إعراب القرآن - ج ٣

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٠

(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) نصب على الحال. (وَلَبِثْتَ فِينا) وإن شئت أدغمت الثاء في التاء لقربها منها (مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) وتحذف الضمّة لثقلها فيقال من عمرك ، وحكى سيبويه (١) فتح العين وإسكان الميم ومنه لعمرك ولا يستعمل في القسم عنده إلّا الفتح لخفّته. (سِنِينَ) على جمع التسليم ، وقد يقال : لبثت سنينا يا هذا. يجعل الإعراب في النون.

تكون الجملة في موضع الحال أي قتلت النفس وهذه حالك ، ويجوز أن يكون المعنى : وأنت السّاعة من الكافرين لنعمتي لأنك تطالبني أن أرسل معك بني إسرائيل.

قيل : معناه أي ضللت عن أن أعرف بأنّ تلك الضربة تقتل.

قال الأخفش : فقيل المعنى أو تلك نعمة وحذفت ألف الاستفهام. قال أبو جعفر : وهذا لا يجوز لأن ألف الاستفهام تحدث معنى وحذفها محال ، إلّا أن يكون في الكلام «أم» فيجوز حذفها في الشعر ولا أعلم بين النحويين في هذا اختلافا إلّا شيئا قاله الفراء (٢) قال : يجوز حذف ألف الاستفهام في أفعال الشكّ وحكى : ترى زيدا منطلقا بمعنى أترى. وكان عليّ بن سليمان يقول في مثل هذا : إنّما أخذه من ألفاظ العامة وكذا عنده : نعم زيدا إذا تقدّم ذكره إنما أخذه من ألفاظ العامة. ومذهب الفراء (٣) في معنى (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ) أنه على حذف. وأنّ المعنى هي لعمري نعمة إن مننت عليّ فلم تستعبدني واستعبدت بني إسرائيل أي : إنّما صارت لأنك استعبدت بني إسرائيل. وقول الضحاك : أنّ المعنى أنك تمنّ عليّ بما لا يجب أن تمنّ به أي يكون هذا على التّبكيت له والتبكيت يكون بغير استفهام وباستفهام ، ويجوز أن يكون هذا مثل (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء : ٧٩] ويكون تبكيتا أيضا ، وقول رابع في الآيتين جميعا : أن يكون القول محذوفا «إن عبّدت» في موضع رفع على البدل من نعمة ، ويجوز أن يكون أن في موضع نصب بمعنى لأن عبّدت بني إسرائيل.

__________________

(١) انظر الكتاب ١ / ٣٨٦.

(٢) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٩٤.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٧٩.

١٢١

(قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) فأجابه موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ف (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) أي إذا نظرتم إلى السموات والأرض وما فيهما من الآيات والحوادث علمتم وأيقنتم أنّ لهما صانعا ومدبّرا.

عليهم من الأول وأدنى إلى أفهامهم من الأول.

فخاطب موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الجماعة بما هو أقرب.

فجاء بدليل يفهمونه عنه لأنهم يعلمون أنهم قد كان لهم آباء ، وأنهم قد فنوا ، وأنهم لا بدّ لهم من مفن ، وأنهم قد كانوا بعد أن لم يكونوا وأنهم لا بد لهم من مكوّن.

(قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) فأجابه موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن هذا بأن (قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ليس ملكه كملكك لأنك إنما تملك بلدا واحدا لا يجوز أمرك في غيره ويميت من لا تحبّ أن يموت ، والذي أرسلني يملك المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون فستتبيّنون ما قلت.

(قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) فرفق به موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ف (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) أي أتجعلني من المسجونين ولو جئتك بشيء تتبيّن به صدق ما جئت به.

فلم يحتج الشرط إلى جواب عند سيبويه لأن ما تقدّم يكفي منه.

(قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) قال أبو إسحاق : أي أخّره عن وقتك وأخّر استتمام مناظرته

١٢٢

حتى تجتمع كل السحرة أرجئه بإثبات الهمزة في الإدراج ، ويجوز حذفها وإثبات الكسرة ، وفي الإدراج يجوز حذفها ، وإثبات الضمة بالهمزة وضمّ الهاء بغير واو.

ويجوز إثبات الواو على بعد. وإنما بعد ؛ لأن الهمزة ساكنة والواو ساكنة والحاجز بينهما ضعيف والواو في الأصل والياء على البدل منه وحذفهما ؛ لأن قبلهما ما يدلّ عليهما ، وأنهما زائدتان.

ومن قرأ (أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) بغير استفهام جعل معناه إنّك ممن يحبّنا ويبرّنا.

أي الّذين كان يقال لهم سحرة وذكروا بهذا الاسم ليدلّ على أنهم المذكورون قبل.

(إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) تمويه من فرعون وطغيان وعدوان أظهر أنّ السحرة واطئوا موسى عليه‌السلام على ما كان ، وأنّ موسى هو الذين علّمهم السحر.

(قالُوا لا ضَيْرَ) من ضار يضير. ويقال : ضار يضور بمعنى ضرّ يضرّ ضرّا وضررا.

(أَنْ) في موضع نصب والمعنى لأن كنا ، وأجاز الفراء (١) كسرها على أن يكون مجازاة.

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) من أسرى يسري ويجوز أن أسر من سرى يسري لغتان فصيحتان.

لام توكيد تدخل كثيرا في خبر إن إلّا أن الكوفيين لا يجيزون : إن زيدا لسوف يقوم. والدليل على أنه جائز (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الشعراء : ٤٩] فهذه لام التوكيد

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨٠.

١٢٣

بعينها قد دخلت على سوف (قَلِيلُونَ) جمع مسلّم كما يقال : أحدون.

من غاظ يغيظ وهي اللغة الفصيحة.

قراءة المدنيين وأبي عمرو ، وقراءة الكوفيين (حاذِرُونَ) (١) ، وهي معروفة عن عبد الله بن مسعود وابن عباس حادرون (٢) بالدال غير معجمة ، قراءة ابن أبي عمار.

