مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

١٥ ـ عنه باسناده قال عبد الله بن الحسين انّ الامامة فى ولد الحسن والحسين لأنهما سيّدا شباب أهل الجنّة وهما فى الفضل سواء الا أن للحسن فضلا بالكبر والتقدّم فكان الواجب أن يكون الامامة اذا فى ولد الافضل ، فقال الربيع بن عبد الله انّ موسى وهارون كانا نبيّين مرسلين وكان موسى اكبر من هارون وافضل فجعل الله النبوّة فى ولد هارون دون ولد موسى.

كذلك جعل الله عزوجل الامامة فى ولد الحسين لتجرى فى هذه سنن من قبلها من الامم حذو النعل بالنعل فبلغ ذلك الصادق عليه‌السلام ، فقال أحسنت يا ربيع ومن ذلك حديث الرضا عليه‌السلام ويستدلّ من الحساب على انّ الامامة فى أولاد الحسين عليه‌السلام انّ لفظة الحسين مائة وثمانية وعشرين زيادة بعشرة ، والحسين واولاده عشرة (١)

٥ ـ باب علمه وفصاحته عليه‌السلام

١ ـ الصدوق فى رواية طويلة قال أمير المؤمنين عليه‌السلام للحسين : يا بنىّ قم فاصعد فتكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدى فيقولون إنّ الحسين بن على لا يبصر شيئا وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك فصعد الحسين عليه‌السلام فحمد الله واثنى عليه ، وصلّى على نبيّه وآله صلاة موجزة ، ثمّ قال معاشر الناس سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول انّ عليّا مدينة هدى فمن دخلها نجى ومن تخلّف عنها هلك ، فوثب إليه علىّ عليه‌السلام فضمّه الى صدره وقبله ثمّ قال : يا معاشر الناس اشهدوا أنّهما فرخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووديعته التي استودعنيها وأنا استودعكموها معاشر الناس و

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١٧٧.

٦١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سائلكم عنها (١).

٢ ـ قال ابن شهرآشوب : ومن فصاحته وعلمه عليه‌السلام ما رواه موسى بن عقبة أنّه امر معاوية الحسين أن يخطب ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمع رجل يقول من هذا الذي يخطب فقال عليه‌السلام نحن حزب الله الغالبون وعترة رسول الله الأقربون ، وأهل بيته الطيّبون ، وأحد الثقلين الّذين جعلنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثانى كتاب الله تعالى ، فيه تفصيل كلّ شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمعوّل علينا فى تفسيره لا يبطينا تأويله بل نتّبع حقائقه.

فاطيعونا فان طاعتنا مفروضة اذا كانت بطاعة الله مقرونة قال الله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقال : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) واحذّركم الاصغاء الى هتوف الشيطان فانّه لكم عدوّ مبين ، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) فتقولون للسيوف ضربا وللرماح وردا وللعمد حطما وللسّهام غرضا لا يقبل من نفس ايمانها لم تكن آمنت من قبل قال معاوية حسبك يا أبا عبد الله فقدا بلغت (٢)

٣ ـ عنه باسناده عن محاسن البرقي قال عمرو بن العاص للحسين عليه‌السلام يا ابن علىّ ما بال أولادنا أكثر من أولادكم فقال عليه‌السلام :

بغاث الطير أكثرها فراخا

وأمّ الصقر مقلاة نذور

فقال ما بال الشّيب إلى شواربنا أسرع منه الى شواربكم فقال عليه‌السلام : ان نساءكم نساء بخرة فاذا دنا أحدكم من امرأته نكهت فى وجهه فشاب منه شاربه ، فقال ما بال لحاؤكم أوفر من لحائنا فقال عليه‌السلام : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) فقال معاوية بحقّى عليك إلا سكت فانّه ابن علىّ بن

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٢٠٧.

(٢) المناقب : ٢ / ١٩٢.

٦٢

أبى طالب فقال عليه‌السلام :

إن عادت العقرب عدنا لها

وكانت النّعل لها حافرة

قد علم العقرب واستيقنت

أن لا له دنيا ولا آخرة(١)

٤ ـ عنه عن تفسير الثعلبى ، قال الصادق عليه‌السلام : قال الحسين بن علىّ صلوات الله عليهم إذا صاح النّسر قال : يا ابن آدم عش ما شئت آخره الموت واذا صاح الغراب قال انّ البعد من النّاس انس ، واذا صاح القبر قال اللهمّ العن مبغضى آل محمّد وإذا صاح الخطّاف قرأ الحمد لله ربّ العالمين ويمدّ الضّالين كما يمدّها القارى (٢).

٥ ـ قال الاربلى : انهم عليهم‌السلام رجال الفصاحة وفرسانها ، وحماة البلاغة وشجعانها ، عليهم تهدّلت أغصانها ، ومنهم تشعبت أفنانها ، ولهم انقادت معانيها وهم معانها ؛ ولرياضتهم أطاع عاصيها وأصحب جرانها ، اذا قالوا بذّوا الفصحاء وإذا ارتجلوا سبقوا البلغاء ، وإذا نطقوا أذعن كلّ قائل وأقرّ لهم كلّ حاف وناعل تركت والحسن تأخذه تنتقى منه وتنتحب.

