مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

لم يخب الآن من رجاك ومن

حرّك من دون بابك الحلقة

أنت جواد وأنت معتمد

أبوك قد كان قاتل الفسقة

لو لا الذي كان من أوائلكم

كانت علينا الجحيم منطبقة

قال فسلّم الحسين عليه‌السلام وقال يا قنبر هل بقى من مال الحجاز شيء قال نعم أربعة آلاف دينار فقال : هاتها قد جاء من هو أحقّ بها منّا ثمّ نزع برديه ولفّ الدنانير فيها وأخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابى وأنشأ :

خذها فانّى إليك معتذر

واعلم بأنّى عليك ذو شفقة

لو كان فى سيرنا الغداة عصا

أمست سمانا عليك مندفقة

لكنّ ريب الزمان ذو غير

والكفّ منّى قليلة النّفقة

قال : فأخذها الأعرابى وبكى ، فقال له لعلّك استقللت ما أعطيناك ، قال لا ولكن كيف يأكل التراب جودك وهو المرويّ عن الحسن بن على عليهما‌السلام (١).

٣٣ ـ عنه عن شعيب بن عبد الرحمن الخزاعى قال وجد على ظهر الحسين بن على يوم الطّف أثر فسألوا زين العابدين عليه‌السلام عن ذلك ، فقال هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين (٢).

٣٤ ـ عنه قيل انّ عبد الرحمن السلمى علّم ولد الحسين عليه‌السلام الحمد فلمّا قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار ، وألف حلة وحشا فاه درّا فقيل له فى ذلك قال : وأين يقع هنا من عطائه يعنى تعليمه وانشد الحسين عليه‌السلام.

اذا جادت الدنيا عليك فجد بها

على النّاس طرّا قبل أن تتفلّت

فلا الجود يفنيها إذا هى أقبلت

ولا البخل يبقيها اذا ما تولّت (٣)

 __________________

(١) المناقب : ٢ / ١٩١.

(٢) المناقب : ٢ / ١٩٢.

(٣) المناقب : ٢ / ١٩١.

٤١

٣٥ ـ عنه ومن تواضعه أنّه مرّ بمساكين وهم يأكلون كسرا لهم على كساء فسلّم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال لو لا أنّه صدقة لاكلت معكم ثمّ قال : قوموا الى منزلى فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم (١).

٣٦ ـ عنه حدّث الصولى عن الصادق عليه‌السلام فى خبر أنّه جرى بينه وبين محمّد ابن الحنفية كلام فكتب ابن الحنفية الى الحسين عليه‌السلام أما بعد يا أخى فان أبى واباك علىّ ، لا تفضلنى فيه ولا أفضلك وامّك فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولو كان من الأرض ذهبا ملك امّى ما وفت بامّك فإذا قرأت كتابى هذا فسر إلىّ حتّى ترضانى فانّك أحقّ بالفضل منّى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، ففعل الحسين عليه‌السلام ذلك فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء (٢).

٣٧ ـ شاذان القمى باسناده ، حدّثنا سليمان بن مهران قال : حدّثنا جابر ، عن مجاهد قال حدّثنا عبد الله بن عبّاس قال : حدّثنا رسول الله قال : لما عرج بى الىّ السماء رأيت على باب الجنّة مكتوبا لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله على ولىّ الله ، والحسن والحسين سبطا رسول الله وفاطمة الزهراء صفوة الله وعلى ناكرهم وباغضهم لعنة الله تعالى ، قيل ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا ذات يوم وعنده الامام علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام إذ دخل الحسين بن على فاخذه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واجلسه فى حجره وقبل بين عينيه وقبل شفتيه وكان للحسين عليه‌السلام ستّ سنين ، فقال علىّ عليه‌السلام يا رسول الله أتحبّ ولدى الحسين.

قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : وكيف لا أحبّه وهو عضو من أعضائى فقال على عليه‌السلام : يا رسول الله أيّما أحبّ إليك أنا أم حسين فقال : الحسين يا أبتى من كان أعلى شرفا كان أحبّ الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقرب إليه منزلة قال على عليه‌السلام : لولده : أتفاخرنى يا حسين

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١٩٢.

(٢) المناقب : ٢ / ١٩٢.

٤٢

قال : نعم يا أبتاه إن شئت فقال له الامام على عليه‌السلام يا حسين أنا أمير المؤمنين أنا لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفى أنا خازن علم الله ، ومختاره من خلقه ، أنا قائد السابقين إلى الجنّة ، أنا قاضى الدين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أنا الّذي عمه سيّد فى الجنّة أنا الّذي أخوه جعفر الطيّار فى الجنّة عند الملائكة أنا قاضى الرسول أنا آخذ له باليمين أنا حامل سورة التنزيل إلى أهل مكّة بأمر الله تعالى أنا الّذي اختارنى الله تعالى من خلقه أنا حبل الله المتين الذي أمر الله تعالى خلقه أن يعصموا به فى قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا أنا نجم الله الزاهر أنا الّذي تزوره ملائكة السموات.

أنا لسان الله الناطق أنا حجّة الله تعالى على خلقه أنا يد الله القوى أنا وجه الله تعالى فى السموات أنا جنب الله الظاهر ، أنا الّذي قال الله سبحانه وتعالى فىّ وفى حقّى (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) أنا عروة الله الوثقى الّتي لا انفصام لها والله سميع عليم ، أنا باب الله الّذي يؤتى منه أنا علم الله على الصراط.

