مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

إبراهيم الجندى ، أنبأنا ابن أبى عمر سعيد بن عبد الرحمن ، وصامت بن معاذ ، قالوا : أنبأنا سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة : عن طاوس ، عن ابن عبّاس.

قال : استشارنى الحسين بن على فى الخروج؟ فقلت : لو لا أن يزرى بى وبك لنشبت يدى فى رأسك ، فكان الذي ردّ علىّ أن قال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إلىّ من أن استحلّ حرمتها ـ يعنى الحرم! قال ابن عبّاس : وكان قوله هذا هو الذي سلا بنفسى عنه. قال ابن ميسرة : ثمّ كان يقول طاوس : ما رأيت أحدا أشدّ تعظيما للحرم من ابن عبّاس ، ولو أشاء أن أبكى لبكيت (١)

٢٣ ـ أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد بن عبد الله ، أنبأنا أبو الغنائم بن أبى عثمان ، أنبأنا عبد الله بن عبيد الله بن يحيى ، أنبأنا أبو عبد الله المحاملى ، أنبأنا محمّد بن عمرو بن أبى مذعور ، أنبأنا سفيان بن عيينة : عن إبراهيم بن ميسرة انّه سمع طاوسا يقول : قال ابن عبّاس استشارنى الحسين بن علىّ فى الخروج.

فقلت لو لا أن يزرى ذلك بى أو بك لنشبت يدى فى رأسك! قال : فكان الذي ردّا الحسين علىّ أن قال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إلىّ من أن يستحلّ بى ذلك يعنى احترام الحرم فقال ابن عبّاس : فكان هذا هو الذي سلا بنفسى عنه ، ثمّ قال إبراهيم : ثمّ كان يحلف طاوس أنّه لم ير رجلا أشدّ تعظيما للمحارم من ابن عبّاس ولو أشاء أن أبكى لبكيت (٢)

٢٤ ـ عنه أخبرنا أبو الحسن على بن مسلم الفقيه ، أنبأنا أبو نصر بن طلاب ، أنبأنا أبو بكر ابن أبى الحديد ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن بشير الزبيرى ، أنبأنا محمّد بن بحر ابن مطر ، أنبأنا الحسن بن قتيبة ، أنبأنا يحيى بن إسماعيل البجلى ، عن الشعبى قال :

لمّا توجّه الحسين بن على الى العراق قيل لابن عمر : إنّ أخاك الحسين قد

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٩٠.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٩٠.

٣٠١

توجّه إلى العراق ، فأتاه فنا شده الله فقال : إن أهل العراق قوم مناكير ، وقد قتلوا أباك وضربوا أخاك وفعلوا وفعلوا ، فلمّا آيس منه عانقه وقبّل بين عينيه وقال استودعك الله من قتيل! سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ الله عزوجل أبى لكم الدنيا (١)

٢٥ ـ عنه أخبرنا أبو عبد الله الفراوى ، أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا أبو الحسن علىّ بن محمّد بن على المقرى ، أنبأنا الحسن بن محمّد بن إسحاق الاسفراينى ، أنبأنا يوسف ابن يعقوب القاضى ، أنبأنا محمّد بن عبد الملك بن زنجويه ، أنبأنا شبابة بن سوار ، أنبأنا يحيى بن سالم الأسدي قال : سمعت الشعبى يقول : كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أنّ الحسين بن على قد توجّه الى العراق ، فلحقه على مسير ليلتين ـ أو ثلاث ـ من المدينة.

فقال أين تريد؟ قال : العراق ، وكان معه طوامير وكتب ، فقال له : لا تأتهم. فقال : هذه كتبهم وبيعتهم. فقال : إنّ الله عزوجل خيّر نبيّه بين الدنيا والآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنّكم بضعة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله لا يليها أحد منكم أبدا ، وما صرفها الله عزوجل عنكم إلا للذى هو خير لكم ، فارجعوا ، فأبى وقال : هذه كتبهم وبيعتهم. قال : فاعتنقه ابن عمرو قال : استودعك الله من قتيل (٢)

٢٦ ـ عنه أخبرنا أبو طالب علىّ بن عبد الرحمن بن أبى عقيل ، أنبأنا على بن الحسن بن الحسين ، أنبأنا أبو محمّد ابن النحاس ، أنبأنا أحمد بن محمّد بن زياد ، أنبأنا أبو بكر يحيى بن جعفر بن عبد الله بن الزبرقان ، أنبأنا شبّابة بن سوار ، أنبأنا يحيى بن إسماعيل بن سالم الأسدي قال : سمعت الشعبى يحدّث ، عن ابن عمر انّه كان بماء له فبلغه أنّ الحسين بن على قد توجّه إلى العراق ، فلحقه على مسيرة ثلاث ليال فقال

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٩٢.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٩٢.

٣٠٢

له : أين تريد؟ فقال : العراق. وإذا معه طوامير كتب.

فقال : هذه كتبهم وبيعتهم. فقال : لا تأتهم. فأبى قال : إنى محدّثك حديثا : إنّ جبرئيل أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخيّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ، ولم يرد الدنيا ، وإنّكم بضعة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله لا يليها أحد منكم أبدا! وما صرفها الله عنكم الّا للّذى هو خير لكم ، فأبى أن يرجع ، قال : فأعتنقه ابن عمر وبكى وقال : استودعك الله من قتيل (٢).