فاصطفت منه محاسنه ، واستزادت فضل ما تهب بألفاظ تجارى الهواء رقة ، والصخر متانة ، وحلم يوازى السماء ارتفاعا والجبال رزانة ، أذعنت لهم الحكم ، وأجابت ندائهم الكلم وأطاعهم السيف والقلم ، وصابوا وأصابوا فما صوب إليهم ورثوا البيان كابرا عن كابر ، وتسنّموا قلل الفضائل ، تسمّنهم متون المغاير ، وتساووا فى مضمار المعارف فالآخر يأخذ عن الأوّل والأوّل يملى على الآخر :

شرف تتابع كابرا عن كابر

كالرمح أنبوبا على أنبوب

يفوح أرج النبوّة من كلامهم ويعبق نشر الرسالة من نثرهم ونظمهم ، وتعجز الأوايل والاواخر عن مقالهم ، فى كلّ موطن ومقامهم ، فهم سادات الناس وقادتهم

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١٩٣.

(٢) المناقب : ٢ / ١٩٣.

٦٣

فى جاهليّتهم وإسلامهم ، فما ساجلهم فى منقبة إلّا غلب وما شابهم ماجد إلّا قيل أطمع من أشعب شنشنة معروفة فى السلف والخلف ، وعادة شريفة ينكرها من أنكر ويعرفها من عرف.

ومن كلامه عليه‌السلام لمّا عزم على الخروج الى العراق قام خطيبا فقال : الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله وصلّى الله على رسوله وسلّم خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهنى إلى أسلافى اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخيّر لى مصرع أنا لاقيه ، كأنّى بأوصال يتقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيمتلآن منّى أكراشا جوفا واجربة سغبا.

لا محيص من يوم خطّ بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ، لن يشذّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحمته وهى مجموعة له فى حظيرة القدس تقرّبهم عينه ، ويتنجّز لهم وعده من كان فينا باذلا مهجته وموطنا على لقائنا نفسه فليرحل فانّى راحل مصبحا إن شاء الله.

خطب عليه‌السلام فقال : يا أيّها الناس نافسوا فى المكارم ، وسارعوا فى المغانم ، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا ، وكسبوا الحمد بالنجع ، ولا تكتسبوا بالمطل ذمّا فمهما يكن لاحد عند أحد صنيعة له رأى أنّه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافاته ، فانّه أجزل عطاء وأعظم أجرا ، واعلموا انّ حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم ، فلا تملّوا النعم فتحور نقما ،

واعلموا انّ المعروف مكسب حمدا ، ومعقب أجرا. فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا ، يسرّ الناظرين ، ولو رأيتم اللّوم رأيتموه سمجا مشوّها تنفّر منه القلوب ، وتغضّ دونه الابصار.

أيها الناس من جاد ساد ، ومن بخل رذل ، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجو وان أعفى الناس من عفى عن قدرة وانّ أوصل الناس من وصل من قطعه

٦٤

والاصول على مغارسها بفروعها تسموا فمن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة الى أخيه كافاه بها فى وقت حاجته ، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكبر منه ، ومن نفّس كربة مؤمن فرّج الله عنه كرب الدنيا والآخرة ، ومن أحسن أحسن الله إليه والله يحبّ المحسنين (١).

٦ ـ باب دلائله خوارق عاداته عليه‌السلام

١ ـ محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الوشّاء ، والحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبى خديجة ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : لمّا حملت فاطمه عليها‌السلام بالحسين جاء جبرئيل الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : إنّ فاطمة عليها‌السلام ستلد غلاما تقتله أمّتك من بعدك ، فلمّا حملت فاطمة بالحسين عليه‌السلام كرهت حمله وحين وضعته كرهت وضعه ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لم تر فى الدّنيا أمّ تلد غلاما تكرهه ولكنّها كرهته لما علمت أنّه سيقتل قال : وفيه نزلت هذه الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (٢).

٢ ـ عنه عن محمّد بن يحيى ، عن علىّ بن اسماعيل ، عن محمّد بن عمر الزيّات ، عن رجل من أصحابنا عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ جبرئيل عليه‌السلام نزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا محمّد إنّ الله يبشّرك بمولود يولد من فاطمة ، تقتله أمّتك من بعدك فقال يا جبرئيل وعلى ربّى السّلام لا حاجة لى فى مولود يولد من فاطمة ، تقتله أمّتى من بعدى ، فعرج ثمّ حبط عليه‌السلام فقال له مثل ذلك فقال : يا جبرئيل وعلى ربّى السلام لا حاجة لى فى مولود تقتله امّتى من بعدى.

__________________

(١) كشف الغمة : ٢ / ٢٨ ـ ٣٠.

(٢) الكافى : ١ / ٤٦٤.

٦٥

فعرج جبرئيل عليه‌السلام الى السماء ثمّ هبط فقال : يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام ويبشّرك بأنّه جاعل فى ذرّيته الامامة والولاية والوصيّة ، فقال : قد رضيت ثمّ أرسل إلى فاطمة إنّ الله يبشّرنى بمولود يولد لك ، تقتله امّتى من بعدى فأرسلت إليه لا حاجة لى فى مولود منى تقتله أمّتك من بعدك فأرسل إليها أنّ الله قد جعل فى ذرّيته الامامة والولاية والوصيّة.

فأرسلت إليه انّى قد رضيت ، «فحملته (كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) فلولا أنّه قال : أصلح لى فى ذرّيتى لكانت ذريّته كلّهم أئمّة.

