إعراب القرآن - ج ٣

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٠

صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو معروف في النسب «سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان» وإن كان أبو إسحاق قد زعم أنه من صرفه جعله اسما للبلد. وقوله «فإن قيل : إنّ ثمود أكثر في العدد من سبأ قيل : إن الحركتين اللتين في الباء والهمزة قد زادتا في ثقله أكثر من ذلك الحرف أو مثله» فهذا موضع التخليط لأن الحركة التي في الباء والهمزة في ثمود وسبأ بالحركة لا معنى له لأنهما جميعا متحركان. قال أبو جعفر : والقول في سبأ ما جاء التوقيف فيه أنه اسم رجل في الأصل ، فإن صرفته فلأنه قد صار اسما للحيّ ، وإن لم تصرفه جعلته اسما للقبيلة مثل ثمود ؛ إلا أن الاختيار عند سيبويه الصرف ، وحجته في ذلك قاطعة لأن هذا الاسم لما كان يقع للتذكير والتأنيث كان التذكير أولى ؛ لأنه الأصل والأخف.

(وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) هذه قراءة أبي عمرو وعاصم ونافع وحمزة ، وقرأ الزهري وأبو جعفر وأبو عبد الرحمن وحميد وطلحة والكسائي ألا يا اسجدوا لله (١) القراءة الأولى هي أن دخلت عليها «وإن» في موضع نصب. قال الأخفش : المعنى : لئلا يسجدوا. وقال الكسائي :

المعنى : فصدّهم أن لا يسجدوا. وقال علي بن سليمان : أن بدل من أعمالهم في موضع نصب. وقيل : موضعها خفض على البدل من السبيل ، والقراءة الثانية بمعنى ألا يا هؤلاء اسجدوا ، كما قال : [الطويل]

٣١٩ ـ ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (٢)

وقال آخر : [البسيط]

٣٢٠ ـ يا لعنة الله والأقوام كلّهم

والصّالحين على سمعان من جار (٣)

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٩٠ ، وتيسير الداني ١٣٦.

(٢) الشاهد لذي الرمة في ديوانه ص ٥٥٩ ، والإنصاف ١ / ١٠٠ ، وتخليص الشواهد ص ٢٣١ ، والخصائص ٢ / ٢٧٨ ، والدرر ٢ / ٤٤ ، وشرح التصريح ١ / ١٨٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦١٧ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٣٢ ، واللامات ٣٧ ، ولسان العرب (يا) ، ومجالس ثعلب ١ / ٤٢ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٦ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٣٥ ، وجواهر الأدب ص ٢٩٠ ، والدرر ٥ / ١١٧ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٨ ، وشرح ابن عقيل ص ١٣٦ ، وشرح عمدة الحافظ ١٩٩.

(٣) الشاهد بلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ٤٤٨ ، والجنى الداني ص ٣٥٦ ، والكتاب ٢ / ٢٢٤ ، وجواهر الأدب ص ٢٩٠ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٩٧ ، والدرر ٣ / ٢٥ ، ورصف المباني ص ٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩٦ ، وشرح المفصّل ٢ / ٢٤ ، واللامات ص ٣٧ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٧٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢٦١ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٤.

١٤١

والمعنى : يا هؤلاء لعنة الله. قال أبو جعفر : وهذا موجود في كلام العرب إلّا أنه غير معتاد أن يقال : يا قدم زيد ، والقراءة به بعيدة لأن الكلام يكون معترضا. والقراءة الأولى يكون الكلام بها متّسقا ، وأيضا السواد على غير هذه القراءة ؛ لأنه قد حذف منها ألفان وإنما يختصر مثل هذا بحذف ألف واحدة نحو (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) [المائدة :

١١٠]. (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والوقف عليه بتسكين الهمزة ، وإذا كان في موضع رفع جاز الرّوم (١) والإشمام ولا يجوز التضعيف ، وحكى أبو حاتم أن عكرمة قرأ الّذي يخرج الخبا في السماوات والأرض (٢) بألف غير مهموزة ، وزعم أن هذا لا يجوز في العربية واعتل بأنه أن خفّف الهمزة ألقى حركتها على الباء وحذفها فقال :

«الخب في السّموات» وأنه إن حول الهمزة قال : «الخبي» بإسكان الباء وبعدها ياء. قال أبو جعفر : قوله لا يجوز «الخبا» وسمعت علي بن سليمان يقول : سمعت محمد بن يزيد يقول : كان دون أصحابه في النحو ، ولم يلحق بهم ، يعني أبا حاتم ، إلّا أنه إذا خرج من بلده لم يلق أعلم منه. حكى سيبويه (٣) عن العرب أنها تبدل من الهمزة ألفا إذا كان قبلها ساكن وكانت مفتوحة ، وتبدل منها واوا إذ كان قبلها ساكن وكانت مضمومة ، وتبدل منها ياء إذا كان قبلها ساكن وكانت مكسورة ، وأنه يقال : هذا الوثو ، وعجبت من الوثى ، ورأيت الوثا ، وهذا من وثئت يده ، وكذلك هذا الخبو ، وعجبت من الخبي ، ورأيت الخبا. وإنما فعل هذا لأن الهمزة خفيفة فأبدلت منها هذه الحروف.

وحكى سيبويه عن قوم من بني تميم وبني أسد أنهم يقولون : هذا الخبوء فيضمّون الساكن إذا كانت الهمزة مضمومة ، ويثبتون الهمزة ويكسرون الساكن إذا كانت الهمزة مكسورة ، ويفتحون الساكن إذا كانت الهمزة مفتوحة. وحكى سيبويه أيضا أنهم يكسرون وإن كانت الهمزة مضمومة إلّا أن هذا عن بني تميم ، فيقولون : هذا الرّدي ، وزعم أنهم لم يضمّوا الدال لأنهم كرهوا ضمة قبلها كسرة لأنه ليس في الكلام فعل.

وهذا كلّه لغات داخلة على اللغة التي قرأ بها الجماعة.

(اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) قال أبو إسحاق : فيها خمسة أوجه (٤) : (فألقهي إليهم) بإثبات الياء في اللفظ ، وبحذف الياء وإثبات الكسرة دالّة عليها (فألقه إليهم) ،

__________________

(١) الرّوم : هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك معظم صوتها فيسمع لها صوت خفيّ يدركه الأعمى بحاسة السمع.

