مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

دار الروميين ، وجعل من بالقصر مع ابن زياد يشرفون عليهم ، فينظرون إليهم فيتّقون أن يرموهم بالحجارة ، وأن يشتموهم وهم لا يفترون على عبيد الله وعلى أبيه.

دعا عبيد الله كثير بن شهاب ابن الحصين الحارثى ، فأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج ، فيسير بالكوفة ، ويخذل الناس عن ابن عقيل ، ويخوّفهم الحرب ، ويحذّرهم عقوبة السلطان ، وأمر محمّد بن الاشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة ، وحضر موت ، فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس ، وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلى ، وشبث بن ربعى التميمى وحجّار بن أبجر العجلى ، وشمر بن ذى الجوشن العامرى ، وحبس سائر وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم ، لقلّة عدد من معه من الناس ، وخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن ابن عقيل (١).

٣٥ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى أبو جناب الكلبى ، أن كثيرا ألفى رجلا من كلب ، يقال له عبد الاعلى بن يزيد ، قد لبس سلاحه يريد ابن عقيل فى بنى فتيان ، فأخذه حتّى أدخله على ابن زياد ، فأخبره خبره ، فقال لابن زياد : إنمّا أردتك ؛ قال : وكنت وعدتنى ذلك من نفسك ؛ فأمر به فحبس ، وخرج محمّد بن الاشعث حتّى وقف عند دور بنى عمارة ، وجاءه عمارة بن صلخب الأزدى وهو يريد ابن عقيل ، عليه سلاحه.

فأخذه فبعث به الى ابن زياد فحبسه ، فبعث ابن عقيل الى محمّد بن الاشعث من المسجد عبد الرحمن بن شريح الشبامى ، فلمّا رأى محمّد بن الاشعث كثرة من أتاه ، أخذ يتنحّى ويتأخّر ، وأرسل القعقاع بن شور الذهلى ، الى محمّد بن الاشعث ، قد جعلت على ابن عقيل من العرار ، فتأخّر عن موقفه ، فأقبل حتّى دخل على ابن

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٦٩.

٤٠١

زياد من قبل دار الروميّين.

فلمّا اجتمع عند عبيد الله كثير بن شهاب ، ومحمّد ، والقعقاع ، فيمن أطاعهم من قومهم ، قال له كثير ـ وكانوا مناصحين لابن زياد : أصلح الله الامير! معك فى القصر ناس كثير من أشراف الناس ومن شرطك وأهل بيتك ومواليك ، فاخرج بنا إليهم ، فأبى عبيد الله ، وعقد لشبث بن ربعى لواء ، فأخرجه ، وأقام الناس مع ابن عقيل يكبرون ويثوّبون حتّى المساء ، وأمرهم شديد ، فبعث عبيد الله الى الاشراف فجمعهم إليه ، ثمّ قال : أشرفوا على الناس ، فمنّوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة وخوّفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة ، وأعلموهم وصول الجنود من الشام إليهم (١).

٣٦ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى سليمان بن أبى راشد ، عن عبد الله بن حازم الكثيرى ، من الأزد ، من بنى كثير ، قال : أشرف علينا الاشراف ، فتكلّم كثير بن شهاب أوّل الناس ، حتّى كادت الشمس أن تجب ، فقال : أيّها الناس ، الحقوا بأهاليكم ، ولا تعجّلوا الشرّ ، ولا تعرّضوا أنفسكم للقتل ، فإنّ هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت.

قد أعطى الله الامير عهدا : لئن أتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيّتكم أن يحرم ذرّيتكم العطاء ، ويفرّق مقاتلكم فى مغازى أهل الشام على غير طمع ، وأن يأخذ البريء ، بالسقيم ، والشاهد بالغائب ، حتّى لا يبقى له فيكم بقيّة من أهل المعصية ، الّا أذاقها وبال ما جرت أيديها ، وتكلّم الأشراف بنحو من كلام هذا ، فلمّا سمع مقالتهم الناس أخذوا يتفرّقون ، وأخذوا ينصرفون (٢).

٣٧ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى المجالد بن سعيد ، أنّ المرأة كانت تأتى ابنها

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٦٩.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٧٠.

٤٠٢

أو أخاها فتقول : انصرف ، الناس يكفونك ، ويجىء الرجل الى ابنه أو أخيه فيقول : غدا يأتيك أهل الشام ، فما تصنع بالحرب والشرّ! انصرف ، فيذهب به ؛ فما زالوا يتفرّقون ويتصدّعون حتّى أمسى ابن عقيل وما معه ثلاثون نفسا فى المسجد ، حتّى صلّيت المغرب ، فما صلّى مع ابن عقيل الّا ثلاثون نفسا.

فلمّا رأى أنّه قد أمسى وليس معه الّا أولئك النفر خرج متوجّها نحو أبواب كندة ، وبلغ الأبواب ومعه منهم عشرة ، ثمّ خرج من الباب وإذا ليس معه انسان ، والتفت فاذا هو لا يحسّ أحدا يدلّه على الطريق ، ولا يدلّه على منزل ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدوّ ، فمضى على وجهه يتلدد فى أزقة الكوفة لا يدرى أين يذهب! حتّى خرج الى دور بنى جبلة من كندة.