فلم يرضع الحسين من فاطمة عليها‌السلام ولا من انثى ، كان يؤتى به النبيّ فيضع إبهامه فى فيه فيمصّ منها ما يكفيها اليومين والثلاث ، فنبت لحم الحسين عليه‌السلام من لحم رسول الله ودمه ولم يولد لستّة أشهر إلّا عيسى بن مريم عليه‌السلام والحسين بن على عليهما‌السلام. وفى رواية أخرى ، عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يؤتى به الحسين فيلقمه لسانه فيمصّه فيتجزى به ولن يرتضع من أنثى (١).

٣ ـ عنه عن علىّ بن محمّد رفعه ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام فى قول الله عزوجل : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) قال : حسب فرأى ما يحلّ بالحسين عليه‌السلام ، فقال : انّى سقيم لما يحلّ بالحسين عليه‌السلام (٢).

٤ ـ عنه عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن علىّ بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن محمّد بن حمران قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لمّا كان من أمر الحسين عليهما‌السلام ما كان ضجّت الملائكة إلى الله بالبكاء ، و

__________________

(١) الكافى : ١ / ٤٦٤.

(٢) الكافى : ١ / ٤٦٥.

٦٦

قالت : يفعل هنا بالحسين صفيك وابن نبيّك؟ قال : فأقام الله لهم ظلّ القائم عليه‌السلام وقال : بهذا انتقم لهذا (١).

٥ ـ عنه عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علىّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : لمّا نزل النصر على الحسين بن علىّ حتّى كان بين السّماء والارض ثمّ خيّر : النصر أو لقاء الله ، فاختار لقاء الله (٢).

٦ ـ عنه عن الحسين بن محمّد قال : حدّثنى أبو كريب وأبو سعيد الاشج قال : حدّثنا عبد الله بن إدريس ، عن أبيه إدريس بن عبد الله الأودى ، قال : لمّا قتل الحسين عليه‌السلام أراد القوم أن يوطّئوه الخيل ، فقالت فضّة لزينب : يا سيّدتى إنّ سفينة كسر به فى البحر فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد ، فقال : يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهمهم بين يديه حتّى وقفه على الطريق والأسد رابض فى ناحية.

فدعينى أمضى إليه وأعلمه ما هم صانعون غدا ، قال : فمضت إليه فقالت : يا أبا الحارث فرفع رأسه ثمّ قالت : أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبى عبد الله عليه‌السلام؟

يريدون أن يوطّئوا الخيل ظهره ، قال : فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين عليه‌السلام فاقبلت الخيل فلمّا نظر وإليه قال لهم عمر بن سعد ـ لعنه الله : فتنة لا تثيروها انصرفوا ، فانصرفوا (٣).

٧ ـ عنه عن علىّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن أحمد ، عن الحسن ابن علىّ ، عن يونس ، عن مصقلة الطحّان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لمّا قتل الحسين عليه‌السلام أقامت امرأته الكلبيّة عليه ماتما وبكت وبكين النساء والخدم حتّى

__________________

(١) الكافى : ١ / ٤٦٥.

(٢) الكافى : ١ / ٤٦٥.

(٣) الكافى : ١ / ٤٦٥.

٦٧

جفّت دموعهنّ وذهبت فبينا هى كذلك إذا رأت جارية من جواريها تبكى ودموعها تسيل فدعتها فقالت لها : مالك أنت من بيننا تسيل دموعك؟

قالت : انّى لمّا أصابنى الجهد شربت شربة سويق قال : فأمرت بالطعام والاسوقة فأكلت وشربت وأطعمت وسقت وقالت : إنّما نريد بذلك أن نقوى على البكاء على الحسين عليه‌السلام. قال : وأهدى الى الكلبية جؤنا لتستعين بها على ماتم الحسين عليه‌السلام.

فلمّا رأت الجؤن قالت ما هذه؟ قالوا : هديّة أهداها فلان لتستعينى على ماتم الحسين فقالت : لسنا فى عروس ، فما نصنع بها؟ ثمّ أمرت بهنّ فأخرجن من الدار فلمّا أخرجن من الدار لم يحسّ لها حسّ كأنّما طرن بين السّماء والارض ولم ير لهنّ بها بعد خروجهنّ من الدار أثر (١).

٨ ـ قال أبو جعفر الطبرى الامامى : حدّثنا محروز بن منصور ، عن أبى مخنف لوط بن يحيى ، قال : حدّثنا عبّاس بن عبد الله ، عن عبد الله بن عبّاس ، قال أتيت الحسين وهو يخرج الى العراق فقلت له يا ابن رسول الله : لا تخرج ، فقال : يا ابن عبّاس أما علمت إن منعتنى من هناك كان مصارع أصحابى هناك قلت له : فانّى لك ذلك ، قال بسرّ سرّه لى وعلم أعطيته (٢).

٩ ـ عنه حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد البلوى ، قال : حدّثنا عمارة بن زيدة قال : حدّثنا إبراهيم بن سعيد وكان مع زهير بن القين حين صحب الحسين كما أخبر قال قال الحسين له : يا زهير اعلم أنّ هاهنا مشهدى ويحمل هذا (وأشار الى رأسه) من جسدى زحر بن قيس فيدخل به على يزيد يرجو نواله فلا يعطيه

__________________

(١) الكافى : ١ / ٤٦٠.

(٢) دلائل الامامة : ٧٤.