(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٩ ، والبحر المحيط ٧ / ٦٧.

(٣) انظر الكتاب ٤ / ٢٥.

(٤) انظر الوجوه الخمسة في كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨١ ، والبحر المحيط ٧ / ٦٨.

١٤٢

وبضم الهاء واثبات الواو على الأصل (فألقهو إليهم) ، وبحذف الواو واثبات الضمة (فألقه إليهم) ، واللغة الخامسة قرأ بها حمزة بإسكان الهاء (فألقه إليهم) وهذا عند النحويين لا يجوز إلا على حيلة بعيدة يكون يقدّر الوقف. وسمعت علي بن سليمان يقول : لا تلتفت إلى هذه اللغة ، ولو جاز أن يصل وهو ينوي الوقف لجاز أن تحذف الإعراب من الأسماء.

أي وإنّ الكلام ، أو أنّ مبتدأ الكلام «بسم الله الرّحمن الرّحيم» ، وأجاز الفراء (١) (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ) بفتحهما جميعا على أن يكونا في موضع رفع بمعنى : ألقي إليّ أنه من سليمان ، وأجاز أن يكونا في موضع نصب على حذف الخافض.

(أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) ذكر أبو إسحاق في «أن» ثلاثة أوجه : تكون في موضع نصب على معنى بأن ، وتكون في موضع رفع بمعنى ألقي إليّ أن ، والوجه الثالث أن تكون بمعنى أي مثل (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : ٦] المعنى أي امشوا وقالوا أن امشوا ، وكذا «ألّا تعلو عليّ» أي قال : لا تعلوا عليّ ، وعن وهب بن منبّه أنه قرأ ألّا تغلوا علي (٢) من غلا يغلو إذا تجاوز (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) يكتب بغير ياء لأن الواو لا تنفصل.

(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي) بتخفيف الهمزة الثانية اللغة الفصيحة ، وإن شئت خففت الأولى وحدها ، وإن شئت خففتهما جميعا ، وإن شئت حققتهما جميعا ، وهي أبعد اللغات لثقل الجمع بين همزتين. (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) حذفت النون للنصب ، وحذفت الياء لأن الكسرة دالة عليها والنون مع الفعل وهي رأس آية ، ولا يجوز فتح النون ولو كان كذلك لكان الفعل مرفوعا.

(أُولُوا) هذا اسم للجمع والواحد ذو. وروى الأعمش عن مجاهد قال : كان

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٩١.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٩ ، وهي قراءة الأشهب العقيلي أيضا.

١٤٣

تحت يديها اثنا عشر ألفا قيول تحت يدي كلّ قيل مائة ألف فأجابتهم عن هذا (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) أي عنوة أي على القهر والغلبة (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) قال الله جلّ وعزّ : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) وليس هذا من كلامها ، كذا قال سعيد بن جبير.

(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : أرسلت إليهم بلبنة من ذهب أو بذهب ، قرأت الرسل الحيطان من ذهب فصغر عندهم ما جاءوا به وقالت :

«مرسلة إليهم» وإنما هو إلى سليمان صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما يخبر عن الملوك فيخاطبون ويخاطبون ، وقد قيل : إنّ الهدية كانت غير هذا إلّا أن قوله : «أتمدّونني بمال» يدلّ على هذا (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) والأصل «بما» ، حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر ، وإنما يكون هذا إذا كان قبل «ما» حرف جر ، تقول في الخبر : رغبت فيما عندك فتثبت فيما عندك الألف لا غير. وتقول في الاستفهام : فيم نظرت؟ فتحذف الألف ، وأجاز الفراء (١) إثباتها في الاستفهام ، هذا الشذوذ الت جاء القرآن بخلافها.

(فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) وإن شئت أدغمت النون في النون فذلك جائز وإن كان فيه جمع بين ساكنين.

(فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) لام قسم والنون لها لازمة. قال أبو جعفر : وسمعت أبا الحسن بن كيسان يقول : هي لام توكيد ، وكذا كان عنده أنّ اللامات كلّها ثلاث لا غير : لام توكيد ولام أمر ولام خفض ، وهذا قول الحذّاق من النحويين لأنهم يردّون الشيء إلى أصله ، وهذا لا يتهيّأ إلّا لمن درب بالعربية. (أَذِلَّةً) على الحال. (وَهُمْ صاغِرُونَ) في موضع الحال أيضا. قيل : إنما أراد بهذا أنهم إذا أتوا مسلمين لم يجز أن يؤتى بعرشها إلّا بإذنها ، وقيل : إنما أراد سليمان صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يظهر آية معجزة.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٩٢.

١٤٤

(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ) قال أبو إسحاق : العفريت النافذ في الأمور المبالغ فيها الذي معه خبث ودهاء. ويقال : عفر وعفارية وعفرية ، وعن أبي رجاء أنه قرأ قال عفرية (١)

من الجنّ ويقال : عفرية نفرية إتباع ، ومن قال : عفرية جمعه على عفار ، ومن قال :

عفريت كان له في الجمع ثلاثة أوجه : إن شاء قال : عفاريت وإن شاء قال : عفار لأن التاء زائدة ، كما يقال : طواغ في جمع طاغوت ، وإن شاء عوض من التاء فقال :

عفاريّ.

قال الأخفش : المعنى : لينظر أأشكر أم أكفر ، وقال غيره : معنى ليبلوني ليتعبّدني وهو مجاز.

(قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) زعم الفراء أنه إنما أمر بتنكيره لأن الشياطين قالوا له : إن في عقلها شيئا فأراد أن يمتحنها (نَنْظُرْ) جزم لأنه جواب الأمر ، ومن رفعه جعله مستأنفا (أَتَهْتَدِي) في معناه قولان : أحدهما أتهتدي بمعرفته ، والآخر أتهتدي لهذه الآية العظيمة وتعلم أنّها لا يأتي بها إلّا نبيّ من عند الله جلّ وعزّ فتهتدي وتدع الضّلالة.

(قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) خبر كأنّ مكنيّ عنه لأنه قد تقدّم ذكره. (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) قيل :

العلم بالتوحيد (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) قيل : لأن قومها أسلموا قبلها.

