مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

الحسين بن على ، فقال عمر : الحمد لله ، والله إنّى لأرجو أن أعفى من محاربة الحسين.

ثمّ كتب إلى ابن زياد يخبره بذلك ، فلمّا وصل كتابه الى ابن زياد ، كتب إليه فى جوابه: قد فهمت كتابك ، فأعرض على الحسين البيعة ليزيد ، فاذا بايع فى جميع من معه ، فأعلمنى ذلك ليأتيك رأيى فلمّا انتهى كتابه إلى عمر بن سعد قال : ما أحسب ابن زياد يريد العافية ، فأرسل عمر بن سعد بكتاب ابن زياد إلى الحسين ، فقال الحسين للرسول : لا أجيب ابن زياد الى ذلك أبدا ، فهل هو إلّا الموت فمرحبا به.

فكتب عمر بن سعد إلى ابن زياد بذلك ، فغضب ، فخرج بجميع أصحابه إلى النخيلة ، ثمّ وجّه الحصين بن نمير ، وحجّار بن أبجر ، وشبث بن ربعى ، وشمر بن ذى الجوشن ، ليعاونوا عمر بن سعد على أمره ، فأمّا شمر فنفذ لما وجّهه له ؛ وأمّا شبث فاعتلّ بمرض ، فقال له ابن زياد : أتتمارض؟ ان كنت فى طاعتنا فاخرج إلى قتال عدوّنا.

فلمّا سمع شبث ذلك خرج ، ووجّه أيضا الحارث بن يزيد بن رويم ، قالوا : وكان ابن زياد اذا وجّه الرجل الى قتال الحسين فى الجمع الكثير ، يصلون الى كربلاء ، ولم يبق منهم الّا القليل ، كانوا يكرهون قتال الحسين ، فيرتدعون ويتخلّفون.

فبعث ابن زياد سويد بن عبد الرحمن المنقرىّ فى خيل إلى الكوفة ، وأمره أن يطوف بها ، فمن وجده قد تخلّف أتاه به ، فبينا هو يطوف فى أحياء الكوفة إذ وجد رجلا من أهل الشام قد كان قدم الكوفة فى طلب ميراث له ، فأرسل به إلى ابن زياد ، فأمر به ، فضربت عنقه ، فلمّا رأى الناس ذلك خرجوا (١).

٩ ـ قال المسعودى : ثمّ سار حتّى لقى خيل عبيد الله بن زياد ، عليها عمر بن سعد ابن أبى وقّاص ، فعدل إلى كربلا ـ وهو فى مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٥٣.

٥٠١

وأصحابه ، ونحو مائه راجل ـ فلمّا كثرت العساكر على الحسين ، أيقن أنّه لا محيص له ، فقال : اللهمّ أحكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا ثمّ هم يقتلوننا (١).

١٠ ـ قال الطبرى : قدم عليهم عمر بن سعد بن أبى وقّاص من الكوفة فى أربعة آلاف. وكان سبب خروج ابن سعد الى الحسين عليه‌السلام ، انّ عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى ، وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها ، فكتب إليه ابن زياد عهده على الرّى ، وأمره بالخروج.

فخرج معسكرا بالناس بحمّام أعين ، فلمّا كان من أمر الحسين ما كان وأقبل الى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد ، فقال : سر إلى الحسين ، فاذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك ، فقال له عمر بن سعد : إن رأيت رحمك الله أن تعفينى فافعل ، فقال له عبيد الله : نعم ، على أن تردّ لنا عهدنا : قال : فلمّا قال له ذلك قال عمر بن سعد : أمهلنى اليوم حتّى أنظر.

قال : فانصرف عمر يستشير نصحاءه ، فلم يكن يستشير أحدا إلّا نهاه ، قال : وجاء حمزة ابن المغيرة بن شعبة ـ وهو ابن أخته ـ فقال : أنشدك الله يا خال أن تسير الى الحسين ، فتاثّم بربّك ، وقطع رحمك! فو الله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها لو كان لك ، خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين! فقال له عمر ابن سعد : فانّى افعل إن شاء الله (٢).

١١ ـ عنه قال هشام : حدّثنى عوانة بن الحكم ، عن عمّار بن عبد الله بن يسار الجهنى ، عن أبيه ، قال : دخلت على عمر بن سعد ، وقد أمر بالمسير الى الحسين ، فقال لى : إنّ الأمير أمرنى بالمسير الى الحسين ، فأبيت ذلك عليه ، فقلت له : أصاب الله بك أرشدك الله ، أحلّ فلا تفعل ولا تسر إليه ، فقال : فخرجت من عنده ، فأتانى آت و

__________________

(١) مروج الذهب : ٣ / ٧٠.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٧٠٩.

٥٠٢

قال : هذا عمر بن سعد يندب الناس الى الحسين.

قال : فأتيته فاذا هو جالس ، فلمّا رآنى أعرض بوجهه فعرفت أنّه قد عزم على المسير إليه ، فخرجت من عنده ، قال : فأقبل عمر ابن سعد إلى ابن زياد ، فقال : أصلحك الله! إنّك ولّيتنى هذا العمل ، وكتبت لى العهد ، وسمع به الناس ، فان رأيت أن تنفذ لى ذلك فافعل وابعث إلى الحسين فى هذا الجيش من أشراف الكوفة من لست بأغنى ولا أجزأ عنك فى الحرب منه ؛ فسمّى له أناسا.

