وليد الكعبة

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

وليد الكعبة

المؤلف:

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8163-92-8
الصفحات: ٤٩٥

وعلى فرض وقوعها فقد ذكرنا في غير مورد من هذه الرسالة وذكر الصفوريّ الشافعيّ : أنّها من الصدف التي لا تثبيت فضيلةً ولا تخرق عادةً.

ثمّ تضعيفه ولادة أمير المؤمنين التي أخبت بها أئمّةُ الحديث ، وأثبتها نَقَلَةُ التاريخ ، وطفحت بها كتبُ الأنساب ـ ونظّمتها الشعراءُ ، وقال بها العلماءُ ، وفيهم مَن ينفي أن يكون لغيره ـ صلوات الله عليه ـ مولد في البيت؟

لكنّه بما هو محدّث أخذ على عاتقه إثبات المرويّات.

والإخبات بمفاده أمرٌ آخر تكشف عن عدمه كلمته هذه.

ويأتي عن البدخشيّ قوله : «ولم بولد في البيت أحدٌ سواه ، قبلَه ولا بعدَه ، وهي فضيلةٌ خصّه الله بها» ، ثمّ ذكر عن بعضهم رواية قصّة حكيم ، فقال : «والله أعلم» مُشعراً بوهنه.

وعرفت عن أبي داود البناكتي أنه : «لم يحظَ أحدٌ قبلَ الإمام عليه السّلام ولا بعده بشرف الولادة في البيت» (١).

ويشبه هذه كلّها كلمة ابن الصبّاغ المالكيّ السابقة : «ولم يولَد في البيت الحرام قبلَه أحدٌ سواه ، وهي فضيلةٌ خصّه اللهُ تعالى بها إجلالاً له ، وإعلاءً لمرتبته ، وإظهاراً لتكرمُتَه».

وبمطلع الأكمة منك قول الدهلوي في (سِيَر الخلفاء) أنّه : «لم يتولّد أحدٌ قبلَه في حصار البيت».

ولعلّ قيد ذاكرتك كلمة أبي الثناء الآلوسيّ في أوليات هذه الرسالة : «ولم يشتهر وضعُ غيره كرّم الله وجهه ، كما اشتهر وضعه».

__________________

(١) تقدم في الصفحة : ....

١٢١

يو عز إلى وهن ذلك الحديث ، وانحياز الشهرة عنه ز

وقبيله قول المحدّث الدهلويّ في (إزالة الخفاء) : «ولم يولد فيها أحدٌ سواه قبلَه ولا بعدَه».

إلى غير هؤلاء من مهرة الفنّ ، وأئمّة النقل ، وأصفقَ معهم علماء الشيعة كافّة.

وقد أو قفناكَ على كلمات زُرافات منهم.

فلو كان يقام لولادة حكيم في البيت وزنٌ عندَ هؤلاء لما أطلقوا القول بملء الأفواه أنّ تلك ختصّة لأمير المؤمنين عليه السّلام لا يشاركه فيها أحٌ ، مع وقوفهم على أمر حُكيم ، وفيهم من أورده في كتابه لكنّه غيره آبِهٍ به.

ويقربُ من هذه الهملجة ما جاء به الديار بكري في (تاريخ الخميس) قال : «وُلِدَ بمكّة بعدَ عام الفيل بسبع سنين ، ويقال : كانت ولادته في داخل الكعبة ، ولم يثبت» (١).

وليت شعري ، بماذا تثبت الحقائقُ التاريخية؟ أبالوحي؟ أم بأخبار الأنبياء؟ وهتاف الكتب السماوية؟

أم أنّ المرجع فيها الرجل والرجلان من النَقَلة والرواة؟

وهل التزم الديار بكريّ في كتابه بأكثر من هذا؟

فما بال هذه الحقيقة التي هَـتَفَت بها المئاتُ والأُلوفُ ، وأثبتتها طبقاتُ الناس جيلاً بعد جيل ، لم تثبت عنده؟

وثبتت لديه هَفوات التاريخ ، التي لو أحصيتها لخرجت عن وضع الرسالة؟

ثمّ ما بال الديار بكري يعتمد على شواهد النبوّة كلّما نقل عنه ، ولا يرتضيه في خصوص المقام؟

_________________

(١) تاريخ الخميس ٢ : ٣٠٧.

١٢٢

ثمّ ما باله يغضّ الطرفَ عن غلطه الشائن من أنّ ولادته عليه السّلام كانت بعد عام الفيل بسبع سنين ، لكنّه يردّ حديث ولادة البيت بعدم الثبوت؟

أنا أدري : لماذا؟

وأنت تدري؟

وقبلنا الديار بكريّ يدري؟!

* * *

حديث الولادة والشعراء :

عرفت أنّ الحديث الشريف بلغَ من الشهرة والثبوت بحيثُ لا يسعُ أيَّ مُعنت إنكاره.

