مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

فلم يزل به حتّى استخرج منه شيئا ، قال : ثمّ أرسل معاوية بعده الى ابن الزبير فخلا به فقال له : قد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم يا ابن أخى فما أربك الى الخلاف؟

قال : فأرسل إليهم فان بايعوك كنت رجلا منهم والا لم تكن عجلت علىّ بأمر قال : وتفعل؟ قال : نعم ، فأخذ عليه أن لا يخبر بحديثهما أحدا ، قال : فأرسل بعده الى ابن عمر فأتاه فخلا به فكلمه بكلام هو ألين من صاحبيه ، وقال : انّى كرهت أن أدع أمّة محمّد بعدى كالضأن لا راعى لها وقد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر أنت تقودهم فما أربك الى الخلاف؟ قال ابن عمر : هل لك فى أمر تحقن به الدماء وتدرك به حاجتك؟

فقال معاوية : وددت ذلك فقال ابن عمر : تبرز سريرك ثمّ أجئ فأبايعك على أنى بعدك أدخل فيما اجتمعت عليه الامة فو الله لو أنّ الامّة اجتمعت بعدك على عبد حبشى لدخلت فيما تدخل فيه الامة ، قال : وتفعل؟ قال : نعم ، ثمّ خرج وأرسل الى عبد الرحمن ابن أبى بكر فخلا به قال : بأىّ يد أو رجل تقدم على معصيتى؟ فقال عبد الرحمن : أرجو أن يكون ذلك خيرا لى.

فقال معاوية : والله لقد هممت أن أقتلك فقال : لو فعلت لا تبعك الله فى الدنيا ولأدخلنّك به فى الآخرة النار ، قال : ثمّ خرج عبد الرحمن بن أبى بكر وبقى معاوية يومه ذلك يعطى الخواص ويعصى مذمة الناس. فلمّا كان صبيحة اليوم الثانى أمر بفراش فوضع له وسويت مقاعد الخاصة حوله وتلقاءه من أهله ثمّ خرج وعليه حلّة يمانية وعمامة وكساء وقد أسبل طرفها بين كتفيه وقد تغلّى وتعطر.

فقعد على سريره وأجلس كتابه منه بحيث يسمعون ما يأمر به وأمر حاجبه أن لا يأذن لأحد من الناس وان قرب ، ثمّ أرسل الى الحسين بن على وعبد الله بن عبّاس فسبق ابن عباس فلمّا دخل وسلم أقعده فى الفراش عن يساره فحادثه مليا

١٦١

ثمّ قال يا ابن عباس لقد وفّر الله حظكم من مجاورة هذا القبر الشريف ودار الرسول عليه الصلاة والسلام.

فقال ابن عبّاس : نعم أصلح الله أمير المؤمنين وحظنا من القناعة بالبعض والتجافى عن الكلّ أوفر فجعل معاوية يحدثه ويحيد به ، عن الطريق المجاوبة ويعدل الى ذكر الاعمار على اختلاف الغرائز والطبائع حتى أقبل الحسين بن على ، فلمّا رآه معاوية جمع له وسادة كانت على يمينه فدخل الحسين وسلم فأشار إليه فأجلسه عن يمينه ، مكان الوسادة ، فسأله معاوية عن حال بنى أخيه الحسن وأسنانهم فأخبره ثمّ سكت قال : ثمّ ابتداء معاوية. فقال :

أمّا بعد فالحمد لله ولى النعم ومنزل النقم وأشهد أن لا إله الا الله المتعالى عما يقول الملحدون علوّا كبيرا وأنّ محمّدا عبده المختص المبعوث الى الجنّ والانس كافة لينذرهم بقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، فأدّى عن الله وصدع بأمره وصبر على الاذى فى جنبه حتّى وضح دين الله وعزّ أولياؤه وقمع المشركون وظهر أمر الله وهم كارهون.

فمضى صلوات الله عليه وقد ترك من الدنيا ما بذل له واختار منها الترك لما سفر له زهادة واختيارا لله وأنفة واقتدارا على الصبر ، بغيا لما يدوم ويبقى ، فهذه صفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكور وبين ذلك خوض طال ما عالجناه مشاهدة ومكافحة ومعاينة وسماعا وما أعلم منه فوق ما تعلمان وقد كان من أمر يزيد ما سبقتم إليه وإلى تجويزه وقد علم الله ما أحاول به فى أمر الرعية من سدّ الخلل ولمّ الصدع بولاية يزيد بما أيقظ العين وأحمد الفعل.

هذا معناى فى يزيد ، وفيكما فضل القرابة وخطوة العلم وكمال المروءة وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ما أعيانى مثله عند كما وعند غيركما مع علمه بالسنة وقراءة القرآن والحلم الذي يرجع بالصمّ الصلاب ، وقد

١٦٢

علمنا أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة قدم على الصديق والفاروق ومن دونها من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل من لم يقارب القوم ولم يعاندهم برتبة فى قرابة موصولة ، ولا سنة مذكورة.

فقادهم الرجل بأمره وجمع بهم صلاتهم وحفظ عليهم فيئهم وقال فلم يقل معه وفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوة حسنة فمهلا بنى عبد المطلب فأنا وأنتم شعبا نفع وجد وما زلت أرجو الانصاف فى اجتماعكما فما يقول القائل إلّا بفضل قولكما فردا على ذى رحم مستعتب ما يحمد به البصيرة ، فى عتابكما وأستغفر الله لى ولكما.

