تفسير من وحي القرآن - ج ٢٣

السيد محمد حسين فضل الله

تفسير من وحي القرآن - ج ٢٣

المؤلف:

السيد محمد حسين فضل الله


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الملاك
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣١٢

المؤمن الصبر على الإساءة إليها ، لأن الإنسان لن يكون أكثر اهتماما من الله برسالته ، في ما يريد أن يأخذ به المتمردين من عقابه ، فقد يأتيهم العذاب من حيث لا يحتسبون.

* * *

الخروج عن المألوف ليس خروجا عن الحقيقة

(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) أي ينظرون إليك نظر الذي يريد أن يصرعك ببصره ، في ما كانوا يعتقدونه بأن العين تقتل الذي تصيبه ، أو أنهم يحدّقون بك تحديقة الحقد الذي يشتعل في عيونهم حتى يخيّل إليهم أنهم سيحرقونك به ، أو أنهم ينظرون إليك كما ينظر الإنسان إلى المجنون في حالة نفسيّة توحي بالخوف منه ، والاستعداد للانقضاض عليه إذا بدرت منه أيّة حركة (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) الذي جاءهم بما لم يعهدوه من الأفكار والأجواء والمواقف ، فكانوا يثيرون القضية كعادتهم في كل كلام خارج عن المألوف ، مما يسمعونه من أيّ شخص ، فيعتبرونه جنونا ، لأنه كلام لا يصدر عن الناس العقلاء الذين تتحرك عقولهم في دائرة المألوف المعروف لدى المجتمع ، (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) وقد ذكر صاحب الميزان أن «رميهم له بالجنون عند ما سمعوا الذكر دليل على أن مرادهم به رمي القرآن بأنه من إلقاء الشياطين ، ولذا ردّ قولهم بأن القرآن ليس إلا ذكرا للعالمين» (١).

ونلاحظ أن هذا الاحتمال غير ظاهر ، لأن المسألة قد تكون في دائرة الاحتمال الذي ذكرناه ، كما أن إلقاء الشياطين له لا يعني جنونه ، إذ لم يكن الكلام يوحي بالذهنية الجنونية في طبيعته ، مما يجعلنا نفهم منه التأكيد على

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج : ١٩ ، ص : ٤٠٥.

٦١

التهمة ، أو الإيحاء به من خلال استغرابهم لمضمون القرآن في خروجه عن المألوف في تفكيرهم. أمّا قوله تعالى : (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) فإنه يؤكد ما قلناه ، لأنه يريد أن يقرر الحقيقة القرآنية التي أنزلها الله لتذكّر الناس بالحقائق في العقيدة والعمل ، ولتخرجهم من الغفلة المطبقة على عقولهم المستغرقة في زوايا الجهل والتخلّف ، كما يوحي بأن استغرابهم لها ناشئ عن الجوّ الضبابيّ الذي يحجب الحقيقة عنهم ، لأن الخروج عن المألوف لا يعني الخروج عن الحقيقة ، فربما كان المألوف خاضعا لذهنية متخلفة أو عقلية موروثة من الآباء المتخلفين.

* * *

عالميّة رسالة الإسلام

وقد نجد في هذه الآية المكية التي أكدت على أن القرآن جاء ذكرا للعالمين ، ردّا على بعض المستشرقين الذين تحدثوا عن أن عالمية الرسالة لم تكن في وعي النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما كان في مكة ، بل كانت حالة طارئة انطلق فيها وهو في المدينة بعد أن اتسعت انتصاراته ، مما أدّى إلى اتساع طموحه في السيطرة على العالم.

إن هذه الآية في هذه السورة المكية تؤكد من الناحية التاريخية أن المسألة كانت منطلقة في الوحي الإلهي منذ الأيام الأولى للدعوة ، ولم تكن مسألة الحديث عن أنه ذكر للنبي ولقومه ، أو إنذار أم القرى ومن حولها ، ناشئة من محدودية ساحة الدعوة ، بل كانت ناشئة من طبيعة الظروف الزمانية والمكانية التي كانت تفرض التدرّج في الدعوة ، من أجل الوصول إلى الساحات الأخرى من موقع القوّة الممتدة في أكثر من مكان.

