إعراب القرآن - ج ٣

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]

إعراب القرآن - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل النحّاس [ ابن النحّاس ]


المحقق: عبدالمنعم خليل إبراهيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٠

فيها دلالة على خلافة أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ؛ لأنه لم يستخلف أحدا ممّن خوطب بهذه الآية غيرهم ؛ لأن هذه الآية نزلت قبل فتح مكة.

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الخلافة بعدي ثلاثون» (١) هذا للآية (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) وعاصم يقرأ : (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) مخففا ، وحكى محمد بن الجهم عن الفراء قال(٢) :

قرأ عاصم والأعمش : (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) مشددة ، وهذا غلط على عاصم وقد ذكرنا بعده غلطا أشدّ منه ، وهو أنه حكى عن سائر الناس التخفيف. قال أبو جعفر : زعم أحمد بن يحيى أن بين التخفيف والتثقيل فرقا وأنّه يقال : بدلته أي غيرته وأبدلته أنزلته ، وجعلت غيره. قال أبو جعفر : وهذا القول صحيح ، كما تقول : أبدل لي هذا الدرهم ، أي أزله وأعطني غيره ، وتقول : قد بدّلت بعدنا أي غيرت غير أنه قد يستعمل أحدهما في موضع الآخر ، والذي ذكر أكثر (يَعْبُدُونَنِي) في موضع نصب على الحال ، ويجوز أن يكون مستأنفا في موضع رفع.

(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) مفعولان ، وقرأ حمزة لا يحسبنّ (٣)

الذين كفروا معجزين في الأرض (٤) قال أبو جعفر : وما علمت أحدا من أهل العربيّة واللغة بصريا ولا كوفيّا وإلّا وهو يحظر أن تقرأ هذه القراءة. فمنهم من يقول هي لحن لأنه لم يأت إلّا بمفعول واحد ليحسبن ، وممن قال هذا أبو حاتم. وقال الفراء (٥) : هو ضعيف وأجازه على ضعفه على أنه يحذف المفعول الأول. والمعنى عنده : لا يحسبنّ الذين كفروا إيّاهم معجزين في الأرض ، ومعناه لا يحسبنّ أنفسهم معجزين في الأرض.

ورأيت أبا إسحاق يذهب إلى هذا القول أعني قول الفراء وسمعت علي بن سليمان يقول في هذه القراءة : ويكون «الذي» في موضع نصب قال : ويكون المعنى : لا يحسبنّ الكافر الذين كفروا معجزين في الأرض.

__________________

(١) أخرجه الترمذي في سننه ٩ / ٧٠ ، وأبو داود في سننه الحديث رقم (٦٤٦).

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٣١ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٥٩.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٥٨.

(٤) انظر تيسير الداني ١٣٢ ، وهذه قراءة ابن عامر أيضا.

(٥) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٥٩.

١٠١

وقرأ الحسن (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) (١) بإسكان اللام لثقل الضمة. وقرأ المدنيون وأبو عمرو (ثَلاثُ عَوْراتٍ) بالرفع ، وقرأ الكوفيون (ثلاث عورات) (٢) بالنصب ، والقول في هذا قريب من القول في يحسبنّ. قال أبو حاتم : النصب ضعيف مردود. قال الفراء (٣) : الرفع أحبّ إليّ. قال : وإنّما اخترت الرفع لأن المعنى هذه الخصال ثلاث عورات. والرفع عند الكسائي بالابتداء ، والخبر عنده ما بعده. ولم يقل بالعائد ، وقال نصا بالابتداء. قال : العورات الساعات التي تكون فيها العورة والخلوة إلا أنه قرأ بالنصب والنصب فيه قولان : أحدهما أنه مردود على قوله : (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ولهذا استبعده الفراء. قال أبو إسحاق : المعنى ليستأذنكم أوقات ثلاث عورات (طَوَّافُونَ) بمعنى هم طوافون. قال الفراء : كقولك في الكلام : إنّما هم خدمكم وطوافون عليكم. وأجاز الفراء (٤) نصب طوافون لأنه نكرة والمضمر في عليكم معرفة ، ولا يجيز البصريون أن يكون حالا من المضمر من الذين في «عليكم» وفي «بعضكم» لاختلاف العاملين. لا يجوز مررت بزيد ، ونزلت على عمرو العاقلين ، على النعت لهما. (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) لله بإضمار فعل أي يطوف بعضكم على بعض (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الكاف في موضع نصب أي يبيّن الله لكم آياته الدالّة على وحدانيته. تبيانا مثل ما بيّن لكم هذه الأشياء.

وقرأ الحسن الحلم (٥) حذف الضمة لثقلها. (فَلْيَسْتَأْذِنُوا) أي فليستأذنوا في كلّ الأوقات ، ولم يقل : فليستأذنوكم ، وقال في الأول : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ) لأن الأطفال غير مخاطبين ولا متعبّدين ...

(وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) جمع قاعد بحذف الهاء. وفيه ثلاثة أقوال : مذهب البصريين أنه على النسب ، ومذهب الكوفيين أنه لمّا كان لا يقع إلّا للمؤنّث لم يحتج فيه إلى الهاء ، والقول الثالث أنه جاء بغير هاء تفريقا بينه وبين القاعدة بمعنى الجالسة (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) على الحال ، أي لا يردن أن يظهرن زينتهنّ للرجال.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٣٣ ، ومختصر ابن خالويه ١٠٣.

(٢) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٥٩.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٦٠.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٦٠.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٣٣.