قال أبو جعفر : أبو عبيدة يذهب إلى أن معنى حذرين وحاذرين واحد ، وهو قول سيبويه. وأجاز : هو حذر زيدا ، كما يقال : حاذر زيدا ، وأنشد : [الكامل]

٣١٢ ـ حذر أمورا لا تضير وآمن

ما ليس منجيه من الأقدار (٣)

قال أبو جعفر : حدّثني علي بن سليمان قال : حدّثنا محمد بن يزيد قال : سمعت أبا عثمان المازني يقول : قال أبو عثمان اللّاحقي : لقيني سيبويه فقال : أتعرف بيتا فيه فعل ناصبا؟ فلم أحفظ فيه شيئا وفكّرت فعملت له فيه هذا البيت ، وزعم أبو عمر الجرمي أنه يجوز هو حذر زيدا ، على حذف «من». فأما أكثر النحويين فيفرقون بين حذر وحاذر منهم الكسائي والفراء ومحمد بن يزيد ، ويذهبون إلى أنّ معنى حذر في خلقته الحذر أي منتبه متيقّظ فإذا كان هكذا لم يتعدّ ، ومعنى حاذر مستعد وبهذا جاء التفسير عن المتقدّمين. قال عبد الله بن مسعود في قول الله جلّ وعزّ : (حاذِرُونَ) قال : مؤدّون في الكراع والسلاح مقوون فهذا ذاك بعينه ، وقوله : مؤدّون معناه معهم أداة ، وقيل : المعنى معنا سلاح وليس معهم سلاح يحرّضون على القتال. فأما «حادرون» فمعنا مشتقّ من قولهم : عين حدرة أي ممتلئة أي نحن ممتلئون غيظا عليهم.

(كَذلِكَ) في موضع رفع والمعنى الأمر كذلك أي الأمر كما أخبرناكم من خبرهم.

(فَلَمَّا تَراءَا) هكذا الوقف كما تقول : تجافى القوم ، وتراخى إخوتك. لم تقف عليه فتقول : تجافى وتراخى ، ومن وقف فقال : تراءى فقد حذف لام الفعل ، وغلط من اعتلّ أنه فعل متقدّم غلطا قبيحا ، وذلك أن العلّة في قولنا : تراءى أنه مثل تداعى

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ١٧.

(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٦ ، والبحر المحيط ٦ / ١٨.

(٣) مرّ : الشاهد رقم (١٢١).

١٢٤

وتجافى ـ كما قلنا ، ولو كان متأخّرا لقيل : ترآيا فإن وصلت حذفت لالتقاء الساكنين فقلت : تراءى الجمعان. وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (١). قال الفراء (٢) : حفر واحتفر بمعنى واحد ، وكذلك لمدركون ولمدّركون بمعنى واحد. قال أبو جعفر : وليس كذا يقول النحويون الحذاق ، إنما يقولون مدركون ملحوقون ، ومدّركون مجتهد في لحاقهم ، كما يقال : كسبت بمعنى أصبت وظفرت ، واكتسبت بمعنى اجتهدت وطلبت. وهذا معنى قول سيبويه.

على تخفيف الهمزة الثانية ، وهو أحسن الوجوه لأنهم قد أجمعوا جميعا على تخفيف الثانية إذا كانتا في كلمة واحدة ، نحو آدم ، وإن شئت حققتهما فقلت : «نبأ إبراهيم» وإن شئت خفّفتهما فقلت «نبأ إبراهيم» ، وإن شئت خففت الأولى فقلت «نبأ إبراهيم». وثمّ وجه خامس إلّا أنه بعيد في العربية ، بعد لأنه جمع بين همزتين كأنهما في كلمة واحدة وحسن في فعال لأنه لا يأتي إلّا مدغما.

(قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) قال الأخفش : فيه حذف ، والمعنى : هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم فحذف كما قال : [البسط]

٣١٣ ـ القائد الخيل منكوبا دوابرها

قد أحكمت حكمات القدّ والأبقا (٣)

قال : والأبق الكتان فحذف. والمعنى : وقد أحكمت حكمات الأبق. وروي عن قتادة أنه قرأ (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) (٤) بضمّ الياء أي هل يسمعونكم أصواتهم. (إِذْ تَدْعُونَ) وإن شئت أدغمت الذال في التاء.

معطوف على يسمعونكم.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ١٩ ، ومختصر ابن خالويه ١٠٧.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨٠.

(٣) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٤٩ ، ولسان العرب (أبق) و (حكم) ، وتهذيب اللغة ٤ / ١١٤ ، وجمهرة اللغة ١٠٢٦ ، وتاج العروس (حكم) ، ومجمل اللغة ١ / ١٥٩ ، ومقاييس اللغة ١ / ٣٩ ، وديوان الأدب ٢ / ٣٢٩ ، وأساس البلاغة (حكم) ، وبلا نسبة في لسان العرب (حكم) ، والمخصّص ٤ / ٧١ ، وديوان الأدب ٢ / ١٣٣ ، وكتاب العين (حكم).

(٤) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٧.

١٢٥

(فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) واحد يؤدّي عن جماعة ، وكذلك يقال للمرأة : هي عدوّ الله وعدوّة الله ، حكاهما الفراء. قال أبو جعفر : وسألت علي بن سليمان عن العلّة فيه ، فقال من قال : عدوّة فأثبت الهاء قال : هي بمعنى معادية. ومن قال عدوّ للمؤنّث ، والجمع جعله بمعنى النسب. (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) قال أبو إسحاق : قال النحويون : هو استثناء ليس من الأول ، وأجاز أبو إسحاق أن يكون من الأول على أنهم كانوا يعبدون الله جلّ وعزّ ويعبدون معه الأصنام ، وتأوله الفراء (١) على الأصنام وحدها ، والمعنى عنده فإنّهم لو عبدتهم عدوّ لي إلّا ربّ العالمين أي عدوّ لي يوم القيامة.

