مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

له : أين تريد يا ابن رسول الله؟ قال : أريد هذا المصر فعرّفه بقتل مسلم ، وما كان من خبره ، ثمّ قال : ارجع فانّى لم أدع خلفى خيرا أرجوه لك فهمّ بالرجوع ، فقال له اخوة مسلم : والله لا نرجع حتّى نصيب ثارنا أو نقتل كلّنا ، فقال الحسين : لا خير فى الحياة بعدكم (١).

١٠ ـ قال الطبرى : حدّثت عن هشام ، عن أبى مخنف ، قال : حدّثنى أبو جناب ، عن عدىّ بن حرملة ، عن عبد الله بن سليم ، والمذرى بن المشمعل الأسديين ، قالا : أقبل الحسين عليه‌السلام حتّى نزل شراف فلمّا كان فى السحر أمر فتيانه ، فاستقوا من الماء ، فاكثروا ، ثمّ ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتّى انتصف النهار ، ثمّ انّ رجلا قال : الله أكبر! فقال الحسين : الله أكبر ما كبّرت قال : رأيت النخل ، فقال له الاسديان : إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قطّ قالا : فقال لنا الحسين فما تريانه قلنا : نراه هوادى الخيل فقال : وأنا والله رأى ذلك.

فقال الحسين : أما لنا ملجأ نلجأ إليه ، نجعله فى ظهورنا ، ونستقبل القوم من وجه واحد؟ فقلنا له : بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فان سبقت القوم إليه فهو كما تريد ، قالا فأخذ إليه ذات اليسار ، قالا : وصلنا معه ، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادى الخيل ، فتبيّناها وعدنا ، فلمّا رأونا وقد عدلنا عن الطريق ، عدلوا إلينا كأن أسنّتهم اليعاسيب وكأنّ راياتهم أجنحته الطير قال : فاستبقنا الى ذى حسم ، فسبقناهم إليه.

فنزل الحسين فأمر بأبنيته فضربت وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمى اليربوعى ، حتى وقف هو وخيله ، مقابل الحسين فى حرّ الظهيرة والحسين وأصحابه معتمّون متقلّد وأسيافهم ، فقال الحسين لفتيانه : اسقوا القوم ،

__________________

(١) مروج الذهب : ٣ / ٧٠.

٤٨١

وأرووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتّى أرووهم وأقبلوا يملئون القصاع ، والاتوار ، والطساس من الماء ، ثمّ يدنونها من الفرس فاذا عبّ فيه ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه ، وسقوا آخر حتّى سقوا الخيل كلّها(١).

١١ ـ عنه قال هشام : حدّثنى لقيط ، عن علىّ بن الطعان المحاربى ، قال كنت مع الحرّ بن يزيد ، فجئت فى آخر من جاء من أصحابه فلمّا رأى الحسين ما بي وبفرسى من العطش ، قال : أنخ الراوية ـ والراوية عندى السقاء ـ ثمّ قال : يا ابن أخ أنخ الجمل فأنخته ، فقال : اشرب فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء ، فقال الحسين : اخنث السقاء ـ اى أعطفه ـ قال : فجعلت لا أدرى كيف افعل؟ قال : فقام الحسين فخنثه فشربت وسقيت فرسى.

قال : وكان مجيء الحرّ بن يزيد ومسيره الى الحسين من القادسيّة وذلك ، أنّ عبيد الله بن زياد لمّا بلغه اقبال الحسين بعث الحصين بن تميم التميمى ـ وكان على شرطه ـ فأمره أن ينزل القادسية وأن يصنع المسالح فينظم ما بين القطقطانة إلى خفّان ، وقدم الحرّ بن يزيد بين يديه فى هذه الالف من القادسيّة فيستقبل حسينا ، قال : فلم يزل موافقا حسينا حتّى حضرت الصلاة صلاة الظهر.

فأمر الحسين الحجّاج بن مسروق الجعفى ، أن يؤذّن ، فأذّن ، فلمّا حضرت الاقامة خرج الحسين فى ازار ورداء ، ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها الناس انها معذرة الى الله عزوجل وإليكم انّى لم آتكم حتّى أتتنى كتبكم وقدمت علىّ رسلكم ، أن أقدم علينا فانّه ليس لنا امام لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى ، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم ، وان لم تفعلوا وكنتم لمقدمى كارهين انصرفت عنكم الى

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٠.

٤٨٢

المكان الذي أقبلت منه إليكم ، قال : فسكتوا عنه وقالوا للمؤذّن : أقم فأقام الصلاة.

فقال الحسين عليه‌السلام للحرّ أتريد أن تصلّى بأصحابك؟ قال : لا بل تصلّى أنت ونصلّى بصلاتك ، قال : فصلّى بهم الحسين ، ثمّ انه دخل واجتمع إليه أصحابه ، وانصرف الحرّ الى مكانه الّذي كانوا فيه ، فأعادوه ، ثمّ أخذ كلّ رجل منهم ، بعنان دابّته وجلس فى ظلّها فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيئوا للرحيل.

ثمّ انّه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين فصلّى بالقوم ثمّ سلّم ، وانصرف الى القوم بوجهه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد أيّها النّاس فانّكم ان تتقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الامر عليكم ، من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، وان كنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا ، وكان رأيكم غير ما أتتنى كتبكم ، وقدمت به علىّ رسلكم انصرفت عنكم ، فقال له الحرّ بن يزيد ، انّا والله ما ندرى ما هذه الكتب التي تذكر.

