وليد الكعبة

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

وليد الكعبة

المؤلف:

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8163-92-8
الصفحات: ٤٩٥

ومعلوم أنّ البيت الحرام الذي جعله الله سبحانه للناس قياماً هو موضع للعبادة لا دار للولادة ، فولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيه بما يكتنفها من ظواهر إعجازية خارجة عن المألوف وعن موارد المصادفة ، دليل على أنّ تلك الولادة كانت اصطفاءً تتجلّى فيه آثار المشيئة الربّانية وتحفّه الإرادة الإلهية ، وتلك هي خصوصيّة المكان التي تفرّد بها وليد الكعبة بمقتضى عناية الله بوليّه ، وتفضّله على وصيّ نبيّه صلى الله عليه وآله : (وَاللَّـهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (١).

وليس عبثاً أن تتجلّى مشيئة الخالق في ولادة وصيّ النبيّ الخاتم صلى الله عليه وآله في بيته العتيق ، ما دام ثمّة تقارنٌ وتواصلٌ وتعاطٍ بين البيت والوصيّ في جهات عديدة :

منها : الاصطفاء الإلهيّ :

فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام : «أنّ الله اختار من كلّ شيء شيئاً ، واختار من الأرض موضع الكعبة» (٢).

وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال لابنته فاطمة عليها السلام : «إنّ الله اطّلع على أهل الدنيا فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيّاً ، ثم اطّلع ثانية فاختار من الخلائق عليّاً ، فأوحى إليّ فزوّجتكِ إياه ، واتخذته وصيّاً ووزيراً» (٣).

ومنها : الفضل والخلافة :

فالكعبة أكرم البيوت على وجه الأرض ، وأوّل بيتٍ شرّفه الله وعظّمه وجعله مثابة للعبادة في الأرض على نمط الضُّراح ـ أو البيت المعمور ـ الذي هو مثابةٌ لعبادة سكّان السماء.

وقد جعل الله سبحانه الكعبة نسخةً من البيت المعمور مضارعةً له في المكان والمنزلة.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٠٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه (للصدوق) : ٢ : ١٥٧ / ٦٧٩.

(٣) مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام (لابن المغازلي) : ١٥١ ، ومناقب علي بن أبي طالب عليه السلام (للخوارزمي) : ٢٠٦ ، وكنز العمال (للمتقي الهندي) ١١ : ٦٠٤ / ٣٢٩٢٣.

٢٢١

وكذلك وليد الكعبة هو أوّل قدوة مُثلى للبشر بعد النبيّ صلى الله عليه وآله في مسيرهم نحو مدارج الكمال في العلم والمعرفة ومكارم الأخلاق.

وهو من النبيّ صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعده صلى الله عليه وآله.

والنبيّ صلى الله عليه وآله دار الحكمة وعليّ عليه السلام بابها.

وهو صلى الله عليه وآله مدينة العلم وعليّ عليه السلام بابها.

وعلي عليه السلام عيبة الأسرار الإلهيّة وخازن المآثر النبويّة ، وأعلم الناس بالكتاب العظيم ، وأعلمهم بسنّة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله.

ومنها : القصد والاختبار :

فالبيت الحرام جعله الله تعالى محلّ اختبار وامتحان للخلق ، فقد أمر الله سبحانه الخلق : «أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ ، فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ ، وَغَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ ، تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَارِزِ قِفَارِ سَحِيقَةٍ ، وَمَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ ، وَجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْتَطِعَةٍ ، حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلاً يُهَلِّلُونَ لِلَهِ حَوْلَهُ ، وَيَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ ، قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ، وَشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ ، ابْتِلاءً عَظِيماً ، وَامْتِحَاناً شَدِيداً ، وَاخْتِبَاراً مُبِيناً ، وَتَمْحِيصاً بَلِيغاً ، جَعَلَهُ اللَهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ ، وَوُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ» (١).

وعن الإمام الصادق عليه السلام : «هذا بيت استعبد الله به خلقه ، ليختبر طاعتهم في إتيانه ، فحثّهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محلَّ أنبيائه ، وقبلةً للمصلّين إليه ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى غفرانه» (٢).

وأمير المؤمنين عليه السلام مَثَله مثل الكعبة ، يقصده الناس ولا يقصد أحداً ، ويسألونه ولا يسأل أحداً ، ويمتارون منه العلم ولا يمتار من أحد.

__________________

(١) نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح) : ٢٩٣ / ١٩٢.

(٢) الكافي (للكليني) ٤ : ١٩٨ / ١.

٢٢٢

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «يا عليّ أنتَ بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي» (١).

وهو قبلة أفئدة المؤمنين الذين أُمروا بالتوجّه إليه والتمسّك بولايته ، والاعتقاد بفرض طاعته ومودّته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، باعتباره وصيّاً ووليّاً ، وقائداً رساليّاً.

وحبّ عليّ عليه السلام طريق يؤدّي إلى الغفران ، لأنّه أحبّ الخلق إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وآله.