فقال له ابن زياد : لا تعلمنى بأشراف أهل الكوفة ، ولست أستأمرك فيمن أريد أن أبعث ، ان سرت بجندنا ، وإلّا فابعث إلينا بعهدنا ، فلمّا رآه قد لجّ قال : فانّى سائر ؛ قال فأقبل فى أربعة آلاف حتّى نزل بالحسين من الغد من يوم نزل الحسين نينوى ، قال : فبعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه‌السلام عزرة بن قيس الأحمسى ، فقال : ائته فسله ما الّذي جاء به؟ وما ذا يريد؟ وكان عزرة ممّن كتب الى الحسين.

فاستحيا منه أن يأتيه ، قال : فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه ، فكلّهم أبى وكرهه. قال : وقام إليه كثير بن عبد الله الشعبىّ ـ وكان فارسا شجاعا ليس يردّ وجهه شيء ـ فقال : أنا أذهب إليه ، والله لئن شئت لأفتكنّ به ، فقال له عمر بن سعد : ما أريد أن يفتك به ، ولكن ائته فسله ما الّذي جاء به؟ قال : فأقبل إليه ، فلمّا رآه أبو ثمامة الصائدى قال للحسين : أصلحك الله أبا عبد الله! قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرؤه على دم وأفتكه.

فقام إليه فقال : ضع سيفك ؛ قال : لا والله ولا كرامة ، إنّما أنا رسول ، فان سمعتم منّى أبلغكم ما أرسلت به إليكم ، وإن أبيتم انصرفت عنكم ، فقال له : فانّى آخذ بقائم سيفك ، ثمّ تكلّم بحاجتك ، قال : لا والله ، لا تمسّه فقال له : أخبرنى ما جئت به وأنا أبلغه عنك ، ولا أدعك تدنو منه ، فانّك فاجر قال : فاستبّا.

ثمّ انصرف إلى عمر بن سعد ، فأخبره الخبر ، قال : فدعا عمر ، قرّة بن قيس

٥٠٣

الحنظلى ، فقال له : ويحك يا قرّة! الق حسينا فسله ما جاء به؟ وما ذا يريد؟ قال : فأتاه قرّة بن قيس ، فلمّا رآه الحسين مقبلا قال : أتعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر : نعم ، هذا رجل من حنظلة تميمىّ ، وهو ابن اختنا ، ولقد كنت أعرفه بحسن الرأى ، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد.

قال : فجاء حتّى سلّم على الحسين ، وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه له ، فقال الحسين : كتب الىّ أهل مصركم هذا أن أقدم ، فأمّا إذا كرهوني فأنا أنصرف عنهم قال : ثمّ قال له حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرّة ابن قيس! أنّى ترجع الى القوم الظالمين! انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة ، وإيّانا معك فقال له قرّة أرجع إلى صاحبى بجواب رسالته ، وأرى رأيى ، قال فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر ، فقال له عمر بن سعد: إنّى لأرجو أن يعافينى الله من حربه وقتاله (١).

١٢ ـ عنه قال هشام ، عن أبى مخنف ، قال : حدّثنى النضر بن صالح بن حبيب ابن زهير العبسىّ ، عن حسان بن فائد بن بكير العبسى ، قال : أشهد أنّ كتاب عمر ابن سعد جاء الى عبيد الله بن زياد وأنا عنده ، فاذا فيه : بسم الله الرّحمن الرحيم. أمّا بعد ، فانّى حيث نزلت بالحسين ، بعثت إليه رسولى فسألته عمّا أقدمه ، وما ذا يطلب ويسأل ، فقال : كتب إلىّ أهل هذه البلاد ، وأتتنى رسلهم ، فسألونى القدوم ، ففعلت ، فأمّا إذ كرهونى فبدا لهم غير ما أتتنى به رسلهم ، فأنا منصرف عنهم ، فلمّا قرىء الكتاب على ابن زياد قال :

الآن إذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاة ولات حين مناص!

قال : وكتب إلى عمر بن سعد : بسم الله الرحمن الرحيم : أمّا بعد ، فقد بلغنى

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٩.

٥٠٤

كتابك ، وفهمت ما ذكرت ، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية ، هو وجميع أصحابه ، فاذا فعل ذلك رأينا رأينا ، والسلام. (١)

١٣ ـ قال سبط ابن الجوزى : كان ابن زياد قد جهز عمر بن سعد ابن أبى وقّاص لقتال الحسين فى أربعة آلاف وجهّز خمسمائة فارس فنزلوا على الشرائع ، وقال ابن زياد لعمر بن سعد ، اكفنى هذا الرجل ـ وكان عمر يكره قتاله ـ فقال أعفنى ، فقال لا أعفيك ، وكان ابن زياد قد ولى عمر بن سعد الرى وخوزستان ، فقال قاتله والّا عزلتك ، فقال : أمهلنى اللّيلة ، فأمهله ففكر فاختار ولاية الرى على قتل الحسين ، فلمّا أصبح غدا عليه فقال أنا أقاتله. (٢)

١٤ ـ عنه قال محمّد بن سيرين : وقد ظهرت كرامات علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام فى هذا فانّه لقى عمر بن سعد يوما ، وهو شاب ، فقال : ويحك يا ابن سعد ، كيف بك إذا أقمت يوما مقاما تخيّر فيه بين الجنّة والنار فتختار النار. (٣)

١٥ ـ قال الواقدى وغيره : لما رحل الحسين عليه‌السلام من القادسية وقف يختار مكانا ينزل فيه واذا سواد الخيل قد أقبل كاللّيل ، وكأن راياتهم أجنحة النسور وأسنتهم اليعاسيب فنزلوا مقابلهم ، ومنعوهم الماء ثلاثة أيام ، فناداه عبد الله بن حصين الازدى يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشا.