تكون «ما» في موضع رفع أي صدّها عبادتها من دون الله وعبادتها إياها عن أن تعلم ما علمناه عن أن تسلم ، ويجوز أن تكون «ما» في موضع نصب ، ويكون التقدير وصدها الله جل وعز عن عبادتها أي وصدها سليمان صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عبادتها فحذف «عن» وتعدّى الفعل ، وأنشد سيبويه : [الطويل]

__________________

(١) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٩ ، والبحر المحيط ٧ / ٧٢.

١٤٥

٣٢١ ـ ونبئت عبد الله بالجوّ أصبحت

كراما مواليها لئيما صميمها (١)

وزعم أنّ المعنى عنده نبّئت عن عبد الله ، ومن قرأ (أنّها) (٢) بفتح الهمزة كانت أنّ في موضع نصب بمعنى لأنها ، ويجوز أن يكون بدلا من «ما» والكسر على الاستئناف.

(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) التقدير على مذهب سيبويه (٣) ادخلي إلى الصرح فحذفت «إلى» وعدّي الفعل. وأبو العباس يغلّطه في هذا قال لأن «دخل» يدلّ على مفعول.

(قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) كسرت إن لأنها مبتدأة بعد القول ، ومن العرب من يفتحها فيعمل فيها القول (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إذا سكنت (مَعَ) فهي حرف جاء لمعنى بلا اختلاف بين النحويين ، وإذا فتحتها ففيها قولان : أحدهما أنها بمعنى الظرف اسم ، والآخر أنها حرف خافض مبني على الفتح.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) جعل اسما للقبيلة فلم يصرف ، وصرفه حسن على أنه اسم للحيّ. (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) على المعنى ويختصمان على اللفظ.

(قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) قال أبو إسحاق : أي لم قلتم : إن كان ما أتيت به حقا فأتنا بالعذاب.

(قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) قال مجاهد : أي تشاءمنا. قال أبو إسحاق : الأصل تطيّرنا فأدغمت التاء في الطاء لأنها من مخرجها واجتلبت ألف الوصل لئلا يبتدأ بساكن ، فإذا وصلت حذفتها (قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) قال الفراء (٤) : يقول في اللوح المحفوظ عند الله عزوجل تشاءمون بي وتتطيّرون ، وذلك من عند الله تعالى مثل قوله

__________________

(١) الشاهد للفرزدق في الكتاب ١ / ٧٥ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٢٢ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في شرح أبيات سيبويه ١ / ٤٢٦ ، وشرح الأشموني ١ / ١٨٦.

(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١١٠ ، وهذه قراءة سعيد بن جبير.

(٣) انظر الكتاب ١ / ٢١١.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٩٥.

١٤٦

(طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) [يس : ١٩] أي لازم لكم ما كان من خير أو شرّ لازم لكم وفي رقابكم.

(وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) اسم للجمع ، وجمعه أرهط ، وجمع الجمع أراهط.

(يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) قال الضحاك : كان هؤلاء التسعة عظماء أهل المدينة ، وكانوا يفسدون ويأمرون بالفساد فجلسوا تحت صخرة عظيمة على نهر فقلبها الله جلّ وعزّ عليهم فقتلهم فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا.

(قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) وهذا ، من أحسن ما قرئ به هذا الحرف لأنه يدخل فيه المخاطبون في اللفظ والمعنى. وإذا قرأ لتبيّننّه (١) لم يدخل فيه المخاطبون في اللفظ ودخلوا في المعنى ، وقراءة مجاهد ليبيّتنّه بالياء. قال أبو إسحاق : (لَنُبَيِّتَنَّهُ) أي قالوا لنبيتنه متقاسمين ، أي متحالفين (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) (٢) «مهلك» بمعنى إهلاك ، ويكون بمعنى الظرف وعن عاصم ما شهدنا مهتل بمعنى هلاك وعنه (مَهْلِكَ) (٣) وهو اسم موضع الهلاك كما تقول : مجلس.

(وَمَكَرُوا مَكْراً) إنما عملوه. (وَمَكَرْنا مَكْراً) جازيناهم على ذلك ، وقيل المكر من الله الإتيان بالعقوبة المستحقّة من حيث لا يدري العبد.

(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) وقرأ الكوفيون والحسن وابن أبي إسحاق وهي قراءة الكسائي (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) بفتح الهمزة ، وزعم الفراء (٤) أن فتحهما من جهتين : إحداهما أن تردّها على كيف. قال أبو جعفر : وهذا لا يحصّل لأن كيف للاستفهام و «أنّا» غير داخل في الاستفهام ، والجهة الأخرى عنده أن تكرّ عليها «كان» كأنك قلت : كان عاقبة أمرهم تدميرهم. قال أبو جعفر : وهذا متعسّف ، وفي فتحها

__________________

(١) انظر القراءات المختلفة في تيسير الداني ١٣٦ ، والبحر المحيط ٧ / ٨٠.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٠ ، وتيسير الداني ١٣٦ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٣.

(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٠ ، وتيسير الداني ١٣٦ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٣.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٩٦.

١٤٧

خمسة أوجه : منها أن يكون التقدير : لأنّا دمّرناهم وتكون أن في موضع نصب ، ويجوز أن تكون في موضع رفع بدلا من عاقبة ، وليجوز أن تكون في موضع نصب على خبر كان ويجوز أن تنصب عاقبة على خبر كان وتكون أنّ في موضع رفع على أنّها اسم كان ، ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ تبيينا للعاقبة ، والتقدير : من أنّا دمرناهم ، ومن قرأ (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) جعلها مستأنفه قال أبو حاتم : وفي حرف أبيّ أن دمّرناهم (١) تصديقا لفتحها.

(فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) النصب على الحال ، والرفع من خمسة أوجه تكون «بيوتهم» بدلا من تلك و «خاوية» خبر الابتداء ، وتكون «بيوتهم» خبرا و «خاوية» خبرا ثانيا كما يقال : هذا حلو حامض ، وتكون «خاوية» على إضمار مبتدأ أي هي خاوية ، وتكون بدلا من بيوتهم لأن النكرة تبدل من المعرفة.

(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) بمعنى وأرسلنا لوطا أو واذكر لوطا.