٦٨

شيئا (١)

١٠ ـ عنه حدّثنا أبو محمّد سفيان ، عن وكيع ، عن الأعمش ، قال : قال لى أبو محمّد الواقدى وزرارة بن حلح ، لقينا الحسين قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث ليال فأخبرناه بضعف الناس فى الكوفة وإن قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأوما بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزل من الملائكة عددا لا يحصيهم إلّا الله وقال : لو لا تقارب الأشياء وهبوط الاجر لقاتلتهم بهؤلاء ولكن أعلم علما أنّ هناك مصرعى ومصارع أصحابى لا ينجو منهم إلّا ولدى علىّ (٢)

١١ ـ عنه حدّثنا محمّد بن جيد ، عن أبيه جيد بن سالم بن جيد ، عن راشد بن مزبدة قال شهدت الحسين بن على وصحبته من مكّة حتّى أتينا القطقطانة ثمّ استأذنته فى الرجوع فأذن فرأيته وقد استقبلته سبع فكلمه فوقف له قال ما حال الناس بالكوفة قال قلوبهم معك وسيوفهم عليك ، قال ومن خلفت بها؟ قال ابن زياد وقد قتل مسلم بن عقيل ، قال واين تريد؟ قال عدن ، قال : ايّها السبع هل عرفت ماه الكوفة؟ قال ما علمنا من علمك إلّا ما زودتنا ، ثمّ انصرف وهو يقول : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٣).

١٢ ـ عنه حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد ، قال حدّثنا سعيد ابن شرفى بن القطامى ، عن زفر بن يحيى ، عن كثير بن شاذان قال : شهدت الحسين بن على وقد اشتهى عليه ابنه على الأكبر عنبا فى غير أوانه فضرب بيده الى سارية المسجد فأخرج له عنبا وموزا فاطعمه وقال : ما عند الله لأوليائه أكثر (٤).

١٣ ـ عنه حدثنا سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، عن الأعمش ، قال : سمعت أبا

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٤.

(٢) دلائل الامامة : ٧٤.

(٣) دلائل الامامة : ٧٤.

(٤) دلائل الامامة : ٧٥.

٦٩

صالح التّمار يقول : سمعت حذيفة يقول : سمعت الحسين بن على يقول : والله ليجتمعنّ على قتلى طغاة بنى أميّة ويقدمهم عمر بن سعد ، وذلك فى حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت له أنبأك بهذا رسول الله قال لا ، فأتيت النبيّ فأخبرته ، فقال علمى علمه وعلمه علمى وأنا لنعلم بالكائن قبل كينونته (١)

١٤ ـ عنه حدّثنا يزيد بن مسروق ، قال حدّثنى عبد الله بن مكحول ، عن الأوزاعى قال بلغنى خروج الحسين الى العراق فقصدت مكّة فصادفته بها ، فلمّا رآنى رحّب بى وقال : مرحبا بك يا اوزاعى جئت تنهانى عن المسير ويأبى الله إلّا ذلك إن من هاهنا إلى يوم الاثنين منيتى فجهدت فى عدد الأيّام فكان كما قال (٢).

١٥ ـ عنه حدّثنا عيسى بن معاذ بن ماهان بن معدان قال حدّثنا أبو جابر كيسان بن جرير ، عن أبى النباخ محمّد بن يعلى ، قال لقيت الحسين على ظهر لكوفة وهو راحل مع الحسن يريد معاوية ، فقلت أرضيت يا أبا عبد الله؟ فقال شقشقة هدرت وفورة أنارت وشجا عرى وسم زعاق وقيعان بالكوفة وكربلا انّى والله لصاحبها وصاحب ضحيتها والعصفور فى سنابلها إذا تواضع نواحى الجبل وهجهج كوفان الوهل ، ومنع البرجانبه وعطل بيت الله الحرام ، وأرجف الوقيد وقدح الهبيد.

فيا لها من زمر أنا صاحبها ايه إيه أنّى وكيف ولو شئت لقلت أين أنزل وأين أقيم فقلت يا ابن رسول الله ما تقول؟ قال مقامى بين أرض وسماء ونزولى حيث حلّت الشيعة الأهلاب والأكباد الصلاب لا يتضعضعن للضيم ولا يأنفون تجرّ مفاصلهم ليحيى بهم أهل ميراث على ورثة بيته (٣)

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٥.

(٢) دلائل الامامة : ٧٥.

(٣) دلائل الامامة : ٧٥.

٧٠

١٦ ـ عنه روى هارون بن خارجة ، عن أبى عبد الله ، قال قال الحسين بن علىّ لغلمانه لا تخرجوا يوم كذا وكذا اليوم سمّاه وأخرجوا يوم الخميس فانكم ان خالفتمونى قطع عليكم الطريق وقتلتم وذهب ما معكم وكان قد أرسلهم الى ضيعة فخالفوه وأخذوا طريق الحرة ، فاستقبلهم لصوص فقتلوهم كلّهم ، فدخل على الحسين والى المدينة من ساعته ، فقال : بلغنى قتل غلمانك ومواليك فآجرك الله فيهم قال أما أنّى أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك عليهم.

قال أو تعرفهم؟ قال : نعم كما أعرفك وهذا منهم لرجل جاء معه فقال الرجل يا ابن رسول الله كيف عرفتنى وما كنت فيهم ، قال : إن صدقتك أتصدق؟ قال : نعم والله لأصدقنّ ، قال خرجت ومعك فلان وفلان سماهم كلّهم بأسمائهم وفيه أربعة من موالى الأسود ، والبقية من سائر أهل المدينة ، فقال الوالى لتصدقنّ أو لانثرنّ لحمك وربّ القبر والمنبر بالسياط ، فقال والله ما كذب الحسين فكأنّه كان معنا ، فجمعهم الوالى فأقرّوا جميعا فأمر بهم فضربت أعناقهم (١).