فقال الحسين : اللهمّ اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا ، فكان بعد ذلك يشرب الماء ولا يروى حتّى سقى بطنه فمات عطشا ، وناداه عمرو بن الحجّاج يا حسين هذا الماء تلغ فيه الكلاب وتشرب منه خنازير أهل السواد ، والحمر والذئاب وما تذوق منه

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤١١.

(٢) تذكرة الخواص : ٢٤٦.

(٣) تذكرة الخواص : ٢٤٧.

٥٠٥

والله قطرة حتّى تذوق الحميم فى نار الجحيم ، فكان سماع هذا الكلام على الحسين أشدّ من منعهم ايّاه الماء قال : فلمّا اشتد بالحسين وأصحابه العطش بعث بالعبّاس بن على عليه‌السلام ، أخيه إلى المشارع فى ثلاثين فارسا ، وعشرين راجلا فاقتتلوا عليه ولم يمكنوهم من الوصول إليه.

كان عمر بن سعد يكره قتال الحسين ، فبعث إليه يطلب الاجتماع به ، فاجتمعا خلوة ، فقال له عمر ما جاء بك ، فقال أهل الكوفة ، فقال : ما عرفت ما فعلوا معكم ، فقال من خادعنا فى الله انخدعنا له ، فقال له عمر : قد وقعت الآن فما ترى فقال دعونى أرجع فأقيم بمكّة أو المدينة أو أذهب إلى بعض الثغور ، فاقيم به كبعض أهله ، فقال اكتب الى ابن زياد بذلك ، فكتب الى ابن زياد بخبره بما قال فهمّ ابن زياد أن يجيبه إلى ذلك.

فقال شمر بن ذى الجوشن الكلابى ، لا تقبل منه حتّى يضع يده فى يدك ، فانّه ان أفلت كان أولى بالقوّة منك وكنت أولى بالضعف منه فلا ترض إلّا بنزوله على حكمك ، فقال ابن زياد نعم ما رأيت وكتب الى ابن سعد ، أمّا بعد : فانّى لم أبعثك إلى الحسين لتطاوله وتمنّيه السلامة وتكون شافعا له عندى ، فان نزل على حكمى ووضع يده فى يدى ، فابعث به إلىّ ، وان أبى فأزحف عليه واقتله وأصحابه وأوطئ الخيل صدره وظهره ، ومثل به ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وسلمه الى شمر ابن ذى الجوشن فقد أمرناه فيك بأمر وكتب الى أسفل الكتاب.

الآن حين تعلّقته حبالنا

يرجو الخلاص ولات حين مناص

رفع الكتاب الى شمر وقال: اذهب إليه فان فعل ما أمرته به والّا فاضرب عنقه وأنت الأمير على الناس ، وأبعث إلىّ برأسه ، قلت : وقد وقع فى بعض النسخ ان الحسين عليه‌السلام قال لعمر بن سعد دعونى أمضى إلى المدينة أو الى يزيد فاضع يدى فى يده ، ولا يصحّ ذلك عنه ، فان عقبة بن سمعان ، قال : صحبت الحسين من المدينة إلى

٥٠٦

العراق ، ولم أزل معه الى أن قتل والله ما سمعته قال ذلك (١).

٣٩ ـ باب منع الماء

١ ـ قال الصدوق : فبلغ عبيد الله بن زياد أنّ عمر بن سعد يسامر الحسين عليه‌السلام ويحدّثه ويكره قتاله فوجه إليه شمر بن ذى الجوشن فى أربعة آلاف فارس ، وكتب إلى عمر بن سعد : إذا أتاك كتابى هذا فلا تمهلنّ الحسين بن على ، وخذ بكظمه وحل بين الماء وبينه كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار (٢)

٢ ـ قال المفيد : وورد كتاب ابن زياد ، فى الأثر إلى عمر بن سعد : أن حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقى الزكىّ عثمان بن عفان ، فبعث عمر بن سعد فى الوقت عمرو بن الحجّاج ، فى خمس مائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، ان يستقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين عليه‌السلام بثلاثة أيّام.

نادى عبد الله بن حصين الأزدى وكان عداده فى بجيلة ، بأعلى صوته يا حسين ألا تنظر إلى الماء كانه كبد السماء ، والله لا تذوقون منه قطرة واحدة حتّى تموتوا عطشا ، فقال الحسين عليه‌السلام : اللهمّ اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا ، قال حميد بن مسلم : والله لعدته بعد ذلك فى مرضه ، فو الله الذي لا إله غيره ، لقد رأيته يشرب الماء حتّى يبغر ، ثمّ يقىء ويصيح العطش ، العطش ، ثمّ يعود فيشرب الماء حتّى يبغر ،

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٤٧.

(٢) أمالى الصدوق : ٩٤.

٥٠٧

ثمّ يقيئه ويتلظّى عطشا ، فما ذال ذلك دأبه حتّى لفظ نفسه لعنه الله (١).