فقال الحسين : يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللّذين فيهما كتبهم الىّ فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنشرها بين أيديهم ، فقال الحرّ : فانا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألّا نفارقك حتّى نقدمك على عبيد الله بن زياد ، فقال له الحسين : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لأصحابه : قوموا فاركبوا وانتظروا حتّى ركبت نساؤهم فقال لأصحابه : انصرفوا بنا فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف.

فقال الحسين للحرّ : ثكلتك امّك ما تريد؟ قال : أما والله لو غيرك من العرب يقولها لى وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ، ما ترك ذكر أمّه بالثكل ، أن أقوله كائنا من كان ، ولكن والله ما لي فى ذكر امّك من سبيل الّا بأحسن ما يقدر عليه ، فقال له الحسين فما تريد؟ قال الحرّ : أريد والله أن أنطلق بك الى عبيد الله بن زياد

٤٨٣

قال له الحسين اذن والله لا أتّبعك ، فقال له الحرّ : اذن والله لا أدعك فترادّا القول ثلاث مرّات.

ولمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّ : إنّى لم أو مر بقتالك وإنمّا أمرت ألّا أفارقك حتّى أقدمك الكوفة فاذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى المدينة ، تكون بينى وبينك ، نصفا حتّى أكتب الى ابن زياد ، وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية أردت أن تكتب إليه أو الى عبيد الله بن زياد إن شئت فلعلّ الله إلى ذلك أن يأتى بأمر يرزقنى فيه العافية ، من أن ابتلى بشيء من أمرك ، قال : فخذها هنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسيّة ، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا ، ثمّ انّ الحسين سار فى أصحابه والحرّ يسايره (١).

١٢ ـ عنه قال أبو مخنف : عن عقبة بن أبى العيزار ، انّ الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحرّ بالبيضة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها النّاس انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رأى سلطانا جائرا مستحلّا لحرم الله ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنة رسول الله ، يعمل فى عباد الله بالاثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقّا على الله أن يدخله مدخله.

ألا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفىء وأحلّوا حرام الله ، وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غيّر قد أتتنى كتبكم وقدمت علىّ رسلكم ببيعتكم ، أنّكم لا تسلمونى ولا تخذلونى ، فان تمّمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن على وابن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

نفسى مع أنفسكم وأهلى مع أهليكم فلكم فى أسوة وان لم تفعلوا ونقضتم

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠١.

٤٨٤

عهدكم ، وخلعتم بيعتى من أعناقكم ، فلعمرى ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبى وأخى وابن عمّى مسلم والمغرور من اغترّ بكم فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيعتم ، ومن نكث فانّما ينكث على نفسه ، وسيغنى الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (١).

١٣ ـ عنه قال عقبة بن أبى العيزار ، قام حسين عليه‌السلام بذى حسم ، فحمد الله واثنى عليه ، ثمّ قال : إنّه قد نزل من الامر ما قد ترون وانّ الدنيا قد تغيّرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرّت جدّا ، فلم يبق منها الّا صبابة كصبابة الاناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا يعمل به ، وأنّ الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن فى لقائه الله محقّا فانّى لا أرى الموت إلّا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا برما.

قال : فقام زهير بن القين البجلى فقال لأصحابه : تكلّمون أم أتكلّم قالوا لا بل تلكم ، فحمد الله فأثنى عليه ثمّ قال : قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك والله لو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنّا فيها مخلّدين ، إلّا أن فراقها فى نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الاقامة فيها.

قال : فدعا له الحسين ، ثمّ قال له خيرا وأقبل الحرّ يسايره وهو يقول له : يا حسين إنّى أذكرك الله فى نفسك ، فانّى أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ولئن قوتلت لتهلكنّ فيما أرى فقال له الحسين : أفبالموت تخوّفنى وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلونى؟ ما أدرى ما أقول لك ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه ، ولقيه وهو يريد نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : أين تذهب؟ فانّك مقتول فقال :

سأمضى وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٣.

٤٨٥

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا يغش ويرغما

قال فلمّا سمع ذلك منه الحرّ تنحّى عنه ، وكان يسير بأصحابه فى ناحية وحسين فى ناحية اخرى حتّى انتهوا إلى عذيب الهجانات ، وكان بها هجائن النعمان ، ترعى هناك ، فاذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم ، يجنبون فرسا لنافع بن هلال ، يقال له الكامل ومعهم دليلهم الطرّماح بن عدى على فرسه وهو يقول :

يا ناقتى لا تذعرى من زجرى

وشمرى قبل طلوع الفجر

بخير ركبان وخير سفر

حتّى تحلى بكريم النجر

الماجد الحرّ رحيب الصدر

أتى به الله لخير أمر

ثمّت أبقاه بقاء الدهر

قال : فلمّا انتهوا إلى الحسين أنشدوه هذه الأبيات ، فقال : أما والله انّى لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا قتلنا أم ظفرنا ، قال : وأقبل إليهم الحرّ بن يزيد ، فقال : إن هؤلاء النفر الّذين من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادّهم ، فقال له الحسين : لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسى ، إنّما هؤلاء أنصارى وأعوانى وقد كنت أعطيتنى ألّا تعارض لى بشيء حتّى يأتيك كتاب من ابن زياد.

