وليد الكعبة

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

وليد الكعبة

المؤلف:

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8163-92-8
الصفحات: ٤٩٥

بين المحدّثين والمؤرّخين من الخاصة والعامة» (١).

* المولى محمود بن محمّد باقر في تحفة السلاطين : «إنّ حديث ولادته عليه السلام في البيت يوم انشقّ جداره لفاطمة بنت أسد فدخلته ، مشهور كالشمس في رائعة النهار» (٢).

* السلطان محمّد بن تاج الدين في تحفة المجالس : «إنّ القريب إلى الصواب أنّ عليه السلام وُلِدَ في الكعبة» وذكر بعض أخبارها. ثمّ قال : «وفي الأخبار أنّه لم يكن شرف الولادة في البيت لأي أحد قبلَه ولا بعدَه» (٣).

* الشيخ العالمي الأصبهاني (ت ١١٠٠ هـ) في ضياء العالمين : «إنّ الولادة في البيت كانت مشهورة في الصدر الأول ، بحيث لم يكن إنكارها مع أنّهم ـ يعني أهل الخلاف ـ أنكروها أيضاً أخيراً» (٤).

هذا ، وإنّ هذه الشهرة في الأخبار لا يبارحها التواتر في الأسانيد.

* وانظر العلّامة الحلّي (ت ٧٢٦ هـ) في كشف الحق وكشف اليقين (٥) ..

* والاربلي (ت ٦٩٢ هـ) في كشف الغمّة حيث قال : «ولم يولد في البيت أحد سواه قبلَه ولا بعدَه ، وهي فضيلة خصّه الله بها إجلالاً له وإعلاءً لرتبته وإظهاراً لتكرمته» (٦).

* ومثله الشيخ ابن الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين.

__________________

(١) جلاء العيون ١ : ٢٣٢ ، فارسي.

(٢) تحفة السلاطين : ٢ ، فارسي.

(٣) تحفة المجالس : ٦٤ ، فارسي.

(٤) ضياء العالمين : ٢.

(٥) نهج الحق وكشف الصدق : ٢٣٢ ، وكشف اليقين : ٥.

(٦) كشف الغمّة ١ : ٥٩.

٢٨١

* والحافظ ابن شهر آشوب المازندراني (ت ٥٨٨ هـ) في مناقبه وبعد أن روى أحاديث الولادة (١).

* العلّامة العاملي في الصراط المستقيم ذاكراً اُرجوزة السيّد الحسيني :

ومولدُ الوصيّ أيضاً في الحرم

بكعبة الله العليّ ذي الكرم (٢)

 * العلّامة الطبرسي الآملي في تحفة الأبرار (٣).

* القاضي السعيد الشهيد سنة (١٠١٩ هـ) التستري حين طفق ينازل ويناضل القاضي روزبهان من علماء المعقول والمنقول ، حنفي الفروع أشعري الاُصول ، في إحقاق الحق حيث قال : «إنّ الفضيلة والكرامة في أنّ باب الكعبة كان مقفلاً ، ولمّا ظهر آثار وضع الحمل على فاطمة بنت أسد ـ رضي الله عنها ـ عند الطواف خارج الكعبة انفتح لها الباب بإذن الله تعالى ، وهتف بها هاتف بالدخول.

كما عقّب التستري على مسألة ولادة حكيم قائلاً : «وعلى تقدير صحّة تولّد حكيم بن حزام قبل الإسلام في وسط بيت الله الحرام فإنّما كان بحسب الاتفاق كما يتّفق بسقوط الطفل من المرأة ، والعجل من البقرة في الطريق وغيره ، على أنّ الكلام في تشرّف الكعبة بولادته فيها ، لا في تشرّفه بولادته في الكعبة» (٤).

* أبو الحسن المالكي في (الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة) يذهب المذهب نفسه في ولادة حكيم : فبعد أن يذكر ولادة عليّ في جوف الكعبة قال : «وأمّا حكيم بن حزام فولدته اُمّه في الكعبة اتفاقاً لا قصداً».

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٢ : ١٧٥.

(٢) الصراط المستقيم ٢ : ٢١٥.

(٣) تحفة الأبرار ، ب ٤ ، ف ٢.

(٤) انظر إحقاق الحقّ.

٢٨٢

وقد أصفق في هذا الكلام معه البحّاثة عبد الرحمن الصفوري الشافعي في نزهة المجالس (١).

بعد هذا فإنّ كتباً كهذه «المتينة المبنية على الحجاج والنضال لا سيما كتب العلّامة والقاضي التستري وابن البطريق لم يتوّخ مؤرخوها ـ والكلام ما زال للشيخ المؤلف ـ سرد الوقائع التاريخية من أينما حصلت ، وإنّما قصدوا فيها إلزام الخصوم بالحجج النيّرة ، فهل يمكنهم إذن أن يسترسلوا بإيراد ما توسّع بنقله القالة من دون تثبّت؟

لا ، ولكن شريعة الحقّ والدين تلزمهم بإثبات الشائع الذائع المتلقّى عند الفريقين بالقبول المشهور نقله ، الثابت إسناده بحيث لا يدع للمتعنت وليجةً إلى إنكاره ، وإلّا لعاد ما يذكره ثلماً في بيانه ، وفتاً في عضد برهانه ، فمن الواجب إذن أن يكون هذا الجواب ممّا يخضع له الخصم ولا يتقاعس عن الإخبات به الأولياء لمكان شهرة النقل له».

