مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

٣ ـ حدّثنى أبو العبّاس الرزاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبى الخطاب ، عن أبى داود المسترقّ ، عن أمّ سعيد الاحمسيّة قالت كنت عند أبى عبد الله عليه‌السلام وقد بعث من يكترى لى حمارا الى قبور الشهداء فقال ما يمنعك من زيارة سيّد الشهداء قالت قلت ومن هو؟ قال الحسين عليه‌السلام قالت : قلت وما لمن زاره قال حجّة وعمرة مبرورة ، ومن الخير كذا وكذا ثلث مرّات بيده (١).

٤ ـ عنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن أمّ سعيد الاحمسيّه قالت جئت إلى أبى عبد الله عليه‌السلام ، فدخلت عليه فجاءت الجارية فقالت : قد جئت بالدابّة فقال لى يا أمّ سعيد أىّ شيء ، هذه الدابّه أين تذهبين قالت قلت أزور قبور الشهداء قال : اخرى ذلك اليوم ، ما أعجبكم يا أهل العراق تأتون الشهداء من سفر بعيد ، وتتركون سيّد الشهداء لا تأتونه قالت : قلت له من سيّد الشهداء ، فقال الحسين بن على عليهما‌السلام ، قالت : قلت انّى امرأة فقال لا بأس لمن كان مثلك أن يذهب إليه ، ويزوره ، قالت أىّ شيء لنا فى زيارته قال تعدل حجّة وعمرة واعتكاف شهرين فى المسجد الحرام ، وصيامها وخيرها كذا وكذا قالت وبسط يده وضمّها ضما ثلاث مرّات (٢).

٥ ـ عنه حدّثنى أبى وعلىّ بن الحسين ومحمّد بن الحسن رحمهم‌الله ، عن سعد ابن عبد الله عن الحسن بن على عبد الله بن المغيرة ، عن العباس بن عامر ، عن أحمد بن رزق الغمشانى ، عن أمّ سعيد الأحمسيّة قالت : دخلت المدينة فاكتريت حمارا على أن أطوف على قبور الشهداء فقلت لا بدّ أبدأ بابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فادخل عليه.

فابطأت على المكارى قليلا فهتف بى ، فقال لى أبو عبد الله عليه‌السلام ما هذايا أمّ

__________________

(١) كامل الزيارات : ١٠٩.

(٢) كامل الزيارات : ١١٠.

١٤١

سعيد ، قلت له : جعلت فداك تكاريت حمارا لادور على قبور الشهداء قال : أفلا أخبرك بسيّد الشهداء قلت بلى ، قال : الحسين بن على عليهما‌السلام ، قلت وانّه لسيّد الشهداء ، قال نعم قلت فما لمن زاره قال حجّة وعمرة ومن الخير هكذا وهكذا (١).

٦ ـ حدّثنى أبى ومحمّد بن عبد الله بن جعفر الحميرى ، جميعا عن عبد الله ابن جعفر الحميرى ، عن أحمد بن أبى عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم الحارثى ، عن عبد الله بن سنان ، عن أمّ سعيد الاحمسيّة قالت دخلت المدينة فاكتريت البغل أو البغلة لازور عليه قبور الشهداء قالت : قلت ما أحد أحقّ أن أبدا به من جعفر بن محمّد عليه‌السلام ، قالت فدخلت عليه فأبطأت فصاح بى المكارى حبستينا عافاك الله.

فقال لى أبو عبد الله كأنّ انسانا يستعجلك يا أمّ سعيد قلت نعم جعلت فداك إنّى اكتريت بغلا لا زور عليه قبور الشهداء فقلت ما آتى احدا أحقّ من جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قالت فقال يا أمّ سعيد فما يمنعك من أن تأتى قبر سيّد الشهداء قالت فطمعت أن يدلّنى على قبر علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام ، فقلت بأبى أنت وامّى من سيّد الشهداء؟ قال الحسين بن فاطمة عليهما‌السلام يا أمّ سعيد من أتاه ببصيرة ورغبة فيه كان له حجّة وعمرة مبرورة وكان من الفضل هكذا وهكذا (٢).

٧ ـ عنه حدّثنى محمّد بن جعفر الرزّاز ، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبى الخطّاب ، عن محمّد بن اسماعيل ، عمّن حدّثه ، عن علىّ بن أبى حمزة ، عن الحسين بن أبى العلاء وأبى المعزاء وعاصم بن حميد الحنّاط ، جماعتهم عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال ما من شهيد الّا ويحبّ أن يكون مع الحسين عليه‌السلام حتّى يدخلون الحنّة

__________________

(١) كامل الزيارات : ١١٠.

(٢) كامل الزيارات : ١١٠.

١٤٢

معه (١).

٢٣ ـ باب ما جرى بينه وأبو ذر

١ ـ البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن إسحاق بن جرير الحريرىّ ، عن رجل من أهل بيته عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : لمّا شيّع أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أبا ذرّ قدّس سره وشيعه الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وعقيل بن أبى طالب وعبد الله بن جعفر وعمّار بن ياسر قال لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام : ودّعوا أخاكم ، فانّه لا بدّ للشاخص من أن يمضى وللمشيّع من أن يرجع.