١٠٢

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) اسم ليس وقد ذكرناه. ومن حسن ما قيل فيه أنه في الجهاد. فأما معنى (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ) إلى آخر الآية. ففيه ثلاثة أقوال : منها أنه إنما يجوز ذلك بعد الإذن ، ومنها أنه قد كان علم أنهم لا يبخلون عليهم بهذا. والقول الثالث أن الآية منسوخة وأنّ هذا كان أول ، فلمّا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ دماءكم وأموالكم حرام إلّا بإذن ، وحرمة مال المسلم كحرمة دمه» (١) فوجب من هذا أنّه لا يحلّ لأحد شيء من مال أحد إلّا بإذن أو ما أجمع عليه المسلمون عند خوفه على هلاك نفسه. وقد قيل : إنّ الآية منسوخة بقوله جلّ وعزّ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) [النور : ٢٧] فإذا كان لا يدخل إلّا بإذن فهو من الطعام أبعد ، وقال جلّ وعزّ :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) [الأحزاب : ٥٣] ولو لم يكن في نسخ الآية إلّا الحديث الذي رواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يحتلبنّ أحدكم ماشية أخيه إلّا بإذنه أيحبّ أحدكم أن يؤتى إلى مشربته فتفتح خزانته فيوخذ طعامه لكان كافيا» (٢). وقرأ قتادة مفتاحه (٣)

وهي لغة ومفتح أكثر في كلام العرب يدلّك على ذلك جمعه على مفاتح. (أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً) نصب على الحال. (تَحِيَّةً) مصدر. قال أبو إسحاق : لأن معنى (فَسَلِّمُوا) فحيّوا ، وأجاز الكسائي والفراء رفع تحيّة بمعنى هي تحيّة (مِنْ عِنْدِ اللهِ) لأن الله أمر بها (مُبارَكَةً طَيِّبَةً) لأن سامعها يستطيب سمعها.

__________________

(١) أخرجه أبو داود في سننه الحديث (٤٨٨٢) ، وابن ماجة الحديث رقم (١٩٣١).

(٢) أخرجه مالك في الموطأ ـ الاستئذان باب ٦ ، الحديث رقم (١٧) ، والترمذي في سننه ـ البيوع ٥ / ٢٩٥ ، وابن ماجة في سننه باب ٦٨ الحديث (٢٣٠٢). والبخاري في صحيحه ٣ / ١٦٥ ، ومسلم في صحيحه كتاب اللقطة باب (٢) رقم (١٣).

(٣) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٣.

١٠٣

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) مبتدأ وخبره (وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) أي ما يحتاج فيه إلا الاجتماع من الحرب وغيرها (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) لأنه قد يحتاج إلى حضورهم.

(لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ) الكاف في موضع نصب مفعول ثان. (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) مصدر ، ويجوز أن يكون في موضع الحال أي ملاوذين. قال أبو إسحاق : أي مخالفين وحقيقته أنّ بعضهم يلوذ ببعض أي يستتر به لئلا يرى. يقال : لاوذ يلاوذ ملاوذة ولواذا ، ولاذ يلوذ لوذا ولياذا تقلب الواو ياء لانكسار ما قبلها اتباعا للاذ في الاعتلال ، فإذا كان مصدر فاعل لم يعلّ لأن فاعل لا يجوز أن يعلّ (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) «أن» في موضع نصب بيحذر ، ولا يجوز عند أكثر النحويين : حذر زيدا ، وهو في أن جائز لأن حروف الخفض تحذف معها (عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ) مبتدأ وخبره.

١٠٤

٢٥

شرح إعراب سورة الفرقان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(تَبارَكَ) قد تكلّم أهل اللغة في معناه ، فقال الفراء (١) : هي في العربية وتقدس واحد ، وهما للعظمة ، وقال أبو إسحاق ؛ تفاعل من البركة. قال : ومعنى البركة الكثرة من كل ذي خير ، وقيل : تبارك تعالى ، وقيل : المعنى تعالى عطاؤه أي زاد وكثر ، وقيل : المعنى دام وثبت أنعامه. وهذا أولاها في اللغة ، والاشتقاق من برك الشيء إذا ثبت ، ومنه برك الجمل. فأما القول الأول فمخلّط لأن التقدير إنما هو من الطهارة ، وليس من ذا في شيء (الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) في موضع رفع بفعله. والفرقان القرآن ؛ لأنه فرق بين الحقّ والباطل ، والمؤمن والكافر (عَلى عَبْدِهِ) ليكون إليه ، ويجوز أن يكون يعود على الفرقان. ويقال : أنذر إذا خوّف ، ونذير على التكثير.

(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في موضع رفع نعتا أو بدلا من الذي قبله.

قال أبو إسحاق : (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً) أي بظلم ، وقال غيره فقد آتوا ظلما وزورا.

(وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) على إضمار مبتدأ أي وقالوا الذي أتيت به أساطير الأولين. قال أبو إسحاق ؛ واحدها اسطورة مثل أحدوثة وأحاديث ، وقال غيره : أساطير جمع أسطار مثل أقوال وأقاويل. وروي عن ابن عباس رحمه‌الله أن الذي قال هذا النّضر بن الحارث ، وكذا كلّ ما كان في القرآن فيه ذكر الأساطير. قال محمد بن

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٦٢.

١٠٥

إسحاق فكان مؤذيا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ) على لغة من قال : أملى ، ومن قال: أملّ قال تملّ عليه (بُكْرَةً وَأَصِيلاً).

(وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ) قال أبو إسحاق : «ما» منفصلة. والمعنى أيّ شيء لهذا الرسول في حال مشيه وأكله؟ (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ) أي هلّا (فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) جواب الاستفهام.