ومن هنا كان محلّ ابتلاء واختبار ، فحبّه علامة الإيمان ، وبغضه علامة الكفر والنفاق ، فلا يحبّه إلّا مؤمن ، ولا يبغضه إلّا منافق.

ومنها : مظاهر العبادة والخضوع :

ففي البيت تتجلّى مظاهر العبادة والخضوع للواحد القهّار ، وتلك المظاهر تتجلّى في وليد البيت عليه السلام ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «مثل عليّ فيكم كمثل الكعبة ؛ النظر إليها عبادة ، والحجّ إليها فريضة» (٢).

وقال عليه السلام : «النظر إلى عليّ عبادة» (٣). وقال صلى الله عليه وآله : «ذِكرُ عليّ عبادة» (٤).

__________________

(١) أُسد الغابة (لابن الأثير) ٤ : ٣١.

(٢) ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق (لابن عساكر) ٢ : ٤٠٦ والمناقب (لابن المغازلي) : ١٠٦ / ١٠٧.

(٣) المستدرك (للحاكم) ٣ : ١٤٢ ، وحلية الأولياء (لأبي نعيم) ٢ : ١٨٢ ، والرياض النضرة (للمحب الطبري) ٣ : ١٩٧ ، والمناقب (لابن المغازلي) : ٢٠٦ ـ ٢١١ / ٢٤٤ وما بعده ، وكنز العمال (للمتقي الهندي) ١١ : ٦٠١ / ٣٢٨٩٥ ، وانظر كتاب «الإفادة بطرق حديث : النظر إلى عليّ عبادة» تأليف السيّد عبد العزيز بن الصدّيق الحسني الغماري المغربي (١٣٣٨ ـ ١٤١٨ هـ) المنشور في العدد الثالث من مجلة «علوم الحديث» الصادرة من كليّة علوم الحديث في طهران ، السنة الثانية ، ١٤١٩ هـ ، في الصفحات (٢٣٩ ـ ٣٠٥).

(٤) وسيلة المتعبّدين (للملّا) ٥ : ١٦٨ / قسم ٢ ، والمناقب (لابن المغازلي) : ٢٠٦ / ٢٤٣ ، وفردوس الأخبار (للديلمي) ٢ : ٢٤٤ / ٣١٥١ ، وكنز العمال (للمتقي الهندي) ١١ : ٦٠١ / ٣٢٨٩٤.

٢٢٣

أمّا التواصل والتعاطي بين البيت ووليده :

فإنّ الوليد لم ينل شرف المكان وحسب ، بل إنّ المكان تشرّف به ، لأنّه وُلِدَ في بيت الله الذي دنّسه الكفار والمشركون بأوثانهم وأصنامهم.

وُلِدَ وهو مديرٌ ظهره لها ، مكرّماً وجهه عن النظر إليها.

فكانت خيبة الأصنام البلهاء بميلاد القادم الجديد.

ففي خارج البيت العتيق كانت الإرادة الإلهيّة تهيّء للناس رسولاً كريماً يتحدّى عالم الأوثان.

وفي داخل البيت كانت الإرادة الإلهيّة قد هيّأت للمصطفى خليلاً أدار ظهره للأصنام منذ اللحظة الأُولى للولادة (١).

وهكذا كانت بعثة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وولادة الوصيّ عليه السلام إيذاناً بتطهير البيت العتيق من الأصنام ، ونشر مبادئ التوحيد في اُمّ القرى وما حولها.

قال السيّد شهاب الدين محمود الآلوسي (ت ١٢٧٠ هـ) في (سرح الخريدة الغيبيّة في شرح القصيدة العينية) لعبد الباقي أفندي العمري (ص : ٧٥) عند قول الناظم مخاطباً أمير المؤمنين عليه السلام :

وأنتَ أنتَ الذي حطّت له قَدَم

في موضعٍ يدَهُ الرحمنُ قَد وَضعا

قيل : أحبّ عليه الصلاة والسلام ـ يعني علياً عليه السلام ـ أن يكافئ الكعبة حيث وُلِدَ في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها.

فإنها ـ كما ورد في بعض الآثار ـ كانت تشتكي إلى الله تعالى عبادة الأصنام حولها وتقول : «أي ربّ حتى متى تُعبَد هذه الأصنام حولي؟» والله تعالى يعِدُها بتطهيرها من ذلك (٢).

__________________

(١) علي بن أبي طالب سلطة الحق (لعزيز السيّد جاسم) : ١٥.

(٢) الغدير (للأميني) ٦ : ٢٢ ـ ٢٣.

٢٢٤

وكان ثمّة موعد بين الكعبة ووليدها في تطهيرها من مظاهر الشرك والرجس ، فكان اللقاء بينهما في يوم الفتح المبين ، وبحضور ابن عمّه النبيّ المصطفى صلى الله عليه وآله ، قال عليه السلام : «انطلق بي رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أتى بي الكعبة.

فقال لي : اجلس.

فجلستُ إلى جنب الكعبة ، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله بمنكبي ، ثمّ قال لي : انهض ، فنهضت.

فلمّا رأى ضعفي تحته قال لي : اجلس ، فنزلت وجلست.