٢٧ ـ عنه أخبرنا أبو محمّد ابن طاوس ، أنبأنا أبو القاسم بن أبى العلاء ، أنبأنا أبو الحسن محمّد بن عوف بن أحمد المزنى ، أنبأنا أبو القاسم الحسن بن على ، قال : وأنبأنا ابن أبى العلاء أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن حمزة بن محمّد بن حمزة الحرانى قال : قرىء على أبى القاسم الحسن بن على البجلى ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علىّ بن سعيد ، أنبأنا يحيى بن معين.

أنبأنا أبو عبيدة ، أنبأنا سليم بن حيان. وقال الحرانىّ : سليمان بن سعيد بن ميناء قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : عجّل حسين قدره عجّل حسين قدره ، والله لو أدركته ما كان ليخرج إلّا أن يغلبنى ، ببنى هاشم فتح ، وببنى هاشم ختم ، فاذا رأيت الهاشمى قد ملك فقد ذهب الزمان (١)

٢٨ ـ عنه أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندى ، أنبأنا أبو بكر ابن الطبرى ، أنبأنا أبو الحسين بن الفضل وأنبأنا عبد الله بن جعفر ، أنبأنا يعقوب ، أنبأنا أبو بكر الحميرى ، أنبأنا سفيان ، أنبأنا عبد الله بن شريك ، عن بشر بن غالب أنّه سمعه يقول : قال عبد الله بن الزبير ـ لحسين بن علىّ ـ أين تذهب؟ أتذهب إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟ فقال له حسين لإن أقتل بمكان كذا كذا أحبّ إلىّ من أن تستحلّ بى

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٩٣.

٣٠٣

يعنى مكّة (١)

٢٩ ـ عنه أخبرنا أبو الحسين محمّد بن محمّد بن الفراء وأبو غالب أحمد ، وأبو عبد الله يحيى ابنا الحسن ، قالوا : أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنبأنا محمّد بن عبد الرحمن بن العبّاس ، أنبأنا أحمد بن سليمان ، أنبأنا الزبير بن بكّار ، حدّثنى عمّى مصعب بن عبد الله ، أخبرنى من سمع هشام بن يوسف الصنعانى ، يقول عن معمر ، قال : سمعت رجلا يحدّث عن الحسين بن على.

قال : سمعته يقول لعبد الله بن الزبير : أتتنى بيعة أربعين ألفا يحلفون لى بالطلاق والعتاق من أهل الكوفة أو قال : من أهل العراق ، فقال له عبد الله بن الزبير : أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وأخرجوا أخاك؟ قال هشام بن يوسف : فسألت معمرا عن الرجل فقال : هو ثقة ، قال الزبير : قال عمّى : وزعم بعض الناس أن عبد الله بن عبّاس هو الّذي قال هذا (٢)

٣٠ ـ قال أبو عبد الله محمّد بن سعد بن منيع البصرى فى مقتل الحسين عليه‌السلام: أخبرنا محمّد بن عمر ، قال : حدّثنا ابن أبى ذئب ، قال حدّثنا عبد الله بن عمير مولى أمّ الفضل ، وأخبرنا عبد الله بن محمّد بن عمر بن على ، وعن أبيه ، وأخبرنا يحيى بن سعيد بن دينار السعدى ، عن أبيه ، وحدثني عبد الرحمن بن أبى الزناد ، عن أبى وجرة السعدى ، عن علىّ بن حسين وغير هؤلاء.

قال محمّد بن سعد وأخبرنا علىّ بن محمّد ، عن يحيى بن اسماعيل بن أبى المهاجر ، عن أبيه ، وعن لوط بن يحيى الغامدى ، عن محمّد بن بشير الهمدانيّ ، وغيره ، وعن محمّد بن الحجاج ، عن عبد الملك بن عمير ، وعن هارون بن عيسى ، عن يونس بن أبى اسحاق ، عن أبيه وعن يحيى بن زكريّا بن أبى زائدة ، عن مجالد ،

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٩٤.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٩٤.

٣٠٤

عن الشعبى.

قال ابن سعد : وغير هؤلاء أيضا قد حدّثنى فى هذا الحديث بطائفة فكتبت جوامع حديثهم فى مقتل الحسين رحمة الله عليه ورضوانه وصلاته وبركاته : قالوا : لمّا بايع معاوية بن أبى سفيان الناس ليزيد بن معاوية ؛ كان حسين بن علىّ بن أبى طالب ممّن لم يبايع له ، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين بن علىّ يدعونه الى الخروج إليهم فى خلافة معاوية كلّ ذلك يأبى.

فقدم منهم قوم إلى محمّد بن الحنفية فطلبوا إليه أن يخرج معهم فأبى وجاء الى الحسين فأخبره بما عرضوا عليه ، وقال : إنّ القوم إنّما يريدون أن يأكلوا بنا ويشيطوا دماءنا ، فأقام حسين ، على ما هو عليه من الهموم ، مرّة يريد أن يسير إليهم ومرّة يجمع الإقامة.