فمشى حتّى انتهى الى باب امرأة يقال لها طوعة ، أم ولد كانت للأشعث بن قيس ، فأعتقها ، فتزوّجها أسيد الحضرمى ، فولدت له بلالا ، وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره ، فسلّم عليها ابن عقيل ، فردّت عليه ، فقال لها : يا أمة الله ، اسقينى ماء ، فدخلت فسقته ، فجلس وأدخلت الإناء ، ثمّ خرجت فقالت : يا عبد الله ألم تشرب! قال : بلى ، قالت فاذهب الى أهلك ؛ فسكت ؛ ثمّ عادت فقالت مثل ذلك فسكت.

ثمّ قالت له : فىّ الله ، سبحان الله يا عبد الله! فمرّ الى أهلك عافاك الله فانّه لا يصلح لك الجلوس على بابى ، ولا أحلّه لك ، فقام فقال : يا أمة الله ، ما لي فى هذا المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك الى أجر ومعروف ، ولعلّى مكافئك به بعد اليوم! فقالت : يا عبد الله ، وما ذاك؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذبنى هؤلاء القوم وغرّونى ؛ قالت : أنت مسلم! قال : نعم.

قالت : ادخل ، فأدخلته بيتا فى دارها غير البيت الذي تكون فيه ، وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ ، ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها

٤٠٣

تكثر الدخول فى البيت ، والخروج منه ، فقال : والله إنّه ليريبنى كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه! انّ لك لشأنا ، قالت : يا بنىّ ، إله عن هذا ، قال لها : والله لتخبرنى ؛ قالت : أقبل على شأنك ولا تسألنى عن شيء ، فألحّ عليها.

فقالت يا بنىّ ، لا تحدّثنّ أحدا من الناس بما أخبرك به ؛ وأخذت عليه الايمان فحلف لها ، فأخبرته ، فاضطجع وسكت ، وزعموا أنّه قد كان شريدا من الناس. وقال بعضهم : كان يشرب مع أصحاب له ، ولمّا طال على ابن زياد ، وأخذ لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا ، كما كان يسمعه قبل ذلك قال لاصحابه : أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا! فأشرفوا فلم يروا أحدا.

قال : فانظروا لعلّهم تحت الظلال قد كمنوا لكم ، ففرعوا بحابح المسجد ، وجعلوا يخفضون شعل النار فى أيديهم ، ثمّ ينظرون ، هل فى الظلال أحد؟ وكانت أحيانا تضىء لهم ، وأحيانا لا تضىء لهم كما يريدون ، فدلّوا القناديل وأنصاف الطّنان تشدّ بالحبال ، ثمّ تجعل فيها النيران ، ثمّ تدلّى ، حتّى تنتهى الى الأرض ، ففعلوا ذلك فى أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتّى فعلوا ذلك بالظلّة الّتي فيها المنبر.

فلمّا لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد ، ففتح باب السدّة الّتي فى المسجد ، ثمّ خرج فصعد المنبر ، وخرج أصحابه معه ، فأمرهم فجلسوا حوله قبيل العتمة ، وأمر عمرو ابن نافع فنادى : ألا برئت الذمّة من رجل من الشرطة والعرفاء أو المناكب أو المقاتلة صلّى العتمة إلّا فى المسجد ، فلم يكن له إلّا ساعة حتّى امتلأ المسجد من الناس ، ثمّ أمر مناديه فأقام الصلاة.

فقال الحصين بن تميم : ان شئت صلّيت بالناس ، أو يصلّى بهم غيرك ، ودخلت أنت فصلّيت فى القصر ، فانّى لا آمن أن يغتالك بعض أعدائك! فقال : مر حرسى فليقوموا ورائى كما كانوا يقفون ، ودر فيهم فانّى لست بداخل إذا فصلّى بالناس ، ثمّ قام فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد.

٤٠٤

فانّ ابن عقيل السفيه الجاهل ، قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت ذمّة الله من رجل وجدناه فى داره ، ومن جاء به فله ديته ، اتقوا الله عباد الله ، والزموا طاعتكم وبيعتكم ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا ، يا حصين ابن تميم ، ثكلتك أمّك إن صاح باب سكّة من سكك الكوفة ، أو خرج هذا الرجل ولم تأتنى به ، وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة.

فابعث مراصدة على أفواه السكك ، وأصبح غدا واستبر الدور وجس خلالها حتّى تأتينى بهذا الرجل ، وكان الحصين على شرطه ، وهو من بنى تميم ، ثمّ نزل ابن زياد فدخل وقد عقد لعمرو بن حريث راية وأمره على الناس ، فلمّا أصبح جلس مجلسه ، وأذن للناس فدخلوا عليه ، وأقبل محمّد بن الأشعث فقال : مرحبا بمن لا يستغشّ ولا يتّهم! ثمّ أقعده الى جنبيه.

وأصبح ابن تلك العجوز وهو بلال بن أسيد الذي آوت أمه ابن عقيل ، فغذا الى عبد الرحمن بن محمّد ابن الأشعث ، فأخبره بمكان ابن عقيل ، عند أمّه ، قال : فأقبل عبد الرحمن ، حتّى أتى أباه وهو عند ابن زياد ، فسارّه ، فقال له ابن زياد : ما قال لك؟ قال : أخبرنى أنّ ابن عقيل فى دار من دورنا ، فنخس بالقضيب فى جنبه ثمّ قال : قم فأتنى به الساعة (١).

٣٨ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى قدّامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفى ، أنّ ابن الأشعث حين قام ليأتيه بابن عقيل بعث الى عمرو بن حريث ، وهو فى المسجد خليفته على الناس ، أن ابعث مع ابن الأشعث ستين أو سبعين رجلا كلّهم من قيس ، وإنمّا كره أن يبعث معه قومه لأنّه قد علم أنّ كلّ قوم يكرهون أن يصادف فيهم مثل ابن عقيل ، فبعث معه عمرو بن عبيد الله بن عبّاس السلمى فى ستين ، أو

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٧١.