فقال : أجل لكن لم يأتوا معك قال : هم أصحابى وهم بمنزلة من جاء معى ، فان تممت على ما كان بينى وبينك وإلا ناجزتك ، قال : فكفّ عنهم الحرّ قال : ثمّ قال لهم الحسين : أخبرونى خبر الناس وراءكم ، فقال له مجمع بن عبد الله العائذى ، وهو أحد النفر الأربعة الذين جاءوه : أمّا أشراف الناس ، فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائزهم يستمال ودّهم ويستخلص به نصيحتهم فهم ألب واحد عليك ، وأمّا سائر الناس بعد ، فان أفئدتهم تهوى إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك.

قال : أخبرونى فهل لكم برسولى إليكم؟ قالوا : من هو؟ قال : قيس بن مسهر

٤٨٦

الصيداوى ، فقالوا : نعم أخذه الحصين بن تميم ، فبعث به إلى ابن زياد ، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك فصلّى عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد ، وأباه ودعا إلى نصرتك ، وأخبرهم بقدومك ، فأمر به ابن زياد فألقى من طمار القصر ، فترقرقت عينا حسين عليه‌السلام ولم يملك دمعه ثمّ قال : منهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا ، اللهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة نزلا واجمع بيننا وبينهم فى مستقرّ من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك (١).

٣٨ ـ باب نزوله عليه‌السلام بكربلاء

١ ـ قال الصدوق : ثمّ صار حتّى نزل كربلا ، فقال : أىّ موضع هذا فقيل كربلا يا ابن رسول الله ، فقال : هذا والله يوم كرب وبلاء ، وهذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا ويباح فيه حريمنا (٢).

٢ ـ قال المفيد : فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة ثمّ عجّل الركوب فاخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم فيأتيه الحرّ بن يزيد ، فيردّه وأصحابه فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتّى انتهوا الى نينوى المكان الّذي نزل به الحسين عليه‌السلام فاذا راكب على نجيب له عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ وأصحابه ولم يسلّم على الحسين وأصحابه ودفع الى الحرّ كتاب من عبيد الله بن زياد ، فاذا فيه.

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٣.

(٢) أمالى الصدوق : ٩٤.

٤٨٧

أمّا بعد فجعجع بالحسين عليه‌السلام حين يبلغك كتابى ، ويقدم عليك رسولى ، ولا تنزله إلّا بالعراء فى غير خضر وعلى غير ماء ، فقد أمرت رسولى أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتينى بانفاذك أمرى والسلام فلمّا قرء الكتاب قال لهم الحرّ هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرنى أن أجعجع بكم فى المكان الّذي يأتى كتابه ، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقنى حتّى أنفذ أمره فيكم.

فنظر يزيد بن المهاجر الكندى ، وكان مع الحسين عليه‌السلام ، الى رسول ابن زياد فعرفه فقال له يزيد ثكلتك امّك ما ذا جئت فيه قال : اطعت امامى ووفّيت ببيعتى ، فقال له ابن المهاجر عصيت ربّك واطعت امامك فى هلاك نفسك وكسبت العار والنار ، وبئس الامام إمامك قال الله تعالى (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) فامامك منهم ، وأخذهم الحرّ بالنزول فى ذلك المكان على غير ماء ولا فى قرية.

فقال له الحسين عليه‌السلام : دعنا ويحك ننزل فى هذه القرية ، وهذه يعنى نينوى والغاضريّة أو هذه يعنى شفيّة قال : والله لا استطيع ذلك هذا رجل قد بعث الىّ عينا علىّ ، فقال زهير بن القين إنّى والله ما أراه يكون بعد الّذي ترون إلّا أشدّ ممّا ترون يا ابن رسول الله ، إنّ قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمرى ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به.

فقال الحسين عليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال ، ثمّ نزل وذلك يوم الخميس وهو الثانى من المحرّم ، سنة إحدى وستّين (١).

٣ ـ قال ابن شهرآشوب : فساقوا إلى كربلا يوم الخميس ، الثانى من المحرّم سنة إحدى وستّين ، ثمّ نزل وقال هذا موضع الكرب والبلاء هذا مناخ ركابنا و

__________________

(١) الارشاد : ٢٠٩ واعلام الورى : ٢٣٠.

٤٨٨

محطّ رحالنا ، ومقتل رجالنا ، وسفك دماءنا ، ثمّ أقبل عمر بن سعد فى أربعة آلاف حتّى نزل بالحسين عليه‌السلام ، وبعث من غده قرة بن قيس الحنظلى يسأله ما الّذي جاء به ، فلمّا بلّغ رسالته ، قال الحسين كتب الىّ أهل مصركم أن أقدم ، فأمّا إذا كرهتمونى ، فأنا أنصرف عنكم فلمّا سمع عمر جوابه كتب إلى ابن زياد بذلك فلمّا رأى ابن زياد كتابه قال : الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص (١).