ولذلك احتجّ به فريقٌ كبيرٌ من المحقّقين في كتب الإمامة ن وأرسله إرسال المسلّمات جموعٌ من نياقد فنّ الحديث في باب الفضائل ، وتبجّحَ به زرافاتٌ من حَمَلةِ العلم ونقّاده في مؤلّفاتهم.

وهنالك لفيفٌ لا يستهان بعدّتهم ، ولا يغمزُ في شيءٍ من تثبّتهم وضبطهم من صيارفة القول ، وصاغة القريض ، وزُبناء الشعر ، بين عالم ضليعٍ ، وأديبٍ بارع ، وشاعرٍ مبدعٍ ، تصدّوا الإثبات هذه الفضيلة فيما أفرغوه في بوتقة النظم ، أو حاكوه على نول الحقيقة.

فسار ذكرها مع الرُّكبان ، وانتشر نشرها مع مهبّ الريح ، كما مرّ عن الحميريّ ، والسّرخسي ، والشفهينيّ ، والحرّ العاملي ، والأفتوني ، وغيرهم.

وإليك ذكر آخرين منهم ، وهم كما وصفناه لك من المكانة الراسية من العلم والأدب :

قال العلّامة الكبير الورع الشيخ ، حسين نجف المتوفّى (١٢٥٢ ه) من قصيدة عَلويّة مثبّتة في ديوانه المخطوط :

١٢٣

جعلَ اللهُ بيتَه لعليٍّ

مَوْلِداً يا لَه عُلاً لا يضاهى

 لم يشاركهُ في الوِلادة فيهِ

سيّدُ الرسل لا ولا أنبياها

 علمَ اللهُ شوقَها لعليٍّ

علمه بالذي بهِ مَ ، هَواها

إذ تمنّت لقاءَهُ وتمنّى

فأراها حبيبَهُ ورآها

 ما ادّعى مدّعٍ لذلكَ كلّا

مَن ترى في الورى يرومُ ادّعاها؟

 فاكتست مكّةٌ بذاك افتخاراً

وكذا المشعران بعدَ مِناها

بل بهِ الأرضُ قد علت إذ حوتْهُ

فغدت أرضُها مَطافَ سماها

 أو ما تنظرُ الكواكبُ ليلاً

ونهاراً تطوفُ حولَ حِماها؟

 وإلى الحشر في الطواف عليهِ

وبذاكَ الطواف دامَ بقاها (١)

وللمولى محمّد مسيح المعروف بـ (مسيحا) الفَسويّ الشيرازيّ ، المتوفى سنة (١١٢٧ ه) من قصيدة بمدح بها أمير الؤمنين عليه السّلام :

ما كان ربّاً ولكن ليسَ من بشرٍ

وليسَ يشغلُهُ شأنٌ عن الشانِ

 هو الذي كان بيتُ الله مَوْلِدُهُ

فطهّرَ البيتَ من أرجاس أوثانِ

 هو الذي من رسول الله كانَ لَهُ

مقامُ هارونَ من موسى بن عمرانِ

 هو الذي صار عرشُ الربّ ذا شَنَفٍ(٢)

إذ صارَ قُرطيه ابناهُ الكريمانِ (٣)

وهو من أعاظم علماء الشيعة ، جمع المعقول والمنقول ، من تلمذة المحقّق الخوانساري ، ترجمه وأثنى عليه الشيخ عليّ الحزين في (تذكرته)

__________________

(١) ديوانه المخطوط.

(٢) الشَّنف الذي يلبس في أعلى الأُذن ، والذي في أسفلها القُرط. لسان العرب ـ شنف ـ ٩ : ١٨٣.

(٣) وردت هذه الأبيات في الغدير ٦ : ٢٩ و ١١ : ٣٧٠.

١٢٤

والميرزا محمد عليّ الهندي في (نجوم السماء) والعلّامة الأميني المعاصر في (الغدير في الكتاب والسنّة والأدب).

وللعلّامة المدّرس السيّد نصر الله الحائري الشهيد سنة (١١٥٤ ه) من قصيدة علوية ما نصّه :

مَن شُرِّفَ البيتُ بميلادهِ

وحِجرُهُ والحَجَرُ الأنورُ

وقد صفا عيشُ الصفافيه والـ

ـمَرْوة أضحت بالهنا تخطُرُ (١)

 والرجل من أعاظم علماء الشيعة ن له في المعاجم تراجم ضافية الذيول ، وثناء بليغ ، وتجد ترجمته المبسوطة في كتابه (شهداء الفضيلة) للعلّامة المعاصر الأميني.