فجاءه أبو سعيد الخدرى فقال : يا أبا عبد الله إنّى لكم ناصح وإنّى عليكم مشفق ، وقد بلغنى أنّه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم ، فلا تخرج ، فانّى سمعت أباك يقول بالكوفة : والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملونى وأبغضونى وما بلوت منهم وفاء ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب ، والله ما لهم ثبات ولا عزم أمر ، ولا صبر على السيف.

قال وقدم المسيّب بن نجبة الفزارى وعدّة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن فدعوه الى خلع معاوية ، وقالوا : قد علمنا رأيك ورأى أخيك ، فقال : إنّى أرجو أن يعطى الله أخى على نيّته فى حبّه الكفّ ، وأن يعطينى على نيّتى فى حبّى جهاد الظالمين (١)

٣١ ـ قال الحافظ ابن عساكر : نزل الحسين دار العباس بن عبد المطلب ، ولزم

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين من طبقات ابن سعد : ٥٣.

٣٠٥

ابن الزبير الحجر ، ولبس المعافرى وجعل يحرّض الناس على بنى أميّة ، وكان يغدو ويروح إلى الحسين ويشير عليه أن يقدم العراق ويقول له : هم شيعتك وشيعة أبيك ، وكان عبد الله بن عباس ينهاه عن ذلك ويقول : لا تفعل ، وقال له عبد الله ابن مطيع : أى فداك أبى وأمّى متّعنا بنفسك ولا تسر الى العراق ، فو الله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذونا خولا وعبيدا.

لقيهما عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن بن عياش بن ربيعة بالأبواء منصرفين من العمرة فقال لهما ابن عمر : أذكر كما الله إلّا رجعتما ، فدخلتما فى صالح ما يدخل فيه الناس ، وتنظرا فإن اجتمع الناس عليه لم تشذّا عنهم وإن افترق الناس عليه كان الذي تريدان. وقال ابن عمر لحسين : لا تخرج ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيّره الله بين الدّنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ، وإنّك بضعة منه ولا تعاطها ـ يعنى الدنيا ـ فاعتنقه وبكى وودّعه.

فكان ابن عمر يقول : غلبنا حسين بن على بالخروج ، ، ولعمرى لقد رأى فى أبيه وأخيه عبرة ، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغى له أن لا يتحرّك ما عاش ، وأن يدخل فى صالح ما دخل فيه الناس فانّ الجماعة خير.

قال له ابن عياش : أين تريد يا ابن فاطمة؟ قال : العراق وشيعتى. فقال : إنّى لكاره لوجهك هذا تخرج إلى قوم قتلوا أباك ، وطعنوا أخاك؟ حتّى تركهم سخطة وملّة لهم! أذكرك الله أن تغرر بنفسك.

قال أبو واقد الليثى : بلغنى خروج حسين فأدركته بملل فنا شدته الله أن لا يخرج فإنّه يخرج فى غير وجه خروج وإنّما يقتل نفسه. فقال : لا أرجع.

قال سعيد بن المسيّب : لو أنّ حسينا لم يخرج لكان خيرا له.

قال أبو سلمة عبد الرحمن : قد كان ينبغى لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ولكن شجّعه على ذلك ابن الزبير.

٣٠٦

كتب إليه المسور بن مخرمه : إيّاك أن تغتّر بكتب أهل العراق ، ويقول لك ابن الزبير: الحق بهم فإنّهم ناصروك ، إيّاك أن تبرح الحرم فانّهم إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون إليك آباط الإبل حتّى يوافوك ، فتخرج فى قوه وعدّة. فجزاه الحسين خيرا وقال : استخير الله فى ذلك.

كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع من إجابة أهل الكوفة وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنّه إنّما يساق إلى مصرعه ، وتقول : أشهد لقد حدّثتنى عائشة أنّها سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يقتل حسين بأرض بابل ، فلمّا قرأ الحسين عليه‌السلام كتابها قال : فلا بدّ لى إذا من مصرعى ومضى.

فأتاه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال : يا ابن عمّ إن الترحم نظارتى عليك وما أدرى كيف أنا عندك فى النصيحة لك ، قال : يا أبا بكر ما أنت ممّن يستغشّ ولا يتّهم؟ فقل ، قال قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك ، وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك ، ويخذلك من أنت أحبّ إليه ممّن ينصره فأذكّرك الله نفسك.!

فقال له الحسين : جزاك الله يا ابن عمّ خيرا فقد اجتهدت رأيك ، ومهما يقضى الله من أمر يكن ، فقال أبو بكر : إنّا لله ، عند الله نحتسب أبا عبد الله!

كتب عبد الله بن جعفر بن أبى طالب إليه كتابا يحذره من أهل الكوفة ، ويناشده الله أن يشخص إليهم ، فكتب إليه الحسين عليه‌السلام : إنّى رأيت رؤيا ورأيت فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرنى بأمر أنا ماض له ، ولست بمخبر بها أحدا حتّى الاقى عملى.

كتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص : إنّى أسأل الله أن يلهمك رشدك ، وأن يصرفك عمّا يرديك! بلغنى أنّك قد اعتزمت على الشخوص إلى العراق ، فانّى أعيذك بالله من الشقاق فان كنت خائفا فأقبل الىّ فلك عندى الأمان والبرّ و

٣٠٧

الصلة.