٤ ـ قال ابن طاوس : ثمّ إنّ الحسين عليه‌السلام ، قام وركب وسار وكلّما أراد المسير ، يمنعونه تارة ويسايرونه أخرى حتّى بلغ كربلاء ، وكان ذلك فى اليوم الثانى من المحرّم فلمّا وصلها قال : ما اسم هذه الارض فقيل كربلا فقال عليه‌السلام : اللهمّ إنّى أعوذ بك من الكرب والبلاء ، ثمّ قال هذا موضع كرب وبلاء انزلوا ، هاهنا محطّ رحالنا ، ومسفك دمائنا ، وهنا محلّ قبورنا ، بهذا حدثني جدّى رسول إله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلوا جميعا ونزل الحرّ وأصحابه ناحية وجلس الحسين عليه‌السلام يصلح سيفه ويقول :

يا دهر اف لك من خليل

كم لك بالاشراق والأصيل

من طالب وصاحب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل

وكلّ حىّ سالك سبيل

ما اقرب الوعد من الرحيل

وإنّما الأمر إلى الجليل

قال الراوى : فسمعت زينب بنت فاطمة عليها‌السلام ، ذلك ، فقالت يا أخى هذا كلام من أيقن بالقتل ، فقال عليه‌السلام : نعم يا اختاه فقالت زينب : وا ثكلاه ينعى الحسين عليه‌السلام إلى نفسه ، قال : وبكى النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب ، وجعلت أمّ كلثوم تنادى وا محمّداه وا عليّاه وا أماه وأخاه وا حسيناه وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله قال : فعزّاها الحسين عليه‌السلام وقال لها يا أختاه تعزى بعزاء الله.

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢١٤.

٤٨٩

فان سكان السموات يفنون وأهل الأرض كلّهم يموتون وجميع البرية يهلكون ، ثمّ قال يا أختاه يا أمّ كلثوم وأنت يا زينب وأنت يا فاطمة وأنت يا رباب انظر إذا أنا قتلت فلا تشققنّ عليه جيبا ، ولا تخمشنّ عليه وجها ، ولا تقلن هجوا (١).

٥ ـ عنه روى من طريق آخر ان زينب لمّا سمعت مضمون الأبيات وكانت فى موضع آخر ، منفردة مع النساء والبنات خرجت حاسرة تجرّ ثوبها ، حتّى وقفت عليه وقالت وا ثكلاه ليت الموت أعدمنى الحيات اليوم ماتت أمّى فاطمة وأبى علىّ وأخى الحسن ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين ، فنظر إليها الحسين عليه‌السلام.

فقال يا اختاه لا يذهبنّ بحلمك الشيطان ، فقالت بأبى وأمّى ستقتل ، نفسى لك الفداء فردّت غصته وترقرقت عيناه بالدموع ، ثمّ قال : لو ترك القطا ليلا لنام ، فقالت يا ويلتاه فتغتصب نفسك اغتصابا ، فذلك أقرح لقلبى وأشدّ على نفسى ، ثمّ اهوت الى جيبها فشقته ، وخرّت مغشية عليها ، فقام فصبّ عليها الماء ، حتّى افاقت ثمّ عزاها صلوات الله عليها بجهده وذكرها المصيبة بموت أبيه وجدّه صلوات الله عليهم أجمعين.

وممّا يمكن أن يكون سببا لحمل الحسين عليه‌السلام لحرمه وعياله أنّه لو تركهنّ عليه‌السلام بالحجاز أو غيرها من البلاد كان يزيد بن معاوية عليه لعائن الله قد أنفذ ليأخذهنّ إليه وصنع بهنّ من الاستيصال وسيئ الأعمال ما يمنع الحسين عليه‌السلام من الجهاد والشهادة ويمتنع عليه‌السلام بأخذ يزيد بن معاويه لهنّ عن مقامات السعادة (٢).

٦ ـ قال الدينورى : وسار الحسين عليه‌السلام من قصر بنى مقاتل ، ومعه الحرّ بن يزيد ، كلّما أراد أن يميل نحو البادية منعه ، حتّى انتهى الى المكان الذي يسمّى

__________________

(١) اللهوف : ٣٥.

(٢) اللهوف : ٣٦.

٤٩٠

«كربلاء» فمال قليلا متيامنا حتّى انتهى الى «نينوى» فاذا هو براكب على نجيب مقبل من القوم ، فوقفوا جميعا ينتظرونه ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ ولم يسلّم على الحسين ، ثمّ ناول الحرّ كتابا من عبيد الله بن زياد ، فقرأ فاذا فيه : أمّا بعد فجعجع بالحسين بن على ، وأصحابه بالمكان الذي يوافيك كتابى ، ولا تحلّه إلّا بالعراء على غير خمر ولا ماء وقد أمرت حامل كتابى هذا أن يخبرنى بما كان منك فى ذلك والسلام.

فقرأ الحرّ الكتاب ثمّ ناوله الحسين ، وقال : لا بدّ من إنفاذ أمر الأمير ، عبيد الله ابن زياد ، فانزل بهذا المكان ولا تجعل للأمير علىّ علّة ، فقال الحسين عليه‌السلام «تقدّم بنا قليلا الى هذه القرية التي هى منا على غلوة وهى الغاضرية أو هذه الاخرى الّتي تسمّى «السبقة» فنزل فى إحداهما.

قال الحرّ : إنّ الأمير كتب إلىّ أن أحلّك على غير ماء ولا بدّ من الانهاء إلى أمره ، فقال زهير بن القين للحسين : بأبى وأمّى يا ابن رسول الله والله لو لم يأتنا غير هؤلاء لكان لنا فيهم كفاية ، فكيف بمن سيأتينا من غيرهم ، فهلمّ بنا نناجز هؤلاء فانّ قتال هؤلاء أيسر علينا من قتال من يأتينا من غيرهم ، قال الحسين عليه‌السلام فانّى أكره أن أبدأهم بقتال حتّى يبدءوا.