* * *

٦٢

سورة الحاقّة

مكيّة

وآياتها اثنتان وخمسون

٦٣
٦٤

في أجواء السورة

وهذه السورة المكية تتحرك ـ كأمثالها من السور المكية ـ في إيقاظ العقل البشري والروح الإنسانية وتوجيههما إلى الأساس العقيدي الذي يرتكز عليه الإسلام وهو الإيمان بالله واليوم الآخر ، وهي تتحرك في فصول ثلاثة :

فالفصل الأول يثير تاريخ الأمم السالفة الذين كفروا بالله فأخذهم بذنوبهم.

والفصل الثاني حول يوم القيامة ، وانقسام الناس فيه إلى أهل اليمين وأهل الشمال في مصيرهم المختلف بين الجنة والنار.

وفي الفصل الثالث حديث عن القرآن ، وكيف تحدث الكفار عنه ، وكيف هو في حقيقته النازلة من الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. حتى أن النبي محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو صاحب الرسالة ـ لا يجرأ على أن يزيد فيه كلمة واحدة لأن الله سوف يأخذ بيده ، فالله يريده تذكرة للمتقين ، لينطلق إيمانهم من خلال الصفاء الذي يمثله حق اليقين.

أمّا عنوان السورة فقد كان يتناول المسألة الأساس في بدايتها.

* * *

٦٥

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الآيات

(الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١٢)

* * *

معاني المفردات

(الْحَاقَّةُ) : القيامة ، وتسمى أيضا بالقارعة والواقعة.

(بِالطَّاغِيَةِ) : المراد بها : الصيحة أو الرجفة أو الصاعقة.

(حُسُوماً) : الحسم : إزالة أثر الشيء ، ويقال : قطعه فحسمه ، والحسوم هنا القاطعة لأثرهم وخبرهم ، وقيل : القاطعة لأعمارهم.

٦٦

(أَعْجازُ) : جمع عجز ، وهو أصل النخلة الذي يتحول إلى خشب.

* * *

الحاقة وأهوالها حقيقة دينية ثابتة

(الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ) الكلمة مشتقة من الحق الذي يمثل الثبات ، ولمّا كان يوم القيامة يمثل الحقيقة الدينية الثابتة التي لا مجال للشك فيها ، فقد عبّر عنه بهذه الكلمة التي أريد لها أن تهز الضمير الإنساني في أعماقه عند ما يتطلع في وعيه إلى اليوم الآخر الذي كان الجدل يثور حوله بين المؤمنين والمكذبين به ، في ما يؤكده هؤلاء ويكذبه أولئك ، فإذا بالصيحة تدوّى لتطلق الكلمة غير المألوفة لديهم في اشتقاقها ، فتطرحها لتوحي بأن الآخرة هي الحاقّة في طبيعة تمثيلها للحق وهي التي تعطي الحق عمقه وامتداده.

ثم يثور السؤال : ما الحاقّة ، ما هي حقيقتها ، ما هي تفاصيلها ، ما هي طبيعة الموقف فيها ، كيف يواجهها ، وكيف يكتشف الغموض في داخلها؟ وتنطلق الكلمة الأخرى (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) للإيحاء بالتهويل ، فهي الحقيقة التي لا مجال لإدراكها لما فيها من الأهوال العظيمة ، والمشاهد الكبيرة ، والأوضاع المتنوعة التي لم يشاهدها الناس من قبل ، بحيث إن التصوّر لا يبلغ مداها.

وهذا ما يريد الله للإنسان أن يعيشه في تهاويلها الحقيقية الكامنة في الغيب ، ليدفعه ذلك إلى مواجهة الموقف الذي يطلّ عليها في ساحة العمل بكل جدّية ومسئولية ، في ما يقبل عليه من حسابها العسير أمام الله.