قال : فتكلم كل رجل منهم على حياله ، فقال الحسين بن على عليهما‌السلام : رحمك الله يا أبا ذر ، ان القوم انما امتهونك بالبلاء لانك منعتهم دينك فمنعوك دنياهم ، فما أحوجك غدا الى ما منعهم ، وأغناك عما منعوك ، فقال أبو ذر قدس‌سره رحمكم الله من أهل بيت ، فما لى فى الدنيا من شجن غيركم ، انى اذا ذكرتكم ذكرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

٢ ـ قال ابن أبى الحديد فى حديث تبعيد أبى ذر : ثم تكلم الحسين عليه‌السلام ، فقال : يا عماه ، ان الله تعالى قادران يغير ما قد ترى ، والله كل يوم هو فى شأن ، وقد منعك القوم دنياهم ، ومنعتهم دينك ، فما أغناك عما منعوك ، وأحوجهم الى ما منعتهم! فاسال الله الصبر والنصر ، واستعنه به من الجشع والجزع ، فان الصبر من الدين و

__________________

(١) كامل الزيارات : ١١١.

(٢) المحاسن : ٣٥٣.

١٤٣

الكرم ، وان الجشع لا يقدم رزقا ، والجزع لا يؤخر أجلا (١).

٢٤ ـ باب ما جرى بينه وابن الحنفية

١ ـ الصفار حدثنا ايوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن مروان بن اسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : ذكرنا خروج الحسين وتخلّف ابن الحنفية عنه ، قال أبو عبد الله يا حمزة انى سأحدثك فى هذا الحديث ، ولا تسأل عنه مجلسنا هذا ، ان الحسين لما فصل متوجها دعا بقرطاس وكتب : بسم الله الرّحمن الرّحيم من الحسين بن على الى بنى هاشم ، أما بعد فانه من ألحق بى منكم استشهد معى ، ومن تخلف لم يبلغ الفتح ، والسلام (٢).

٢ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : عن هشام بن الوليد ، عمن شهد ذلك ، قال : أقبل الحسين ابن على بأهله من مكة ومحمد بن الحنفية بالمدينة ، قال : فبلغه خبره وهو يتوضأ فى طست ، قال : فبكى حتى سمعت وكف دموعه فى الطست (٣).

٣ ـ قال ابن ابى الحديد لما تقاعس محمد يوم الجمل عن الحملة ، وحمل علىّ عليه‌السلام بالراية ، فضعضع أركان عسكر الجمل ، دفع إليه الراية ، وقال : امح الاولى بالاخرى ، وهذه الانصار معك ، وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين ، فى جمع من الانصار ، كثير منهم من أهل بدر ، فحمل حملات كثيرة ، ازال بها القوم ، عن

__________________

(١) شرح النهج : ٨ / ٢٥٣.

(٢) بصائر الدرجات : ٤٨١.

(٣) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٩٤.

١٤٤

مواقفهم وأبلى بلاء حسنا.

فقال خزيمة بن ثابت لعلى عليه‌السلام : أما انه لو كان غير محمد اليوم لافتضح ، ولئن كنت خفت عليه الجبن ، وهو بينك وبين حمزة وجعفر ، لما خفناه عليه ، وان كنت أردت أن تعلمه الطعان فسطا لما عملته الرجال ، وقالت الانصار : يا أمير المؤمنين ، لو لا ما جعل الله تعالى للحسن والحسين عليها‌السلام لما قدّمنا على محمد أحدا من العرب.

فقال على عليه‌السلام : أين النجم من الشمس والقمر أما انه قد أغنى وأبلى ، وله فضله ، ولا ينقص فضل صاحبيه عليه ، وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، انا والله لا نجعله كالحسن والحسين ، ولا نظلمها له ، ولا نظلمه ـ لفضلهما عليه ـ حقه ، فقال على عليه‌السلام : أين يقع ابنى من ابنى بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال خزيمة بن ثابت فيه :

محمّد ما فى عودك اليوم وهمة

ولا كنت فى الحرب الضروس معرّدا

أبوك الّذي لم يركب الخيل مثله

علىّ ، وسمّاك النبيّ محمّدا

فلو كان حقّا من أبيك خليفة

لكنت ، ولكن ذاك ما لا يرى بدا

وأنت بحمد الله أطول غالب

لسانا ، وانداها بما ملكت يدا

وأقربها من كلّ خير تريده

قريش وأوفاها بما قال موعدا

وأطعنهم صدر الكمى برمحه

وأكساهم للهام عضبا مهنّدا

سوى أخويك السيّدين ، كلاهما

امام الورى والدا عيان الى الهدى

أبى الله أن يعطى عدوّك مقعدا

من الارض أوفى الاوج مرقى ومصعدا(١)

٤ ـ عنه قيل لمحمّد ابن الحنفية : لم يغر ربك أبوك فى الحرب ، ولم لا يغرر بالحسن والحسين؟ فقال : لانهما عيناه ، وأنا يمينه فهو يذبّ عن عينيه بيمينه (٢)

__________________

(١) شرحا لنهج : ١ / ٢٤٥.

(٢) شرح النهج : ١١ / ٢٨.