وقال حامل لواء الفضيلة والشرف الشريف الرضيّ ، محمد بن فلاح الكاظمي في قصيدته «الكرّاريّة» المربية على أربعمائة بيت ، المقرَّظة من ثمانية عشر رجلاً من علماء عصره وأُدبائه ، نظماً ونثراً :

ولدتهُ فاطمةٌ ببيت الله يا

طوبى لطاهرةٍ أنت بِمُطهَّرِ

 ونشا بِحِجْرِ المصطفى طفلاً فأدْ

دَبَهُ بآدابِ العليّ الأكبرِ

 لولاهُ ما طافَ الحجيجُ به وذا

له الهَدي لولا سيفُهُ لم يُنْحَرِ

قد كان أوّل طائفٍ فيهِ ومُعـ

تَكِفٍ بهِ ومحلّقٍ ومُقَصِّرَ

عقمت فلم تلد الحرائرُ مِثْلَهُ

بل قد عَقَمْنَ فلم يَلِدنَ كقَنْبَرِ

وقال الشاعر المفلق ميرزا عباس الدامغاني المتخلص (بنشاط) الهزارجريبي الدامغاني ، المتوفى سنة (١٢٦٢ ه).

__________________

(١) توجد في ديوانه المخلوط.

١٢٥

اى زاده تو درميان كعبه

از مادر پاک جان کعبه

اى کعبه شَرف گرفته از تو

نه تو شَرف از مىان کعبه

 اى بنده خانه زاد اىزد

وى خاجه بندگان کعبه

 اى قدوه خاندان طٰه

اى نخبه دودمان کعبه

 اى از شَرف ولادتِ تو

طوقى که بر آستان کعبه

وقال البارع المفضال الشيخ حسين بن محمد التقيّ بن بهاء الدين الفتوني الهمداني الآملي الحائري في اُرجوزته المسماة بـ (الدوحة المهديّة)

في تواريخ أئمة الهدى عليهم السّلام ، وفرغ منها سنة (١٢٧٨ ه) وعن خطّه نقلتُ :

وفي ضُحى الجمعة قد تولّدا

مُطهّراً مُكرّماً مُسدّداً

 وكان ذا في كعبة الرحمنِ

لسبعةٍ خلونَ من شعبانِ

وقد روي أنّ الإمامَ المنتَجب

مولدُه ثالث عشرٍ من رجَب

 وقيل في الثامن منه وُلِدا

وذا ضعيفٌ لم يكن معتمدا

 وقد رووا في رمضان مولدُه

في نصفه وكان يروى سندُه

 مولدُه بعد ثلاثين سنه

من مولد النبيّ يقفو سُننه

وللعلّامة السيد محمد تقي القزويني ، من علماء عصر شيخ الطائفة الإمام الأنصاري من (أرجوزة) له ، قوله :

بعدَ النبيّ سيّدِ الموالي

بنصّه هو العَليُّ العالي

هو الذي مولده البيتُ وفي

حِجر النبيّ المصطفى قد اصطُفي

ولسيّد فلاسفة الإسلام السيّد محمد باقر بن محمد الحسيني الاسترآبادي الشهير (بالداماد) المتوفّى سنة (١٠٤١ ه) أبيات فارسية ، ضمنها قصة الميلاد الشريف بكل صراحة ، منها قوله :

١٢٦

در مرحله علىّ نه چون است ونه چند

در خانه حقّ زاده بجانش سوگند

بى فرزندى که خانه زادى دارد

شك نيست كه باشدش بجاى فرزند

وله قدس سرّه :

در كعبه (قُل تَعالَوا) از مام كه زاد؟

از بازوى (باب حِطّه) خيبر كه گشاد

بر ناقه (لا يؤدّي عنّي) كه نشست؟

بر دوش نبى پاى گرامى که نهاد

وقال الشاعر الفارسي المفلق محمد اليزدي الملقّب في شعره (بجيحون) والمتوفى حدود سنة (١٣١٨ ه) :

از كنز نهائى است كنون كعبه مشرّف

كز اوست عيان سرّ (فأحببَتُ أن أعرف)

زين كنز خفى طنو جلى زد بفلك أرض

كش خاك بشد پاك چو افلاك مشرّف

ذرّات بكرّات چو أفواج كه از حاج

بستند وگشادند پى طوف حرم صَف

 عقل آمد و (لبىك) زنان حلقه بدر زد

تا چون بود احباب ورا باز مکلّف

شاهِ همه او بود چون او پرده بر افكند

هر ذرّه برش بنده صفت گشت موقّف

وقال الشاعر الفارسي المجيد المولى رضا ابن المولى محمد الرشتي الملقّب في شعره (بمحزون) في مثنويٍّ له :

باز خواهم درفشانى سر كنم

ياد ازشير خدا حيدر كُنم

 چون خداوند رحيمش ياد شد

كعبه يكجا مطلع الأنوار شد

از كريم لا يزالى شد كرم

مادرش آورد بيرون از حرم

 در بغل آن كعبه مقصود را

برد سوى خانه آن مولود را

وقال الحاج محمد خان الفارسي الملقّب في شعره (بدشتي) من اُمراء العهد الناصري ، المتولّد سنة (١٢٤٦ ه) في ديوانه المطبوع ، من بائية علوية سمّاها «فصل الخطاب» :