(أَإِنَّكُمْ) بتخفيف الهمزة الثانية اختيار الخليل وسيبويه رحمهما‌الله فأما الخط فالسبيل فيه أن يكتب بألفين على الوجوه كلّها لأنها همزة مبتدأة دخلت عليها ألف الاستفهام. (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) [العنكبوت : ٢٩]. قال مجاهد : كان يجامع بعضهم بعضا في المجالس.

وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا) جعلا «أن» خبر كان ، فما كان جواب قومه إلّا قولهم. وقرأ عاصم (قَدَّرْناها) (٢) مخفّفا ، والمعنى واحد يقال : قدرت الشيء قدرا وقدرا وقدّرته.

(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) قال الفراء (٣) : المعنى قيل للوط صلى‌الله‌عليه‌وسلم قل الحمد لله على هلكهم

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٣٦ ، والبحر المحيط ٧ / ٨٢.

(٢) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٤.

(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٤.

١٤٨

(وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) وخالف جماعة من العلماء الفراء في هذا فقالوا : هو مخاطبة لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال أبو جعفر : وهذا أولى لأن القرآن منزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكلّ ما فيه فهو مخاطب به عليه‌السلام إلّا ما لم يصحّ معناه إلّا بغيره. (آللهُ خَيْرٌ) وأجاز أبو حاتم أالله بهمزتين ولم نعلم أحدا تابعه على ذلك هذه المدّة إنما جيء بها فرقا بين الاستفهام والخبر ، وهذه ألف التوقيف ، «وخير» هاهنا ليس بمعنى أفعل منك إنما هو مثل قول الشاعر حسّان : [الوافر]

٣٢٢ ـ فشرّكما لخيركما الفداء (١)

فالمعنى فالذي فيه الشر منكما للذي فيه الخير الفداء ، ولا يجوز أن يكون بمعنى من لأنك إذا قلت : فلان شرّ من فلان ، ففي كلّ واحد منهما شرّ.

قال عكرمة : الحدائق النخل (ذاتَ بَهْجَةٍ) قال أهل التفسير : البهجة الزينة والحسن.

(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) قال أبو إسحاق : هذا بدل من «من» والمعنى لا يعلم أحد الغيب إلّا الله قال : ومن نصب نصب على الاستثناء يعني في الكلام. قال أبو جعفر : وسمعته يحتجّ بهذه الآية على من صدّق منجّما ، وقال : أخاف أن يكفر لعموم هذه الآية.

(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) هذه قراءة (٢) أكثر النحويين منهم شيبة ونافع ويحيى بن وثاب وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي ، وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو وابن كثير وحميد بل أدرك (٣) ، وقرأ عطاء بن يسار بل أدرك (٤) بتخفيف الهمزة ، وقرأ ابن محيصن بل أدرك علمهم في الآخرة وقرأ ابن عباس بلى ادّارك (٥) وإسناده إسناد صحيح هو من حديث شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس ، وزعم هارون القارئ أن قراءة أبيّ بن كعب بل تدارك علمهم. القراءة الأولى والآخرة معناهما واحد ؛ لأن

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم ٣٠٩.

(٢) انظر تيسير الداني ١٣٧ ، ومعاني الفراء ٢ / ٢٩٩.

(٣) انظر تيسير الداني ١٣٧ ، ومعاني الفراء ٢ / ٢٩٩.

(٤) انظر تيسير الداني ١٣٧ ، ومعاني الفراء ٢ / ٢٩٩.

(٥) انظر تيسير الداني ١٣٧ ، ومعاني الفراء ٢ / ٢٩٩.

١٤٩

أصل ادّارك تدارك أدغمت التاء في الدال فجيء بألف الوصل ؛ لأنه لا يبتدأ بساكن فإذا وصلت سقطت ألف الوصل وكسرت اللام لالتقاء الساكنين. وفي معناه قولان : أحدهما أنّ المعنى بل تكامل علمهم في الآخرة لأنهم رأوا كلّما وعدوا به معاينة فتكامل علمهم به ، والقول الآخر أن المعنى بل تتابع علمهم اليوم في الآخرة فقالوا تكون ، وقالوا لا تكون. وفي معنى أدرك قولان : أحدهما معناه كمل في الآخرة ، وهو مثل الأول ، والآخر على معنى الإنكار وهذا مذهب أبي إسحاق ، واستدلّ على معنى صحّة هذا القول بأن بعده (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ). فأما معنى أدرك فليس فيه إلّا وجه واحد ، يكون فيه معنى الإنكار كما تقول : أأنا قاتلتك أي لم أقاتلك فيكون المعنى لم يدرك. (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) حذفت منه الياء لالتقاء الساكنين ، ولم يجز تحريكها لثقل الحركة فيها.

هكذا يقرأ نافع (١) في هذه السورة وفي سورة «العنكبوت» (٢) ، وقرأ أبو عمرو باستفهامين إلّا أنه خفّف الهمزة ، وقرأ عاصم وحمزة باستفهامين أيضا إلّا أنهما حقّقا (٣)

الهمزتين. وكل ما ذكرناه في السورتين جميعا واحد ، وقرأ الكسائي (أَإِذا) بهمزتين (اننا) بنونين في هذه السورة وفي سورة «العنكبوت» (٤) باستفهامين. القراءة الأولى إذا كنا ترابا وآباؤنا أننا موافقة للخطّ حسنة ، وقد عارض فيها أبو حاتم ، فقال : وهذا معنى كلامه «إذ» ليس باستفهام و «أإنا» استفهام وفيه «أنّ» فكيف يجوز أن يعمل ما في حيّز الاستفهام فيما قبله ، وكيف يجوز أن يعمل ما بعد أنّ فيما قبلها ، وكيف يجوز غدا أنّ زيدا خارج ، فإذا كان فيه استفهام كان أبعد ، وهذا إذا سئل عنه كان مشكلا لما ذكره. قال أبو جعفر : وسمعت محمد بن الوليد يقول : سألنا أبو العباس محمد بن يزيد عن آية من القرآن صعبة الإعراب مشكلة وهي قوله جلّ وعزّ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [سبأ : ٧] فقال : إنّ عمل في «إذا» ينبئكم كان محالا لأنه لا ينبئهم ذلك الوقت ، وإن عمل فيه مابعد إن كان المعنى صحيحا ، وكان خطأ في العربية أن يعمل ما بعد إنّ فيما قبلها.