٤٠٥

سبعين من قيس ، حتّى أتوا الدار الّتي فيها ابن عقيل.

فلمّا سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال عرف أنّه قد أتى ، فخرج إليهم بسيفه ، واقتحموا عليه الدار ، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار ، ثمّ عادوا إليه ، فشدّ عليهم كذلك ، فاختلف هو وبكير بن حمران الأحمرى ، ضربتين فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا ، وأشرع السيف فى السفلى ، ونصلت لها ثنيتاه فضربه مسلم ضربة فى رأسه منكرة ، وثنى بأخرى على حبل العانق كادت تطلع على جوفه.

فلمّا رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت ، فأخذوا يرمونه بالحجارة ، ويلهبون النار فى أطنان القصب ، ثمّ يقلبونها عليه من فوق البيت ، فلمّا رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه فى السكة ، فقاتلهم ، فأقبل عليه محمّد بن الأشعث فقال : يا فتى ، لك الامان ، لا تقتل نفسك ، فأقبل يقاتلهم ، وهو يقول :

أقسمت لا أقتل الّا حرّا

وإن رأيت الموت شيئا نكرا

كلّ امرئ يوما ملاق شرّا

ويخلط البارد سخنا مرّا

ردّ شعاع الشمس فاستقرّا

أخاف أن أكذب أو أغرّا

فقال له محمّد بن الأشعث : انّك لا تكذب ولا تخدع ولا تغرّ ، إنّ القوم بنو عمّك ، وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك ، وقد أثخن بالحجارة ، وعجز عن القتال ، وانبهر ، فأسند ظهره الى جنب تلك الدار ، فدنا محمّد ابن الأشعث ، فقال : لك الامان ، فقال : آمن أنا؟ قال : نعم ، وقال القوم : أنت آمن ؛ غير عمرو بن عبيد الله بن العبّاس السلمى فانّه قال : لا ناقة لى فى هذا ولا جمل ، وتنحّى.

قال ابن عقيل : أما لو لم تؤمنونى ما وضعت يدى فى أيديكم. وأتى ببغلة فحمل عليها ، واجتمعوا حوله ، وانتزعوا سيفه من عنقه ، فكأنّه عند ذلك أيس من نفسه ، فدمعت عيناه ، ثمّ قال : هذا أوّل الغدر ، قال محمّد ابن الأشعث : أرجو ألا

٤٠٦

يكون عليك بأس ، قال : ما هو الّا الرجاء ؛ أين أمانكم! إنّا لله وانّا إليه راجعون! وبكى.

فقال له عمرو بن عبيد الله بن عبّاس : إنّ من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك ، قال : إنّى والله ما لنفسى أبكى ، ولا لها من القتل أرثى ، وإن كنت لم أحبّ لها طرفة عين تلفا ، ولكن أبكى لأهلى المقبلين الىّ ، أبكى لحسين وآل حسين!

ثمّ أقبل على محمّد بن الاشعث فقال : يا عبد الله ، انّى أراك والله ستعجز عن أمانى ، فهل عندك خير! تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لسانى يبلغ حسينا ، فانّى لا أراه الا قد خرج إليكم اليوم مقبلا ، أو هو يخرج غدا هو وأهل بيته ، وانّ ما ترى من جزعى لذلك.

فيقول : انّ ابن عقيل بعثنى إليك وهو فى أيدى القوم أسير لا يرى أن تمشى حتّى تقتل وهو يقول : ارجع بأهل بيتك ولا يغرّك أهل الكوفة فانّهم أصحاب أبيك الّذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل انّ أهل الكوفة قد كذّبوك وكذّبونى وليس لمكذّب رأى فقال ابن الأشعث : والله لأفعلنّ ولأعلّمنّ ابن زياد أنّى قد أمنتك (١).

٣٩ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى جعفر بن حذيفة الطائى ـ وقد عرف سعيد ابن شيبان الحديث ـ قال : دعا محمّد بن الأشعث إياس بن العثل الطائى من بنى مالك ابن عمرو بن ثمامة وكان لمحمّد زوارا فقال له : الق حسينا فأبلغه هذا الكتاب وكتب فيه الذي أمره ابن عقيل وقال له : هذا زادك وجهازك ومتعة لعيالك ، فقال : من أين لى براحلة فان راحلتى قد أنضيتها؟ قال : هذه راحلة فاركبها برحلها. ثمّ خرج فاستقبله بزبالة لأربع ليال فأخبره الخبر وبلّغه الرسالة.

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٧٣.

٤٠٧

فقال له حسين : كلّ ما حمّ نازل ، وعند الله نحتسب أنفسنا ، وفساد أمّتنا. وقد كان مسلم بن عقيل حيث تحوّل الى دار هانى بن عروة وبايعه ثمانية عشر ألفا قدّم كتابا الى حسين مع عباس بن أبى شبيب الشاكرى : أمّا بعد ، فانّ الرائد لا يكذب أهله وقد بايعنى من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجل الاقبال حين يأتيك كتابى ، فانّ الناس كلّهم معك ليس لهم فى آل معاوية رأى ولا هوى والسلام.