روايات الولادة المباركة :

وهنا راح الشيخ المؤلّف يذكر بعض روايات الباب ، نذكر بعضها ونكتفي بمصادر الاُخرى.

* روى الوزير السعيد الإربلي في (كشف الغمّة) عن كتاب (بشارة المصطفى) مرفوعاً إلى يزيد بن قَعنب ، قال :

كنتُ جالساً مع العبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه وفريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام ، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت حاملاً به

__________________

(١) الفصول المهمة : ٣٠ ، وأيضاً نزهة المجالس ٢ : ٢٠٤.

٢٨٣

لتسعة أشهر ، وقد أخذها الطلقُ فقالت : يا ربّ ، إنّي مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل ، وأنّه بنى البيت العتيق ، فبحقّ الذي بنى هذا البيت ، وبحقّ المولود الذي في بطني إلّا ما يسرت عليَّ ولادتي.

قال يزيد بن قَعْنَب : فرأيتُ البيت قد انشقّ عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ، وعادَ إلى حاله ، والتزقَ الحائط ، فؤُمْنا أن ينفتح لنا قفلُ الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنّ ذلك من أمر الله عزّ وجل ، ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (١).

* ورواها ابن الفتّال في (روضة الواعظين) وفي (كشف اليقين) للعلّامة الحلّي ، و (كشف الحق) عن (بشارة المصطفى) وفي (الإرشاد) لأبي محمّد الحسن الديلمي عن البشارة أيضاً مثله (٢).

وروى مختصراً منه محمّد صالح الترمذي في مناقبه (٣) ، ورواه مع بعض التغيير الشيخ الصدوق (ت ٣٨١ هـ) في (الأمالي) و (علل الشرائع) و (معاني الأخبار) (٤).

* ورواه الشيخ الطوسي في (أماليه) عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن ابن شاذان ، عن أحمد بن محمّد بن أيّوب ، عن عمر بن الحسن القاضي ، عن عبد الله بن محمّد ، عن أبي حبيبة ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزُهْري ، عن عائشة.

__________________

(١) كشف ا لغمّة ١ : ٦٠ ، وبشارة المصطفى : ٧.

(٢) إرشاد القلوب : ٢١١.

(٣) مناقب مرتضوي : ٨٧ ، ط. بومباي ، ١٣٢١ هـ.

(٤) الأمالي ١١٤ : ٩ ، وعلل الشرائع ١ : ٣ و ١٣٥ ، ومعاني الأخبار ٦٢ : ١٠.

٢٨٤

* وعن محمّد بن أحمد بن شاذان ، عن سهل بن أحمد ، عن أحمد بن عمر الربيعي ، عن زكريا بن يحيى ، عن أبي داود ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ابن مالك ، عن العباس بن عبد المطلب.

قال الشيخ : وحدّثني إبراهيم بن عليّ ، بإسناده عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال :

كان العبّاس بن عبد المطلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى ، بإزاء بيت الله الحرام ، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر ، وكان يوم التمام.

قال : فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق ، فرمت بطرفها نحو السماء.

رأينا البيت قد انفتح من ظهره ، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا.

وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام.

قال : وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك ، وتتحدّث المخدرات في خدورهنّ.

قال : فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه ، فخرجت فاطمةٌ وعليّ على يديها.

* وفي (المناقب) لابن شهر آشوب روايتان : رواية شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن العباس بن عبد المطلب ؛ ورواية الحسن بن محبوب ، عن الصادق عليه السلام ، والحديث مختصر : أنّه انفتح البيت من ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، ثمّ عادت الفتحة والتصقت ، وبقيت فيه ثلاثة أيّام.

* عن يزيد بن قعنب ؛ وجابر الأنصاري : وهو المعروف بحديث الراهب المثرم بن دعيب : فلمّا قربت ولادته أتت فاطمة إلى بيت الله وقالت : ربّ إنّي مؤمنة بك ، فانفتح البيت ودخلت فيه فإذا هي بحوّاء ، ومريم ، وآسية ، واُمّ موسى ، وغيرهنّ ، فصنعن مثل ما صنعن برسول الله صلى الله عليه وآله وقت ولادته.

٢٨٥

* وحديث الراهب رواه ابن الفتّال في (روضة الواعظين) على وجه هو أبسط من هاتين الروايتين المفصّلتين (١) كما ذكره غيره (٢).

وفي هذه المصادر وفي غيرها روايات مفصّلة أيضاً حول الولادة المباركة (٣).

وقد نظم مضامينها صاحب الوسائل الحرّ العاملي (ت ١١٠٤ هـ) اُرجوزةً نذكر بيتين منها :

مولدُهُ بمكّة قد عُرفا

في داخل الكعبة زيدتْ شرفا

 على رُخامة هناك حمرا

معروفة زادت بذاك قدرا (٤)

والمشهور بين الخاصّة والعامة أنّه وُلِدَ بين العمودين على البلاطة الحمراء.

وذكر العالم الشكوئي (ت ١٣٣٠ هـ) في كتابه (مصباح الحرمين) في وداع الكعبة اُموراً ، منها «الصلاة بين الاسطوانتين على الرّخامة الحمراء ، وهي على رواية بعض العلماء محل ولادة أمير المؤمنين عليه السلام كما مرّ في فصل المستجار ...» (٥).