أنا بيت الله الّذي من دخله كان آمنا ، فمن تمسّك بولايتى ومحبّتى أمن من النار أنا قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين أنا قاتل الكافرين أنا أبو اليتامى أنا كهف الارمال أنا عمّ يتساءلون عن ولايتي يوم القيمة قوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) أنا نعمة الله تعالى التي أنعم الله بها على خلقة أنا الذي قال الله تعالى فىّ وفى حقّى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).

فمن أحبّنى كان مسلما مؤمنا ، كامل الدين أنا الّذي قال الله تبارك وتعالى فىّ وفى عدوّى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) اى عن ولايتي يوم القيامة أنا النبأ العظيم الّذي أكمل الله تعالى به الدين يوم غدير خم وخيبر ، أنا الّذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

٤٣

فى من كنت مولاه فعلىّ مولاه أنا صلاة المؤمن أنا حىّ على الصلاة ، أنا حىّ على الفلاح أنا حىّ على خير العمل.

أنا الذي نزل على أعدائى (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) بمعنى من أنكر ولايتي وهو النعمان بن الحارث اليهودى لعنه الله تعالى أنا داعى الانام الى الحوض ، فهل داعى المؤمنين غيرى ، أنا أبو الائمّة الطاهرين من ولدى أنا ميزان القسط ليوم القيامة انا يعسوب الدين ، أنا قائد المؤمنين الى الخيرات والغفران إلى ربّى.

أنا الّذي أصحاب يوم القيامة من أوليائى المبرأون من أعدائى وعند الموت لا يخافون ولا يحزنون ، وفى قبورهم لا يعتبون وهم الشهداء والصديقون وعند ربّهم يفرحون أنا الّذي شيعتى متوثقون أن لا يرادّوا من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ابناءهم ، أنا الذي شيعتى يدخلون الجنّة بغير حساب ، أنا الّذي عندى ديوان الشيعة بأسمائهم أنا عون المؤمنين وشفيع لهم عند ربّ العالمين أنا الغارب بالسيفين أنا الطاعن بالرمحين.

أنا قاتل الكافرين يوم بدر وحنين أنا مردى الكماء يوم أحد أنا ضارب ابن عبد ودّ لعنه الله تعالى يوم الاحزاب أنا قاتل عمرو ومرحب ، أنا قاتل فرسان خيبر ، أنا الذي قال فىّ الامين جبرئيل عليه‌السلام لا سيف الّا ذو الفقار ، ولا فتى الّا على أنا صاحب فتح مكّة أنا كاسر اللّات والعزّى أنا الهادم هبل الأعلى ، ومناة الثالثة الاخرى ، أنا علوت على كتف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكسرت الأصنام.

انا الّذي كسرت يغوث ويعوق ونسرا أنا الّذي قاتلت الكافرين فى سبيل الله أنا الّذي تصدق بالخاتم أنا الّذي نمت على فراش النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ووقيته ، بنفسى من المشركين أنا الذي يخاف الجن من بأسى أنا الّذي به يعبد الله أنا ترجمان الله أنا خازن علم الله أنا عيبة علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا قاتل أهل جمل وصفّين بعد رسول

٤٤

الله أنا قسيم الجنّة والنار فعندها سكت على عليه‌السلام.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسين عليه‌السلام أسمعت يا أبا عبد الله ما قاله أبوك وهو عشر عشير معشار ما قاله من فضائله ومن ألف ألف فضيلة وهو فوق ذلك اعلى.

فقال الحسين عليه‌السلام الحمد لله الّذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين ، وعلى جميع المخلوقين وخصّ جدّنا بالتنزيل والتأويل والصدق ومناجاة الأمين جبرائيل عليه‌السلام ، وجعلنا خيار من اصطفاه الجليل ورفعنا على الخلق أجمعين.

ثمّ قال الحسين عليه‌السلام : أما ما ذكرت يا أمير المؤمنين فأنت فيه صادق أمين فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اذكر أنت يا ولدى فضائلك فقال الحسين عليه‌السلام يا أبت أنا الحسين ابن علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام وامّى فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين وجدّى محمّد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد بنى آدم أجمعين لا ريب فيه يا علىّ أمى أفضل من امّك عند الله وعتد الناس أجمعين وجدّى خير من جدّك وافضل عند الله وعند الناس أجمعين.

وانا فى المهد ناغانى جبرائيل وتلقانى اسرافيل يا على أنت عند الله تعالى أفضل منّى وأنا أفخر منك بالآباء والامّهات والاجداد قال ثمّ انّ الحسين عليه‌السلام اعتنق أباه وجعل يقبله وأقبل على عليه‌السلام يقبل ولده الحسين وهو يقول زادك الله تعالى شرفا وفخرا وعلما وحلما ولعن الله تعالى ظالميك يا أبا عبد الله ثمّ رجع الحسين عليه‌السلام الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا وجدناه مكتوبا على التمام والكمال ونستغفر الله من الزيادة والنقصان ونعوذ بالله من سخط الرحمن (١).

٣٨ ـ قال المجلسى : ذكر ابن عبد ربّه فى كتاب العقد أنّه قيل لعلىّ بن الحسين عليه‌السلام ما أقلّ ولد أبيك؟ فقال : العجب كيف ولد كان يصلّى فى اليوم والليلة ألف ركعة (٢)

__________________

(١) الفضائل : ٨٣.