قال : فتيسّر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة فأشار إليه الحسين وقال : على رسلك ، فأنا المراد ونصيبى فى التهمة أوفر فأمسك ابن عبّاس فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول ثمّ قال : أما بعد يا معاويه فلن يؤدّى القائل واطنب فى صفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من جميع جزأ وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة والتنكب عن استبلاغ النعت وهيهات هيهات يا معاوية.

فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج ولقد فضلت حتّى أفرطت واستأثرت حتى أجحفت ومنعت حتى محلت وجزت حتّى جاوزت ما بذلت لذى حق من اسم حقّه بنصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامّة محمّد تريد أن توهّم الناس فى يزيد كأنّك تصف محجوبا أو تنعت ، غائبا أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه.

فخذ ليزيد فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش ، والحمام السبق لأترابهنّ والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهى تجده باصرا ودع عنك ما تحاول فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه فو الله ما برحت

١٦٣

تقدح باطلا فى جور وحنقا فى ظلم حتّى ملأت الأسقية وما بينك وبين الموت إلا غمضة فتقدّم على عمل محفوظ فى يوم مشهود ولات حين مناص.

رأيتك عرضت بنا بعد هذا الامر ومنعتنا عن آبائنا تراثا ولقد ـ لعمر الله ورثنا الرسول عليه الصلاة والسلام ولادة وجئت لنا بها أما حججتم به القائم عند موت الرسول فأذعن للحجّة بذلك ورده الايمان الى النصف فركبتم الاعاليل وفعلتم الافاعيل وقلتم كان ويكون حتّى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اولى الأبصار ، وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتأميره له.

قد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص يومئذ فضيله بصحبة الرسول ، وبيعة له ، وما صار لعمر الله يومئذ مبعثهم حتّى أنف القوم امرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه أفعاله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا جرم معشر المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيرى.

فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول ، فى أوكد الأحكام ، وأولاها بالمجمع عليه من الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعا ، وحولك من لا يؤمن فى صحبته ولا يعتمد فى دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعه بها الباقى فى دنياه ، وتشقى بها فى آخرتك. ان هذا لهو الخسران المبين. واستغفر الله لى ولكم (١).

١٠ ـ قال اليعقوبى : قال معاوية للحسين بن على عليه‌السلام يا أبا عبد الله علمت أنا قتلنا شيعة أبيك فحنطناهم وكفناهم وصلينا عليهم ودفناهم ، فقال الحسين حجتك وربّ الكعبة لكنا والله إن قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا حنّطناهم ولا صلينا

__________________

(١) الامامة والسياسة : ١ / ١٥٨ ـ ١٦١

١٦٤

عليهم ولا دفنّاهم (١).

١١ ـ قال ابن أبى الحديد : قالوا : ومن هذا الباب ما روى أنّ الحسين بن على عليهما‌السلام كلّم معاوية فى أمر ابنه يزيد ، ونهاه عن أن يعهد إليه ، فأبى عليه معاوية حتّى أغضب كلّ واحد منهما صاحبه ، فقال الحسين عليه‌السلام فى غضون كلامه أبى خير من أبيه ، وأمّى خير من أمّه ، فقال معاوية : يا ابن أخى : أمّا أمّك فخير من أمّه ، وكيف تقاس امرأة من كلب بابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله! وأمّا أبوه فحاكم أباك الى الله تعالى ، فحكم لابيه على أبيك (٢).

١٢ ـ عنه قال : روى المدائنى ، قال : قال معاوية يوما لعقيل بن ابى طالب : هل من حاجة فأقضيها لك؟ قال : نعم جارية عرضت علىّ وأبى أصحابها أن يبيعوها إلّا بأربعين ألفا ، فأحبّ معاوية أن يمازحه فقال : وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمى تجتزى بجارية قيمتها خمسون درهما! قال : أرجو أن أطأها فتلدنى غلاما إذا أغضبته يضرب عنقك بالسيف.

فضحك معاوية : وقال : مازحناك يا أبا يزيد! وأمر فابتيعت له الجارية التي أولد منها مسلما ، فلمّا أتت على مسلم ثمانى عشرة سنة ـ وقد مات عقيل أبوه ـ قال لمعاوية : يا أمير المؤمنين ، إنّ لى أرضا بمكان كذا من المدينة ، وإنّى أعطيت بها مائة ألف ، وقد أحببت أن أبيعك إيّاها ، فادفع الى ثمنها ، فأمر معاوية بقبض الارض ، ودفع الثمن إليه.

فبلغ ذلك الحسين عليه‌السلام ، فكتب إلى معاوية : أما بعد ، فانك غررت غلاما من بنى هاشم ، فابتعت منه أرضا لا يملكها ، فاقبض من الغلام ما دفعته إليه ، واردد إلينا أرضنا. فبعث معاوية الى مسلم ، فأخبره ذلك ، وأقرأه كتاب الحسين عليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) تاريخ اليعقوبى ٢ / ٢١٩.

(٢) شرح النهج : ٢ / ١٧١.

١٦٥

اردد علينا مالنا ، وخذ أرضك ، فانّك بعت ما لا تملك.