* * *

وقال الشيخ أحمد بن الحسن الحرّ في (الدرّ المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء والملوك) في الفصل الرابع ، في ذكر أمير المؤمنين علي عليه السلام : ولادته في الكعبة في البيت على الحجر.

إذن فحديث ولادته عليه السلام أمر مشهور وروايته متواترة عند الفريقين.

__________________

(١) روضة الواعظين : ٧٧ ـ ٨١.

(٢) الفضائل (لشاذان بن جبرئيل) : ٥٤ ، وجامع الأخبار : ١٥.

(٣) علل الشرائع ٣ : ١٣٥ ، ومعاني الأخبار ١٠ : ٦٢ ، وأمالي الصدوق ٩ : ١١٤ ، وأمالي الطوسي ٢ : ٣١٧ ، ومناقب ابن شهر آشوب ٢ : ١٧٢ ، وروضة الواعظين : ٧٧.

(٤) منظومة في تواريخ المعصومين عليهم السلام ، مخطوطة.

(٥) مصباح الحرمين : ١٩٤.

٢٨٦

نبأ الولادة والمحدّثون :

حتّى يصل سماحة الشيخ إلى المراد من المحدّثين راح يميّز بين المحدّثين الذين يصفهم بأنّهم سذّج ، لم يجيدوا إلّا نقل الأساطير أو قول بسيط مثل : «حدّثني فلان» فيحشد أساطير وأقوالاً بعيداً عن التفقّه في مغزى الحديث والتبصّر في مؤداه ....

يميّز بين هذا النوع من الذين يطلق عليهم أنّهم المحدّثون وبين نوع آخر اُولئك هم أئمّة الحديث ومهرة فنّه النياقد ، الذين ـ كما يعتبر الشيخ عنهم ـ لا يروقهم رمي القول على عواهنه ، فلا يؤمنون بالمنقول إلّا بعد التفرّغ من أمر إسناده والتثبّت فيه والتروّي في متنه ، حذار مخالفته لمعقول أو مصادمته لشيء من الاُصول ، وبالتالي فإنّ هذا المحدّث هو الحبر الناقد الضليع في العلم الذي ضرب فراغاً في أوقاته للتبصّر في هذا الفنّ ، والإحاطة به من أطرافه. فهو محدّث وهو فقيه وهو مفسّر حين يتحرّى مغازى آي الكتاب الكريم واكتشاف مخبآتها وهو فنيّ إذا عطف النظر على أيٍّ من العلوم.

وهذا هو المحدّث الذي يقصده سماحته ويريده وذكر لهذا مصاديق كالسيّد المرتضى والسيّد الرضيّ والشيخ الطوسي ، وقبلهم الصدوق وبعدهم ابن شهر آشوب وابن الفتّال والعلّامة الحلّي وابن البطريق ، ومن أهل السنّة كالحاكم وغيره.

وقفة قصيرة مع ابن أبي الحديد :

يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج : واختلف في مولد علي عليه السلام أين كان؟ فكثير من الشيعة يزعمون أنّه وُلِدَ في الكعبة ، والمحدّثون لا يعترفون بذلك ، ويزعمون أنّ المولود في الكعبة حكيم بن حزام (١).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ : ١٤.

٢٨٧

* كيف يصحّ هذا والحاكم النيسابوري من أئمّة الحديث يقول : «... وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ في جوف الكعبة».

وما قاله المحدّث الدهلوي بتواتره ، وقول الآلوسي : «إنّه أمرٌ مشهورٌ في الدنيا» وغيرهم من المحدّثين كما أسلفنا وكما هو آتٍ؟!

اللهمّ إلّا أن يقصد ابن أبي الحديد بالمحدّثين اُولئك الذين وصفهم الشيخ بالسذّج. لا مهرة الحديث وأئمّته.

* وهذا العلّامة المحدّث أبو الفتح الكراجكي قال في (كنز الفوائد) بعد أن ذكر أحاديث في مقدّمة الولادة من خبر الكاهن ورؤيا فاطمة بنت أسد وتعبير الكاهن لها ما لفظه : «وفي الحديث أنّها ـ يعني فاطمة بنت أسد ـ دخلت الكعبة على ما جرت به عادتها ، فصادف دخولها وقت ولادتها فولدت أمير المؤمنين عليه السلام داخلها» (١).

وممّن يذكر خبر الولادة المباركة كلّ من الشيخ أبو الفوارس في كتاب (الأربعين) والرواية التي يذكرها بسندها الطويل المضطرب إلى ميثم التمّار وفيها عدّة مناقب للإمام منها الولادة في الحرم (٢).

* والفقيه ابن المغازلي المالكي في مناقبه الذي يذكر حديث الولادة مرفوعاً إلى علي بن الحسين عليهما السلام.

* وأبو عبد الله الشافعي الكنجي الحافظ (ت ٦٥٨ هـ) في كفاية الطالب الذي ذكر رواية الولادة لعليّ عليه السلام بسندها عن جابر بن عبد الله (٣).

__________________

(١) كنز الفوائد ١ : ٢٥٥.

(٢) الأربعون حديثاً ، مخطوط ، ونوادر المعجزات : ١٠ ، واليقين : ٧٣ ، وفضائل ابن شاذان : ٢.

(٣) كفاية الطالب : ٤٠٥.