ثمّ قال لي : يا عليّ «اصعد على منكبي» فصعدت على منكبيه ، ثمّ نهض بي رسول الله صلى الله عليه وآله فلمّا نهض بي خُيّل إليّ لو شئت نلتُ أُفُقَ السماء ، فصعدتُ فوق الكعبة ، وتنحّى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لي : ألقِ صَنَمَهم الأكبر ، صنمَ قُريش ، وكان من نُحاس مؤتدّاً بأوتادٍ من حديد إلى الأرض.

فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : عالجه.

ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول لي : إيهٍ إيهٍ ، (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).

فلم أزل أُعالجه حتّى استمكنتُ منه.

فقال : اقذفه ، فقذفتُهُ فتكسّر ، وتردّيت من فوق الكعبة ...» (١).

وكان ذلك خاتمة مظاهر الشرك والرجس في البيت المقدّس ، وأوّل مظاهر التطهير في عهد الإسلام على يد الوصيّ المرتضى (صلوات الله عليه).

__________________

(١) المستدرك (للحاكم) ٢ : ٣٦٧ ، ومسند أحمد ١ : ٨٤ و ١٥١ ، وتاريخ بغداد (للخطيب البغدادي) ١٣ : ٣٠٣ ، والمناقب (لابن المغازلي) : ٢٠٢ / ٢٤٠ ، ومجمع الزوائد (للهيثمي) ٦ : ٢٣ ، وعلل الشرائع (للصدوق) ١ : ١٧٣ / ١ ، ومعاني الأخبار (للصدوق) : ٣٥٠ / ١.

٢٢٥

وهو بمنزلة سجدة شكرٍ من أمير المؤمنين عليه السلام لربّه الكريم حيث حباهُ أن يولد في بيته المعظّم ، وقد أشار العلّامة السيّد رضا الهندي إلى هذا المعنى بقوله :

لمّا دعاك الله قدماً لأنْ

تولدَ في البيت فلبّيتهُ

شكرتَهُ بينَ قريشٍ بأنْ

طهّرتَ من أصنامهم بَيتَهُ

* * *

أوهام الشكّ وأرقام اليقين :

لا ريب أنّ ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المشرّفة تعتبر منقبةً عظيمةً وفضيلةً باهرةً اختصّ بها دون سواه ، لما فيها من الدلالة على أنّه عليه السلام محلّ عناية الله سبحانه منذ يوم ولادته ، لأنّه قد طهّره الله سبحانه بأن جعل مولده في أعظم بيوت عبادته.

وذلك من تجليات الاصطفاء الذي شاءته الإرادة الإلهية.

ومن هنا فقد أبى أعداء فضله العميم وحسّاد مجده الأثيل أن يُنصتوا إلى صوت الحقّ الصادر من أعماق التاريخ على لسان المؤرّخين والمحدّثين الذين قالوا بتواتره ، وكونه محلّ اتّفاق بين المسلمين.

فحاولوا أن يُثيروا الشكوك حول هذه الفضيلة لصرت الأنظار عنها ، وذلك في اتجاهين :

الأوّل : يثبت هذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام لكنّه ينكر تفرّده بها.

الثاني : ينكر هذه الفضيلة ولا يُثبتها لأمير المؤمنين عليه السلام.

أمّا أصحاب الاتّجاه الأوّل :

فيرون أنّ أوّل من وُلِدَ في الكعبة هو حكيم بن حزام ، ولا ينكرون ولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيها.

٢٢٦

قال الفاكهي في (أخبار مكة) : أوّل مَن وُلِدَ في الكعبة حكيم بن حزام (١).

وقال في موضع آخر : أوّل مَن وُلِدَ في الكعبة من بني هاشم من المهاجرين عليُّ بن أبي طالب (٢).

وغير الفاكهي آخرون أثبتوا هذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام وأشركوا معه حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى القرشي الأسدي ، ابن أخي حديجة أمّ المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ قيل : إنّه وُلِدَ في الكعبة قبل عام الفيل باثنتي عشرة سنة ، أو بثلاث عشرة سنة ، ومات سنة خمسين ، أو أربع وخمسين.

وقيل : عاش في الجاهلية ستين سنة ، وعاش في الإسلام ستّين سنة (٣).

ومستند أصحاب هذا الاتجاه ثلاثُ روايات :

الاُولى : رواها الزبير بن بكّار (ت ٢٥٦ هـ) في (جمهرة نسب قريش) (٤) ، ونقلها عنه أبو الفرج ابن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ) في (صفة الصفوة) (٥) ، وفي (المنتظم) (٦) ، والمزّي (ت ٧٤٢ هـ) في (تهذيب الكمال) (٧) ،

__________________

(١) أخبار مكة (للفاكهي) ٣ : ٢٣٦.

(٢) أخبار مكة (للفاكهي) ٣ : ٢٢٦.

(٣) راجع ترجمته في جمهرة أنساب العرب (لابن حزم) : ١٢١ ، وتهذيب الكمال (للمزيّ) ٧ : ١٧٠ / ١٤٥٤ ، والمنتظم (لابن الجوزي) ٥ : ٢٦٨ / ٣٧٤ ، والإصابة (لابن حجر) ٢ : ٣٢ / ١٦٩٥ ، وتهذيب التهذيب (لابن حجر) ٢ : ٤٤٦ / ٧٧٥ ، والتاريخ الكبير (للبخاري) ٣ : ١١ / ٤٢.

