الشيخ عزيز الله العطاردي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١
١٢٢ ـ أخبرنا أبو على الحدّاد وغيره فى كتبهم ، قالوا : أنبأنا أبو بكر بن ربذة ، أنبأنا سليمان بن أحمد ، أنبأنا علىّ بن عبد العزيز ، أنبأنا أبو نعيم ، أنبأنا عبد الجبّار بن العبّاس ، عن عمّار الدهنى ، قال : مرّ علىّ على كعب ، فقال : يقتل من ولد هذا الرجل رجل فى عصابة لا يجفّ عرق خيولهم حتّى يردوا على محمّد صلىاللهعليهوآله ، فمرّ حسن فقالوا : هذا يا أبا إسحاق؟ قال : لا فمرّ حسين فقالوا : هذا؟ قال : نعم! (١).
١٢٣ ـ عنه أنبأنا سليمان بن أحمد ، أنبأنا محمّد بن محمّد التّمار البصرى ، أنبأنا محمّد بن كثير العبدى ، أنبأنا سليمان بن كثير عن حصين بن عبد الرحمن ، عن العلاء ابن أبى عائشة ، عن أبيه : عن رأس الجالوت ، قال : كنّا نسمع أنّه يقتل بكربلاء ابن نبى فكنت إذا دخلتها ركضت فرسى حتّى أجوز عنها ، فلمّا قتل حسين جعلت أسير بعد ذلك على هيئتى (٢).
١٢٤ ـ عنه أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقى ، أنبأنا الحسن بن على ، أنبأنا محمّد بن العبّاس ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن الفهم ، أنبأنا محمّد بن سعد ، أنبأنا يحيى بن حمّاد ، أنبأنا أبو عوانة ، عن عطاء بن السائب ، عن ميمون ، عن شيبان بن مخرم ـ قال ميمون : وكان عثمانيا يبغض عليّا قال : رجعنا مع علىّ من صفّين قال : فانتهينا إلى موضع ، قال فقال : ما يسمّى هذا الموضع؟ قال : قلنا : كربلا ، قال : كرب وبلاء.
قال : ثمّ قعد رابية وقال : يقتل هاهنا قوم هم أفضل شهداء على ظهر الأرض لا يكون شهداء رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : قلت : بعض كذباته وربّ الكعبة! قال : فقلت لغلامى وثمّ حمار ميت جئنى برجل هذا الحمار فجاءنى به فأوتدته فى المقعد الذي كان فيه قاعدا ، فلمّا قتل الحسين قلت لأصحابى : انطلقوا ننظر ، فانتهينا ، معهم
__________________
(١) ترجمة الامام الحسين : ١٨٩.
(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٨٩.
الى المكان فاذا جسد الحسين على رجل الحمار وإذا أصحابه ربضة حوله (١).
١٢٥ ـ عنه أخبرنا أبو على الحدّاد ، وغيره فى كتبهم قالوا : أنبأنا أبو بكر بن ربذة ، أنبأنا سليمان بن أحمد ، أنبأنا محمّد بن عبد الله الحضرمى ، أنبأنا محمّد بن يحيى ابن أبى سمينة ، أنبأنا يحيى بن حمّاد ، أنبأنا أبو عوانة ، عن عطاء بن السائب ، عن ميمون بن مهران ، عن شيبان بن مخرم وكان عثمانيا قال : إنّى لمع علىّ إذ أتى كربلا فقال : يقتل فى هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلّا شهداء بدر!
فقلت : هذا بعض كذباته! وثمّ كان رجل حمار ميت ، فقلت لغلامى : خذ رجل هذا الحمار فأوتدها فى مقعده ، وغيّبها قال : فضرب الدهر ضربة فلمّا قتل الحسين انطلقت ومعى أصحاب لى فاذا جثة الحسين بن على على رجل الحمار ، وإذا أصحابه ربضة حوله(٢)
١٢٦ ـ عنه أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله الواسطى ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا عبد الكريم بن محمّد بن أحمد الضبى ، أنبأنا علىّ بن عمر الحافظ ، أنبأنا محمّد بن نوح الجنديسابورى ، أنبأنا علىّ بن حرب الجنديسابورى ، أنبأنا إسحاق بن سليمان ، أنبأنا عمرو بن أبى قيس ، عن يحيى بن سعيد أبى حيان ، عن قدامة الضبى : عن جرداء بنت سمير ، عن زوجها هرثمة بن سلمى قال : خرجنا مع علىّ فى بعض غزوه ، فسار حتّى انتهى إلى كربلا ، فنزل الى شجرة فصلى إليها فأخذ تربة من الارض فشمّها.
ثمّ قال : واها لك من تربة ليقتلنّ بك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب. قال : فقفلنا من غزوتنا فقتل علىّ ونسيت الحديث ، قال : فكنت فى الجيش الدين ساروا الى الحسين ، فلما انتهيت إليه نظرت الى الشجرة فذكرت الحديث فتقدمت على فرس
__________________
(١) ترجمة الامام الحسين : ٢٣٤.
(٢) ترجمة الامام الحسين : ٢٣٤.
لى فقلت : أبشرك يا ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وحدثته الحديث. قال : فأنت معنا أو علينا؟ قلت : لا معك ولا عليك ، تركت عيالا وتركت (١) قال : أما لا ، فولّ فى الارض فو الذي نفس حسين بيده لا يشهد قتلنا اليوم رجل الادخل جهنم. قال : فانطلقت هاربا موليا فى الارض حتى خفى علىّ مقتله (٢).