١٢٧

كعبه مى بايد كه مُحرِم آيد اندر اين حرم

با سر وپاى برهنه گشته عرىان از ثىاب

صاحب اىن خانه در آن خانه خود خانه خدا است

کان بنا از بهر مولودش خدا کرد انتخاب

ولعلّامة فِهر ونابغة مُضَر الحجة الظاهرة والآية الباهرة ، الحاج ميروا إسماعيل ، ابن عمّ الإمام المجدّد الشيرازي الأمير السيّد رضي قدّست أسرارهم ، المتوفّى سنة (١٣٠٥ ه) موشّحةٌ في مولد الإمام عليه السّلام ، يروقني إيرادها هاهنا ، وهي من القصائد السائرة ، قال :

رغدَ العيشُ فزدهُ رَغدا

بسلافٍ منك تَشفي سَقَمي

طربَ الصبُّ على وصل الحبيب

وهَ ، ا العيشُ على بُعد الرقيب

وفنى من أكؤس الراح النصيب

واسقنيها توأماً لا مفردا

فالهَنَا كلّ الهَنا في التوأمِ

آتني الصَهباء ناراً ذائبه

كلّلتها قَبساتٌ لاهيه

واستقنيها والندامى قاطبه

فلعمري إنّها ريّ الصدا

لفؤادٍ بالتصابي مُضرَمِ

ما اُحَيلي الراح من كفّ المِلاح

هي روحٌ هي روحٌ هي راح

فأدِرها في غُدوًّ ورواح

كذُكاه تتجلّى صَرْخَدا (١)

رصّعتها حببٌ كالأنجمِ

حبّذا آناء أُنسٍ أقبلت

أدركت نفسي بها ما أمّلت

وضعت اُمّ العُلا ما حملت

طاب أصلاً وتعالى مَحتِدا

مالكاً ثقل ولاء الاُممِ

__________________

(١) صرخد : موضع ينسب إليه الشراب. لسان العرب ـ صرد ـ ٣ : ٢٥١.

١٢٨

 

آنست نفسي من الكعبة نور

مثلما آنسَ موسى نارَ طور

يوم غشّى الملأ الأعلى سرور

قرعَ السمعَ نداءُ كَنِدا

شاطىء الوادي طُوى من حَرَمِ

وَلَدَت شمسُ الضحى بدرَ التمام

فانجلت عنّا دياجيرُ الظلام

نادِ يا بُشراكمُ هذا غلام

وجههُ فِلْقَهُ بدرٍ يُهتدى

بِسَنا أنواره في الظلمِ

كُشف السترُ عن الحقّ المبين

وتجلّى وجهُ ربّ العالمين

وبدا مصباحُ مشكاة اليقين

وبدت مشرقةً شمسُ الهدى

فانجلي ليلُ الظلام (١) المظلمِ

نُسخ التأبيد من نفي ترى

فأرانا وجهه ربُّ الورى

ليتَ موسى كان فينا فيرى

ما تمنّاهُ بطورٍ مُجهَدا

فانثنى عنه بِكَفّي مُعدمِ

هل درت اُمُّ العُلا ما وضعت

أم درت ثديُ الهدى ما أرضعت؟

أم درت كفُّ النُّهى ما رفعت

أم درى ربُّ الحِجَا ما ولدا؟

جلَّ معناهُ فلمّا يُعلمِ

سيّدٌ فاقَ عُلاً كلَّ الأنام

كان إذ لا كائنٌ وهوَ إمام

شرَّفَ اللهُ به البيتَ الحرام

حينَ أضحى لعُلاهُ مَولِدا

فوطا تربتَهُ بالقدمِ

إن يكن يُجعلُ للهِ البنون

وتعالى اللهُ عمّا يصفُون

فوليدُ البيت أحرى أن يكون

لوليّ البيتِ حقّاً وَلَدا

لا عُزَيرٌ لا ولا ابنُ مريم

__________________

(١) في الغدير : الضلال.

١٢٩

هو بعدَ المصطفى خيرُ الورى

من ذُرى العرش إلى تحت الثَّرى

 قد كنت علياؤُه اُمَّ القُرى

عزّةً تحمي حماها أبدا

حيثُ لا يدنوهُ من لم يُحرِم ِ

سبقَ الكونَ جميعاً في الوجود

وطوى عالَمَ غيبٍ وشُهود

كلّما في الكون من يُمناه جُود

إذ هُوَ الكائنُ لله يدا

ويدُ الله مدرُّ الأنعُمِ

سيّدٌ حازت به الفضلَ مُضَر

بِفخارٍ قد سما كلّ البَشَر

وجههُ في فلك العَليا قَمَر

فبه لا بالنجومِ يُهتدى

نحو مغناه لنيل المَغنَمِ

هو بَدْرٌ وذراريه بُدُور

عقمت عن مثلهم اُمُّ الدُهور

كعبةُ الوفّادِ في كلّ الشُهور

فازَ من نحوَ فَناها وَفَدا

بمطافٍ منه أم مستَلَمِ

ورثوا العَلياءَ قِدماً من قُصَي

نزارٍ ثمَّ فِهرٍ ولُؤَي

لا يباري حَيُّهم قَطُّ بِحَي

وهُمُ أزكى البرايا مَحتِدا

وإليهم كلُّ فَخرٍ ينتمي

أيّها المُرجَى لقاهُ في الممات

كلُّ مَوتٍ فيه لُقياك حَياة

ليتَما عجّل بي ما هُو آت

علّني ألقى حَياتي في الرّدى

فائزاً منه بأوفى النِعَمِ (١)

