مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

الشيخ عزيز الله العطاردي

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ عزيز الله العطاردي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: انتشارات عطارد
المطبعة: افست
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣١

٥٤ ـ قال الشيخ المفيد : ثمّ أمر بالرحيل فارتحل ، من قصر بنى مقاتل ، فقال عقبة بن سليمان : فسرنا معه ساعة فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، ففعل ذلك مرّتين أو ثلثا فاقبل ابنه علىّ بن الحسين عليهما‌السلام ، فقال : ممّ حمدت واسترجعت ، فقال يا بنىّ إنّى خفقت خفقة فعنّ لى فارس على فرس وهو يقول القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم.

فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا ، فقال له يا أبت لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحقّ قال بلى والّذي إليه مرجع العباد ، قال : فانّنا اذا لا نبالى ، أن نموت ، محقّين ، فقال له الحسين عليه‌السلام جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده (١).

٥٥ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : حدّثنى عبد الرحمن بن جندب ، عن عقبة ابن سمعان ، قال : لما كان فى آخر اللّيل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ، ثمّ أمرنا بالرحيل ، ففعلنا ، قال : فلمّا ارتحلنا من قصر بنى مقاتل ، وسرنا ساعة ، خفق الحسين برأسه خفقة ، ثمّ انتبه وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، قال : ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثا.

قال : فأقبل إليه ابنه علىّ بن الحسين على فرس له ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، يا أبت ، جعلت فداك! ممّ حمدت الله واسترجعت؟ قال : يا بنىّ ، إنّى خفقت برأسى خفقة فعنّ لى فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسرى إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا.

قال له : يا أبت ، لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحقّ! قال : بلى والّذي إليه مرجع العباد ، قال : يا أبت ، إذا لا نبالى ، نموت محقّين : فقال له : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده (٢)

__________________

(١) الارشاد : ٢٠٩.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٧.

٤٦١

١٥ ـ الحسين عليه‌السلام وأبو هرة الازدى

٥٦ ـ قال ابن طاوس : ثمّ بات عليه‌السلام فى الثعلبيّة فلمّا أصبح اذا برجل من الكوفة يكنى ، أبا هرة الأزدى ، قد أتاه فسلّم عليه ، ثمّ قال يا ابن رسول الله ما الّذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الحسين عليه‌السلام ويحك يا أبا هرّة إنّ بنى أميّة أخذوا مالى ، فصبرت وشتموا عرضى ، فصبرت ، وطلبوا دمى ، فهربت وأيم الله لتقتلنى الفئة الباغية وليلبسنّهم الله ذلّا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلّطنّ الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ ، إذ ملكتهم امرأة فحكمت فى أموالهم ودمائهم (١).

١٦ ـ الحسين عليه‌السلام وبشر بن غالب

٥٧ ـ قال الصدوق : فلمّا نزلوا ثعلبية ، ورد عليه رجل يقال له بشر بن غالب ، فقال يا ابن رسول الله أخبرنى عن قول الله عزوجل : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) قال إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه ، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها ، هؤلاء فى الجنّة وهؤلاء فى النار ، وهو قوله عزوجل (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (٢)

__________________

(١) اللهوف : ٣٠.

(٢) أمالى الصدوق : ٩٣.

٤٦٢

١٧ ـ الحسين عليه‌السلام وأبو هرم

٥٨ ـ قال الصدوق : ثمّ سار حتّى نزل الرميمة فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرم فقال يا ابن النبيّ ما الذي أخرجك من المدينة فقال ويحك يا ابا هرم شتموا عرضى فصبرت وطلبوا دمى فهربت ، وأيم الله ليقتلنّني ثمّ ليلبسنّهم الله ذلّا شاملا وسيفا قاطعا وليسلطنّ عليهم من يذلّهم (١).

١٨ ـ الحسين عليه‌السلام وعبيد الله بن حر الجعفى

٥٩ ـ قال الصدوق : ثمّ سار الحسين عليه‌السلام حتّى نزل القطقطانية فنظر الى فسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا الفسطاط؟ فقيل لعبيد الله بن الحرّ الجعفى فأرسل إليه الحسين عليه‌السلام فقال أيّها الرجل إنّك مذنب خاطىء إنّ الله عزوجل أخذك بما أنت صانع ان لم تتب الى الله تبارك وتعالى فى ساعتك هذه فتنصرنى ويكون جدّى شفيعك بين يدى الله تبارك وتعالى :

فقال : يا ابن رسول الله والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك ، ولكن هذا فرسى خذه إليك فو الله ما ركبته قطّ وأنا أروم شيئا الّا بلغته ، ولا أرادنى أحد الّا نجوت عليه ، فدونك فخذه فاعرض عنه الحسين عليه‌السلام بوجهه ثمّ قال : لا حاجة

__________________

(١) أمالى الصدوق : ٩٣.

٤٦٣

لنا فيك ولا فى فرسك ، وما كنت متخذ المضلّين عضدا ، ولكن فرّ فلا لنا ولا علينا ، فانّه من سمع واعيتنا أهل البيت ثمّ لم يجبنا كبّه الله. على وجهه فى نار جهنّم (١).