١٢٧ ـ قال ابن ابى الحديد : روى ابن هلال الثقفى فى كتاب الغارات عن زكريا بن يحيى العطار ، عن فضيل ، عن محمد بن على ، قال : لما قال على عليهالسلام : سلونى قبل أن تفقدونى ، فو الله لا تسألوننى عن فئة تضل مائة ، وتهدى مائة ، إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها قام إليه رجل فقال : أخبرنى بما فى رأسى ولحيتى من طاقة شعر.
فقال له على عليهالسلام : والله لقد حدثني خليلى أن على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك ، وان على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يغويك : وان فى بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله وكان ابنه قاتل الحسين عليهالسلام يومئذ طفلا يحبو ، وهو سنان بن أنس النخعي (٣).
١٢٨ ـ عنه قال : وروى الحسن بن محبوب عن ثابت الثماليّ ، عن سويد بن غفلة أن عليا عليهالسلام ، خطب ذات يوم ، فقام رجل من تحت منبره ، فقال : يا أمير المؤمنين : انى مررت بوادى القرى ، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات ، فاستغفر له ، فقال عليهالسلام : والله ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن حمار ، فقام رجل آخر من تحت المنبر ، فقال : يا أمير المؤمنين عليهالسلام أنا حبيب بن حمار ، وانى لك شيعة ومحبّ.
فقال : أنت حبيب بن حمار؟ قال : نعم ، فقال له ثانية : والله انك لحبيب بن
__________________
(١) كذا فى الاصل.
(٢) ترجمة الامام الحسين : ٢٣٥.
(٣) شرح النهج : ٢ / ٢٨٦.
حمار؟ فقال : اى والله! قال : أما والله انك لحاملها ولتحملنها ، ولتدخلن بها من هذا الباب ، وأشار بها الى باب الفيل بمسجد الكوفة : قال ثابت : فو الله ما متّ حتى رأيت ابن زياد ، وقد بعث عمر بن سعد الى الحسين بن على عليهالسلام ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب بن حمار صاحب رايته ، فدخل بها من باب الفيل (١).
١٢٩ ـ عنه قال : روى شريك قال : أخبرنا عبد الله بن سعد ، عن حجر بن عدى ، قال : قدمت المدينة فجلست الى أبى هريرة ، فقال : ممن أنت؟ قلت : من أهل البصرة ، قال : ما فعل سمرة ابن جندب؟ قلت : هو حى ، قال : ما أحد أحب الىّ طول حياة منه ، قلت : ولم ذاك؟ قال : انّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لى وله ولحذيفة بن اليمان : «آخركم موتا فى النار» ، فسبقنا حذيفة ؛ وأنا الآن أتمنى أن أسبقه ، قال : فبقى سمرة بن جندب حتى شهد مقتل الحسين (٢).
١٣٠ ـ عنه روى أحمد بن بشير ، عن مسعر بن كدام ، قال : كان سمرة بن جندب ، أيام مسير الحسين عليهالسلام الى الكوفة على شرطة عبيد الله بن زياد ، وكان يحرض الناس على الخروج الى الحسين عليهالسلام وقتاله (٣).
١٣١ ـ عنه قال : وقد وقفت له على خطب مختلفة فيها ذكر الملاحم ، فوجدتها تشتمل على ما يجوز أن ينسب إليه وما لا يجوز أن ينسب إليه ، ووجدت فى كثير منها اختلالا ظاهرا ؛ وهذه المواضع التي أنقلها ليست من تلك الخطب المضطربة ، بل من كلام له وجدته متفرقا فى كتب مختلفة ؛ ومن ذلك أن تميم بن أسامة بن زهير ابن دريد التميمى ، اعترضه ؛ وهو يخطب على المنبر ويقول :
سلونى قبل أن تفقدونى ؛ فو الله لا تسألونى عن فئة تضلّ مائة ، أو تهدى مائة
__________________
(١) شرح النهج : ٢ / ٢٨٦.
(٢) شرح النهج : ٤ / ٧٨.
(٣) شرح النهج : ٤ / ٧٨.
إلا نبأتكم بناعقها وسائقها ، ولو شئت لأخبرت كل واحد منكم بمخرجه ومدخله وجميع شأنه. فقال : فكم فى رأسى طاقة شعر؟ فقال له : أما والله انى لأعلم ذلك ؛ ولكن أين برهانه لو أخبرتك به! ولقد أخبرتك بقيامك ومقالك ، وقيل لى ان على كل شعرة من شعر رأسك ملكا يلعنك وشيطانا يستفزك ، وآية ذلك أن فى بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ويحض على قتله.
فكان الأمر بموجب ما أخبر به عليهالسلام ، كان ابنه حصين بالصاد المهملة يومئذ طفلا صغيرا يرضع اللبن ، ثم عاش الى أن صار على شرطة عبيد الله بن زياد ، وأخرجه عبيد الله الى عمر بن سعد ، يأمره بمناجزة الحسين عليهالسلام ويتوعّده على لسانه إن أرجأ ذلك ، فقتل عليهالسلام صبيحة اليوم الذي ورد فيه الحصين بالرسالة فى ليلته ، ومن ذلك قوله عليهالسلام للبراء بن عازب يوما : يا براء ، أيقتل الحسين وأنت حىّ فلا تنصره! فقال البراء : لا كان ذلك يا أمير المؤمنين! فلمّا قتل الحسين عليهالسلام كان البراء يذكر ذلك ؛ ويقول : أعظم بها حسرة! إذ لم أشهده وأقتل دونه! (١)
باب امتناعه عليهالسلام عن البيعة
١ ـ الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمى رحمهالله ، قال : حدّثنا محمّد بن عمر البغدادى الحافظ رحمهالله ، قال : حدّثنا أبو سعيد الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه ، قال : حدّثنا إبراهيم بن عبيد الله بن موسى بن يونس بن أبى إسحاق السبيعى قاضى بلخ ، قال حدّثتنى مريسة بنت موسى بن يونس بن أبى إسحاق وكانت عمّتى قالت حدّثتنى صفية بنت يونس بن
__________________
(١) شرح النهج : ١٠ / ١٤.