(٢) البحار : ٤٤ / ١٩٦.

٤٥

٣٩ ـ عنه عن جامع الاخبار : فى أسانيد أخطب خوارزم أورده فى كتاب له فى مقتل آل الرسول أنّ أعرابيّا جاء إلى الحسين بن على عليه‌السلام فقال : يا ابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائه ، فقلت فى نفسى : أسأل أكرم الناس ، وما رأيت أكرم من أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال الحسين : يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل ، فان أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال ، وإنّ أجبت عن اثنين أعطيتك ثلثى المال ، وان أجبت عن الكلّ اعطيتك الكلّ.

فقال الاعرابىّ : يا ابن رسول الله أمثلك يسأل عن مثلى ، وأنت من أهل العلم والشرف؟ فقال الحسين عليه‌السلام : بلى سمعت جدّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول المعروف بقدر المعرفة ، فقال الأعرابىّ : سل عما بدا لك ، فان أجبت والّا تعلّمت منك ، ولا قوّة الّا بالله.

فقال الحسين عليه‌السلام أىّ الأعمال أفضل؟ فقال الأعرابىّ : الايمان بالله ، فقال الحسين عليه‌السلام : فما النجاة من المهلكة؟ فقال الاعرابىّ : الثقة بالله ، فقال الحسين عليه‌السلام : فما يزين الرجل؟ فقال الاعرابىّ : علم معه حلم ، فقال : فان أخطأه ذلك؟ فقال : مال معه مروءة ، فقال : فإن أخطأه ذلك؟ فقال : فقر معه صبر ، فقال الحسين عليه‌السلام : فان أخطأه ذلك؟ فقال الأعرابىّ : فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه فانّه أهل لذلك.

فضحك الحسين عليه‌السلام ورمى بصرّة إليه فيه ألف دينار ، وأعطاه خاتمه ، فيه فصّ قيمته مائتا درهم ، وقال : يا اعرابىّ أعط الذهب إلى غرمائك ، واصرف الخاتم فى نفقتك ، فأخذ الأعرابى وقال : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (١).

٤٠ ـ عنه : روى فى بعض مؤلفات أصحابنا عن أبى سلمة قال : حججت مع

__________________

(١) البحار : ٤٤ / ١٩٦.

٤٦

عمر ابن الخطّاب ، فلمّا مررنا بالأبطح فإذا بأعرابى قد أقبل علينا فقال : يا أمير المؤمنين إنّى خرجت وأنا حاجّ محرم ، فأصبت بيض النعام ، فاجتنبت وشوّيت وأكلت ، فما يجب علىّ؟ قال : ما يحضرنى فى ذلك شيء ، فاجلس لعلّ الله يفرّج عنك ببعض أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فاذا أمير المؤمنين عليه‌السلام قد أقبل والحسين عليه‌السلام يتلوه ، فقال عمر : يا أعرابىّ هذا علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام فدونك ومسألتك ، فقال الاعرابىّ وسأله فقال علىّ عليه‌السلام : يا اعرابى سل هذا الغلام عندك يعنى الحسين عليه‌السلام.

فقال الاعرابىّ : إنّما يحيلنى كلّ واحد منكم على الآخر ، فأشار الناس إليه : ويحك هذا ابن رسول الله فاسأله ، فقال الأعرابىّ : يا ابن رسول الله إنّى خرجت من بيتى حاجّا ـ وقصّ عليه القصّة ـ فقال له الحسين : ألك إبل؟ قال : نعم قال : خذ بعدد البيض الّذي أصبت نوقا فاضربها بالفحولة : فما فصلت فاهدها إلى بيت الله الحرام.

فقال عمر : يا حسين النّوق يزلقن ، فقال الحسين : يا عمر انّ البيض يمرقن فقال : صدقت وبررت ، فقال على عليه‌السلام وضمّه إلى صدره وقال : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١).

٤١ ـ الهيتمى عن رجاء بن ربيعة قال كنت فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اذ مرّ حسين بن على فسلم فردّ عليه القوم السلام ، وسكت عبد الله بن عمرو ، ثمّ رفع ابن عمرو صوته بعد ما سكت القوم فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثمّ أقبل على القوم فقال ألا أخبركم بأحبّ أهل الارض إلى أهل السماء قالوا بلى قال هو هذا المقفى والله ما كلمته ولا كلّمنى منذ ليالى صفّين والله لان يرضى عنّى أحبّ إلىّ من أن يكون لى مثل أحد.

__________________

(١) البحار : ٤٤ / ١٩٧.

٤٧

فقال له أبو سعيد ألا تغدو إليه قال بلى فتواعدوا ان يغدوا إليه وغدوت معهما فاستأذن أبو سعيد فأذن فدخلنا فاستأذن لابن عمرو فلم يزل به حتّى أذن له الحسين ، فدخل فلمّا رآه زحل له ، وهو جالس إلى جنب الحسين فمدّه الحسين إليه فقام ابن عمرو فلم يجلس ، فلمّا رأى ذلك خلا عن أبى سعيد فازحل له فجلس بينهما فنقص أبو سعيد القصة ، فقال أكذاك يا ابن عمرو أتعلم انّى أحبّ أهل الارض إلى أهل السماء قال : أى وربّ الكعبة إنّك لا حب أهل الارض إلى أهل السماء.