٦٠ ـ قال المفيد : ثمّ مضى الحسين عليه‌السلام حتّى انتهى الى قصر بنى مقاتل ، فنزل به فاذا هو بفسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا فقيل لعبيد الله بن الحرّ الجعفى ، قال ادعوه الىّ فلمّا أتاه الرسول قال له هذا الحسين بن على عليهما‌السلام ، يدعوك فقال عبيد الله إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والله ما خرجت من الكوفة إلّا كراهية أن يدخلها الحسين عليه‌السلام وأنا بها ، والله ما أريد أن أراه ولا يرانى فأتاه الرّسول فأخبره.

فقام إليه الحسين عليه‌السلام فجاء حتّى دخل عليه وسلّم ، وجلس ثمّ دعاه إلى الخروج معه ، فادعا عليه عبيد الله بن الحرّ ، تلك المقالة واستقاله ممّا دعاه إليه ، فقال له الحسين عليه‌السلام : فان لم تكن تنصرنا فاتّق أن تكونا ممّن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا الّا هلك فقال أمّا هذا فلا يكون أبدا ان شاء الله تعالى (٢).

٦١ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : حدّثنى المجالد بن سعيد ، عن عامر الشعبى أنّ الحسين بن على عليهما‌السلام قال : لمن هذا الفسطاط فقيل : لعبيد الله ابن الحرّ الجعفى ، قال : ادعوه لى ، وبعث إليه ، فلمّا أتاه الرسول ، قال : هذا الحسين بن على يدعوك ، فقال عبيد الله بن الحرّ : إنّا لله وإنّا إليه راجعون! والله ما خرجت من الكوفة الّا كراهة أن يدخلها الحسين وأنابها ، والله ما اريد أن أراه ولا يرانى ، فأتاه الرسول فأخبره.

فأخذ الحسين نعليه فانتعل ، ثمّ قام فجاءه حتّى دخل عليه ، فسلّم وجلس ، ثمّ دعاه الى الخروج معه ، فأعاد إليه ابن الحرّ تلك المقالة ، فقال : فإلا تنصرنا فاتّق

__________________

(١) أمالى الصدوق : ٩٤.

(٢) الارشاد : ٢٠٨.

٤٦٤

الله أن تكون ممّن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا الّا هلك ، قال : أمّا هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله ، ثمّ قام الحسين عليه‌السلام من عنده حتّى دخل رحله (١).

٦٢ ـ قال الدينورى : ثمّ ارتحل الحسين من موضعه ذلك متيامنا عن طريق الكوفة حتّى انتهى إلى قصر بنى مقاتل ، فنزلوا جميعا هناك؟ فنظر الحسين إلى فسطاط مضروب ، فسأل عنه ، فأخبر أنّه لعبيد الله بن الحرّ الجعفى ، وكان من أشراف أهل الكوفة ، وفرسانهم ، فأرسل الحسين إليه بعض مواليه يأمره بالمصير إليه ، فأتاه الرسول ، فقال : هذا الحسين بن على يسألك أن تصير إليه ، فقال عبيد الله : والله ما خرجت من الكوفة إلا لكثرة من رأيته خرج لمحاربته وخذلان شيعته ، فعلمت أنّه مقتول ولا أقدر على نصره ، فلست أحب أن يرانى ولا أراه.

فانتعل الحسين ، حتّى مشى ، ودخل عليه قبّته ، ودعاه إلى نصرته ، فقال عبيد الله : والله إنّى لأعلم أنّ من شايعك كان السعيد فى الآخرة ، ولكن ما عسى أن أغنى عنك ، ولم أخلّف لك بالكوفة ناصرا ، فأنشدك الله أن تحملنى على هذه الخطّة ، فانّ نفسى لم تسمح بعد بالموت ، ولكن فرسى هذه الملحقة ، والله ما طلبت عليها شيئا قطّ الا لحقته ، ولا طلبنى وأنا عليها أحد قطّ الّا سبقته ، فخذها ، فهى لك قال الحسين : أما إذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجة لنا إلى فرسك (٢)

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٧.

(٢) الاخبار الطوال : ٢٥٠.

٤٦٥

١٩ ـ الحسين عليه‌السلام والطرماح

٦٣ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : حدّثنى جميل بن مرثد ، من بنى معن ، عن الطرماح ابن عدىّ ، أنّه دنا من الحسين فقال له : والله انّى لا نظر فما أرى معك أحدا ، ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الّذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم ، وقد رأيت قبل خروجى من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناى فى صعيد واحد جمعا أكثر منه ، فسألت عنهم ، فقيل : اجتمعوا ليعرضوا ، ثمّ يسرّحون إلى الحسين.

فأنشدك الله إن قدرت على ألّا تقدّم عليهم شبرا إلّا فعلت! فان أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتّى ترى من رأيك ، ويستبين لك ما أنت صانع ، فسر حتّى أنزلت مناع جبلنا الّذي يدعى أجأ ، امتنعنا والله به من ملوك غسّان وحمير ومن النعمان بن المنذر ، ومن الأسود والأحمر ، والله إن دخل علينا ذلّ قطّ ، فأسير معك حتّى أنزلك القرية.