١٤٥

٥ ـ قال ابن عبد ربه : وقف محمد بن الحنفية على قبر الحسين بن على عليهما‌السلام فخنقته العبرة ، ثم نطق فقال : يرحمك الله أبا محمد (١) ، فلئن عزت حياتك فلقد هدت وفاتك ، ولنعم الروح روح ضمه بدنك ، ولنعم البدن بدن ضمه كفنك ، وكيف لا يكون كذلك وأنت بقية ولد الأنبياء ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، غذتك أكف الحقّ ، وربيت فى حجر الاسلام ، قطبت حيا وطبت ميتا ، وان كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك ، ولا شاكة فى الخيار لك (٢).

٢٥ ـ باب ما جرى بينه وابو بكر

١ ـ محمّد بن الاشعث أخبرنا عبد الله بن محمّد ، قال : أخبرنا محمّد بن محمّد ، قال : حدّثنى موسى ، قال : حدّثنا أبى ، عن جدّه ، جعفر بن محمّد ، عن أبيه عن جدّه ، علىّ بن الحسين عن أبيه ، عن علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام قال : لمّا استخلف أبو بكر صعد المنبر فى يوم الجمعة وقد تهيّأ الحسن والحسين للجمعة فسبق الحسين فانتهى الى أبى بكر ، وهو على المنبر ، فقال له : هذا منبر أبى لا منبر أبيك ، فبكى أبو بكر.

فقال : صدقت هذا منبر أبيك لا منبر أبى فدخل علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام على تلك الحال فقال ما يبكيك يا أبا بكر ، فقال له القوم ما قال له الحسين كذا وكذا ، فقال : على عليه‌السلام يا أبا بكر انّ الغلام إنمّا يشعر فى سبع سنين ، ويحتلم فى أربعة عشر سنة ويستكمل طوله فى أربع وعشرين ويستكمل عقله فى ثمان وعشرين سنة فما كان بعد ذلك فانّما هو بالتجارب (٣)

__________________

(١) كذا فى الاصل.

(٢) العقد الفريد : ٣ / ٢٣٩.

(٣) الاشعثيات : ٢١٢.

١٤٦

٢٦ ـ باب ما جرى بينه وعمر

١ ـ الطوسى باسناده عن كثير ، عن زيد بن على ، عن أبيه ، أنّ الحسين بن على عليهما‌السلام أتى عمر بن الخطاب وهو على المنبر يوم الجمعة ، فقال له : انزل عن منبر أبى ، فبكى عمر ثمّ قال صدقت يا بنى منبر أبيك لا منبر أبى ، فقال على عليه‌السلام : ما هو والله عن رأيى قال : صدقت والله ما اتهمتك يا أبا الحسن ، ثمّ نزل عن المنبر فأخذه فأجلسه على جنبه على المنبر ، فخطب الناس وهو جالس معه على المنبر ، ثمّ قال : أيّها الناس سمعت نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول احفظونى فى عترتى وذرّيتى ، فمن حفظنى فيهم حفظه الله ، ألا لعنة الله على من آذانى فيهم ثلاثا (١).

٢ ـ الخطيب البغدادى أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق ، قال أنبأنا دعلج بن أحمد ، المعدّل قال : نا موسى بن هارون قال : نا ، أبو الربيع قال : نا حماد بن زيد ، قال : نا ، يحيى بن سعيد ، عن عبيد بن حنين قال : حدّثنى الحسين بن على. قال : أتيت على عمر بن الخطاب وهو على المنبر ، فصعدت إليه فقلت : أنزل عن منبر أبى واذهب الى منبر أبيك ؛ فقال عمر : لم يكن لابي منبر وأخذنى واجلسنى معه.

فجعلت أقلب خنصر يدى ، فلمّا نزل انطلق بى الى منزله. فقال لى : من علّمك؟ فقلت : والله ما علّمنيه أحد ، قال : يا بنىّ لو جعلت تغشانا قال : فأتيته يوما وهو خال

__________________

(١) أمالي الطوسى : ٢ / ٣١٣.

١٤٧

بمعاوية وابن عمر بالباب ، فرجع ابن عمرو رجعت معه ، فلقينى بعد ، فقال : لم أرك؟ فقلت : يا أمير المؤمنين إنّى جئت وأنت خال ، بمعاوية وابن عمر بالباب ورجعت معه. فقال : أنت أحقّ بالاذن من ابن عمر ، وإنمّا أنبت ما ترى فى رءوسنا الله ثمّ أنتم (١).

٣ ـ قال ابن أبى الحديد : روى يحيى بن سعيد ، قال : أمر عمر الحسين بن على عليهما‌السلام أن يأتيه فى بعض الحاجة ، فلقى الحسين عليه‌السلام عبد الله بن عمر ، فسأله من أين جاء؟ قال : استأذنت على أبى فلم يأذن لى ، فرجع الحسين ولقيه عمر من الغد ، فقال : ما منعك يا حسين أن تأتينى قال : قد أتيتك ، ولكن أخبرنى ابنك عبد الله أنّه لم يؤذن له عليك ، فرجعت ، فقال عمر : وأنت عندى مثله؟! وهل أنبت الشعر الرأس غيركم! (٢)

٤ ـ عنه قال ابن الجوزى : وأدخل عمر فى أهل بدر ممّن لم يحضر بدرا أربعة ، وهم الحسن ، والحسين وأبو ذر ، وسلمان ، ففرض لكلّ واحد منهم خمسة آلاف ، قال ابن الجوزى : وروى السدّى أنّ عمر كسا أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يرتض فى الكسوة ما يستصلحه للحسن والحسين عليهما‌السلام ، فبعث الى اليمن ، فأتى لهما بكسوة فاخرة ، فلمّا كساهما قال : الآن طابت نفسى (٣).