أبى إسحاق الهمدانية وكانت عمّتى.
قالت حدّثتنى بهجة بنت الحارث بن عبد الله التغلبى ، عن خالها عبد الله بن منصور ، وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن على عليهالسلام ، قال : سألت أبا جعفر محمّد بن علىّ بن الحسين عليهمالسلام ، فقلت : حدّثنى عن مقتل ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : حدّثنى أبى عن أبيه قال : لما حضرت معاوية الوفات دعا ابنه يزيد لعنه الله ، فأجلسه بين يديه.
فقال له : يا بنىّ انّى قد ذللت لك الرقاب الصعاب ، ووطدت لك البلاد ، وجعلت الملك وما فيه لك طعمة ، وإنّى أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم ، وهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن الزبير ، والحسين بن على فأما عبد الله بن عمر فهو معك فالزمه ، ولا تدعه ، وأما عبد الله بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إربا إربا ، فانّه يجثو لك كما يجثو الأسد لفريسته ، ويواربك موارية الثعلب للكلب.
أمّا الحسين عليهالسلام ، فقد عرفت حظّه من رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو من لحم رسول الله ، ودمه وقد علمت لا محالة أنّ أهل العراق سيخرجونه إليهم ، ثمّ يخذلونه ويضيّعونه ، فان ظفرت به فاعرف حقّه ، ومنزلته من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولا تؤاخذوه بفعله ، ومع ذلك فان لنا به خلطة ورحما وإياك لن تناله بسوء ويرى منك مكروها قال فلمّا هلك معاوية وتولّى الأمر بعده يزيد بعث عامله على مدينة رسول الله وهو عمّه عتبة بن أبى سفيان.
فقدم المدينة وعليها مروان بن الحكم ، وكان عامل معاوية فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد ، فهرب مروان فلم يقدر عليه ، وبعث عتبة إلى الحسين بن علىّ ، فقال : انّ أمير المؤمنين أمرك ان تبايع له ، فقال الحسين عليهالسلام : يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت الكرامة ومعدن الرسالة ، واعلام الحق الذين أودعه
الله عزوجل قلوبنا وأنطق به السنتنا فنطقت باذن الله عزوجل.
لقد سمعت جدّى رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إنّ الخلافة محرّمة على ولد أبى سفيان وكيف ابايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله صلىاللهعليهوآله هذا ، فلمّا سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم إلى عبد الله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبى سفيان ، أمّا بعد فان الحسين بن علىّ ليس يرى لك خلافة ولا بيعة فرأيك فى أمره والسلام.
فامّا ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب الى عتبة ، أمّا بعد فاذا أتاك كتابى هذا فعجّل علىّ بجوابه وبيّن لى فى كتابك كلّ من فى طاعتى أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن على عليهالسلام ، فبلغ ذلك الحسين فهمّ بالخروج من أرض الحجاز الى أرض العراق ، فلمّا أقبل الليل راح الى مسجد النبيّ صلىاللهعليهوآله ليودّع القبر ، فلمّا وصل الى القبر سطع له نور من القبر ، فعاد الى موضعه.
فلمّا كانت الليلة الثانية راح ليودّع القبر فقام يصلّى ، فأطال فنعس وهو ساجد ، فجاءه النبيّ صلىاللهعليهوآله وهو فى منامه فأخذ الحسين عليهالسلام وضمّه الى صدره ، وجعل يقبل عينيه ويقول : بأبى أنت وكأنّى أراك مرمّلا بدمك بين عصابة من هذه الامّة يرجون شفاعتى ما لهم عند الله من خلاق يا بنىّ ، انّك قادم على أبيك وأمك وأخيك وهم مشتاقون إليك ، وانّ لك فى الجنّة درجات لا تنالها الّا بالشهادة.
فانتبه الحسين عليهالسلام من نومه باكيا ، فأتى أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا وودّعهم وحمل اخواته على المحامل وابنته وابن أخيه القاسم بن الحسن بن على عليهماالسلام ، ثمّ صار فى أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته منهم أبو بكر بن على ، ومحمّد ابن على ، وعثمان بن على ، والعبّاس بن على ، وعبد الله بن مسلم بن عقيل ، وعلىّ
بن الحسين الاكبر ، وعلىّ بن الحسين الاصغر عليهالسلام (١).
٢ ـ قال المفيد : فلمّا مات معاوية وانقضت مدّة الهدنة الّتي كانت تمنع الحسين عليهالسلام ، من الدعوة إلى نفسه أظهر أمره بحسب الإمكان وأبان عن حقّه للجاهلين به حالا بعد حال ، إلى أن اجتمع له فى الظاهر الأنصار ، فدعى عليهالسلام الى الجهاد ، وشمّر للقتال وتوجّه بولده وأهل بيته من حرم الله وحرم رسول الله صلىاللهعليهوآله نحو العراق ، للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء وقدّم امامه ابن عمّه مسلم بن عقيل رضى الله عنه وأرضاه للدعوة الى الله والبيعة له على الجهاد.