(يَهْدِينِ وَيَسْقِينِ) : بغير ياء لأن الحذف في رؤوس الآيات حسن لتتّفق كلّها.

وقد قرأ ابن أبي إسحاق على جلالته ومحلّه من العربية هذه كلّها بالياء لأن الياء اسم وإنما دخلت النون لعلّة.

وقرأ الحسن : الذي أطمع أن يغفر لي خطاياي يوم الدين وقال ليست خطيئة واحدة. قال أبو جعفر : وخطيئة بمعنى خطايا معروف في كلام العرب ، وقد أجمعوا جميعا على التوحيد في قوّته جلّ وعزّ (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) [الملك : ١١] ومعناه بذنوبهم ، وكذا (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [النساء : ١٠٣] ومعناه الصلوات فكذا (خَطِيئَتِي) إن كانت خطايا ، والله أعلم.

(فَكُبْكِبُوا فِيها) قيل الضمير يعود على الأصنام وقد جرى الإخبار عنهم بالتذكير ، لأنهم أنزلوهم منزلة ما يعقل. (هُمْ وَالْغاوُونَ) الذين عبدوهم ، «والغاوون» الخائبون من رحمة الله جلّ وعزّ.

الذين دعوهم إلى عبادة الأصنام وساعدوا إبليس على ما يريد فهم جنوده.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨١.

١٢٦

رفع بفعلهم ، والمجرمون : الذين دعوهم إلى عبادة الأصنام.

في موضع رفع لأن المعنى : فما لنا شافعون.

ويجوز (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) بالرفع يكون عطفا على الموضع : لأن المعنى فما لنا شافعون ولا صديق حميم. وجمع صديق أصدقاء ، وصدقاء وصداق. ولا يقال :

صدق ، للفرق بين النعت وبين غيره ، وحكى الكوفيون أنه يقال في جمعه صدقان.

وهذا بعيد لأن هذا جمع ما ليس بنعت نحو رغيف ورغفان ، وحكوا أيضا صديق وأ صادق ، وأفاعل إنما هو جمع أفعل إذا لم يكن نعتا ، نحو أشجع وأشاجع. ويقال :

صديق للجماعة وللمرأة ، وجمع حميم أحمّاء وأحمّة ، وكرهوا أفعلاء للتضعيف.

أنّ في موضع رفع والمعنى : فلو وقع لنا رجوع إلى الحياة لآمنّا.

(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ) على تأنيث الجماعة.

(الْأَرْذَلُونَ) جمع الأرذل والمكسر أراذل والأنثى الرّذلى والجمع رذل ، ولا يجوز حذف الألف واللام في شيء من هذا عند أحد من النحويين علمناه ، ومنعوا جميعا سقطت له ثنّيتان علييان لا سفليان.

(الْفُلْكِ) زعم سيبويه أنه جمع فلك كأسد وأسد ، وقيل : فلك وفلك بمعنى واحد.

قال محمد بن يزيد (رِيعٍ) جمع ريعة.

فذمّوا على أن اتّخذوا ما لا يحتاجون إليه ووبخوا بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) أي لستم تخلدون فلم تبنون ما تموتون وتتركونه؟

١٢٧

قراءة شيبة ونافع وعاصم والأعمش وحمزة ، وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر والحسن (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) (١) بفتح الخاء. فالقراءة الأولى عند الفراء بمعنى عادة الأولين. قال أبو جعفر : وحكى لنا محمد بن الوليد عن محمد بن يزيد قال : خلق الأولين مذهبهم ، وما جرى عليه أمرهم. والقولان متقاربان من هذا الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» (٢) أي أحسنهم مذهبا وعادة وما يجري عليه الأمر في طاعة الله جلّ وعزّ ، ولا يجوز أن يكون من كان حسن الخلق فاجرا فاضلا ، ولا أن يكون أكمل إيمانا من السيئ الخلق الذي ليس بفاجر. قال أبو جعفر : وحكي لنا عن محمد بن يزيد أنّ معنى «خلق الأولين» تكذيبهم وتخرّصهم غير أنه كان يميل إلى القراءة الأولى لأن فيها مدح آبائهم ، وأكثر ما جاء القرآن في صفتهم مدحهم لآبائهم وقولهم : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٢]. (وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) الجملة في موضع خفض نعت لنخل. وأحسن ما قيل في معناه ما رواه الدّراوردي عن ابن أخي الزّهري عن عمه في قوله جلّ وعزّ : (طَلْعُها هَضِيمٌ) قال : الرّخص اللطيف أول ما يطلع ، وهو الطلع النضيد لأن بعضه فوق بعض.

(وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ) ويقال : تنحتون لأنه فيه حرفا من حروف الحلق. بيوتا فرهين(٣) قراءة المدنيين والبصريين ، وقرأ أبو صالح والكوفيون (فارِهِينَ) وقد اختلف العلماء في معناهما ففرق بينهما بعضهم وجعلهما بمعنى واحد. فقال أبو صالح ومعاوية بن قرّة ومنصور بن المعتمر والضحاك بن مزاحم ؛ فارهون حاذقون. قال مجاهد : «فرهون» أشرون بطرون. قال أبو جعفر : فهذا تفريق بين معنيين ، يكون «فارهون» من فره إذا كان حاذقا نشيطا ، و «فرهون» بمعنى فرحين فأبدل من الحاء هاء.

وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وينحتون من الجبال بيوتا فرهين قال :

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨١ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٢ ، وهذه قراءة عبد الله وعلقمة وابن كثير والكسائي أيضا.

(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٢ / ٢٥٠ ، وأبو داود في سننه (٤٦٨٢) ، والدارمي في سننه ٢ / ٣٢٣ ، والحاكم في المستدرك ١ / ٣ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٩ / ٢٤٨ والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٥ / ٣٥٥.

(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٢ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٤.