وهذا سؤال بيّن ، ويجب أن يذكر في السورة التي هو فيها. فأما أبو عبيد فمال إلى قراءة نافع وردّ على من جمع بين استفهامين ، واستدلّ بقول الله جلّ وعزّ (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) [آل عمران : ١٤٤] ، وبقوله جلّ وعزّ (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٣٧ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٥.

(٢) انظر إعراب الآية ٢٩ ـ سورة العنكبوت.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٠٠ ، وتيسير الداني ١٣٧.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٠٠ ، وتيسير الداني ١٣٧.

١٥٠

الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤] وهذا الرّد على أبي عمرو وعاصم وحمزة وطلحة والأعرج لا يلزم منه شيء ، ولا يشبه ما جاء به من الآية شيئا ، والفرق بينهما أن الشرط وجوابه بمنزلة شيء واحد ، ومعنى (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) أفإن مت خلدوا ، ونظير هذا :

أزيد منطلق ، ولا يقال : أزيد أمنطلق ، لأنهما بمنزلة شيء واحد ، وليس كذا الآية ، لأن الثاني جملة قائمة بنفسها فصلح فيها الاستفهام والأول كلام منفرد يصلح فيه الاستفهام فأما من حذف الاستفهام من الثاني الاستفهام لأن في الكلام دليلا عليه لمعنى الإنكار.

(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ) هذه قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم والكسائي ، وأجاز الفراء وأبو حاتم وما أنت بهاد العمى (١) وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة وما أنت تهدي العمي عن ضلالتهم (٢) وفي حرف عبد الله وما أن تهدي العمي عن ضلالتهم. القراءة الأولى بحذف الياء في اللفظ لالتقاء الساكنين وإثباتها في الخط ، والقراءة الثانية بحذف الياء في اللفظ والخطّ لسكونها وسكون التنوين بعدها ، من العرب من يثبتها في الوقف فيقول : مررت بقاضي ، لأن التنوين لا يثبت في الوقف ، والقراءة الثالثة بحذف الياء منها في اللفظ وفي الوصل لالتقاء الساكنين وفي حرف عبد الله وما إن تهدي إن زائدة للتوكيد وهي كافّة لما عن العمل (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) قال أبو إسحاق : أي ما تسمع قال : والمعنى ما تسمع فيعي ويعمل إلا من يؤمن بآياتنا فأما من يسمع ولا يقبل فبمنزلة الأصم.

(وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) قالت حفصة ابنة سيرين : سألت أبا العالية عن قول الله جلّ وعزّ : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ) فقال : أوحى الله جلّ وعزّ إلى نوح صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦] فكأنما كان على وجهي غطاء فكشف. قال أبو جعفر : وهذا من حسن الجواب لأنّ الناس ممتحنون ومؤخّرون لأن فيهم مؤمنين وصالحين ، ومن قد علم الله جلّ وعزّ أنه سيؤمن ويتوب ، ولهذا أمرنا بأخذ الجزية فإذا زال هذا وجب القول عليهم فصاروا كقوم نوح صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قال الله جلّ وعزّ فيهم (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)(أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) قال عبد الله بن عمر رحمة الله عليه : تخرج الدابة من صدع في الصفا ، وقرأ ابن عباس

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٩٢ ، ومختصر ابن خالويه ١١٠.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٠٠.

١٥١

وعكرمة وعاصم الجحدري وطلحة وأبو زرعة : (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) (١) قال عكرمة : أي تسمهم. وفي معنى «تكلمهم» قولان : فأحسن ما قيل فيه ما روي عن ابن عباس قال : هي والله تكلّمهم وتكلمهم. تكلّم المؤمن ، وتكلم الكافر أو الفاجر تجرحه. وقال أبو حاتم : تكلّمهم كما تقول : تجرّحهم يذهب إلى أنّه تكثير من تكلمهم. وقرأ الكوفيون وابن أبي إسحاق (أَنَّ النَّاسَ) (٢) بفتح الهمزة ، وقرأ أهل الحرمين وأهل الشام وأهل البصرة إن الناس بكسر الهمزة. قال أبو جعفر : في المفتوحة قولان وكذا المكسورة ، قال الأخفش : المعنى بأنّ الناس ، وقال أبو عبيد :

موضعها نصب بوقوع الفعل عليها أي تخبرهم أن الناس. وقال الكسائي : والفراء (٣) :

إن الناس بالكسر على الاستئناف ، وقال الأخفش : هو بمعنى تقول إنّ النّاس.

(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) بمعنى واذكر ، ومذهب الفراء (٤) أنّ المعنى وذلك يوم ينفخ في الصور ، وأجاز فيه الحذف وجعله مثل (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) [سبأ : ٥١].

(فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) فهذا ماض «وينفخ» مستقبل ، ويقال : كيف عطف ماض على مستقبل؟ وزعم الفراء أنه محمول على المعنى ، لأن المعنى إذا نفخ في الصور ففزع. (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) في موضع نصب على الاستثناء. قرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم والكسائي وكلّ آتوه داخرين (٥) جعلوه فعلا مستقبلا ، وقرأ الأعمش وحمزة (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) جعلاه فعلا ماضيا. قال أبو جعفر : وفي كتابي عن أبي إسحاق في القرآن من قرأ (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) وحده على لفظ كلّ ومن قرأ (آتَوْهُ) جمع على معناها.

وهذا القول غلط قبيح لأنه إذا قال : وكلّ أتوه فلم يوحد وإنما جمع فلو وحّد لقال :

أتاه ، ولكن من قال : أتوه جمع على المعنى وجاء به ماضيا لأنّه ردّه على «ففزع» ومن قرأ وكلّ آتوه حمله على المعنى ، وقال : آتوه لأنها جملة منقطعة من الأول.

(وَتَرَى الْجِبالَ) من رؤية العين ، ولو كان من رؤية القلب لتعدّت إلى مفعولين ، والأصل ترأى فألقيت حركة الهمزة على الرّاء فتحرّكت الراء وحذفت الهمزة فهذه سبيل

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٠١.

(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١١٠.

(٣) انظر تيسير الداني ١٣٧.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٠١.

(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٩٤ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٧ ، وتيسير الداني ١٣٧.