فقال مسلم : أمّا دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا ، فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه ، فقال : يا بنىّ ، هذا والله كلام قاله لى أبوك حين ابتعت له امّك. ثمّ كتب الى الحسين : انّى قد رددت عليكم الارض ، وسوّغت مسلما ما أخذ. فقال الحسين عليه‌السلام أبيتم يا آل أبى سفيان إلّا كرما (١).

١٣ ـ قال الزبير بن بكار : وقد كان للحسين عليه‌السلام مع معاوية قصّة ، كان بينهما كلام فى أرض للحسين عليه‌السلام ، فقال له الحسين عليه‌السلام : اختر منّى ثلاث خصال : إمّا أن تشترى منّى حقّى ، وإمّا أن ترده علىّ ، أو تجعل بينى وبينك ابن عمر أو ابن الزبير حكما ، وإلا فالرابعة ، وهى الصيلم.

قال معاوية : ما هى؟ قال : أهتف بحلف الفضول ، ثم قام فخرج وهو مغضب ، فمرّ بعبد الله بن الزبير فأخبره ، فقال : والله لئن هتف به وأنا مضطجع لاقعدنّ ، أو قاعد لأقومنّ أو قائم لا مشين ، أو ماش لأسعين ، ثم لتنفدنّ روحى مع روحك ، أو لينصفنك ، فبلغت معاوية ، فقال : لا حاجة لنا بالصيلم : ثم أرسل إليه ، أن ابعث فانتقد مالك : فقد ابتغاه منك.

قال الزبير : وحدثني بهذه القصة على بن صالح عن جدى عبد الله بن مصعب ، عن أبيه ، قال : خرج الحسين عليه‌السلام من عند معاوية وهو مغضب ، فلقى عبد الله بن الزبير ، فحدثه بما دار بينهما ، وقال : لأخيّرنه فى خصال ، فقال له ابن الزبير ما قال ، ثم ذهب الى معاوية ، فقال : لقد لقينى الحسين فخيرك فى ثلاث خصال ، والرابعة الصيلم.

قال : معاوية : فلا حاجة لنا بالصيلم ، أظنك لقيته مغضبا فهات الثلاث ، قال : أن تجعلنى أو ابن عمر بينك وبينه. قال : قد جعلتك بينى وبينه ، أو جعلت ابن عمر

__________________

(١) شرح النهج : ١١ / ٢٥١.

١٦٦

أو جعلتكما جميعا ، قال : أو تقر له بحقه ثم تسأله اياه. قال : قد أقررت له بحقه وأنا أسأله اياه قال : أو تشتريه منه ، قال : قد اشتريته منه فما الصيلم؟ قال : يهتف بحلف الفضول ، وأنا أوّل من يجيبه. قال : فلا حاجة لنا فى ذلك. وبلغ الكلام عبد الله بن أبى بكر والمسور بن مخرمة ، فقالا للحسين مثل ما قاله ابن الزبير (١).

١٤ ـ عنه قال : قال أبو الفرج : وحدثني أبو عبيد محمد بن أحمد ، قال : حدثني الفضل بن الحسن البصرى ، قال : حدثني يحيى بن معين ، قال : حدثني أبو حفص اللبان ، عن عبد الرحمن ابن شريك ، عن اسماعيل بن أبى خالد ، عن حبيب بن أبى ثابت ، قال : خطب معاوية بالكوفة حين دخلها ، والحسن والحسين عليهما‌السلام جالسان تحت المنبر ، فذكر عليا عليه‌السلام فنال منه ثم نال من الحسن.

فقام الحسين عليه‌السلام ليردّ عليه ، فأخذه الحسن بيده فأجلسه ، ثم قام فقال : أيها الذاكر عليا ، أنا الحسن ، وأبى على ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمى فاطمة وأمك هند ، وجدى رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة ، وجدتي خديجة وجدتك قتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكرا ، ألأمنا حسبا ، وشرّنا قديما وحديثا ، وأقدمنا كفرا ونفاقا فقال طوائف من أهل المسجد : آمين.

قال الفضل : قال يحيى بن معين : وأنا أقول : آمين. قال أبو الفرج : قال أبو عبيد : قال الفضل : وأنا أقول آمين ، ويقول على ابن الحسين الاصفهانى : آمين. ويقول عبد الحميد بن أبى الحديد مصنف هذا الكتاب : آمين قال العطاردى : وأنا أقول آمين (٢).

١٥ ـ عنه قال : كان مال حمل من اليمن الى معاوية : فلما مرّ بالمدينة وثب عليه الحسين بن على عليه‌السلام ، فأخذه وقسمه فى أهل بيته ومواليه ، وكتب الى معاوية : من

__________________

(١) شرح النهج : ١٥ / ٢٢٧.

(٢) شرح النهج : ١٦ / ٤٦.

١٦٧

الحسين بن على الى معاوية ، بن أبى سفيان ، أما بعد فان عير امرت بنا من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إليك لتودعها خزائن دمشق ، وتعلّ بها بعد النهل بنى أبيك ، وانى احتجت إليها فأخذتها. والسلام.

فكتب إليه معاوية : من عبد الله معاوية أمير المؤمنين الى الحسين بن على سلام عليك ، أما بعد ، فان كتابك ورد على تذكران عير امرت بك من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إلىّ لاودعها خزائن دمشق ، وأعلّ بهما بعد النهل بنى أبى ، وأنك احتجت إليها فأخذتها ولم تكن جديرا بأخذها اذ نسبتها الى ، لان الوالى أحق بالمال ، ثم عليه المخرج منه.