٢٨٨

حديث الولادة والنسّابون :

نظراً للأهميّة الكبيرة اليت يمتاز بها النسّابون في معرفة فنّهم «النسب وأخباره» نرى شيخنا قد أفرد لهم باباً خاصّاً في هذه المسألة مبيّناً مدى أهمية خبرتهم ووظيفتهم في هذا الموضوع ، متعرّضاً لبعض أقوالهم في خصوص ولادة الإمام علي عليه السلام. فنصوصهم فيها من الحجج القويمة على إثباتها ، ولهم قضاء فصل فيها وحكم عدل.

ومن هؤلاء النسّابة :

* العمري في (المجدي) : وولدت ـ يعني فاطمة بنت أسد ـ عليّاً عليه السلام في الكعبة ، وما وُلِدَ قبله أحد فيها (١).

* جمال الدين الداودي الحسني (ت ٨٢٨ هـ) في (عمدة الطالب) : ذكر أنّ الولادة كانت في الكعبة ، ونفى أن يكون أحد وُلِدَ في البيت سواه قبله وبعده ، إكراماً له من الله عزّ وجل (٢).

*العلّامة السيّد محمّد الحسيني النجفي في (المشجّر الكشاف لأُصول السادة الأشراف) : وُلِدَ علي بمكّة ثمّ قال : «ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت الله الحرام سواه».

ومثلهم النسّابة أبو عبد الله الراضي صاحب (مناهل الضرب في أنساب العرب).

وهناك اُرجوزة للنسّابة أبي صالح النباطيّ النجفي (ت ١١٨٣ هـ) :

مولدُه الجمعةُ يومَ السابعِ

في شهر شَعبان ببيت الصانعِ

__________________

(١) المجدي : ١١.

(٢) عمدة الطالب : ٥٨.

٢٨٩

حديث الولادة والمؤرّخون :

إن السابر زُبر التأريخ وحوادثه يجد هذا الحديث ـ والكلام للشيخ ـ من أثبت ما تعرّض له مؤلّفوها ، وقد أثبتوه مخبتين به ، مذعنين بحقيقته ، ومنهم من نصّ بخصّته عندهم جميعاً.

وقد اختار الشيخ من هؤلاء المؤرّخين جمعاً وصفهم بالبراعة في فنّهم وقدرتهم على الوقوف على المختلف فيه والمتّفق عليه. وإن تعرّضت بحوث هذا الكتاب لمثل أوال هؤلاء المؤرّخين أو بما يربو عليها أو يقاربها ، ومع هذا نقرأ لبعضهم :

* المؤرّخ محمّد خاوند شاه في (روضة الصفا) ، قال : «كانت ولادته عليه السلام في رواية يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، وكان ميلاده عليه السلام في جوف الكعبة ، فإنّ اُمّه كانت تطوف بالبيت ، أو أنّ المشيئة الإلهية أجاءتها إلى فنائه ، وكانت في أوّل الطلق ، فكانت ولادته فيها ، ولم تتح هذه السعادة لأيّ أحد منذ بدء الخليقة إلى الغاية. وإن لصحّة هذا الخبر بين المؤرّخين المتحفّظين على الفضائل صيتاً لا تشوبه شبهة ، وتجاوز عن أن يصحبه الشكّ والترديد» (١).

والرجل مع ذلك ـ كما يقول الشيخ ـ يصافق مَن تقدّمه على أنّها ممّا اختصّ بها أمير المؤمنين عليه السلام ولا يشاركه فيها أيّ أحد.

ولا ريب في ذلك غير أنّ أعداء آل البيت النبوي افتعلوا حديث حكيم بن حزام فتّاً في عضد هذه الفضيلة ، لكن المنقّبين من الفريقين لم يأبهوا به ، وبذلك تعرف قيمة ما هملج به القاضي روزبهان من أنّ ذلك مشهور بين الشيعة

__________________

(١) روضة الصفا ، مترجماً من الفارسية وملخصاً.

٢٩٠

ولم يصحّحه علماء التاريخ ، بل عند أهل التواريخ أنّ حكيم بن حزام ولد في الكعبة ولم يولد فيه غيره ... إلى آخره.

وستجد نصوص التاريخ بذلك ، وعرفت ردّ الحاكم النيسابوري على من حصر ولادة البيت بحكيم ، وذكر تواتر النقل بولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيه.

ومرّ أيضاً رواية أساطين أهل السنّة ، ولذلك ما يتلوه :

* المسعودي وهو الحجّة عند الفريقين يقول في (مروج الذهب) عند ذكر خلافة أمير المؤمنين عليه السلام مثبتاً هذه الحقيقة ، جازماً بها من غير ترديد ، قال : «وكان مولده في الكعبة» (١).

وقد احتجّ بكتابه هذا الموافق والمخالف وهو من المصادر الموثوقة وقد راعى فيه ـ والقول للمولف ـ جانب التقيّة بما يسعه ، بتأليفه على نسق كتب أهل السنّة وما يرتضونه من رواياتهم ، حتّى حسبه بعض من لم يرَ من كتبه غيره أنّه منهم.