١٧ ـ عنه وروى الهيثم النهدى عن إسماعيل بن مهران ، عن محمّد الكنانى ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال خرج الحسين بن على عليهما‌السلام فى بعض أسفاره ، ومعه رجل من ولد الزبير بن العوام ، يقول بامامته فنزلوا طريقهم بمنزل تحت نخل يابس من العطش ففرش للحسين تحتها وبازائه نخل ليس عليها رطب.

قال فرفع يده ودعا بكلام لم أفهمه فاخضرت النخلة وعادت الى حالها ، حملت رطبا ، فقال الجمال الذي اكترى منه : هذا سحر والله ، فقال الحسين ويلك إنّه ليس بسحر ولكنّها دعوة ابن نبىّ مستجابة ، ثمّ صعدوا النخلة فجنوا منها ما كفاهم جميعا (٢)

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٦.

(٢) دلائل الامامة : ٧٦.

٧١

١٨ ـ عنه روى محمّد بن الحسين ، عن موسى بن سمعان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن صباح المزنى ، عن صالح بن ميثم الاسدى ، قال دخلت أنا وعباية بن الربعى على امرأة من بنى والبة قد احترق وجهها من السجود ، فقال لها عباية يا حبابة هذا ابن أخيك ، قالت وأيهم؟ قال صالح بن ميثم فقالت ابن أخى والله حقا يا ابن أخى ألا أحدّثك بحديث سمعته من الحسين بن على؟ قلت بلى يا عمّة.

قالت كنت زوارة للحسين فحدث بين عينى وضح فشق ذلك علىّ واحتبست عنه أيّاما فسأل عنّى ما فعلت حبابة الوالبية قالوا حدت ما بين عينيها حدث منعها ، فقال لأصحابه قوموا بنا إليها فدخل علىّ فى مسجدى هذا وقال يا حبابة ما أبطأ بك علىّ؟ قلت يا بن رسول الله ما منعنى إلّا ما اضطررت به الى التخلف وهو هذا الذي حدث بى وكشفت القناع فنظره ونفث عليه.

قال يا حبابة احمدى لله شكرا فانّ الله قد اذهبه عنك فخررت ساجدة لله شكرا فقال يا حبابة ارفعى رأسك فانظرى فى مرآتك فرفعت رأسى ونظرت فى المرآة ، فلم أجد منه أثرا فقال يا حبابة نحن وشيعتنا على الفطرة وسائر الناس منها براء (١).

١٩ ـ عنه روى أيّوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبى إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبى جعفر عليه‌السلام ، قال ذكرت خروج الحسين وتخلف ابن الحنفية عنه فقال يا أبا حمزة انّى سأحدثك بما لا تشك فيه بعد مجلسنا هذا ، انّ الحسين لما فصل متوجها الى العراق دعا بقرطاس وكتب فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن على إلى بنى هاشم : أمّا بعد فانّه من لحق بى استشهد ومن تخلّف عنّى فانّه لم يبلغ الفتح (٢)

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٧.

(٢) دلائل الامامة : ٧٧.

٧٢

٢٠ ـ عنه ، أخبرنى ابو الحسين محمّد بن هارون عن أبيه ، عن أبى على ، محمّد ابن همام ، قال : أخبرنا جعفر بن محمّد بن مالك ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسين الهاشمى ، قدم إلينا من مصر ، قال : حدّثنى القاسم بن منصور الهمدانيّ بدمشق ، عن عبد الله بن محمّد التميمى ، عن سعد بن أبى خيران ، عن الحرث بن وكيدة ، قال : كنت فيمن حمل رأس الحسين فسمعته يقرأ سورة الكهف.

فجعلت أشكّ فى نفسى وأنا اسمع نغمة أبى عبد الله ، فقال لى يا ابن وكيدة أما علمت أنا معشر الائمّة أحياء عند ربّنا نرزق ، فقلت فى نفسى استرق رأسه ، فقال يا ابن وكيدة ليس لك الى ذاك سبيل إن سفكهم دمى أعظم عند الله من تسييرهم رأسى ، فذرهم فسوف يعلمون (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ) (١)

٢١ ـ عنه أخبرنى أبو الحسين محمّد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبى على محمّد ابن همام ، عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبى القاسم ، عن أبيه ، عن الحسن بن على ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، قال : قال أبو عبد الله لما منع الحسين وأصحابه من الماء نادى فيهم من كان ظمآن فليجئ.

فأتاه أصحابه رجلا رجلا فجعل ابهامه فى فم واحد فلم يزل يشرب الرجل بعد الرجل حتى ارتووا كلّهم ، فقال بعضهم والله لقد شربنا شرابا ما شربه أحد من العالمين فى دار الدنيا ، ولما عزموا على القتال فى الغد أقعدهم الحسين عند المغرب رجلا رجلا يسمّيهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ، ودعا بمائدة فأطعمهم وأكل معهم وتلك من طعام الجنّة وسقاهم من شرابها.

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ولقد والله رآهم عدّة من الكوفيّين لو عقلوا ، قال : ثمّ أرسلهم فعاد كلّ واحد الى بلاده ثمّ أتى جبل رضوى فلا يبقى أحد من المؤمنين إلّا

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٨.