وقال العلّامة الحجة الفقيه العارف الحاج ، الميرزا حبيب ابن العلّامة الحاج الميرزا هاشم ابن الآية الباهرة السيّد الميرزا مهدي الشهيد الخراسانيّ ، أحد المهادي الأربعة ، من تلمذة الوحيد المجدّد البهبهاني ، من قصيدة ميلادية مثبتة في (ديوانه) المطبوع :

__________________

(١) وردت هذه القصيدة في الغدير ٦ : ٢٩ ـ ٣٢.

١٣٠

جشنِ ميلادِ شهنشاهِ زمين وزَمَن استْ

عيدِ مولودِ خداوندِ جهانِ بُوالحسن استْ

خُسروى كان شَرَفِ مولدِ اَو خانه وحقّ

قبله پىر وجوانْ سجده گهِ مرد وزن استْ

خانه بي خانه خدا منزل اَغيار بود

كعبه بي اَو عجبي نيست كه بيت الوثن استْ

صنم از طاقِ حَرَمْ ريخت چو اَو سود قدمْ

زانكه دانست كه اين دست خدا بُتْ شكن استْ

اين صنم را كه بر اين در بجبين سود زمينْ

نه عجب ديده اَرباب نظرْ كرشمن استْ

سود بر دُوش نبى دستِ خدا پاى علىّ

لبْ بِبندمْ كه نه اين مرحله جاى سخن استْ

گر خدا نيست بتحقيق ونى دوشِ نبى

برتر از عرش بص پايه بنزد فطن استْ

وله في مقطوعة اُخرى علوية :

ايكه نه گر كِلْك تُو دارى نظامْ

دفترِ ايجادْ مُنظّمْ نبودْ

 كعبه زِميلادِ تو اين رتبهْ يافت

ورنَه باين پايه معظّم نبودْ

والناظم من أعاظم علماء الدين ، وفي الطليعة من فقهاء عصره العرفاء ، من تلمذة المجدّد الشيرازي ، تجد ترجمته في (مطلع الشمس) لصنيع الدولة ، وفي (شهداء الفضيلة) و (وفيات الأعلام).

* * *

١٣١

وللشاعر الفارسي المبدع ، ميرزا نصر الله ، الملقّب في شعره (بالشهاب) من شعراء العهد القاجاري ، من مقطوعة علوية :

صفاى مروه مولود حرم آب رخ زمزم

كه اركان قبله از حرمت حجر مسجود از اكرامش

تجدد ذكر الرجل وشعره في (مجمع الفصحاء) (١) لرضا قلي خان هدايت.

وقال العلّامة المجاهدين سيّدنا الحجّة الحاج السيد المصطفى بن الحسين الكاشاني النجفي ، دفين الكاظمية ، الكتوفّى سنة (١٣٣٦ ه) المترجم في (نقباء البشر) و (العذاب النمير) وغيرهما ، من قصيدة علويّة :

أنتَ شرّفتَ زمزماً والمصلّى

بل وركنَ الحطيم والمستجارا

 حازت الكعبة التي خارها اللـ

ـهُ بِميلادك السعيدِ فَخارا

ولباقعة (٢) الفضل والأدب ، ميرزا محمد تقي التبريزي الشهير بحجّة الإسلام والملقّب في شعره (بنيّر) صاحب كتاب (صحيفة الأبرار) وغيره ، المتوفّى سنة (١٣١٢ ه) من لامية علويّة :

سر حنانيك في البلاد وباحث

عن بُطون الكرام جيلاً فجيلا

 فانظرن هل ترى لتيمِ بن مرّ

أو عديًّ يا سعدُ فيها محلّا

 لا ومَن شقّ جانبَ البيت حتّى

دخلت فيه اُمّهُ وهي حُبلى

فتخلّت عن أسجحٍ هاشميٍّ

بُوركت حامِلاً وبُورك حَملا

 وسما غارب النبيّ فنحّى

عنهُ أصنامَهم وحَسبُكَ نُبلاً (٣)

__________________

(١) مجمع الفصحاء ٢ : ٢٢١.

(٢) الباقعة : الذكي العارف الذي لا يفوته شيء. أقرب الموارد ـ بقع ـ ١ : ٥٤.

(٣) الديوان : ٢٠.