٥ ـ الحافظ ابن عساكر أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندى أنبأنا عمر بن عبد الله بن عمر ، أنبأنا أبو الحسين ابن بشران ، أنبأنا عثمان بن أحمد ، أنبأنا حنبل بن إسحاق ، أنبأنا الحميدى أنبأنا سفيان قال : أنبأنا يحيى بن سعيد ، قال : أمر عمر حسين ابن على أن يأتيه فى بعض الحاجة ، فأتاه حسين فلقيه عبد الله بن عمر ، فقال له الحسين : من أين جئت؟ قال : استأذنت على عمر فلم يؤذن لى.

__________________

(١) تاريخ بغداد : ١ / ١٤١.

(٢) شرح النهج : ١٢ / ٦٥.

(٣) شرح النهج : ١٢ / ٢١٥.

١٤٨

فرجع حسين فلقيه عمر بعد فقال له : ما منعك يا حسين أن تأتينى؟ قال : قد أتيتك ولكن أخبرنى عبد الله بن عمر أنه لم يؤذن له عليك فرجعت ، فقال له عمر : وأنت عندى مثله وأنت عندى مثله؟ وهل أنبت الشعر على الرأس غيركم (١).

٦ ـ عنه أخبرنا أبو البركات الأنماطي وأبو عبد الله البلخى ، قال : أنبأنا أبو الحسين بن الطيورى ، وثابت بن بندار ، قالا : أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر ، وأبو نصر محمّد بن الحسن ، قالا : أنبأنا الوليد بن بكر ، أنبأنا علىّ بن أحمد بن زكريّا ، أنبأنا صالح بن أحمد.

حدّثنى أبى أحمد ، أنبأنا سليمان بن حرب ، أنبأنا حماد بن زيد : عن يحيى بن سعيد ، عن عبيد بن حنين ، عن حسين بن على قال : صعدت الى عمر وهو على المنبر ، فقلت: انزل عن منبر أبى واذهب الى منبر أبيك فقال من علمك هذا؟ قلت : ما علمنيها أحد قال : منبر أبيك والله ، منبر أبيك والله وهل أنبت على رءوسنا الشعر الا أنتم لو جعلت تأتينا وجعلت تغشانا (٢)

٧ ـ عنه أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقى ، أنبأنا أبو محمّد الحسن بن على ، أنبأنا محمّد بن العباس ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن الفهم ، أنبأنا محمّد بن سعد ، أنبأنا سليمان بن حرب ، أنبأنا حمّاد بن زيد : أنبأنا يحيى بن سعد الأنصاري ، عن عبيد بن حنين ، عن حسين بن على قال : صعدت الى عمر بن الخطاب ، فقلت له : انزل عن منبر أبى واصعد منبر أبيك قال : فقال : إن أبى لم يكن له منبر :

قال فاقعدنى معه فلمّا نزل ذهب بى الى منزله فقال لى : أى بنىّ من علمك هذا؟ قال : قلت : ما علّمنيه أحد قال : أى نبىّ لو جعلت تأتينا وتغشانا؟ قال : فجئت يوما وهو خال بمعاوية ، وابن عمر بالباب ولم يأذن له ، فرجعت ، فلقينى بعد ، فقال

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٤٠.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٤١.

١٤٩

لى : يا بنىّ لم أرك أتيتنا؟ فقلت قد جئت وأنت خال بمعاوية فرأيت ابن عمر رجع فرجعت. فقال أنت أحقّ بالاذن من عبد الله بن عمر ، إنّما أنبت فى رءوسنا ما نرى الله ثمّ أنتم؟! قال : ووضع يده على رأسه (١).

٨ ـ عنه أخبرنا أبو الحسن ابن أبى العبّاس الفقيه ، أنبأنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمّد ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا محمّد بن أحمد بن رزق أنبأنا دعلج ابن أحمد المعدل أنبأنا موسى بن هارون ، أنبأنا أبو الربيع ، أنبأنا حمّاد بن زيد ، أنبأنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد بن حنين قال : حدّثنى الحسين بن على قال : أتيت على عمر بن الخطاب وهو على المنبر ، فصعدت إليه فقلت له : انزل عن منبر أبى واذهب الى منبر أبيك ، فقال عمر : لم يكن لأبى منبر وأخذنى وأجلسنى معه فجعلت أقلّب حصى بيدى.

فلمّا نزل انطلق بى إلى منزله فقال لى : من علمك هذا؟ فقلت : والله ما علّمنيه أحد. قال : يا بنىّ لو جعلت تغشانا؟! قال : فأتيته يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب ، فرجع ابن عمر ورجعت معه فلقينى بعد فقال : لم أرك تأتينا؟ فقلت : يا أمير المؤمنين إنى جئت وأنت خال بمعاوية وابن عمر بالباب ، فرجع ابن عمر ، ورجعت معه فقال : أنت أحقّ بالاذن من ابن عمر ، وإنّما أنبت ما ترى فى رءوسنا الله ثمّ أنتم (٢).

٢٧ ـ باب ما جرى بينه عليه‌السلام ومعاوية

١ ـ الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمى رحمه‌الله قال : حدّثنا محمّد بن عمر البغدادى الحافظ رحمه‌الله ، قال

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٤١.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٤٢.