وايم الله لو تركت ذلك حتى صار الى لم أبخسك حظك منه ، ولكنى قد ظننت يا ابن أخى أن فى رأسك نزوة وبودّى أن يكون ذلك فى زمانى فأعرف لك قدرك ، وأتجاوز عن ذلک : ولکن والله اتخوف أن تبتلى بمن لا ينظرك فواق ناقة ، وكتب في أسفل كتابة :

يا حسين بن على ليس ما

جئت بالسائغ يوما فى العلل

أخذك المال ولم تؤمر به

إنّ هذا من حسين لعجل

قد أجزناها ولم نغضب لها

واحتملنا من حسين ما فعل

يا حسين بن على ذا الأمل

لك بعدى وثبة لا تحتمل

ويؤدّى أننى شاهدها

فاليها منك بالخلق الاجل

اننى أذهب أن تصلى بمن

عنده قد سبق السيف العدل (١)

١٦ ـ روى ابن عبد ربه عن الشعبى قال : دخل الحسين بن على يوما على معاوية ومعه مولى له يقال له ذكوان ، وعند معاوية جماعة من قريش فيهم ابن

__________________

(١) شرح النهج : ١٨ / ٤٠٩.

١٦٨

الزبير ، فرحب معاوية بالحسين وأجلسه على سريره ، قال : ترى هذا القاعد ـ يعنى ابن الزبير ـ فانه ليدركه الحسد لبنى عبد مناف. فقال ابن الزبير لمعاوية : قد عرفنا فضل الحسين وقرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن ان شئت أن أعلمك فضل الزبير على أبيك أبى سفيان فعلت.

فتكلم ذكوان مولى الحسين ابن على عليهما‌السلام ، فقال : يا ابن الزبير ، ان مولاى ما يمنعه من الكلام أن لا يكون طلق اللسان ، رابط الجنان ، فان نطق نطق بعلم ، وان صمت صمت بحلم ، غير أنه كف الكلام وسبق الى السنان ، فاقرت بفضله الكرام ، وأنا الذي أقول :

فيم الكلام لسابق فى غاية

والنّاس بين مقصّر ومجلّد

إنّ الذي يجرى ليدرك شأوه

ينمى بغير مسود ومسدد

بل كيف يدرك نور بدر ساطع

خير الانام وفرع آل محمّد

فقال معاوية : صدق قولك يا ذكوان ، أكثر الله فى موالى الكرام مثلك. فقال ابن الزبير : ان أبا عبد الله سكت ، وتكلم مولاه ، ولو تكلم لاجبناه ، أو لكفننا عن جوابه اجلالا له ، ولا جواب لهذا العبد ، قال ذكوان : هذا العبد خير منك ، قال رسول الله : «مولى القوم منهم» فانا مولى رسول الله وأنت ابن الزبير بن العوام بن خويلد ، فنحن أكرم ولاء وأحسن فعلا (١)

١٧ ـ عنه عن العتبى قال : دعا معاوية مروان بن الحكم فقال له : أشر علىّ فى الحسين ، قال : تخرجه معك الى الشام فتقطعه عن أهل العراق وتقطعهم عنه ، قال : أردت والله أن تستريح منه وتبتلينى به فان صبرت عليه صبرت على ما أكره ، وان أسأت إليه كنت قد قطعت رحمه ، فأقامه ، وبعث الى سعيد ابن العاص ، فقال له : يا

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ١٥.

١٦٩

أبا عثمان أشر علىّ فى الحسين.

قال : إنّك والله ما تخاف الحسين إلا على من بعدك ، وانّك لتخلّف له قرنا ان صارعه ليصرعنّه ، وإن سابقه ليسبقنّه فذر الحسين منبت النخلة ، يشرب من الماء ويقعد فى الهواء ، ولا يبلغ إلى السّماء قال : فما غيبك عنّى يوم صفّين؟ قال : تحملت الحرم ، وكفيت الحزم ، وكنت قريبا ، لو دعوتنا لاجبناك ، ولو أمرت لاطعناك ؛ قال معاوية : يا أهل الشام ، هؤلاء قومى وهذا كلامهم (١).

١٨ ـ روى عن العتبى عن أبيه : ان عتبة بن أبى سفيان قال : كنت مع معاوية فى دار كندة ، إذا أقبل الحسن والحسين ومحمّد ، بنو علىّ بن أبى طالب ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّ لهؤلاء القوم أشعارا وأبشارا ، وليس مثلهم كذب ، وهم يزعمون أن أباهم كان يعلم ، فقال : إليك من صوتك ، فقد قرب القوم ، فاذا قاموا فذكرنى بالحديث ، فلمّا قاموا قلت يا أمير المؤمنين ، ما سألتك عنه من الحديث؟ قال : كلّ القوم كان يعلم وأبوهم من أعلمهم (٢).