١٣٢

وفي الصفحة ١٩٦ من الديوان المذكور :

اى آنكه حريم كعبه كاشانه تو است

بطحا صَدَفِ گوهر يكدانه تو است

گر مولد تو بكعبه آمد چه عجب

اى نجل خليل خانه خود خانه اوست

وإلى قوله : «لا ومن شق ...» ألحمتُ بقولي رائية علويّة عند تعداد معاجزه صلوات الله عليه :

من البيت الحرام شَقَقتَ حملاً

لاُمّك يومَ مولدكَ الجدارا

فحلَّت فاطمٌ منهُ مَقاماً

لصِنوا محمّد تَخِذَتهُ دارا (١)

إلى معنى شعره الفارسي السابق اُوع بقولي من مقطوعة في أهل البيت عليهم السّلام :

وليس ولادهُ في البيت بِدعاً

فإبراهيمُ شادَ له دِعامَهُ

 وهذا البيتُ بيتُ أبيهِ قَدماً

وفاطمةٌ به وضعت غُلامَه

ولنابغة طبرستان الشيخ محمد الصالح ، المتولّد سنو (١٢٩٧ ه) صاحب المؤلفات الجمّه في المعقول والمنقول ، وديوانه العربيّ والفارسيّ ، من علويّة :

بالبيتِ قد وضعتهُ فاطمةٌ

رفعاً له قد ضُرّفت وضعا

للهِ أُمٌ أرضعت أسداً

رضعَ النبيّ علومَه رضعا

تاللهِ لو كُشِفَ الغِطاء رأت

نوراً ومُلتقماً لها ضرعا

وقال المولى اهلي الشيرازي المتوفّى سنة (٩٤٢ ه) بشيراز ، من علوية تحتوي (١٣٦) بيتاً ، منها قوله :

__________________

(١) الديوان : ١٩٦.

١٣٣

كاشف علم الله آن گىتى نماى (لو كُشِف)

ديده را از هر دو كون از ديده (علم اليقين)

كعبه زان شد سجده گاه انبياء واولياء

كامد آنجا در وجود آن كعبه ارباب دين

وقال المولى كاتبي المترجم في (مجالس المؤمنين) للقاضي التستري قدس سرّه ، من علوية مستهلها :

بچشمِ عقلِ اقاليمِ سبعه گنجِ زر است

ولى چه از مگرى اژدهاى هفت سر است

ومنها :

زبالِ او طيران يافت جعفر طيّار

كه همچو طايرِ قدسش هزار زير پر است

بدامن (حَجَر الأسود) است مولدِ او

چه جوهر است ندانم؟ كه مولدش حَجَر است

ولسراج الدين ، محمد بن الحسن بن عيسىٰ القرشيّ التيميّ العدويّ الأموي اليماني الدرشن خاني ، ويعرف بالشيخ (فدا حسين) الهندي ، من قصيدته العلوية البالغة (١٤١١) بيتاً ، المسماة (بالنفحة القدسية) :

ولِدت في البيتِ والأيّام مظلمةٌ

والجوُّ منكدرُ الآفاقِ من ضَلَلِ

 فكنتُ كالشمسِ في إبّان مطلعها

بقائم اليوم زادَ الشمس في ظَفَل (١)

__________________

(١) النفحة القدسية : ٦٨ وتسمّى القصيدة : «لاميّة الهند».

١٣٤

وفي موضع آخر منها في تقريب : أن (أندر) إله الهنود مصحَف (حيدر) ، وأنّه المذكور في (الويدات واليرانات) قال :

فكلّ ذاك صفات (الأندر) عندهم

وكلّ ذاك صفاتٌ للوصيّ عليّ

 قتلتَ من قبل ثُعباناً بمهدك إذ

وُلِدتَ في عُقر بيت الواحد الجَلَلِ (١)

وقال الفاضل الأديب الشيخ محمود عباس العامليّ ، في قصيدته العلويى الكبيرة المسماة بـ (الدرر السنيّة) المطبوعة المخمسّة :

فوحقِّ آيات الكتاب المنزَلِ

ومكوّن الأكوان ذي المجدِ العَلي

 ويحقّ هادينا النبيّ المرسَل

ما حازَ كلَّ المكرمات سوى عَليّ

وسواهُ لا عينٌ لديه ولا أثر

مَن مثلهُ في بيت بارئه وُلِد

ذو خصلةٍ قد خُصّ فيها مُذ وُجِد

أمعِن بها ـ يا صاحِ ـ فكراً واعتمد

وانظر لها النَظَرَ الصحيحَ ولا تَحِد

من واضح المنهاج وقَيت الضرر

وقال باقعة العلم والأدب العلّامة السيد رضا ابن العلّامة الحجة السيد محمد الهندي النجفي ، المتوفّى سنة (١٣٦٢ ه) :

لما دعاك الله قدماً لأن

تولَدَ في البيتِ فلبّيته

 شكرته (٢) بينَ قريشٍ بأن

طهّرت من أصنامهم بَيته (٣)

وهناك بيت فارسي قديم استشهد به كثير من العلماء والمؤرّخين ، ومن ذلك ما وجدته في مقالٍ كتبه بعض علمائنا جواباً عمّا كتبه إليه بعض أهل السنة.

__________________

(١) النفحة القدسية : ١٧٨.

(٢) في الديوان : جزيته.

(٣) ديوانه : ٢٥.