فكتب إليه الحسين عليه‌السلام : إن كنت أردت بكتابك الىّ برّى وصلتي فجزيت خيرا فى الدنيا والآخرة ، وإنّه لم يشاقق الله من دعا الى الله وعمل صالحا وقال : إنّنى من المسلمين ، وخير الأمان أمان الله ، ولم يؤمن بالله من لم يخفه فى الدنيا! فنسأل الله مخافة فى الدنيا توجب لنا أمان الآخرة عنده.

كتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس يخبره بخروج الحسين إلى مكّة ، ونحسبه أنّه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنّوه الخلافة ، وعندك منهم خبرة وتجربة ، فان كان فعل فقد قطع واشجع القرابة! وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه ، فاكففه عن السعى فى الفرقة.

قال : فكتب إليه عبد الله بن عباس : إنّى لارجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه ، ولست أدع النصيحة له فى كلّ ما يجمع الله به الألفة وتطفى به النائرة ، ودخل عبد الله بن العباس الحسين ، فكلّمه ليلا طويلا وقال : أنشدك الله أن تهلك غدا بحال مضيعة لا تأتى العراق ، وإن كنت لا بدّ فاعلا فأقم حتّى ينقضى الموسم وتلقى الناس ، وتعلم على ما يصدرون ثمّ ترى رأيك ـ وذلك فى عشر ذى الحجّة سنة ستّين.

فأبى الحسين إلّا أن يمضى إلى العراق ، فقال له ابن عبّاس : والله انّى لأظنّك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان بين نسائه وبناته ، والله إنّى لأخاف أن تكون الذي يفاد به عثمان! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. فقال له الحسين عليه‌السلام : يا أبا العبّاس إنّك شيخ قد كبرت. فقال ابن عبّاس : لو لا أن يزرى ذلك بى أو بك لنشبت يدى فى رأسك ، ولو أعلم أنا إذا تناصبنا أقمت لفعلت ولكن لا أخال ذلك نافعى!

فقال له الحسين : لإن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إلىّ أن تستحلّ بى ـ يعنى مكّة ـ قال : فبكى ابن عباس وقال : أقررت عين ابن الزبير؟! وكان ابن عبّاس

٣٠٨

يقول بعد ذلك : فذاك الّذي سلى بنفسى عنه. ثمّ خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مغضب وابن الزبير على الباب ، فلمّا رآه قال : يا ابن الزبير قد أتى ما أحببت قرّت عينك هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز ثمّ قال :

يا لك من قبرة بمعمر

خلالك الجوّ فبيضى واصفرى

ونقرّى ما شئت أن تنقرى

بعث الحسين الى المدينة ، فقدم عليه من خفّ معه من بنى عبد المطلب وهم تسعة عشر رجلا ، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم ، وتبعهم محمّد ابن الحنيفة ، فأدرك حسينا بمكّة ، وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأى يومه هذا ، فأبى الحسين أن يقبل رأيه فحبس محمّد بن على ولده عنه فلم يبعث معه أحدا منهم حتى وجد الحسين فى نفسه على محمّد وقال له أترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟ فقال محمّد : وما حاجتى أن تصاب ويصابون معك ، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم.

بعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم فخرج متوجّها إلى العراق فى أهل بيته وستّين شيخا من أهل الكوفة ، وذلك فى يوم الاثنين فى عشر ذى الحجّة سنة ستّين.

فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد : أمّا بعد فإن الحسين بن على قد توجّه إليك ، وهو الحسين بن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبالله ما أحد يسلمه الله أحبّ إلينا من الحسين ، فايّاك أن تهيج على نفسك ما لا يسدّه شيء ولا تنساه العامّة ولا تدع ذكره والسلام (١).

٣٢ ـ قال ابن طاوس : وكان الحسين عليه‌السلام قد كتب الى جماعة من أشراف

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ٢٠٠ ـ ٢٠٥.

٣٠٩

البصرة ، كتابا مع مولى له اسمه سليمان ، ويكنى أبا رزين يدعوهم فيه إلى نصرته ولزوم طاعته ، منهم يزيد بن مسعود النهشلى والمنذر بن الجارود العبدى ، فجمع يزيد بن مسعود بنى تميم وبنى حنظلة وبنى سعد ، فلمّا حضروا قال يا بنى تميم كيف ترون موضعى فيكم وحسبى منكم ، فقالوا بخّ بخّ أنت والله فقرة الطهر ورأس الفخر حللت فى الشرف وسطا : وتقدمت فيه فرطا.

قال : فإنّى قد جمعتكم لأمر أريد أن اشاوركم فيه ، واستعين بكم عليه ، فقالوا : إنّا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأى ، فقل حتّى نسمع ، فقال : انّ معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، ألا وانّه قد انكسر باب الجور والاثم ، وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها امرا ظن أنّه قد أحكمه وهيهات والذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل.

وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور ، ورأس الفجور ، يدّعى الخلافة على المسلمين ويتأمّر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقلّة علم ، لا يعرف من الحقّ موطئ قدميه ، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن على ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذو الشرف الاصيل والرأى الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته.

يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فاكرم به راعى رعية وإمام قوم وحببت لله به الحجّة ، وبلغت به الموعظة فلا تغشوا عن نور الحق ، ولا تسعكوا فى وهد الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكما إلى ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونصرته والله لا يقصر أحد عن نصرته إلّا أورثه الله الذل فى ولده والقلّة فى عشيرته وما انا ذا قد لبست للحرب لامتها وادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب.