١٩ ـ عنه قال : كتب معاوية إلى مروان بن الحكم ، عامله على المدينة : أن ادع أهل المدينة إلى بيعة يزيد ، فان أهل الشام والعراق قد بايعوا ، فخطبهم مروان فحضّهم على الطاعة وحذرهم الفتنة ودعاهم الى بيعة يزيد قال سنة أبى بكر الهادية المهدية ، فقال له عبد الرحمن بن أبى بكر : كذبت! ان كان أبا بكر ترك الأهل والعشيرة ، وبايع لرجل من بنى عدى ، رضى دينه وأمانته ، واختاره لامّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال مروان : أيها الناس ، إن هذا المتكلّم هو الّذي أنزل الله فيه : «والذي قال لوالديه افّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلى» فقال له عبد الرحمن : يا ابن الزرقاء ، أفينا تتأول القرآن! وتكلّم الحسين بن علىّ ، وعبد الله بن

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ٢٢.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٢٨٢

١٧٠

الزبير ، وعبد الله بن عمر وأنكروا بيعة يزيد ، وتفرّق الناس فكتب مروان إلى معاوية بذلك.

فخرج معاوية الى المدينة فى ألف فلمّا قرب منها تلقّاه الناس ، فلمّا نظر الى الحسين قال : مرحبا بسيّد شباب المسلمين ، قرّبوا دابّة لابي عبد الله ، وقال لعبد الرحمن بن أبى بكر: مرحبا بشيخ قريش وسيّدها وابن الصديق. وقال لابن عمر : مرحبا بصاحب رسول الله وابن الفاروق. وقال لابن الزبير : مرحبا بابن حوارىّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمته.

دعا لهم بدواب فحملهم عليها. وخرج حتّى أتى مكّة فقضى حجّه ، ولما أراد الشخوص أمر باثقاله فقدّمت ، وأمر بالمنبر فقرب من الكعبة ، وأرسل الى الحسين وعبد الرحمن بن أبى بكر وابن الزبير فاجتمعوا ، وقالوا لابن الزبير : اكفنا كلامه ، فقال : على أن لا تخالفونى. قالوا : لك ذلك.

ثمّ أتوا معاوية ، فرحّب بهم وقال لهم : قد علمتم نظرى لكم وتعطّفى عليكم ، وصلتي أرحامكم ، ويزيد أخوكم وابن عمّكم ، وإنّما أردت أن أقدّمه باسم الخلافة وتكونوا أنتم تأمرون وتنهون ، فسكتوا ، وتكلّم ابن الزبير ، فقال : نخيّرك بين احدى ثلاث ، أيّها أخذت فهى لك رغبة وفيها خيار :

فان شئت فاصنع فينا ما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قبضه الله ولم يستخلف ، فدع هذا الامر حتى يختار الناس لانفسهم ؛ وإن شئت فما صنع أبو بكر ، عهد الى رجل من قاصية قريش وترك من ولده ومن رهطه الادنين من كان لها أهلا ؛ وإن شئت فما صنع عمر ، صيّرها الى ستّة نفر من قريش يختارون رجلا منهم وترك ولده وأهل بيته وفيهم من لو وليها لكان لها أهلها.

قال : معاوية : هل غير هذا؟ قال : لا ثم قال الآخرين : ما عندكم؟ قالوا : نحن على ما قال ابن الزبير ، وقال معاوية : انّى أتقدّم إليكم ، وقد أعذر من أنذر ، إنّى

١٧١

قائل مقالة ، فأقسم بالله لئن ردّ علىّ رجل منكم كلمة فى مقامى هذا لا ترجع إليه كلمة حتّى يضرب رأسه. فلا ينظر امرؤ منكم الا الى نفسه ، ولا يبقى الّا عليها.

وأمر أن يقوم على رأس كلّ رجل منهم رجلان بسيفيهما ، فان تكلّم بكلمة يردّ بها عليه قوله قتلاه. وخرج وأخرجهم معه حتّى رقى المنبر ، وحفّ به أهل الشام ، واجتمع الناس ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : انّا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار ، قالوا : ان حسينا وابن أبى بكر وابن عمر وابن الزبير لم يبايعوا ليزيد ، وهؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم ، لا نبرم أمرا دونهم ، ولا نقضى أمرا الا عن مشورتهم ، وانّى دعوتهم فوجدتهم سامعين مطيعين ، فبايعوا وسلّموا وأطاعوا.

فقال أهل الشام : وما يعظم من أمر هؤلاء ، ائذن لنا فنضرب أعناقهم ، لا نرضى حتّى يبايعوا علانية! فقال معاوية : سبحان الله! ما أسرع الناس الى قريش بالشرّ وأحلى دماءهم عندهم أنصتوا ، فلا أسمع هذه المقالة من أحد. ودعا الناس الى البيعة فبايعوا. ثمّ قربت رواحله ، فركب ومضى. فقال الناس للحسين وأصحابه : قلتم : لا نبايع ، فلمّا دعيتم وأرضيتم بايعتم! قالوا لم نفعل. قالوا : بلى ، قد فعلتم وبايعتم ، أفلا أنكرتم! قالوا : خفنا القتل وكادكم بنا وكادنا بكم (١).

٢٠ ـ قال أبو اسحاق القيروانى : كان لمعاوية بن أبى سفيان عين بالمدينة يكتب إليه بما يكون من امور الناس وقريش فكتب إليه : انّ الحسين بن على أعتق جارية له وتزوّجها ؛ فكتب معاوية الى الحسين : من أمير المؤمنين معاوية الى الحسين ابن علىّ. أمّا بعد فانّه بلغنى أنك تزوّجت جاريتك ، وتركت أكفاءك من قريش ، ممّن تستنجبه للولد ، وتمجد به فى الصهر ، فلا لنفسك نظرت ، ولا لولدك انتقيت.