(٤) جمهرة نسب قريش ١ : ٣٥٣.

(٥) صفة الصفوة ١ : ٧٢٥.

(٦) المنتظم ٥ : ٢٦٩ / ٣٧٤.

(٧) تهذيب الكمال ٧ : ١٧٣.

٢٢٧

والذهبي (ت ٧٤٨ هـ) في (سير أعلام النبلاء) (١) ، وابن حجر (ت ٨٥٢ هـ) في (الإصابة) (٢) وغيرهم.

والثانية : رواها الحاكم النيسابوري (ت ٤٠٥ هـ) في (المستدرك) (٣).

والثالثة : رواها الأزرقي (ت ٢٢٣ هـ) في (أخبار مكة) (٤).

وقد استقصى زميلنا الفاضل شاكر شبع ، في مقال له بعنوان (الولادة في الكعبة المعظّمة فضيلة لعليّ عليه السلام خصّه بها ربّ البيت) (٥) المصادر الرئيسية لهذه الروايات وفق تسلسلها التاريخي ، وأخضعها للبحث والتحقيق ، وخرج بنتائج باهرة.

أهمّها : أنّ تلك الروايات جميعاً مرسلة ، ورواتها ضعفاء ، ومخالفة للمشهور ، وتعرّضت بعض مصادرها للتحريف والتلاعب ، ممّا يسقط الاعتماد عليها.

فلا نعيد الكلام حول تقييم هذه الروايات هنا.

ولكن نذكّر أنّ الإرسال في هذه الروايات ينبئ عن أنّها قد تكون وليدة الفترة الأموية التي اجتهد حكّامها ـ وعلى رأسهم معاوية ـ بكلّ حيلة في (إطفاء نور أمير المؤمنين عليه السلام ، والتحريض عليه ، ووضع المعايب والمثالب له ، ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعّدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمّن له فضيلة ، أو يرفع له ذكراً ، حتى حظروا أن يسمّى أحد باسمه) (٦).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ : ٤٦.

(٢) الإصابة ٢ : ٣٢. ,

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ٤٨٢.

(٤) أخبار مكّة ١ : ١٧٤.

(٥) في مجلّة (تراثنا) العدد ٢٦ : ٧ ـ ٤٢ ، وقد طبعت في هذه المجموعة ، برقم (٥).

(٦) شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) ١ : ١٧.

٢٢٨

والرواية تناسب الاُسلوب الذي ابتدعه معاوية في التغطية على فضائل أمير المؤمنين عليه السلام المتواترة والمتّفق عليها ، بنسبتها إلى غيره ، إنكاراً لتفرّده بها.

وقد كتب معاوية ذلك في كتابٍ عمّمه إلى جميع الآفاق ، جاء فيه : (إذا جاءكم كتابي هذا ، فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب ؛ إلّا وتأتوني بمناقضٍ له في الصحابة ، فإنّ هذا أحبّ إليّ ، وأقرّ لعيني ، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته).

قال الراوي : فرويت أخبارٌ كثيرة في مناقب الصحابة مفتَعلة ، لا حقيقةَ لها ، فظهر حديثٌ كثيرٌ موضوعٌ ، وبهتان منتشر (١).

ولكن ما زاد ذلك أمير المؤمنين عليه السلام إلّا رفعة وسموّاً (وكان كالمسك كلّما ستر انتشر عرفه ، وكلّما كتم تضوّع نشره ، وكالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار إن حُجبت عنه عينٌ واحدة أدركته عيون كثيرة) (٢).

وعلى تقدير صحّة الرواية بولادة حكيم بن حزام في الكعبة المشرّفة.

فقد يكون ذلك لمحض المصادفة والاتفاق.

وقد صرّح بذلك عبد الرحمن الصفوري الشافعي (ت ٨٩٤ هـ) في (نزهة المجالس) (٣) حيث قال : وأمّا حكيم بن حزام فولدته اُمّه في الكعبة اتّفاقاً لا قصداً (٤).

__________________

(١) سشرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) ١١ : ٤٦.

س (٢) شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) ١ : ١٧.

(٣) نزهة المجالس ٢ : ٢٠٤ ، القاهرة.

(٤) عليّ وليد الكعبة (للأُردوبادي) : ٤٠.

٢٢٩

ويدلّ على ذلك أيضاً ما جاء في رواية ولادة اُم حكيم من لفظ : (أعجلها الولاد) و (ولدت على النطع) كما جاء في رواية مصعب بن عثمان التي يقول فيها : دخلت اُمّ حكيم بن حزام الكعبة مع نسوةٍ من قريش ، وهي حامل متمّ بحكيم بن حزام ، فضربها المخاض في الكعبة ، فأُتيت بنطعٍ حيثُ أُعجلها الولاد ، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطع (١).