(أَوْ يُلْقى) في موضع رفع ، والمعنى أو هلّا يلقى إليه كنز أو هلّا (تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم ، وقرأ الكوفيون (نَأْكُلَ مِنْها) (١) بالنون. والقراءتان حسنتان تؤدّيان عن معنيين ، وإن كانت القراءة بالياء أبين لأنه قد تقدّم ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده فأن يعود الضمير إليه أبين.

(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي ضربوا لك هذه الأمثال ليتوصلوا إلى تكذيبك (فَضَلُّوا) عن سبيل الحقّ وعن بلوغ ما أرادوا (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) أي إلى تصحيح ما قالوا فيك.

(تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) شرط ومجازاة ، ولم يدغم لأن الكلمتين منفصلتان ، ويجوز الإدغام لاجتماع المثلين (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) يكون في موضع جزم عطفا على موضع «جعل» ، ويجوز أن يكون في موضع رفع معطوفا على الأولين ثم يدغم ، وأجاز الفراء (٢) النصب على الصرف. وقرأ أهل الشام ويروى عن عاصم أيضا (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) (٣) بالرفع أي وسيجعل لك في الآخرة قصورا.

__________________

(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٦٢ ، والبحر المحيط ٦ / ٤٤٣.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٦٣.

(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ، والبحر المحيط ٦ / ٤٤٤.

١٠٦

قال أبو إسحاق : (ثُبُوراً) نصبه على المصدر أي ثبرنا ثبورا ، وقال غيره : هو مفعول به أي دعوا الثبور ، كما يقال : يا عجباه أي هذا من أوقاتك فاحضر ، وهذا أبلغ من تعجّبت.

أي بلاؤكم أعظم من أن تدعوا الثبور مرة واحدة ولكن يدعونه مرارا كثيرة ، ولم يجمع الثبور لأنه مصدر.

كما حكى سيبويه (١) عن العرب : الشّقاء أحبّ إليك أم السعادة؟ وقد علم أن السعادة أحبّ إليه ، وقيل : هذا للتنبيه ، وقيل : المعنى : أذلك خير على غير تأويل من ، كما يقال : عنده خير. وهذا قول حسن ، كما قال : [الوافر]

٣٠٩ ـ فشرّكما لخيركما الفداء (٢)

وفي الآية قول ثالث وهو أن الكوفيين يجيزون : العسل أحلى من الخل ، وهذا قول مردود ؛ لأنّ معنى : فلان خير من فلان ، أنّه أكثر خيرا منه ، ولا حلاوة في الخلّ ولا يجوز أن تقول : النصرانيّ خير من اليهوديّ ؛ لأنه لا خير فيهما فيكون أحدهما أزيد في الخير من الآخر ، ولكن يقال : اليهوديّ شرّ من النصرانيّ ، فعلى هذا كلام العرب.

وقرأ الحسن وأبو جعفر أن نتّخذ (٣) بضم النون. وقد تكلم في هذه القراءة النحويون ، وأجمعوا على أن فتح النون أولى ، فقال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر لا يجوز (نتّخذ) قال أبو عمرو : لو كانت «نتّخذ» لحذفت (من) الثانية ، فقلت : أن نتّخذ من دونك أولياء ، ومثل أبي عمرو على جلالته ومحلّه يستحسن منه هذا القول : لأنه جاء بعلّة بيّنة. وشرح ما قال إنه يقال : ما اتّخذت رجلا وليّا ، فيجوز أن يقع هذا لواحد

__________________

(١) انظر الكتاب ٣ / ١٩٣.

(٢) الشاهد لحسان بن ثابت في ديوانه ٧٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٣٨٨ ، ولسان العرب (ندد) و (عرش) ، وتفسير الطبري ١ / ١٦٣.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٤٨ ، ومعاني الفراء ٢ / ٢٦٤.

١٠٧

بعينه ثم يقال : ما اتخذت من رجل وليّا ، فيكون نفيا عاما ، وقولك : وليّا تابع لما قبله فلا يجوز أن يدخل فيه من لأنه لا فائدة في ذلك ، وحكى الفراء (١) عن العرب أنهم لا يقولون : ما رأيت عبد الله من رجل ، غير أنه أبطل هذا ، وترك ما روى عن العرب ، وأجاز ذلك من قبل نفسه فقال : ولو أرادوا ما رأيت من رجل عبد الله لجاز إدخال من تتأوّل القلب. قال أبو إسحاق : وهذا خطأ لا يجوز البتّة ، وهو كما قال. ثم رجع الفراء فقال : والعرب إنما تدخل من في الأسماء وهذه مناقضة بيّنة وأجاز ذلك الكسائي أيضا ، ثم قال : وهو قبيح. (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ) أي طالت أعمارهم بعد موت الرسل صلوات الله عليهم فنسوا وهلكوا.

(فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ) تأوله أبو عبيد بمعنى فيما يقولون ، وقال غيره : هذه مخاطبة للأنبياء صلّى الله عليهم وسلّم فما تستطيعون صرفا ولا نصرا. قيل : فما يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب ولا أن ينصر بعضهم بعضا.

إذا دخلت اللام لم يكن في «إن» إلا الكسر ، ولو لم تكن اللام ما جاز أيضا إلا الكسر لأنها مستأنفة. وهذا قول جميع النحويين إلا أنّ علي بن سليمان حكى لنا عن محمد بن يزيد أنه قال : يجوز الفتح في إنّ هذه وإن كان بعدها اللام ، وأحسبه وهما منه. قال أبو إسحاق : المعنى : وما أرسلنا قبلك رسلا إلّا أنهم ليأكلون الطعام ثم حذف من لأنّ من تدلّ على المحذوف. وقال الفراء (٢) : «من» محذوفة أي إلّا أن منهم من ليأكلون الطّعام ، وشبّهه بقوله : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤].