فكتب إليه الحسين بن على : أمّا بعد فقد بلغنى كتابك ، وتعييرك إيّاى بأنّى

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ٣٧١.

١٧٢

تزوّجت مولاتى ، وتركت أكفائى من قريش ، فليس فوق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منتهى فى شرف ، ولا غاية فى نسب ؛ وإنمّا كانت ملك يمينى ، خرجت عن يدى بأمر التمست فيه ثواب الله تعالى ؛ ثم ارتجعتها على سنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقد رفع الله بالاسلام الخسيسة ووضع عنّا به النقيصة : فلا لوم على امرئ مسلم الّا فى أمر مأثم ، وإنّما اللوم لوم الجاهليّة ، فلمّا قرأ معاوية كتابه نبذه الى يزيد فقرأه ، وقال : لشدّ ما فخر عليك الحسين! قال : لا ولكنّها ألسنة بنى هاشم الحداد التي تفلق الصخر ، وتغرف من البحر! (١).

٢٨ ـ باب ما جرى بينه عليه‌السلام ومروان

١ ـ فرات قال حدّثنى علىّ بن حمدون معنعنا عن ابن الجارية واصبغ بن نباتة الحنظلى ، قال لما كان مروان على المدينة خطب الناس فوقع فى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال فلمّا نزل من المنبر أتى الحسين بن على عليه‌السلام فقيل له ان مروان قد وقع فى على عليه‌السلام ، قال فما كان فى المسجد الحسن عليه‌السلام قالوا بلى ، قال فلم يقل له شيئا قالوا : لا فقام الحسين عليه‌السلام مغضبا حتى دخل على مروان.

فقال يا ابن الزرقاء ويا ابن آكلة القمل أنت الواقع فى على عليه‌السلام ، قال له مروان أنت صبىّ لا عقل لك قال فقال له الحسين عليه‌السلام ألا أخبرك بما فيك وأصحابك وفى على عليه‌السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى قال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) فذلك لعلى وشيعته (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) فبشر بذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلىّ بن أبى طالب عليه‌السلام (٢)

__________________

(١) زهر الآداب : ١ / ١٠١.

(٢) تفسير فرات : ٩٠.

١٧٣

٢ ـ روى ابن شهرآشوب ، عن عبد الملك بن عمير والحاكم والعبّاس قالوا : خطب الحسين عليه‌السلام عائشة بنت عثمان ، فقال مروان ازوّجها عبد الله بن الزبير ، ثمّ إنّ معاوية كتب الى مروان وهو عامله على الحجاز ، يأمره ان يخطب أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد ، فأبى عبد الله بن جعفر فأخبره بذلك فقال عبد الله : انّ أمرها ليس الىّ إنمّا هو الى سيّدنا الحسين عليه‌السلام وهو خالها.

فأخبر الحسين بذلك فقال استخير الله تعالى ، اللهمّ وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمّد ، فلمّا اجتمع الناس فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل مروان حتّى جلس الى الحسين عليه‌السلام وعنده من الجلة.

وقال انّ أمير المؤمنين أمرنى بذلك وان اجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ مع صلح ما بين هذين الحيّين مع قضاء ، دينه أعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفو من لا كفو له وبوجهه يستسقى الغمام فردّ خيرا يا أبا عبد الله.

فقال الحسين عليه‌السلام : الحمد لله الذي اختارنا لنفسه وارتضانا لدينه واصطفانا على خلقه الى آخر كلامه عليه‌السلام ، ثمّ قال يا مروان قد قلت فسمعنا اما قولك مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ ، فلعمرى لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فى بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أو يكون أربعمائة وثمانين درهما.

أمّا قولك مع قضاء دين أبيها فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا ، وأمّا صلح ما بين هذين الحيين فأنا قوم عاديناكم فى الله ولم نكن نصالحكم للدنيا فلعمرى فلقد اعيى النسب فكيف السبب وأمّا قولك العجب ليزيدك كيف يستمهر فقد استمهر من هو خير من يزيد ومن أب يزيد ومن جدّ يزيد.

١٧٤

فأمّا قولك انّ يزيد كفو من لا كفو له ، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته امارته فى الكفاة شيئا ، وامّا قولك بوجهه يستسقى الغمام فانّما كان ذلك بوجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّا قولك من يغبطنا به أكثر ممّن يغبط بنا ، فانّما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل.

ثمّ قال بعد كلام فاشهدوا جميعا انّى قد زوّجت أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر ، من ابن عمّها القسم بن محمّد بن جعفر ، على أربعمائة وثمانين درهما وقد نحلتها ضيعتى بالمدينة أو قال أرضى بالعتيق وانّ عليها فى السنة ثمانية آلاف دينار ، ففيها لهما غنى إن شاء الله ، قال فتغير وجه مروان وقال : اغدوا يا بنى هاشم تأبون إلّا العداوة (١).

٣ ـ قال ابن أبى الحديد : أمّا مروان فأخبث عقيدة ، وأعظم الحادا وكفرا ؛ وهو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسين عليه‌السلام إلى المدينة ؛ وهو يومئذ أميرها وقد حمل الرأس على يديه فقال :

يا حبّذا بردك فى اليدين

وحمرة تجرى على الخدّين

كأنّما بتّ بمحشدين

ثمّ رمى بالرأس نحو قبر النبيّ ، قال : يا محمّد ، يوم بيوم بدر ، وهذا القول مشتق من الشعر الّذي تمثّل به يزيد بن معاوية وهو شعر ابن الزبعرى يوم وصل الرأس إليه (٢).