فبايعه أهل الكوفة على ذلك ، وعاهدوه وضمنوا له النصرة والنصيحة ووثقوا له فى ذلك وعاقدوه ، ثمّ لم تطل المدّة بهم حتّى نكثوا بيعته وخذلوه ، وأسلموه ، فقتل بينهم ولم يمنعوه وخرجوا إلى حرب الحسين عليهالسلام ، فحاصروه ومنعوا المسير الى بلاد الله واضطرّوه إلى حيث لا يجد ناصرا ولا مهربا منهم ، وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتّى تمكّنوا منه فقتلوه فمضى عليهالسلام ظمأن مجاهدا صابرا محتسبا مظلوما ، قد نكثت بيعته واستحلّت حرمته ، ولم يوف له بعهده ولا رعيت فيه ذمّة عقد ، شهيدا على ما مضى عليه أبوه وأخوه عليهمالسلام (٢).
٣ ـ عنه عن الكلبى والمدائنى ، وغيرهما من أصحاب السيرة قالوا : لما مات الحسن عليهالسلام ، تحرّكت الشيعة بالعراق ، وكتبوا إلى الحسين عليهالسلام ، فى خلع معاوية والبيعة له فامتنع عليهم ، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتّى تمضى المدّة فاذا مات معاوية نظر فى ذلك ، فلمّا مات معاوية وذلك للنصف من رجب سنة ستّين من الهجرة كتب يزيد الى الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وكان على المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين عليهالسلام بالبيعة له ولا يرخّص له فى
__________________
(١) أمالى الصدوق : ٩١.
(٢) الارشاد : ١٨١.
التأخّر عن ذلك.
فأنفذ الوليد الى الحسين عليهالسلام فى اللّيل ، فاستدعاه ، فعرف الحسين عليهالسلام الذي أراد ، فدعى جماعة من مواليه فأمرهم بحمل السلاح وقال لهم : انّ الوليد قد استدعانى فى هذا الوقت ولست آمن أن يكلّفنى فيه أمرا لا اجيب إليه وهو غير مأمون ، فكونوا معى ، فاذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب ، فان سمعتم صوتى قد علا فادخلوا عليه لتمنعا عنّى ، فصار الحسين عليهالسلام الى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين عليهالسلام.
ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له فقال الحسين عليهالسلام : انّى لا أراك تقنع ببيعتى ليزيد سرّا حتّى أبايعه جهرا فيعرف ذلك ، فقال له الوليد انصرف على اسم الله تعالى حتّى تأتينا مع جماعة النّاس فقال له مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا ، حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه فوثب الحسين عليهالسلام عند ذلك وقال أنت يا ابن الزرقاء تقتلنى أم هو كذبت والله واثمت وخرج يمشى ومعه مواليه حتّى أتى منزله.
فقال مروان للوليد : عصيتنى لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا ، فقال له الوليد: ويح غيرك يا مروان انّك اخترت لى الّتي فيها هلك دينى ، والله ما أحبّ أنّ لى ما طلعت عليه الشّمس وغربت عنه من مال الدّنيا وملكها وانّى قتلت حسينا سبحان الله أقتل حسينا لما ان قال لا أبايع ، والله انّى لأظنّ انّ امرأ يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة ، فقال له مروان : فاذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت ، يقول هذا وهو غير الحامد له على رأيه.
فاقام الحسين عليهالسلام فى منزله تلك الليلة وهى ليلة السبت لثلث بقين من رجب سنة ستّين من الهجرة ، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير فى البيعة ليزيد و
امتناعه عليهم وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجّها الى مكّة ، فلمّا اصبح الوليد سرّح فى أثره الرجال فبعث راكبا من موالى بنى أميه فى ثمانين راكبا فطلبوه ولم يدركوه فرجعوا فلمّا كان آخر نهار يوم السبت بعث الرجال الى الحسين عليهالسلام ، ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية فقال لهم الحسين عليهالسلام : اصبحوا ثمّ ترون ونرى ، فكفّوا تلك اللّيلة عنه ولم يلحّوا عليه (١).
٤ ـ قال الطبرسى : ذكر الثقات من أصحاب السير ، أنّه لمّا مات الحسن بن علىّ عليهماالسلام ، تحرّكت الشيعة بالعراق ، وكتبوا الى الحسين عليهالسلام فى خلع معاوية ، فامتنع عليهم للعهد الحاصل بينه وبين معاوية ، فلمّا مات معاوية وذلك فى النصف من رجب سنة ستّين ، كتب يزيد بن معاوية الى الوليد بن عتبة ، والى المدينة أن يأخذ الحسين عليهالسلام بالبيعة له ، فانفذ الوليد الى الحسين عليهالسلام ، فاستدعاه فعرف الحسين ما أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال :
اجلسوا على الباب فاذا سمعتم صوتى قد علا ، فادخلوا عليه ، ولا تخافوا علىّ ، وصار عليهالسلام إلى الوليد ، فنعى الوليد إليه معاوية ، فاسترجع الحسين عليهالسلام ، ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد بن معاوية ، فقال الحسين عليهالسلام : إنّى لا أراك تقنع ببيعتى ليزيد سرّا حتّى أبايعه جهرا ، فقال الوليد : أجل ، فقال الحسين عليهالسلام : فنصبح ونرى فى ذلك ، فقال الوليد : انصرف على اسم الله تعالى.
فقال مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا تقدر منه على مثلها أبدا ، حتّى يكثر القتلى بينكم وبينه ، فلا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه ، فوثب عند ذلك الحسين عليهالسلام وقال : أنت يا ابن الزرقاء تقتلنى أو هو؟ كذبت والله وأثمت فخرج ، فقال مروان للوليد : عصيتنى ، فقال : ويح غيرك يا
__________________
(١) الارشاد : ١٨٢.
