إعراب القرآن - ج ٣

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٠

بمبرد أو غيره ، وأحرقه يحرقه بالنار وحرقه يحرّقه يكون منهما جميعا على التكثير.

ويروى عن قتادة أنه قرأ (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (١) أي ملأه.

(كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) الكاف في موضع نصب والمعنى : نقصّ عليك كما قصصنا عليك قصة موسى عليه‌السلام وفرعون والسامريّ. (آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) الكاف في موضع نصب والمعنى : نقصّ عليك كما قصصنا عليك قصة موسى عليه‌السلام وفرعون والسامريّ. (آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) وهو القرآن.

(مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ) أي فلم يتدبّره ولم يؤمن به.

(حِمْلاً) على البيان و (زُرْقاً) على الحال ، وكذا (قاعاً صَفْصَفاً) و (عَشْراً) منصوب بلبثتم ، والكوفيون يقولون في المعنى : ما لبثتم إلّا عشرا.

(إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) (من) في موضع نصب على الاستثناء الخارج من الأول.

قال أبو إسحاق : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الآخرة وجميع ما يكون (وَما خَلْفَهُمْ) ما قد وقع من أعمالهم ، وقال غيره : معنى (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) ولا يحيطون بما ذكرنا ، والله أعلم.

(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) في معناه قولان : أحدهما أنّ هذا في الآخرة ، وروى عكرمة عن ابن عباس (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) قال : الركوع والسجود. ومعنى عنت في اللغة خضعت وأطاعت ، ومنه فتحت البلاد عنوة أي غلبة.

(فَلا يُخْرِجَنَّكُما) مجاز أي لا تقبلا منه فيكون سببا لخروجكما (فَتَشْقى) ولم يقل :

__________________

(١) انظر مختصر ابن خالويه ٨٩ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٥٧ ، وهذه قراءة مجاهد أيضا.

٤١

فتشقيا ؛ لأن المعنى معروف ، وآدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو المخاطب والمقصود. قال الحسن : في قوله : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) قال : يعني شقاء الدنيا لا ترى ابن آدم إلّا ناصبا.

قال الفراء : هو أن يأكل من كدّ يديه.

قراءة أبي عمرو وأبي جعفر والأعمش وحمزة والكسائي ، وقرأ عاصم ونافع وإنك (١) بكسر الهمزة. فالفتح على أن تكون «أنّ» اسما في موضع نصب عطفا على «أن» والمعنى : وإنّ لك أنّك لا تظمأ فيها ، ويجوز أن يكون في موضع رفع عطفا على الموضع ، والمعنى : ذلك أنّك لا تظمأ فيها ، والكسر على الاستئناف وعلى العطف على «إن لك».

قال الفراء (٢) : (وَطَفِقا).

في العربية أقبلا : وقيل : جعلا يلصقان عليهما الورق ورق التين.

(وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) قلبت الياء ألفا لتحرّكها وتحرّك ما قبلها ، ولهذا كتبه الكوفيون بالياء ليدلّوا على أصله.

(ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) أي اختاره (فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) أي وهداه للتوبة وروى حمّاد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قول الله جلّ وعزّ (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) قال : عذاب القبر.

(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) أي يبيّن لهم ، وهذه قراءة أبي عبد الرحمن وقتادة بالياء. وقد تكلّم النحويون فيه لأنه مشكل من أجل الفاعل ليهد. فقال بعضهم : «كم» الفاعل ، وهذا خطأ لأن كم استفهام فلا يعمل فيها ما قبلها ، وقال أبو إسحاق : المعنى : أفلم يهد لهم الأمر بإهلاكنا من أهلكنا. قال : وحقيقة «أفلم يهد لهم» أفلم يبيّن لهم بيانا يهتدون به لأنهم كانوا يمرّون على منازل عاد وثمود فلذلك قال جلّ وعزّ : (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ)

__________________

(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٢٤ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٦٣.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ١٩٤.

٤٢

وفي مسكنهم على أنه مصدر. وقال محمد بن يزيد ، فيما حكاه لنا عنه علي بن سليمان : وهذا معنى كلامه. قال : يهدي يدلّ على الهدى ، فالفاعل هو الهدى. قال أبو إسحاق : «كم» في موضع نصب بأهلكنا. روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) قال : لأولي التّقى.

قال : (لَكانَ لِزاماً) أي موتا (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) معطوف على «كلمة» ، وواحد الإناء إني. لا يعرف البصريون غيره ، وحكى الفراء في واحد الإناء إنّى ـ مقصورة واحد الآنية ـ إنا ممدود ، وللفراء في هذا الباب في كتاب «المقصور والممدود» أشياء ـ قد جاء بها على أنها فيها مقصور وممدود ، مثل الإناء والإنى ، والوراء والورى ـ قد أنكرت عليه ، ورواها الأصمعي وابن السكيت والمتقنون من أهل اللغة على خلاف ما روي ، والذي يقال في هذا أنه مأمون على ما رواه غير أنّ سماع الكوفيين أكثره عن غير الفصحاء.

(وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) وهم الأغنياء ، أي لا تنظر إلى ما أعطي الكفار في الدنيا. وقرأ عيسى بن عمر وعاصم الجحدري (زَهْرَةَ) (١) بفتح الهاء. قال أبو إسحاق «زهرة» منصوبة بمعنى متّعنا ، لأن معناه جعلنا لهم الحياة الدّنيا زهرة (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي لنختبرهم ، ونشدّد التعبّد عليهم ؛ لأن الأغنياء يشتد عليهم التواضع ، والمحنة عليهم أشدّ. (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) قال الفراء (٢) : أي ثواب ربك. وحكى الكسائي (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) قال : ويجوز على هذا (بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) قال أبو جعفر: إذا نوّنت بيّنة ورفعت جعلت «ما» بدلا منها ، وإذا نصبتها على الحال. والمعنى : أو لم يأتهم ما في الصحف الأولى مبيّنا. (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) قيل : من قبل التنزيل ، وقال الفراء : من قبل الرسول. (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) جواب لو لا.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٦٩ ، ومختصر ابن خالويه ٩٠.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ١٩٦.

٤٣

قال أبو إسحاق : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ) «من» في موضع رفع ، وقال الفراء(١):

يجوز أن يكون في موضع نصب ، مثل (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة : ٢٢٠]. قال أبو إسحاق : وهذا خطأ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ومن هاهنا استفهام ؛ لأن المعنى : فستعلمون أأصحاب الصراط نحن أم أنتم ، وقرأ يحيى بن يعمر وعاصم الجحدري (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) (٢) على فعلى بغير همز ، وتأنيث الصراط شاذ قليل. قال الله جلّ وعزّ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦] فجاء مذكّرا في هذا وفي غيره. وقد ردّ هذا أبو حاتم فقال : إن كان من السّوء وجب أن يكون السوءى ، وإن كان من السواء وجب أن يقول : السيّى بكسر السين ، والأصل السويا ، قال أبو جعفر : جواز قراءة يحيى بن يعمر والجحدري أن يكون الأصل السوءى ، والساكن ليس بحاجز حصين فكأنه قلب الهمزة ضمة فأبدل منها ، والساكن ليس بحاجز ألفا إذا انفتح ما قبلها. (وَمَنِ اهْتَدى) معطوف على «من» الأولى.

والفراء (٣) يذهب إلى أنّ معنى من أصحاب الصراط السّويّ : من لم يضلّ ، وإلى أن معنى «ومن اهتدى» من ضلّ ثم اهتدى.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ١٩٧.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٧١.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ١٩٧.

٤٤

٢١

شرح إعراب سورة الأنبياء

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) ولا يجوز في الكلام اقترب حسابهم للنّاس لئلا يتقدّم مضمر على المظهر لا يجوز أن ينوى به التأخير (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) ابتداء وخبر ، ويجوز النصب في غير القرآن على الحال. والمعنى : وهم في غفلة معرضون عن التأهب للحساب.

(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) نعت لذكر ، وأجاز الكسائي والفراء : محدثا بمعنى ما يأتيهم محدثا ، وأجاز الفراء (١) رفع محدث على تأويل ذكر لأنك لو حذفت «من» رفعت ذكرا. (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ).

(لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) قال الكسائي : أي إلّا استمعوه لاهية قلوبهم ، وأجاز الفراء (٢) أن يكون مخرّجا من المضمر الذي في يلعبون ، وأجاز هو والكسائي (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) (٣) بالرفع بمعنى قلوبهم لاهية ، وأجاز غيرهم الرفع على أن يكون خبرا بعد خبر أو على إضمار مبتدأ. (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ولم يقل : وأسرّ النجوى ، والفعل متقدّم لأن الفعل إذا تقدّم الأسماء وحد ، وإذا تأخّر ثنّي وجمع للضمير الذي فيه ، فكيف جاء هذا

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ١٩٧ والبحر المحيط ٦ / ٢٧٥ ، وهي قراءة ابن أبي عبلة.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ١٩٧.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ١٩٧ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٧٥ ، وهي قراءة ابن أبي عبلة وعيسى.

٤٥

متقدما مجموعا؟ ففيه ستة أقوال : يكون بدلا من الواو ، وعلى إضمار مبتدأ ، ونصبا بمعنى أعني ، وأجاز الفراء أن يكون خفضا بمعنى اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم ، وأجاز الأخفش أن يكون على لغة من قال : «أكلوني البراغيث» ، والجواب السادس أحسنها وهو أن يكون التقدير: يقول الذين ظلموا ، وحذف القول مثل (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣] فالدليل على صحّة هذا الجواب أنّ بعده (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فهذا الذي قالوه والمعنى : هل هذا إلّا بشر مثلكم. وقد بين الله جلّ وعزّ أنه لا يجوز أن يرسل إليهم بشرا ليفهموا عنه ويعلّمهم ، ثمّ قال (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) والسحر في اللغة كلّ مموّه لا حقيقة له ولا صحة (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) قيل : معناه وأنتم تبصرون أنه إنسان مثلكم ، وقيل : وأنتم تعقلون لأن العقل هو البصر بالأشياء.

قل ربي وفي مصاحف أهل الكوفة (قالَ رَبِّي) (١) فقيل : إنّ القراءة الأولى أظهر وأولى ؛ لأنهم أسرّوا هذا القول فأظهر الله عليه نبيّه وأمره أن يقول لهم هذا. قال أبو جعفر : والقراءتان صحيحتان. وهما بمنزلة الآيتين ، وفيهما من الفائدة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر وأنه قال كما أمر.

(بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) قال أبو إسحاق : أي بل قالوا الذي يأتي به أضغاث أحلام ، وقال غيره : هو أحلام اختلاط. والمعنى كالأحلام المختلطة فلما رأوا أن الأمر ليس كما قالوا انتقلوا عن ذلك فقالوا : (بَلِ افْتَراهُ) ثم انتقلوا عن ذلك فقالوا : (بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) أي كما أرسل موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعصا وغيرها من الآيات ، وكان هذا منهم تعنّتا إذ كان الله جلّ وعزّ قد أعطاه من الآيات ما فيه كفاية ، ويبيّن الله جلّ وعزّ أنّهم لو كانوا يؤمنون لأعطاهم ما سألوا كقوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال : ٢٣].

(ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي من أهل قرية و «من» زائدة للتوكيد.

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٢٥ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٧٦.

٤٦

(ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) أي بإنجائهم ونصرهم ، وإهلاك مكذّبيهم.

(فِيهِ ذِكْرُكُمْ) رفع بالابتداء والجملة في موضع نصب لأنها نعت لكتاب ثم نبّههم بالاستفهام الذي معناه التوقيف فقال جلّ وعزّ : (أَفَلا تَعْقِلُونَ).

(وَكَمْ قَصَمْنا) «كم» في موضع نصب بقصمنا (مِنْ قَرْيَةٍ) لو حذفت «من» لجاز الخفض لأن «كم» هاهنا للخبر ، والعرب تقول : «كم قرية قد دخلتها». فتخفض. وفيه تقديران : أحدهما أن تكون «كم» بمنزلة ثلاثة من العدد ، والفراء (١) يقول بإضمار «من» فإذا فرقت جاز الخفض والنصب ، وأنشد النحويون : [السريع]

٣٠٠ ـ كم بجود مقرفا نال العلى

وكريما بخله قد وضعه (٢)

وأجود اللّغات فيه إذا فرقت أن تأتي بمن ، وبها جاء القرآن في هذا الموضع وغيره.

(قالُوا يا وَيْلَنا) نداء مضاف.

(فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) «تلك» في موضع رفع إن جعلت دعواهم خبرا ، وفي موضع نصب إن جعلت دعواهم الاسم.

أي : ما خلقنا السماء والأرض ليظلم الناس بعضا ويكفر بعضهم ويخالف بعضهم ما أمر به ثم يموتوا فلا يجازوا بأفعالهم ، ولا يؤمروا في الدنيا بحسن ، ولا ينهوا عن قبيح. وهذا اللعب المنفي عن الحكيم وضدّ الحكمة.

(لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) لأنهم نسبوا إلى الله جلّ وعزّ الولد ، والصاحبة. فالمعنى : لو أردنا أن نتّخذ ولدا أو صاحبة لما اتّخذناه من البشر الذين

__________________

(١) انظر معاني الفراء ١ / ١٢٥.

(٢) مرّ الشاهد رقم (٤٥).

٤٧

تلحقهم الآفات ، والحجارة التي لا تعقل فبيّن به الله عزوجل جهلهم بنسبهم إليه مثل هذا بلا حجّة ولا شبهة.

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِ) أي بالحجج والبراهين. (عَلَى الْباطِلِ) وهو قولهم (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) حكى أهل اللغة زهق يزهق زهقا وزهوقا إذا انكسر واضمحلّ.

(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) ظرفان.

(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) التقدير عند سيبويه والكسائي «غير الله» فلمّا جعلت إلّا في موضع غير أعرب الاسم الذي بعدها بإعراب غير ، كما قال : [الوافر]

٣٠١ ـ وكل أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلّا الفرقدان (١)

وحكى سيبويه لو كان معنا رجل إلّا زيد لهلكنا ، وقال الفراء (٢) : إلا هاهنا في موضع سوى ، والمعنى : لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلهما ، وقال غيره : أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير ؛ لأن أحدهما إذا أراد شيئا وأراد الآخر ضدّه كان أحدهما عاجزا.

وحكى أبو حاتم أنّ يحيى بن يعمر وطلحة قرأ : (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) (٣) فزعم أنه لا وجه لهذا. وقال أبو إسحاق في هذه القراءة : المعنى هذا ذكر مما أنزل إليّ ومما هو معي ، وذكر ممّن قبلي ، وقال غيره : التقدير فيها هذا ذكر ذكر من معي مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢]. وروي عن الحسن أنه قرأ : (الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٤) بالرفع بمعنى هو الحقّ وهذا الحقّ.

__________________

(١) مرّ الشاهد رقم (٢٠٥).

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠٠.

(٣) انظر مختصر ابن خالويه ٩١.

(٤) انظر المحتسب ٢ / ٦١ ، ومختصر ابن خالويه ٩١.

٤٨

(سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) قال أبو إسحاق : المعنى : بل هم عباد مكرمون يعني الملائكة وعيسى عليهم‌السلام. قال : ويجوز في غير القرآن بل عبادا مكرمين بمعنى بل اتخذ عبادا مكرمين ، وأجازه الفراء (١) أيضا على أن تردّه على ولد أي لم نتّخذهم ولدا بل اتّخذناهم عبادا مكرمين.