١٥٢

تخفيف الهمزة إذا كان قبلها ساكن إلّا أنّ التخفيف لازم لترى وأخواتها من المضارع لكثرته في الكلام ، وأنه يقع لرؤية العين والقلب. (تَحْسَبُها جامِدَةً) لا بدّ لتحسب من مفعولين ، وظننت قد يتعدّى إلى واحد فقط. وأهل الكوفة يقرءون (تَحْسَبُها) وهو القياس لأنه من حسب يحسب إلّا أنه قد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلافها أنه قرأ بالكسر في المستقبل فيكون على فعل يفعل ، كما قالوا نعم ينعم ويئس ييئس ، وحكى بئس يبئس من السالم ، لا يعرف في كلام العرب غير هذه الأحرف. (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) مصدر ، وتقديره مرّا مثل مرّ السحاب فأقمت الصّفة مقام الموصوف والمضاف إليه. (صُنْعَ اللهِ) منصوب عند الخليل وسيبويه رحمهما‌الله على أنه مصدر لأنه لما قال عزوجل «وهي تمرّ مرّ السّحاب» دلّ على أنه صنع ذلك صنعا ، ويجوز النصب على الإغراء أي انظروا صنع الله. قال أبو إسحاق : ويجوز الرفع على معنى ذلك صنع الله.

(وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) تخفض (١) يوما على الإضافة وتحذف التنوين لها ومن نصب وأضاف فقرأ (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) جعل يومئذ مبنيا على الفتح ، مضاف إلى غير متمكّن ، وأنشد سيبويه : [الطويل]

٣٢٣ ـ على حين ألهى النّاس جلّ أمورهم (٢)

فإن قال قائل : قد قال سيبويه (٣) : التنوين علامة الأمكن عندهم ، وقال (٤) : وبعدت من المضارعة بعد «كم» و «إذ» من المتمكّنة ، فكيف يكون التنوين علامة للأمكن ثمّ يدخل فيما لا يتمكّن بوجه من الوجوه فهذا ضرب من المناقضة؟ فالجواب عن هذا أن التنوين الذي على سيبويه ليس هو هذا التنوين وإنما يتوهّمه أنه كان ضعيفا في العربية والتنوين الذي أراده هو الذي يقول بعض النحويين فيه : أدخل فرقا بيّن ما ينصرف وما لا ينصرف ، ويقول بعضهم : فرقا بين الاسم والفعل. وللتنوين قسمان آخران يكون فرقا بين المعرفة والنكرة ، ويكون عوضا في قولك : جوار وفي قولك يومئذ.

والفعل من هذا كبيته واللازم منه أكبّ وقلّ ما يأتي هذا في كلام العرب.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٩٦ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٨٧.

(٢) مرّ الشاهد رقم (٢١٦).

(٣) انظر الكتاب ١ / ٤٧.

(٤) انظر الكتاب ١ / ٤٣.

١٥٣

(الَّذِي) في موضع نصب نعت لرب ، ولو كان بالألف واللام قلت : المحرّمها ، فإن كان نعتا للبلدة المحرّمها هو ، لا بدّ من إظهار المضمر مع الألف واللام لأن الفعل جرى على غير من هو له فإن قلت : الذي حرّمها لم تحتج أن تقول هو.

(وَأَنْ أَتْلُوَا) نصب بأن. قال الفراء (١) : وفي إحدى القراءتين وأن أتل القرآن (٢) ، وزعم أنه في موضع جزم بالأمر فلذلك حذفت منه الواو. قال أبو جعفر :

ولا نعرف أحدا قرأ بهذه القراءة وهي مخالفة لجميع المصاحف ، وقوله في موضع جزم خطأ عند البصريين لأنه لا يكون جزم بلا جازم ، وتقديره اللام خطأ لم يكن بدّ من المجيء بحرف المضارعة فكيف تضمر اللام وهي إذا جيء بها كان الكلام على غير ذلك ، وحروف الجزم لا تضمر ، وهذا الفعل لا يجوز أن يكون معربا لأنه ليس بالمضارع. قال سيبويه : أسكنوها لأنها لا يوصف بها ولا تقع موقع المضارعة.

(وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) بالتاء ليكون الكلام على نسق واحد ، وبالياء على أن يردّ إلى ما قبله أو على تحويل المخاطبة.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٠١.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٩٦ ، ومختصر ابن خالويه ١١١.

١٥٤

٢٨

شرح إعراب سورة القصص

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(تِلْكَ) في موضع رفع بمعنى هذه تلك و (آياتُ) بدل منها ، ويجوز أن يكون «تلك» في موضع نصب بنتلو و «آيات» بدل منها أيضا وانتصابها كما تقول : زيدا ضربت.

(عَلا) هاهنا فعل ، وقد يكون في غير هذا اسما إذا قلت : أخذته من على الحائط ، وتكون حرفا ، في قولك : على زيد مال. ويجوز كتابته بالياء إذا كان اسما أو حرفا ، لأن ألفه ينقلب ياء مع المضمر وإنما انقلبت ياء فرقا بينها وبين المتمكن في قولك : رأيت عصاه يا هذا ، ومن العرب من لا يقلب الألف ياء ، كما قال : [الرجز]

٣٢٤ ـ طاروا علاهنّ فطر علاها (١)

وإذا كانت اسما خفض ما بعدها بالإضافة ، وتخفض ما بعدها إذا كانت حرفا ، وإذا كانت فعلا رفعت ما بعدها بفعله أو نصبته لتعدّيها إليه. (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) مفعولان ، وواحد الشّيع شيعة وهي الفرقة التي يشيّع بعضها بعضا أي يعاونه.

قال سعيد عن قتادة قال : هم بنو إسرائيل. (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) قال : ولاة الأمر (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) قال : أي من بعد فرعون وقومه.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٦).

١٥٥

(وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) عطف على ما قبله. قال أبو إسحاق : ويجوز و «نمكّن» بالرفع على معنى ونحن نمكّن (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ) هذه قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم ، وهي على نسق الكلام لأن قبله و «نريد» ، وقرأ سائر الكوفيين ويرى فرعون وهامان (١) وأجاز الفراء ويرى فرعون وهامان بمعنى ويري الله فرعون وهامان (وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) تعدّى إلى مفعولين لأنه متعدّي يرى.

(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) فإن خفّفت الهمزة ألقيت حركتها على النون وحذفتها لقربها من الساكن ، وأن النون كانت قبلها ساكنة.