٣ ـ قال الفتال : ورد كتاب ابن زياد فى الاثر إلى عمر بن سعد أن حل بين الحسين وأصحابه والماء ، فلا يذوقوا منه قطرة ، كما صنع بالتقى الزكىّ عثمان بن عفان فبعث عمر بن سعر فى الوقت عمرو بن الحجّاج فى خمسمائة فارس ، فنزلوا الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء أن يستقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيّام ، ونادى عبيد الله بن حصين الأزدى وكان عداده فى بجيلة.

فقال بأعلى صوته الا تنظروا إلى الماء كأنّه كبد السماء ، والله لا تذوقون منه قطرة حتّى تموتوا ، عطشا ، فقال الحسين عليه‌السلام : اللهمّ اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا قال حميد بن مسلم : والله لعدّته بعد ذلك فى مرضه ، فو الله الّذي لا إله إلّا هو لقد رأيته يشرب الماء حتّى يبغر ، ويقىء ، ويصيح : العطش العطش ، ثمّ يعود فيشرب الماء حتّى يبغر ثمّ يقيئه ويتلظّى عطشا فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ نفسه (٢).

٤ ـ قال ابن شهرآشوب : كتب ابن زياد إلى عمر بن سعد ، أمّا بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقىّ النقىّ عثمان أمير المؤمنين المظلوم ، قال : بعث عمر بن سعد ، عمرو بن الحجّاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بينه وبين الماء ثلاثة أيّام إلى أن قتل (٣).

٥ ـ قال الدينورى : قالوا : ورد كتاب ابن زياد الى عمر بن سعد ، أن امنع الحسين وأصحابه الماء ، فلا يذوقوا منه حسوة ، كما فعلوا بالتقىّ عثمان بن عفان ، فلمّا ورد على عمر بن سعد ذلك ، أمر عمرو بن الحجّاج أن يسير فى خمسمائة راكب ، فينيخ على الشريعة ، ويحولوا بين الحسين وأصحابه ، وبين الماء ، وذلك قبل مقتله بثلاثة

__________________

(١) الارشاد : ٢١١.

(٢) روضة الواعظين : ١٥٦.

(٣) المناقب : ٢ / ٢١٤.

٥٠٨

أيّام ، فمكث أصحاب الحسين عطاشى.

قالوا فلمّا اشتدّ بالحسين وأصحابه العطش ، أمر أخاه العبّاس بن على ـ وكانت أمه من بنى عامر بن صعصعة ـ أن يمضى فى ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، مع كلّ رجل قربة حتّى يأتوا الماء ، فيحاربوا من حال بينهم وبينه. فمضى العبّاس نحو الماء وأمامهم نافع بن هلال حتّى دنوا من الشريعة.

فمنعهم عمرو بن الحجّاج ، فجالدهما العبّاس على الشريعة بمن معه حتّى أزالوهم عنها ، واقتحم رجّالة الحسين الماء ، فملئوا قربهم ، ووقف العبّاس فى أصحابه يذبّون منهم حتّى أوصلوا الماء إلى عسكر الحسين (١).

٦ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : حدّثنى سليمان بن أبى راشد ، عن حميد بن مسلم الأزدى ، قال : جاء من عبيد الله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد : أمّا بعد : فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة ، كما صنع بالتقىّ الزكىّ المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، قال : فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج على خمسمائة فارس ، فنزلوا على الشريعة ، وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين بثلاث.

قال : ونازله عبد الله بن أبى حصين الأزدى وعداده فى بجيلة ، فقال : يا حسين ، ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء! والله لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشا ، فقال حسين: اللهمّ اقتله عطشا ، ولا تغفر له أبدا ، قال حميد بن مسلم والله : لعدته بعد ذلك فى مرضه ، فو الله الذي لا إله الّا هو لقد رأيته يشرب حتّى يبغر ، ثمّ يقيئ ، ثمّ يعود فيشرب حتّى يبغر ، فما يروى ، فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ عصبه. بعنى نفسه.

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٥٥.

٥٠٩

قال : ولمّا اشتد على الحسين وأصحابه العطش ، دعا العبّاس بن على بن أبى طالب ، أخاه ، فبعثه فى ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، وبعث معهم بعشرين قربة ، فجاءوا حتّى دنوا من الماء ليلا واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملىّ ، فقال عمرو بن الحجّاج الزبيدى : من الرجل؟ فجىء فقال : ما جاء بك؟ قال جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئا ، قال : لا والله ، لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه.

فطلعوا عليه ، فقال : لا سبيل إلى سقى هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء ، فلمّا دنا منه أصحابه قال لرجاله : املئوا قربكم ، فشدّ الرّجالة فملئوا قربهم ، وثار إليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، فحمل عليهم العبّاس بن علىّ ونافع بن هلال ، فكفّوهم ، ثمّ انصرفوا إلى رحالهم ، فقالوا : امضوا ووقفوا دونهم.

فعطف عليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه واطّردوا قليلا ، ثمّ إنّ رجلا من صداء طعن من أصحاب عمرو بن الحجّاج ، طعنه نافع بن هلال ، فظنّ أنّها ليست بشيء ، ثمّ إنّها انتقضت بعد ذلك فمات منها ، وجاء أصحاب حسين بالقرب فأدخلوها عليه (١).