قال فما حملك على أن قاتلتنى وأبى يوم صفين والله لابي خير منى قال أجل ولكن عمرو شكانى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال إن عبد الله يصوم النهار ويقوم الليل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّ ونم ، وصم وافطر وأطع عمروا ، فلمّا كان يوم صفّين اقسم على والله ما كثرت لهم سوادا ولا اخترطت لهم سيفا ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم ، فقال الحسين: أما علمت انّه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق قال : بلى قال كأنه قبل منه (١).

٤٢ ـ روى ابن الجوزى عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ريحانتاى من الدنيا يعنى الحسن والحسين عليهما‌السلام (٢)

٤٣ ـ الحافظ ابن عساكر ، أخبرنا أبو غالب أحمد ، وأبو عبد الله ، يحيى ابنا الحسن ، وأبو الحسين محمّد بن محمّد بن الفراء قالوا : أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ، أنبأنا أحمد بن سليمان ، أنبأنا الزبير ، حدّثنى إبراهيم بن حمزة ، عن إبراهيم بن على الرافعى ، عن أبيه عن جدّته زينب بنت أبى رافع ، قالت : أتت فاطمة بنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بابنيها الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى شكواه الذي توفّى فيه ، فقالت : يا رسول الله هذان ابناك تورثهما شيئا؟ قال : امّا حسن فأنّ له هيبتى وسؤددى و

__________________

(١) مجمع الزوائد : ٩ / ١٨٦.

(٢) صفة الصفوة : ١ / ٣٢١.

٤٨

أمّا حسين فانّ له جرأتى وجودى (١).

٤٤ ـ عنه قال : وقد روى من وجه آخر : أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندى ، وأنبأنا أبو الحسين ابن النقور ، أنبأنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلى أنبأنا أبو جعفر محمّد بن على بن دحيم الشيبانى الكوفى أنبأنا أحمد بن حازم ، أنبأنا مخول ، أنبأنا عبد الرحمن بن الأسود ، عن محمّد بن عبيد الله بن أبى رافع ، عن أبيه وعمّه عن جدّه :

عن أبى رافع : أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحسن والحسين ، فقالت : ابناك وابناى انحلهما.

قال : نعم أمّا الحسن فقد نحلته حلمى وهيبتى ، وأمّا الحسين فقد نحلته نجدتى وجودي : قالت : رضيت يا رسول الله (٢).

٤٥ ـ عنه أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقى أنبأنا الحسن بن على ، أنبأنا محمّد ابن العبّاس ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن الفهم ، أنبأنا محمّد بن سعد أنبأنا علىّ بن محمّد ـ يعنى المدائنى ـ عن محمّد بن عمرو العبدى عن أبى سعيد الكلبى قال : قال معاوية لرجل من قريش : إذا دخلت مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرأيت حلقة فيها قوم كأنّ على رءوسهم الطير ، فتلك حلقة أبى عبد الله مؤتزرا على انصاف ساقية ليس فيها من الهزيلي شيء (٣).

٤٩ ـ عنه وأنبأنا محمّد بن سعد ، أنبأنا قبيصة بن عقبة ، أنبأنا يونس بن أبى إسحاق عن العيزار بن حيث قال : بينما عمرو بن العاص جالس فى ظل الكعبة إذ رأى الحسين بن على مقبلا فقال : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم فقال

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ٣٤.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ٣٥.

(٣) ترجمة الامام الحسين : ١٤٧.

٤٩

أبو إسحاق : بلغنى انّ رجلا جاء إلى عمرو بن العاص وهو جالس فى ظلّ الكعبة فقال : علىّ رقبة من ولد إسماعيل. فقال : ما أعلمها الّا الحسن والحسين (١).

٤٧ ـ عنه وأنبأنا ابن سعد أنبأنا كثير بن هشام ، أنبأنا حمّاد بن سلمة : عن أبى المهزم ، قال : كنّا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة فجىء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأة فصلّى عليهما ، فلمّا أقبلنا أعيا الحسين فقعد فى الطريق ، فجعل أبو هريرة ينفض التراب من قدميه ، بطرف ثوبه فقال الحسين : يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا؟ قال أبو هريرة : دعنى فو الله لو يعلم الناس عنك ما أعلم لحملوك على رقابهم (٢).

٤٨ ـ عنه أخبرنا أبو بكر الانصارى أنبأنا الحسين بن على أنبأنا محمّد بن العباس أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن محمّد انبأنا يعلى بن عبيد ، أنبأنا عبيد الله بن الوليد الوصافي : عن عبد الله بن عمير ، قال : حجّ الحسين بن علىّ خمسا وعشرين حجّة ماشيا ونجائبه تقاد معه ، قال : وأنبأنا الفضل بن دكين ، أنبأنا حفص ابن غياث ، عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال : إنّ الحسين بن على حجّ ماشيا وأنّ نجائبه تقاد وراءه (٣)

٤٩ ـ عنه أخبرنا أبو الحسين بن أبى الفراء وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البناء قالوا : أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ، أنبأنا أحمد بن سليمان أنبأ الزبير بن بكّار ، قال : وحدثني أحمد بن سليمان ، عن عبد العزيز الدراوردى : عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بايع الحسن والحسين وعبد الله ابن عبّاس وعبد الله بن جعفر وهم صغار لم يبلغوا. قال : ولم يبايع صغيرا إلّا منّا. قال : حدّثنى عمّى مصعب بن عبد الله قال : حجّ الحسين خمسا وعشرين حجّة

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٤٨.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٤٩.