٣١٠

فتكلّمت بنو حنظلة فقالوا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك إن رميت بنا اصبت ، وان غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرة إلّا خضناها ، ولا تلقى والله شدّة إلّا لقيناها ، ننصرك والله بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت فافعل وتكلّمت بنو سعد بن يزيد ، فقالوا يا أبا خالد إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال ، فحمدنا أمرنا وبقى عزنا فينا فأمهلنا نراجع المشورة وناتيك برأينا وتكلّمت بنو عامر بن تميم فقالوا.

يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفائك لا نرضى إن غضبت ، ولا نوطن أن ظعنت والامر إليك فادعنا نجبك وأمرنا نطعك والامر لك اذا شئت فقال والله يا بنى سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا ولا زال سيفكم فيكم ثمّ كتب إلى الحسين عليه‌السلام.

بسم الله الرحمن الرحيم : أمّا بعد فقد وصل كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ، ودعوتنى له من الأخذ بحظّى من طاعتك والفوز بنصيبى من نصرتك وأنّ الله لا يخل الأرض قطّ من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة وأنتم حجّة الله على خلقه ووديعته فى أرضه تفرعتم من زيتونة أحمديّة هو أصلها وأنتم فرعها ، فاقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك اعناق بنى تميم وتركتهم أشد تتابعا فى طاعتك ، من الابل الظماء لورود الماء يوم خمسها وكظها ، وقد ذللت لك بنى سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع.

فلمّا قرأ الحسين عليه‌السلام الكتاب قال مالك أمنك الله يوم الخوف ، وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر فلمّا تجهز المشار إليه للخروج الى الحسين عليه‌السلام بلغه قتله قبل أن يسير فخرج من انقطاعه عنه ، وأمّا المنذر بن الجارود فانه جاء بالكتاب والرسول الى عبيد الله ابن زياد ، كان المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله بن زياد ، وكانت بحرية بنت المنذر زوجة لعبيد الله بن زياد ، فاخذ عبيد الله بن

٣١١

زياد الرسول فصلبه ، ثمّ صعد المنبر فخطب وتوعّد أهل البصرة على الخلاف وإثارة الارجاف(١).

٣٣ ـ باب ارساله مسلم ابن عقيل الى الكوفة

١ ـ قال الشيخ المفيد : كتب عليه‌السلام مع هانى بن هانى ، وسعيد بن عبد الله ، وكانا آخر الرّسل.

بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علىّ الى الملأ من المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد فانّ هانيا وسعيدا قدما علىّ بكتبكم وكانا آخر من قدم علىّ من رسلكم وقد فهمت كلّ الّذي اقتصصتم ، وذكرتم ومقالة جلّكم انه ليس علينا امام ، فاقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ ، والهدى ، وإنّى باعث إليكم أخى وابن عمّى وثقتى من أهل بيتى ، مسلم بن عقيل.

فان كتب إلىّ أنّه قد اجتمع رأى ملاءكم وذوى الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم ، وقرأت فى كتبكم فانّى أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله فلعمرى ، ما الامام إلّا الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الداين بدين الحقّ الحابس نفسه على ذات الله والسلام.

ودعى الحسين عليه‌السلام مسلم بن عقيل ، فسرّحه مع قيس بن مسهّر الصيداوى وعمارة بن عبد الله السّلولى ، وعبد الله وعبد الرحمن ابنا شدّاد الأرحبى وأمره بالتقوى وكتمان امره واللّطف فان رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك.

__________________

(١) اللهوف : ١٦ ـ ١٩

٣١٢

فأقبل مسلم رحمه‌الله حتّى أتى المدينة ، فصلّى فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وودّع من أحبّ أهله واستأجر دليلين من قيس ، فاقبلا به يتنكّبان الطرق ، فضلّا وأصابهما عطش شديد ، فعجزا عن السير ، فأومأ له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهما ذلك فسلك مسلم ذلك السنين ومات الدليلان عطشا ، فكتب مسلم بن عقيل رحمة الله عليهما ، من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهّر.

أمّا بعد فانّى أقبلت من المدينة مع دليلين فجازا عن الطريق فضلّا واشتدّ عليهما العطش ، فلم يلبثا أن ماتا وأقبلنا حتّى انتهينا الى الماء ، فلم ننج الّا بحشاشة أنفسنا وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت وقد تطيّرت من توجّهى هذا ، فان رأيت أعفيتنى منه وبعث غيرى والسلام.

فكتب إليه الحسين عليه‌السلام ، أمّا بعد : فقد خشيت ان لا يكون حملك على الكتاب الىّ فى الاستعفاء من الوجه الّذي وجّهتك له إلّا الجبن ، فامض لوجهك الذي وجّهتك فيه ، والسلام.

فلمّا قرأ مسلم الكتاب قال أمّا هذا فلست أتخوّفه على نفسى ، فأقبل حتّى مرّ بماء لطىّ ، فنزل ثمّ ارتحل عنه ، فاذا رجل يرمى الصيد فنظر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له ، فصرعه فقال مسلم بن عقيل نقتل عدوّنا إن شاء الله تعالى ثمّ أقبل حتّى دخل الكوفة فنزل فى دار المختار بن أبى عبيدة ، وهى الّتي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيّب ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه.