أي لا يفعلون شيئا إلا بإذنه ثم خبّر بحكمه جلّ وعزّ في كلّ أحد فقال :

الكاف في موضع نصب.

قال الأخفش : قال : (كانَتا) لأنهما صنفان كما تقول العرب : هما لقاحان أسودان ، وكما قال جلّ وعزّ (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) [فاطر : ٤١] قال أبو إسحاق : كانتا لأنه يعبّر عن السموات بلفظ الواحد بسماء ولأن السموات كانت سماء واحدة ، وكذا الأرضون. قال : وقال : رتقا ولم يقل رتقين لأنه مصدر والمعنى : كانتا ذواتي رتق. قال أبو جعفر : وروي عن الحسن أنه قرأ (كانَتا رَتْقاً) (٢) قال عيسى : هو صواب وهي لغة. (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) نعت لشيء ، وأجاز الفراء (٣) : كلّ شيء حيا بمعنى : وجعلنا كلّ شيء حيّا من الماء.

(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) نعت لسقف ، ولو كان محفوظة على أن يكون نعتا للسماء لجاز.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠١.

(٢) انظر المحتسب ٢ / ٧٦٢ ومختصر ابن خالويه ٩١ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٨٧ ، وهي قراءة أبي حيوة وعيسى وزيد بن علي أيضا.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠١.

٤٩

فيه من النحو أنه لم يقل : يسبحن ولا يسبح. ومذهب سيبويه (١) أنه لما خبّر بفعل من يعقل ، وجعلهنّ في الطاعة بمنزلة من يعقل خبّر عنهن بالواو والنون ، وقال الفراء : (٢) لمّا خبّر عنهنّ بأفعال الآدميين قال : يسبحون ، وقال الكسائي يسبحون لأنه رأس آية ، كما قال : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) [القمر : ٤٤] ، ولم يقل منتصرون.

(أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) جيء بالفاء التي في فهم عند الفراء (٣) لتدلّ على الشرط لأنه جواب قولهم : ستموت ، ويجوز أن يكون جيء بها لأن التقدير فيها : أفهم الخالدون إن متّ. قال الفراء : ويجوز حذف الفاء واضمارها لأن هم لا يتبيّن فيها الإعراب ، أو لأن المعنى أهم الخالدون إن مت.

(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) قال الكسائي : والمصدر بلاء.

«متى» عند الكوفيين في موضع نصب وكذا الجواب عندهم في المعرفة إذا قيل :

متى وعدك قيل : يوم الجمعة فإن كان نكرة رفعت فقلت : موعدك يوم قريب ، وكذا ظروف المكان ، وحكى الفراء (٤) : اجتمع الجيشان فالمسلمون جانب والكفار جانب صاحبهم. الثاني منصوب لأنه معرفة والأول مرفوع لأنه نكرة فاعتل في النصب مع المعرفة لأن الخبر مسند إليها لأنها معرفة ، فحسنت الصفة ، وبنوا المسائل على هذا فتقول : عبد الله جانب المسجد ، وزيد جانب منه. وأما البصريون فالرفع عندهم الوجه إذا كان الظرف متمكنا. قال سيبويه (٥) وتقول : موعدك غدوة وبكرة وموعدك بكرا لأن بكرا لا يتمكن. والدليل على صحة قول البصريين قراءة القراء ، إلّا من شذّ منهم قال :

(مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) [طه : ٥٩]. وحكى الفراء (٦) في النكرة : إنما البرد شهران ، وإنما الصيف شهران ، وزيد دون من الرجال ، وهو دونك بالنصب في المعرفة.

(هُمْ) في موضع رفع بالابتداء ولا تعمل إلا في معرفة. (يُنْظَرُونَ) في موضع الخبر.

__________________

(١) انظر الكتاب ٢ / ٤٤.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠١.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠٢.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠٣.

(٥) انظر الكتاب ١ / ٢٧٩.

(٦) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠٣.

٥٠

(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ) فإن خفّفت الهمزة جعلتها بين الهمزة والواو ، ولهذا كتبت واوا وحكى الكسائي والفراء (١) في التخفيف وجهين آخرين : «قل من يكلوكم» بفتح اللام وإسكان الواو ، وحكيا «من يكلاكم» قال : فأما «يكلاكم» فخطأ من جهتين إحداهما : أنّ بدل الهمزة إنما يجوز في الشعر ، والجهة الأخرى : أنهما يقولان في الماضي : كليته فينقلب المعنى ؛ لأن المعنى كليته أوجعت كليته ، ومن قال لرجل : كلأك الله ، فقد دعا عليه بأن يصيبه الله بوجع في كليته ، والدليل على هذا أنه لا يقال : رجل مكليّ إلّا من هذا ، هكذا السماع ، ولا نلتفت إلى سماع لا يصحّ. وأما (يَكْلَؤُكُمْ) فقد حكى مثله سيبويه (٢) في آخر الكلمة إنّ من العرب من يقول : هو الوثو (٣) فيبدل من الهمزة واوا حرصا على تبيينها ، وفي الخفض من الوثي ، وهو الكلو ، ومن الكلي ، وأخذت الكلا.