٤ ـ عنه قال : روى المدائنى ، عن جويرية بن أسماء قال : لما مات الحسن عليه‌السلام أخرجوا جنازته ، فحمل مروان بن الحكم سريره ، فقال له الحسين عليه‌السلام : تحمل اليوم جنازته وكنت بالامس تجرّعه الغيظ؟ قال : مروان : نعم ؛ كنت أفعل ذلك بمن

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١٧١.

(٢) شرح النهج : ٤ / ٧١.

١٧٥

يوازن حمله الجبال (١).

٥ ـ عنه روى المدائنى عن يحيى بن زكريّا ، عن هشام بن عروة ، قال : قال الحسن ، عند وفاته : ادفنوني عند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الّا أن تخافوا أن يكون فى ذلك شرّ ، فلمّا أرادوا دفنه ، قال مروان بن الحكم : يدفن عثمان فى حشّ كوكب ، ويدفن الحسن هاهنا ، فاجتمع بنو هاشم وبنو اميّة ، وأعان هؤلاء قوم وهؤلاء قوم وجاءوا بالسلاح.

فقال أبو هريرة لمروان : أتمنع الحسن أن يدفن فى هذا الموضع ، وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة قال مروان : دعنا منك ، لقد ضاع حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ كان لا يحفظه غيرك وغير أبى سعيد الخدرى وإنّما أسلمت أيّام خيبر.

قال أبو هريرة : صدقت ، أسلمت أيّام خيبر ، ولكنّنى لزمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم أكن أفارقه وكنت أسأله ، وعنيت بذلك حتّى علمت من أحبّ ومن أبغض ، ومن قرّب ومن أقرّ ومن نفى ، ومن لعن ومن دعا له.

فلمّا رأت عائشة السلاح والرجال ، وخافت أن يعظم الشرّ بينهم ، وتسفك الدماء قالت : البيت بيتى ، ولا آذن لأحد أن يدفن فيه ، وأبى الحسين عليه‌السلام أن يدفنه الّا مع جدّه ، فقال له محمّد بن الحنفيّة : يا أخى ، إنّه لو أوصى أن يدفنه لدفنّاه أو نموت قبل ذلك ، ولكنّه قد استثنى ، قال : إلّا أن تخافوا الشرّ ، فأىّ شرّ يرى أشدّ ممّا نحن فيه فدفنوه فى البقيع (٢).

٥ ـ عنه قال أبو الفرج : وقال جويرية بن أسماء : لما مات الحسن واخرجوا جنازته جاء مروان حتّى دخل تحته فحمل سريره ، فقال له الحسين عليه‌السلام : أتحمل

__________________

(١) شرح النهج : ٤ / ٧١.

(٢) شرح النهج : ١٦ / ١٣.

١٧٦

اليوم سريره وبالأمس كنت تجرّعه الغيظ! قال مروان : كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال (١).

٦ ـ العياشى باسناده : عن داود بن فرقد عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : دخل مروان بن الحكم المدينة قال : فاستلقى على السرير وثمّ مولى للحسين ؛ فقال : (رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) قال : فقال الحسين لمولاه : ما ذا قال هذا حين دخل؟ قال استلقى على السرير فقرأ (رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ) إلى قوله (الْحاسِبِينَ) قال: فقال الحسين عليه‌السلام نعم والله رددت أنا وأصحابى إلى الجنّة ، وردّ هو وأصحابه الى النار(٢).

٢١ ـ باب ما جرى بينه عليه‌السلام والوليد

١ ـ قال ابن أبى الحديد : قال الزبير : وحدّثنى محمّد بن حسن ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادى الليثى ، أنّ محمّد بن الحارث أخبره ، قال : كان بين الحسين بن على عليهما‌السلام وبين الوليد بن عتبة بن أبى سفيان كلام فى مال كان بينهما بذى المروة والوليد يومئذ أمير المدينة فى أيّام معاوية.

فقال الحسين عليه‌السلام : أيستطيل الوليد علىّ بسلطانه! أقسم بالله لينصفنّى من حقّى أو لآخذنّ سيفى ، ثمّ أقوم فى مسجد الله فادعو بحلف الفضول! فبلغت كلمته عبد الله بن الزبير ، فقال أحلف بالله لئن دعا به لآخذنّ سيفى ، ثمّ لأقومنّ معه حتّى ينتصف أو نموت جميعا.

__________________

(١) شرح النهج ١٦ / ١٥.

(٢) تفسير العياشى : ١ / ٣٦٢.

١٧٧

فبلغ المسور بن مخرمة بن نوفل الزهرى ، فقال مثل ذلك ، فبلغ عبد الرحمن ابن عثمان بن عبيد الله التيمىّ ، فقال مثل ذلك ، فبلغ ذلك الوليد بن عتبة ، فأنصف الحسين عليه‌السلام من نفسه حتّى رضى (١)

٣٠ ـ باب الاخبار عن شهادته عليه‌السلام

١ ـ الحميرى ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه قال مرّ علىّ بكربلاء فى اثنين بأصحابه ، قال فلمّا مرّ بها ، ترقرقت عيناه ، للبكاء ، ثمّ قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملقى رحالهم ، هاهنا تهراق دمائهم ، طوبى لك من تربة عليك تهراق دماء الاحبّة (٢).