فقال زهير فههنا قرية بالقرب منا على شطّ الفرات وهى فى عاقول حصينة الفرات يحدق بها إلّا من وجه واحد ، قال الحسين : وما اسم تلك القرية؟ قال : العقر قال الحسين : نعوذ بالله من العقر ، فقال الحسين للحرّ : سربنا قليلا ثمّ ننزل ، فسار معه حتّى كربلاء فوقف الحرّ وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من المسير وقال : انزل بهذا المكان ، فالفرات منك قريب قال الحسين وما اسم هذا المكان؟ قالوا له : كربلاء.

قال : ذات كرب وبلاء ولقد مرّ أبى بهذا المكان عند مسيره الى صفّين ، وأنا

٤٩١

معه فوقف ، فسأل عنه فأخبر باسمه ، فقال : هاهنا محطّ ركابهم وهاهنا مهراق دما ، هم ، فسئل من ذلك فقال : ثقل لآل بيت محمّد ينزلون هاهنا.

ثمّ أمر الحسين بأثقاله ، فحطّت بذلك المكان يوم الأربعاء غرّة المحرّم من سنة إحدى وستّين وقتل بعد ذلك بعشرة أيّام وكان قتله يوم عاشورا (١).

٧ ـ قال الطبرى : فلمّا أصبح نزل فصلى الغداة ، ثمّ عجّل الركوب ، فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم ، فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّهم فيردّه ، فجعل إذا ردّهم الى الكوفة ردّا شديدا امتنعوا عليه ، فارتفعوا ، فلم يزالوا يتسايرون حتّى انتهوا إلى نينوى ؛ المكان الذي نزل به الحسين ، قال : فاذا راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكّب قوسا مقبل من الكوفة ، فوقفوا جميعا ينتظرونه.

فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ بن يزيد وأصحابه ، ولم يسلّم على الحسين عليه‌السلام وأصحابه ، فدفع الى الحرّ كتابا من عبيد الله بن زياد ، فإذا فيه : أمّا بعد ، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابى ، ويقدم عليك رسولى ، فلا تنزله إلّا بالعراء فى غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولى أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتينى بإنفاذك أمرى ، والسلام.

قال : فلمّا قرأ الكتاب ، قال لهم الحرّ : هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد ، يأمرنى فيه أن أجعجع بكم فى المكان الذي يأتينى فيه كتابه ، وهذا رسوله ، وقد أمره ، ألّا يفارقنى حتّى أنفذ رأيه وأمره ، فنظر إلى رسول عبيد الله يزيد ابن زياد بن المهاصر أبو الشعثاء الكندىّ ، ثمّ الهذلى فعنّ له ، فقال : أمالك بن النّسير البدىّ؟

قال : نعم ـ وكان أحد كندة ـ

فقال له يزيد بن زياد : ثكلتك أمك! ما ذا جئت فيه؟ قال : وما جئت فيه!

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٥١.

٤٩٢

أطعت إمامى ، ووفيت ببيعتى ، فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك ، وأطعت إمامك فى هلاك نفسك ، كسبت العار ، والنار ، قال الله عزوجل : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) ، فهو امامك. قال : وأخذ الحرّ بن يزيد القوم بالنزول فى ذلك المكان على غير ما ، ولا فى قرية.

فقالوا دعنا ننزل فى هذه القرية ، يعنون نينوى أو هذه القرية ـ يعنون الغاضرية ـ أو هذه الاخرى ـ يعنون شقيّة ـ فقال : لا والله ما أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث إلىّ عينا ، فقال له زهير بن القين : يا ابن رسول الله ، إنّ قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمرى ، ليأتينا من بعد من ترى مالا قبل لنا به.

فقال له الحسين : ما كنت لأبدأهم بالقتال فقال له زهير بن القين : سربنا إلى هذه القرية حتّى ننزلها فانّها حصينة ، وهى على شاطئ الفرات ، فان منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون علينا ، من قتال من يجىء من بعدهم ، فقال له الحسين : وأيّة قرية هى؟ قال : هى العقر ، فقال الحسين : اللهمّ إنّى أعوذ بك من العقر ، ثمّ نزل ، وذلك يوم الخميس ، وهو اليوم الثانى من المحرّم سنة إحدى وستّين (١).

٨ ـ قال ابن عبد ربه : فلقيه الجيش على خيولهم ، وقد نزلوا بكربلاء ، قال حسين: أىّ أرض هذه؟ قالوا : كربلاء ، قال : أرض كرب وبلاء ، وأحاطت بهم الخيل (٢).

٩ ـ الحافظ ابن عساكر باسناده قال : حدّثنى القاسم بن سلام ، حدّثنى حجّاج ابن محمّد ، عن أبى معشر ، عن بعض مشيخته قال : قال الحسين بن على حين نزل كربلا : ما اسم هذه الأرض؟ قالوا : كربلا. قال : كرب وبلاء (٣)

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٨.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٣٧٩.

(٣) ترجمة الامام الحسين : ٢١٩.