(٣) ترجمة الامام الحسين : ١٤٩.

٥٠

ماشيا (١).

٥٠ ـ أنبأنا علىّ بن محمّد يعنى المدائنى ، عن يزيد بن عياض بن جعدبة : عن أبى بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم قال : مرّ الحسين بمساكين يأكلون فى الصفة فقالوا : الغداء فنزل وقال «إنّ الله لا يحبّ المتكبّرين» فتغدّى معهم ثمّ قال لهم : قد أجبتكم فأجيبونى ، قالوا : نعم فمضى بهم إلى منزله فقال للرباب : أخرجى ما كنت تدّخرين (٢).

٥١ ـ عنه أخبرنا أبو الحسن علىّ بن أحمد الفقيه ، أنبأنا أبو الحسن ابن أبى الحديد أنبأنا جدّى أبو بكر ، أنبأنا أبو بكر الخرائطي قال : سمعت عمر بن شبّه يقول سمعت أبا الحسن المدائنى يقول : جرى بين الحسن بن على وأخيه الحسين كلام حتّى تهاجرا فلمّا أتى الحسن ثلاثة أيّام تألّم من هجر أخيه ، فأقبل إلى الحسين وهو جالس فأكبّ على رأسه فقبّله ، فلمّا جلس الحسن قال له الحسين : إنّ الذي منعنى من ابتدائك والقيام إليك انّك أحقّ بالفضل منّى فكرهت أن أنازعك ما أنت أحقّ به (٣).

٥٢ ـ عنه أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر ، أنبأنا أحمد بن عبد الملك ، أنبأنا علىّ ابن محمّد بن علىّ ، وعلىّ بن جعفر وعبد الرحمن بن محمّد بن بالويه ، قالا : أنبأنا أبو العبّاس الأصمّ ، أنبأنا عبّاس بن محمّد ، أنبأنا يحيى أنبأنا الاصمعى قال : بلغنا عن ابن عون ، قال : كتب الحسن الى الحسين يعيب عليه إعطاء الشعراء قال : فكتب إليه الحسين : إنّ خير المال ما وقى به العرض (٤).

٥٣ ـ ابن ماجة حدثنا أبو بكر ثنا معاذ بن هشام ، ثنا علىّ بن صالح عن سماك ،

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٥٠.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٥١.

(٣) ترجمة الامام الحسين : ١٥٢.

(٤) ترجمة الامام الحسين : ١٥٢.

٥١

عن قابوس ، قال : قالت أمّ الفضل : يا رسول الله رأيت كانّ فى بيتى عضوا من أعضائك قال : خير أرأيت تلد فاطمة غلاما فترضعيه ، فولدت حسينا أو حسنا ، فارضعته بلبن قثم ، قالت فجئت به إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعته فى حجره ، فبال ، فضربت كتفه ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أوجعت ابنى رحمك الله (١).

٤ ـ باب امامته عليه‌السلام

١ ـ محمّد بن يعقوب عن علىّ بن إبراهيم ، عن أبيه عن بكر بن صالح وعدّة من أصحابنا ، عن ابن زياد ، عن محمّد بن سليمان الديلمىّ ، عن هارون ابن الجهم ، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لمّا حضر الحسن بن على عليهما‌السلام الوفاة قال للحسين عليه‌السلام : يا أخى إنّى أوصيك بوصيّة فاحفظها ، إذا أنا متّ فهيئنى ثمّ وجّهنى الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأحدث به عهدا ثمّ اصرفنى إلى أمّى عليها‌السلام ثمّ ردّنى فأدفنى بالبقيع.

اعلم أنّه سيصيبنى من عائشة ما يعلم الله والناس صنيعها وعداوتها لله والرسول وعداوتها لنا أهل البيت ، فلمّا قبض الحسن عليه‌السلام ووضع على السرير ثمّ انطلقوا به إلى مصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي كان يصلّى فيه على الجنائز فصلّى عليه الحسين عليه‌السلام وحمل وأدخل الى المسجد فلمّا أوقف على قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذهب ذو العوينين إلى عائشة.

فقال لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرجت مبادرة على

__________________

(١) سنن ابن ماجه : ٢ / ١٢٩٣.

٥٢

بغل بسرج ـ فكانت أوّل امرأة ركبت فى الاسلام سرجا ـ فقالت نحّوا ابنكم عن بيتى فإنّه لا يدفن فى بيتى ويهتك على رسول الله حجابه ، فقال : لها الحسين عليه‌السلام : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأدخلت عليه بيته من لا يحبّ قربه ، وإنّ الله سألك عن ذلك يا عائشة(١).

٢ ـ عنه عن محمّد بن الحسن وعلىّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان الديلمىّ ، عن بعض أصحابنا ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال: لمّا حضرت الحسن بن على عليه‌السلام الوفاة ، قال : يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به منىّ ، قال : ادع لى محمّد بن علىّ ، فأتيته.

فلمّا دخلت عليه ، قال : هل حدث الّا خير؟ قلت : أجب أبا محمّد فعجّل على شسع نعله ، فلم يسوّه وخرج معى يعدو ، فلمّا قام بين يديه سلّم ، فقال له الحسن بن على عليهما‌السلام اجلس فانّه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيى به الأموات ويموت به الاحياء كونوا أوعية العلم ، ومصابيح الهدى ، فانّ ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض.