ثمّ نبعث إلى الرجال ممّن بأجأ وسلمى من طيّئ ، فو الله لا يأتى عليك عشرة أيّام حتّى تأتيك طيّئ رجالا وركبانا ، ثمّ أقم فينا ما بدا لك فان هاجك هيج فانا زعيم لك بعشرين ألف طائى يضربون بين يديك بأسيافهم ، والله لا يوصل إليك ومنهم عين تطرف ، فقال له : جزاك الله وقومك خيرا! إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ، ولا ندرى علام تنصرف بنا وبهم ،

٤٦٦

الامور فى عاقبه! (١).

٦٤ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى جميل بن مرثد ، قال : حدّثنى الطرماح ابن عدىّ ، قال : فودّعته وقلت له : دفع الله عنك شرّ الجنّ والانس ، انّى قد امترت لأهلى من الكوفة ميرة ، ومعى نفقة لهم ، فآتيهم فأضع ذلك فيهم ، ثمّ أقبل إليك إن شاء الله فإن ألحقك فو الله لأكوننّ من أنصارك ، قال : فان كنت فاعلا فعجّل رحمك الله.

قال : فعلمت أنّه مستوحش الى الرجال حتّى يسألنى التعجيل ، قال : فلمّا بلغت أهلى وضعت عندهم ما يصلحهم ، وأوصيت ، فأخذ أهلى يقولون : إنّك لتصنع مرّتك هذه شيئا ما كنت تصنعه قبل اليوم ، فأخبرتهم بما أريد ، وأقبلت فى طريق بنى ثعل حتّى إذا دنوت من عذيب الهجانات ، استقبلنى سماعة بن بدر ، فنعاه إلىّ فرجعت (٢).

٢٠ ـ الحسين عليه‌السلام وعمرو المشرقى

٦٥ ـ الصدوق : حدّثنى الحسين بن أحمد قال : حدّثنى أبى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن علىّ بن الحكم ، عن أبيه ، عن أبى الجارود ، عن عمرو بن قيس المشرقى قال : دخلت على الحسين عليه‌السلام أنا وابن عمّ لى وهو فى قصر بنى مقاتل ، فسلّمنا عليه فقال له ابن عمّى : يا أبا عبد الله هذا الّذي أرى خضاب أو شعرك؟ فقال: خضاب والشيب إلينا بنى هاشم يعجّل.

ثمّ أقبل علينا فقال : جئتما لنصرتى؟ فقلت : إنّى رجل كبير السنّ كثير الدين ،

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٦.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٦.

٤٦٧

كثير العيال ، وفى يدى بضائع للناس ، ولا أرى ما يكون وأكره أن أضيّع أمانتى ، وقال له ابن عمّى مثل ذلك قال لنا : فانطلقا فلا تسمعا لى واعية ولا تريا لى سوادا ، فانّه من سمع واعيتنا أو أرى سوادنا فلم يجبنا ولم يغثنا كان حقا على الله عزوجل أن يكبّه على منخريه فى النار (١).

٣٧ ـ باب ما جرى له عليه‌السلام مع الحر بن يزيد

١ ـ قال الصدوق : بلغ عبيد الله بن زياد لعنه الله الخبر وأنّ الحسين عليه‌السلام قد نزل الرهيمية فاسرى إليه الحرّ بن يزيد فى ألف فارس ، قال الحرّ فلمّا خرجت من منزلى متوجّها نحو الحسين عليه‌السلام نوديت ثلاثا : يا حرّ ابشر بالجنّة ، فالتفت فلم أر أحدا فقلت : ثكلت الحر أمّه يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويبشر بالجنّة فرهقه عند صلاة الظهر فأمر الحسين عليه‌السلام ابنه فأذّن وأقام وقام الحسين عليه‌السلام فصلّى بالفريقين جميعا.

فلمّا سلم وثب الحرّ بن يزيد ، فقال السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال الحسين عليه‌السلام : وعليك السلام ، من أنت يا عبد الله ، فقال أنا الحرّ ابن يزيد فقال يا حر أعلينا أم لنا ، فقال الحرّ والله يا ابن رسول الله لقد بعثت لقتالك وأعوذ بالله أن أحشر من قبرى وناصيتى مشدودة إلى رجلى ويدى مغلولة إلى عنقى ، وأكب على وجهى فى النار.

يا ابن رسول الله أين تذهب ارجع إلى حرم جدّك ، فانّك مقتول ، فقال الحسين عليه‌السلام :

__________________

(١) عقاب الاعمال : ٣٠٨.

٤٦٨

سأمضى فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما

فان مت لم أندم وإن عشت لم ألم

كفى بك ذلا أن تموت وترغما(١)

٢ ـ قال المفيد : ثمّ سار عليه‌السلام من بطن العقبة حتّى نزل شراف ، فلمّا كان فى السّحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فاكثروا ، ثمّ سار منها حتّى انتصف النّهار ، فبينا هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه فقال له الحسين عليه‌السلام : الله أكبر لم كبّرت ، قال رأيت النخل فقال له جماعة من أصحابه : والله ان هذا لمكان ما رأينا به نخلة قطّ فقال له الحسين عليه‌السلام فما ترونه قالوا نراه والله آذان الخيل ، قال : والله أرى ذلك.