مروان والله ما أحب أنّ لى ما طلعت عليه الشمس وأنّى قتلت حسينا إن قال : لا ابايع.
والله انّى لا ظنّ انّ امرأ يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله تعالى يوم القيامة ، فقال مروان : ان كان هذا رأيك فقد أصبت ، وأقام الحسين تلك اللّيلة فى منزله واشتغل الوليد بمراسلة عبد الله بن الزبير فى البيعة ليزيد ، وظهر امتناعه عليه وخرج ابن الزبير من ليلته متوجّها الى مكّة وسرّح الوليد فى إثره الرجال ، فطلبوا فلم يدركوه ، فلمّا كان آخر النهار بعث الى الحسين عليهالسلام ليبايع فقال عليهالسلام : اصبحوا وترون ونرى فكفّوا تلك اللّيلة عنه (١).
٥ ـ قال الفتال النيسابوريّ : روى انّه لمّا مات الحسن تحرّكت الشيعة بالعراق وكتبت الى الحسين فى خلع معاوية والبيعة له ، فامتنع عليهم ، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهدا لا يجوز له نقضه حتّى تمضى المدّة فان مات معاوية نظر فى ذلك ، فلمّا مات معاوية ، وذلك للنصف من رجب سنة ستين من الهجرة كتب يزيد الى الوليد ابن عتبة بن أبى سفيان ، وكان على المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين عليهالسلام بالبيعة ولا يرخص له فى التأخّر عن ذلك.
فأنفذ الوليد الى الحسين عليهالسلام فى اللّيل ، فاستدعاه فعرف الحسين الّذي ما أراد فدعا جماعة من مواليه ، وأمرهم بحمل السلاح وقال لهم : إنّ الوليد قد استدعانى فى هذا الوقت ولست آمنا ان يكلّفنى أمر الا أجيبه إليه وهو غير مأمون فكونوا فاذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب ، فان سمعتم صوتى قد علا ، فادخلوا عليه لتمنعوه منّى ، فصار الحسين عليهالسلام الى الوليد ، فوحد عنده مروان بن الحكم فنعى الوليد معاوية فاسترجع الحسين ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد وما أمر به فى أخذ البيعة منه له.
__________________
(١) اعلام الورى : ٢٢٠.
فقال له الحسين انّى لا أراك تقنع ببيعتى ليزيد سرّا حتّى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس ، فقال الوليد أجل فقال الحسين فنصبح وترى رأيك فى ذلك ، فقال له الوليد انصرف على اسم الله حتّى تأتينا مع جماعة الناس ، فقال له مروان والله لئن فارقك الحسين السّاعة ولم يبايع لا تقدر منه على مثلها ابدا حتّى يكثر القتل بينكم وبينه احبس الرجل ، فلا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه.
فوثب عند ذلك الحسين عليهالسلام قال : أنت يا ابن الزرقاء تقتلنى أو هو كذبت وأثمت ، وخرج ومشى مع مواليه حتّى أتى منزله ، فأقام عليهالسلام فى منزله تلك اللّيلة وهى ليلة السبت لثلث بقين من رجب سنة ستّين واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير فى البيعة ليزيد ، وامتناعه عليهم ، وخرج ابن الزبير من ليلته من المدينة متوجّها إلى مكّة.
فلمّا أصبح الوليد سرّح فى أثر ابن الزبير الرجال ، فبعث راكبا من موالى بنى أميّة فى ثمانين ركبا فطلبوه ولم يدركوه ، ورجعوا ، فلمّا كان آخر النّهار من يوم السبت بعث الرجال إلى الحسين عليهالسلام ، ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية فقال لهم الحسين أصبحوا ثمّ ترون ونرى فكفّوا اللّيلة ولم يلحّوا عليه (١).
٦ ـ قال ابن شهرآشوب : فلمّا مات معاوية كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبى سفيان بالمدينة يأخذ البيعة من الحسين وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبى بكر أخذا ضيّقا ليست فيه رخصة ، فمن تأبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث الىّ برأسه فاحضر الوليد مروان وشاوره فى ذلك ، فقال الرأى أن تحضرهم وتأخذ منهم البيعة ، قبل أن يعلموا فوجّه فى طلبهم وكانوا عند التربة ، فقال عبد الرحمن وعبد الله ندخل دورنا ونغلّق أبوابنا قال ابن الزبير و
__________________
(١) روضة الواعظين : ١٤٦.
الله ما أبايع يزيد أبدا.
قال الحسين بن على عليهماالسلام أنا لا بدّ لى من الدخول على الوليد وأنظر ما يقول ، ثمّ قال لمن حوله من أهل بيته إذا أنا دخلت على الوليد وخاطبته وخاطبنى وناظرته وناظرنى كونوا على الباب ، فاذا سمعتم الصيحة قد علت والاصوات قد ارتفعت ، فاهجموا إلى الدار ولا تقتلوا أحدا ولا تثيروا إلى الفتنة فلمّا دخل عليه ، وقرء الكتاب ، قال ما كنت أبايع ليزيد ، فقال مروان : بايع لأمير المؤمنين.
فقال الحسين كذبت ويلك على المؤمنين من أمّره عليهم فقام مروان وجرّد سيفه ، وقال مر سيّافك أن يضرب عنقه قبل قبل أن يخرج من الدّار ودمه فى عنقى ، وارتفعت الصيحة فهجم تسعة عشر رجلا من أهل بيته وقد انتضوا خناجرهم ، فخرج الحسين عليهالسلام معهم ووصل الخبر الى يزيد فعزل الوليد وولّاها مروان (١).