قال أبو إسحاق : هذا خطأ لأنّ من موصولة فلا يجوز حذفها. (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) الفتنة في اللغة الاختبار ، وفي الحديث «الغنيّ للفقير فتنة والفقير للغنيّ فتنة والقويّ للضعيف فتنة والضعيف للقويّ فتنة». والمعنى في هذا أن كلّ واحد منهما مختبر بصاحبه فالغنيّ مختبر بالفقير عليه أن يواسيه ولا يسخر منه ، والفقير ممتحن بالغنيّ عليه أن لا يحسده وأن لا يأخذ منه إلا ما أعطاه ، وأن يصبر كلّ واحد منهما على الحقّ ، كما قال الضحاك : في معنى (أَتَصْبِرُونَ) أي على الحق. (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) أي بما تعملون أي فيما امتحنكم فيه.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٦٤.

(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٦٤.

١٠٨

لا يجوز أن يكون يوم يرون منصوبا ببشرى لأن ما في خبر التعجّب أو في خبر النفي لا يعمل فيما قبله ولكن فيه تقديران : يكون المعنى : يمنعون البشارة يوم يرون الملائكة ودلّ على هذا الحذف ما بعده ، ويجوز أن يكون التقدير لا بشرى تكون «يوم يرون الملائكة» و «يومئذ» مؤكد ، ويجوز أن يكون المعنى اذكر يوم يرون الملائكة.

(وَيَقُولُونَ حِجْراً) مصدر أي منعا ومنه حجرت على فلان ، ومنه قيل حجرة.

أي لا ينتفع به أي أبطلناه. وليس هباء من ذوات الهمزة وإنما همزت لالتقاء الساكنين ، والتصغير هبيّ في موضع الرفع ، ومن النحويين من يقول : هبيّ في موضع الرفع.

(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) ابتداء وخبر ، وقد ذكرنا مثله قبل هذا في (أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) [الفرقان : ١٥] وحكينا قول الكوفيين أنهم يجيزون : العسل أحلى من الخلّ. وذكر الفراء (١) في هذه الآية ما هو أكثر من هذا ، فزعم أنّ المعنى :

أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرّا من أهل النار ، وليس في مستقرّ أهل النار خير ، فكأنه ردّ على نفسه ، وسمعت علي بن سليمان يقول في هذا ويحكيه إنّ المعنى : لمّا كنتم تعملون عمل أهل النار صرتم كأنكم تقولون : إنّ في ذلك خيرا ، وقيل خير مستقرّا مما أنتم فيه ، وقيل : خير على غير معنى أفعل ، ويكون مستقرّ ظرفا ، وعلى ما مرّ يكون منصوبا على البيان.

(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) الأصل تتشقّق أدغمت التاء في الشين ، وقرأ الكوفيون (تَشَقَّقُ) (٢) حذفوا التاء لأن التاء الباقية تدلّ عليها.

(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) مبتدأ وخبر. وأجاز أبو إسحاق نصب الحقّ بمعنى أحقّ الحقّ أو أعني الحقّ. (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) الفعل منه عسر يعسر وعسر يعسر.

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٦٦.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٣.

١٠٩

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) الماضي عضضت وحكى الكسائي عضضت بفتح الضاد الأولى. وجاء التوقيف عن أهل التفسير منهم ابن عباس وسعيد بن المسيّب أنّ الظالم هاهنا عقبة بن أبي معيط ، وأن خليله أميّة بن خلف. فعقبة قتله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأميّة قتله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان هذا من دلائل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه خبّر عنهما بهذا فقتلا على الكفر ولم يسميا في الآية ؛ لأنه أبلغ في الفائدة ليعلم أنّ هذه سبيل كل ظالم قبل من غيره في معصية الله جلّ وعزّ.

(يا وَيْلَتى) وقرأ الحسن يا ويلتي (١) بالياء. والقراءة الأولى أكثر في كلام العرب لأنهم يحذفون إذا قالوا : يا غلام أقبل ؛ لأن النداء موضع حذف ، وكان الأصمعي ينشد بيت زهير : [الطويل]

٣١٠ ـ تبصّر خليل هل ترى من ظعائن

تحمّلن بالعلياء من فوق جرثم (٢)

وينكر رواية من روى «تبصر خليلي» لأنه كان يقصد الروايات الصّحاح الفصيحة ، ولا يعرّج على الشاذّ ، وكذا روى أهل اللغة : [البسيط]

٣١١ ـ قالت هريرة لمّا جئت زائرها

ويلا عليك وويلا منك يا رجل (٣)

(الْقُرْآنَ) نعت لهذا ؛ لأن هذا ينعت بما فيه الألف واللام وإن لم يكن جاريا على الفعل (مَهْجُوراً) مفعول ثان.

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، وكذا الكاف في (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) المعنى تثبيتا كذلك التثبيت ، هذا على أن يكون التمام عند قوله جلّ وعزّ : (جُمْلَةً واحِدَةً) وإن كان التمام عند «كذلك» كان التقدير ترتيلا

__________________

(١) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٤ ، والبحر المحيط ٦ / ٤٥٤ ، وهي قراءة ابن قطيب أيضا.

(٢) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٩ ، والدرر ١ / ١٠٣ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٨٤ ، ولسان العرب (علا) ، وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢ / ٥٤٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٣٧.