ثمّ قال عليه‌السلام ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله فى ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد ، فقلنا له بلى ذو حسم الى جنبك تميل إليه عن يسارك فان سبقت إليه فهو كما تريد ، فاخذ إليه ذات اليسار وصلنا معه فما كان بأسرع من ان طلعت علينا هوادى الخيل فتبيّناها وعدلنا ، فلمّا رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا ، كان أسنّتهم اليعاسيب وكأنّ راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذى حسم فسبقناهم إليه.

أمر الحسين عليه‌السلام بأبنيته فضربت وجاء القوم زهاء الف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمى حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه‌السلام فى حرّ الظهيرة ، والحسين عليه‌السلام وأصحابه معتمون متقلّدون أسيافهم ، فقال الحسين عليه‌السلام لفتيانهم اسقوا القوم ، وارو وهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفا ، ففعلوا وأقبلوا يملئون القصاع والطساس من الماء ، ثمّ يدنونها من الفرس فإذا عبّ فيها ثلثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوها كلّها.

__________________

(١) أمالى الصدوق : ٩٣.

٤٦٩

فقال علىّ بن الطعان المحاربى : كنت مع الحرّ يومئذ فجئت فى آخر من جاء من أصحابه ، فلمّا رأى الحسين عليه‌السلام ما بي وفرسى من العطش ، قال : أنخ الراوية والراوية عندى السقاء ، ثمّ قال يا ابن الأخ انخ الجمل فأنخته فقال : اشرب ، فجعلت كلّما شربت ، سال الماء من السقاء ، فقال الحسين عليه‌السلام أخنث السقاء فلم أدر كيف أفعل فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسى وكان مجيء الحرّ بن يزيد من القادسية.

كان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير وأمره ان ينزل القادسية وتقدّم الحرّ بين يديه فى ألف فارس يستقبل بهم حسينا فلم يزل الحرّ موافقا للحسين عليه‌السلام حتّى حضرت صلاة الظهر وأمر الحسين عليه‌السلام الحجّاج بن مسروق أن يؤذّن ، فلمّا حضرت الاقامة خرج الحسين عليه‌السلام فى إزار ورداء ، ونعلين فحمد الله وأثنى عليه.

ثمّ قال : أيّها الناس : إنّى لم آتكم حتّى اتتنى كتبكم وقدمت علىّ رسلكم أن أقدم علينا فانّه ليس لنا امام لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى ، والحقّ ، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطونى ما اطمئنّ إليه من عهودكم ، ومواثيقكم وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومى كارهين ، انصرفت عنكم الى المكان الّذي جئت منه إليكم ، فسكتوا عنه ، ولم يتكلّم أحد منهم بكلمة ، فقال للمؤذن أقم وأقام الصلاة.

فقال للحرّ أتريد أن تصلّى بأصحابك ، قال لا بل تصلّى أنت ونصلّى بصلاتك فصلّى بهم الحسين عليه‌السلام ، ثمّ دخل فاجتمع إليه أصحابه وانصرف الحرّ إلى مكانه الذي كان فيه ، فدخل خيمة قد ضربت له واجتمع إليه جماعة من أصحابه ، ودعا الباقون الى صفهم الّذي كانوا فيه فأعادوه ثمّ أخذ كلّ رجل منهم بعنان دابّته وجلس فى ظلّها ، فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين عليه‌السلام أن يتهيّئوا للرحيل ، ففعلوا ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى بالعصر وأقام ، فاستقدم الحسين عليه‌السلام وقام فصلّى ، ثمّ سلّم وانصرف إليهم بوجهه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال.

أمّا بعد أيّها الناس فانّكم إن تتّقوا الله ، وتعرفوا الحق لأهله ، تكن أرضى لله

٤٧٠

عنكم ونحن أهل بيت محمّد وأولى بولاية هذا الامر عليكم من هذه المدّعين ، ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان وإن أبيتم الّا كراهية لنا والجهل بحقّنا ، وكان رأيكم الآن غير ما أتتنى به كتبكم وقدمت به علىّ رسلكم ، انصرفت عنكم ، فقال له الحرّ : أنا والله ما أدرى ما هذه الكتب والرسل الّتي تذكر.

فقال الحسين عليه‌السلام لبعض أصحابه يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين الّذين فيهما كتبهم ، إلىّ فاخرج خرجين مملوّين صحفا فنشرت بين يديه ، فقال له الحرّ انّا لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا اذا نحن لقيناك ألّا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة على عبيد الله فقال له الحسين عليه‌السلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا وانتظروا حتّى ركب نسائهم.

فقال لأصحابه انصرفوا ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين عليه‌السلام للحرّ ثكلتك امّك ما تريد؟ قال له الحرّ أما لو غيرك من العرب يقولها لى وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ما تركت ذكر امّه بالثكل كائنا من كان ، ولكن والله ما لي الى ذكر امّك من سبيل الّا بأحسن ما نقدر عليه فقال له الحسين عليه‌السلام فما تريد قال : أريد أن انطلق بك الى الامير عبيد الله.