١٣٥

قال بعد الحمد ما لفظه : «والصلاة والسلام على أشرف الأنام الذي حمل علياً عليه السّلام لكسر الأصنام في بيت الله الحرام ، الذي شُرِّفَ لكونه مولداً له عليه السّلام :

طوافِ خانه كعبه از آن شُد بر همه واجِب

كه آنجا در وجود آمد عليُّ بن أبي طالب» (١)

وذكره المؤرّخ الحاج زين العابدين الشرواني في (بستان السياحة) والقاضي الشهيد السعيد نور الله التستري ، في (إحقاق الحق) وغيرهما إلى العارف ، لطف الله النيسابوري ، وذكره أيضاً صاحب (مناقب المعصومين).

وللمولى الورحيّ العارف الشهير صاحب (المثنويّ) المتوفّى سنة (٦٧٢ ه) من قصيدة يذكر فيها الأئمة عليهم السّلام :

اى شِحنه دشتِ نجف از تو نجف ديده شَرَف

تو درّى وكعبه صَدَف ستاه ملامت ميكشد

ويلمح إليه قول الجامي عبد الرحمان المتوفّى سنة (٨٩٨ ه) :

بسوى كعبه رود شيخ ومن بسوى نجف

بحقّ كعبه كه آ ، جا مراست حقّ بطرف

تفاوتى كه ميان من است واو اينست

كه مَن بسوى گُهر رفتم او بسوىِ صَدَف

وللعلّامة المعاصر السيد عليّ نقي النقويّ الهندي اللكهنوي ، موشحة ميلادية يهنىء بها آية الله السيد ميرزا عليّ آقا الشيرازي قد سرّه ، بعد صرح الإمام عليه السّلام ، وذكر مولده الشريف ، نزين بها صفحات هذه الرسالة :

__________________

(١) ترجمته : صار الطواف حول الكعبة واجباً على الجميع ، لأن علي بن أبي طالب وُجدَ هناك.

١٣٦

مَن بدا فازدهرَ البيتُ الحرام

وزَهَت منهُ ليالي رَجَبِ؟

* * *

طَرِبَ الكونُ لِبشرٍ وهَنَا

إذ بدا الفخرُ بنورٍ وَسَنا

وأتى الوحيُ يُنادي مُعلِنا

قد أتاكُم حجّةُ الله الإمام

وأبو الغُرِّ الهداةِ النُّجُبِ

خصّةُ الرحمنُ بالفضل الصراح

ومزايا أشرقَت غُرّاً وضاح

وسما منزلُهُ هامَ الضراح

فغدا مولدُهُ خيرَ مقام

طأطأت فيه رؤوسُ الشُهُبِ

إنّهُ أوّلُ بيتٍ وُضِعَا

للورى طُراً فأضحَوا خُضَّعا

وعلى الحاضِرِ والبادي معا

حَجُّهُ أصبحَ فرضاً ولزام

طاعةٌ تتبعُ أقصى القُرَبِ

وهو في القبلةِ في كلّ صلاة

وملاذ تُرتَجى فيه النجاة

وقد استخلَصَهُ اللهُ حماة

فلئن يأتِ إليه مستهام

في مُلِم داعياً يَستَجبِ

تلكمُ فاطمةٌ بنتُ أسد

أمّت البيت بكَربٍ وكَمَد

ودعت خالقَها الباري الصمد

بِحَشىً فيه من الوَجدِ الضرام

قد علتهُ قبساتُ اللّهبِ

نادت اللهمَّ ربّ العالمين

قاضيَ الحاجاتِ للمستصرخين

كاشفَ الُضّرَ مجيب السائلين

إنّني جئتُك من دون الأنام

أبتغي عندك كشف الكربِ

بينما كانت تُناجي ربّها

إلى الرحمان تشكُو كَربَها

وإذا بالبِشرِ غشّى قلبها

من جدار البيتِ إذ لاحَ ابتسام

١٣٧

عن سنا ثغرٍ له ذي شَنَبِ (١)

فُتِقَ الزَهرُ أم انقَّ القمر

أم عمود الصُبح بالليل انفجر!