ولو تهيّأت أُمّ حكيم للولادة لما جعلت ثيابها لَقىً ، كما جاء في رواية عبد الله بن أبي سليمان عن أبيه ، قال : إنّ فاختة ابنة زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزّى ـ وهي اُمّ حكيم بن حزام ـ دخلت الكعبة وهي حامل ، فأدركها المخاض فيها ، فولدت حكيماً في الكعبة ، فحملت في نطع ، واُخذ ما تحت مَثبرها (٢) فغُسل عند حوض زمزم ، واُخذت ثيابها التي ولدت فيها ، فجُعلت لقىً (٣).

وعليه فإنّ ولادة حكيم بن حزام لا يترتّب عليها أدنى فضل أو مكرمة سوى طهارة المكان الذي وُلِدَ فيه وشرفِهِ.

بينما اكتسبت ولادة أمير المؤمنين عليه السلام أهميّتها بشرف الاصطفاء الإلهي والمشيئة الربّانية لا بخصوص فضل المكان وحسب.

فإذا كان حكيم بن حزام قد سبق بفضل المكان بمحض المصادفة والاتّفاق ، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد تفرّد بشرف المكان وبكيفية الولادة على وفق الإرادة الإلهية والعناية الربانية.

الاتّجاه الثاني :

إنّ أصحاب هذا الاتّجاه قد أمعنوا في إنكار هذه الفضيلة على الرغم من كونها من الحقائق الناصعة والمسلّمة تاريخيّاً.

__________________

(١) جمهرة نسب قريش (لابن بكار) ١ : ٣٥٣.

(٢) المثبر : الموضع الذي تلد فيه المرأة.

(٣) أخبار مكة (للأزرقي) ١ : ١٧٤.

٢٣٠

فادّعوا أنّه لم يولد قبل حكيم بن حزام ولا بعده أحدٌ في الكعبة المعظّمة.

وأنّ القول بولادة علي بن أبي طالب عليه السلام هو مزعمة كثير من الشيعة ، وأنّه ضعيف عند العلماء ، ولا يعترف به المحدّثون ، ولم يثبت عند بعضهم ، وفي ما يلي بعض أقوالهم :

١ ـ روى الحاكم في (المستدرك) بالإسناد عن مصعب بن عبد الله في نسب حكيم بن حزام ، قال : واُمّه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزّى ، وكانت ولدت حكيماً في الكعبة ، وهي حامل ، فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة ، فولدت فيها ، فحملت في نطع ، وغسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم ، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد.

وكلام مصعب الأخير ينطوي على إنكار ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة.

وقد ردّه الحاكم في ذيل الرواية بقوله : وهو مصعب في الحرف الأخبر ، فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة (١).

٢ ـ ذكر الشيخ علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي (ت ١٠٤٤ هـ) في سيرته (إنسان العيون) (٢) ، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة ، وعمره ـ يعني عمر النبيّ صلى الله عليه وآله ـ ثلاثون سنة.

ثمّ قال : وقيل : الذي وُلِدَ في الكعبة حكيم بن حزام.

وقال بعضهم : لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة.

لكن في (النور) : حكيم بن حزام وُلِدَ في الكعبة ، ولا يعرف ذلك لغيره ، وأمّا ما روي أنّ علياً عليه السلام وُلِدَ فيها ، فضعيف عند العلماء (٣).

__________________

(١) المستدرك (للحاكم) ٣ : ٤٨٣.

(٢) إنسان العيون ١ : ١٦٥.

(٣) عليٌّ وليد الكعبة (للاُردوبادي) : ٨٣.

٢٣١

٣ ـ ذكر ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) أنّ حديث الولادة مزعمة كثير من الشيعة ، والمحدّثون لا يعترفون بذلك ، ويزعمون أنّ المولود في البيت حكيم بن حزام (١).

٤ ـ قال الديار بكري في (تاريخ الخميس) (٢) : وُلِدَ [علي عليه السلام] بمكّة بعد عام الفيل بسبع سنين.

ويقال : كانت ولادته في داخل الكعبة ، ولم يثبت (٣).

ولم يقل أحدٌ بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ بعد عام الفيل بسبع سنين ، فكيف ثبت ذلك عند الديار بكري؟ ولم يثبت ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة مع كثرة القائلين بذلك؟

أرقام اليقين :

إنّ ما ذكره أصحاب الاتّجاه الثاني معارض :

بإجماع أهل البيت عليهم السلام وعلماء الطائفة.

واعتراف كثير من المحدّثين والمحقّقين العامة.

وتصريح كثير من النسّابة والمؤرّخين والشعراء في إثبات هذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام على الجزم واليقين.

وقد أجاد الشيخ الحجّة محمّد علي الاُردوبادي (ت ١٣٨٠ هـ) في كتابه (عليّ عليه السلام وليد الكعبة) في تحقيق هذه المسألة ، وكونها معتمدة عند العلماء ، وثابتة عند المؤرّخين والنسابة ، ومتواترة مشهورة بين الاُمّة.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) ١ : ١٤.

(٢) تاريخ الخميس ٢ : ٣٠٧.

(٣) عليٌّ وليد الكعبة (للاُردوبادي) : ٨٥.