نصب «ليكون» بلام كي ، وربما أشكل هذا على من يجهل اللغة ويكون ضعيفا في العربية فقال : ليست بلام كي ولقبها بما لا يعرف الحذّاق من النحويين أصله ، وهذا كثير في كلام العرب ، يقال : جمع فلان المال ليهلكه ، وجمعه لحتفه ، وجمعه ليعاقب عليه ، لمّا كان جمعه إيّاه قد أدّاه إلى ذلك كان بمنزلة من جمعه له كما قال :

[المتقارب]

٣٢٥ ـ فللموت ما تلد الوالدة (٢)

وقرأ الكوفيون إلّا عاصما (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٣) فهذا الاسم للغمّ ، والحزن مصدر حزن.

(وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) قال الكسائي : المعنى هذا قرّة عين لي ولك. قال أبو جعفر : وفي رفعه وجه آخر بعيد ذكره أبو إسحاق : يكون رفعا بالابتداء

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٣٨ ، والبحر المحيط ٧ / ١٠٠.

(٢) مرّ الشاهد (١٣٦).

(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٩٢ ، والبحر المحيط ٧ / ١٠١.

١٥٦

والخبر (لا تَقْتُلُوهُ) وإنما بعد لأنه يصير المعنى : أنه معروف بأنه قرّة عين له ، وجوازه أن يكون المعنى إذا كان قرّة عين لي ولك فلا تقتلوه ، ويجوز النصب بمعنى : لا تقتلوا قرّة عين لي ولك. وقالت : لا تقتلوه ولم تقل : نقتله ، وهي تخاطب فرعون كما يخاطب الجبّارون وكما يخبرون عن أنفسهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يكون لبني إسرائيل ، ويجوز أن يكون لقوم فرعون أي لا يشعرون أنه يسلبهم ملكهم.

(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) قد ذكرناه ، وعن فضالة بن عبيد (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) (١) (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) من بدا يبدو إذا ظهر ، وعن ابن مسعود قال :

كانت تقول : أنا أمّة. قال الفراء (٢) : أي إن كادت لتبدي باسمه لضيق صدرها. (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) «أن» في موضع رفع وحذف الجواب لأنه قد تقدّم ما يدلّ عليه ولا سيما وبعده (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

(الْمَراضِعَ) جمع مرضع على جمع التكسير ، ومن قال : مراضيع فهو جمع مرضاع ومفعال تكون للتكثير ، ولا تدخل الهاء فيه فرقا بين المذكّر والمؤنث ؛ لأنه ليس بجار على الفعل ولكن من قال : مرضاعة جاء بالهاء للمبالغة ، كما يقال : مطرابة. قال الفراء : تدخل الهاء فيما كان مدحا يراد به الداهية وفيما كان ذما يراد به البهيمة. وهذا القول خطأ عند البصريين ، ولو كان كما قال لكانت الهاء للتأنيث. (مِنْ قَبْلُ) غاية ومعنى غاية أنه صار غاية الاسم لما حذف منه. قال محمد بن يزيد : فأعطي الضمّة لأنها غاية الحركات ، وقال غيره : أعطي الضمّة لأنها لا تلحقه في حال السلامة. قال أبو إسحاق : التقدير من قبل أن نردّه إليها (فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) «يكفلونه» ليس بجواب ، ولكن يكون مقطوعا من الأول ، أو في موضع نعت لأهل.

(وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) ليس «له» متعلقا بناصحين فلو كان ذلك لكان تفريقا بين الصلة والموصول. وقد ذكرناه في «سورة الأعراف» (٣).

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٠٣ ، والمحتسب ٢ / ١٤٧ ، والبحر المحيط ٧ / ١٠٢.

(٢) معاني الفراء ٢ / ٣٠٣.

(٣) انظر إعراب الآية ٢١ ـ الأعراف.

١٥٧

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) عند سيبويه (١) جمع شدّة ، وقال غيره : هو جمع شدّ ، وقيل : هو واحد ، وحكى أبو إسحاق في غير هذه السورة أنّه لا يعرف في كلام العرب اسم واحد على أفعل بغير هاء إلا أشدّ وهو وهم ، وقد حكى أهل اللغة إصبع. قال أبو إسحاق :

وتأويل بلغ أشدّه استكمل نهاية قوة الرجل. (وَاسْتَوى) أهل التفسير منهم ابن عباس على أنّ معنى واستوى بلغ أربعين سنة ، وتأوّله أبو إسحاق : على أنه يجوز أن يكون حقيقة واستوى وصف بلوغ الأشدّ. (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) العالم والحكيم هو الذي يعمل بعلمه (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) قال أبو إسحاق : فجعل إتيان العلم والحكمة جزاء الإحسان لأنهما يؤدّيان إلى الجنة التي هي جزاء المحسنين.

(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) أكثر أهل التفسير منهم ابن عباس على أنه دخل نصف النهار ، وقال الضحاك : طلب أن يدخل المدينة وقت غفلة أهلها فدخلها حين علم منهم ذلك فكان منه ما كان من قتل الرجل من قبل أن يؤمر بقتله فاستغفر ربه فغفر له. ويقال في الكلام : دخلت المدينة حين غفل أهلها ، ولا يقال : على حين غفل أهلها ، ودخلت «على» في هذه الآية لأنّ الغفلة هي المقصودة ، فصار هذا كما تقول :

جئت على غفلة ، وإن شئت قلت : جئت على حين غفلة فكذا الآية. (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ) ابتداء وخبر. والمعنى : إذا نظر إليهما الناظر قال : هذا من شيعته أي من بني إسرائيل. (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) أي من قوم فرعون. وعدوّه بمعنى أعداء ، وكذا يقال في المؤنّث : هي عدو لك. ومن العرب من يدخل الهاء في المؤنث لأنه بمعنى معادية عند البصريين وعند الكوفيين لأن الواو خفيّة ، كذا يقولون. والواو ليست بخفيّة بل هي حرف جلد. (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) خبر بعد خبر ، وإن شئت كان «مضلّ مبين» نعتا.