* * *

٦٧

عاد وثمود تكذبان بالقارعة

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) وهذا هو الاسم الآخر ليوم القيامة ، ولكن من جانب آخر ، فهي ـ كما قيل ـ تقرع وتدكّ السماوات والأرض بتبديلها ، والجبال بتسييرها ، والشمس بتكويرها ، والقمر بخسفه ، والكواكب بنثرها ، والأشياء كلها بقهرها على ما نطقت به الآيات. وربما أريد من معناها أنها تقرع السمع والقلب بأهوالها التي تجعلهما يرتجفان في أجواء الرعب والهلع ، كما تقرعهما عند ما يتذكران تأثيرها على الحياة العملية ، ولعلّ هذا أقرب من المعنى الأول ، لأن التعبير موجّه ـ على الظاهر ـ للإنسان في تأثيره على مشاعره في حركته في الحياة.

ولكن هذه القارعة كانت محل تكذيب من بعض الأمم السابقة كعاد وثمود ، لأنها لم تتوفّر على التأمل في طبيعة الموقف ، وفي احتمالاته ، وهل هو ممكن بذاته أم لا ، هذا فضلا عن التأمل في طبيعة المعطيات التي تؤكده في ما تثيره من نفي عبثية الخلق ، لتوحي بأن الجدّية هي في المسؤولية عن أعمالهم الخيّرة والشريرة. وهكذا كانت الغفلة المطبقة على عقولهم بفعل الاستغراق في خصوصياتهم التي دفعتهم إلى التكذيب السريع ، لأنهم لا يريدون أن يخرجوا من عاداتهم وتقاليدهم ، ولا يوافقون على إتعاب أنفسهم في البحث والتحليل ، بل يريدون للحياة أن تستمر في امتدادها على الطريقة التي كانت عليها في عصور أجدادهم من دون تغيير أو تبديل.

ولم يتركهم الله لتكذيبهم ، لأن ذلك قد يترك تأثيره على الحياة عند ما يمتدّون في السيطرة عليها ، ليمنعوا الناس من الإيمان من خلال تعاظم قوتهم في الضغط على من حولهم ، وهكذا أنزل الله عليهم العذاب.

* * *

٦٨

هلاك ثمود بالطاغية

(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) وهي الصيحة أو الرجفة أو الصاعقة ، حسب اختلاف التعبير القرآني عن طريقة عذابهم ، وربما كانت الرجفة من تأثير الصيحة أو الصاعقة ، وقد تكون الصيحة من نتائج دويّ الصاعقة التي قد تكون الأقرب في العذاب. أمّا التعبير عنها بالطاغية ، فقد يكون من خلال تجاوزها الحدّ الطبيعي في تأثيرها على الناس في مقابل الصيحة العادية أو الرجفة العادية ، أو ما إلى ذلك. وهكذا بالنسبة إلى الصاعقة التي قد تصعق فتذهب بالوعي بشكل خفيف أو موقت ، وقد تذهب بالحياة كلها.

وقيل : «الطاغية مصدر كالطغيان والطغوى ، والمعنى : فأما ثمود فأهلكوا بسبب طغيانهم ، ويؤيده قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها)» (١) [الشمس ، ١١] ، ولكن الظاهر خلاف ذلك ، بالنظر إلى الآيات التالية التي تعرّضت لكيفية إهلاك الأمم الأخرى حسب الوسائل المتنوعة في ذلك.

* * *

إهلاك عاد بريح صرصر عاتية

(وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) الصرصر : هي الريح الشديدة الهبوب ، والعاتية : من العتو ، وهو تجاوزها الحدّ بحيث تتمرد على الانقياد فتطغى على الجوّ كله فتغيّره إلى وضع جديد وتبدّله إلى الأسوأ.

(سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج : ١٩ ، ص : ١٤٠.

٦٩

نَخْلٍ خاوِيَةٍ)وهي أصول النخل التي تتحوّل إلى أخشاب لا تحمل في داخلها شيئا ، فلا تملك حياة فيما هو النموّ ، ولا تملك صلابة لفراغ داخلها. وهذا هو ما حلّ بهؤلاء الناس الذين ضغطت عليهم الرياح البادرة الشديدة الطاغية التي خرجت عن المألوف ، وكانت مستمرة طيلة هذه الأيام والليالي ، متكررة في عددها ، وهذا ما توحيه كلمة الحسوم التي هي ـ كما قيل ـ تكرار الكيّ مرات متتالية ، (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) فقد استوعبهم العذاب ، فلم يبق منهم أحد.