فهل من السائغ إذن أن يذكر في كتاب هذا شأنه غير الثابت المتسالم عليه عند الاُمّة جمعاء ، لا سيّما في مثل المقام الذي يكثر فيه بطبع الحال ورطات القالة؟

وذكر في كتابه الآخر (إثبات الوصية) :

«وروي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت ، فجاءها المخاض وهي في الطواف ، فلمّا اشتدّ بها دخلت الكعبة ، فولدته في جوف البيت ، وما وُلِدَ في الكعبة قبلَه ولا بعدَه غيره» (٢).

و (إثبات الوصيّة) من أنفس كتب الإمامية ، وليس من الجائز أن يحتجّ ويتبجّح فيه بما لا يقرّ به الخصم ، ولا تذعن به اُمّته ، ثمّ يقول بكلّ صراحة :

__________________

(١) مروج الذهب ٢ : ٣٤٩.

(٢) إثبات الوصية : ١١١.

٢٩١

«وما ولد ...» وبمشهد منه ومسمع ما تحذلقوا به من أمر حكيم بن حزام!! غير أنّ المؤرّخ لا يقيم له وزناً.

* وذكر حمد الله المستوفي (ت ٧٥٠ هـ) في (تاريخ گزيده) : «أنّ مولده عليه السلام كان سنة ثلاثين من عام الفيل ، وكان في الكعبة حيث كانت اُمّه في الطواف فبان عليها أثر الطَلق ، فأشارت إلى البيت ووضعته في جوفه» (١).

* محمّد بن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) وقيل : «ولد في الكعبة ، البيت الحرام» (٢).

ولا نكترث بإسناد ولادة البيت إلى القيل ، بعد قول الحاكم بتواترها ، وقول الآلوسي باشتهارها في الدنيا.

* المؤرّخ نشانجيّ في (مرآة الكائنات) : «أنّه عليه السلام وُلِدَ ولرسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثون سنة ، كانت اُمّه فاطمة زائرة البيت فولدته فيه لحكمة لله سبحانه فيه ، ولم يرزق هذا غيره وغير حكيم بن حزام» (٣). حيث عدّ ولادته عليه السلام من حكم الله سبحانه.

* عبد الحميد خان الدهلوي في (سير الخلفاء) نقل عن غير واحد من المؤرّخين ، أنّه «ولد في مكّة المكرّمة ، ولم يتولّد أحد قبله في حصار البيت ...» (٤).

* المؤرّخ والمحدّث القمي في (تاريخ قم) سنة (٣٧٨ هـ) : «إنّ ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة ...» (٥).

* * *

__________________

(١) تاريخ گزيده (فارسي) : ١٩٢ مترجماً وملخصاً.

(٢) مطالب السؤول : ١١.

(٣) مرآة الكائنات ١ : ٣٨٣.

(٤) سير الخلفاء : ٢٠٨ مترجماً من الهندية وملخّصاً.

(٥) تاريخ قم : ١٩١.

٢٩٢

* وقال السيّد علي جلال الحسيني المؤرّخ المصريّ في كتابه (الحسين عليه السلام) : «أنّه [الإمام عليّ عليه السلام] وُلِدَ بمكّة في البيت الحرام ، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب ، سنة ثلاثين من عام الفيل ...» (١).

* أحمد الغفاري القزويني من مؤرّخي القرن العاشر ذكر في (تاريخ نگارستان) أنّه عليه السلام وُلِدَ في جوف الكعبة (٢).

* المؤرّخ الشروانيّ ذكر أنّه عليه السلام وُلِدَ في جوف الكعبة وأنّ غيره لم يولد هناك (٣).

*الكاشفي ذكر حديث ابن قعنب في (روضة الشهداء) عن (بشارة المصطفى).

* الإمام البناكتي أنّه «لم يولد قبلَه ولا بعدَه في البيت» (٤).

* عبد المسيح الأنطاكي صاحب مجلّة (العمران) المصرية ، ونحن نقتبس طاقة من خمسة آلاف بيت نظمها في حياة أمير المؤمنين عليه السلام :

في رَحبة الكعبة الزهرا قد انبثقت

أنوارُ طفل وضاءت في مَغانيها

 واستبشرَ الناسُ في زاهي ولادته

قالوا : السُّعودُ له لابدَّ لاقيها

 قالوا ابنُ مَن؟ فأجيبوا إنّه ولدٌ

من نسل هاشم من أسمى ذَراريها

 هنّوا أبا طالبِ الجوّاد والدَهُ

وتلأُمَّ فاطمةٌ هبُّوا نُهنّيها

 إنّ الرضيعَ الذي شام (٥) الضياء ببيـ

ـتِ الله عزّتُهُ لا عزَّ يَحكيها

__________________

(١) كتاب الحسين عليه السلام ١ : ١٦.

(٢) تاريخ نگارستان : ١٠ ، وانظر بشأنه كشف الظنون ٢ : ١٩٧٦ ، والذريعة ٢٤ : ٣٠٨.

(٣) روضة الصفا الجزء العاشر مترجماً من الفارسية وملخّصاً كتاب جاماسب : ٥١.

(٤) روضة الشهداء : ١٤٦.

(٥) شام : تطلع ، انظر «لسان العرب ـ شيم ـ ١٢ : ٣٢٩».