٤٩٣

١٠ ـ قال سبط ابن الجوزى : ثمّ سار فلقيه أوائل خيل ابن زياد ، فلمّا رأى ذلك عدل إلى كربلا ، فأسند ظهره إلى قصب وحلف الا يقاتل الّا من وجه واحد ، فنزل وضرب ابنيته وكان فى خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل (١).

٣٨ ـ باب اجتماع الجيوش حول الحسين عليه‌السلام

١ ـ قال الصدوق : فأقبل عبيد الله بن زياد بعسكره حتّى عسكر بالنخيلة ، وبعث إلى الحسين عليه‌السلام رجلا يقال له عمر بن سعد فى أربعة آلاف فارس وأقبل عبد الله بن الحصين التميمى فى ألف فارس ، يتبعه شبث بن ربعى فى ألف فارس ، ومحمّد ابن الاشعث بن قيس الكندى ، أيضا فى ألف فارس ، وكتب لعمر بن سعد على الناس وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه (٢).

٢ ـ قال المفيد : فلمّا كان من الغد ، قدم عليهم عمر ابن سعد بن أبى وقّاص من الكوفة ، فى أربعة آلاف فارس فنزل بنينوى ، فبعث الى الحسين عليه‌السلام ، عروة بن قيس الأحمسى ، فقال له ائته فسله ما الذي جاء بك ، وما ذا تريد ، وكان عروة ممّن كتب الى الحسين عليه‌السلام ، فاستحيى منه أن يأتيه ، فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه ، فكلّهم أبى ذلك ، وكرهه ، فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبى ، وكان فارسا شجاعا لا يردّ وجهه شيء.

فقال له أنا أذهب إليه ، وو الله لئن شئت لأفتكنّ به ، فقال له عمر ما اريد ان تفتك به ، ولكن ائته ، فسله ما الّذي جاء به فأقبل كثير إليه فلمّا رآه أبو ثمامة

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٤٥.

(٢) أمالى الصدوق : ٩٤.

٤٩٤

الصّائدى ، قال للحسين عليه‌السلام : أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شرّ أهل الارض وأجرأهم على دم وأفتكهم ، وقام إليه ، فقال له : ضع سيفك قال لا والله ولا كرامة إنّما أنا رسول ، فان سمعتم منّى بلّغتكم ما أرسلت به إليكم وإن أبيتم انصرفت عنكم.

قال فانّى آخذ بقائم سيفك ، ثمّ تكلّم بحاجتك ، قال لا والله لا تمسّه ، فقال له أخبرنى بما جئت به وأنا أبلّغه عنك ، ولا أدعك تدنو منه ، فانّك فاجر فاستبّا ، وانصرف الى عمر بن سعد ، فاخبره الخبر ، فدعى عمر قرّة بن قيس الحنظلى ، فقال له ويحك يا قرّة الق حسينا فسله ما جاء به وما ذا يريد ، فأتاه قرّة ، فلمّا رآه الحسين عليه‌السلام مقبلا.

قال : أتعرفون هذا فقال له حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من حنظلة تميم وهو ابن اختنا. وقد كنت أعرفه بحسن الرأى ، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد ، فجاء حتّى سلّم على الحسين عليه‌السلام ، وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه ، فقال له الحسين عليه‌السلام كتب علىّ أهل مصركم ، هذا أن أقدم فامّا إذا كرهتمونى فانا أنصرف عنكم ، ثمّ قال له حبيب بن مظاهر ويحك يا قرّة أين ترجع إلى القوم الظّالمين انصر هذا الرّجل الّذي بآبائه ايّدك الله بالكرامة.

فقال له قرّة أرجع الى صاحبى بجواب رسالته وأرى رأيى ، فانصرف إلى عمر بن سعد ، فأخبره الخبر ، فقال عمر أرجو أن يعافينى الله من حربه وقناله وكتب الى عبيد الله بن زياد.

بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد فانّى حيث نزلت بالحسين بن علىّ بعثت إليه من رسلى ، فسألته عمّا أقدمه ، وما ذا يطلب ، فقال : كتب الىّ أهل هذه البلاد وأتتنى رسلهم ، يسألونني القدوم ، ففعلت ، فأمّا إذا كرهتمونى ، وبدا لهم غير ما أتتنى به رسلهم ، فانا منصرف عنهم ، قال حسّان بن قائد العبسى : وكنت عند عبيد الله

٤٩٥

حين أتاه هذا الكتاب ، فلمّا قرأه.

قال : الآن اذ علقت مخالبنا به يرجوا النّجاة ، ولات حين مناص وكتب الى عمر بن سعد أمّا بعد ، فقد بلغنى كتابك وفهمت ما ذكرت فاعرض على الحسين ان يبايع ليزيد ، هو وجميع أصحابه ، فاذا هو فعل ذلك رأينا رأينا ، والسلام ، فلمّا ورد الجواب على عمر بن سعد قال قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية (١).