١٢٨

حاذقين. قال : فهذا بمعنى فارهين إن كان محفوظا عن ابن عباس وممن ذهب إلى أنّ فارهين وفرهين بمعنى واحد أبو عبيدة وقطرب. وحكى قطرب : فره يفره فهو فاره وفرع يفره فهو فره وفاره إذا كان نشيطا وهو منصوب على الحال.

(قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ) قال الفراء (١) : الشّرب الحظّ من الماء. قال أبو جعفر :

فأمّا المصدر فيقال فيه شرب شربا وشربا وشربا : وأكثرها المضمومة لأنّ المفتوحة والمكسورة يشتركان مع شيء آخر ، فيكون الشرب الحظّ من الماء ، ويكون الشّرب جمع شارب ، كما قال : [البسيط]

٣١٤ ـ فقلت للشّرب في درنا وقد ثملوا

شيموا وكيف يشيم الشّارب الثّمل (٢)

إلّا أنّ أبا عمرو بن العلاء رحمه‌الله والكسائي يختاران الشّرب بالفتح في المصدر ، ويحتجّان برواية بعض العلماء أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أنّها أيام أكل وشرب» (٣).

(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) لا يجوز إظهار التضعيف هاهنا لأنهما حرفان متحرّكان من جنس واحد (فَيَأْخُذَكُمْ) جواب النهي ، ولا يجوز حذف الفاء منه والجزم كما جاز في الأمر إلّا شيء روي عن الكسائي أنه يجيزه.

أي على عقرها لما أيقنوا بالعذاب ، ولم ينفعهم الندم لأن المحنة قد زالت لمّا وقع الاستيقان بالعذاب. وقيل : لم ينفعهم الندم لأنهم لم يتوبوا بل طلبوا صالحا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليقتلوه لمّا أيقنوا بالعذاب.

(إِلَّا عَجُوزاً) نصب على الاستثناء. (فِي الْغابِرِينَ) روى سعيد عن قتادة قال : غبرت في عذاب الله جلّ وعزّ أي بقيت ، وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من الباقين في الهرم أي بقيت حتى هرمت.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٧٢.

(٢) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٠٧ ، ولسان العرب (ثمل) و (درن) ، وجمهرة اللغة ٦٤٠ ، ومقاييس اللغة ١ / ٣٩٠ ، وأساس البلاغة (ثمل) ، وتاج العروس (ثفت) و (ثمل) ، و (درن).

(٣) أخرجه مالك في الموطأ باب ٤٤ حديث (١٣٥) ، وابن ماجة في سننه حديث (١٧١٩) وأبو داود في سننه حديث (٢٨١٣).

١٢٩

وقرأ أبو جعفر ونافع أصحاب لئيكة المرسلين (١) وكذا قرأ في «صاد» [آية : ١٣] ، وأجمع القراء على الخفض في التي في سورة «الحجر» [آية : ٧٨] والتي في سورة «ق» [آية : ١٤] فيجب أن يردّ ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه إذ كان المعنى واحدا. فأما ما حكاه أبو عبيدة من أنّ «ليكة» هي اسم القرية التي كانوا فيها وأنّ الأيكة اسم البلد كلّه فشيء لا يثبت ولا يعرف من قاله ، وإنما قيل : وهذا لا تثبت به حجّة حتّى يعرف من قاله فيثبت علمه ، ولو عرف من قاله لكان فيه نظر لأنّ أهل العلم جميعا من أهل التفسير والعلم بكلام العرب على خلافه. روى عبد الله بن وهب عن جرير بن حازم عن قتادة قال : أرسل شعيب صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أمّتين : أي قومه أهل مدين ، وإلى أصحاب الأيكة. قال : والأيكة غيضة من شجر ملتفّ. وروى سعيد عن قتادة. قال : كان أصحاب الأيكة أهل غيضة وشجر ، وكانت عامة شجرهم الدوم ، وهو شجر المقل وروى جويبر عن الضحاك ، قال : خرج أصحاب الأيكة يعني حين أصابهم الحر فانضموا إلى الغيضة والشجر فأرسل الله عليهم سحابة فاستظلّوا تحتها فلما تتامّوا تحتها أحرقوا ، ولو لم يكن في هذا إلّا ما روي عن ابن عباس قال : تحتها الشجر. ولا نعلم بين أهل اللغة اختلافا أنّ الأيكة الشجر الملتفّ. فأمّا احتجاج بعض من احتجّ لقراءة من قرأ في هذين الموضعين بالفتح بأنه في السواد ليكة فلا حجّة له فيه ، والقول فيه أنّ أصله الأيكة ثم خفّفت الهمزة فألقيت حركتها على اللّام وسقطت واستغنيت عن ألف الوصل ، لأن اللام قد تحرّكت فلا يجوز على هذا إلّا الخفض ، كما تقول : مررت بالأحمر ، على تحقيق الهمزة ثم تخفّفها فتقول : مررت بلحمر. فإن شئت كتبته في الخطّ كما كتبته أولا ، وإن شئت كتبته بالحذف ، ولم يجز إلّا بالخفض فكذا لا يجوز في الأيكة إلّا الخفض. قال سيبويه : واعلم أنّ كلّ ما ينصرف إذا دخلته الألف واللام أو أضيف انصرف إذا دخلته ، ولا نعلم أحدا خالف سيبويه في هذا.

عطف على الكاف والميم ويقال : جبلّة» والجمع فيهما جبال ، وتحذف الضمة والكسرة من الباء ، وكذلك التشديد من اللام فيقال : جبلة وجبل وجبلة وجبل. ويقال :

جبلة وجبال ، وتحذف الهاء من هذا كلّه.

__________________

(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٣ ، وتيسير الداني ١٣٥ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٦.