أقبل محمّد بن الأشعث بابن عقيل الى باب القصر ، فاستأذن فأذن له فأخبر عبيد الله خبر ابن عقيل ، وضرب بكير إيّاه ، فقال : بعدا له! فأخبره محمّد بن الأشعث بما كان منه وما كان من أمانه إيّاه ، فقال عبيد الله : ما أنت والأمان! كأنّا أرسلناك لتأتينا به فسكت ، وانتهى ابن عقيل الى باب القصر ، وهو عطشان وعلى باب القصر ناس جلوس ، ينتظرون الاذن منهم عمارة بن عقبة بن أبى معيط ، وعمرو بن حريث ومسلم بن عمرو وكثير بن شهاب (١).

٤٠ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى قدامة بن سعد أنّ مسلم بن عقيل حين انتهى الى باب القصر فإذا قلّة باردة موضوعة على الباب ، فقال ابن عقيل اسقونى من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو : أتراها ما أبردها! لا والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتّى تذوق الحميم فى نار جهنّم! قال له ابن عقيل : ويحك! من أنت قال : أنا ابن من عرف الحقّ اذا أنكرته ونصح لامامه إذ غششته وسمع وأطاع اذ عصيته وخالفت أنا مسلم بن عمرو الباهلى ، فقال ابن عقيل : لأمك الثكل! ما أجفاك وما أفظّك وأقسمى قلبك وأغلظك! أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود فى نار جهنّم منّى ثمّ جلس متساندا الى حائط (٢).

٤١ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى قدامة بن سعد ، أن عمرو بن حريث بعث

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٧٥.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٧٥.

٤٠٨

غلاما يدعى سليمان فجاءه بماء قلّة فسقاه (١).

٤٢ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى سعيد بن مدرك بن عمارة ، أنّ عمارة بن عقبة بعث غلاما له يدعى قيسا فجاءه بقلّة عليها منديل ومعه قدح ، فصبّ فيه ماء ثمّ سقاه فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دما ، فلمّا ملأ القدح المرّة الثالثة ذهب ليشرب فسقت ثنيتاه فيه ، فقال : الحمد لله لو كان لى من الرزق المقسوم شربته وأدخل مسلم على ابن زياد فلم يسلّم عليه بالامرة ، فقال له الحرسىّ : ألا تسلّم على الأمير؟.

فقال له : إن كان يريد قتلى فما سلامى عليه ، وإن كان لا يريد قتلى فلعمرى ليكثرنّ سلامى عليه ، فقال له ابن زياد : لعمرى لتقتلنّ قال : كذلك ، قال : نعم قال : فدعنى أوصى الى بعض قومى فنظر الى جلساء عبيد الله وفيهم عمر بن سعد ، فقال : يا عمر إنّ بينى وبينك قرابة ، ولى إليك حاجة ، وقد يجب لى عليك نجح حاجتى ، وهو سرّ فأبى أن يمكّنه من ذكرها ، فقال له عبيد الله : لا تمتنع أن تنظر فى حاجة ابن عمّك ، فقام معه فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد.

فقال له : انّ علىّ بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم ، فاقضها عنّى وانظر جثّتى فاستوهبها من ابن زياد ، فوارها وابعث الى حسين من يردّه ، فانّى قد كتبت إليه أعلمه أنّ الناس معه ولا أراه الّا مقبلا فقال عمر لابن زياد : أتدري ما قال لى ، انّه ذكر كذا وكذا. قال له ابن زياد : إنّه لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن.

أمّا مالك فهو لك ولسنا نمنعك ، أن تصنع فيه ما أحببت وأما حسين فانّه إن لم يردنا لم نرده وان أرادنا لم نكفّ عنه وأمّا جثّته فانّا لن نشفعك فيها انّه ليس بأهل

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٧٦.

٤٠٩

منّا لذلك ، قد جاهدنا وخالفنا وجهد على هلاكنا وزعموا أنّه قال : أمّا جثّته فانّا لا نبالى إذ قتلناه ما صنع بها.

ثمّ إنّ ابن زياد قال : إيه يا ابن عقيل أتيت الناس وأمرهم جميع ، وكلمتهم واحدة لتشتتهم وتفرّق كلمتهم ، وتحمل بعضهم على بعض قال : كلّا لست أتيت ولكنّ أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دمائهم وعمل فيهم أعمال كسرى ، وقيصر ، فأتيناهم لنأمر بالعدل ، وندعو الى حكم الكتاب قال : وما أنت وذاك يا فاسق! أو لم تكن تعمل بذاك فيهم إذا أنت بالمدينة تشرب الخمر.

قال : أنا أشرب الخمر! والله إنّ الله ليعلم أنّك غير صادق وأنّك قلت بغير علم ، وأنّى لست كما ذكرت ، وان أحقّ بشرب الخمر منّى وأولى بها من بلغ فى دماء المسلمين ولغا فيقتل النفس الّتي حرّم الله قتلها ويقتل النفس بغير النفس ويسفك الدم الحرام ، ويقتل على الغضب والعداوة وسوء الظنّ وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا.

فقال له ابن زياد : يا فاسق انّ نفسك تمنيك ما حال الله دونه ولم يرك أهله ، قال : فمن أهله يا ابن زياد؟ قال : أمير المؤمنين يزيد ، فقال : الحمد لله على كلّ حال رضينا بالله حكما بيننا وبينكم ، قال كأنّك تظن أن لكم فى الأمر شيئا قال : والله ما هو بالظنّ ولكنّه اليقين ، قال : قتلنى الله ان لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد فى الاسلام.