٣ ـ قال الطبرسى : فلمّا كان من الغد قدم عمر بن أبى وقاص ، فى أربعة آلاف قارس ، فنزل نينوى فبعث الى الحسين عليه‌السلام عروة بن قيس الاحمسى ، فإنه سأله ما الذي جاء بك؟ وكان عروة ممن كتب الى الحسين عليه‌السلام ، فاستحيى منه أن يأتيه فعرض ذلك على الرؤساء فكلهم أبى ذلك لمكان أنهم كاتبوه ، فدعا عمر بن سعد ، قرة بن قيس الحنظلى ، فبعثه فجاء فسلم على الحسين عليه‌السلام ، فبلغه رسالة ابن سعد ، فقال الحسين عليه‌السلام : كتب الىّ أهل مصركم هذا أن أقدم ، فأما اذا كرهونى فأنا أنصرف عنكم

فلما سمع عمر هذه المقالة قال : أرجو أن يعافينى الله من حربه وقتاله ، وكتب الى عبيد الله بن زياد : أما بعد فانى حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولى فسألته عما أقدمه وما ذا يطلب ، فقال : كتب الىّ أهل هذه البلاد ، وأتتني رسلهم فسألونى القدوم ، فأما اذا كرهونى فانى منصرف عنهم ، فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال : الآن اذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص

كتب الى عمر بن سعد أما بعد فقد بلغنى كتابك وفهمته فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه ، فاذا هو فعل ذلك رأينا رأينا ، والسلام ، فلما ورد الجواب قال عمر بن سعد : قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية (٢)

__________________

(١) الارشاد : ٢١٠.

(٢) اعلام الورى : ٢٣١.

٤٩٦

٤ ـ قال الفتال : ثم نزل يوم الخميس وهو اليوم الثانى من المحرم سنة احدى وستين ، فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبى وقاص من الكوفة فى أربعة آلاف فارس ، فنزلت نينوى فبعث الى الحسين عليه‌السلام عروة بن قيس الاحمسى ، فقال ائته ، فاساله ما الذي جاء بك وما الذي تريد ، وكان عروة ممن كتب الى الحسين عليه‌السلام فاستحيا منه أن يأتيه ، فعرض ذلك على الرؤسا الذين كاتبوه وكلهم أبى ذلك ، وكرهه

فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبى ، وكان فارسا شجاعا لا يردّ وجهه شىء ، فقال أنا اذهب إليه والله لئن شئت لا فتكنّ به فقال عمر ما أريد ان تفتك به ، ولكن ائته فاسأله ما الذي جاء بك ، فأقبل كثير إليه ، فلما رآه أبو ثمامة الصائدى قال : أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شرّ خلق الله وأجراه على دم وأفتكه ، وقام إليه وقال له ضع سيفك ، قال لا ولا كرامة انما أنا رسول فان سمعتم منى أبلغتكم ما أرسلت به ، إليكم ، فان أبيتم انصرفت عنكم.

قال فانى آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك ، قال لا والله لا تمسه فقال له : أخبرنى ما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنوا منه فانك فاجر فأبى وانصرف الى عمر بن سعد ، فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلى ، فقال له ويحك يا قرّة ألق حسينا فسئله ما جاء به وما ذا يريد فأتا قرة فلما رآه الحسين عليه‌السلام مقبلا قال أتعرفون هذا ، فقال حبيب بن مظاهر ، نعم هذا رجل من حنظلة تميم ، وهو ابن اختنا وقد كنت أعرفه بحسن الراى وما كنت اراه يشهد هذا المشهد.

فجاء حتى سلم على الحسين عليه‌السلام ، وأبلغه رسالة عمر بن سعد ، فقال له الحسين عليه‌السلام : كتب الىّ اهل مصركم هذا أن اقدم ، وأما اذا كرهتمونى فانى أنصرف عنكم ، ثم قال له حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرة اين ترجع الى القوم الظالمين ، انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة ، فقال له قرة : أرجع الى صاحبنا

٤٩٧

بجواب رسالته فأرى رأيى ، قال فانصرف الى عمر بن سعد فاخبره الخبر.

فقال عمر أرجوان يعافينى الله من حربه وقتاله وكتب الى عبيد الله بن زياد ، لعنهم الله بسم الله الرحمن الرحيم : أما بعد فانى حيث نزلت بالحسين ، وبعثت إليه برسولى فسألته عما تقدمه وما ذا يطلب ، فقال : كتب الىّ أهل هذه البلاد ، واتتنى رسلهم ، يسألونى القدوم ففعلت ، فاما اذا كرهونى وبدا لهم غير ما أتتنى به رسلهم فانا منصرف عنهم.

قال حسان بن فائد العبسى ، وكنت عند عبيد الله حين أتاه هذا الكتاب ، فلما قرأه قال : الآن اذ علقت مخالبنا به ، يرجوا النجاة ، ولات حين مناص وكتب الى عمر بن سعد أما بعد بلغنى كتابك ، وفهمت ما ذكرت ، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد ، هو وجميع أصحابه ، فاذا هو فعل رأينا رأينا والسلام ، فلما ورد الجواب قال عمر بن سعد قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية (١).

٥ ـ قال ابن شهرآشوب : فساقوا الى كربلا يوم الخميس الثانى من المحرم سنة احدى وستين ، ثم نزل ، وقال هذا موضع الكرب والبلاء هذا مناخ ركابنا ومحطّ رحالنا ، وسفك دماءنا ، ثم أقبل عمر بن سعد فى أربعة آلاف حتى نزل بالحسين عليه‌السلام ، وبعث من غده قرة بن قيس الحنظلى يسأله ما الذي جاء به ، فلما بلغ رسالته قال الحسين عليه‌السلام كتب الىّ أهل مصركم أن أقدم ، فاما اذا كرهتمونى ، فأنا أنصرف عنكم ، فلما سمع عمر جوابه ، كتب الى ابن زياد بذلك فلما راى ابن زياد كتابه قال : الآن اذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص (٢)

٦ ـ قال ابن طاوس : قال الراوى : وندب عبيد الله بن زياد أصحابه الى قتال الحسين عليه‌السلام ، فاتّبعوه واستخف قومه فأطاعوه واشترى من عمر بن سعد

__________________

(١) روضة الواعظين : ١٥٥.