قال الفراء (٤) : ومن قال : يكلوهم قال في الماضي : كلات فيترك النبرة.

قرأ أبو عبد الرحمن السلمي ولا تسمع الصم الدعاء (٥) جعلهما مفعولين فردّ عليه بعض أهل اللغة وقال : كان يجب على قوله إذا ما تنذرهم. قال أبو جعفر : وذلك جائز لأنه قد عرف المعنى.

(مِثْقالَ حَبَّةٍ) (٦) اسم كان ولا خبر لها ؛ لأنها بمعنى وقع ، ويجوز النصب على أن تضمر فيها اسمها.

وروي عن ابن عباس وعكرمة ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء (٧) بغير واو ، وزعم الفراء (٨) أنّ حذف الواو والمجيء بها واحد ، كما قال جلّ وعزّ :

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠٤.

(٢) انظر الكتاب ٤ / ٢٩٠.

(٣) الوثء : الوهن.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠٥.

(٥) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠٥.

(٦) انظر تيسير الداني ١٢٦.

(٧) انظر المحتسب ٢ / ٦٤.

(٨) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠٥.

٥١

(وَحِفْظاً) [الصافات : ٦ و ٧] وردّ عليه هذا القول أبو إسحاق ؛ لأن الواو تجيء لمعنى فلا تزاد. قال : وتفسير الفرقان : التوراة ، لأنّ فيها الفرق بين الحلال والحرام. قال :

«وضياء» مثل (فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) [المائدة : ٤٦] ، وأجاز الفراء (١) (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) بمعنى أنزلناه مباركا.

(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) مفعولان. قال الفراء : «رشده» هداه.

(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) قال أبو إسحاق «إذ» في موضع نصب أي آتيناه رشده في ذلك الوقت.

(وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ) فجاء مذكّرا لأنهم جعلوا الأصنام بمنزلة ما يعقل في عبادتهم إياها (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) على الاستثناء.

قال أبو إسحاق : إبراهيم ، يرتفع من جهتين على معنى : هو إبراهيم والمعروف به إبراهيم ، وعلى النداء. قال أبو جعفر : واسم ما لم يسمّ فاعله على مذهب الخليل رحمه‌الله وسيبويه له ، كما تقول : سيريه. وعلى مذهب محمد بن يزيد اسم ما لم يسمّ فاعله مضمر أي يقال له القول واحتيج إلى الإضمار ، لأن إبراهيم لا يجوز أن يكون اسم ما لم يسمّ فاعله بل ذلك محال على كل قول ؛ لأنه من قال : قلت زيدا منطلقا ، على اللغة الشاذة لم يقل :

كلّمته فقلت له إبراهيم ولم يقل هذا إلّا بالرفع ، وإن كانت تلك اللغة شاذة لا يتكلّم بها في كتاب الله عزوجل لشذوذها وخروجها على القياس ، ولو لا أنّ هذا القول لم يقله أحد من العلماء علمناه لزدنا في الشرح ولكن غنينا عن ذلك بما تقدّم وبما وصفناه ، وأنه يلزم من رفع هذا على أنه اسم ما لم يسمّ فاعله أن يقول : قلت زيدا ، كما أنه إذا قال : يضرب زيد قال : ضربت زيدا ، ولا يقول أحد : قلت زيدا ، ولا له معنى ، ويلزمه أن يقرأ (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ) [الكهف : ٥] بالنصب ، فإذا لزمه ما لا يقوله أحد استغنى عن الزيادة. ولو لم يكن في هذا إلّا أنّ النحويين يعلّمون المتعلّم أنّ ما بعد القول محكيّ ، فيقولون : قلت له زيد خارج ، وكذا قيل له ، لا فرق بين الفعلين في الحكاية.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٠٦.

٥٢

قال أبو إسحاق : (أُفٍّ لَكُمْ) (١) وأفّ وأفّ لكم. وينوّن في اللغات الثلاث ، ويقال : أفّه ومن كسر لالتقاء الساكنين قال ؛ الأصوات أكثرها مبنيّ على الكسر والفتح ؛ لأنه خفيف والضمّ اتباع ، والتنوين فرق بين المعرفة والنكرة.

(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً) عطف على الهاء. (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) لأن الأرض مؤنّثة ، فأما قول الشاعر : [المتقارب]

٣٠٢ ـ فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل إبقالها (٢)

فرواه أبو حاتم

«ولا أرض أبقلت إبقالها».

كره تذكير الأرض. قال أبو جعفر :

وما في هذا ما ينكر لأنه تأنيث حقيقي. قال محمد بن يزيد : لو قلت : هدم دارك لجاز ، والكوفيون يقولون : يجوز التذكير لأنه لا علاقة فيه للتأنيث.

الأصل أقوام فألقيت حركة الواو على القاف فانقلبت الواو ألفا وحذفت لالتقاء الساكنين ، فإن أفردت ألحقت الهاء وقبح حذفها لأنها عوض مما حذف.

(وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) بمعنى : واذكر لوطا ، أو معنى وآتينا لوطا (وَنُوحاً).