٢٩٣

أمّا الوليدُ فلاقى الأرض مُبتسماً

فما رغا رَهَباً ما كان خاشيها

وعام مولده العام الذي بدأت

بشائرُ الوحي تأتي من أعاليها

فيه الحجارةُ والأشجار قد هتفت

للمُصطفى وهو رائيها وصاغيها

 وإذ دَرَى المصطفى فيه ولادةَ مو

لانا العَليّ غدا بالبُشر يُطريها

 وباتَ مُستبشراً بالطفلِ قال به

لنا من النِعَمِ الزَهراء ضافيها

ثمّ راح الأنطاكي يقول : «كانت ولادة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين في العام الثلاثين لولادة المصطفى ـ عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام ـ على ما حقّق المحقّقون ، فتكون ولادته الشريفة حول سنة مائة وواحد مسيحيّة ، ومن بشائر سعده ـ عليه صلوات الله ـ أنّه وُلِدَ في الكعبة كرّمها الله ، ولدته اُمّه فيها فاستبشر بذلك أبوه وعمومته.

وعند ولادته الشريفة ـ والكلام ما زال للناظم الأنطاكي ـ دعته اُمّه : حيدرة : ومعنى هذه الكلمة : الأسد ، فكأنّها أرادت أن تسمّيه باسم أبيها ، فلمّا وقع نظرُ أبيه أبي طالب عليه توسّم بملامحه العلاء ، ودعاه عليّاً. وقد صدّقت الأيّام فراسته ، فكان عليه صلوات الله عليّاً في الدنيا والآخرة.

وعام وُلِدَ سيّدنا أمير المؤمنين ـ عليه صلوات الله ـ هو العام المبارك الذي بدئ فيه برسول الله صلى الله عليه وآله فأخذ يسمعُ الهُتاف من الأحجار والأشجار ومن السماء ، وكشف عن بصره فشاهد أنواراً وأشخاصاً. وفي هذا العام ابتدأ بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حِراء ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتيمّنُ بذلك العام وبولادة سيّدنا عليّ ـ عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام ـ وكان يسمّيه : سنة الخير ، وسنة البركة. وقال المصطفى صلى الله عليه وآله لأهله عندما بلغته بشرى ولادة المرتضى : «لقد وُلِدَ لنا الليلة مولودٌ ، يفتحُ الله علينا به أبواباً كثيراً من النعمة والرحمة». وكان قوله هذا أوّل نُبوّته ، فإنّ المرتضى ـ عليه صلوات الله ـ كان ناصره ، والحامي عنه ، وكاشف الغمّاء عن وجهه ،

٢٩٤

وبسيفه ثبت الإسلامُ ، ورسخت دعائمُه وتمهّدت قواعدُه» (١). وقد ضمّن قصيدته كلّ ذلك وغيره من حياة الإمام عليه السلام.

* العلّامة السيّد محمّد الطباطبائي في الرسالة الموضوعة لتأريخ مواليد أئمّة الدين عليهم السلام ووفياتهم : أنّه عليه السلام : «ولد بمكّة في جوف الكعبة ، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه أحد فيه سواه ، إكراماً له من الله جلّ اسمه بذلك ...».

* السيّد أبو جعفر الحسيني في شرح قصيدته أبي فراس الحمداني ، تعيين يوم ولادته بالجمعة ... ومحلّها بالكعبة (٢).

* قال الكفعمي في (المصباح) : «... وُلِدَ عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة ...» (٣).

* شيخ الإسلام الزنوزيّ في (بحر العلوم) : «أنّ محلّ ولادته عليه السلام الكعبة».

* النخجوانيّ في (تجارب السلف في تواريخ الخلفاء ووزرائهم) ، فرغ منه سنة (٧٢٤ هـ) : «أنّ علياً عليه السلام وُلِدَ في الكعبة ، وسمّاه النبيّ صلى الله عليه وآله علياً ، وكنّاه بأبي تراب» (٤).

* قال الحلبيّ في سيرته (إنسان العيون) : «إنّه عليه السلام وُلِدَ في الكعبة ...».

ثمّ قال : «وقيل ، الذي وُلِدَ في الكعبة حكيم بن حزام ، قال بعضهم : لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة ، لكن في (النور) حكيم بن حزام ولد في الكعبة ، ولا يعرف ذلك لغيره ، وأمّا ما روي أنّ عليّاً عليه السلام ولد فيها ، فضعيف عند العلماء» (٥).

__________________

(١) القصيدة العلوية : ٦١ ، وهذه القصيدة تشتمل على ٥٥٩٥ بيتاً ، وانظر الذريعة ١٧ : ١٢٠ ، والأعلام (للزركلي) ٤ : ٢٩٧.

(٢) شرح الشافية : ١٥.

(٣) مصباح الكفعمي : ٥١٢.

(٤) تجارب السلف : ٣٧ ، ط. طهران ، سنة ١٣١٣ ش ، مترجماً من الفارسية.

(٥) إنسان العيون ١ : ١٦٥.

٢٩٥

وأنت تجد من يساق العبارة ـ وهذا القول للشيخ ـ أنّ المعتمد عند الرجل هو ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة ، ولذلك ذكرها أوّلاً مرسلاً إيّاها إرسال المسلّم ، ثمّ عزا ولادة حكيم بن حزام فيها إلى القيل إيعازاً إلى وهنه ، ولذلك أردفه بجواب البعض عنه ، لكنّه وجد لصاحب (النور) كلمة لم يرقه الإغضاء عنها بما هو مؤرّخ ، أخذ على عاتقه إثبات المقول في كلّ باب ، وإذ لم يجد جواباً عنها لغيره لم يشفعها به ، واكتفى هو بما ذكرناه ، من اعتماده على حديث الولادة عن أن يردّ كلمة الرجل ، لأنّه مؤرّخ لا مُنقّب.