٧٣

أتاه وسيقيم هنا لك على سرير من نور قد حف به إبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء ومن ورائهم المؤمنون ينظرون ما يقول الحسين فهم بهذا الحال حتّى يقوم المهدى ، فاذا قام أتوا كربلا ووافوا الحسين فلا يبقى سماوىّ ولا أرضيّ الا حفّ به يزوره ويصافحه ويقعد معه على السرير ، يا مفضل هذه والله لرفعة التي ليس فوقها شيء ولا دونها شيء ولا وراءها لطالب مطلب (١).

٢٢ ـ حدثني أبو الفضل محمّد بن عبد الله ، قال : حدّثنى أبو النجم بدر بن الطبرستانى ، قال : حدّثنى أبو جعفر محمّد بن على الشلمغانى ، عمّن حدّثه عن أبى جعفر قال لما ولد الحسين هبط جبرئيل فى الف ملك يهنّون النبيّ بولادته وكان ملك يقال له فطرس فى جزيرة من جزائر البحر بعثه الله فى أمر فابطأ فكسر جناحه وأزاله عن مقامه وأهبطه الى تلك الجزيرة ، فمكث فيها خمسمائة عام ، وكان صديقا لجبرئيل.

فلمّا رآهم قال لجبرئيل الى أين قال : نهنئ النبيّ محمّدا بمولود ولد له فى هذه الليلة فقال احملنى إليه لعلّه يدعو لي ، فحمله ولما أدّى جبرئيل التهنئة نظر النبيّ الى فطرس ، فسأله جبرئيل عنه فأخبره بشأنه فالتفت إليه رسول الله ، وقال له امسح جناحك على هذا المولود يعنى الحسين فمسح جناحه فعاد الى حالته ورضى الله عنه ويسمّى عتيق الحسين ، وأمر أن يلزم أرض كربلا فيخبر بكلّ مؤمن زاره الى يوم القيمة (٢).

٢٣ ـ أبو جعفر المشهدى باسناده ، عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه ، قال : لمّا عزم الحسين بن على عليهما‌السلام ، على الخروج الى العراق أتيته فقلت له : أنت ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحد سبطيه ، أرى الى أنّك تصالح كما صالح أخوك الحسن ، فانّه

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٨.

(٢) دلائل الامامة : ٧٩.

٧٤

كان موفقا راشدا.

فقال لى : «يا جابر ، قد فعل أخى ذلك بأمر الله وأمر رسوله ، وإنّى أيضا أفعل بأمر الله وأمر رسوله ، أتريد أن أستشهد لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّا وأخى الحسن بذلك الآن؟

ثمّ نظرت فاذا السّماء قد انفتح بابها ، وإذا رسول الله وعلىّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر وزيد نازلين عنها حتّى استقرّوا على الارض ، فوثبت فزعا مذعورا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جابر ألم أقل لك فى أمر الحسن قبل الحسين لا تكون مؤمنا حتّى تكون لأئمّتك مسلّما ، ولا تكن معترضا؟ أتريد أن ترى مقعد معاوية ومقعد الحسين ابنى ومقعد يزيد قاتله لعنه الله. قلت : بلى يا رسول الله. فضرب برجله الأرض فانشقّت فظهر بحر ، فانفلق ، ثمّ ضرب فانشقّت هكذا حتّى انشقّت سبع أرضين وانفلقت سبعة أبحر فرأيت من تحت ذلك كلّه النار ، فيها سلسلة قرن فيها الوليد بن مغيرة وأبو جهل ومعاوية الطاغية ويزيد ، وقرن بهم مردة الشياطين فهم أشدّ أهل النار عذابا.

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارفع رأسك فرفعت ، فاذا أبواب السماء متفتحه ، واذا الجنّة أعلاها ، ثمّ صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن معه الى السّماء ، فلمّا صار فى الهواء صاح بالحسين يا بنىّ الحقنى فلحقه الحسين عليه‌السلام ، وصعدوا حتّى رأيتم دخلوا الجنّة من أعلاها ، ثمّ نظر الىّ من هناك رسول الله ، وقبض على يد الحسين ، وقال يا جابر ، هذا ولدى معى هاهنا ، فسلّم له أمره ، ولا تشك لتكون مؤمنا.

قال جابر : فعميت عيناى ان لم أكن رأيت ما قلت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله(١).

٢٤ ـ عنه عن صالح بن ميثم ، قال : دخلت أنا وعباية بن ربعى وامرأة من بنى

__________________

(١) الثاقب فى المناقب : ٣٢٢.

٧٥

والبة يقال لها : حبابة الوالبية قد احتزّ وجهها من السّجود ، فقال عباية : يا حبابة ، هذا ابن أخيك قالت عليه‌السلام اىّ أخ؟ قال : صالح بن ميثم.

قالت : ابن أخى والله حقّا ، يا ابن اخى ، ألا أحدثك حديثا سمعته من الحسين ابن على عليهما‌السلام؟ قلت : بلى يا عمّة قالت : كنت زوّارة للحسين عليه‌السلام ، فحدث بين عينى وضح ، فشق ذلك علىّ ، واحتبست عنه أيّاما ، فسأل عنّى : ما فعلت حبابة الوالبية ، فقالوا : إنّها حدث بها وضح بين عينيها ، فقال لأصحابه : قوموا بنا فقام حتّى دخل علىّ وأنا فى مسجدى هذا.