١٥٠

حدّثنا أبو سعيد الحسن بن عثمان بن زياد التستري ، من كتابه قال : حدّثنا إبراهيم بن عبيد الله بن موسى بن يونس بن أبى إسحاق السبيعى قاضى بلخ ، قال : حدثني مريسة بنت موسى بن يونس بن أبى إسحاق وكانت عمتى قالت : حدّثتنى صفية بنت يونس بن أبى إسحاق الهمدانيّة وكانت عمّتى.

قالت حدّثتنى بهجة بن الحارث بن عبد الله التغلبى ، عن خالها عبد الله بن منصور ، وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن على عليه‌السلام قال سألت جعفر بن محمّد بن على بن الحسين عليهما‌السلام ، فقلت حدّثنى عن مقتل ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : حدّثنى أبى عن أبيه قال لمّا حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد لعنه الله فأجلسه بين يديه.

فقال له : يا بنىّ إنّى قد ذللت لك الرقاب الصعاب ، ووطدت لك البلاد ، وجعلت الملك وما فيه لك طعمة وانى أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم وهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن الزبير والحسين بن على فأمّا عبد الله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه وأما عبد الله بن الزبير فقطعه ان ظفرت به إربا إربا فانّه يجثو لك كما يجثو الأسد لفريسته ويواريك موارية الثعلب للكلب.

وأمّا الحسين عليه‌السلام فقد عرفت حظه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو من لحم رسول الله ودمه وقد علمت لا محالة أنّ أهل العراق سيخرجونه إليهم ، ثمّ يخذلونه ويضيّعونه فان ظفرت به فاعرف حقّه ومنزلته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا تؤاخذه من بفعله ومع ذلك فان لنا به خلطة ورحما وإيّاك أن تناله بسوء ويرى منك مكروها.

قال فلمّا هلك معاوية وتولّى الأمر بعده يزيد بعث عامله على مدينة رسول الله وهو عمّه عتبة بن أبى سفيان فقدم المدينة وعليها مروان بن الحكم وكان عامل معاوية فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد فهرب مروان فلم يقدر عليه وبعث عتبة الى الحسين بن على ، فقال إنّ أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له.

١٥١

فقال الحسين عليه‌السلام يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت الكرامة ومعدن الرسالة وأعلام الحقّ الذين أودعه الله عزوجل قلوبنا وأنطق به ألسنتنا فنطقت باذن الله عزوجل ولقد سمعت جدّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ان الخلافة محرمة على ولد أبى سفيان وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا (١).

٢ ـ قال الكشّى : روى انّ مروان بن الحكم ، كتب إلى معاوية وهو عامله على المدينة : أمّا بعد فان عمرو بن عثمان ذكر أنّ رجالا من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن على ، وذكر انّه لا يأمن وثوبه ، وقد بحثت عن ذلك فبلغنى انّه يريد الخلاف يومه هذا ، ولست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده ، فاكتب إلىّ برأيك هذا والسلام».

فكتب إليه معاوية : أمّا بعد فقد بلغنى كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين ، فاياك أن تعرض للحسين فى شيء واترك حسينا ما تركك ، فانا لا نريد ان نعرض له فى شيء ما وفى بيعتنا ولم ينازعنا سلطاننا ، فاكمن عليه ما لم يبدلك صفحته والسلام».

كتب معاوية إلى الحسين بن على عليه‌السلام : أمّا بعد فقد انتهت الىّ أمور عنك إن كانت حقا فقد أظنّك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله إن أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء وإن كان الّذي بلغنى باطلا فانّك أنت أعدل الناس لذلك ، وعظ نفسك ما ذكر وبعهد الله أوف فانّك متى تنكرنى أنكرك ومتى تكدنى أكدك.

فاتّق شقّ عصا هذه الامة وأن يرد هم الله على يديك فى فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم فانظر لنفسك ولدينك ولامّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يستخفّنك السفهاء والذين لا يعلمون.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٩١.

١٥٢

فلمّا وصل الكتاب إلى الحسين صلوات الله عليه ، كتب إليه أمّا بعد فقد بلغنى كتابك تذكر أنّه قد بلغك عنّى أمور أنت لى عنها راغب فأنا بغيرها عندك جدير ، فانّ الحسنات لا يهدى لها ولا يسدد إليها إلّا الله ، وأمّا ما ذكرت أنّه انتهى إليك عنى فانّه إنّما رقاه إليك الملاقون المشاءون بالنميم ، وما اريد لك حربا ولا عليك خلافا ، وأيم الله أنى لخائف الله فى ترك ذلك ، وما اظن الله راضيا بترك ذلك ولا عاذرا فيه إليك وفى أوليائك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين.

ألست القاتل حجر بن عدى أخا كندة والمصلّين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ولا يخافون فى الله لومة لائم ، ثمّ قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة ، لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ، ولا باحنة تجدها فى نفسك أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العبد الصالح الّذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفرّ لونه بعد ما امنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائر النزل إليك من رأس الجبل.

ثمّ قتلته جرأة على ربّك واستخفافا بذلك العهد أولست المدّعى زياد بن سميّة المولود على فراش عبيد ثقيف فزعمت انه ابن أبيك وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فتركت سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعمّدا وتبعت هواك بغير هدى من الله ثم سلّطته على العراقين بقطع أيدى المسلمين وأرجلهم ويسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل.