٧ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى أبو جناب عن هانئ بن ثبيت الحضرمى وكان قد شهد قتل الحسين ، قال : بعث الحسين عليه‌السلام إلى عمر بن سعد ، عمرو بن قرظة ابن كعب الأنصاري ، أن ألقنى اللّيل بين عسكرى وعسكرك ، قال : فخرج عمر بن سعد فى نحو من عشرين فارسا ، وأقبل حسين فى مثل ذلك ، فلمّا التقوا أمر حسين أصحابه أن يتنحّوا عنه ، وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك.

قال : فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ، ولا كلامهما ، فتكلّما فأطالا

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤١٢.

٥١٠

حتّى ذهب من اللّيل هزيع ، ثمّ انصرف كلّ واحد منهما الى عسكره ، بأصحابه ، وتحدّث الناس فيما بينهما ، ظنّا يظنّونه أنّ حسينا قال لعمر بن سعد : أخرج معى الى يزيد بن معاوية وندع العسكرين ، قال عمر : إذن تهدم دارى ، قال : أنا أبنيها لك ، قال : اذن تؤخذ ضياعى ، قال : إذن أعطيك خيرا منها من مالى بالحجاز ، قال : فتكره ذلك عمر ، قال : فتحدّث الناس بذلك ، وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئا ولا علموه(١).

٨ ـ عنه قال أبو مخنف : وأمّا ما حدّثنا به المجاهد بن سعد والصقعب بن زهير الأزدى ، وغيرهما من المحدّثين ، فهو ما عليه جماعة المحدّثين ، قالوا : إنّه قال : اختاروا منّى خصالا ثلاثا : إمّا أن أرجع الى المكان الّذي أقبلت منه ، وإمّا أن أضع يدى فى يد يزيد بن معاويه فيرى فيما بينى وبينه رأيه ، وإمّا أن تسيّرونى إلى أىّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم ، أكون رجلا من أهله ، لى ما لهم وعلىّ ما عليهم (٢).

٩ ـ عنه قال أبو مخنف : فأمّا عبد الرحمن بن جندب فحدّثنى عن عقبة بن سمعان ، قال : صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى قتل ، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا فى الطريق ولا بالعراق ولا فى عسكر الى يوم مقتله إلّا وقد سمعتها : ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون ، من أن يضع يده فى يد يزيد بن معاوية ، ولا أن يسيّروه الى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنّه قال : دعونى فلأذهب فى هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر الناس (٣)

١٠ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى المجالد بن سعيد الهمدانيّ ، والصقعب بن

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٥١٣.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤١٣.

(٣) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤١٣.

٥١١

زهير ، أنّهما كانا التقيا مرارا ثلاثا أو أربعا ، حسين وعمر بن سعد ، قال : فكتب عمر ابن سعد إلى عبيد الله بن زياد : أمّا بعد ، فانّ الله قد أطفأ النائرة ، وجمع الكلمة ، وأصلح أمر الامّة ، هذا حسين قد أعطانى أن يرجع إلى مكان الذي منه أتى ، أو أن نسيّره إلى أىّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا ، فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، أو أن يأتى يزيد أمير المؤمنين فيضع يده فى يده (١) ، فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفى هذا لكم رضا ، وللامّة صلاح.

قال : فلمّا قرأ عبيد إله الكتاب قال : هذا كتاب رجل ناصح لأميره ، مشفق على قومه ، نعم قد قبلت قال : فقام إليه شمر بن ذى الجوشن ، فقال : أتقبل هذا منه ، وقد نزل بأرضك إلى جنبك! والله لئن رحل من بلدك ، ولم يضع يده فى يدك ، ليكوننّ أولى بالقوّة والعزّة ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز ، فلا تعطه هذه المنزلة ، فانّها من الوهن ، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه ، فان عاقبت فأنت ولىّ العقوبة ، وإن غفرت كان ذلك لك ، والله لقد بلغنى أنّ حسينا وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة اللّيل ، فقال له ابن زياد : نعم ما رأيت! الرأى رأيك (٢).

١١ ـ أبو جعفر المشهدى باسناده عن الصادق صلوات الله عليه ، قال : ثمّ برز من عسكر عمر بن سعد لعنه الله رجل يقال له : تميم بن الحصين فنادى : يا حسين ، ويا أصحاب الحسين ، أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنّه بطون الحيات ، والله لاذقتم منه قطرة ، حتّى تذوق الموت جزعا ، فقال الحسين صلوات الله عليه ، هذا وأبوه من أهل النار ، اللهم اقتل هذا عطشا فى هذا اليوم ، قال : فخنقه العطش حتّى

__________________

(١) هذا من افتراء ابن سعد على الامام الحسين عليه‌السلام.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤١٤.

٥١٢

سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها حتّى مات لعنه الله (١)

١٢ ـ عنه باسناده ، عن القاسم بن الاصبغ بن نباتة ، قال : حدّثنى من شهد عسكر الحسين عليه‌السلام ، انّ الحسين لمّا غلب على عسكره العطش ركب المسناة زيد الفرات ، فقال رجل من بنى أبان بن دارم : حولوا بينه وبين الماء ، ورمى بسهم فأثبته فى حنكه ، فقال عليه‌السلام : اللهمّ اظمئه فو الله ما لبث الرجل إلّا يسيرا حتّى صبّ الله عليه الظمأ.

قال القاسم بن الأصبغ : لقد رأيته وبين يديه قلال فيها الماء ، وإنّه ليقول : ويلكم اسقونى قتلنى الظمأ ، فيعطى القلّة أو العسّ الذي كان أحدهما مرويا أهل بيت ، فيشربه ، ثمّ يقول : ويلكم اسقونى قتلنى الظمأ. قال : فو الله ما لبث إلّا يسيرا حتّى انقدّ بطنه انقداد بطن البعير ، وفى رواية أخرى النار توقد من خلفه ، والثلج موضوع من قدامه ، وهو يقول : اسقونى (٢).