٢٣٢

وفي ما يلي نذكر أرقام اليقين التي تدفع أوهام الشكّ وإثارات أصحاب الاتّجاه الثاني.

أوّلاً : الولادة المعظّمة في حديث أهل البيت عليهم السلام :

نقل عن أهل البيت عليهم السلام الكثير من الأخبار والروايات التي تحدّثوا فيها عن طبيعة تلك الولادة ومحلّها وملابساتها.

وقد حكى السيّد هاشم البحراني (ت ١١٠٧ هـ) تواتر حديث الولادة في الكعبة ، حيث قال : رواية أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة ، بلغت حدّ التواتر ، وهي معلومة في كتب العامّة والخاصّة (١).

وفي ما يلي نذكر بعض رواياتهم عليهم السلام :

١ ـ روى ابن الفتّال ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : سمعت عليّ بن الحسين عليه السلام يقول : «إنّ فاطمة بنت أسد ضربها الطلق ؛ وهي في الطواف ، فدخلت الكعبة ، فولدت أمير المؤمنين عليه السلام فيها» (٢).

٢ ـ وروى ابن المغازليّ الشافعيّ بالإسناد ، عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهم السلام قال : «كنتُ جالساً مع أبي ؛ ونحن زائرون قبر جدّنا صلى الله عليه وآله وهناك نسوانٌ كثيرة ، إذ أقبلت امرأة منهنّ ، فقلتُ لها : مَن أنتِ يرحمك الله؟

قالت : أنا زيدة بنت قريبة بن العجلان من بني ساعدة.

فقلت لها : فهل عندك شيء تحدّثينا؟

فقالت : إي والله ، حدّثتني أُمّي اُمّ عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي ، أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب ، إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً فقلت له : ما شأنك ، يا أبا طالب؟

__________________

(١) غاية المرام (للبحراني) : ١٣.

(٢) روضة الواعظين (لابن الفتّال) : ٨١ ، وبحار الأنوار ٣٥ : ٢٣ / ١٧.

٢٣٣

قال : إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض ، ثمّ وضع يديه على وجهه ، فبينما هو كذلك إذ أقبل محمّد صلى الله عليه وآله ، فقال له : ما شأنك يا عمّ؟

فقال : إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض.

فأخذ بيده وجاء وهي معه ، فجاء بها إلى الكعبة ، فأجلسها في الكعبة ، ثمّ قال : اجلسي على اسم الله.

فطلقت طلقة ، فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظّفاً ، لم ارّ كحسن وجهه ، فسمّاه أبو طالب عليّاً (١) ، وحمله النبيّ صلى الله عليه وآله حتى أدّاه إلى منزلها».

قال عليّ بن الحسين عليه السلام : «فو الله ما سمعتُ بشيء قدُّ إلّا وهذا أحسن منه» (٢).

٣ ـ وروى الشيخ الطوسي في أماليه بعدّة أسانيد ، منها عن أبي عبد الله جعفر ابن محمّد عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ـ في حديث طويل ـ قال : «كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى ، بإزاء بيت الله الحرام ، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُم أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر ، وكان يوم التمام.

قال : فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق ، فرمت بطرفها نحو السماء ، وقالت : «أي ربّ ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك من رُسُلٍ وكُتُبٍ ، وإنّي مصدّقةٌ بكلام جدّي إبراهيم الخليل ، وأنّه بنى بيتك العتيق.

فأسألك بحقّ هذا البيت ومَن بناه ، وبهذا المولود الذي في أحشائي ، الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه ، وأنا موقنةٌ أنّه إحدى آياتك ودلائك ، لمّا يسّرتَ عليَّ ولادتي ...».

__________________

(١) وجاء في بعض الروايات أنّ الذي سماه هو النبيّ صلى الله عليه وآله ، وروي أيضاً أنّ أبا طالب سمع هاتفاً يقول له : سمّه علياً.

(٢) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام (لابن المغازلي) : ٦ / ٣ ، والفصول المهمّة (لابن الصباغ) : ٣٠ ، وكشف الغمّة (للأربلي) ١ : ٥٩ ، وعمدة عيون صحاح الأخبار (لابن البطريق) : ٢٧ / ٨.

٢٣٤

قال العبّاس بن عبد المطلب ويزيد بن قَعنَب : لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء ، رأينا البيت قد انفتحَ من ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا ، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بإذن الله.

فرُمنا أن نفتحَ الباب لتصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب.

فعلمنا أنّ ذلك أمرٌ من أمر الله تعالى ، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام.

قال : وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك ، وتتحدّث المخدرات في خدورهنّ ، فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتحَ البيتُ من الموضع الذي كانت دخلت فيه ، فخرجت فاطمة وعليٌّ عليه السلام على يديها ...» الحديث (١).

٤ ـ وروى ابن شهر آشوب ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال : «انفتح البيت من ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، ثمّ عادت الفتحة والتصقت ، وبقيت فيه ثلاثة أيّام ، فأكلتْ من ثمار الجنّة ...» الحديث (٢).