كأنّك لست من هذه الامة وليسوا منك أو لست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سميه أنّهم كانوا على دين على صلوات الله عليه ، فكتبت إليه أن اقتل كلّ من كان على دين علىّ ، فقتلهم ومثل بهم بأمرك ودين على عليه‌السلام والله الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك وبه جلست مجلسك الذي جلست ، ولو لا ذلك

١٥٣

لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين وقلت فيما قلت ، «انظر لنفسك ولدينك ولامة محمّد واتق شقّ عصا هذه الامة وإن تردهم الى فتنة».

إنّى لا أعلم فتنة أعظم على هذه الامّة من ولايتك عليها ولا أعظم نظرا لنفسى ولدينى ولامة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله علينا أفضل من أن أجاهدك فان فعلت فانّه قربة إلى الله وان تركته فانى استغفر الله لذنبى وأسأله توفيقه لارشاد أمرى وقلت فيما قلت إنّى أن أنكرك تنكرنى وان أكدك تكدنى ، فكدنى ما بدا لك فانّى أرجو أن لا يضرّنى كيدك فىّ وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك على انّك قد ركبت بجهلك وتحرّصت على نقض عهدك.

ولعمرى ما وفيت بشرط ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا أو قتلوا ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر لعلّك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يكونوا فابشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب واعلم أنّ لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها.

ليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك أولياءه على التهم ونفيك أولياء من دورهم إلى دار الغربة وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الخمر ويلعب بالكلاب لا اعلمك إلّا وقد خسرت نفسك وتبرت دينك وغششت رعيتك واخربت أمانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التقى لأجلهم والسلام.

فلمّا قرأ معاوية الكتاب قال : لقد كان فى نفسه صبّ ما أشعر به قال يزيد : يا أمير المؤمنين أجبه تصغر إليه نفسه وتذكر فيه أباه بشر فعله ، قال : ودخل عبد الله ابن عمرو بن العاص فقال له معاوية : أمّا رأيت ما كتب به الحسين؟ قال : وما هو؟ قال : فأقرأه الكتاب ، فقال وما يمنعك أن تجيبه بما يصغر الله نفسه ـ وإنمّا قال ذلك فى هوى معاوية فقال يزيد : كيف رأيت يا أمير المؤمنين رأيى؟ فضحك معاوية فقال :

١٥٤

اما يزيد فقد أشار على بمثل رأيك. قال عبد الله : أصاب يزيد. فقال معاوية اخطأتما لو انى ذهبت لعيب علىّ محقّا ما عسيت أن أقول فيه ومثلى لا يحسن أن يعيب بالباطل وما لا يعرف ومتى ما عبت رجلا بما لا يعرفه الناس لم يحفل به ولا يراه الناس شيئا وكذبوه وما عسيت أن أعيب حسينا وو الله ما أرى للعيب فيه موضعا وقد رأيت أن اكتب إليه أتوعّده وأتهدّده ثمّ رأيت أن لا أفعل ولا أمحله (١).

٣ ـ قال الطبرى : حدّثنى يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عون ، قال : حدّثنى رجل بنخلة قال : بايع الناس ليزيد غير الحسين بن على وابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبى بكر وابن عبّاس فلمّا قدم معاوية أرسل الى الحسين بن علىّ فقال : يا ابن أخى قد استوسق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم يا ابن أخى فما اربك إلى الخلاف؟

قال : أنا أقودهم! قال : نعم أنت تقودهم قال : فأرسل إليهم فان بايعوا كنت رجلا منهم وإلا لم تكن عجلت علىّ بأمر قال : وتفعل؟ قال : نعم قال : فأخذ عليه ألا يخبر بحديثهم أحدا قال : فالتوى عليه ثمّ أعطاه ذلك فخرج وقد أقعد له ابن الزبير رجلا بالطريق قال : يقول لك أخوك ابن الزبير : ما كان؟ فلم يزل به حتّى استخرج منه شيئا (٢).

٤ ـ عنه قال : كان أخذ معاوية على الوفد الذين وفدوا إليه مع عبيد الله بن زياد للبيعة لابنه يزيد وعهد الى ابنه يزيد حين مرض فيها ما عهد إليه فى النفر الذين امتنعوا من البيعة ليزيد حين دعاهم الى البيعة. وكان عهده الذي عهد ما ذكره هشام بن محمّد عن أبى مخنف قال : حدّثنى عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة أنّ معاوية لما مرض مرضته الّتي هلك فيها دعا يزيد ابنه.

__________________

(١) رجال الكشى : ٤٨.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٠٣.

١٥٥

فقال : يا بنىّ إنّى قد كفيتك الرّحلة والترحال ووطأت لك الأشياء وذلّلت لك الاعداء وأخضعت لك أعناق العرب وجمعت لك من جمع واحد وانّى لا أتخوّف أن ينازعك هذا الامر الذي استتبّ لك إلّا أربعة نفر من قريش الحسين بن على وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرّحمن بن أبى بكر ، فأمّا عبد الله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة واذا لم يبق أحد غيره بايعك.