١٣٠

(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) هذه قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة إلّا الحسن فإنه قرأ هو والكوفيون (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (١) وبعض أهل اللغة يحتجّ لهذه القراءة بقوله جلّ وعزّ (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) لأن تنزيلا يدلّ على نزّل ، وهو احتجاج حسن ، وقد ذكره أبو عبيد والحجّة لمن قرأ بالتخفيف أن يقول : ليس هذا المصدر لأنّ المعنى وإنّ القرآن لتنزيل ربّ العالمين نزل به جبرائيل صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما قال جلّ وعزّ (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) [البقرة : ٩٧] فإنه نزّله على قلبك.

أي وإنّ الإنذار بمن أهلك لفي كتب الأولين. وفي قراءة الأعمش (لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (٢) حذف الضمة لثقلها كما يقال رسل.

أي أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل الذين أسلموا صحّة نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما عندهم في التوراة والإنجيل آية واضحة. ومن قرأ (تكن) (٣) أنّث لأن أن يعلمه هو الآية كما قال : [الكامل]

٣١٥ ـ فمضى وقدّمها وكانت عادة

منه إذا هي عرّدت إقدامها (٤)

ويبعد رفع آية لأن أن يعلمه هو الآية. وقرأ عاصم الجحدري أن تعلمه علماء بني إسرائيل(٥).

وقرأ الحسن على بعض الأعجميّين (٦). قال أبو جعفر : يقال رجل أعجم وأعجميّ إذا كان غير فصيح وإن كان عربيا ، ورجل عجميّ أصله من العجم وإن كان فصيحا ينسب إلى أصله ، إلّا أنّ الفراء أجاز أن يقال : رجل عجميّ.

__________________

(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٣ ، ومعاني الفراء ٢ / ٢٨٤ ، وتيسير الداني ١٣٥.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٨.

(٣) انظر تيسير الداني ١٣٥ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٣ ، والبحر المحيط ٧ / ٣٩ ، وهذه قراءة ابن عامر والجحدري.

(٤) الشاهد للبيد في ديوانه ٣٠٦ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٢٥٥ ، والخصائص ٢ / ٤١٥ ، ولسان العرب (عرد) و (قدم) ، وكتاب العين ٢ / ٣٢ ، وبلا نسبة في الخصائص ١ / ٧٠.

(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٩ ، ومختصر ابن خالويه ١٠٧.

(٦) انظر البحر المحيط ٧ / ٤٠ وهي قراءة ابن مقسم أيضا.

١٣١

وأجاز الفراء (١) الجزم في «يؤمنون» لأن فيه معنى الشرط والمجازاة ، زعم وحكي عن العرب : ربطت الفرس لا ينفلت بالرفع والجزم ، قال : لأن معناه إن لم أربطه ينفلت. والرفع عنده بمعنى كيلا ينفلت وكيلا يؤمنوا فلما حذف «كي» رفع. وهذا الكلام كلّه في يؤمنون خطأ على مذهب البصريين لا يجوز الجزم لا جازم ولا يكون شيء يعمل عملا أقوى من عمله وهو موجود ، فهذا احتجاج بيّن وإن شذّ قول لبعض البصريين لم يعرّج عليه إذ كان الأكثر يخالفه فيه.

قال الضحاك : يعني أهل مكة.

قال : يعني من العذاب والهلاك.

(ما) الأولى في موضع نصب ، والثانية في موضع رفع ، ويجوز أن تكون الأولى نفيا لا موضع لها.

قال الكسائي : (ذِكْرى) في موضع نصب على القطع ، وهذا لا يحصّل ، والقول فيه هو قول الفراء (٢) وأبي إسحاق أنّها في موضع نصب على المصدر. قال الفراء : أي يذّكّرون ذكرى وهذا قول صحيح لأنّ معنى (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) إلا لها مذكّرون. وذكرى لا يتبيّن فيه الإعراب ؛ لأن فيه ألفا مقصورة ، ويجوز «ذكرى» بالتنوين ، ويجوز أن يكون «ذكرى» في موضع رفع على إضمار مبتدأ. قال أبو إسحاق : أي إنذارنا ذكرى. وقال الفراء : أي ذلك ذكرى وتلك ذكرى.

وقرأ الحسن الشياطون (٣) وهو غلط عند جميع النحويين. قال أبو جعفر :

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨٣.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨٤.

(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٤٣ ، ومعاني الفراء ٢ / ٢٨٥ ، ومختصر ابن خالويه ١٠٨.

١٣٢

وسمعت علي بن سليمان يقول : سمعت محمد بن يزيد يقول : هكذا يكون غلط العلماء إنما يكون بدخول شبهة. لما رأى الحسن رحمه‌الله في آخره ياء ونونا وهو في موضع اشتبه عليه بالجمع المسلّم فغلط. وفي الحديث «احذروا زلّة العالم» (١) وقد قرأ هو مع الناس (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) [البقرة : ١٤] ولو كان هذا بالواو في موضع الرفع لوجب حذف النون للإضافة.

(وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) أي وما يصلح للشياطين أن ينزلوا بالوحي والأمر بطاعة الله جلّ وعزّ (وَما يَسْتَطِيعُونَ) أن يتقوّلوا مثل القرآن ، ولا أن يأخذوه من الملائكة استراقا لأنهم عن السمع لمعزولون.

قيل : قل لمن كفر هذا ، وقيل : هو مخاطبة له صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإن كان لا يفعل هذا لأنه معصوم مختار ولكنه خوطب بهذا ليعلم الله جلّ وعزّ حكمه في من عبد غيره كائنا من كان وبعد هذا ما يدلّ عليه وهو (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) أي لئلا يتّكلوا على نسبهم وقرابتهم منك فيدعوا ما يجب عليهم.

يقال : خفض جناحه إذا لان ورفق.

أي إنّي بريء من معصيتكم إيّاي ؛ لأن عصيانهم إياه عصيانهم لله جلّ وعزّ ؛ لأنه لا يأمرهم إلّا بما يرضاه الله جلّ وعزّ ، ومن تبرّأ الله جلّ وعزّ منه.