٢ ـ الصفّار حدّثنا سلام ابن أبى عمرة الخراسانى ، عن أبان بن تغلب ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام عن أبيه انّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد أن يحيى حياتي ويموت مماتى ، ويدخل جنّة ربّى جنّة عدن غرسه ربّى ، فليتولّ علىّ بن أبى طالب.

وليعاد عدوّه ، وليأتمّ بالاوصياء من بعده ، فانّهم ائمّة الهدى ، من بعدى أعطاهم الله فهمى ، وعلمى ، وهم عترتى من لحمى ، ودمى ، الى الله اشكو من امّتى ، المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم ، صلتى ، وأيم الله ليقتلنّ ابنى يعنى الحسين لا أنالهم الله شفاعتى(٣).

٣ ـ عنه حدّثنا عبد الله بن محمّد بن الحسن بن محبوب ، عن أبى حمزة ، عن

__________________

(١) شرح النهج : ١٥ / ٢٢٦.

(٢) قرب الاسناد : ١٤.

(٣) بصائر الدرجات : ٥٢.

١٧٨

سويد بن غفلة قال : أنا عند أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، جئتك من وادى القرى وقد مات خالد بن عرفطة ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : انّه لم يمت فأعادها عليه ، فقال له على عليه‌السلام لم يمت والذي نفسى بيده لا يموت فأعادها عليه الثالثة.

فقال سبحان الله : أخبرك انّه مات وتقول لم يمت ، فقال له علىّ عليه‌السلام : لم يمت والّذي نفسى بيده لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة يحمل رأيته حبيب بن جمّاز قال فسمع بذلك حبيب فأتى أمير المؤمنين فقال : أناشدك فىّ وأنا لك شيعة وقد ذكرتنى بأمر والله ما أعرفه من نفسى.

فقال له علىّ عليه‌السلام : ان كنت حبيب بن جمّاز فتحملها فولّى حبيب بن جمّاز وقال : ان كنت حبيب بن جمّاز لتحملنّها ، قال أبو حمزة فو الله ما مات حتّى بعث عمر بن سعد الى الحسين بن على عليهما‌السلام وجعل خالد بن عرفه على مقدّمته وحبيب صاحب رايته (١).

٤ ـ فرات قال : حدّثنى محمّد بن زيد الثقفى حدّثنا أبو يعرب بن أبى مسعود الاصفهانى ، قال : حدثنا جعفر بن أحمد ، قال : حدّثنا الحسن بن إسماعيل ، عن علىّ بن محمّد الكوفى ، عن موسى بن عبد الله الموصلى ، عن أبى نزار عن حذيفة اليمان ، قال : دخلت عائشة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقبّل فاطمة فقالت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتقبلها وهى ذات بعل.

فقال لها والله لو عرفت ودّى لها لازددت ودّا لها انّه لما عرج بى الى السماء الرابعة أذن جبرئيل وأقام ميكائيل ، ثمّ قال لى أذن قلت أؤذن وأنت حاضر : فقال : نعم ، انّ الله تعالى فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقرّبين وفضّلت أنت خاصّة

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٢٩٨.

١٧٩

يا محمّد فدنوت ، فصلّيت بأهل السماء الرابعة.

فلمّا صرت الى السماء السادسة اذا أنا بملك من نور على سرير من نور ، وحوله صفّ من الملائكة فسلمت عليه فردّ علىّ السلام وهو متّكئ فأوحى الله إليه أيها الملك سلّم عليك حبيبى وخيرة خلقى ، فرددت عليه‌السلام وأنت متّكأ فو عزتى وجلالى لتقومنّ ولتسلمنّ عليه ولا تقعد الى يوم القيمة ، فقام الملك وعانقنى ثمّ قال ما أكرمك على ربّ العالمين.

فلما صرت الى الحجب نوديت آمن الرسول بما انزل إليه من ربّه ، فاجبت وقلت : والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ثمّ أخذ جبرئيل بيدى فأدخلنى الجنّة وأنا مسرور ، فاذا شجرة نور مكللة بالنور وفى أصلها ملكان يطويان الحلّي والحلل الى يوم القيمة ثمّ تقدّمت أمامى فاذا أنا بتفاح لم أر تفاحا هو أعظم منه فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت على منها حوراء كأن أجنحتها مقاديم اجنحة النسور.

فقلت : لمن أنت فبكت وقالت لابن بنتك المقتول الحسين بن على بن أبى طالب عليه‌السلام ، ثمّ قدّمت أمامى فاذا أنا برطب ألين من الزبد وأحلى من العسل ، فاخذت رطبة وأكلتها وانا اشتهيها فتحولت الرطبة نطفة فى صلبى فلمّا هبطت الى الارض واقعت خديجة فحملت فاطمة الحوراء الانسيّة فاذا اشتقت الى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتى فاطمة عليها‌السلام (١).

٥ ـ فرات ، قال : حدّثنى جعفر بن محمّد الفزارى ، معنعنا ، عن أبى عبد الله ، قال: كان الحسين عليه‌السلام مع أمه تحمله فاخذه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : لعن الله قاتلك ولعن الله سالبك وهلك الله المتوازرين عليك ، وحكم الله بينى وبين من أعان عليك ،

__________________

(١) تفسير فرات : ١٠

١٨٠