أما الحسين بن على فإنّ أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه فان خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه ، فانّ له رحما ماسّة وحقّا عظيما ، وأما ابن أبى بكر فرجل ان رأى أصحابه صنعوا شيئا صنع مثلهم ليس له همة الّا فى النساء واللهو ، وأما الّذي يجثم لك جثوم الاسد ويراوغك مراوغة الثعلب فاذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فان هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إربا إربا.

قال هشام قال عوانة : قد سمعنا فى حديث آخر أن معاوية لما حضره الموت وذلك فى سنة ستّين وكان يزيد غائبا فدعا بالضحّاك بن قيس الفهرى ـ وكان صاحب شرطته ومسلم بن عقبة المرّى فأوصى إليهما ، فقال : بلغا يزيد وصيّتى انظر أهل الحجاز فإنّهم أصلك فأكرم من قدم عليك منهم وتعاهد من غاب وانظر أهل العراق ، فان سألوك أن تعزل عنهم كلّ يوم عاملا فافعل ، فانّ عزل عامل أحبّ الىّ من أن شهر عليك مائة ألف سيف.

وانظر أهل الشام فيكونوا بطانتك وعيبتك فان نابك شيء من عدوّك فانتصر بهم ، فاذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم فانّهم ان أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير أخلاقهم ، وانى لست أخاف من قريش الّا ثلاثة : حسين بن على ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، فأمّا ابن عمر فرجل قد وقذه الدين فليس ملتمسا شيئا قبلك.

أمّا الحسين بن على فانّه رجل خفيف وأرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه و

١٥٦

خذل أخاه وإنّ له رحما ماسّة وحقّا عظيما وقرابة من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أظنّ أهل العراق تاركيه حتّى يخرجوه ، فان قدرت عليه فاصفح عنه فلو أنى صاحبه عفوت عنه وأمّا ابن الزبير فانّه خب ضب فاذا شخص لك فالبد له الّا أن يلتمس منك صلحا فان فعل فاقبل واحقن دماء قومك ما استطعت (١).

٥ ـ قال الدينورى : لمّا قتل حجر بن عدى وأصحابه استفظع أهل الكوفة ذلك استفظاعا شديدا وكان حجر من عظماء أصحاب علىّ أراد أن يوليه رئاسة كندة ويعزل الاشعث بن قيس وكلاهما من ولد الحارث بن عمر وآكل المرار ، فأبى حجر بن عدى أن يتولّى الأمر والاشعث حتّى فخرج نفر من أشراف أهل الكوفة إلى الحسين بن على فأخبروه الخبر فاسترجع وشقّ عليه فأقام اولئك النفر يختلفون الى الحسين بن على وعلى المدينة يومئذ مروان بن الحكم.

فترقى الخبر إليه فكتب إلى معاوية يعلمه أن رجالا من أهل العراق قدموا على الحسين بن على عليهما‌السلام وهم مقيمون عنده يختلفون إليه فاكتب إلىّ بالذى ترى فكتب إليه معاوية : لا تعرض فى شيء فقد بايعنا وليس بناقض بيعتنا ولا مخفر ذمّتنا ، وكتب إلى الحسين ، أمّا بعد فقد انهت إلى امور عنك لست بها حريّا لانّ من أعطى صفقة يمينه جدير بالوفاء ، فاعلم رحمك الله أنّى متى انكرك تستنكرنى ومتى تكدنى أكدك فلا يستفزّنك السّفهاء الذين يحبّون الفتنة والسلام فكتب إليه الحسين رضى الله عنه ، ما اريد حربك ولا الخلاف عليك (٢).

٦ ـ قال ابن قتيبة : خرج سليمان بن صرد فدخل على الحسين فعرض عليه ما عرض على الحسن وأخبره بما ردّ عليه الحسن فقال الحسين : ليكن كلّ رجل منكم حلسا من احلاس بيته ما دام معاوية حيّا فإنّها بيعة كنت والله بها

__________________

(١) تاريخ الطبرى ٥ / ٣٢٢.

(٢) الاخبار الطوال : ٢٢٤.

١٥٧

كارها فان هلك معاويه نظرنا ونظرتم ورأينا ورأيتم (١).

٧ ـ عنه قال : وكتب الى الحسين : أمّا بعد فقد انتهت الىّ منك امور لم أكن أظنّك بها رغبة عنها وان أحقّ الناس بالوفا ، لمن أعطى بيعة من كان مثلك فى خطرك وشرفك ومنزلتك إنّى انزلك الله بها فلا تنازع الى قطعيتك واتّق الله ولا تردّن هذه الامّة فى فتنة وانظر لنفسك ودينك وأمة محمّد ولا يستخفّنّك الذين لا يوقنون (٢).

٨ ـ عنه قال : وكتب إليه الحسين عليه‌السلام : أمّا بعد فقد جاءنى كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عنى أمور لم تكن تظننى بها رغبة بى عنها ، وان الحسنات لا يهدى لها ولا يسدّد إليها إلّا الله تعالى وأمّا ما ذكرت أنه رقى إليك عنى فانّما رقّاه الملاقون المشاءون بالنميمة المفرقون بين الجمع وكذب الغاوون المارقون ما أردت حربا ولا خلافا وانّى لا خشى الله فى ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المحلين حزب الظالم وأعوان الشيطان الرجيم.