قيل : الشياطين تنزّل ؛ لأنها أكثر ما تكون في الهواء لضئولة خلقها وأنها بمنزلة الريح.

أي كذّاب يجترم الإثم تتنزّل عليه توسوس له بالمعصية.

__________________

(١) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال رقم (٢٨٨٣).

١٣٣

(يُلْقُونَ السَّمْعَ) قيل : الّذين يلقون السمع هم الذين تتنزّل عليهم أي يستمعون إلى الشياطين ويقبلون منهم ، وقيل : هم الشياطين يسترقون السمع.

ويجوز النصب على إضمار فعل يفسره يتّبعهم. وقيل : «الغاوون» هاهنا الزائلون عن الحقّ ، ودلّ : هذا على أن الشعراء أيضا غاوون لأنهم لو لم يكونوا غاوين ما كان أتباعهم كذلك.

أي هم بمنزلة الهائم لأنهم يذهبون في كلّ وجه من الباطل ولا يتّبعون سنن الحقّ ؛ لأن من اتّبع الحقّ وعلم أنّه يكتب عليه قوله تثبّت ولم يكن هائما يذهب على وجهه لا يبالي ما قال.

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) في موضع نصب على الاستثناء.

(وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) وإنما يكون الانتصار بالحقّ وبما حدّه الله جلّ وعزّ فإذا تجاوز ذلك فقد انتصر بالباطل. (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) وفي هذا تهديد لمن انتصر بظلم و «أيّ» منصوب بينقلبون ، وهو بمعنى المصدر ، ولا يجوز أن يكون منصوبا بسيعلم. والنحويون يقولون : لا يعمل في الاستفهام ما قبله. قال أبو جعفر: وحقيقة العلّة في ذلك أن الاستفهام معنى وما قبله معنى آخر ، فلو عمل فيه ما قبله لدخل بعض المعاني في بعض.

١٣٤

٢٧

شرح إعراب سورة النّمل

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ) بمعنى هذه تلك آيات القرآن ، ويجوز في هذا ما جاز في أول «البقرة» في قوله جلّ وعزّ (ذلِكَ الْكِتابُ) [البقرة : ٢]. (وَكِتابٍ مُبِينٍ) عطف على القرآن. قال أبو إسحاق : ويجوز «وكتاب مبين» (١) بمعنى وذلك كتاب مبين.

(هُدىً) في موضع نصب على الحال ، ويجوز فيه ما جاز في غيره في أول سورة «البقرة» في قوله جلّ وعزّ (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢].

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) في موضع رفع على إضمار مبتدأ ، ويجوز فيه ما جاز في أول سورة «البقرة» في قوله جلّ وعزّ (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٣]

(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) اسم «إنّ». (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) في موضع الخبر.

(أُوْلئِكَ) في موضع رفع بالابتداء. وخبره (الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) ويقال : «الّذون» في موضع الرفع. (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ. فِي الْآخِرَةِ) تبيين وليس بمتعلق بالأخسرين.

__________________

(١) وهي قراءة ابن أبي عبلة ، انظر البحر المحيط ٧ / ٥١.

١٣٥

(لَدُنْ) بمعنى عند إلّا أنّها مبنية غير معربة لأنها لا تتمكّن.

وقرأ المدنيون وأبو عمرو بشهاب قبس (١) وقرأ الكوفيون (بِشِهابٍ قَبَسٍ) فزعم الفراء(٢) في ترك التنوين أنه بمنزلة قولهم : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) [يوسف : ١٠٩] يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلفت أسماؤه. قال أبو جعفر : إضافة الشيء إلى نفسه محال عند البصريين (٣) ؛ لأن معنى الإضافة في اللغة ضمّ شيء ليبيّن به معنى الملك والنوع فمحال أن يبيّن أنه مالك نفسه أو من نوعها. و «بشهاب قبس» إضافة النوع إلى الجسم كما تقول : هذا ثوب خزّ. والشهاب كلّ ذي نور ، نحو الكوكب والعود الموقد. والقبس اسم لما يقتبس من جمر وما أشبه ، فالمعنى : بشهاب من قبس. يقال :

قبست قبسا ، والاسم قبس ، كما تقول : قبض قبضا والاسم القبض ، ومن قرأ «بشهاب قبس» جعله بدلا ، ويجوز «بشهاب قبسا» في غير القرآن على أنه مصدر أو بيان أو حال. (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أصل الطاء تاء فأبدل منها طاء لأنّ الطاء مطبقة ، والصاد مطبقة فكان الجمع بينهما حسنا.

قال أبو إسحاق «أن» في موضع نصب أي بأنه «قال». ويجوز أن يكون في موضع رفع ، جعلها اسم ما لم يسمّ فاعله. وحكى أبو حاتم : أن في قراءة أبيّ وابن عباس ومجاهد أن بوركت النار ومن حولها (٤) ومثل هذا لا يوجد بإسناد صحيح ، ولو صحّ لكان على التفسير ، وقد روى سعيد عن قتادة «أن بورك من في النّار ومن حولها» قال : الملائكة. وحكى الكسائي عن العرب : باركك الله ، وبارك فيك.

(فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) في موضع نصب على الحال. (كَأَنَّها جَانٌ) والجانّ عند العرب الثعبان ، وهو الحيّة العظيمة (وَلَّى مُدْبِراً) على الحال. (وَلَمْ يُعَقِّبْ) قال قتادة : أي لم

__________________

(١) انظر تيسير الداني ١٣٦ ، والبحر المحيط ٧ / ٥٣.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨٦.

(٣) انظر الإنصاف مسألة (٦١).

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨٦ ، والبحر المحيط ٧ / ٥٥.

١٣٦

يلتفت. (يا مُوسى لا تَخَفْ) أي قيل له لا تخف من الحيّة وضررها. (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) هذا تمام الكلام.

(إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) استثناء ليس من الأول في موضع نصب. وزعم الفراء (١) أن الاستثناء من محذوف ، والمعنى عنده : إنّي لا يخاف لديّ المرسلون إنّما يخاف غيرهم إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء فإنه لا يخاف ، وزعم الفراء (٢) : أيضا أنّ بعض النحويين يجعل إلّا بمعنى الواو. قال أبو جعفر : استثناء من محذوف محال لأنه استثناء من شيء لم يذكر ولو جاز هذا لجاز : إنّي أضرب القوم إلّا زيدا ، بمعنى لا أضرب القوم إنّما أضرب غيرهم إلّا زيدا ، وهذا ضدّ البيان ، والمجيء بما لا يعرف معناه. وأما كان إلّا بمعنى الواو فلا وجه له ولا يجوز في شيء من الكلام. ومعنى «إلّا» خلاف معنى الواو لأنك إذا قلت : جاءني إخوتك إلّا زيدا ، أخرجت زيدا مما دخل فيه الإخوة. وإذا قلت : جاءني إخوتك وزيد ، أدخلت زيدا فيما دخل فيه الإخوة فلا شبه بينهما ولا تقارب. وفي الآية قول ثالث : يكون المعنى أن موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خاف من الحية فقال له جلّ وعزّ : (لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) ، علم جلّ وعزّ أنّ من عصى منهم يسرّ الخيفة فاستثناه فقال : إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنا بعد سوء أي فانه يخاف ، وإن كنت قد غفرت له فإن قال قائل : فما معنى الخوف بعد التوبة والمغفرة؟ قيل له : هذه سبيل العلماء بالله جلّ وعزّ أن يكونوا خائفين من معاصيه ، وجلين ، وهم أيضا لا يأمنون أن يكون قد بقي من أشراط التوبة شيء لم يأتوا به ، فهم يخافون من المطالبة به ، وقرأ مجاهد (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) (٣) قال أبو جعفر :

وهذا بعيد من غير جهة ، منها أنه أقام الصفة مقام الموصوف في شيء مشترك ، ومنها أن ازدواج الكلام بدّل حسنا بعد سيئ على أن بعضهم قد أنشد بيت زهير : [البسيط]

٣١٦ ـ يطلب شأو امرأين قدّما حسنا

فاقا الملوك وبذّا هذه السّوقا (٤)

(تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) جزم «تخرج» لأنه جواب الأمر ، وفيه معنى المجازاة.

(فِي تِسْعِ آياتٍ) أحسن ما قيل فيه أنّ المعنى هذه الآية داخلة في تسع آيات.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨٧.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨٧.

(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٥٦ ، ومختصر ابن خالويه ١٠٨.

(٤) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ٥١ ، ولسان العرب (سوق) ، وتاج العروس (سوق).

١٣٧

(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) نصب على الحال. قال أبو إسحاق : ويجوز «مبصرة» أي مبيّنة تبصر. قال الأخفش : ويجوز «مبصرة» مصدر ، وكما يقال : «الولد مجبنة».

قال سعيد عن قتادة (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) قال : ورث منه النبوّة والملك صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) خبر ما لم يسم فاعله. والمنطق قد يقع لما يفهم بغير كلام ، والله جلّ وعزّ أعلم بما أراد.

يقال : إنّ الجنّ سخّرت له لأنه ملك مضارّها ومنافعها ، وسخّرت له الطير بأن جعل فيها ما يفهم عنه فكانت تستره من الشمس وغيرها. وقيل : لهذا تفقّد الهدهد.

الكلام في القول كما مضى في المنطق. (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) فجاء على خطاب الآدميين لما خبر عنهن بأخبار الآدميين. (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) يكون نهيا وجوابا ، والنون للتوكيد.

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) هذه قراءة المدنيين وأبي عمرو بإسكان الياء وقرءوا وما لي لا أعبد الذي فطرني [يس : ٢٢] بتحريك الياء ، فزعم قوم أنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما كان مبتدأ وبين ما كان معطوفا على ما قبله ، قال أبو جعفر :

وهذا ليس بشيء وإنما هي ياء النفس ، من العرب من يفتحها ، ومنهم من يسكنها ، فقرؤوا باللغتين والدليل على هذا أن جماعة من جلّة القراء قرءوها جميعا بالفتح ، منهم عبد الله بن كثير وعاصم والكسائي ، وأن حمزة قرأهما جميعا بالتسكين ، واللغة الفصيحة من ياء النفس أن تكون مفتوحة لأنها اسم وهي على حرف واحد فكان الاختيار أن لا تسكّن فيجحف بالاسم. (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) بمعنى أبل.

(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) مؤكد بالنون الثقيلة ، وهي لازمة هي

١٣٨

والخفيفة. قال أبو حاتم : ولو قرئت (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) لجاز (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ويجوز أن يكون هذا النون الخفيفة ثمّ أدغمت في النون التي مع الياء ، ويجوز أن تكون النون التي مع الياء حذفت ، كما يقال : إنّي ذاهب ويكون مؤكّدا بالثقيلة ، وأهل مكة يقرءون «أو ليأتينّني» (١).

(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) قراء عاصم ، وتروى عن الأعمش ، وقراءة سائر القراء (فَمَكَثَ) (٢) قال سيبويه : مكث يمكث مكوثا ، كما قالوا : قعد يقعد قعودا. قال :

ومكث مثل ظرف ، وحجّة من ضمّ عند سيبويه أنه غير متعدّ كظرف. قال أبو جعفر :

وسمعت علي بن سليمان يقول : الدليل على أن مكث أفصح قولهم ماكث ، ولا يقولون : مكث فهذا مخالف لظرف. قال أبو جعفر : وهذا احتجاج بيّن لأن فعل فهو فاعل لا يعرف في كلام العرب إلّا في أشياء مختلف فيها ، ومنها ما هو مردود. فأما اللواتي اختلف فيها فطلقت المرأة فهي طالق ، وقد قيل : طلقت ، وحمض الخلّ فهو حامض ، وقد قيل : حمض. وزعم أبو حاتم : أنّ قولهم فره فهو فاره لا اختلاف فيه.