فلمّا اجتمع إليه منهم جماعة قرء عليهم كتاب الحسين عليه‌السلام وهم يبكون ، وبايعه النّاس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا ، فكتب مسلم الى الحسين عليه‌السلام يخبره ببيعة ثمانية عشر الفا ، ويأمره بالقدوم ، وجعلت الشيعة تختلف الى مسلم بن عقيل رحمه‌الله حتّى علم بمكانه ، فبلغ النعمان بن بشير ذلك ، وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقرّه يزيد عليها فصعد المنبر فحمد إله واثنى عليه ثمّ قال.

٣١٣

أمّا بعد فاتّقوا الله عباد الله ، ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فانّ فيها تهلك الرجال وتسفك الدماء ، وتغصب الأموال ، إنّى لا أقاتل من لا يقاتلنى ولا أتى على من لم يأت علىّ ، ولا أنبّه نائمكم ولا اتحرش بكم ، ولا آخذ بالقرف ولا الظنّة ولا التّهمه ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لى ونكثتم بيعتكم ، وخالفتم إمامكم فو الله الذي لا إله غيره لأضربنّكم بسيفى ما ثبت قائمه فى يدى ، ولو لم يكن لى منكم ناصر ، أما انّى أرجو أن يكون من يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل.

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمى حليف بنى أميّة فقال له : إنّه لا يصلح ما ترى أيّها الامير ، إلّا الغشم وانّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأى المستضعفين ، فقال له النّعمان : لأن أكون من المستضعفين فى طاعة الله أحبّ إلىّ من أن أكون من الاعزّين فى معصية الله ، ثمّ نزل ، وخرج عبد الله بن مسلم ، وكتب إلى يزيد بن معاوية كتابا.

أمّا بعد فانّ مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة وبايعته الشيعة للحسين بن علىّ ابن أبى طالب عليهما‌السلام ، فان يكن لك فى الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويّا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك فى عدوّك ، فانّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضيّف ، ثمّ كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه (١).

٢ ـ قال الطبرسى : فدعا بمسلم ابن عقيل ، فسرّحه مع قيس بن مسهّر الصيداوى ، وعمارة بن عبد الله السلولى وعبد الرحمن بن عبد الله الازدى ، فأقبل مسلم حتّى دخل الكوفة ، فنزل دار المختار بن أبى عبيدة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا ، فكتب مسلم الى الحسين بن علىّ يخبره بذلك ، ويأمره بالقدوم ، وعلى الكوفة يومئذ النعمان بن بشير من قبل

__________________

(١) الارشاد : ١٨٥.

٣١٤

يزيد ، وكتب عبد الله بن مسلم الحضرمى ، الى يزيد بن معاوية أنّ مسلم بن عقيل قدم الى الكوفة ، فبايعته الشيعة للحسين بن على ، فان كان لك فى الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويّا ، فانّ النعمان بن بشير رجل ضعيف (١).

٣ ـ قال الفتال : دعا الحسين مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهّر الصيداوى ، وعمارة بن عبد الله السّلولى ، وعبد الرحمن بن عبد الله الارحبى وأمره بتقوى الله وكتمان أمره ، واللّطف ، فان رأى الناس مجمعين مستوثقين عجّل إلىّ بذلك ، فاقبل مسلم حتّى أتى الكوفة فنزل دار المختار بن أبى عبيدة ، وهى تدعى دار سلام بن المسيّب ، فاقبلت الشيعة يختلف إليه فكلّما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه‌السلام ، وهم يبكون وبايعه النّاس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر الفا.

فكتب مسلم الى الحسين بن على عليهما‌السلام ، يخبره ببيعة ثمانية عشر الفا ويأمره بالقدوم ، وجعلت الشيعة يختلف الى مسلم بن عقيل رضى الله عنه ، حتّى علم بمكانه ، فبلغ النعمان بن بشير وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها ، وكتب عبد الله بن مسلم وعمارة بن عقبة وعمر بن سعد إلى يزيد بن معاوية أمّا بعد فان مسلم بن عقيل قدم الكوفة ، فبايعه شيعة الحسين بن على عليهما‌السلام ، فان يكن لك فى الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويّا ، ينفذ امرك ويعمل مثل عملك فى عدوّك ، فان النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعّف (٢).

٤ ـ قال ابن شهرآشوب : كتب مع مسلم بن عقيل بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علىّ إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين ، أمّا بعد فانّ هانيا وسعيدا قدما علىّ بكتبكم ، وكانا آخر من قدم علىّ من رسلكم ، وقد فهمت كلّ الّذي اقتصصتم ، وذكرتم ، ومقالة جلّكم أنّه ليس لنا إمام ، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى ،

__________________

(١) اعلام الورى : ٢٣١.

(٢) روضة الواعظين : ١٤٨.

٣١٥

وأنا باعث إليكم أخى وابن عمّى ، وثقتى من أهل بيتى ، فان كتب الىّ أنّه قد أجمع راى أحداثكم وذوى الفضل منكم ، على مثل ما قدمت به رسلكم ، وتواترت به كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله ولعمرى ، ما الامام إلّا الحاكم القائم بالقسط ، الداين بدين الله ، الحابس نفسه على ذات الله.