ألست قاتل حجر وأصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فقتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكّدة جرأة على الله واستخفافا بعهده أولست بقاتل عمرو بن الحمق الّذي اخلقت وأبلت وجهه العبادة فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من شعف الجبال.

أولست المدّعى زيادا فى الاسلام فزعمت أنّه ابن أبى سفيان فقد قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر ثمّ سلطته على أهل الاسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبهم على جذوع النخل سبحان الله يا معاوية

__________________

(١) الامامة والسياسة : ١ / ١٤٢.

(٢) الامامة والسياسة : ١٥٤.

١٥٨

لكأنّك لست من هذه الامة وليسوا منك أولست قاتل الحضرمى الذي كتب إليك فيه زياد أنّه على دين على ودين ابن عمه صلى‌الله‌عليه‌وآله أجلسك مجلسك الّذي أنت فيه.

لو لا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين : رحلة الشتاء والصيف فوضعها الله عنكم بنا منّة عليكم وقلت فيما قلت : لا ترد هذه الامة فى فتنة وإنّى لا أعلم لها فتنة أعظم من امارتك عليها وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولامّة محمّد وانّى والله ما أعرف أفضل من جهادك فان أفعل فانّه قربة الى ربّى وإن لم أفعله فاستغفر الله لدينى وأسأله التوفيق لما يحبّ ويرضى.

قلت فيما قلت : متى تكدنى أكدك فكدنى يا معاوية فيما بدا لك فلعمرى لقديما يكاد الصالحون وانّى لارجو أن لا تضرّ الّا نفسك ولا تمحق الّا عملك فكدنى ما بدا لك واتّق الله يا معاوية واعلم أنّ لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها واعلم أنّ الله ليس بناس لك قتلك بالظنّة وأخذك بالتهمة وامارتك صبيا يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ما أراك إلا وقد أوبقت نفسك وأهلكت دينك وأضعت الرعيّة والسلام (١).

٩ ـ عنه قال : حتّى اذا كان بالجرف لقيه الحسين بن على وعبد الله بن عباس فقال معاوية مرحبا بابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن صنو أبيه ثم انحرف إلى الناس فقال : هذان شيخا بنى عبد مناف وأقبل عليهما بوجهه وحديثه ، فرحب وقرب ، وجعل يواجه هذا مرّة ويضاحك هذا أخرى ، حتّى ورد المدينة فلمّا خالطها لقيته المشاة والنساء والصبيان يسلمون عليه ويسايرونه إلى أن نزل فانصر فاعنه فمال الحسين الى منزله ومضى عبد الله بن عباس الى المسجد فدخله.

وأقبل معاوية ومعه خلق كثير من أهل الشام حتى أتى عائشة أمّ المؤمنين

__________________

(١) الامامة والسياسة : ١٥٥.

١٥٩

فاستأذن عليها فأذنت له وحده ولم يدخل عليها معه أحد وعنده مولاها ذكوان فقالت عائشة : يا معاوية أكنت تأمن أن أقعد لك رجلا فاقتلك كما قتلت أخى محمّد ابن أبى بكر؟ فقال معاوية ما كنت لتفعلى ذلك قالت : لم؟ قال : لانى فى بيت آمن بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ انّ عائشة حمدت الله وأثنت عليه وذكرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وذكرت أبا بكر وعمر وحصّته على الاقتداء بهما والاتباع لأثرهما ثمّ صمتت.

قال : فلم يخطب معاوية وخاف أن لا يبلغ ما بلغت فارتجل الحديث ارتجالا ثمّ قال : أنت والله يا أمّ المؤمنين. العالمة بالله وبرسوله دللتنا على الحقّ وحضضتنا على حظ أنفسنا وأنت أهل لأن يطاع أمرك ويسمع قولك وإن أمر يزيد قضاء من القضاء وليس للعباد الخيرة من أمرهم ، وقد أكد الناس بيعتهم فى أعناقهم وأعطوا عهودهم على ذلك ، ومواثيقهم أفترين أن ينقضوا عهودهم ومواثيقهم.

فلمّا سمعت ذلك عائشة علمت أنّه سيمضى على أمره فقالت : أما ما ذكرت من عهود ومواثيق فاتّق الله فى هؤلاء الرهط ولا تعجل فيهم فلعلّهم لا يصنعون الا ما أحببت ثمّ قام معاوية فلمّا قام قالت عائشة : يا معاوية قتلت حجرا وأصحابه العابدين المجتهدين فقال معاوية دعى هذا كيف أنا فى الذي بينى وبينك فى حوائجك؟ قالت : صالح ، قال : فدعينا ايّاهم حتّى نلقى ربّنا.

ثمّ خرج ومعه ذكوان فاتكأ على يد ذكوان وهو يمشى ويقول : تالله ان رأيت كاليوم قطّ خطيبا أبلغ من عائشة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ مضى حتّى أتى منزله ، فأرسل الى الحسين بن على فخلا به فقال له : يا ابن أخى قد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم يا ابن أخى فما اربك الى الخلاف.

قال الحسين : أرسل إليهم فان بايعوك كنت رجلا منهم وإلّا لم تكن عجلت علىّ بأمر قال : وتفعل؟ قال : نعم قال فأخذ عليه أن لا يخبر بحديثهما أحدا فخرج وقد. أقعد له ابن الزبير رجلا بالطريق فقال : يقول لك أخوك ابن الزبير : ما كان؟

١٦٠