قال اذا والله لا أتّبعك قال إذا والله لا أدعك فترادّا القول ثلث مرّات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحرّ إنّى لم أومر بقتالك إنّما أمرت الّا افارقك حتّى اقدمك الكوفة فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا تردّك الى المدينة ، تكون بينى وبينك نصفا حتّى اكتب الى الامير عبيد الله فلعلّ الله أن يأتى بأمر يرزقنى فيه العافية من أن ابتلى بشيء من أمرك فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية.

فسار الحسين عليه‌السلام وسار الحرّ فى أصحابه يسايره وهو يقول له يا حسين انّى اذكرك الله فى نفسك ، فإنّى أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ، فقال الحسين عليه‌السلام أفبالموت تخوّفنى وهل يعدو بكم الخطب ، أن تقتلوننى وسأقول كما قال أخو الأوس لابن

٤٧١

عمّه وهو يريد نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخوّفه ابن عمّه وقال اين تذهب فانّك مقتول فقال :

سأمضى وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصّالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما

فان عشت لم اندم وإن مت لم ألم

كفى بك ذلّا أن تعيش وترغما

فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه وكان يسير بأصحابه ناحية والحسين عليه‌السلام فى ناحية أخرى حتّى انتهوا الى عذيب الهجانات (١).

٣ ـ قال الطبرسى : ثمّ سار حتّى انتصف النهار فبينا هو يسير كبّر رجل من أصحابه عليه‌السلام ، فقال : لم كبّرت فقال : رأيت النخل ، فقال له جماعة من أصحابه : والله انّ هذا المكان ما رأينا به نخل ، قطّ قال : فما ترونه؟ قالوا : نراه والله آذان الخيل ، قال : أنا والله أرى ذلك ، فما كان بأسرع حتّى طلعت هوادى الخيل ، مع الحرّ بن يزيد التميمى ، فجاء حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه‌السلام فى حرّ الظهيرة وكان مجيء الحرّ بن يزيد من القادسية.

فقدم الحصين بن نمير فى ألف فارس ، فحضرت صلاة الظهر فصلّى الحسين عليه‌السلام وصلّى الحرّ خلفه ، فلمّا سلّم انصرف الى القوم وحمد الله وأثنى عليه وقال : أيّها الناس إنّكم ان تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله تكن أرضى لله عنكم ، ونحن أهل بيت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أولى بولاية هذا الامر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين بكم بالجور والعدوان ، فان أبيتم الّا الكرامة لنا والجهل بحقّنا وكان رأيكم غير ما أتتنى به كتبكم ، وقدمت علىّ به رسلكم ، أنصرف عنكم.

قالوا انّا والله لا ندرى ما هذه الكتب الّتي تذكر ، فقال الحسين عليه‌السلام : لبعض

__________________

(١) الارشاد : ٢٠٦.

٤٧٢

أصحابه يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين اللّذين فيهما كتبهم الىّ ، فاخرج خرجين مملوّين ، كتبا فنشرت بين يديه فقال له الحرّ : لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك وقد أمرنا اذا لقيناك أن لا نفارقك حتّى نقدم بك الكوفة على عبيد الله بن زياد.

فقال له الحسين عليه‌السلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لأصحابه قوموا فاركبوا ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم ، وبين الانصراف فقال الحسين عليه‌السلام للحرّ : ثكلتك امّك يا ابن يزيد ، قال الحرّ : أمّا لو غيرك من العرب يقولها لى وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ما تركت ذكر امّه بالثكل ولكن والله ما لي الى ذكر أمّك من سبيل إلّا بأحسن ما نقدر عليه.

فقال الحسين عليه‌السلام : فما تريد؟ قال : أريد أن أنطلق بك الى الأمير عبيد الله ، قال : إذا والله ما اتّبعك قال : إذا والله لا أدعك وترادّا القول ، فلمّا كثر الكلام بينهما قال الحرّ : إنّى لم أومر بقتالك ، إنّما امرت أن لا افارقك حتّى أقدم بك الكوفة فتياسر هاهنا عن طريق العذيب والقادسيّة حتّى أكتب الى الامير ويكتب إلىّ الامير لعلّ الله أن يأتينى بأمر يرزقنى فيه العافية من أن ابتلى بشيء من أمرك.

فسار الحسين عليه‌السلام وسار الحرّ فى أصحابه يسايره ، وهو يقول له : إنّى اذكرك فى نفسك فانّى أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ فقال الحسين عليه‌السلام : أفبالموت تخوّفنى؟ وسأقول ما قال أخو الاوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخوّفه ابن عمّه فقال : إنّك مقتول فقال :

سأمضى وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وودّع مجرما

فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه ، قال عقبة بن سمعان ، فسرنا معه ساعة فخفق عليه‌السلام هو على ظهر فرسه خفقة ، ثمّ انتبه وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون والحمد لله ربّ العالمين ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثا فأقبل إليه علىّ بن الحسين عليهما‌السلام

٤٧٣

على فرس فقال يا أبه فيم حمدت الله واسترجعت؟ فقال : يا بنىّ انّى خفقت خفقة فعنّ لى فارس على فرس ، وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسرى إليهم ، فعملت أنّها أنفسنا نعيت إلينا.