فقصد مسلم على غير الطريق وكان رائده رجلان من قيس عيلان ، فأضلّا الطريق وماتا من العطش ، وادرك مسلم ماء فتطيّر مسلم من ذلك وكتب الى الحسين عليه‌السلام يستعفيه من ذلك فأجابه أما بعد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إلىّ والاستعفاء من وجهك هذا الذي أنت فيه الّا الجبن والفشل فامض لما أمرت به.

فدخل مسلم الكوفة فسكن فى دار سالم ابن المسيّب ، فاختلف إليه الشيعة ، فقرأ عليهم كتابه فبايعه اثنا عشر ألف رجل ، فرفع ذلك الى النعمان بن بشير وهو والى الكوفة فجمع الناس فخطب فيهم ونصحهم ، وكتب عبد الله بن مسلم الحضرمى ، وعمارة بن عقبة بن الوليد وعمر بن سعد بن أبى وقّاص الى يزيد ، إن كان لك حاجة فى الكوفة ، فابعث رجلا قويّا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك ، فانّ النعمان بن بشير إمّا ضعيف أو متضعّف(١).

٥ ـ قال ابن طاوس : ثمّ طلب مسلم بن عقيل ، وأطلعه على الحال ، وكتب معه جواب كتبهم ، يعدهم بالقبول ، ويقول ما معناه قد نفذت إليكم ابن عمّى مسلم ابن عقيل ، ليعرفنى ما أنتم عليه ، من رأى جميل فسار مسلم بالكتاب حتّى وصل بالكوفة ، فلمّا وقفوا على كتابه كثر استبشارهم بايابه ، ثمّ أنزلوه فى دار المختار بن أبى عبيدة الثقفى ، وصارت الشيعة تختلف إليه ، فلمّا اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢٠٩.

٣١٦

كتاب الحسين عليه‌السلام ، وهم يبكون ، حتّى بايعه منهم ثمانية عشر الفا ، وكتب عبد الله ابن مسلم الباهلى وعمارة بن عقبة بن وليد ، وعمر بن سعد ، الى يزيد يخبرونه بأمر مسلم ويشيرون عليه بصرف النعمان بن بشير وولاية نميرة (١).

٣٤ ـ باب شهادة مسلم بن عقيل

١ ـ قال المفيد : فلمّا وصلت الكتب الى يزيد دعى سرجون مولى معاوية فقال ما رأيك إنّ حسينا قد نفذ الى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له ، وقد بلغنى عن النعمان ضعف وقول شيء ، فمن ترى أن استعمل على الكوفة ، وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد ، فقال له سرجون أرأيت لو يشير لك معاوية حيّا ما كنت آخذا برأيه ، قال : بلى قال فاخرج سرجون عهد عبيد الله بن زياد على الكوفة وقال : هذا رأى معاوية مات وقد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين الى عبيد الله.

فقال له يزيد أفعل ابعث بعهد عبيد الله بن زياد إليه ثمّ دعى مسلم بن عمرو الباهلى ، وكتب الى عبيد الله معه امّا بعد فانّه كتب الىّ شيعتى من أهل الكوفة يخبروننى أنّ ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشقّ عصا المسلمين فسرحين تقرأ كتابى هذا حتّى تأتى الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخزرة حتّى تثفقه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام وسلّم إليه عهده على الكوفة.

فخرج مسلم بن عمرو حتّى قدم على عبيد الله بالبصرة ، وأوصل إليه العهد ، والكتاب فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته والمسير والتهيّؤ الى الكوفة من الغد ، ثمّ

__________________

(١) اللهوف : ١٦.

٣١٧

خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان وأقبل الى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلى ، وشريك بن الأعور الحارثى ، وحشمه وأهل بيته حتّى دخل الكوفة ، وعليه عمامة سوداء وهو متلثم والناس قد بلغهم اقبال الحسين عليه‌السلام.

فاخذ لا يمرّ على جماعة من الناس الّا سلّموا عليه وقالوا مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم ، فراى من تباشرهم بالحسين عليه‌السلام ما ساءه فقال مسلم بن عمرو ، لمّا اكثروا تأخّروا هذا الامير عبيد الله بن زياد وسار حتّى وافى القصر ، باللّيل ومعه جماعة قد التفّوا به لا يشكّون أنّه الحسين عليه‌السلام ، فاغلق النّعمان بن بشير عليه وعلى خاصّته فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب ، فاطلع عليه النّعمان وهو يظنّه الحسين عليه‌السلام.

فقال انشدك الله الّا تنحيت ، والله ما انا بمسلّم إليك أمانتى ومالى فى قتالك من ارب ، فجعل لا يكلّمه ثمّ انّه دنى ، وتدلّى النعمان من شرف القصر ، فجعل يكلّمه ، افتح لا فتحت ، فقد طال ليلك ، وسمعها إنسان خلقه فنكص إلى قوم الذين اتّبعوه ، من أهل الكوفة على انّه الحسين عليه‌السلام فقال يا قوم ابن مرجانة والذي لا إله. غيره ، ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب فى وجوه النّاس وانفضّوا.