٤٠ ـ باب محاصرة الحسين عليه‌السلام

١ ـ قال الصدوق : فبلغ عبيد الله بن زياد أن عمر بن سعد يسامر الحسين عليه‌السلام ويحدّثه ويكره قتاله فوجه إليه شمر بن ذى الجوشن ، فى أربعة آلاف فارس وكتب الى عمر بن سعد ، إذا أتاك كتابى هذا ، فلا تمهلنّ الحسين بن على وخذ بكظمه وحل بين الماء وبينه ، كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار ، فلمّا وصل الكتاب الى عمر ابن سعد لعنه الله أمر مناديه فنادى انّا قد أجّلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم ،

__________________

(١) الثاقب فى المناقب : ٣٤.

(٢) الثاقب فى المناقب : ٣٤١.

٥١٣

فشق ذلك على الحسين عليه‌السلام وعلى أصحابه (١).

٢ ـ قال المفيد : لمّا رأى الحسين عليه‌السلام نزول العساكر مع عمر بن سعد لعنه الله بنينوى ، ومددهم لقتاله عليه‌السلام ، أنفذ الى عمر بن سعد ، انّى اريد ان ألقاك وأجتمع معك ، فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ، ثمّ رجع عمر بن سعد لعنه الله إلى مكانه ، وكتب إلى عبيد الله بن زياد عليه اللعنة : أمّا بعد فانّ الله قد أطفى النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الامّة هذا حسين قد أعطانى عهدا أن يرجع الى مكان الّذي هو منه أتى أو يسير إلى ثغر من الثغور ، فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو يأتى أمير المؤمنين يزيد فيضع يده فى يده فيرى فيما بينه وبينه وفى هذا لك رضى وللأمة صلاح.

فلمّا قرأ عبيد الله الكتاب قال : هذا كتاب ناصح مشفق على قومه ، فقام إليه شمر بن ذى الجوشن لعنه الله فقال : أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك ، وإلى جنبك ، والله لئن رحل من بلادك ، ولم يضع يده فى يدك ليكوننّ أولى بالقوّة ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز ، فلا تعطه هذه المنزلة ، فانّها من الوهن ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه ، فان عاقبت فأنت أولى بالعقوبة وإن عفوت كان ذلك لك.

فقال له ابن زياد : نعم ما رأيت ، الرأى رأيك اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد ، فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمى ، فان فعلوا فليبعث بهم الىّ سلما ، وان هم أبوا ، فليقاتلهم ، فان فعل فاسمع له وأطع وان أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش واضرب عنقه وابعث الىّ برأسه وكتب إلى عمر بن سعد إنّى لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ، ولا لتطاوله ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر عنه ولا لتكون له عندى شافعا.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٩٤.

٥١٤

انظر فان نزل الحسين وأصحابه على حكمى ، واستسملوا فابعث بهم الىّ سلما وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم ، وتمثل بهم فانّهم لذلك مستحقّون ، وان قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره ، وظهره فانّه عاقّ ظلوم ولست أرى إنّ هذا يضرّ بعد الموت شيئا ، ولكن علىّ قول قد قلته ان لو قتلته لفعلت هذا به ، فان أنت مضيت لأمر نافيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وان أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخلّ بين شمر بن ذى الجوشن وبين العسكر ، فانّا قد أمّرناه بأمرنا والسلام.

فأقبل شمر بن ذى الجوشن بكتاب عبيد الله إلى عمر بن سعد ، فلمّا قدم عليه وقرأه ، قال له عمر مالك ويلك لا قرّب الله دارك ، وقبّح الله ما قدمت به علىّ ، والله انّى لأظنّك انّك نهيته أن يقبل عمّا كتبت به إليه وافسدت علينا أمرا كنّا قد رجونا أن يصلح لا يستسلم والله حسين انّ نفس أبيه لبين جنبيه فقال له شمر أخبرنى بما أنت صانع أتمضى لأمر أميرك وتقاتل عدوّه ، وإلّا فخلّ بينى وبين الجند والعسكر.

قال لا ولا كرامة لك ، ولكن أنا أتولّى ذلك فدونك فكن أنت على الرجالة ونهض عمر بن سعد إلى الحسين عليه‌السلام ، عشيّة يوم الخميس لتسع مضين من المحرّم ، وجاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسين عليه‌السلام ، فقال أين بنو اختنا فخرج إليه العبّاس وجعفر وعبد الله وعثمان بنو علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام ، فقالوا ما تريد ، فقال أنتم يا بنى أختى آمنون ، فقالت له الفتية لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له.

ثمّ نادى عمر بن سعد يا خيل الله اركبى وبالجنّة ابشرى ، فركب الناس حتّى زحف نحوهم بعد العصر ، وحسين عليه‌السلام جالس امام بيته محتبيا بسيفه اذ خفق برأسه على ركبتيه فسمعت اخته الضجّة ، فدنت من أخيها فقالت يا أخى أما تسمع الأصوات قد اقتربت ، فرفع الحسين عليه‌السلام ، رأسه فقال : إنّى رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

٥١٥

الساعة فى المنام ، فقال لى انك تروح إلينا ، فلطمت اخته وجهها ونادت بالويل.