* * *

هلاك قوم فرعون ولوط ونوح

(وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) من الأمم المتقدمة عليه زمانا (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) وهي قرى قوم لوط ، والمقصود بها أهلها ، (بِالْخاطِئَةِ) حيث سلكوا الطريق الخطأ الذي ابتعدوا فيه عن عبودية الله وعن الالتزام بطاعته بعد إقامة الحجة عليهم من قبل الأنبياء الذين أرسلهم الله إليهم.

(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) والمراد بالرسول : المرسل إلى كل واحد منهم ، (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) أي مرتفعة زائدة ، كما هي الرابية ، وهو كناية عن العقاب الشديد الذي يزيد عما هو المتعارف من العقوبة ، من خلال انتهائه إلى الهلاك.

(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) في طوفان نوح الذي أهلك الله به القوم الكافرين ، (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) يا أيها المؤمنون ، لأن الله أراد للحياة أن تبدأ عهدا جديدا في خط الإيمان به وبرسله وباليوم الآخر.

(لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً) في ما تفتح به قلوبكم وعقولكم على ما يؤاخذ الله به عباده الذين يمتدّون في الطغيان ، حتى لا يبقى هناك مجال للرحمة عند ما يتحوّلون إلى سدّ قويّ أمام الإيمان ، بحيث يحولون بين الناس وبينه ، كما

٧٠

يخلّص الله عباده المؤمنين عند ما يتمرّدون على كل الضغوط الشديدة التي تضغط عليهم ، فلا يزيدهم ذلك إلا إصرارا والتزاما بالله في كل تعاليمه ، ليفكر الإنسان في ذلك كله ، ليتذكر حقائق الأشياء حتى لا يستسلم للغفلة التي تقوده إلى الضلال.

(وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) فلا تسمع الكلمة بطريقة سريعة انفعالية ، بحيث لا تتوقف عند مدلولاتها بعمق ، ولا تنفتح على آفاقها بشمولية ، ولا ترصد إيحاءاتها بمسؤولية ، بل تسمعها سماع الوعي الذي يريد أن يؤكد للإنسان شخصيته الثقافية المنطلقة في خط العقيدة المسؤولة ، والحركة الواعية ، والهدف الكبير ، لأن الله يريد للإنسان أن يرتفع إلى مستوى المعرفة العالية التي تربطه بالله ، وتربطه بحقائق الأشياء كلها من خلاله. ولا يكون ذلك إلا بالاستماع إلى كلام الله في ما يتضمنه من دروس وعبر ، بالأذن الواعية التي لا تكتفي بالكلمة التي ترنّ في داخل طبقات السمع ، بل تنطلق بها إلى العقل الذي يضعها في نصابها الصحيح في دائرة المعرفة ، ليتكامل السمع والعقل في تحقيق النتائج الحاسمة للمعرفة ، لتعطي الأذن المادّة الخام ، ويتحرك العقل في تصنيعها وربطها بغيرها مما لديه من مفردات كونيّة وإنسانيّة ، ليدفع بالمسألة الفكرية إلى الوعي العملي للإنسان ، فيحركها في واقع الحياة ، لتستقيم الحياة لديه في خط الفكر والحركة.

وهكذا نستوحي من هذه الآية أن المفروض في الإنسان المؤمن أن يتحرك في مسموعاته التي هي نموذج لكل أدوات الحس ، من منطق الوعي الذي يحدّق بالأشياء أو يلمسها أو يسمعها ، من خلال النافذة التي تطل على عقله ، ولا تتجمد في زوايا الحسّ المحدود.

* * *

٧١

الآيات

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً(١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (١٧) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ) (٣٧)

* * *

٧٢

معاني المفردات

(هاؤُمُ) : أمر للجماعة.

(غِسْلِينٍ) : القيح والصديد.