وقفة مع صاحب كتاب النور :

ويكفينا تنفيذاً لقول صاحب النور نصوص علماء أهل السنّة في ذلك ، ورواياتهم ، كنصّ الحاكم والمحدّث الدهلويّ بتواتر حديثه ، وقول الآلوسيّ : «إنّه أمر مشهور في الدنيا».

ثمّ واصل شيخنا كلامه : وأيّ عالم يردّ المتواتر ، أو يعدوه أمر مشهور ثبوته في الدنيا فيضعّفه حتّى يقول الرجل بملء فيه : «إنّه ضعيف عند العلماء»؟

وإن تعجب فعجب إثباته ولادة حكيم التي لم يستقم إسنادها ، ولا اعترف بها مخالفوه واُمم من موافقيه ، وعلى فرض وقوعها فقد ذكرنا في غير مورد من هذه الرسالة ذلك الصفوريّ الشافعيّ : «أنّها من الصدف التي لا تثبت فضيلة ولا تخرق عادة».

ثمّ تضعيفه ولادة أمير المؤمنين التي أخبت بها أئمّة الحديث ، وأثبتها نقلة التاريخ ، وطفحت بها كتب الأنساب ، ونظمتها الشعراء ، وقال بها العلماء ، وفيهم من ينفي أن يكون لغيره ـ صلوات الله عليه ـ مولد في البيت ، وهو ما ورد عن الحاكم : «ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت الله الحرام سواه». وما عن البدخشيّ قوله : «ولم يولد في البيت أحد سواه ، قبلَه ولا بعدَه ، وهي فضيلة خصّه الله بها». وقد مرّ ما عن أبي داود البناكتي. وكلمة ابن الصبّاغ المالكيّ

٢٩٦

السابقة : «ولم يولد في البيت الحرام قبلَه أحد سواه ، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً له ، وإعلاءً لمرتبته ، وإظهاراً لتكرمته». وقول الدهلوي في (سير الخلفاء) : أنّه «لم يتولّد أحد قبله في حصار البيت». والآلوسي في أوليّات هذه الرسالة : «ولم يشتهر وضعُ غيره كرّم الله وجهه ، كما اشتهر وضعه» يوعز إلى وهن حديث حكيم ، وانحياز الشهرة عنه. وقول الدهلويّ في (إزالة الخفاء) : «ولم يولد فيها أحدٌ سواه قبلَه ولا بعدَه».

هذه كل مات بعض مهرة الفنّ وأئمّة النقل ، وهنا يقول الشيخ : فلو كان يُقام لولادة حكيم في البيت وزن عند هؤلاء لما أطلقوا القول بملء الأفواه أنّ تلك خاصّة لأمير المؤمنين عليه السلام لا يشاركه فيها أحد ، مع وقوفهم على أمر حكيم ، وفيهم من أورد خبر ولادة حكيم في كتابه لكنّه غير آبهٍ به.

وقفة مع الديار بكري :

ويقرب من هذه الهملجة ما جاء به الديار بري في (تاريخ الخميس) قال : «ولد بمكّة بعد عام الفيل بسبع سنين ، ويقال : كانت ولادته في داخل الكعبة ولم يثبت» (١) ولم يترك الشيخ المؤلّف هذا العزم دون جواب فيقول :

وليت شعري بماذا تثبت الحقائق التاريخية؟ أبالوحي ، أم بأخبار الأنبياء ، وهتاف الكتب السماوية ، أم أنّ المرجع فيها الرجل والرجلان من النَقَلَة والرواة؟ وهل التزم الديار بكري في كتابه بأكثر من هذا؟ فما بال هذه الحقيقة التي هَتَف بها المئات والألوف ، وأثبتتها طبقات الناس جيلاً بعد جيل لم تثبت عنده ، وثبتت لديه هَفوات التاريخ ، التي لو أحصيتها لخرجت عن وضع الرسالة؟

__________________

(١) تاريخ الخميس ٢ : ٣٠٧.

٢٩٧

ثمّ ما بال الديار بكري يعتمد على (شواهد النبوّة) كلّما نقل عنه ، ولا يرتضيه في خصوص المقام؟

ثمّ ما باله يغضّ الطرف عن غلطه الشائن من أنّ ولادته عليه السلام كانت بعد عام الفيل بسبع سنين ، لكنّه يردّ حديث ولادة البيت بعدم الثبوت؟

أنا أدري لماذا ، وأنت تدري ، وقبلنا الديار بكري يدري.

حديث الولادة والشعراء :

وللشعر والشعراء قصب السبق في إثبات هذه الفضيلة للإمام عليه السلام وقد بلغت من الشهرة حتى لم تدع مجالاً لإنكارها أو التشكيك فيها.