فأصبح فنادى فى الناس الصّلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال امّا بعد ، فانّ أمير المؤمنين يزيد ولّانى مصركم ، وثغركم وفيئكم وأمرنى بانصاف مظلومكم ، واعطاء محرومكم ، والاحسان إلى سامعكم ، ومطيعكم كالوالد البرّ ، وسوطى ، وسيفى على من ترك أمرى ، وخالف عهدى فليتّق امرؤ على نفسه الصدق ينبىء عنك لا الوعيد ثمّ نزل وأخذ العرفاء والنّاس أخذا شديدا.

فقال اكتبوا الى العرفاء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومن فيكم من أهل الحروريّة وأهل الرّيب الّذين شأنهم الخلاف والنّفاق ، والشقاق فمن يجىء لنا بهم

٣١٨

فبرئ ، ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من فى عرافته أن لا يخالفنا منهم ، مخالف ولا يبغى علينا منهم باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمّة ، وحلال لنا دمه وماله وايّما عريف وجد فى عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره والغيت تلك العرافة من العطاء.

لمّا سمع مسلم بن عقيل مجيء عبيد الله الى الكوفة ومقالته التي قالها وما أخذ به العرفاء والناس خرج من دار المختار حتى انتهى الى دار هانى بن عروة ، فدخلها فأخذت الشيعة تختلف إليه فى دار هانى على تستر واستخفاء من عبيد الله وتواصوا بالكتمان فدعى ابن زياد مولى له يقال له معقل فقال له خذ : ثلاثة آلاف درهم ، واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه ، فاذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فاعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم ، وقل لهم استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم.

فإنّك لو قد أعطيتهم ايّاها لقد اطمأنّوا إليك ووثقوا ، ولم يكتموك شيئا من أخبارهم ، ثمّ اغد عليهم ورح حتّى تعرف مستقرّ مسلم بن عقيل ، وتدخل عليه ، ففعل ذلك وجاء حتّى جلس الى مسلم بن عوسجة الاسدى فى المسجد الأعظم ، وهو يصلّى ، فسمع قوما يقولون هذا يبايع للحسين عليه‌السلام ، فجاء وجلس إلى جنبه ، حتّى فرغ من صلاته ، ثمّ قال يا عبد الله إنّى امرؤ من أهل الشّام أنعم الله علىّ بحبّ أهل البيت وحبّ من أحبّهم وتباكا له.

قال معى ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغنى أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكنت أريد لقائه فلم أجد أحدا يدلّنى عليه ولا أعرف مكانه فانّى لجالس فى المسجد الآن اذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت ، وانّى أتيتك لتقبض منّى هذا المال وتدخلنى على صاحبك ، فانّى أخ من اخوانك وثقة عليك ، وان شئت أخذت بيعتى له قبل لقائه.

٣١٩

فقال له ابن عوسجة : احمد الله على لقائك إيّاى فقد سرّنى ذلك لتنال الّذي تحبّ ، ولينصر الله بك أهل بيت نبيّه عليه وعليهم‌السلام ، ولقد ساءنى معرفة الناس إيّاى بهذا الامر ، قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية وسطوته ، قال له معقل لا يكون الّا خيرا خذ البيعة علىّ فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاه من ذلك ما رضى به ثمّ قال اختلف إلىّ ايّاما فى منزلى ، فانّى طالب لك الإذن على صاحبك واخذ يختلف مع الناس فطلب له الاذن.

فاذن له فاخذ مسلم بن عقيل بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدى بقبض المال منه ، وهو الذي كان يقبض أموالهم ، وما يعين به بعضهم بعضا ، ويشترى لهم السّلاح وكان بصيرا وفارسا من فرسان العرب ووجوه الشيعة ، واقبل ذلك الرجل يختلف إليهم ، فهو أوّل داخل وآخر خارج ، حتّى فهم ما احتاج إليه ابن زياد ، من أمرهم فكان يخبره به وقتا فوقتا ، وخاف هانى بن عروة عبيد الله على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فقال ابن زياد لجلسائه ما لي لا أرى هانيا فقالوا هو شاك.

فقال لو علمت بمرضه لعدّته ودعى محمّد بن الاشعث واسماء بن خارجة وعمرو بن الحجّاج الزبيدى ، وكانت دويحة بنت عمرو تحت هانى بن عروة ، وهى أمّ يحيى بن هانى ، فقال لهم ما يمنع هانى بن عروة من إتياننا ، فقالوا ما ندرى وقد قيل انّه يشتكى ، قال قد بلغنى أنّه قد برىء وهو يجلس على باب داره ، فالقوه ومروه ألّا يدع ما عليه من حقّنا فانّى لا أحبّ أن يفسد عندى مثله من أشراف العرب ، فاتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة وهو جالس على بابه ، وقالوا له ما يمنعك من لقاء الامير فانّه قد ذكرك وقال لو اعلم انّه شاك لعدّته.

فقال لهم الشكوى تمنعنى ، فقالوا له قد بلغه أنك تجلس كلّ عشيّة على باب دارك ، وقد استبطاك والابطاء والجفاء لا يحتمله السلطان ، أقسمنا عليك لمّا ركبت معنا فدعى بثيابه ، فلبسها ثمّ دعى ببغلة فركبها ، حتّى اذا دنى من القصر ، كانّ نفسه

٣٢٠