أمّا علمت أنّ الله جعل ولد ابراهيم عليه‌السلام أئمّة وفضّل بعضهم على بعض ، وآتى داود عليه‌السلام : زبورا وقد علمت بما استأثر به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمّد بن علىّ إنّى أخاف عليك الحسد وإنّما وصف الله به الكافرين ، فقال الله عزوجل : (كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) ولم يجعل الله عزوجل للشيطان عليك سلطانا ، يا محمّد بن علىّ ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟

قال : بلى ، قال : سمعت أباك عليه‌السلام يقول يوم البصرة : من أحبّ أن يبرّني فى الدنيا والآخرة فليبرّ محمّدا ولدى ، يا محمّد بن على لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة

__________________

(١) الكافى : ١ / ٣٠٠.

٥٣

فى ظهر أبيك لأخبرتك يا محمّد بن على أما علمت أنّ الحسين بن على عليهما‌السلام بعد وفاة نفسى ، ومفارقة روحى جسمى ، إمام من بعدى ، وعند الله جلّ اسمه فى الكتاب ، وراثة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أضافها الله عزوجل له فى وراثة أبيه وأمّه.

فعلم الله أنّكم خيرة خلقه ، فاصطفى منكم محمّدا وصلّى واختار محمّد عليّا عليهما‌السلام واختارنى على عليه‌السلام بالإمامة واخترت أنا الحسين عليه‌السلام : فقال له محمّد بن علىّ : أنت امام وأنت وسيلتى إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والله لوددت أنّ نفسى ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ألا وإنّ فى رأسى كلاما لا تنزفه الدلاء ولا تغيّره نغمة الرياح ، كالكتاب المعجم فى الرقّ المنضمّ أهمّ بابدائه فأجدنى سبقت إليه سبق الكتاب المنزل ، أو ما جاءت به الرسل.

إنّه كلام بكلّ به لسان الناطق ، ويد الكاتب حتّى لا يجد قلما ، ويؤتوا بالقرطاس حمما فلا يبلغ الى فضلك وكذلك يجزى الله المحسنين ولا قوّة الّا بالله ، الحسين أعلمنا علما ، وأثقلنا حلما ، وأقربنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رحما كان فقيها قبل أن يخلق وقرأ الوحى قبل أن ينطق ، ولو علم الله فى أحد خيرا ما اصطفى محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا اختار الله محمّدا ، واختار محمّد عليّا واختارك علىّ اماما واخترت الحسين ، سلّمنا ورضينا من هو بغيره يرضى ومن غيره كنا نسلم به من مشكلات أمرنا (١)

٣ ـ الصفّار حدّثنا محمّد بن عبد الجبّار عن محمّد بن إسماعيل ، عن على بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبى بصير ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام إنّ حبابة الوالبية كانت اذا وفد الناس الى معاوية وفدت هى الى الحسين عليه‌السلام وكان امرأة شديدة الاجتهاد ، وقد يبس جلدها على بطنها من العبادة وإنّها خرجت مرّة ومعها ابن عمّ لها غلام فدخلت به على الحسين عليه‌السلام فقالت له جعلت

__________________

(١) الكافى : ١ / ٣٠٠.

٥٤

فداك فانظر هل تجد ابن عمّى هنا فيما عندكم وهل تجده ناج ، قال فقال نعم نجده عندنا ونجده ناج (١).

٤ ـ الخزاز القمى أخبرنا محمّد بن عبد الله ، قال حدّثنا محمّد بن الحسين بن جعفر الخثعمى الاشنانى ، قال حدثنا أبو هاشم محمّد بن يزيد القاضى ، قال : حدّثنا يحيى بن آدم ، قال حدثنا جعفر بن زياد الاحمر ، عن أبى الصيرفى ، عن صفوان بن قبيصة ، عن طارق بن شهاب قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام للحسن والحسين : أنتما إمامان بعدى وسيدا شباب أهل الجنّة ، والمعصومان حفظكما الله ولعنة الله على من عاداكما (٢).

٥ ـ عنه حدّثنى محمّد بن وهبان البصرى ، قال حدثني داود بن الهيثم بن إسحاق النحوىّ ، قال : حدّثنى جدّى اسحاق بن البهلول ابن حسان ، قال حدّثنى طلحة بن زيد الرقى ، عن الزبير بن عطاء عن عمير بن هانى العبسى عن جنادة بن أبى أميّه قال دخلت على الحسن بن على عليهما‌السلام فى مرضه الّذي توفّى فيما بين يديه طشت يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية لعنه الله.

فقلت يا مولاى مالك لا تعالج نفسك؟ فقال : يا عبد الله بما ذا أعالج الموت؟ قلت : انّا لله وانّا إليه راجعون ، ثمّ التفت الىّ وقال : والله انّه لعهد عهده إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان هذا الامر يملكه اثنا عشر إماما من ولد علىّ عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام ، ما منا الّا مسموم أو مقتول ثمّ رفعت الطشت واتكى صلوات الله عليه فقلت: عظنى يا ابن رسول الله.

قال : نعم ، استعدّ لسفرك ، وحصّل زادك قبل حلول أجلك ، واعلم أنّك تطلب الدنيا والموت يطلبك ، ولا كمل يومك الذي له باب على يومك الّذي أنت فيه ،

__________________

(١) بصائر الدرجات : ١٧١.

(٢) كفاية الاثر : ٢٢١.