* * *

أسئلة أمام القرآن حول الحاقّة

كيف تحدث الحاقّة ، وكيف تنطلق القارعة ، وكيف يكون الموقف في ساحاتها ، وما هي الصورة؟

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) والظاهر ـ كما ذكرنا أكثر من مرة ـ أنها كناية عن بعث الموتى من القبور لتدب الحياة فيهم من جديد ، عند ما تهزهم في كل ذرّات كيانهم ، فتمنحهم ـ بإرادة الله ـ روحا تثير فيهم الحسّ والشعور ، (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) فتحوّلتا إلى أجزاء صغيرة متفتتة لا تملك شيئا من التماسك والصلابة ، وذلك كناية عن الجوّ الجديد الذي يحدث في الكون بقدرة الله يوم تبدّل الأرض غير الأرض لتتلاءم مع الحياة الجديدة في أوضاعها وشؤونها ، (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) وقامت القيامة (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ) فانفصلت عن بعضها البعض ، وزال هذا التماسك المتطابق الذي يوحي بالقوّة والصلابة (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) ضعيفة لا تملك شيئا من الشدّة.

(وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) على جوانبها في حالة ظهور واستعداد للمهمّات الجديدة التي أوكل الله أمرها إليه ، (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) من

٧٣

الملائكة أو غيرهم ، وإن كان المتبادر أنهم منهم. وقد تقدم الحديث عن العرش في ما قدمناه من تفسير الآيات المتعلقة به ، وهو غيب من غيب الله الذي قد يكون المنطقة العالية من السماء ، في ما تمثله من مظهر العلوّ والقدرة والسيطرة ، مما يجعل نسبته إلى الله على سبيل الكناية للتعبير عن ذلك ، والله العالم.

(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) لأنه اليوم الذي تبلى فيه السرائر وتتمزّق ، فلا يبقى هناك شيء منها مما كان الإنسان يستره عن الناس ، حيث سيواجههم بالموقف الذي تشهد فيه الجوارح على ما عملت ، ويشهد الحافظان على ما كتبا ... وهناك الشاهد لما خفي عنهم ، والرقيب على الناس من ورائهم ، وهو الله الذي يعلم ما يسرّون وما يعلنون ، ولا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، الأمر الذي يفرض على الإنسان أن يحافظ في الدنيا على أن تكون أسراره التي تمثل خلفيات أعماله مما لا يخجل منها أمام الله ، وأن تكون أعماله مما لا يخاف من عقابها بين يدي الله.

* * *

أخذ المؤمنين الكتاب يوم القيامة باليمين

وهذه هي الصورة التفصيلية لموقف المؤمنين والكافرين يوم القيامة. (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) والأخذ باليمين من علامات الإيمان (فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) من خلال الثقة الكبيرة بما قدّمه من عمل صالح يؤكد خط الإيمان في حياته ، ولذلك فهو لا يخاف من أن يطّلع الناس على كتابه الذي لا يحتوي على أيّة سيّئة مما يخاف من مسئوليتها أو من فضيحتها.

(إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) فقد كنت مستعدّا لهذا اليوم ، واعيا

٧٤

لطبيعته ، عارفا بالمسؤوليات التي يجب أن أحملها ، وبالأعمال التي ينبغي أن أقوم بها مما يريدني الله أن أتحرك فيه ، واثقا بأن الدنيا هي مزرعة الآخرة ، وأن الإنسان يحصد هنا ما كان يزرعه هناك ، وأن الذي يزرع الحسنات يحصد رضى الله ونعيمه في جنته ، وأن الذي يزرع السيّئات يحصد سخط الله وعذابه في ناره ، وأن الناس سوف يقفون جميعا أمامه ليواجهوا الحساب الدقيق الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من أعمالهم ، وهذا ما جعل خط حياتي يتحرك بالنتائج التي أقدّمها الآن ، أمام الله.

(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) تمنحه الرضى الروحي والقلبي بحيث لا يشعر بأيّ نوع من الأذى الذي ينغّص عيشه ، أو القلق الذي يمزّق مشاعره ، وبذلك كانت راضية ، لأنها لا تحمل أيّ عنصر من العناصر التي ترهق صاحبها.