٧ ـ قال ابن طاوس : فلمّا توفّى معاوية بن أبى سفيان ، وذلك فى رجب سنة ستّين من الهجرة ، كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة ، وكان أمير المدينة يأمره بأخذ البيعة على أهلها عامة وخاصّة على الحسين عليهالسلام ، ويقول له : ان أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلىّ برأسه ، فاحضر الوليد المروان ، واستشاره فى أمر الحسين عليهالسلام ، فقال انّه لا يقبل ولو كنت مكانك لضربت عنقه فقال الوليد : ليتنى لم أك شيئا مذكورا.
ثمّ بعث إلى الحسين عليهالسلام ، فجائه فى ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه ، فنعى الوليد إليه موت معاوية ، وعرض عليه البيعة ليزيد ، فقال : أيّها الأمير إنّ البيعة لا تكون سرّا ولكن اذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم ، فقال مروان : لا تقبل أيّها الأمير عذره ومتى لم يبايع فاضرب عنقه ، فغضب الحسين عليهالسلام ثمّ قال ويل لك
__________________
(١) المناقب : ٢ / ٢٠٧.
يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقى كذبت والله ولؤمت.
ثمّ أقبل على الوليد ، فقال : أيّها الأمير انّا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا ختم الله ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحرّمة معلن بالفسق ، ومثلى لا يبايع بمثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون ، أينا أحقّ بالخلافة والبيعة.
ثمّ خرج عليهالسلام ، فقال مروان للوليد عصيتنى فقال : ويحك انّك اشرت إلىّ بذهاب دينى ودنياى ، والله ما أحبّ أنّ ملك الدنيا بأسرها ، لى وإنّنى قتلت حسينا والله ما أظنّ أحدا يلقى الله بدم الحسين عليهالسلام إلّا وهو خفيف الميزان لا ينظر الله إليه ولا يزكّيه وله عذاب أليم ، قال وأصبح الحسين عليهالسلام فخرج من منزله يستمع الأخبار فلقيه مروان فقال له يا أبا عبد الله إنّى لك ناصح فاطعنى ترشد.
فقال الحسين عليهالسلام : وما ذاك قل حتّى أسمع فقال للحسين إنّى آمرك ببيعة يزيد ابن معاوية ، فانّه خير لك فى دينك ودنياك ، فقال الحسين عليهالسلام : إنّا لله وإنّا إليه راجعون وعلى الاسلام السلام ، اذ قد بليت الامّة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدّى رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : الخلافة محرّمة على آل أبى سفيان وطال الحديث بينه وبين مروان حتّى انصرف مروان وهو غضبان (١).
٨ ـ عنه حدّثنى جماعة باسنادهم إلى عمر النسابة رضوان الله عليه فيما ذكره فى آخر الكتاب الشافى فى النسب باسناده الى جدّه محمّد ابن عمر ، قال سمعت أبى عمر بن علىّ بن أبى طالب عليهالسلام يحدث أخوالى آل عقيل ، قال لما امتنع أخى الحسين عليهالسلام عن البيعة ليزيد بالمدينة ، دخلت عليه فوجدته خاليا ، فقلت له جعلت فداك يا أبا عبد الله حدّثنى أخوك أبو محمّد الحسن ، عن أبيه عليهماالسلام ثمّ سبقتنى الدمعة وعلا
__________________
(١) اللهوف : ٩.
شهيقى فضمنى إليه وقال :
حدّثك أنّى مقتول فقلت : حوشيت (١) يا ابن رسول الله فقال سألتك بحقّ أبيك بقتلى أخبرك ، فقلت نعم ، فلو لا ناولت وبايعت فقال : حدّثنى أبى أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أخبره بقتله ، وقتلى ، وأنّ تربتى تكون بقرب تربته ، فتظنّ إنّك علمت ما لم أعلمه وأنّى لا أعطى الدنيّة من نفسى أبدا ، ولتلقين فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريّتها من أمّته ولا يدخل الجنّة أحد أذاها فى ذرّيتها (٢).
٩ ـ قال الطبرى : فى حوادث سنه ٦٠ : وفى هذه السنة بويع ليزيد بن معاوية بالخلافة بعد أبيه ، للنصف من رجب فى قول بعضهم وفى قول بعض : لثمان بقين منه على ما ذكرنا من وفاة والده معاوية ، فأقر عبيد الله بن زياد على البصرة والنعمان ابن بشير على الكوفة.
قال هشام بن محمّد ، عن أبى مخنف ولى يزيد فى هلال رجب سنة ستين وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان ، وأمير الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري وأمير البصرة عبيد الله بن زياد وأمير مكّة عمرو بن سعيد بن العاص ، ولم يكن ليزيد همة حين ولى إلّا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته وأنّه ولىّ عهده بعد والفراغ من أمرهم فكتب الى الوليد :
بسم الله الرحمن الرحيم : من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة أمّا بعد ، فانّ معاوية كان عبدا من عباد الله أكرمه الله واستخلفه وخوّله ومكّن له فعاش بقدر ومات بأجل فرحمهالله فقد عاش محمودا ومات برّا تقيا والسلام.
أمّا بعد فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتّى يبايعوا والسلام ، فلمّا أتاه نعى معاوية فزع به وكبر
__________________
(١) كذا فى الاصل.
(٢) اللهوف : ١١.