(٣) مرّ الشاهد رقم (١١٩).

١١٠

كذلك. وهذا لما لم يجد المشركون سبيلا إلى تكذيب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببرهان ولا حجّة قالوا (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) فسألوا ما الصّلاح في غيره ؛ لأن القرآن كان ينزّل مفرّقا جوابا عما يسألون عنه ، وكان ذلك من علامات النبوة لأنهم لا يسألون عن شيء إلّا أجيبوا عنه. وهذا لا يكون إلّا من نبيّ فكان ذلك تثبيتا لفؤاده وأفئدتهم ، ويدلّ على هذا الجواب.

ولو نزل جملة لكان قد سبق الحوادث التي كانت ينزل فيها القرآن ، ولو نزل جملة بما فيه من الفرائض لثقل ذلك عليهم علم الله جلّ وعزّ. إنّ الصلاح في إنزاله متفرّقا لأنهم ينبّهون به مرّة بعد مرّة ولو نزل جملة لزال معنى التنبيه ، وفيه ناسخ ومنسوخ فكانوا يعبّدون بالشيء إلى وقت بعينه قد علم الله جلّ وعزّ فيه الصلاح ثم ينزل النسخ بعد ذلك فمحال أن ينزل جملة افعلوا كذا وكذا ، ولا تفعلوا ، والأولى أن يكون التمام «جملة واحدة» ؛ لأنه إذا وقف على «كذلك» صار المعنى كالتوراة والإنجيل والزّبور ، ولم يتقدّم لهما ذكر. قال أبو إسحاق : (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) أي أنزلناه. قيل :

الترتيل وهو التمكّث وهو ضدّ العجلة.

(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ) في موضع رفع الابتداء وخبره في الجملة.

وقد ذكرنا معناه المروي مرفوعا. وقد قيل : هو تمثيل ، كما تقول : جاءني على وجهه ، أي كارها.

(وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ) على البدل. (وَزِيراً) مفعول ثان. والوزير في اللغة المعاون الذي يلجأ إليه صاحبه مشتقّ من الوزر وهو الملجأ. قال الله جلّ وعزّ (كَلَّا لا وَزَرَ) [القيامة : ١١].

قال الفراء (١) : إنما أمر موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذهاب وحده في المعنى ، وهذا بمنزلة قوله :

(نَسِيا حُوتَهُما) [الكهف : ٦١] ، وبمنزلة قوله (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] وإنما يخرج من أحدهما. قال أبو جعفر : وهذا مما لا ينبغي أن يجترأ

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٦٨.

١١١

به على كتاب الله جلّ وعزّ وقد قال جلّ ثناؤه (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) [طه : ٤٤ ، ٤٥] ونظير هذا في قوله :

(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) [الرحمن : ٦٢] ، وقد قال جلّ ثناؤه (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا) [المؤمنون : ٤٥].

(وَقَوْمَ نُوحٍ) في نصبه أقوال : يكون معطوفا على المضمر في (فَدَمَّرْناهُمْ) أو يكون بمعنى واذكر ، ويكون على إضمار فعل يفسّره ما بعده ، والتقدير وأغرقنا قوم نوح.

فهذه ثلاثة أقوال ، وزعم الفراء أنه منصوب بأغرقناهم ، وهذا لا يحصل لأن أغرقنا ليس ممّا يتعدّى إلى مفعولين فيعمل في المضمر وفي قوم نوح.

يكون هذا كلّه معطوفا على قوم نوح إذا كان قوم نوح منصوبا على العطف أو بمعنى واذكر ، ويجوز أن يكون هذا كلّه منصوبا على أنه معطوف على المضمر في (وَجَعَلْناهُمْ) وهو أولى لأنه أقرب إليه.

(وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) قال أبو إسحاق : وأنذر كلّا. قال : والتتبير التدمير ، ومنه قيل : لمتكسّر الزجاج تبر ، وكذلك تبر الذهب.

قيل : هذا للكفار الذين كفروا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنهم قد أتوا على مدائن قوم لوط عليه‌السلام ، وعلموا أنهم أهلكوا بكفرهم (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) من ينكر الأضداد يقول : يرجون على بابه لأنهم إنّما كفروا بالآخرة على دفع منهم للحقّ ليس على يقين فهم لا يرجونها ، وكان أبو إسحاق أحد من ينكر الأضداد ، وقال :

المعنى : بل كانوا لا يرجون ثواب النشور فاجترؤوا على المعاصي.

(وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) جواب (إِذا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) لأن معناه يتّخذونك وقيل : الجواب محذوف لأن المعنى قالوا : أهذا الذي بعث هو (الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)

١١٢

ونصب رسول على الحال ، ويجوز أن يكون مصدرا لأن معنى بعث أرسل. ومعنى رسول رسالة على هذا.

(أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) قيل معناه أفأنت تجبره على ذلك.

(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ) ولم يقل : أنّهم لأن منهم من قد علم أنه يؤمن وذمّهم جلّ وعزّ بهذا (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ) سماع قبول أو يفكّرون فيما تقوله فيعقلونه أي هم بمنزلة من لا يعقل ولا يسمع. وقيل : المعنى أنهم لمّا ينتفعوا بما يسمعون فكأنّهم لم يسمعوا. (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) أي إنّهم لا يفهمون (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) لأنهم يكذّبون بما يسمعون من الصدق ، وليس كذا الأنعام.

(أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) حذفت الألف للجزم ، والأصل الهمز ، والتخفيف لازم للمضارع من هذا لكثرة الاستعمال. وقد ذكرنا معنى الآية.