فقال : يا حبابة ، ما الذي أبطأ بك علىّ؟ فقلت : يا ابن رسول الله ، ما ذاك الذي منعنى إلّا وضح حدث بين عينى ، فكرهت اتيانك فنظر الىّ فكشفت القناع ، وتفل عليه ، فقال : يا حبابة ، احدثى لله شكرا ، فانّ الله قدد رأه عنك ، قالت : فخررت ساجدة لله تعالى ، وقال : يا حبابة ، ارفعى رأسك وانظرى فى مرآتك قالت فرفعت رأسى ونظرت فى المرآة ، فلم أحسّ منه شيئا ، فحمدت الله تعالى ، فنظر الىّ وقال : يا حبابة ، نحن وشيعتنا على الفطرة ، وسائر الناس منه براء (١).

٢٥ ـ عنه باسناده عن محمّد بن سنان ، قال : سئل علىّ بن موسى الرضا عليهما‌السلام عن الحسين بن على عليهما‌السلام ، وأنّه قتل عطشانا ، قال : من أين ذلك؟! وقد بعث الله تعالى إليه أربعة أملاك من عظماء الملائكة ، هبطوا إليه وقالوا له : الله ورسوله يقرءان عليك السلام ، ويقولان اختر إن شئت إمّا تختار الدنيا بأسرها وما فيها ونمكنك من كلّ عدوّ لك ، أو الرفع إلينا.

فقال الحسين عليه‌السلام : على الله وعلى رسول الله السلام؟ بل الرفع إليه. ودفعوا إليه شربة من الماء فشربها ، فقالوا له : أما إنّك لا تظمأ بعدها أبدا (٢)

__________________

(١) الثاقب فى المناقب : ٣٢٤

(٢) الثاقب فى المناقب : ٣٢٧.

٧٦

٢٦ ـ عنه ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : هبط على الحسين عليه‌السلام ملك وقد شكا إليه أصحاب العطش ، فقال : إنّ الله تعالى يقرئك السلام ويقول : هل لك من حاجة؟ فقال الحسين عليه‌السلام : هو السلام ومن ربّى السلام ، وقال : قد شكا الىّ أصحابى ـ ما هو أعلم به منّى ـ من العطش. فأوحى الله تعالى الى الملك : قل للحسين : خطّ لهم بإصبعك خلف ظهرك يرووا ، فخطّ الحسين بإصبعه السبابة فجرى نهرا أبيض من اللّبن وأحلى من العسل.

فشرب منه هو وأصحابه ، فقال الملك : يا ابن رسول الله ، تأذن لى أن أشرب منه ، فانّه لكم خاصة وهو الرحيق المختوم الذي (خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ). فقال الحسين عليه‌السلام : إن كنت تحبّ أن تشرب منه فدونك وقد كتبت الحديثين من الجزء السادس والثمانين من كتاب (البستان) من تصنيف محمّد بن أحمد ابن على بن الحسين بن شاذان (١).

ثمّ قال الحسن عليه‌السلام للحسين عليه‌السلام : أتدري ما مثلنا الليلة؟ انّى سمعت رسول الله وهو يقول : انّ مثلكما مثل يونس بن متى إذ أخرجه الله من بطن الحوت فألقاه الله على جنب البحر ، وأنبت عليه شجرة من يقطين ، وأخرج له عينا من تحتها ، فكان يأكل من اليقطين ، ويشرب من ماء العين.

فاخرج الله تعالى لنا الليلة عينا من ماء ؛ وسمعت جدّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : أمّا العين فهى لكم ، وأمّا اليقطين فأنتم عنه أغنياء ، وقال الله تعالى فى يونس (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ). وأمّا نحن فسيحتج الله بنا على أكثر من ذلك ، يمتّعون الى حين (٢).

٢٧ ـ الراوندى باسناده ، عن أبى خالد الكابلى ، عن يحيى ابن أمّ الطويل قال :

__________________

(١) الثاقب فى المناقب : ٣٢٧.

(٢) الثاقب فى المناقب : ٣٢٨.

٧٧

كنّا عند الحسين عليه‌السلام إذ دخل إليه شابّ يبكى ، قال له الحسين عليه‌السلام ما يبكيك؟ قال : إنّ والدتى توفّيت فى هذه السّاعة ولم توص ولها مال كانت قد أخبرتنى أنى لا احدّث فى أمرها حتّى أعلمك خبرها فقال الحسين عليه‌السلام قوموا حتّى نصير الى هذه الحرّة ، فقمنا معه حتّى انتهينا الى باب البيت الّذي توفيت فيه المرأة ، وهى مسجاة.

فأشرف على البيت ودعا الله ليحييها حتّى توصى بما تحبّ من وصيها فأحياها فاذا المرأة قد جلست وهى تشهد فنظرت إلى الحسين عليه‌السلام فقال ادخل البيت يا مولاى ومرنى بأمرك فدخل وجلس على مخدّة ، ثمّ قال : أوصى رحمك الله وقالت يا ابن رسول الله إنّ لى من المال كذا وكذا فى مكان كذا وكذا.

وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك والثلثان لا بنى هذا ان علمت انّه من مواليك ، وأوليائك ، وإن كان مخالفا فخذه إليك فلا حقّ للمخالفين فى أموال المؤمنين ثمّ سألته أن يصلّى عليها وأن يتولّى أمرها ، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت(١).

٢٨ ـ عنه باسناده ، عن جابر الجعفى عن زين العابدين عليه‌السلام ، قال أقبل أعرابىّ إلى المدينة ليختبر الحسين عليه‌السلام لما ذكر له من دلائله فلمّا صار بقرب المدينة خضخض ودخل المدينة فدخل على الحسين عليه‌السلام وهو جنب ، فقال له أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام أمّا تستحيى يا أعرابى أن تدخل على إمامك وأنت جنب وقال : أنتم معاشر العرب اذا دخلتم خضخضتم فقال الاعرابى قد بلغت حاجتى فيما جئت فيه فخرج من عنده واغتسل ورجع إليه فسأله عمّا كان فى قلبه (٢).