عليه ، فبعث الى مروان بن الحكم فدعاه إليه ـ وكان الوليد يوم قدم المدينة قدمها مروان متكارها فلمّا رأى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه فبلغ ذلك مروان فجلس عنه وصرمه فلم يزل كذلك حتّى جاء نعى ، معاوية الى الوليد ، فلمّا عظم على الوليد هلاك معاوية وما امر به من أخذ هؤلاء الرّهط بالبيعة فزع عند ذلك إلى مروان ودعاه.
فلمّا قرأ عليه كتاب يزيد استرجع وترحّم عليه واستشاره الوليد فى الامر وقال : كيف ترى أن نصنع؟ قال : فانّى أرى أن تبعث الساعة الى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول فى الطاعة ، فان فعلوا قبلت منهم ، وكففت عنهم ، وإن أبوا قدّمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فانّهم ان علموا بموت معاوية ، وثب كلّ امرئ منهم فى جانب وأظهر الخلاف والمنابذة ودعا الى نفسه لا أدرى.
أما ابن عمر فانّى لا أراه يرى القتال ولا يحب أنّه يولّى على الناس ، الّا أن يدفع إليه هذا الامر عنوا ، فأرسل عبد الله بن عمرو بن عثمان ـ وهو إذ ذاك غلام حدث إليهما يدعوهما فوجدهما فى المسجد وهما جالسان فأتاهما فى ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس ولا يأتيانه فى مثلها فقال : أجيبا الأمير يدعوكما ، فقال له : انصرف الآن نأتيه ، ثمّ أقبل أحدهما ، على الآخر ، فقال عبد الله بن الزبير للحسين : ظنّ فيما تراه بعث إلينا فى هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها :
فقال حسين قد ظننت أرى طاغيتهم قد هلك ، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو فى الناس الخبر ، فقال : وأنا ما أظنّ غيره قال : فما تريد أن تصنع؟ قال : أجمع فتيانى الساعة ثمّ أمشى إليه فاذا بلغت الباب احتبستهم عليه ثمّ دخلت عليه قال : فانّى أخافه عليك إذا دخلت قال : لا آتيه الّا وأنا على الامتناع قادر ، فقام فجمع إليه مواليه وأهل بيته ، ثمّ أقبل يمشى حتّى انتهى إلى باب الوليد وقال
لأصحابه : إنّى داخل فان دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا فاقتحموا علىّ بأجمعكم ، والّا فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم.
فدخل فسلّم عليه بالامرة ومروان جالس عنده ، فقال حسين كأنّه لا يظنّ ما يظنّ من موت معاوية : الصلة خير من القطيعة أصلح الله ذات بينكما فلم يجيباه فى هذا بشيء وجاء حتّى جلس ، فأقرأه الوليد الكتاب ونعى له معاوية ودعاه الى البيعة ، فقال حسين : إنّا لله وإنّا إليه راجعون! ورحم الله معاوية وعظم لك الأجر! أمّا ما سألتنى من البيعة فانّ مثلى لا يعطى بيعته سرّا ولا أراك تجتزى بها منّى سرّا دون أن نظهرها على رءوس الناس علانية.
قال : أجل ، قال : فاذا خرجت إلى الناس فدعوتهم الى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا فقال له الوليد ـ وكان يحبّ العافية : فانصرف على اسم الله حتّى تأتينا مع جماعة الناس ، فقال له مروان : والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك الحسين فقال : يا ابن الزرقاء أنت تقتلنى أم هو! كذبت والله وأثمت.
ثمّ خرج فمرّ بأصحابه فخرجوا معه حتّى أتى منزله ، فقال مروان للوليد : عصيتنى لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه أبدا قال الوليد : وبخ غيرك يا مروان إنّك اخترت لى الّتي فيها هلاك دينى والله ما أحبّ أن لى ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأنى قتلت حسينا سبحان الله! أقتل حسينا أن قال : لا أبايع؟! والله انّى لا أظنّ امرأ يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة : فقال له مروان : فاذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت يقول هذا
الحامد له وهو غير الحامد له على رأيه (١)
١٠ ـ قال خليفة بن خياط : فحدّثنى وهب بن جرير ، قال : حدّثنى أبى عن محمّد قال : حدّثنى رزيق مولى معاوية قال : لما هلك معاوية بعثنى يزيد بن معاوية الى الوليد بن عتبة وهو أمير المدينة ، وكتب إليه بموت معاوية وأن يبعث الى هؤلاء الرّهط ، فيأمرهم بالبيعة له ، قال : فقدمت المدينة ليلا فقلت للحاجب : استأذن لى ، فقال : قد دخل ولا سبيل إليه ، فقلت : إنّى جئته بأمر ، فدخل فأخبره ، فأذن له وهو على سريره.
فلمّا قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية واستخلافه ، جزع لموت معاوية جزعا شديدا ، فجعل يقوم على رجليه ويرمى بنفسه على فراشه ، ثمّ بعث الى مروان فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة موردة فنعى له معاوية وأخبره أنّ يزيد كتب إليه أن يبعث إلى هؤلاء الرّهط ، فيدعوهم الى البيعة ليزيد ، قال : فترحم مروان على معاوية ودعا له بخير وقال : ابعث الى هؤلاء الرهط الساعة ، فادعهم الى البيعة فان بايعوا والّا فاضرب أعناقهم ، قال : سبحان الله أقتل الحسين بن على وابن الزبير؟ قال : هو ما أقول لك (٢)
١١ ـ عنه حدّثنى وهب قال : حدّثنى جويرية بن أسماء قال : سمعت أشياخنا من أهل المدينة ، ما لا أحصى يحدّثون أن معاوية توفّى وفى المدينة يومئذ الوليد بن عتبة بن أبى سفيان ، فأتاه موته. فبعث الى مروان بن الحكم ، وناس من بنى أميّة ، فأعلمهم الّذي أتاه ، فقال مروان : ابعث الساعة الى الحسين وابن الزبير فان بايعا والا فاضرب أعناقهما ، وقد هلك عبد الرحمن بن أبى بكر قبل ذلك.