فقال له : يا أبه لا أراك الله سوءا ألسنا على الحقّ؟ قال : بلى والّذي إليه مرجع العباد ، قال : فانّنا إذن لا نبالى أن نموت محقّين ، فقال له الحسين عليه‌السلام : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة ، ثمّ عجّل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم ، فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّه وأصحابه فجعل اذا ردّهم نحو الكوفة امتنعوا عليه فلم يزالوا يسايرون كذلك حتّى انتهوا الى نينوى بالمكان الّذي نزل به الحسين.

فاذا راكب على نجيب له فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ ولم يسلّم على الحسين عليه‌السلام وأصحابه ودفع الى الحرّ كتابا من عبيد الله بن زياد ، فاذا فيه : أمّا بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابى ، ولا تنزله الّا بالعراء فى غير خضر ولا ماء وقد أمرت رسولى أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتينى بانفاذك أمرى والسلام فأخذهم الحرّ بالنزول فى ذلك المكان على غير ماء ولا قرية.

فقال له الحسين : دعنا ويحك أنزل فى هذه القرية ، يعنى نينوى ، أو هذه ، يعنى الغاضرية ـ قال : لا والله لا أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث عينا علىّ فقال زهير ابن القين : إنّى والله ما أراه يكون بعد هذا الّذي ترون الّا أشدّ ما ترون يا ابن رسول الله انّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمرى ليأتينا بعدهم من لا قبل لنا به ، فقال الحسين عليه‌السلام : ما كنت لابدأهم بالقتال. (١)

٤ ـ قال الفتال : بعث ابن زياد الحرّ بن يزيد فى ألف فارس الى الحسين عليه

__________________

(١) اعلام الورى : ٢٢٩.

٤٧٤

السلام ، فجاء حتّى وقفوا مقابل الحسين عليه‌السلام فى جوّ الظهيرة ، فقال : اسقوهم وآووهم ، وصلّى بهم الحسين الظهر والعصر ، ثمّ توجّه إليهم فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واخبرهم بمقالة الكوفيّين ورسالاتهم ، وقال : أنا أولى بهذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، فقال الحرّ لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك وأمرنا إذا لقينا أن لا نفارقك ، حتّى نقدّمك الكوفة.

فقال له الحسين عليه‌السلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لاصحابه : قوموا فاركبوا فركبوا وانتظروا حتّى ركبت نساؤهم ، فقال لأصحابه : انصرفوا فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين عليه‌السلام فما تريد؟ قال أريد أن أنطلق الى الامير عبيد الله بن زياد ، قال اذا والله لا نتبعك فترادّا القول ثلث مرّات فلمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّانى لم أومر بقتالك إنّما أمرت أن لا أفارقك حتّى أقدمك الكوفة فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردّك الى المدينة ، يكون بينى وبينك نصفا حتّى اكتب الى الامير.

فلعلّ الله أن يأتينى بأمر رزقنى فيه العافية من أن ابتلى بشيء من أمرك فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وسار الحسين عليه‌السلام وسار الحرّ فى أصحابه يسايره ويقول يا حسين أنى أذكرك الله فى نفسك ، فانّى أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ فقال له الحسين عليه‌السلام أفبالموت تخوّفنى وهل يعدوا بكم الخطب أن يقتلونى وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخوفه ابن عمّه ، وقال اين تذهب فانّك مقتول ، فقال :

سأمضى وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وودّع مجرما

فان مت لم أندم وإن عشت لم الم

كفى بك ذلّا ان تعيش وترغما

فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه ، فكان يسير بأصحابه ناحية والحسين عليه‌السلام فى

٤٧٥

ناحية أخرى حتّى انتهوا الى عذيب الهجانات.

فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة ثمّ عجّل الركوب ، فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم فيأتيه الحرّ بن يزيد ، فيردّه وأصحابه ، فجعل اذا ردّهم نحو الكوفة امتنعوا عليه فلم يزالوا يسايرون كذلك حتّى انتهوا الى نينوى بالمكان الّذي نزل به الحسين ، فاذا راكب على نجيب له ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ ولم يسلّم على الحسين عليه‌السلام ، وأصحابه ، ودفع الى الحرّ كتابا من عبيد الله بن زياد ، فاذا فيه :

أمّا بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابى ولا تنزله الّا بالعراء فى غير خضر ولا ماء وقد أمرت رسولى أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتينى بإنفاذك أمرى والسلام ، فأخذهم الحرّ بالنزول فى ذلك المكان على غير ماء ولا قرية ، فقال له الحسين ، دعنا ويحك أنزل فى هذه القرية ـ يعنى نينوى أو هذه ـ يعنى الغاضرية ـ

قال : لا والله لا أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث عينا علىّ فقال زهير بن القين : انّى والله ما أراه يكون بعد هذا الذي ترون الّا أشدّ ما ترون يا ابن رسول الله انّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمرى ليأتينا بعدهم من لا قبل لنا به ، فقال الحسين عليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال (١).