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) مفعولان (وَالنَّوْمَ سُباتاً) عطف و «سبات» بمعنى الراحة ، وأعاد «جعل» توكيدا ولو كان والنهار نشورا لجاز في غير القرآن. قال الأخفش سعيد : واحد الأناسيّ إنسيّ. وكذا قال محمد بن يزيد ، وهو أحد قولي الفراء (١) ، وله قول آخر وهو أن يكون واحد الأناسيّ إنسانا لم يبدل من النون ياء فيقول : أناسيّ ويجب على قوله أن يقول في جمع سرحان : سراحيّ. لا فرق بينهما ، وحكى أيضا (وَأَناسِيَّ كَثِيراً) بالتخفيف.

(وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ) وهو المطر كما قال عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس :

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٧٠.

١١٣

ليس عام بأكثر مطرا من عام ، ولكنّ الله يصرفه حيث يشاء. (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) لا يعلم بين أهل التفسير اختلافا أنّ الكفر هاهنا قولهم : «مطرنا بنوء كذا وكذا» (١) وأن نظيره قول المنجّم : فعل النجم كذا وكذا ، وأنّ كلّ من نسب إليها فعلا فهو كافر.

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) للعلماء في هذا ثلاثة أقوال : فمن أجلها ما روي عن ابن عباس ، قال : النسب سبع (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) [النساء : ٢٣] والصّهر السبع (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) [النساء : ٢٣] إلى آخر الآية. وشرح هذا أنّ السبع الأول من النسب فتقديره في العربية : فجعله ذا نسب وذا صهر. والسبع الذين من الصهر أي ممن يقع فيهم الصهر لو لا ما حدث ، وقال الضحاك : النسب الأقرباء ، والصهر ذوات الرضاع ، والقول الثالث : أنّ النسب الذكر من الأولاد ، والصهر الإناث من الأولاد ؛ لأنّ المصاهرة من جهتين تكون.

(وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) روي عن ابن عباس الكافر هاهنا أبو جهل وشيعته لأنه يستظهر بعبدة الأوثان على أولياء ربه. وقال عكرمة : الكافر إبليس ظهير على عداوة ربه ، وقال مطر : الكافر هاهنا الشيطان.

(مِنْ) في موضع ونصب استثناء ليس من الأول. والتقدير : لكن من شاء أن ينفق ابتغاء مرضاة الله ليتّخذ إلى ثواب ربّه طريقا فليفعل.

(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ) في رفعه ثلاثة أوجه يكون بدلا من المضمر الذي في استوى ، ويجوز أن يكون مرفوعا بمعنى هو الرحمن ، ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً). ويجوز الخفض بمعنى وتوكّل على الحيّ الذي لا يموت الرّحمن ، يكون نعتا ، ويجوز النصب على المدح.

__________________

(١) يشير إلى الحديث : «أصبح الناس بين مؤمن وكافر فمن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» ، أخرجه مالك في الموطأ باب ٣ ، الحديث رقم (٦).

١١٤

هذه قراءة المدنيين والبصريين ، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي لما يأمرنا (١) بالياء. والقراءة الأولى اختيار أبي عبيد ، وتأوّل الثانية فيما نرى «أنسجد لما يأمرنا الرحمن» ، قال : ولو أقرّوا بأنّ الرحمن أمرهم ما كانوا كفارا ، وليس يجب أن يتأوّل عن الكوفيين في قراءتهم بهذا التأويل البعيد ، ولكن الأولى أن يكون التأويل لهم أنسجد لما يأمرنا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتصح القراءة على هذا ، وإن كانت الأولى أبين وأقرب متناولا.

هذه قراءة المدنيين والبصريين وعاصم ، وقرأ سائر الكوفيين سرجا (٢) والقراءة الأولى أولى عند أبي عبيد ، لأنه تأول أن السرج النّجوم ، وأنّ البروج النجوم ، وليس يجب أن يتأوّل لهم هذا فيجيء المعنى نجوما ونجوما ، ولكن التأويل لهم أن أبان بن تغلب قال : السّرج النجوم الدراريّ فعلى هذا تصحّ القراءة ويكون مثل قوله جلّ وعزّ (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] فأعيد ذكر النجوم النيّرة ، وإن كانت القراءة الأولى أبين وأوضح تأويلا. قال ابن عباس : السراج الشمس وروى عصمة عن الأعمش (وَقَمَراً) (٣) بضم القاف وإسكان الميم. وهذه قراءة شاذة.

ولو لم يكن فيها إلا أن أحمد بن حنبل وهو إمام المسلمين في وقته قال : لا تكتبوا ما يحكيه عصمة الذي يروي القراءات. وقد أولع أبو حاتم السجستاني بذكر ما يرويه عصمة هذا.

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) هذه قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم على اختلاف عنه والكسائي ، وقرأ الأعمش وحمزة (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) (٤)

الأصل في «يذّكّر» يتذكّر ثم أدغمت التاء في الدال أي يتذكّر ويتفكّر في خلق الله ، فإنّ الدلالة فيه بيّنة فهذه القراءة بيّنة ويذكر يجوز أن يتبيّن هذه الأشياء بذكره.

(وَعِبادُ الرَّحْمنِ) رفع بالابتداء وقد أشكل على جماعة من النحويين هذا حتى قال

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٦ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٦٦.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٧.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٨ ، وهي قراءة الحسن والنخعيّ.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٨ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٦٦.