قال : أما انّك أحقّ من أحدث فى الاسلام ما لم يكن فيه ، أما انّك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ، ولؤم الغلبة ولا أحد من الناس أحقّ بها منك ، وأقبل ابن سميّة يشتمه ويشتم حسينا وعليّا وعقيلا وأخذ مسلم لا يكلّمه وزعم أهل ال؟؟؟ أنّ عبيد الله أمر له بماء فسقى بخزفة ثمّ قال له : انّه لم يمنعنا أن نسقيك فيها الّا كراهة أن تحرّم بالشرب فيها ، ثمّ نقتلك ولذلك سقيناك فى هذا.

ثمّ قال : اصعدوا به فوق القصر ، فاضربوا عنقه ، ثمّ أتبعوا جسده رأسه ،

٤١٠

فقال : يا ابن الاشعث أما والله لو لا أنّك امّنتى ما استسلمت ، قم بسيفك دونى فقد أخفرت ذمّتك ، ثمّ قال : يا ابن زياد أما والله لو كانت بينى وبينك قرابة ما قتلتنى ، ثمّ قال ابن زياد : أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف ، وعاتقه؟ فدعى فقال اصعد فكن أنت الذي تضرب عنقه فصعد به ، وهو يكبّر ويستغفر ويصلّى على ملائكة الله ورسله ، وهو يقول : اللهمّ أحكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذبونا وأذلّونا وأشرف به على موضع الجزّارين اليوم فضربت عنقه وأتبع جسده رأسه (١).

٤٣ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبى جحيفة ، قال : نزل الأحمرى بكير بن حمران الذي قتل مسلما ، فقال له ابن زياد : قتلته؟ قال : نعم قال : فما كان يقول وأنتم تصعدون به؟ قال : كان يكبّر ويسبّح ويستغفر فلمّا أدنيته لأقتله قال : اللهمّ أحكم بيننا وبين قوم كذّبونا وغرّونا وخذلونا وقتلونا ، فقلت له : ادن منّى الحمد لله الذي أقادنى منك فضربته لم تغن شيئا ، فقال أما ترى فى خدش تخدشنيه وفاء من دمك أيّها العبد ، فقال ابن زياد : أو فخرا عند الموت قال : ثمّ ضربته الثانية فقتلته.

قال : وقام محمّد بن الاشعث الى عبيد الله بن زياد ، فكلّمه فى هانى بن عروة وقال : انك قد عرفت منزلة هانى بن عروة فى المصر وبيته فى العشيرة ، وقد علم قومه أنى وصاحبى سقناه إليك فأنشدك الله لما وهبته لى فانّى أكره عداوة قومه هم أعزّ أهل المصر وعدد أهل اليمن! قال : فوعده أن يفعل فلمّا كان من أمر مسلم بن عقيل ما كان بدا له فيه ، وأبى أن يفى له بما قال.

قال : فأمر بهانى بن عروة حين قتل مسلم بن عقيل ، فقال أخرجوه الى السوق فأضربوا عنقه ، قال : فأخرج بهانى حتّى انتهى الى مكان من السوق كان

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٧٦.

٤١١

يباع فيه الغنم ، وهو مكتوف فجعل يقول : وا مذجحاه ، ولا مذجح لى اليوم ، وا مذحجاه وأين منى مذحج ، فلما رأى أنّ أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثمّ قال : أما من عصا أو سكّين أو حجر أو عظم يجاحش به رجل عن نفسه ، قال : ووثبوا إليه فشدّوه وثاقا ثمّ قيل له : امدد عنقك فقال : ما أنا بها مجد سخىّ وما أنا بمعينكم على نفسى.

قال : فضربه مولى لعبيد الله بن زياد ـ تركىّ يقال له رشيد ـ بالسيف فلم يصنع سيفه شيئا ، فقال هانى : الى الله المعاد اللهمّ إلى رحمتك ورضوانك ثمّ ضربه أخرى فقتله.

قال : فبصر به عبد الرحمن بن الحصين المرادى بخازر وهو مع عبيد الله بن زياد ، فقال الناس : هذا قاتل هانى بن عروة فقال ابن الحصين : قتلنى الله إن لم أقتله أو أقتل دونه! فحمل عليه بالرمح فطعنه فقتله ، ثمّ انّ عبيد الله بن زياد لما قتل مسلم ابن عقيل وهانى بن عروة دعا بعبد الاعلى الكلبى الذي كان أخذه كثير بن شهاب فى بنى فتيان فأتى به فقال له : أخبرنى بأمرك ، فقال : أصلحك الله خرجت لانظر ما يصنع الناس فأخذنى كثير بن شهاب.

فقال له : فعليك وعليك من الايمان المغلّظة ان كان أخرجك الا ما زعمت! فأبى أن يحلف ، فقال عبيد الله : انطلقوا بهذا الى جبّانة السبيع فاضربوا عنقه بها ، قال : فانطلق به فضربت عنقه ، قال : وأخرج عمارة بن صلخب الأزدى ـ وكان ممّن يريد أن يأتى مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره فأتى به أيضا عبيد الله ، فقال له : ممّن أنت قال : من الازد قال : انطلقوا به الى قومه فضربت عنقه فيهم ، فقال عبد الله بن الزبير الاسدى فى قتل مسلم بن عقيل وهانى بن عروة المرادى ـ ويقال ـ قاله الفرزدق :

وإن كنت لا تدرين ما الموت فانظرى

الى هانئ فى السوق وابن عقيل

٤١٢

إلى بطل قد هشم السيف وجهه

وآخر يهوى من طمار قتيل

أصابهما أمر الامير فأصبحا

أحاديث من يسرى بكلّ سبيل

ترى جسدا قد غير الموت لونه

ونضح دم قد سال كلّ مسيل

فتى هو أحيا من فتاه حيية

واقطع من ذى شفرتين صقيل

أيركب أسماء الهماليج آمنا

وقد طلبته مذحج بذحول!