٥ ـ قال ابن شهرآشوب : فلمّا نزل على شراف قال ، رأيت النخيل ، فقال رجلان أسديان كانا معه هذا مكان ما رأينا نخلا قطّ ، قال الحسين فما تريانه ، فقالا لا نراه والله الا هوادى الخيل ، فقال أنا والله أرى ذلك وأمر أصحابه أن يستبقوا اذاهم بالحرّ الرياحى ، فى ألف رجل ، فقام الحسين وصلّى بأصحابه وصلّى الحرّ معه فلمّا سلّم قال أيّها الناس معذرة الى الله وإليكم إنّى لم آتكم حتّى اتتنى كتبكم ، وقدمت علىّ رسلكم فى كلام له حتّى قال فان تعطونى ما اطمانّ عليه من عهودكم

__________________

(١) روضة الواعظين : ١٥٣.

٤٧٦

أقدم مصركم ، وان كنتم لمقدمى كارهين انصرفت عنكم.

فقال الحرّانا والله ما ندرى ما هذه الكتب والرسل التي تذكر فدعا الحسين عليه‌السلام بخرجين مملوين كتبا فنثرها ، فقال الحرّ لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك إنمّا أمرنا اذا لقيناك لا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة ، على عبيد الله بن زياد ، فقال الحسين الموت أدنى إليك من ذلك فلمّا انتهى الى نينوى كتب ابن زياد الى الحرّ أمّا بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابى ، ولا تنزله الّا بالعراء غير حصن على غير ماء وقد أمرت رسولى أن لا يفارقك حتّى يأتينى بانفاذك أمرى.

فأمر الحسين عليه‌السلام أن يشدّوا الرحال فجعلوا يلازمونه فطال بينهما المقال ، فقال الحرّ خذ على غير الطريق ، فو الله لئن قاتلت لتقتلنّ ، فقال الحسين بالموت تخوّفنى وتمثل بقول أخى أوس : سأمضى وما بالموت عار على الفتى الابيات» فاستدلّ على غير الجادّة فقال الطرماح بن عدى الطائى أنا المدل وجعل يرتجز :

يا ناقتى لا تجزعى من زجرى

وامض بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيان وخير سفر

آل رسول الله أهل الخير

السادة البيض الوجوه الزهر

الطاعنين بالرماح السمر

الضاربين بالسيوف البتر

فلمّا أصبح بعذيب الحجانات رأى الحرّ فى عسكره يتّبعه ، فسأله عن الحالة فقال هدّدنى الأمير فى شأنك ، فقال دعنا فى نينوى والغاضرية ، فقال لا والله وعلى عينه ، فقال زهير بن القين البجلى ائذن لنا بقتالهم ، فقال هؤلاء اليوم أسهل من قتال من يجيء بعدهم ، فقال لا أبتدئ فساقوا الى قرية «عقر» فسأل عنها فقال هى العقر فقال : إنّى أعوذ بك من العقر (١)

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢١٣.

٤٧٧

٦ ـ قال ابن طاوس : قال الراوى وسار الحسين عليه‌السلام حتّى صاره مرحلتين من الكوفة فاذا بالحرّ بن يزيد فى ألف فارس فقال له الحسين عليه‌السلام ألنا أم علينا فقال : بل عليك يا أبا عبد الله ، فقال لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلىّ العظيم ، ثمّ تردّد الكلام بينهما حتّى قال الحسين عليه‌السلام فاذا كنتم على خلاف ما اتتنى به كتبكم ، وقدمت به علىّ رسلكم فانّنى أرجع الى الموضع الذي أتيت منه فمنعه الحرّ وأصحابه من ذلك.

قال بل خذ يا ابن رسول الله طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يوصلك الى المدينة لاعتذر انا الى ابن زياد ، بانك خالفتنى فى الطريق ، فتياسر الحسين عليه‌السلام حتّى وصل الى عذيب الهجانات ، قال فورد كتاب عبيد الله بن زياد لعنه الله الى الحرّ يلومه فى أمر الحسين عليه‌السلام ويأمره بالتضييق عليه ، فعرض له الحرّ وأصحابه ومنعوه من السير ، فقال له الحسين ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق فقال له الحرّ بلى ولكن كتاب الامير عبيد الله قد وصل يأمرنى فيه بالتضييق وقد جعل علىّ عينا يطالبنى بذلك ، قال الراوى ، فقام الحسين عليه‌السلام خطيبا فى أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وذكر جدّه فصلّى عليه ، ثمّ قال : انه قد نزل بنا من الامر ما قد ترون ، وانّ الدنيا قد تغيّرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت حذاء ، ولم تبق منها إلّا صبابة كصبابة الاناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل.

ألا ترون الى الحقّ لا يعمل به ، والى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن فى لقاء ربّه ، محقّا ، فانّى لا أرى الموت الّا سعادة ، والحياة مع الظالمين الّا برما.

