥٢ ، ٥٣].

وحكي أن سلاما أبا المنذر قرأ (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى) (١) أي إن خلق السموات والأرض أعظم من خلقهم ، فالذي خلق السموات والأرض يقدر على أن يبعثهم (٢).

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٣٣.

(٢) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٥٤٤.

٢٧٥

وقرأ الكسائي إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون بالنصب عطفا على يقول.

قال سعيد عن قتادة : (مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) مفاتح كل شيء. قال أبو جعفر : ملكوتي وملكوت في كلام العرب بمعنى ملك. والعرب تقول : «جبروتي خير من رحموتي».

٢٧٦

٣٧

شرح إعراب سورة الصّافات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

هذه قراءة أكثر القراء ، وقرأ حمزة (١) بالإدغام فيهن. وهذه القراءة التي نفر منها أحمد بن حنبل لمّا سمعها. قال أبو جعفر : هي بعيدة في العربية من ثلاث جهات :

إحداهنّ أن التاء ليست من مخرج الصاد ولا من مخرج الزاي ولا من مخرج الذال ، ولا هي من أخواتهن ، وإنما أختاها الطاء والدال ، وأخت الزاي الصاد والسين ، وأخت الذال الظاء والثاء ، والجهة الثانية أن التاء في كلمة وما بعدها في كلمة أخرى ، والجهة الثالثة أنك إذا أدغمت فقلت : والصافات صفّا فجمعت بين ساكنين من كلمتين فإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا إذا كانا في كلمة واحدة نحو دابّة. ومجاز قراءة حمزة أن التاء قريبة المخرج من هذه الحروف «والصافات» خفض بواو القسم والواو بدل من الباء والتقدير : أحلف بالصّافات ، وحقيقته بربّ الصافات فالزاجرات عطف ، وكذا «فالتاليات».

جواب القسم وأجاز الكسائي فتح أن في القسم.

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خبر بعد خبر ، ويجوز أن يكون بدلا من واحد ، ويجوز أن يكون مرفوعا على إضمار مبتدأ ، وحكى الأخفش : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) بالنصب على النعت لاسم «إنّ».

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٥٠.

٢٧٧

هذه قراءة الحسن وأهل المدينة ويحيى بن وثاب وهي المعروفة من قراءة أبي عمرو ، وحكى يعقوب القارئ أن أبا عمرو والأعمش قرءا بزينة الكواكب (١) بتنوين زينة ونصب الكواكب. وهي المعروفة من قراءة عاصم ، وأما حمزة فقرأ (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) (٢) بتنوين زينة وخفض الكواكب ، وقراءة رابعة تجوز وهي بزينة الكواكب (٣) بتنوين زينة ورفع الكواكب فالقراءة الأولى (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) بحذف التنوين من زينة للإضافة ، وهي قراءة بيّنة حسنة أي إنّا زيّنّا السماء الدنيا بتزيين الكواكب أي بحسنها ، وقرأه عاصم بتنوين زينة ونصب الكواكب فيها ثلاثة أقوال : أحداهنّ أن تكون الكواكب منصوبة بوقوع الفعل عليها أي بأنا زينا الكواكب ، كما تقول : عجبت من ضرب زيدا. وقال الله عزوجل : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) [البلد : ١٤] إلّا أن هذا أحسن للتفريق ، والقول الثاني أن يكون التقدير : أعني الكواكب ، والقول الثالث ذكره أبو إسحاق أن يكون الكواكب بدلا من زينة على الموضع لأن موضعها نصب وقراءة حمزة (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) على بدل المعرفة من النكرة.

(وَحِفْظاً) نصب على المصدر والفعل محذوف ، وهو معطوف على «زينا». (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) نعت لشيطان. وكلّ عات من الجنّ والإنس فهو شيطان ، فالعرب تسميه شيطانا.

(لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم ، وقرأ سائر الكوفيين لا يسمعون (٤) على أن الأصل : يتسمّعون فأدغمت التاء في السين لقربها منها. ومال أبو عبيد إلى هذه القراءة واحتجّ في ذلك أنّ العرب لا تكاد تقول : سمعت إليه ، ولكن تسمعت إليه ، قال : فلو كان «يسّمّعون الملأ» بغير «إلى» لكان مخفّفا. قال أبو جعفر : يقال : سمعت منه كلاما وسمعت إليه يقول كذا ومعنى سمعت إليه : أملت سمعي إليه. فأما قوله : لو كان يسمعون الملأ ، فكأنه غلط ، لأنه لا يقال : سمعت زيدا ، وتسكت إنما تقول : سمعت زيدا يقول كذا وكذا فيسمعون إلى الملأ على هذا أبين. وقد روى الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) قال : هم لا يسمعون وهم يتسمّعون. وهذا قول بيّن (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ).

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٨٢ ، وتيسير الداني ١٥٠ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٣٨.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٨٢ ، وتيسير الداني ١٥٠ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٣٨.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٨٢ ، وتيسير الداني ١٥٠ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٣٨.

(٤) انظر تيسير الداني ١٥١.