(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ) بمعنى واذكروا. ولم ينصرف «داود» لأنه اسم عجميّ لا يحسن فيه الألف واللام ، ولم ينصرف «سليمان» لأن في آخره ألفا ونونا زائدتين.

(فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) قال أبو إسحاق : أي ففهّمنا القصّة. (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ) معطوف على الجبال ، ويجوز أن يكون بمعنى مع الطير ، كما تقول :

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٢٦.

(٢) مرّ الشاهد رقم (١٥٢).

٥٣

التقى الماء والخشبة. قال أبو إسحاق : ويجوز «الطير» بالرفع بمعنى يسبّحن هنّ والطير. قال (وَكُنَّا فاعِلِينَ) أي نقدر على ما نريد ، وقال غيره : المعنى وكنا فاعلين للأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذه الآيات. (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) معطوف أي وسخّرنا لسليمان الريح ، وقرأ عبد الرحمن الأعرج ولسليمان الريح (١) بالرفع قطعه من الأول ، ورفع بالابتداء ، كما تقول :

أعطيت زيدا درهما ولعمر دينار.

(وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) (٨٢)

(مِنَ) في موضع نصب إن نصبت الريح ، ويجوز الرفع بالابتداء وإن رفعت الريح فمن في موضع رفع عطف عليها ، وإن شئت بالابتداء أيضا. و (يَغُوصُونَ) على معنى «من» ، ولو كان في غير القرآن لجاز يغوص على اللفظ.

(فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) لأهل التفسير في معناه قولان عن مجاهد وعكرمة بإسنادين صحيحين قالا : قيل لأيوب صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد آتيناك أهلك في الجنّة ، فإن شئت تركناهم لك في الآخرة ، وإن شئت آتيناك هم في الدنيا. قال مجاهد : فتركهم الله جلّ وعزّ له في الجنّة وأعطاه مثلهم في الدنيا ، وقال عكرمة : فاختار أن يكونوا له في الجنّة ويؤتي مثلهم في الدنيا ، وقال الضحاك : قال عبد الله بن مسعود : كان أهل أيوب عليه‌السلام قد ماتوا إلّا امرأته فأحياهم الله جلّ وعزّ له وآتاه مثلهم معهم ، وعن ابن عباس رحمة الله عليه قال : كان بنوه قد ماتوا ، فأحيوا له وولد لهم مثلهم معهم.

(وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ) بمعنى : واذكر كذا.

قال أبو جعفر : قد ذكرنا عن سعيد بن جبير أنه قال : مغاضبا لربه جلّ وعزّ.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٠٨ ، ومختصر ابن خالويه ٩٢.

٥٤

وربّما أنكر هذا من لا يعرف اللغة ، وهذا قول صحيح والمعنى مغاضبا من أجل ربه ، كما تقول : غضبت لك أي من أجلك. والمؤمن يغضب لله جلّ وعزّ إذا عصي. وأكثر أهل اللغة يذهب إلى أن قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعائشة رضي الله عنها : «اشترطي لهم الولاء» من هذا. وقال الضحاك : (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) أي لقومه فيكون معنى هذا أنه غاضبهم لعصيانهم. وقال الأخفش : إنّما غاضب بعض الملوك. وقرأ الحسن فظنّ أن لن يقدر عليه (١) وقرأ يعقوب القارئ فظنّ أن لن يقدر عليه (٢).

(وَزَكَرِيَّا) بمعنى واذكر.

وقد ذكرنا أنّ معنى (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) أنها كانت سيئة الخلق ، وقال سعيد بن جبير: إنها كانت لا تلد. قال أبو إسحاق : (وَيَدْعُونَنا رَغَباً) على أنه مصدر ورغبا بخلاف ، ورغبا مثل بخلا.

(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) في موضع نصب بمعنى واذكر (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) ولم يقل : آيتين. قال أبو إسحاق : لأن الآية فيهما واحدة لأنها ولدته من غير فحل. وعلى مذهب سيبويه أنّ التقدير : وجعلناها آية للعالمين ، وجعلنا ابنها آية للعالمين ثم حذف ، وعلى مذهب محمد بن يزيد أن المعنى وجعلناها آية للعالمين وابنها مثل (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢]. وفي قصة ذي النون حرف مشكل الإعراب على قراءة عاصم. وكذلك نجّي المؤمنين (٣) بنون واحدة لأنها في المصحف كذا. وتكلم النحويون في هذا فقال بعضهم : هو لحن لأنه نصب اسم ما لم يسم فاعله. وكان أبو إسحاق يذهب إلى هذا القول. وذهب الفراء (٤) وأبو عبيد إلى أنّ المعنى : وكذلك نجّي النجاء المؤمنين. قال أبو إسحاق : هذا خطأ لا يجوز ضرب زيدا. المعنى الضرب زيدا ؛ لأنه لا فائدة فيه إذ كان ضرب يدلّ على الضرب ، ولأبي

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١١.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١١.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢١٠ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٢١٠.