٢٩ ـ عنه باسناده عن مندل بن هارون بن صدقة عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام أنّه قال إنّ الحسين عليه‌السلام كان اذا أراد ان ينفذ غلمانه فى بعض أموره قال لهم لا

__________________

(١) الخرائج : ٢٢٥.

(٢) الخرائج : ٢٢٦.

٧٨

تخرجوا يوم كذا وأخرجوا يوم كذا فانّكم ان خالفتمونى قطع عليكم فخالفوه مرّة فخرجوا فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم فاتّصل الخبر الى الحسين عليه‌السلام ، فقال لقد حذرتهم فلم يقبلوا منّى.

ثمّ قام من ساعته ودخل على الوالى فقال الوالى يا أبا عبد الله بلغنى قتل غلمانك فآجرك الله فيهم ، فقال الحسين عليه‌السلام فانى أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك بهم ، فقال أتعرفهم يا ابن رسول الله قال : نعم كما أعرفك وهذا منهم واشار بيده إلى رجل واقف بين يدى الوالى.

فقال الرجل ومن أين قصدتنى بهذا ومن أين تعرف أنى منهم ، قال له الحسين عليه‌السلام ان أنا صدقتك فاصدقنى؟ فقال الرجل نعم ، والله لأصدقنّك ، فقال خرجت ومعك فلان وفلان ، وذكرهم كلّهم فمنهم أربعة من موالى المدينة والباقون من حبشان المدينة فقال الوالى للرجل والله ما كذب الحسين عليه‌السلام ولقد صدق وكأنّه كان معنا فأقرّوا جميعا فضرب أعناقهم (١).

٣٠ ـ عنه قال : إنّ رجلا صار إلى الحسين عليه‌السلام فقال جئتك استشيرك فى تزويجى فلانة ، قال : لا احبّ لك ذلك ، وكانت كثيرة المال وكان الرجل أيضا مكثرا فخالف الحسين عليه‌السلام ، فتزوّج بها فلم يلبث الرجل حتّى افتقر فقال له الحسين عليه‌السلام : قد اشرت عليك فخلّ سبيلها ، فانّ الله يعوضك عنها خيرا منها ، ثمّ قال : فعليك بفلانة فتزوّجها فما مضى له سنة حتّى كثر ماله وولدت له ولدا ذكرا ورأى منها ما أحبّ (٢).

٣١ ـ عنه قال : إنّه عليه‌السلام سئل فى حال صغره عن أصوات الحيوان ، لأنّ من شرط الامام أن يكون عالما بجميع اللّغات حتى أصوات الحيوانات فقال على ما

__________________

(١) الخرائج : ٢٢٦.

(٢) الخرائج : ٢٢٦.

٧٩

روى محمّد بن إبراهيم بن الحارث التميمى عن الحسين عليه‌السلام انّه قال : اذا صاح النسر فانّه يقول يا ابن آدم عش ما شئت فآخره الموت ، وإذا صاح البازى يقول يا عالم الخفيّات يا كاشف البليّات ، واذا صاح الطاوس يقول مولاى ظلمت نفسى واغتررت بزينتى فاغفر لي.

اذا صاح الدرّاج يقول : الرحمن على العرش استوى ، واذا صاح الدّيك يقول من عرف الله لم ينس ذكره واذا قرقرت الدجاجة يقول يا إله الحقّ أنت الحقّ وقولك بالله يا حقّ ، واذا صاح الباشق يقول : آمنت بالله وباليوم الآخر ، واذا صاح الحداة يقول توكّل على الله ترزق ، واذا صاح العقاب يقول من أطاع الله لم يشقّ ، واذا صاح الشاهين يقول سبحان الله حقّا حقّا.

اذا صاحت البومة يقول البعد من الناس أنس ، واذا صاح الغراب يقول : يا رازق ابعث بالرّزق الحلال ، واذا صاح الكركى يقول : اللهمّ احفظنى من عدوّى ، واذا صاح اللّقلق يقول من تخلّى من الناس نجّى من أذاهم ، واذا صاحت البطّة يقول غفرانك يا الله ، واذا صاح القمرى يقول بالله غفرانك ، واذا صاح الهدهد يقول ما أشقى من عصى الله.

اذا صاح القمرى يقول يا عالم السرّ والنجوى يا الله ، وإذا صاح الدلبى يقول : أنت الله لا إله سواك يا الله ، واذا صاح العقعق يقول سبحان من لا يخفى عليه خافية ، واذا صاح الببّغاء يقول من ذكر ربّه غفر ذنبه ، واذا صاح البلبل يقول : لا إله إلّا الله حقّا حقّا ، واذا صاحت القبجة يقول يا ابن آدم ما اغفلك من الموت ، واذا صاحت السودانيق يقول لا إله إلّا الله محمّد وآله خيرة الله.

اذا صاحت الفاختة يقول يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد ، واذا صاح الشقراق يقول : مولاى اعتقنى من النار ، واذا صاحت القبرة يقول : مولاى تب على كلّ مذنب من المؤمنين ، واذا صاح الورشان يقول ان لم تغفر ذنبى شقيت ، واذا

٨٠