٥٥

واعلم انّك لا تكسب من المال شيئا فوق قوّتك الّا كنت فيه خازنا لغيرك ، واعلم انّ فى حلالها حسابا وفى حرامها عقابا وفى الشبهات عتاب ، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة ، خذ منها ما يكفيك.

فان كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها وان كان حراما لم تكن قد أخذت من الميتة ، وان كان العتاب ، فان العقاب يسير ، واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا وإذا أردت عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذلّ معصية الله الى عزّ طاعة الله عزوجل ، واذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك ، واذا خدمته صانك ، واذا أردت منه معونة فاتك فأقاك.

وإن قلت صدقك قولك ، وإن صلت شد صو صولك وإن مددت يدك بفضل جدّها ، وإن بدت منك ثلمة سدّها ، وان رأى منك حسنة عدّها ، وإن سألته أعطاك ، وإن سكت عنه ابتدأك ، وان نزلت بك أحد الملمّات آساك ، من لا يأتيك منه البوائق ولا يختلف عليك منه الطوالق ولا يخذلك عند الحقائق ، وان تنازعتما منفسا آثرك.

قال : ثمّ انقطع نفسه واصفرّ لونه حتّى خشيت عليه ، ودخل الحسين صلوات الله عليه والاسود بن أبى الاسود فانكبّ عليه حتّى قبل رأسه وبين عينيه ، ثمّ قعد عنده وتسارّا جميعا ، فقال أبو الاسود : إنّا لله أنّ الحسن قد نعيت إليه نفسه ، وقد أوصى الى الحسين عليه‌السلام وتوفّى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى يوم الخميس فى آخر صفر سنة خمسين من الهجرة وله سبعة وأربعون سنة (١)

٦ ـ قال الشيخ المفيد وكانت امامة الحسين عليه‌السلام بعد وفاة أخيه الحسن عليه‌السلام

__________________

(١) كفاية الاثر : ٢٢٦.

٥٦

ثابتة وطاعته لجميع الخلق لازمة وإن لم يدع إلى نفسه للتقيّة الّتي كان عليها والهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبى سفيان ، والتزم الوفاء بها وجرى فى ذلك مجرى أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام فى ثبوت امامته يعنى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مع الصموت وإمامة أخيه الحسن عليه‌السلام بعد الهدنة مع الكفّ والسكوت فكانوا فى ذلك على سنن نبىّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو فى الشعب محصور عند خروجه من مكّة مهاجرا مستخفيا فى الغار وهو من أعدائه مستور.

فلمّا مات معاوية وانقضت مدّة الهدنة التي كانت تمنع الحسين عليه‌السلام من الدعوة الى نفسه أظهر أمره بحسب الامكان وأبان عن حقّه للجاهلين به حالا بعد حال إلى أن اجتمع له فى الظاهر الانصار ، فدعى عليه‌السلام الى الجهاد وشمّر للقتال ، وتوجّه بولده وأهل بيته من حرم الله وحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نحو العراق للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الاعداء وقدّم امامه ابن عمّه مسلم بن عقيل رضى الله عنه وأرضاه للدعوة الى الله والبيعة له على الجهاد.

فبايعه أهل الكوفة على ذلك وعاهدوه وهيئوا له النصرة والنصيحة ووثقوا له فى ذلك وعاقدوه ثمّ لم تطل المدّة بهم حتّى نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه فقتل بينهم ولم يمنعوه وخرجوا الى حرب الحسين عليه‌السلام فحاصروه ومنعوه المسير الى بلاد الله واضطرّوه الى حيث لا يجد ناصرا ولا مهربا منهم وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتّى تمكنوا منه فقتلوه فمضى عليه‌السلام ظمآن مجاهدا صابرا محتسبا مظلوما قد نكث بيعته واستحلّت حرمته ولم يف له بعهد ولا رعيت فيه ذمّة عقد شهيدا على ما مضى عليه أبوه وأخوه عليهم‌السلام (١).

٧ ـ قال الطبرسى : يدلّ على امامته جميع الطرق الاعتباريّة والاخبارية الّتي

__________________

(١) الارشاد : ١٨١.

٥٧

ذكرناها فى إمامة الحسن عليه‌السلام بعينها فانّ جميعها كما تدلّ على إمامته تدلّ على إمامة أبى عبد الله الحسين من بعده مثلا بمثل ، وقد صرّح النبيّ على امامته أيضا بقوله : هذان ابناى إمامان قاما أو قعدا وأيضا فانّ وصية الحسن عليه‌السلام إليه تدلّ على امامته كما دلّت وصية أمير المؤمنين إلى الحسن عليهما‌السلام على إمامته بحسب ما دلّت وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمير المؤمنين على إمامته من بعده (١).

٨ ـ عنه فى حديث حبابة الوالبيّة الّذي رويناه هناك ما فيه من ظهور الآية المعجزة على يده الدالّة على امامته فلا معنى لتكرّره وإعادته فكانت إمامته عليه‌السلام ثابتة بعد أخيه الحسن وإن لم يدع إلى نفسه للهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبى سفيان وجرى فى ذلك مجرى أبيه وثبوت إمامته بعد وفاته مع الكفّ والصمت ومجرى أخيه فى زمان الهدنة والسكوت.

فلمّا انقضت زمان الولاية بهلاك معاوية واجتمع له فى الظاهر الأنصار أظهر أمره بعض الاظهار ، فشمر لذلك وقدّم الى العراق ابن عمّه مسلما للاستنصار فبايعه أهل الكوفة وضمنوا له النصرة ، ثمّ نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه وخرجوا إليه فحصروه حيث لا يجد ناصرا ولا مهربا وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتّى تمكّنوا منه فقتلوه شهيدا كما استشهد أخوه وأبوه ، والصلاة عليهم (٢).