١١٥

الأخفش : هو مبتدأ بلا خبر يذهب إلى أنه محذوف ورأيت أبا إسحاق قد جاء في هذا بما هو أولى من قول الأخفش هذا قال : «عباد» مرفوع بالابتداء و (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) من صفتهم «والذين» الذي بعده عطف عليه والخبر (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) [الفرقان: ٧٥] قال : ويجوز أن يكون الخبر (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ قالُوا سَلاماً) مصدر. وقد ذكرنا معناه. (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا) قال أبو إسحاق : «مستقرا» منصوب على التمييز أي في المستقر سبيل التمييز أن يكون فيه معنى «من» فالمعنى : ساءت من المستقرات.

(وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) هذه قراءة الأعمش وحمزة والكسائي وعاصم ويحيى بن وثاب على اختلاف عنهما وهي قراءة حسنة من قتر يقتر وهذا القياس في اللازم مثل قعد يقعد. وقرأ أبو عمرو (لَمْ يَقْتُرُوا) (١) وهي لغة معروفة حسنة ، وقرأ أهل المدينة (وَلَمْ يَقْتُرُوا) (٢) وتعجّب أبو حاتم من قراءة أهل المدينة هذه لأن أهل المدينة عنده لا يقع في قراءتهم الشاذّ فانّما يقال : أقتر يقتر إذا افتقر ، كما قال جلّ وعزّ (وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) [البقرة : ٢٣٦] وتأوّل أبو حاتم لهم أنّ المسرف يفتقر سريعا ، وهذا تأويل بعيد ولكن التأويل لهم أن أبا عمر الجرمي حكى عن الأصمعي أنه يقال للإنسان إذا ضيّق : قتر يقتر ويقتر وقتّر يقتّر وأقتر يقتر فعلى هذا تصحّ القراءة وإن كان فتح الياء أصحّ وأقرب متناولا وأشهر وأعرف. ومن أحسن ما قيل في معناه ما حدّثناه الحسن بن غليب قال : حدّثني عمران بن أبي عمران قال : حدّثنا خلّاد بن سليمان الحضرمي. قال : حدّثني عمرو بن أبي لبيد عن أبي عبد الرحمن الحبلي في قوله جلّ وعزّ (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) قال : من أنفق في غير طاعة الله فهو الإسراف ومن أمسك عن طاعة الله فهو الإقتار ، ومن أنفق في طاعة الله فهو القوام. قال أبو إسحاق : تفسر هذه الآية على الحقيقة ما أدّب الله جلّ وعزّ به نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [الإسراء : ٢٩] (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) خبر كان واسم كان فيها مضمر دلّ عليه أنفقوا ، والتقدير :

كان الإنفاق بين الإسراف والقتور عدلا. وللفراء قول آخر يجعل «بين» اسم كان وينصبها. قال أبو جعفر : ما أدري ما وجه هذا لأن «بين» إذا كانت في موضع رفع رفعت كما يقال : بين عينيه أحمر فترفع بين.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧١ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٦٦.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧١ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٦٦.

١١٦

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) شرط ومجازاة.

(يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) بدل من يلق قال سيبويه : لأن مضاعفة العذاب لقيّ الأنام ، وقرأ عاصم يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا (١) بالرفع ، والجزم أولى لما ذكرنا. وفي الرفع قولان : أحدهما أن يقطعه مما قبله ، والآخر أن يكون محمولا على المعنى ، كأنّ قائلا قال : ما لقيّ الآثام؟ فقيل : يضاعف له العذاب.

(إِلَّا مَنْ تابَ) في موضع نصب على الاستثناء. (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) مفعولان ، وقد ذكرنا معناه. ومن حسن ما قيل فيه أنه يكتب موضع كافر مؤمن ، وموضع عاص مطيع.

(فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) مصدر فيه معنى التوكيد.

(صُمًّا وَعُمْياناً) على الحال.

(قُرَّةَ أَعْيُنٍ) لم يجمع لأنه مصدر ، ولو جمع يراد به اختلاف الأجناس لجاز (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) واحد يدلّ على جمع.

(وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) هذه قراءة أهل المدينة وأهل البصرة وقرأ أهل الكوفة (وَيُلَقَّوْنَ فِيها) (٢). قال الفراء (٣) : ويلقون أعجب إليّ لأن القراءة لو كانت

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٢ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٦٨.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٤.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٧٥.

١١٧

«يلقّون» كانت في العربية بالباء. وهذا من الغلط أشدّ مما مرّ في السورة لأنه يزعم أنها لو كانت يلقّون كانت في العربية بتحية وسلام. وقال كما يقال : فلان يتلقّى بالسّلام وبالخير. فمن عجيب ما في هذا أنّه قال : يتلقّى ، والآية يلقّون ، والفرق بينهما بيّن لأنه يقال : فلان يتلقّى بالجنّة ، ولا يجوز حذف الياء ، فكيف يشبه هذا ذاك وأعجب من هذا أنّ في القرآن (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) [الإنسان : ١١] لا يجوز أن يقرأ بغيره وهذا يبيّن أن الأولى خلاف ما قال.

(خالِدِينَ فِيها) على الحال.

(فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) وعن ابن عباس بإسناد صحيح أنه قرأ : فقد كذّب الكافرون فسوف يكون لزاما (١) وكذا روى شعبة عن إبراهيم التيمي عن أبي الزبير قال شعبة : وكذا في قراءة عبد الله بن مسعود. وهذه القراءة مخالفة للمصحف وينبغي أن تحمل على التفسير ؛ لأن معنى (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) أنّه يخاطب به الكفار ، وهذه القراءة مع موافقتها للسواد أولى بسياق الكلام لأن الله جلّ وعزّ قال : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) فهذه مخاطبة ، وكذا (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) فهذا أولى من فقد كذّب الكافرون فسوف يكون لزاما وقد تكلم النحويون فيه ، فمن حسن ما قيل فيه أنّ التقدير فسوف يكون التكذيب لأن كذبتم يدلّ على التكذيب ، وحقيقته في العربية فسوف يكون جزاء التكذيب عذابا لزاما أي ذا لزام. ولزام وملازمة واحد. وحكى أبو حاتم عن أبي زيد قال : سمعت قعنبا أبا السّمال ليقرأ : (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) (٢) بفتح اللام. قال أبو جعفر : يكون مصدر لزم ، والكسر أولى مثل قتال ومقاتلة كما أجمعوا على الكسر في قوله جلّ وعزّ (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) [طه : ١٢٩] وللفراء قول آخر (٣) في اسم يكون قال : يكون فيها مجهول. وهذا غلط لأن المجهول لا يكون خبره إلا جملة ، كما قال جلّ وعزّ : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) [يوسف: ٩٠] وكما حكى النحويون : كان زيد منطلق. يكون في كان مجهول ، ويكون المبتدأ وخبر مخبر المجهول ، والتقدير كان الحديث. فأما أن يقال : كان منطلقا ويكون في كان مجهول فلا يجوز عند أحد علمناه.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٥ ، ومختصر ابن خالويه ١٠٥.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٥.

(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٧٥.

١١٨

٢٦

شرح إعراب سورة الشّعراء

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أبو جعفر : (١) حكى أبو عبيد أنّ أبا عمرو كان يفتح ، وأنّ الكوفيين يكسرون ، وأن المدنيين يقرءون بين الفتح والكسر. وهذا مشروع في سورة «طه» وقرأ المدنيّون وأبو عمرو وعاصم والكسائي (طسم) بإدغام النون في الميم ، والقرّاء يقولون : بإخفاء النون ، وقرأ الأعمش وحمزة طسين ميم بإظهار النون. قال أبو جعفر : للنون الساكنة والتنوين أربعة أقسام عند سيبويه (٢) : يبيّنان عند حروف الحلق ، ويدغمان عند الراء واللام والميم والواو والياء ، ويقلبان ميما عند الباء ، ويكونان من الخياشيم أي لا يبينان ، فعلى هذه الأربعة الأقسام التي نصّها سيبويه لا تجوز هذه القراءة ؛ لأنه ليس هاهنا حرف من حروف الحلق فتبيّن النون عنده ولكن في ذلك وجه وهو أن حروف المعجم حكمها أن يوقف عليها فإذا وقف عليها تبيّنت النون. وحكى أبو إسحاق في كتابه «فيما يجرى وما لا يجرى» (٣) أنه يجوز أن يقول «طسين ميم» بفتح النون وضم الميم ، كما يقال : هذا معدي كرب يا هذا. (تِلْكَ آياتُ) رفع على إضمار مبتدأ أي : هذه تلك آيات الكتاب المبين أي التي كنتم وعدتم بها لأنهم وعدوا في التوراة والإنجيل بإنزال القرآن. (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) خبر لعلّ. (أَلَّا يَكُونُوا) قال الفراء (٤) : في موضع نصب لأنهما جزاء. قال أبو جعفر : وإنما يقال : إن مكسورة لأنها جزاء ، كذا المتعارف. والقول في

__________________

(١) انظر القراءات المختلفة في البحر المحيط ٧ / ٥.

(٢) انظر الكتاب ٤ / ٥٨٧.

(٣) انظر كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف ص ٦٣.

(٤) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٧٥.

١١٩

هذا ما قاله أبو إسحاق في كتابه «في القرآن» قال : «أن» في موضع نصب مفعول له ، والمعنى : لعلّك قاتل نفسك لتركهم الإيمان.

(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) شرط ومجازاة. (فَظَلَّتْ) معناه فتظلّ ، لأن الماضي يأتي بمعنى المستقبل في المجازاة. وقد ذكرنا «خاضعين» ولم يقل : خاضعات بما يستغني عن الزيادة.

أصل الكرم في اللغة الشرف والفضل ، فنخلة كريمة أي فاضلة كثيرة الثمر ، ورجل كريم فاضل شريف صفوح ، قال الفراء : والزوج اللون.

(إِذْ) في موضع نصب ، واتل عليهم إذ نادى ربك موسى ، ويدل على هذا أن بعده (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ) [الشعراء : ٦٩] (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

(قَوْمَ فِرْعَوْنَ) بدل. (أَلا يَتَّقُونَ) لأنهم غيّب عن المخاطبة ، ويجوز ألا تتّقون بمعنى قل لهم ، ومثله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) [آل عمران : ١٢] بالتاء والياء ..

(وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي). قال الكسائي : القراءة بالرفع يعني في (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) من وجهين : أحدهما : الابتداء ، والآخر : بمعنى وإنّي يضيق صدري ولا ينطلق لساني يعني نسقا على «أخاف». قال : ويقرأ بالنصب ، وكلاهما وجه. قال أبو جعفر : الوجه الرفع ؛ لأن النصب عطف على «يكذّبون» ، وهذا بعيد يدلّ على ذلك قوله : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) [طه : ٢٧] فهذا يدلّ على أن هذا كذا.

قال أبو إسحاق : (أَنْ أَرْسِلْ) في موضع نصب ، أي أرسلنا لأن ترسل معنا بني إسرائيل ، فامتنّ عليه فرعون بالتربية.

١٢٠