تطيف حواليه مراد وكلّهم

على رقبة من سائل ومسول

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا أرضيت بقليل(١)

٤٤ ـ عنه قال أبو مخنف : عن أبى جناب ، يحيى بن أبى حيّة الكلبى ، قال : ثمّ انّ عبيد الله بن زياد ، لما قتل مسلما وهانئا ، بعث برءوسهما مع هانى بن أبى حيّة الوادعى ، والزبير بن الاروح التميمى ، الى يزيد بن معاوية ، وأمر كاتبه عمرو بن نافع أن يكتب الى يزيد بن معاوية بما كان من مسلم وهانى ، فكتب إليه كتابا أطال فيه ، وكان أوّل من أطال فى الكتب ، فلمّا نظر فيه عبيد الله بن زياد كرهه ، وقال : ما هذا التطويل وهذه الفضول؟ اكتب : أمّا بعد.

فالحمد لله الّذي أخذ لامير المؤمنين بحقّه ، وكفاه مئونة عدوّه ، أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنّ مسلم بن عقيل لجأ الى دار هانى بن عروة المرادى ، وأنّى جعلت عليهما العيون ، ودسست إليهما الرجال ، وكدتهما حتّى استخرجتهما ، وأمكن الله منهما ، فقدّمتهما فضربت أعناقهما ، وقد بعثت إليك برءوسهما مع هانى بن أبى حيّة الهمدانيّ ، والزبير بن الاروح التميمى ، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة ، فليسا لهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ من أمر ، فان عندهما علما وصدقا ، وفهما وورعا ، والسلام.

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٧٨.

٤١٣

فكتب إليه يزيد : أمّا بعد ، فانّك لم تعد ان كنت كما أحبّ ، عملت عمل الحازم ، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد أغنيت وكفيت ، وصدّقت ظنّى بك ، ورأيى فيك ، وقد دعوت رسوليك فسألتهما ، وناجيتهما ، فوجدتهما فى رأيهما وفضلهما كما ذكرت ، فاستوص بهما خيرا ، وانّه قد بلغنى أنّ الحسين بن على قد توجّه نحو العراق ، فضع المناظر والمسالح ، واحترس على الظنّ ، وخذ على التهمة ، غير ألا تقتل الّا من قاتلك ، واكتب الىّ فى كلّ ما يحدث من الخير ، والسلام عليك ورحمة الله (١).

٤٥ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى الصعقب بن زهير ، عن عون بن أبى جحيفة ، قال : كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذى الحجّة سنة ستين ـ ويقال يوم الاربعاء لسبع مضين من سنة ستّين من يوم عرفة بعد ، مخرج الحسين من مكّة يوم الاحد ، ليلتين بقيتا من رجب سنة ستّين ، ودخل مكّة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان ، فأقام بمكّة شعبان وشهر رمضان ، وشوّالا وذا القعدة ، ثمّ خرج منها لثمان مضين من ذى الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية فى اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل (٢).

٤٦ ـ ذكر هارون بن مسلم ، عن علىّ بن صالح ، عن عيسى بن يزيد ، أن المختار بن أبى عبيد ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، كانا خرجا مع مسلم ، خرج المختار براية خضراء ، وخرج عبد الله براية حمراء ، وعليه ثياب حمر ، وجاء المختار برايته فركزها على باب عمرو بن حريث ، وقال : إنّما خرجت لأمنع عمرا ، وان ابن الأشعث والقعقاع بن شور وشبث بن ربعى قاتلوا مسلما ، وأصحابه عشيّة سار مسلم الى قصر ابن زياد قتالا شديدا ، وأن شبثا جعل يقول : انتظروا بهم الليل يتفرّقوا : فقال له القعقاع : انّك قد سددت على الناس وجه مصيرهم ، فاخرج لهم

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٨٠.

(٢) تاريخ الطبرى ٥ / ٣٨٠.

٤١٤

ينسربوا ، وانّ عبيد الله أمر أن يطلب المختار وعبد الله بن الحارث ، وجعل فيهما جعلا ، فأتى بهما فحبسا (١).

٣٥ ـ باب خروجه عليه‌السلام الى العراق

١ ـ قال المفيد : توجّه الحسين صلوات الله عليه من مكّة الى العراق فى يوم خروج مسلم بالكوفة وهو يوم التروية ، بعد مقامه بمكّة بقيّة شعبان وشهر رمضان وشوّالا وذا القعدة ، وثمان ليال خلون من ذى الحجّة سنة ستين وكان قد اجتمع إليه عليه‌السلام مدّة مقامه بمكّة نفر من أهل الحجاز ، ونفر من أهل البصرة انضافوا الى أهل بيته ومواليه.

لمّا أراد الحسين عليه‌السلام التوجّه الى العراق طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ من احرامه وجعلها عمرة ، لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ مخافة ان يقبض عليه بمكّة فينفذ به الى يزيد بن معاوية ، فخرج عليه‌السلام مبادرا بأهله وولده ، ومن انضم إليه من شيعته ولم يكن خبر مسلم قد بلغه لخروجه فى يوم خروجه (٢) ،

٢ ـ عنه قال : كان الحسين بن على عليهما‌السلام ، لمّا خرج من مكّة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص ، ومعه جماعة أرسلهم عمرو بن سعيد إليه ، فقالوا له انصرف الى أين تذهب ، فأبى عليهم ، ومضى وتدافع الفريقان واضطربوا بالسّياط ، وامتنع الحسين وأصحابه منهم امتناعا قويّا وسار حتّى أتى التنعيم ، فلقى عيرا قد أقبلت من اليمن ، فاستأجر من أهلها جمالا لرحله وأصحابه.