(٢) المناقب : ٢ / ٢١٤.

٤٩٨

آخرته بدنياه ودعاه الى ولاية الحرب فلبّاه وخرج لقتال الحسين عليه‌السلام ، فى أربعة آلاف فارس ، وأتبعه ابن زياد بالعساكر ، لعنهم الله حتّى تكملت عنده إلى ستّ ليال خلون من محرم عشرون ألف فارس فضيّقوا على الحسين عليه‌السلام حتّى نال منه العطش ومن أصحابه.

فقام عليه‌السلام واتكى على قائم سيفه ونادى بأعلى صوته ، فقال : انشدكم الله هل تعرفوننى؟ قالوا نعم ، أنت ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسبطه قال : أنشدكم الله هل تعلمون انّ جدّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا اللهمّ نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن أبى علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام قالوا اللهمّ ، نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون أن امّى فاطمة الزهراء بنت محمّد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله قالوا اللهمّ نعم.

قال أنشدكم الله هل تعلمون أنّ جدّتى خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الامّة إسلاما قالوا : اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون أنّ حمزة سيّد الشهداء عمّ أبى قالوا : اللهمّ نعم ، قال أنشدكم الله هل تعلمون أنّ جعفر الطيّار فى الجنّة عمّى قالوا : اللهمّ نعم ، قال أنشدكم الله هل تعلمون انّ هذا سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا متقلّده ، قالوا : اللهمّ نعم ، قال أنشدكم الله هل تعلمون ان هذه عمامة رسول الله أنا لابسها قالوا : اللهمّ نعم.

قال أنشدكم الله هل تعلمون انّ عليّا عليه‌السلام كان أوّل القوم إسلاما ، وأعلمهم علما ، وأعظمهم حلما ، وانّه ولىّ كلّ مؤمن ومؤمنة قالوا اللهمّ نعم قال فيم تستحلّون دمى وأبى صلوات الله عليه الذائد ، عن الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ولواء الحمد فى يد أبى يوم القيامة.

قالوا قد علمنا ذلك كلّه ونحن غيرتا ركيك حتّى تذوق الموت عطشا ، فلمّا خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن ، وارتفعت أصواتهنّ فوجه إليهنّ أخاه العبّاس وعليا ابنه وقال لهما اسكتاهنّ فلعمرى

٤٩٩

ليكثرنّ بكائهنّ (١).

٧ ـ قال أبو الفرج : وكان عبيد الله بن زياد ـ لعنه الله ـ قد ولى عمر بن سعد الرى ، فلمّا بلغه الخبر وجّه إليه ان سر الى الحسين أوّلا فاقتله ، فاذا قتلته رجعت ومضيت الى الرى ، فقال له : اعفنى أيّها الأمير ، قال : قد أعفيتك من ذلك ومن الرى قال : اتركنى أنظر فى أمرى ، فتركه فلمّا كان من الغد غدا عليه فوجه معه بالجيوش لقتال الحسين (٢).

٨ ـ قال الدينورى : فلمّا كان اليوم الثانى من نزوله كربلاء ، وافاه عمر بن سعد فى أربعة آلاف فارس ، وكانت قصة خروج عمر بن سعد ، أنّ عبيد الله بن زياد ، ولّاه الرى وثغر دستبى والديلم ، وكتب له عهدا عليها ، فعسكر للمسير إليها ، فحدث أمر الحسين ، فأمره ابن زياد أن يسير إلى محاربة الحسين ، فاذا فرغ منه سار إلى ولايته ، فتلكأ عمر بن سعد على ابن زياد ، وكره محاربة الحسين.

فقال له ابن زياد : فاردد علينا عهدنا قال : فأسير إذن ، فسار فى أصحابه اولئك الذين ندبوا معه الى الرى ودستبى ، حتّى وافى الحسين ، وانضمّ إليه الحرّ بن يزيد فيمن معه. ثمّ قال عمر بن سعد : لقرّة بن سفيان الحنظلى ، انطلق إلى الحسين ، فسله ما أقدمك فأتاه ، فأبلغه ، فقال الحسين : أبلغه عنّى أن أهل هذا المصر كتبوا الىّ يذكرون أن لا إمام لهم ، ويسألوننى القدوم عليهم ، فوثقت بهم ، فغدروا بى ، بعد أن بايعنى منهم ثمانية عشر ألف رجل.

فلمّا دنوت ، فعلمت غرور ما كتبوا به إلىّ اردت الانصراف الى حيث منه أقبلت ، فمنعنى الحرّ بن يزيد ، وسار حتّى جعجع بى فى هذا المكان ، ولى بك قرابة قريبة ، ورحم ماسّة ، فأطلقنى حتّى انصرف ، فرجع قرّة الى عمر بن سعد بجواب

__________________

(١) اللهوف : ٣٧.

(٢) مقاتل الطالبييّن : ٧٤.

٥٠٠