(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ* قُطُوفُها دانِيَةٌ) فلا تكلّفه أيّ جهد في قطافها عند ما تشتهيها نفسه. ويبقى النداء الذي يتردد في جنبات الجنة لكل المؤمنين الذين يعيشون فيها السعادة العظيمة التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ليوحي إليهم بالكرامة التي يمنحهم الله إياها جزاء على أعمالهم الصالحة : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) التي انقضت بانقضاء الدنيا ، فقد جاهدتم وتعبتم وصبرتم وأعطيتم لله من جهدكم الكثير مما تستحقون عليه الثواب العظيم.

وإذا كان الحديث عن الأكل والشرب ، فإن المسألة لا تقتصر عليهما ، لأن السعادة الروحية التي يمنحهم الله إيّاها في رضوانه ولطفه ومحبته ، لا يبلغها شيء مما يعرفه الناس من مشاعر السعادة ، ولكن مناسبة الحديث عن الجنة يوحي بالحديث عن النعيم الحسي المتمثل بالأكل والشرب.

* * *

٧٥

أخذ الكافرين الكتاب يوم القيامة بالشمال

(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) وهو الذي كفر بالله ، وتمرّد عليه ، في ما تمثله كلمة أصحاب الشمال ، (فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) لأنهم يعرفون جيدا ما أسلفوه من الكفر والضلال والحرب على الله ورسله ، فلا يطيقون رؤية الكتاب وما فيه ، لأنه يوحي إليهم بالمصير الأسود الذي ينتظرهم في عذاب الله ، من دون أن يجدوا وليا ولا نصيرا ، (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) لأن الحساب سوف يكون شديدا على الجرائم التي ارتكبها في حياته ضد الرسالة والرسول ، (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) في إشارة إلى الموتة الأولى التي كان يتمنى لو أنها بقيت مستمرّة من دون أن تتحوّل إلى حياة جديدة يواجه فيها العذاب الشديد.

(ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) الذي جمعته من مصادر متنوّعة لم أراع فيها حدود الله ولم أعمل فيه بطاعة الله ، بل تحركت فيه من أجل نماء الذات المنفتحة بالزهو والخيلاء ، بما يبعدها عن الإحساس بالمسؤولية أمام الله (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) الذي أجهدت كل طاقاتي في الحصول عليه ، وتنازلت عن كثير من المبادئ للوصول إليه ، من أجل إرضاء أصحاب السطوة والسلطان ، ليمنحوني من سطوتهم سطوة على الضعفاء ، ومن سلطانهم سلطانا على البؤساء ، لأوحي لنفسي بأني صاحب القدرة الواسعة التي لا يضعفها شيء ، مما جعلني آخذ حرّيتي في ظلم الناس في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ، وها أنا الآن أجد نفسي عاريا من كل هذا ، خائفا من كل شيء حولي ، مرعوبا مما أقبل عليه من عذاب النار الذي يحرق كل تاريخي وسلطاني ويؤدّي بي إلى عمق الذل وفضيحة العار.

* * *

٧٦

المصير المشؤوم

(خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) وهذا هو الجواب على كل حديثه. إنه الأمر الإلهي في تصفيده بالأغلال ، (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) ليدخل فيها ويصلى نارها المحرقة (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) في إشارة إلى القيد الذي يمثل هذا القدر من الطول ، (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) فقد استكبر وتمرّد ورفض الخضوع لكل الدلائل الواضحة والبيّنات الظاهرة على وجود الله سبحانه ، لا من موقع الفكر المضادّ ، ولكن من موقع العناد الذي يتحرك على أساس منطق اللّامبالاة بمسألة العقيدة التي لا يريد أن يشغل فكره بها ، لأنه لا يريد أن يخرج من جوّه الكافر المتخلّف ، فقد قامت عليه الحجة القاطعة التي تبرّر عذابه في نار جهنّم.

(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) فقد تحجّرت العاطفة في قلبه ، وتجمّدت الإنسانية في مشاعره ، فلا يحسّ بأيّ ألم أو حزن عند ما يسمع صرخات الجائعين من المساكين ، بل يمرّ عليهم مرور المستكبر الذي لا يتأثر بذلك ، ولا يدفع غيره إلى القيام بهذا الواجب ، لأنه لا يعيش مسئولية الناس المحرومين الذين يعانون من ضغط الحياة عليهم.

(فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) لأنه لم ينطلق في علاقاته من أجواء التقوى التي تمتد في طبيعتها من الدنيا إلى الآخرة ، فلم يكن في موقع الاحترام للمتقين أو في مجال التعاطف معهم ، بل كانت كل علاقاته مع الكافرين المستكبرين من أمثاله ، الذين لا يرتبطون ببعضهم البعض ، بقاعدة قويّة ثابتة ، في ما هو التوافق الفكري والروحي ، بل ينطلق الارتباط من المصالح المتبادلة القائمة على النفاق والخداع ومحاولة كل واحد منهم استغلال الآخر بعلاقات لا تمثل امتدادا حتى في الدنيا ، لأنها تخضع للأوضاع الطارئة التي تذهب سريعا ، وقد

٧٧

تنقلب إلى عداوة في الآخرة عند ما تتحول المسألة إلى مسئولية يحمّلها أحدهم للآخر في ما يمكن أن يترك تأثيره عليه في حسابات الآخرة. وهكذا يبرز الكافر وحده ، في ما يواجهه من مصيره الأسود ، (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) وربما كان المراد به ما يسيل من أبدان أهل النار من قيح وصديد ، وربما كان نوعا من الطعام يشبه ذلك في خبثه وقذارته ، (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) الذين عاشوا حياتهم في وحول الخطيئة ، فعاقبهم الله على ذلك بهذه الطريقة.

* * *

٧٨

الآيات

(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٥٢)

* * *

معاني المفردات

(الْوَتِينَ) : عرق يسقي الكبد ، وقيل : هو نياط القلب.

* * *

القرآن هو حقّ اليقين

وهذا حديث عن القرآن الذي أثار المشركون حوله كثيرا من الأحاديث

٧٩

التي أرادت إبعاد القرآن عن أن يكون وحيا من الله من خلال إبعاد النبي عن صفة الرسالة ، ومحاولة التأكيد على صفة الشاعر أو الكاهن في شخصيته .. فكانت هذه الآيات لتقرير الحقيقة الرسولية في صفته ، ولتأكيد الوحي في النص القرآني الذي يقدّمه النبي بصفته الرسولية ، بعيدا عن أيّة صفة أخرى.

(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ* وَما لا تُبْصِرُونَ) من المخلوقات التي قد تشاهدها العين ، وقد لا تشاهدها ، أو من عالم الغيب والشهادة في ما خلقه الله من ذلك.

وربما استفاد البعض من التركيز على (وَما لا تُبْصِرُونَ) ، أنها إشارة إلى المخلوقات الدقيقة الموجودة في هوامّ الفضاء أو في الماء أو في أعماق الأرض ، مما لا يستطيع الإنسان أن يدركها بالبصر ، بل يحتاج إلى استعمال الوسائل التي تكبّر حجم الأشياء من المناظير المكبّرة ، مما لم يهتد الإنسان إليها إلا بعد اكتشاف هذه الوسائل. ورأى أن الحديث عنها من إعجاز القرآن الذي أشار إلى ما لم يكتشفه الإنسان إلا بعد مئات من السنين ، من الميكروبات وغيرها من الهوامّ والحشرات.

وقد جرى الحديث عن القسم بها لتوجيه الأفكار إلى التعمّق في أسرارها للوصول بذلك إلى عظمة الله. وقد جاء الحديث عن نفي القسم بها على أساس أن المسألة لا تحتاج إلى القسم باعتبار أنها حقيقة واضحة. وربما احتمل البعض أن كلمة «لا» زائدة وأن المراد أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون.

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) ينطلق بالقرآن في تبليغه وتلاوته من خلال صفته الرسالية ، مما يعني أنها رسالة الله إلى الناس التي أمر رسوله بأن يبلغهم إيّاها (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ)

لأن للشعر قواعده التي لا تلتقي بالأسلوب القرآني.

(قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) يحتمل أن يكون هذا إشارة إلى قلّة عدد المؤمنين منهم

٨٠