٥٥

عبيد فيه قول آخر وهو أنه أدغم النون في الجيم. وهذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين علمناه لبعد النون من الجيم ، فلا تدغم فيها ، ولا يجوز في (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) [الأنعام : ١٦٠] مجّاء بالحسنة. قال أبو جعفر : ولم أسمع في هذا أحسن من شيء سمعته من علي بن سليمان قال : الأصل ننجّي فحذف إحدى النونين لاجتماعهما ، كما يحذف إحدى التاءين لاجتماعهما نحو قول الله جلّ وعزّ (وَلا تَفَرَّقُوا) [الأنعام : ١٠٣] الأصل تتفرقوا. والدليل على صحة ما قال أن عاصما يقرأ (نجّي) بإسكان الياء ، ولو كان على ما تأوله من ذكرناه لكان مفتوحا.

(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) على الحال. قال أبو إسحاق : أي إنّ هذه أمتكم في حال اجتماعها فإذا تفرّقت لم تدخل في ذلك. قال : ويجوز إنّ هذه أمتكم أمة واحدة ، تجعل أمتكم بدلا من هذه ، وفيه معنى التوكيد. قال أبو جعفر : وقرأ ابن أبي إسحاق (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (١) «أمتكم» خبر إن «وأمة واحدة» خبر بعد خبر ، وإن شئت على إضمار مبتدأ ، وإن شئت على بدل النكرة من المعرفة.

قال الكسائي : وفي حرف ابن مسعود فلا كفر لسعيه (٢) وكفر وكفران وكفور بمعنى واحد.

(وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ) قراءة زيد بن ثابت وأهل المدينة ، وعن علي وابن مسعود وابن عباس وحرم على قرية (٣) ، وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ وحرم على قرية (٤) بفتح الحاء والميم وكسر الراء ، وروي عنه بضمّ الراء وفتح الحاء والميم.

والآية مشكلة ، وقد ذكرنا فيها أقوالا : فمن أحسن ما قيل فيه وأجلّه ما رواه ابن عيينة وابن عليّة وهشيم وابن إدريس ومحمد بن فضيل وسليمان بن حيّان ومعلّى عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رحمه‌الله في قوله جلّ وعزّ (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) قال : وجب (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) قال : لا يتوبون. قال أبو جعفر : واشتقاق هذا بيّن من اللغة. وشرحه أنّ معنى حرم الشيء حظر ومنع منه ، كما أن معنى أحلّ

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٣ ، ومعاني الفراء ٢ / ١٠ ، ومختصر ابن خالويه ٩٣ ، وهي قراءة الحسن أيضا.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٣.

(٣) انظر المحتسب ٢ / ٦٥ ، والبحر المحيط ٦ / ٣١٣.

(٤) انظر المحتسب ٢ / ٦٥ ، والبحر المحيط ٦ / ٣١٣.

٥٦

أبيح ولم يمنع منه. فإذا كان حرام وحرم بمعنى واحد فمعناه أنه قد ضيّق الخروج منه ومنع فقد دخل في باب المحظور بهذا ، فأما قول أبي عبيد : إنّ «لا» زائدة فقد ردّه عليه جماعة ؛ لأنها لا تزاد في مثل هذا الموضع ، ولا فيما يقع فيه إشكال ، ولو كانت زائدة لكان التأويل بعيدا أيضا ، لأنه إن أراد وحرام على قرية أهلكناها أنهم يرجعون إلى الدنيا. فهذا ما لا فائدة فيه ، وإن أراد التوبة فالتوبة لا تحرّم.

(حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) وقرأ عاصم والأعرج (يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) (١) بالهمز. قال أبو إسحاق : هما مشتقّان من أجّة الحريق ، ومن ملح أجاج. ولا يصرف ، تجعلهما اسما للقبيلتين على فاعول ومفعول ، ومن لم يهمز جعلهما أعجميين على قول أكثر النحويين. قال الأخفش : يأجوج : من يججت ، ومأجوج :

من مججت. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) قال : من كل شرف يقبلون. والتقدير في العربية : حتّى إذا فتح سدّ يأجوج ومأجوج ، مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢]. فأما جواب إذا ففيه ثلاثة أقوال : قال الكسائي والفراء : حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ والواو عندهما زائدة ، وأنشد الفراء : [الطويل]

٣٠٣ ـ فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى

بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل (٢)

المعنى عنده انتحى. وأجاز الكسائي أن يكون جواب إذا (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) والقول الثالث أنّ المعنى قالوا (يا وَيْلَنا) ثم حذف قالوا. وهذا قول أبي إسحاق ، وهو قول حسن. قال الله جلّ وعزّ : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ) [الزمر : ٣] المعنى قالوا ، وحذف القول كثير.

المعنى إنكم والأوثان التي تعبدونها من دون الله. ولا يدخل في هذا عيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا عزير ، ولا الملائكة ؛ لأن «ما» لغير الآدميين. والمعنى : لأن أوثانهم تدخل معهم

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٣ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٣١.

(٢) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٥ ، وأدب الكاتب ٣٥٣ ، والأزهية ٢٣٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٣ ، ولسان العرب (جوز) ، وتاج العروس (عقل) ، والمنصف ٣ / ٤١ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٢٥.

٥٧

النار ليعذّبوهم بها إمّا بأن تحمى وتلصق بهم ، وإمّا يبكّتوا بعبادتها ، و «ما» في موضع نصب عطفا على اسم إن والخبر (حَصَبُ جَهَنَّمَ) أي يرمى بالحصباء.

(وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ) ابتداء وخبر ، ويجوز نصب خالدين في غير القرآن.

قيل : في الكلام حذف ، والمعنى ـ والله أعلم ـ وهم فيها لا يسمعون شيئا يسرّهم لأنهم صمّ.

(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) قيل : يعني بها الجنة ، وقيل : يعني بها الوعد.

(أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) ابتداء وخبر في موضع خبر إن.

(لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) قال أبو عثمان النهدي : على الصراط حيّات تلسع أهل النار فيقولون : حسّ حسّ.

(لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) على لغة من قال : حزن يحزن ، وهي أفصح اللغتين ، وبها قرأ الكوفيون في جميع القرآن وقرأ ابن محيصن بلغة من قال : أحزن يحزن في جميع القرآن ، وبها قرأ نافع إلّا في هذا الحرف ، وبها قرأ أبو جعفر في هذا الحرف خاصة ، وقرأ كل ما في القرآن من نظائرها على لغة من قال حزن يحزن.

(كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) قال سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن عبد الله بن مسعود قال : يرسل الله ماءا من تحت العرش كمنيّ الرجال فتنبت منه لحما منهم وجسمانهم كما تنبت الأرض بالثرى ، وقرأ (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ). قال أبو جعفر : في قوله جلّ وعزّ : (وَعْداً عَلَيْنا) حذف والمعنى ـ والله أعلم ـ علينا إنجازه والوفاء به ثم أكّد ذلك بقوله جلّ وعزّ (إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) قال أبو إسحاق : معنى (إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) إنّا كنا قادرين على فعل ما نشاء.

٥٨

(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) والزبور والكتاب واحد ، فلذلك جاز أن يقال للتوراة والإنجيل: زبور ، من زبرت أي كتبت ، وجمعه زبر ، ومن قال : زبور جعله جمع زبر (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) أحسن ما قيل فيه أنه يراد بها أرض الجنة لأن الأرض التي في الدنيا قد ورثها الصالحون وغيرهم.

قال سفيان : بلغني أنهم أهل الصلوات الخمس.

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان محمد عليه‌السلام رحمة لجميع الناس فمن آمن به وصدّق به سعد ومن لم يؤمن به سلم مما لحق الأمم من الخسف والغرق.

يجوز أن يكون «إنّما» بالكسر ؛ لأن معنى يوحى إلىّ : يقال إليّ.

(وَإِنْ أَدْرِي) بمعنى ما أدري ، وأدري في موضع رفع لأنه فعل مستقبل لم يقع عليه ناصب ولا جازم ، وحذفت الضمة من الياء لثقل الضمة فيها. (أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) قيل : يعني القيامة.

(وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ) قيل : يعني وما أدري لعلّ الإمهال فتنة لكم أي اختبار وتشديد في العبادة. (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) إلى انقضاء المدة.

(قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) (١) في موضع نصب ؛ لأنه نداء مضاف ، ومن قرأ أحكم بالحقّ (٢) فهو ابتداء وخبر ، وعن أبي جعفر أنه قرأ ربّ احكم بالحقّ (٣) وهذا عند النحويين لحن. لا يجوز عندهم : رجل أقبل ، حتّى تقول : يا رجل ، أو ما أشبهه :

(وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) أي على ما تصفونه من الكفر.

__________________

(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٣١ ، والبحر المحيط ٦ / ٣١٩.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٩ ، ومختصر ابن خالويه ٩٣.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٩ ، ومختصر ابن خالويه ٩٣.

٥٩

٢٢

شرح إعراب سورة الحجّ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا النَّاسُ النَّاسُ) مرفوعون على النعت لأي ، وأجاز المازني النصب على الموضع كما تقول : يا زيد الكريم أقبل. قال أبو إسحاق : هذا غلط من المازني ، لأن زيدا يجوز الوقف والاقتصار عليه ، ولا يجوز يا أيّها والنّاس هم المقصودون.

والمعنى : يا ناس اتّقوا ربّكم. (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ) وهي شدائدها ، ورجفة الأرض ، والآيات الباهرة.

(يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ) قال أبو إسحاق : تذهل تحيّر وتترك. مرضعة جارية على الفعل ؛ لأن بعدها (أَرْضَعَتْ) والكوفيون يقولون (١) : ما كان مخصوصا به المؤنث لم تدخل الهاء فيه نحو حائض وطالق وما أشبههما. قال علي بن سليمان :

الدليل على أنّ هذا القول غلط إثبات الهاء في موضعه. (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى) أي هي لشدّة الهول وخفقان القلب. وقرأ أبو هريرة (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) (٢) يكونان مفعولين. قال سيبويه (٣) يقال : سكارى وسكارى قال : وقوم يقولون : سكرى شبّهوه بمرضى ؛ لأنه آفة تدخل على العقل كالمرض. قال أبو جعفر :

قول سيبويه : وقوم يقولون : سكرى يدلّ على أنّ غير هذه اللغة أشهر منها.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢١٤.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٢٥ ، ومختصر ابن خالويه ٩٤ ، ومعاني الفراء ٢ / ٢١٥.

(٣) انظر الكتاب ٤ / ١١٨.

٦٠