فأتاه ابن الزبير فنعى له معاوية وترحم عليه وجزاه خيرا فقال له : بايع ،
__________________
(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٣٨.
(٢) تاريخ خليفة بن خياط : ١ / ٢٨١.
قال : ما هذه ساعة مبايعة ولا مثلى يبايعك هاهنا ، فترقى المنبر فأبايعك ويبايعك الناس علانية غير سرّ ، فوثب مروان فقال : اضرب عنقه فانّه صاحب فتنة وشرّ فقال : انّك لهتّاك يا ابن الزرقاء ، واستبّا ، فقال الوليد : أخرجوهما عنى وكان رجلا رفيقا سريا كريما ، فأخرجا عنه فجاء الحسين بن علىّ على تلك الحال فلم يكلّم فى شيء حتّى رجعا جميعا ورجع مروان الى الوليد.
فقال : والله لا تراه بعد مقامك الا حيث يسوؤك ، فأرسل العيون فى أثره. فلم يزد حين دخل منزله على أن دعا بوضوء وصفّ بين قدميه ، فلم يزل يصلّى ، وأمر حمزة ابنه أن يقدم راحلته الى الحليفة على بريد من المدينة ، ممّا يلى الفرع ـ وكان له بالحليفة مال عظيم ، فلم يزل صافّا بين قدميه ، فلمّا كان من آخر اللّيل وتراجعت عنه العيون جلس على دابته فركبها حتّى انتهى الى الحليفة ، فجلس على راحلته ، ثمّ توجّه إلى مكّة وخرج الحسين من ليلته فالتقيا بمكّة ، فقال له ابن الزبير : ما يمنعك من شيعتك وشيعة أبيك؟ فو الله لو أن لى مثلهم لذهبت إليهم (١)
١٢ ـ قال الدينورى : مات معاوية وعلى المدينة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان ، وعلى مكّة يحيى بن حكيم بن صفوان بن أميّة ، وعلى الكوفة النعمان بن بشير الانصارى ، وعلى البصرة عبيد الله بن زياد. فلم تكن ليزيد همّة الّا بيعة هؤلاء الأربعة نفر ، فكتب الى الوليد بن عتبة يأمره أن يأخذهم بالبيعة أخذا شديدا لا رخصة فيه ، فلمّا ورد ذلك على الوليد قطع به وخاف الفتنة ، فبعث إلى مروان ، وكان الّذي بينهما متباعدا ، فأتاه فأقرأه الوليد الكتاب واستشاره.
فقال له مروان : أما عبد الله بن عمر ، وعبد الرحمن بن أبى بكر فلا تخافنّ ناحيتهما ، فليسا بطالبين شيئا من هذا الامر ، ولكن عليك بالحسين بن على و
__________________
(١) تاريخ خليفة بن خياط : ١ / ٢٨٢.
عبد الله بن الزبير ، فابعث إليهما الساعة ، فإن بايعا وإلّا فاضرب أعناقهما قبل أن يعلن الخبر ، فيثب كلّ واحد منهما ناحية ، ويظهر الخلاف ، فقال الوليد لعبد الله بن عمرو بن عثمان ، وكان حاضرا ـ وهو حينئذ غلام حين راهق انطلق يا بنىّ الى الحسين بن علىّ وعبد الله بن الزبير ، فادعهما فانطلق الغلام حتّى أتى المسجد ، فاذا هو بهما جالسين.
فقال : أجيبا الأمير ، فقالا للغلام : انطلق ، فانّا صائران إليه على اثرك ، فانطلق الغلام ، فقال ابن الزبير للحسين رضى الله عنه : فيم تراه بعث إلينا فى هذه الساعة؟ فقال الحسين : أحسب معاوية قد مات ، فبعث إلينا للبيعة ، قال ابن الزبير : ما أظنّ غيره. وانصرفا الى منازلهما ، فأمّا الحسين فجمع نفرا من مواليه وغلمانه ، ثمّ مشى نحو دار الامارة ، وأمر فتيانه أن يجلسوا بالباب ، فان سمعوا صوته اقتحموا الدار.
دخل الحسين على الوليد ، وعنده مروان ، فجلس الى جانب الوليد ، فأقرأه الوليد الكتاب ، فقال الحسين : إنّ مثلى لا يعطى بيعته سرّا ، وانا طوع يديك ، فاذا جمعت الناس لذلك حضرت ، وكنت واحدا منهم ، وكان الوليد رجلا يحبّ العافية ، فقال للحسين : فانصرف إذن حتّى تأتينا مع الناس ، فانصرف.
فقال مروان للوليد : عصيتنى والله لا يمكّنك من مثله أبدا ، قال الوليد : ويحك؟ أتشير علىّ بقتل الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله وعليهماالسلام؟ والله إنّ الّذي يحاسب بدم الحسين يوم القيامة لخفيف الميزان عند الله (١)
١٣ ـ قال سبط ابن الجوزى : قال علماء السير : أقام الحسين بعد وفاة أخيه الحسن يحجّ فى كلّ عام من المدينة الى مكة ماشيا الى أن توفّى معاوية ، وقام يزيد فى
__________________
(١) الاخبار الطوال : ٢٢٧.