٩ ـ قال الفتال النيسابوريّ : قالت أمّ سلمة كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عندى وأتاه جبرئيل عليه‌السلام فكانا فى البيت يتحدّثان إذ دقّ الباب الحسن بن على فخرجت افتح له الباب فاذا الحسين معه فدخلا فلمّا أبصرا جدّهما شبّها جبرئيل بدحية الكلبى فجعلا يحنان به ويدوران حوله فقال جبرئيل عليه‌السلام أمّا ترى الصبيين ما يفعلان؟ فقال يشبهانك بدحية الكلبى فانّه كثيرا ما يتعاهد هما ويتحفهما اذا جاءنا فجعل

__________________

(١) اعلام الورى : ٢١٤.

(٢) اعلام الورى : ٢١٥.

٥٨

جبرئيل يومى بيده كالمتناول شيئا فاذا بيده تفّاحة وسفرجلة ورمّانة فناول الحسن.

ثمّ أومى بيده مثل ذلك فناول الحسين ففرحا وتهلّلت وجوههما وسعيا الى جدّهما صلوات الله عليهم ، فأخذ التفّاحة والرمّانة والسفرجلة فشمّها ثمّ ردّها الى كل واحد منهما كهيئتهما ثمّ قال لهما صيرا إلى امّكما بما معكما وبدؤكما أبيكما أعجب الىّ فصارا كما أمرهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يؤكل منها شيء حتّى صار النبيّ إليهما فاذا التفّاح وغيره على حاله.

فقال أبو الحسن مالك لا تأكل ولا تطعم زوجتك وابنيك وحدّثته الحديث فاكل النبيّ وعلى وفاطمه والحسن والحسين عليهم‌السلام وأطعمنا أمّ سلمة فلم تزل الرمّان والسفرجل والتفّاح كل ما اكل منه عاد الى ما كان حتّى ، قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الحسين : فلم يلحقه التقصير والنقصان أيّام فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى توفّيت عليها‌السلام فقدنا الرمّان وبقى التفّاح والسفرجل أيّام أبى.

فلمّا استشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد السفرجل وبقى التفّاح على هيئته عند الحسن حتّى مات فى سمّه ، ثمّ بقى التفّاحة الى الوقت الذي حوصرت عن الماء فكنت أشمّها إذا عطشت فتكسر لهب عطشى فلمّا اشتدّ علىّ العطش عضضتها وأيقنت بالفناء قال علىّ بن الحسين عليهما‌السلام سمعت يقول ذلك قبل مقتل بساعة ، فلمّا قضى نحبه وجد ريحها من مصرعه فالتمست فلم ير لها أكثر فبقى ريحها بعد الحسين عليه‌السلام ولقد زرت قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك فى أوقات السّحر فانّه يجده إذا كان مخلصا (١).

١٠ ـ قال ابن شهرآشوب : قال أبو عبد الله عليه‌السلام وقد ذكر عنده الحسين : (الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) وقال عزوجل : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) وقال :

__________________

(١) روضة الواعظين : ١٣٧.

٥٩

(وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) أى الأئمّة (١).

١١ ـ عنه باسناده عن الاعرج عن أبى هريرة قال سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قوله : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) قال جعل الامامة فى عقب الحسين يخرج من صلبه تسعة من الائمّة منهم مهدى هذه الامّة (٢).

١٢ ـ عنه باسناده عن المفضّل بن عمر ، قال سألت الصادق عليه‌السلام ، عن هذه الآية قال يعنى بهذه الآية ، الامامة جعلها فى عقب الحسين الى يوم القيمة ، فقلت : كيف صارت فى ولد الحسين فقال : انّ موسى وهارون ، كانا نبيّين مرسلين أخوين فجعل الله النبوّة فى صلب هارون دون صلب موسى ثمّ ساق الحديث إلى قوله وهو الحكيم فى أفعاله (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) قال السدّى فى (عَقِبِهِ) أى فى آل محمّد أى لتولّى بهم الى يوم القيامة ونتبرّأ من أعدائهم إليها (٣).

١٢ ـ عنه باسناده عن حماد بن عيسى الجهنى عن الصادق عليه‌السلام قال لا تجتمع الإمامة فى اخوين بعد الحسن والحسين إنمّا هى فى الاعقاب وأعقاب الأعقاب (٤)

١٤ ـ عنه عن زيد بن على فى هذه الآية لا تصلح الخلافة الّا فينا وفى الخبر لمّا حضرت الحسين عليه‌السلام الوفاة لم يجز له أن يردّها إلى ولد أخيه لقول الله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) فكان ولده أقرب إليه رحما من ولد أخيه واولاده هكذا أولى بها فأخرجت هذه الآية ولد الحسن عن الامامة وصيّرتها الى ولد الحسين فهى فيهم أبدا الى يوم القيمة ولقول الله تعالى (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانا) فكان علىّ بن الحسين بدم أبيه أولى وبالقيام به أحرى (٥)

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١٧٦.

(٢) المناقب : ٢ / ١٧٦.

(٣) المناقب : ٢ / ١٧٦.

(٤) المناقب : ٢ / ١٧٦.

(٥) المناقب : ٢ / ١٧٧.

٦٠