ووااضح أنّ بعض هذه الروايات قد اقتصر على الإشارة الإجمالية لمولده عليه السلام والتذكير بفضله ، بينما توسّعت بعضها بسرد التفاصيل بحذافيرها ، ومنها بيان كيفيّة دخول فاطمة بنت أسد البيت ودعائها وبقائها في البيت وأكلها من ثمار الجنة.

٥ ـ ولم يقتصر ذكر الولادة على الروايات وحسب ، بل جاء في الأدعية والزيارات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام التصريح بولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المعظّمة.

ففي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم مولد النبيّ صلى الله عليه وآله في (١٧ ربيع الأول) التي رواها محمّد بن مسلم الثقفي ، عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام :

__________________

(١) الأمالي (للشيخ الطوسي) : ٧٠٦ / ١٥١١ ، وبحار الأنوار (للمجلسي) ٣٥ : ٣٦ / ٣٧.

(٢) المناقب (لابن شهر آشوب) ٢ : ١٧٤ ، وبحار الأنوار (للمجسي) ٣٥ : ١٨.

٢٣٥

«السلام عليك يا مَن شرّفت به مكّة ، السلام عليك يا مَن وُلِدَ في الكعبة ، وزوّج في السماء بسيّدة النساء ... السلام على الخصوص بالطاهرة التقيّة ابنة المختار ، المولود في البيت ذي الأستار» (١).

وفي زيارة اُخرى لأمير المؤمنين عليه السلام رواها ابن طاوس : «السلام على المولود في الكعبة ، المزوّج في السماء ...» (٢).

ثانياً : حديث الولادة عن الصحابة والتابعين :

وجاء حديث ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المشرّفة على لسان بعض الصحابة والتابعين ، ومنهم :

١ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه ، روى حديثه الكنجي في (كفاية الطالب) (٣) وابن شهر آشوب في (مناقب آل أبي طالب) (٤) وابن شاذان في (الفضائل) (٥).

٢ ـ العبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، روى حديثه الشيخ الطوسي في (الأمالي) (٦) ورواه ابن شهر آشوب في (المناقب) (٧) عن أنس بن مالك ، عن العباس بن عبد المطلب.

٣ ـ عائشة ، روى حديثها الشيخ الطوسي في (الأمالي) (٨).

__________________

(١) إقبال الأعمال (لابن طاوس) : ٦٠٨ ـ ٦١٠ ، والمزار (للشهيد الأوّل) : ٩١ ـ ٩٥ ، وبحار الأنوار ١٠٠ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

(٢) مصباح الزائر (لابن طاوس) : ١٤٦ ، وبحار الأنوار (للمجلسي) ١٠٠ : ٣٠٢ / ٢٢.

(٣) كفاية الطالب : ٤٠٥ ـ ٤٠٦.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٥) الفضائل : ٥٤ ـ ٥٦.

(٦) الأمالي : ٧٠٦ / ١٥١١.

(٧) المناقب ٢ : ٧٤.

(٨) الأمالي : ٧٠٦ / ١٥١١.

٢٣٦

٤ ـ عتاب بن اُسيد ، روى حديث الشيخ الطوسي في (مصباح المتهجّد) (١) والعلّامة المجلسي في (البحار) (٢).

٥ ـ ميثم التمّار ، روى حديث الشيخ أبو الفوارس الرازي في (أربعينه) (٣) مسنداً (٤) ، والطبري في (نوادر المعجزات) (٥) وابن شاذان في (الفضائل) (٦) ، والشيخ حسين بن عبد الوهّاب المعاصر للسيّد الشريف المرتضى ، في (عيون المعجزات) (٧).

٦ ـ يزيد بن قعنب ، روى حديثه ابن شهر آشوب في (المناقب) (٨) ، وابن الفتّال في (روضة الواعظين) (٩).

وروى الحديث مسنداً عن سعيد بن جبير ، عن يزيد بن قعنب ، الشيخ الصدوق في (علل الشرائع) (١٠) ، و (معاني الأخبار) (١١) ، و (الأمالي) (١٢) ، وعماد الدين الطبري في (بشارة المصطفى) (١٣) ، والإربلي في (كشف الغمّة) (١٤) ،

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٨١٩.

(٢) بحار الأنوار ٣٥ : ٧ / ٧.

(٣) أربعينه : ٩ ، مخطوط.

(٤) راجع علي عليه السلام وليد الكعبة (للاُردوبادي) : ٦١ ـ ٦٢.

(٥) نوادر المعجزات : ٣٢ ـ ٣٣ / ١٢.

(٦) الفضائل : ٢.

(٧) عيون المعجزات : ٢٤ ـ ٢٥.

(٨) المناقب ٢ / ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٩) روضة الواعظين : ٧٦ ـ ٨١.

(١٠) علل الشرائع ١ : ١٣٥ / ٣.

(١١) معاني الأخبار : ٦٢ / ١٠.

(١٢) الأمالي : ١٩٤ / ٢٠٦.

(١٣) بشارة المصطفى : ٧ ـ ٩.

(١٤) كشف الغمّة ١ : ٦٠.

٢٣٧

والديلمي في (إرشاد القلوب) (١) ، والعلّامة الحلّي في (كشف اليقين) (٢) و (نهج الحقّ) (٣).