وهنا يبدأ المؤلّف هذا الفصل وقبل أن يذكر القصيدة وقائلها ، بمقدّمة جميلة جدّاً لا يسعنا تجاوزها أو اختصارها فهو يقول :

عرفت أن الحديث بلغ من الشهرة والثبوت بحيث لا يسع أيّ مُنعت إنكاره ؛ ولذلك احتجّ به فريق كبير من المحقّقين في كتب الإمامة ، وأرسله إرسال المسلّمات جموع من نياقد فنّ الحديث في باب الفضائل ، وتبجّح به زُرافات من حملة العلم ونقّاده في مؤلّفاتهم ، وهنالك لفيف لا يستهان بعدّتهم ، ولا يغمز في شيء من تثبّتهم وضبطهم من صيارفة القول ، وصاغة القريض ، وزبناء الشعر ، بين عالم ضليع ، وأديب بارع ، وشاعر مبدع ، تصدّوا لإثبات هذه الفضيلة في ما أفرغوه في بوتقة النظم ، أو حاكموه على نول الحقيقة ، فسار ذكرها مع الركبان وانتشر نشرها مع مهبّ الريح ، كما مرّ عن الحميري والسرخسي والشفهيني والحرّ العاملي والافتوني وغيرهم.

ثمّ أخذ يذكر آخرين إتماماً لما ذكره سابقاً.

٢٩٨

حديث الولادة مجمع عليه :

بهذا العنوان صدّر الباحث الفصل الأخير من كتابه القيم هذا ، بعد أن أثبت في فصوله السابقة حديث الولادة عند الفريقين وأنه حديث مشهور عندهم حيث أعاد قول الآلوسي «إنّه أمر مشهور في الدنيا» ، وأنّه «من المناقب المتسالم عليها التي لا يفتقر ناقلها إلى كتاب» كما ذكر ذلك السيّد حيدر الآملي ، وأنّ روايته مسندة عند الفريقين مصفقين على نقله وهو ما عرفناه عن ابن اللوحيّ. وأنّ العلّامة النوري ترقّى أكثر مصرّحاً بأنّ تلك الفضيلة لا يبعد كونها من ضروريّات مذهب الإماميّة ، وأنها جاءت في أخبار غير محصورة وفي كلمات العلماء وفي الخطب والأشعار في جميع الأعصار ، وهو إجماع الشيعة عليه كما نقل ذلك صاحب «مدينة المعاجز» عمّا ذكره ابن شهر آشوب في مناقبه ، وفي مناقب المعصومين أنه إجماع أهل البيت عليهم السلام.

ثمّ ذكر أقوال بعض علماء الشيعة حيث أرسلوا ولادته عليه السلام في الكعبة إرسال المسلّمات نافين عنه أيّة شبهة وارتجاف ، ومنهم العلّامة قطب الدين اللاهجي في كتابه (محبوب القلوب) فبعد أن نصّ على أنّ ولادته عليه السلام تمّت داخل الكعبة يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب قبل الهجرة بثلاثة وعشرين عاماً. قال : «ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه» مبيّناً أنّها «فضيلة خصّة الله تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لكرامته».

ويقرب من هذا أقوال كلّ من السيّد عباس الموسوي المكّي في رحلته (نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس) والسيّد نعمة الله الموسوي الجزائري (ت ١١١٢ هـ) في (الأنوار النعمانيّة) ونظام الدين الساوجي في تكملة الجامع العبّاسي لبهاء الدين العاملي ناصّاً أنّ «ولادته في جوف الكعبة».

٢٩٩

وفي مزار «أبواب الجنان وبشائر الرضوان» أرسله إرسال المسلم الشيخ خضر العفكاوي النجفي (ت ١٢٥٥ هـ).

ومن ذلك ما ذهب إليه العلّامة الشريف الشيرواني في كتابه «الشهاب الثاقب» قائلاً : «إنّه وُلِدَ في مكّة ببيت الله الحرام» معقباً ذلك بقوله : «ولم يولد فيه قطّ سواه لا قبلَه ولا بعدَه» مخالفاً بذلك غيره من أنّ ولادته يوم ١٣ رجب ناسباً ولادته يوم الجمعة إلى القيل.

وفي «تقويم المحسنين» أثبت الفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ) في حوادث رجب : وُلِدَ علي بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة وللنبيّ صلى الله عليه وآله يومئذ ثمان وعشرون سنة. وقد مائله في ذلك الشيخ أبو محمّد الديلمي في (إرشاده) ذاكراً أنّها من فضائله عليه السلام الجمّة المخصوصة به.

وقد ماثلهم في ذلك أيضاً صاحب (منهاج البراعة) في شرح نهج البلاغة السيّد حبيب الله الموسوي الخوئي بقوله : «وقد خصّه الله بهذه الفضيلة على سائر الأنام ، ولم يولد في البيت أحد قبلَه ولا بعدَه ...».

ونهج منهجم أيضاً العلّامة السيّد حيدر الكاظمي (ت ١٢٦٥ هـ) في كتابه (عمدة الزائر) ، ناقلاً رواية ذكرها الشيخ في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام : كانت ولادته يوم الأحد لسبع خلون من شعبان ، وكان بين مولده ومولد رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثون سنة ، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في بيت الله الحرام سواه إكراماً له وتعظيماً له من الله تعالى بذلك وإجلالاً لمحلّه.

ويقول السيّد مهدي القزويني (ت ١٣٠٠ هـ) في (فلك النجاة) : «ولد يوم الجمعة الثالث عشر رجب ، وروي سابع شعبان ، والأوّل أشهر بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاثين سنة ، في الكعبة البيت الحرام ...».

وأمّا السيّد محسن الأعرجي فقد نسب ولادته في شعبان إلى القيل ذاكراً حديث يزيد بن قعنَب الذي ذكره الصدوق.

٣٠٠