 أم أضاءَ البرقُ فالكون ازدهر

أم بدا في الأُفق خَرقٌ والتئام

فغدا برهانُ معراجِ النبيّ

أم أشار البيتُ بالكفِّ الخُلي

واطمئنّي بالإلهِ المُفضِل

فهنا يُولَدُ ذو العَليا علي

مَن بهِ يحظى حطيمي والمقام

وينال الركنُ أعلى الرُتَبِ

دخلت فاطمُ فارتدَّ الجدار

مثلما كانَ ولم يكشف سِتار

إذ تجلّى النورُ وانجابَ الشرار

عن سَنا بدرٍ به يَجلُو الظلام

والورى تنجو بهِ من عطَبِ

وُلِدَ الطاهرُ ذاك ابنُ جَلا

مَن سما العَرشَ جلالاً وعُلا

فلهُ الأملاكُ تَعنُو ذُلَلا

وبهِ قد بَشَّرَ الرُسلُ العظام

قومهم فيما خلا من حُقُبِ

عَرِفَ الله ولا أرضٌ ولا

رُفِعَت سَبعُ طباقٍ ظُلَلا

فلذا خَرَّ سُجوداً وتَلا

كلَّ ما جاء إلى الرُسلِ الكرام

قبلَه من صُحُفٍ أو كُتُبِ

إن يكُ البيتُ مطافاً للأنام

فعليٌّ قد رَقى أعلى سنام

إذ بهِ يطَّوَفُ البيت الحرام

وسعى الركنُ إليه لاستلام

فغدا يَزهُو بهِ من طَرَبِ

لم يكن في البيتِ مَولُودٌ سِواه

إذ تَ‘الى عن مَثيلٍ في عُلاه

__________________

(١) الشنب : الرقة ولا عذوبة. الصحاح ـ شنب ـ ١ : ١٥٨.

١٣٨

أُوتيَ العلمَ بتَعليمِ الإله

فغذاهُ دَرُّهُ قبلَ الفِطام

يرتوي منهُ بأَهنا مَشرَبِ

صَغُرَ الكونُ على سُوْددًهِ

وانتمى الوَحيُ إلى مَحتِدِهِ

بَشِّرَ الشيعةَ في مَولِدِهِ

واقصدِ العلّامة الحَبر الهُمام (١)

منبعَ العلمِ مَناطَ الأدبِ

آيةَ اللهِ عليَّ المرتضى

لم يزل للدين سَيفاً مُنتضى

حُكمُهُ جارٍ وعدلٌ ما قضى

يُرشِدُ الناسَ إلى دارِ السلام

كلّهم من عَجَمٍ أو عَرَبٍ

سيّدَ الأُسرةِ والنَّدبَ الشريف

لَم يزل حاميةَ الدينِ الحَنيف

جاهداً في نصرةِ الدينِ المُنيف

شيَّدَ العلمَ على أقوى دِعام

وهدى الناسَ لِنَهجِ المذَهبِ

إنّ للوُفّادِ في مغنى حِماه

بيتَ قدسٍ يقصدُ النائي فَناه

ابتغاءً فيهِ مَرضاةَ الإله

طالِباً في قُربِهِ أقصى مقام

بفؤادِ المُرتَجى المرتقب

عيلمَ الأحكامِ قاموسُ الحِكَم

لم يزل غيثُ هداهُ مُنسَجِم

وبهِ شَملُ المعالي مُنتَظِم

دامَ في الكون إلى يوم القيام

بنها بِشْرٍ وعَيشٍ مُخصِبِ (٢)

__________________

(١) هو سيّدنا علّامة الهاشميين ، آية الله في العالمين ، السيد ميرزا على آقا الخلف الصالح لسيّد الطائفة الإمام المجدد الحاج السيد ميرزا محمد حسين الشيرازي نزيل سامراء ، المتوفّى سنة (١٣١٢ ه) ولد سيّدنا الممدوح سنة (١٢٨٦ ه) وتوفي سنة (١٣٥٥ ه) وكان أحد زعماء الدين ، والأوحدي من فقهاء المسلمين ، خلف أباه في علمه وخلائقه وهديه وهداه وفضائله كلّها.

(٢) أورده هذه القصيدة في الغدير ٦ : ٣٣ ـ ٣٥ ، وشعراء الغري ٦٦ : ٤٣٦ ـ ٤٣٨.

١٣٩

ونشفع هذه القصيدة بثانية للسيّد العلّامة المذكور ، ميلادية أيضاً ، بارى بها قصيدة (إيليا أبي ماضي) الإلحادية المقفاة بـ (لست أدري) ، قال :

طَرِب الكونُ من البشرِ وقد عمَّ السُرور

وغدا القُمريُّ يَشدُو في ابتسامٍ للزهُور

وتهانَت ساجِعاتٍ في ذُرى الأيكِ الطُيور

لِمَ ذا البِشرُ وما هذي التهاني؟

لستُ أدري

تلعبُ الريحُ وفيها الدُوح (١) قامَت راقصات

وبها الأوراقُ تَزهُو بالأكفَّ الصافِقات

ضارباً سَجعَ هَزارِ (٢) الغصن أوتارَ الحياةِ

مِمَّ هذي الدوحُ أضحَت راقصات؟

لستُ أدري

قد كَسى وَجهَ الثَّرى من سُندُسٍ وشيُ الربيع

فتهادى مائساً في حُلَلِ الخَصبِ المَربيع

وغدا يَختالُ بالأرياشِ والشأن البَديع

قالئلاً : هَل أحَدٌ يُوجدُ مثلي؟

لستُ أدري

والنسيمُ الغَضُّ قد يَهمِسُ في سَمعٍ الأُقاح

فترى باسمةَ الثغرِ نَشاطاً وارتياح

__________________

(١) الدوح جمع دوحة : وهي الشجرة العظيمة المتسعة. لسان العرب ـ دوح ـ ٢ : ٤٣٦.

(٢) الهزار : العندليب. حياة الحيوان ٢ : ٤٠٥.

١٤٠