فقال لها الحسين عليه‌السلام ، ليس لك الويل يا أخيّة اسكتى رحمك الله ، ثمّ قال له العبّاس بن على عليه‌السلام يا أخى أتاك القوم فنهض ، ثمّ قال يا عبّاس اركب بنفسى أنت يا أخى حتّى تلقاهم وتقول لهم : ما لكم وما بدا لكم وتسألهم عمّا جاء بهم ، فأتاهم العبّاس فى نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر.

فقال لهم العبّاس : ما بدا لكم وما تريدون؟ قالوا قد جاء أمر الامير ، أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه ، أو نناجزكم ، فقال فلا تعجلوا حتّى أرجع الى أبى عبد الله ، فاعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا فقالوا : ألقه فاعلمه ، ثمّ ألقنا بما يقول لك ، فانصرف العبّاس راجعا يركض الى الحسين عليه‌السلام يخبره الخبر ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسين عليه‌السلام.

فجاء العبّاس الى الحسين عليه‌السلام فأخبره بما قال القوم ، فقال عليه‌السلام : ارجع إليهم فان استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشيّة ، لعلّنا نصلّى لربّنا اللّيلة ، وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أنّى قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه ، وكثرة الدعاء والاستغفار ، فمضى العبّاس الى القوم ، ورجع من عندهم ومعه رسول من قبل عمر بن سعد لعنه الله ، يقول إنّا قد أجّلناكم الى غد فإن استسلمتم سرّحناكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد وإن أبيتم فلسنا تاركيكم وانصرف (١).

٣ ـ قال ابن شهرآشوب : قال الطبرى فى حديث عقبة بن سمعان : انّه قال عليه‌السلام دعونى ان اذهب فى الأرض العريضة حتّى ننظر إلى ما تصير أمر الناس ، فكتب عمر الى ابن زياد وذكر فى آخره وفى هذا لله رضى وللامّة صلاح ، فانفذ ابن زياد بشمر بن ذى الجوشن بكتاب فيه : إنّى لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ولا

__________________

(١) الارشاد : ٢١٢.

٥١٦

لتطاوله ولا لتمنّيه السّلامة والبقاء ولا لتعتذر له عندى ، ولا تكون له شافعا ، فان نزل الحسين وأصحابه على حكمى واستسلموا فابعث بهم إلىّ سلما وان أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم فانّهم لذلك مستحقّون.

فان قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره ، فانّه عاقّ شاقّ قاطع ، ظلوم فان أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل أمرنا وجندنا وخلّ بين شمر بن ذى الجوشن وبين العسكر ، فانّا قد أمّرناه بأمرنا وكان أمر شمرا انّه إن لم يفعل بما فيه ، فاضرب عنقه وأنت الامير ، وكان قد كتب لعمر منشورا بالرى فجعل يقول :

فو الله ما أدرى وانّى لواقف

افكّر فى أمرى على خطرين

أأترك ملك الرّى والرّى منيتى

أم أرجع مذموما بقتل حسين

ففى قتله النار الّتي ليس دونها

حجاب وملك الرّى قرّة عين

كتب ابن زياد الى الحسين أمّا بعد يا حسين فقد بلغنى نزولك بكربلاء وقد كتب الىّ أمير المؤمنين أن لا أتوسّد الوثير ولا أشبع من الخمير حتّى ألحقك باللّطيف الخبير ، أو ترجع الى حكمى وحكم يزيد بن معاوية فلمّا قرأ الحسين عليه‌السلام الكتاب قال : ليس له جواب لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب (١).

٤ ـ قال ابن طاوس : قال الراوى ورد كتاب عبيد الله بن زياد ، على عمر ابن سعد ، يحثه على تعجيل القتال ويحذّره من التأخير والإهمال ، فركبوا نحو الحسين عليه‌السلام وأقبل شمر بن ذى الجوشن لعنه الله ، فنادى أين بنو أختى عبد الله وجعفر والعبّاس وعثمان ، فقال الحسين عليه‌السلام أجيبوه وان كان فاسقا ، فانّه بعض أخوالكم ، فقالوا له ما شأنك فقال يا بنى اختى أنتم آمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢١٥.

٥١٧

أخيكم الحسين عليه‌السلام والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد.

قال فناداه العبّاس بن على عليه‌السلام تبّت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدوّ الله ، أتأمرنا أن نترك أخانا وسيّدنا الحسين بن فاطمة عليه‌السلام وندخل فى طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ، قال فرجع الشمر لعنه الله الى عسكره مبغضا ، قال الراوى ولما رأى الحسين عليه‌السلام حرص القوم على تعجيل القتال ، وقلّة انتفاعهم بمواعظ الفعال والمقال قال لأخيه العباس عليه‌السلام : إن استطعت أن تصرفهم عنّا فى هذا اليوم ، فافعل لعلّنا نصلى لربّنا فى هذه اللّيلة فانّه يعلم إنّى أحبّ الصلاة وتلاوة كتابه.

قال الراوى : فسألهم العبّاس ذلك ، فتوقف عمر بن سعد لعنه الله ، فقال عمرو ابن الحجّاج الزبيدى : والله لو أنّهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لاجبناهم ، فكيف وهم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فأجابوهم إلى ذلك (١).