كذا قال ، وقد حكى غيره : فره يفره فهو فره وفاره مثل حذر ، حكى هذا قطرب. (غَيْرَ بَعِيدٍ) قال أبو إسحاق : أي وقتا غير بعيد. (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) فكان في هذا ردّ على من قال : إنّ الأنبياء تعلم الغيب ، وحكى الفراء (٣) (أحطّ) يدغم التاء في الطاء ، وحكى أحتّ يقلب الطاء تاءا ويدغم «وجئتك من سبأ بنبإ يقين» قراءة المدنيين والكوفيين. وقرأ المكيون والبصريون (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (٤) بغير صرف وزعم الفراء أن الرّؤاسي سأل أبا عمرو بن العلاء رحمه‌الله عن سبأ فقال : ما أدري ما هو. وتأوّل الفراء على أبي عمرو أنه منعه من الصرف لأنه مجهول وأنه إذا لم يعرف الشيء لم ينصرف واحتجّ بقوله : [الطويل]

٣١٧ ـ يكن ما أساء النّار في رأس كبكبا (٥)

وأبو عمرو أجلّ من أن يقول مثل هذا ، وليس في حكاية الرؤاسي عنه دليل أنه إنّما منعه من الصرف لأنه لم يعرفه وإنما قال : لا أعرفه ، ولو سئل نحويّ عن اسم

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٢ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٩.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٢ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٧٩.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٨٩.

(٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٣.

(٥) الشاهد للأعشى في ديوانه ١٦٣ ، والكتاب ٣ / ١٠٦ ، وجمهرة اللغة ١٧٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ٤٩٢ ، ولسان العرب (زيب) و (كبب) ، وبلا نسبة في المقتضب ٢ / ٢٢ ، وصدره : «وتدفن منه الصالحات وإن يسيء»

١٣٩

فقال : لا أعرفه ، لم يكن في هذا دليل على أنه يمنعه من الصرف بل الحقّ على غير هذا ، والواجب إذا لم تعرفه أن تصرفه لأن أصل الأسماء الصرف ، وإنما يمنع الشيء من الصرف لعلّة داخلة عليه فالأصل ثابت فلا يزول بما لا يعرف. واحتجاجه بكبكب لا معنى له لأن كبكب جبل معروف ، منع من الصرف لأنه بقعة ، وإن كان الصرف فيه حسنا. والدليل على ما قلنا إن أبا عمرو إنما احتجّ بكلام العرب ولم يحتجّ بأنه لا يعرفه ، وأنشد للنابغة الجعدي : [المنسرح]

٣١٨ ـ من سبأ الحاضرين مأرب إذ

يبنون من دون سيله العرما (١)

وإن كان أبو عمرو قد عورض من هذا فروي «من سبأ الحاضرين ...» حذف التنوين لالتقاء الساكنين. قال أبو جعفر : سمعت علي بن سليمان يقول : سمعت محمد ابن يزيد يقول : سمعت عمارة يقرأ (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ) [يس : ٤٠] بالنصب ، حذف التنوين لالتقاء الساكنين. وقد تكلّم أبو عبيد القاسم بن سلام في هذا بكلام كثير التخليط ونمليه على نص ما قال ، إذ كان كتابه أصلا من الأصول ليوقف على نصّ ما قال ، ويعلم موضع الغلط منه. قال أبو عبيد : وهي قراءتنا التي نختار ، يعني «من سبأ بنبإ يقين» ، قال أبو عبيد : لأن سبأ اسم مؤنث لامرأة أو قبيلة ، وليس بخفيف فيجري لخفّته والذي يجريه يذهب به إلى أنه اسم رجل ، ومن ذهب إلى هذا لزمه أن يجري ثمود في كلّ القرآن فإنه وإن كان اليوم اسم قبيلة فإنه في الأصل اسم رجل وكذلك سبأ ، فإن قيل : إن ثمود أكثر في العدد من سبأ بحرف ، قيل : إن الحركة التي في الباء والهمزة قد زادتا في ثقله أكثر من ذلك الحرف أو مثله ، إنما الزيادة في ثمود واو ساكنة. قال أبو جعفر : قوله : «لأن سبأ اسم مؤنّث لامرأة أو قبيلة» يوجب أنه ترك صرفه لأحد هذين الأمرين ، وأحدهما لا يشبه صاحبه ، لأن اسم المرأة تأنيث حقيقى واسم القبيلة تأنيث غير حقيقي ، والاختيار عند سيبويه (٢) في أسماء القبائل إذ كان لا يستعمل فيها «بنو» الصرف نحو ثمود ، وقوله : «ليس بخفيف فيجري لخفّته» ليس بحجّة على من صرفه ؛ لأنه لم يقل أحد علمناه : صرفته لأنه خفيف. وقوله : «والذي يجريه يذهب به إلى أنه اسم رجل» ليس هذا حجّة من أجراه ، إنما حجته أنه اسم للحيّ وإن كان أصله على الحقيقة أنه اسم لرجل. روى فروة بن مسيك وعبد الله بن عباس عن النبي

__________________

(١) الشاهد للنابغة الجعدي في ديوانه ١٣٤ ، وجمهرة اللغة ص ٧٧٣ ، وسمط اللآلي ص ١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٤١ ، ولسان العرب (عرم) ، ولأميّة بن أبي الصلت في ديوانه ص ٥٩ ، وللنابغة الجعدي أو لأميّة في خزانة الأدب ٩ / ١٣٩ ، وللأعشى في معجم ما استعجم ص ١٧٠ ، وبلا نسبة في الكتاب ٣ / ٢٧٩ ، والاشتقاق ص ٤٨٩ ، وجمهرة اللغة ١١٠٧ ، ولسان العرب (سبأ) ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص (٥٩).

(٢) انظر الكتاب ٣ / ٢٧١.

١٤٠