فقام زهير بن القين ، وقال : قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله ، مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلّدين لأثرنا النهوض معك على الاقامة.

قال الراوى وقام هلال بن نافع البجلى ، فقال والله ما كرهنا لقاء ربّنا وإنّا على نياتنا ، وبصائرنا نوالى من والاك ونعادى من عاداك ، قال وقام برير بن

٤٧٨

خضير فقال والله يا ابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك وتقطع فيك أعضائنا ، ثمّ يكون جدك شفيعنا يوم القيامة (١).

٧ ـ قال أبو الفرج : ومضى حتّى دنا من الحرّ بن يزيد ، فلمّا عاين أصحابه العسكر من بعيد ، كبروا ، فقال لهم الحسين : ما هذا التكبير قالوا : رأينا النخل ، فقال بعض أصحابه : ما بهذا الموضع والله نخل ولا أحسبكم ترون الّا هوادى الخيل وأطراف الرماح ، فقال الحسين وأنا والله أرى ذلك ، فمضوا لوجوههم ولحقهم الحرّ ابن يزيد فى أصحابه ، فقال للحسين : إنّى أمرت ان انزلك فى أى موضع لقيتك واجعجع بك ولا اتركك أن تزول من مكانك.

قال : اذا اقاتلك فاحذر أن تشقى بقتلى ثكلتك امك ، فقال : أما والله لو غيرك من العرب يقولها وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ، ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله ، كائنا من كان ولكن والله ما لي الى ذكر امّك من سبيل الّا بأحسن ما يقدر عليه ، وأقبل يسير والحرّ سايره ويمنعه من الرجوع من حيث جاء ، ويمنع الحسين من دخول الكوفة حتّى نزل بأقساس مالك وكتب الحرّ إلى عبيد الله يعلمه ذلك (٢).

٨ ـ قال الدينورى : وأقبلت الخيل ، وكانوا ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمى ، ثمّ اليربوعى ، حتّى اذا دنوا ، أمر الحسين عليه‌السلام فتيانه أن يستقبلوهم بالماء فشربوا وتغمّرت خيلهم ، ثمّ جلسوا جميعا فى ظلّ خيولهم وأعنتها فى أيديهم حتّى اذا حضرت الظهر قال الحسين عليه‌السلام للحرّ : أتصلّي معنا أم تصلّى بأصحابك وأصلّي بأصحابى؟ قال الحرّ : بل نصلّى جميعا بصلاتك ، فتقدّم الحسين عليه‌السلام فصلّى بهم جميعا فلمّا انفعل من صلاته حوّل وجهه إلى القوم ثمّ قال :

أيّها الناس معذرة الى الله ، ثمّ إليكم إنّى لم آتكم حتّى أتتنى كتبكم ، وقدمت

__________________

(١) اللهوف : ٣٣.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٧٣.

٤٧٩

علىّ رسلكم ، فان أعطيتمونى ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم ، دخلنا معكم مصركم ، وإن تكن الاخرى انصرفت من حيث جئت ، فأسكت القوم فلم يردّوا عليه ، حتّى اذا جاء وقت العصر نادى مؤذّن الحسين ثمّ أقام وتقدّم الحسين عليه‌السلام فصلّى بالفريقين ، ثمّ انفتل إليهم فأعاد مثل القول الاوّل فقال الحرّ بن يزيد : والله ما ندرى ما هذه الكتب التي تذكر.

فقال الحسين عليه‌السلام : ائتنى بالخرجين اللّذين فيها كتبهم فأتى بخرجين مملؤين كتبا فنثرت بين يدى الحرّ وأصحابه ، فقال له الحرّ يا هذا لسنا ممّن كتب إليك شيئا من هذه الكتب ، وقد أمرنا ألّا نفارقك إذا لقيناك أو تقدم بالكوفة ، على الأمير عبيد الله بن زياد.

فقال الحسين عليه‌السلام : الموت دون ذلك ثمّ أمر بأثقاله فحملت ، وأمر أصحابه ، فركبوا ، ثمّ ولّى وجهه منصرفا نحو الحجاز فحال القوم بينه وبين ذلك ، فقال الحسين للحرّ : ما الّذي تريد؟ قال أريد والله أن انطلق بك الى الامير عبيد الله بن زياد ، قال الحسين : اذن والله أنابذك الحرب ، فلمّا كثر الجدال بينهما قال الحرّ : انّى لم أومر بقتالك.

وإنمّا امرت ألّا افارقك وقد رأيت رأيا فيه السلامة من حربك وهو أن تجعل بينى وبينك طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردّك الى الحجاز ، تكون نصفا بينى وبينك حتّى يأتينا رأى الامير ، قال الحسين : فخذها هنا فاخذ متياسرا من طريق العذيب ومن ذلك المكان الى العذيب ثمانية وثلاثون ميلا. فسارا جميعا حتّى انتهوا الى عذيب الهجانات فنزلوا جميعا وكل فريق منهما على غلوة من الآخر (١).

٩ ـ قال المسعودى : فلمّا بلغ الحسين القادسية لقيه الحرّ بن يزيد التميمى ، فقال

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٤٩.

٤٨٠