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٨١.

(٢) الارشاد : ٢٠٠.

٤١٥

وقال لأصحابها : من أحبّ أن ينطلق معنا الى العراق وفيناه كرائه واحسنا صحبته ، ومن أحبّ أن يفارقنا فى بعض الطريق أعطيناه كراه على قدر ما قطع من الطريق ، فمضى معه قوم ، وامتنع آخرون وألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه عون ومحمّد وكتب على أيديهما إليه كتابا يقول فيه :

أمّا بعد ، فانّى أسألك بالله لمّا انصرفت حين تنظر فى كتابى ، فانّى مشفق عليك من الوجه الّذي توجّهت له ، أن يكون فيه هلاكك واستيصال أهل بيتك ، وإن هلكت اليوم طفئ نور الارض ، فانّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين ولا تجعل بالمسير ، فانّى فى أثر كتابى والسلام.

ثمّ صار عبد الله إلى عمرو بن سعيد ، فسئله أن يكتب للحسين أمانا ويمنّيه ليرجع عن وجهه ، فكتب إليه عمرو بن سعيد ، كتابا يمنيه فيه الصلة ، ويؤمنه على نفسه ، وأنفذه مع أخيه يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ودفعا إليه الكتاب ، وجهدا به فى الرجوع ، فقال انّى رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى المنام وأمرنى بما أنا ماض له.

فقالا له فما تلك الرؤيا ، قال : ما حدّثت أحدا بها ، ولا أنا محدّث حتّى القى ربّى عزوجل ، فلمّا آيس منه عبد الله بن جعفر رحمه‌الله أمرا بنيه عونا ، ومحمّدا بلزومه ، والمسير معه ، والجهاد دونه ورجع مع يحيى بن سعيد إلى مكّه ، وتوجّه الحسين عليه‌السلام نحو العراق مغذا لا يلوى عن شيء حتّى نزل ذات عرق (١).

٣ ـ قال الطبرسى : وكان توجّه الحسين عليه‌السلام من مكّة الى العراق فى يوم خروج مسلم الى الكوفة وقد اجتمع إليه مدّة اقامته بمكّة نفر من اهل الحجاز والبصرة ، ولمّا أراد الخروج الى العراق طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، و

__________________

(١) الارشاد : ٢٠١.

٤١٦

أحلّ من احرامه وجعلها عمرة لأنّه لم يتمكّن من اتمام الحجّ ، مخافة أن يقبض عليه بمكّة ، فينفذ الى يزيد بن معاوية. ولحقه عبد الله بن جعفر بكتاب عمرو بن سعيد ابن العاص والى مكّة مع أخيه يحيى بن سعيد يؤمنه على نفسه.

فدعا إليه الكتاب ، وجهدا به الرجوع ، فقال : إنّى رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى المنام وأمرنى بما أنا ماض له ، قالا له : فما تلك الرؤيا؟ فقال : ما حدّثت بها أحدا ولا أحدّث حتّى ألقى ربّى عزوجل ، فلمّا يئس عبد الله بن جعفر منه أمر ابنيه عونا ومحمّدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع هو ويحيى بن سعيد الى مكّة وتوجّه الحسين عليه‌السلام نحو العراق (١).

٤ ـ قال ابن شهرآشوب : فلمّا عزم الحسين عليه‌السلام ، نهاه عمرو بن عبد الرحمن بن هشام المخزومى فقال عليه‌السلام : جزاك الله خيرا يا ابن عمّ ، مهما يقض يكن وأنت عندى أحمد مشير وأنصح ناصح فأتاه ابن عبّاس ، وتكلّم فى ذلك كثيرا فانصرف ، ومرّ بعبد الله بن الزبير ، فقال :

قد قلت لمّا أن زريت معشرى

يا لك من قنبرة بمعمرى

خلّا لك البرّ فبيضى واصفرى

ونقرّى ما شئت ان تنقّرى

هذا حسين ساير فاستبشرى

مذ رفع الفخّ فما ذا تحذرى

لا بدّ من أخذك يوما فاصبرى (٢)

٥ ـ عنه كتب إليه عبد الله بن جعفر من المدينة فى ذلك فأجابه انّى قد رأيت جدّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى منامى فخبّرنى بأمر وأنا ماض له لى كان أم علىّ؟ والله يا ابن عمّ ليعتدين علىّ كما يعتدى اليهود يوم السبت وخرج (٣)

__________________

(١) اعلام الورى : ٢٢٧.

(٢) المناقب : ٢ / ٢١٢.

(٣) المناقب : ٢ / ٢١٢.

٤١٧

٦ ـ قال ابن طاوس : وكان قد توجّه الحسين عليه‌السلام ، من مكّة يوم الثلاثاء لثلاث مضين من ذى الحجّة وقيل يوم الاربعاء ، لثمان من ذى الحجّة سنة ستّين ، قبل أن يعلم بقتل مسلم لأنّه عليه‌السلام خرج من مكّة فى اليوم الذي قتل فيه مسلم ، رضوان الله عليه (١).

٧ ـ عنه روى انّه عليه‌السلام لمّا عزم على الخروج الى العراق ، قام خطيبا ، فقال : الحمد لله ما شاء الله ، ولا قوّة الّا بالله وصلّى الله على رسوله ، خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني الى أسلافى اشتياق يعقوب الى يوسف وخير لى مصرع أنا لاقيه ، كأنّى بأوصالى تقطّعها عسلان الفلوات ، بين النواويس وكربلا ، فيملأن منّى أكرشا جوفا وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خطّ بالقلم.

رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ، ويوفينا أجر الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحمته ، وهى مجموعة له فى حظيرة القدس ، تقرّبهم عينه وينجزهم وعده ، من كان باذلا فينا مهجته وموطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فاننى راحل مصبحا إن شاء الله تعالى (٢).

٨ ـ عنه روى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبرى الامامى فى كتاب دلائل الامامة ، قال حدّثنا أبو محمّد سفيان بن وكيع عن أبيه ، وكيع عن الأعمش قال قال أبو محمّد الواقدى ، وزرارة بن خلج : لقينا الحسين بن على عليهما‌السلام ، قبل أن يخرج الى العراق ، فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة وأنّ قلوبهم معه ، وسيوفهم عليه ، فاومى بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عدد الا يحصيهم ، الّا الله عزوجل ، فقال لو لا تقارب الأشياء وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم يقينا

__________________

(١) اللهوف : ٢٦.

(٢) اللهوف : ٢٦.

٤١٨

أنّ هناك مصرعى ، ومصرع أصحابى لا ينجو معهم الا ولدى علىّ عليه‌السلام (١).

٩ ـ عنه روى معمر بن المثنى فى مقتل الحسين عليه‌السلام فقال ما هذا لفظه : فلمّا كان يوم التروية قدم عمر بن سعد بن أبى (٢) وقّاص ، إلى مكّة فى جند كثيف ، قد أمره يزيد ان يناجز الحسين القتال ، ان هو ناجزه أو يقاتله ان قدر عليه ، فخرج الحسين عليه‌السلام يوم التروية (٣).

١٠ ـ عنه رويت من كتاب الأصل لأحمد بن الحسين بن عمر بن بريدة ، الثقة وعلى الأصل انّه كان لمحمّد بن داود القمى ، بالاسناد ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال سار محمّد بن الحنفية الى الحسين عليه‌السلام فى الليلة الّتي أراد الخروج فى صبيحتها ، من مكّة فقال : يا أخى انّ أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم ، بأبيك ، وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فان رأيت أن تقيم فانّك أعزّ من فى الحرم ، وأمنعه.

فقال يا أخى قد خفت أن تغتالنى يزيد بن معاوية ، فى الحرم ، فاكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت فقال له ابن الحنفية ، فان خفت ذلك فصر الى اليمن ، أو بعض نواحى البرّ فانّك أمنع الناس به ولا يقدر عليك ، أحد ، فقال أنظر فيما قلت ، فلمّا كان السحر ارتحل الحسين عليه‌السلام ، فبلغ ذلك ابن الحنفية ، فأتاه فاخذ زمام ناقته الّتي ركبها فقال له يا أخى ألم تعدنى النظر فيما سألتك قال بلى؟ قال فما حداك على الخروج عاجلا.

فقال أتانى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما فارقتك ، فقال يا حسين اخرج فانّ الله قد شاء أن يراك قتيلا ، فقال له ابن الحنفية إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فما معنى حملك

__________________

(١) اللهوف : ٢٦.

(٢) هو عمرو بن سعيد بن العاص وكان عمر بن سعد حينئذ فى الكوفة فاشتبه الامر على الرواة.

(٣) اللهوف : ٢٧.

٤١٩

هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال ، قال فقال له قد قال لى انّ الله قد شاء أن يريهنّ سبايا وسلّم عليه ومضى (١).

١١ ـ عنه ذكر محمّد بن يعقوب الكلينى فى كتاب الرسائل ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن أيّوب بن نوح ، عن صفوان ، عن مروان بن اسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : ذكرنا خروج الحسين عليه‌السلام ، وتخلّف ابن الحنفية عنه فقال أبو عبد الله عليه‌السلام يا حمزة انّى سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا ، انّ الحسين عليه‌السلام لما فصل متوجّها أمر بقرطاس وكتب.

بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن على ، الى بنى هاشم أما بعد ، فانّه من لحق بى منكم استشهد ، ومن تخلف عنّى ، لم يبلغ الفتح والسلام (٢).

١٢ ـ عنه ذكر المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، رضى الله عنه فى كتاب مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومولد الأوصياء صلوات الله عليهم ، باسناده الى أبى عبد الله جعفر ابن محمّد الصادق عليهم‌السلام ، قال : لمّا سار أبو عبد الله الحسين بن على صلوات الله عليهما ، من مكّة ليدخل المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسوّمين والمردفين فى أيديهم الحراب ، على نجب من نجب الجنّة ، فسلّموا عليه ، وقالوا يا حجّة الله على خلقه بعد جدّه وأبيه وأخيه انّ الله عزوجل أمدّ جدّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنا فى مواطن كثيرة ، وأنّ الله أمّرك بنا.

فقال لهم : الموعد حفرتى وبقعتى الّتي استشهد فيها وهى كربلا ، فاذا وردتها فأتونى ، فقالوا : يا حجّة الله إنّ الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدوّ يلقاك ، فنكون معك ، فقال لا سبيل لهم علىّ ولا يلقونى بكريهة ، أو أصل الى بقعتى وأتته أفواج من مؤمنى الجنّ فقالوا له يا مولانا نحن شيعتك ، وأنصارك ، فمرنا بما

__________________

(١) اللهوف : ٢٧.

(٢) اللهوف : ٢٨.

٤٢٠