٥ ـ قال الدينورى : ثمّ انّ ابن زياد كتب إلى عمر بن سعد : أمّا بعد ، فانّى لم أبعثك إلى الحسين لتطاوله الأيّام ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتكون شفيعه الىّ ، فأعرض عليه ، وعلى أصحابه النزول على حكمى ، فان أجابوك فابعث به وبأصحابه الىّ ، وإن أبوا فازحف إليه ، فانّه عاقّ شاقّ ، فان لم تفعل فاعتزل جندنا ، وخلّ بين شمر بن ذى الجوشن وبين العسكر ، فانا قد أمرناه بأمرنا ، فنادى عمر بن سعد فى أصحابه أن أنهدوا إلى القوم ، فنهض إليهم عشية الخميس ، وليلة الجمعة لتسع ليال خلون من المحرّم ، فسألهم الحسين تأخير الحرب إلى غد ، فأجابوه (٢).

٦ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : فحدّثنى سليمان بن أبى راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال : ثمّ انّ عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذى الجوشن فقال له : اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد ، فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمى ، فان

__________________

(١) اللهوف : ٣٨.

(٢) الاخبار الطوال : ٢٥٥.

٥١٨

فعلوا فليبعث بهم إلىّ مسلما ، وان هم أبوا فليقاتلهم ، فان فعل فاسمع له وأطع ، وان هو أبى فقاتلهم ، فأنت أمير الناس ، وثب عليه فاضرب عنقه ، وابعث الىّ برأسه (١)

٧ ـ عنه قال أبو مخنف : حدّثنى أبو جناب الكلبى ، قال : ثمّ كتب عبيد الله ابن زياد إلى عمر بن سعد : أما بعد ، فانّى لم ابعثك الى حسين لتكفّ عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتقعد له عندى شافعا. انظر ، فان نزل حسين وأصحابه على الحكم ، واستسلموا ، فابعث بهم الىّ سلما ، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم ، فإنّهم لذلك مستحقّون.

فان قتل حسين فأوطى الخيل صدره وظهره ، فانّه عاقّ شاقّ ، قاطع ظلوم ، وليس دهرى فى هذا ، أن يضرّ بعد الموت شيئا ، ولكن علىّ قول لو قد قتلته فعلت هذا به ، إن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وان أبيت فاعتزل عملنا وجندنا ، وخلّ بين ذى الجوشن وبين العسكر ، فانا قد أمرناه (٢).

٧ ـ عنه قال أبو مخنف : عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الله بن شريك العامرى ، قال : لمّا قبض شمر بن ذى الجوشن الكتاب قام هو وعبد الله بن أبى المحلّ ـ وكانت عمته أمّ البنين ابنة حزام عند علىّ بن أبى طالب عليه‌السلام ، فولدت له العبّاس وعبد الله وجعفرا وعثمان ـ فقال عبد إله بن أبى المحلّ بن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب : أصلح الله الامير! ان بنى اختنا مع الحسين ، فان رأيت أن تكتب لهم أمانا فعلت ، قال : نعم ونعمة عين ، فأمر كاتبه ، فكتب لهم أمانا.

فبعث به عبد الله بن أبى المحلّ مع مولى له يقال له : كزمان ، فلمّا قدم عليهم

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤١٤.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤١٥.

٥١٩

دعاهم ، فقال : هذا أمان بعث به خالكم ، فقال له الفتية : اقرأ خالنا السلام ، وقل له : أن لا حاجة لنا فى أمانكم ، أمان الله خير من أمان ابن سمية ، قال : فأقبل شمر بن ذى الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد الى عمر بن سعد ، فلمّا قدم به عليه فقرأه ، قال له عمر: مالك ويلك! لا قرّب الله دارك ، وقبّح الله ما قدمت به علىّ!

والله إنّى لأظنّك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه ، أفسدت علينا أمرا كنا رجونا أن يصلح ، لا يستسلم والله حسين ، إنّ نفسا أبيه لبين جنبيه ، فقال له شمر : أخبرنى ما أنت صانع؟ أتمضى لأمر أميرك وتقتل عدوّه ، والّا فخلّ بينى وبين الجند والعسكر ، قال : لا ولا كرامة لك ، وأنا أتولّى ذلك ، قال : فدونك ، وكن أنت على الرّجال ، قال : فنهض إليه عشيّة الخميس لتسع مضين من المحرّم ، قال : وجاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسين.

فقال : أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العبّاس وجعفر وعثمان بنو علىّ ، فقالوا له : مالك وما تريد؟ قال : أنتم يا بنى أختى آمنون ، قال له الفتية : لعنك الله ولعن أمانك! لئن كنت خالنا أتؤمنّنا وابن رسول الله لا أمان له! قال : ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى : يا خيل الله اركبى وأبشرى فركب فى الناس ثمّ زحف نحوهم بعد صلاة العصر وحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت : يا أخى أما تسمع الأصوات قد اقتربت.

قال : فرفع الحسين رأسه فقال : انّى رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى المنام فقال لى : إنّك تروح إلينا قال : فلطمت أخته وجهها وقالت : يا ويلتا فقال : ليس لك الويل يا أخية اسكتى رحمك الرحمن وقال العبّاس بن على يا أخى أتاك القوم قال : فنهض ثمّ قال : يا عبّاس اركب بنفسى أنت يا أخى حتّى تلقاهم فتقول لهم : ما لكم وما بدا لكم وتسألهم عما جاء بهم فأتاهم العبّاس فاستقبلهم فى نحو من عشرين فارسا

٥٢٠