فيه قولان : أحدهما أنه بمعنى الدعاء ، وهذا قول الكسائي والفراء ، وقدّره الفراء (٢) بمعنى اللهمّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين ، والقول الآخر أنه بمعنى الخبر ، وزعم الفراء أن قوله «هو» قول ابن عباس. قال أبو جعفر : وأن يكون بمعنى الخبر أولى وأشبه بنسق الكلام ، كما يقال : لا أعصيك لأنّك أنعمت عليّ ، وهذا قول ابن عباس على الحقيقة لا ما حكاه الفراء (٣) ؛ لأن ابن عباس قال : لم يستثن فابتلي ،

__________________

(١) انظر الكتاب ٤ / ٦٠.

(٢) انظر معاني الفراء ٥ / ٣٠٤.

(٣) انظر معاني الفراء ٥ / ٣٠٤.

١٥٨

والاستثناء لا يكون في الدعاء ، لا تقول : اللهمّ اغفر لي إن شئت. وأعجب الأشياء أن الفراء روى أن ابن عباس قال هذا ثم حكى عنه قوله.

(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ) منصوب على خبر أصبح ، وإن شئت على الحال ويكون الظرف في موضع الخبر ، قال الضحاك : خاف أن يراه أحد أو يظهر عليه قال :

و (يَتَرَقَّبُ) يتلفّت. (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) «الذي» في موضع رفع بالابتداء (يَسْتَصْرِخُهُ) في موضع الخبر ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال «وأمس» إذا دخلت عليه الألف واللام تمكّن وأعرب عند أكثر النحويين ، ومنهم من يبنيه وفيه الألف واللام ، وإذا أضيف أو نكر تمكّن أيضا. والعلّة في بنائه عند محمد بن يزيد أنّ تعريفه ليس كتعريف المتمكّنات فوجب أن يبنى ولا يعرب فكسر آخره لالتقاء الساكنين ، ومذهب الخليل رحمه‌الله أن الياء محذوفة منه. وللكوفيين فيه قولان : أحدهما أنه منقول من قولهم : أمس بخير. والآخر أن خلقة السين الكسر ، هذا قول الفراء ، وحكى سيبويه (١) وغيره أنّ من العرب من يجري أمس مجرى ما لا ينصرف في موضع الرفع خاصة ، وربّما اضطرّ الشاعر ففعل هذا في الخفض والنصب كما قال : [الرجز]

٣٢٦ ـ قد رأيت عجبا مذ أمسا (٢)

فخفض بمذ فيما مضى واللغة الجيّدة الرفع وأجرى «أمس» في الخفض مجراه في الرفع على اللغة الثانية. (قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) والغويّ الخائب أي لأنك تشار من لا تطيقه.

(فَلَمَّا أَنْ أَرادَ) «أن» زائدة للتوكيد. وقرأ يزيد بن القعقاع (أَنْ يَبْطِشَ) (٣) وهي لغة إلّا

__________________

(١) انظر الكتاب ٣ / ٣١٥.

(٢) الشاهد بلا نسبة في الكتاب ٣ / ٣١٥ ، وأسرار العربية ٣٢ ، وأوضح المسالك ٤ / ١٣٢ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٦٧ ، والدرر ٣ / ١٠٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٣٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٢٦ ، وشرح قطر الندى ص ١٦ ، وشرح المفصّل ٤ / ١٠٦ ، ولسان العرب (أمس) ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٩٥ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٥٧ ، ونوادر أبي زيد ٥٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٩ ، وجمهرة اللغة ٨٤١. وبعده : «عجائزا مثل السعالى خمسا»

(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٦ ، وهي قراءة الحسن وأبي جعفر.

١٥٩

أنّ (يَبْطِشَ) (١) أعرف منها ، وإن كان الضمّ أقيس ، لأنه فعل لا يتعدّى. (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) قال عكرمة : لا يكون الإنسان جبّارا حتى يقتل نفسين. قال أبو إسحاق :

الجبّار في اللغة المتعظّم الذي لا يخضع لأمر الله جلّ وعزّ وإنما تأول عكرمة في قتل النفسين ـ الآية كما تأول عطاء «فلن أكون ظهيرا للمجرمين» على أنه لا يحلّ لأحد أن يعين ظالما ، ولا يكتب له ، ولا يصحبه ، وإنه إن فعل شيئا من ذلك فقد صار معينا للظالمين حتى قال لمن استفتاه : ارم قلمك واسترزق الله جلّ وعزّ ولا تكن ظهيرا للمجرمين.

(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) قال أبو إسحاق : أي سلك الطريق الذي هو تلقاء مدين ، قال : ولم ينصرف مدين لأنه اسم للبقعة. (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) قال أبو إسحاق : وسواء السبيل قصد السبيل.

(وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) فقد ذكرنا قول ابن عباس : إن معنى تذودان تحبسان ، وذلك معروف في اللغة يقال : ذاده يذوده إذا حبسه ، وإذا قاده ، لأن معنى قاده حبسه على ما يريد ، وإنما كانتا تحبسان غنمهما لأنهما لا طاقة لهما بالسّقي وكانت غنمهما تطرد عن الماء. (قالَ ما خَطْبُكُما) مبتدأ وخبره قال أبو إسحاق : والمعنى ما تريدان بذود غنمكما عن الماء. (قالَتا لا نَسْقِي) أي لا نقدر على السّقي (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) قراءة أهل الكوفة وأهل الحرمين إلا أبا جعفر فإنه قرأ (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) (٢)

وكذا قرأ أبو عمرو. فمعنى القراءة الأولى حتى يصدر الرعاة مواشيهم ، ومعنى الثانية حتى ينصرف الرعاء فأفادت القراءتان معنيين وهما حسنان إلّا أنّ «يصدر» أشبه بالمعنى ، وزعم أبو حاتم أنّ المعنى حتى يصدروا مواشيهم. قال : ولم يرد حتى ينصرفوا إن شاء الله و «الرعاء» جمع راع كما تقول : صاحب وصحاب. قال يعقوب :

وذكر لي في لغة الرّعاء بضم الراء ، وأنكر أبو حاتم هذه اللغة ، وقال : إذا ضممت الراء لم تقل : إلّا الرّعاة بالهاء والذي أنكره لا يمتنع ، كما يقال : غاز وغزّاء وغزّا بالمدّ والقصر. (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) قال أبو إسحاق : الفائدة في «وأبونا شيخ» أنه لا يمكنه أن يحضر فيسقي فاحتجنا ونحن نساء أن نخرج فنسقي.

__________________

(١) هذه قراءة الجمهور ، انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٦.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٨ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٩٢.

١٦٠