٢٧٨

(دُحُوراً) مصدر ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (دُحُوراً) (١) بفتح الدال يجعله مصدرا على فعول بمنزلة القبول وأما الفراء فقدّره على أنه اسم الفاعل أي ويقذفون بما يدحرهم أي بدحور ثم حذف الباء والكوفيون يستعملون هذا كثيرا ، كما أنشدوا لجرير : [الوافر]

٣٦٦ ـ تمرّون الدّيار ولم تعوجوا

كلامكم عليّ إذا حرام (٢)

قال أبو جعفر : وسمعت علي بن سليمان يقول : سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يقول : قرأت على عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير «مررتم بالديار».

(إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) فيه لغات قد قرئ ببعضها ، وهي غير مخالفة للخطّ يقال :

إذا أخذ الشيء بسرعة خطف وخطف وخطّف وخطّف وخطّف والأصل المشدّدات اختطف فأدغمت التاء في الطاء لأنها أختها وفتحت الخاء ، لأن حركة التاء ألقيت عليها ومن كسرها فلالتقاء الساكنين ، ومن كسر الطاء أتبع الكسر الكسر. (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) نعت لشهاب. قال أبو إسحاق : يقال : تبعه وأتبعه إذا مضى في أثره وشهاب وشهب ، والقياس في القليل أشهبة وإن لم يسمع من العرب ، وحكى الأخفش سعيد : في الجمع شهب ثقب وثواقب وثقاب ، وحكى الكسائي : ثقب يثقب ثقابة وثقوبا.

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) «من» بمعنى الذين والمعنى : أم الذين خلقناهم وقد تقدّم ذكر الملائكة وغيرهم (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ). وحكى الفراء عن العرب طين لاتب (٣) بمعناه أي لازق.

هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم ، وقرأ الكوفيون إلّا عاصما (بَلْ عَجِبْتَ) (٤) بضم التاء وإليها يذهب أبو عبيد ، واحتجّ بقول الله جلّ وعزّ (وَإِنْ تَعْجَبْ

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٣٩ ، ومعاني الفراء ٢ / ٨٣٣.

(٢) مرّ الشاهد رقم (٢٦٣).

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٨٤.

(٤) انظر تيسير الداني ١٥١ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٤٧.

٢٧٩

فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) [الرعد : ٥] ولا حجة فيه. ومعناه على ما قاله أبو حاتم : وإن تعجب فلك في قولهم عجب ولمن سمعه وفيه عجب. والقراءة بضم التاء مروية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن ابن مسعود رحمه‌الله رواها شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (بَلْ عَجِبْتَ) بضم التاء ويروى عن ابن عباس قال أبو جعفر : سمعت علي بن سليمان يقول : معنى القراءتين واحد ، والتقدير : قل : يا محمد بل عجبت لأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخاطب بالقرآن ، وهذا قول حسن. (وَيَسْخَرُونَ) بالسين في السواد ، ويجوز في غير القرآن عند الخليل رحمه‌الله أن يقال : «صخرت منه» بالصاد ، ولغة شاذة «سخرت به» بالياء.

أي يستدعون السّخريّ و «إذا» في موضع نصب بإضمار فعل قبلها ، ولا يعمل فيها ما بعدها. وحكى الكسائي : دخر يدخر دخورا.

(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) والجمع زجرات بتحريك الجيم فرقا بين الاسم والنعت.

(وَقالُوا يا وَيْلَنا) منصوب على أنه مصدر عند البصريين ، وزعم الفراء أن تقديره يا وي لنا. ووي بمعنى : حزن ولو كان كما قال لكان منفصلا وهو في المصحف متصل ، ولا نعلم أحدا يكتبه إلّا متصلا فزاد الكوفيون على هذا ، فحكى بعضهم لغات شتّى أنه يقال : ويل للشيطان ، وويلا للشيطان ، وويل للشيطان ، وويل الشيطان ، وويل الشيطان ، وويل الشيطان. فأما ويل للشيطان فبيّن لا نظر فيه ، وويلا للشيطان جائز بمعنى : ألزمه الله ويلا ، وأما ويل للشيطان فشاذّ وهو مشبّه بالأصوات. فأما ويل الشيطان فهو عند البصريين منصوب على معنى ألزمه الله ويلا أيضا ، وقال الفراء : لمّا كثر استعمالهم إيّاه جعلوه بمنزلة اسم ضمّ إلى اسم ، كما قالوا : يا لبكر ، وهي لام الخفض ، ومن قال : ويل الشيطان جاء به على الأصل ، ومن قال : ويل الشيطان فالأصل عنده ويل للشيطان ثم حذف لكثرة اللامات كما قرئ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) [الأعراف : ١٩٦] بمعنى إنّ وليّي الله فحذف لكثرة الياءات. قال أبو جعفر :

لا تعرف هذه القراءة ولكن قرأ عاصم الجحدري إنّ وليّ الله الذي نزّل الكتاب بمعنى إنّ وليّ الله الذي نزّل الكتاب جبريل صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي نزّل الكتاب ثمّ أقيم النعت مقام المنعوت. (هذا يَوْمُ الدِّينِ) ابتداء وخبر. قال أبو جعفر : قال الضحاك وعطية العوفي : أي هذا يوم الحساب.

٢٨٠