ثالثاً : إجماع أعلام الطائفة :

أجمع أعلام الإمامية ، وفيهم المحدّثون والمؤرّخون والنسّابة القدامى والمحدثون ، وبكلمات شتّى مؤدّاها أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة يوم الجمعة الثلاثين بعد عام الفيل ، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت الله تعالى سواه ، وتلك فضيلة مختصّة به ، لم يشركه فيها أحد قبلَه ولا بعدّه ، إعلاءً لقدره وفضله ، وإجلالاً لمحلّه من التعظيم عند ربّه.

وفي ما يلي نذكر بعضهم مرتّبين حسب التسلسل التاريخي ، مع الإشارة إلى مراجع أقوالهم :

١ ـ السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف الرضيّ ، المتوفّى سنة (٤٠٦ هـ) في كتاب (خصائص الأئمّة عليهم السلام : ٣٩).

٢ ـ الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي ، المعروف بالشيخ المفيد (ت ٤١٣ هـ) في (المقنعة : ٤٦١) و (الإرشاد ١ : ٥).

٣ ـ السيّد علم الهدى علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى (ت ٤٣٦ هـ) في (شرح القصيدة البائية المذهّبة للسيد الحميري : ٥١ ، طبعة مصر) في سنة (١٣١٣ هـ) (٤).

٤ ـ العلّامة المحدّث أبو الفتح محمّد بن علي الكراجكي (ت ٤٤٩ هـ) في (كنز الفوائد ١ : ٢٥٥).

__________________

(١) إرشاد القلوب : ٢١١.

(٢) كشف اليقين : ١٧.

(٣) نهج الحق : ٢٣٣.

(٤) الغدير (للأميني) ٦ : ٢٤ ، وعلي عليه السلام وليد الكعبة (للاُردوبادي) : ٢٦ ـ ٢٧.

٢٣٨

٥ ـ شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠ هـ) ، في كتاب المزار من (التهذيب ١ : ١٩) و (الأمالي ٧٠٦ / ١٤١١).

٦ ـ أمين الإسلام الشيخ المفسّر أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في (إعلام الورى : ١٥٣) و (تاج المواليد : ١٢).

٧ ـ الشيخ الفقيه أبو الحسين سعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله ، المعروف بالقطب الراوندي (ت ٥٧٣ هـ) في (الخرائج والجرائح ٢ : ٨٨٨).

٨ ـ الحافظ رشيد الدين أبو عبد الله محمّد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني (ت ٥٨٨ هـ) في (مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٧٥).

٩ ـ الشيخ أبو علي محمّد بن الحسن الواعظ الشهيد النيسابوري ، المعروف بابن الفتّال ، من أعلام القرن السادس في (روضة الواعظين : ٧٦).

١٠ ـ الحافظ شمس الدين أبو الحسن يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي الربعي ، المعروف بابن البطريق (ت ٦٠٠ هـ) في (عمدة صحاح الأخبار : ٢٤) ز

١١ ـ السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى بن طاوس الحلّي (ت ٦٦٤ هـ) في (إقبال الأعمال : ٦٥٥).

١٢ ـ الشيخ الوزير بهاء الدين أبو الحسن عليّ بن عيسى الأربليّ (ت ٦٩٣ هـ) في (كشف الغمّة ١ : ٥٩).

١٣ ـ العلّامة جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحليّ (ت ٧٢٦ هـ) في (نهج الحقّ وكشف الصدق : ٢٣٢) و (كشف اليقين : ١٧).

١٤ ـ الشيخ المحدّث أبو محمّد الحسن بن أبي الحسن الديلميّ ، من أعلام القرن الثامن في (إرشاد القلوب : ٢١١).

١٥ ـ السيّد حيدر بن عليّ الحسيني العبيدلي الآملي ، من أعلام القرن الثامن في (الكشكول في ما جرى على آل الرسول : ٨٦ و ١٨٩).

٢٣٩

١٦ ـ الشيخ عليّ بن محمّد بن يونس البياضيّ (ت ٨٧٧ هـ) في (الصراط المستقيم ٢ : ٢١٥).

١٧ ـ الشيخ تفي الدين إبراهيم بن عليّ العاملي الكفعمي (ت نحو ٩٠٠ هـ) في (المصباح : ٥١٢).

رابعاً : النسّابة والمؤرّخون :

ذكر كثير من النسّابة والمؤرّخين أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة المعظّمة ، وهم أعلم الناس بمواقع الولادة والأنساب ، ومنهم :

* * *

١ ـ أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي (ت ٣٣٣ أو ٣٤٥ هـ) في (مروج الذهب ٢ : ٣٤٩).

وقال في (إثبات الوصية) : روي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت ، فجاءها المخاض وهي في الطواف ، فلمّا اشتدّ بها دخلت الكعبة ، فولدته في جوف الكعبة على مثال ولادة آمنة النبيّ صلى الله عليه وآله (١) ، وما وُلِدَ في الكعبة قبلَه ولا بعدَه غيره (٢).

٢ ـ وذكر ذلك المؤرخ الحسن بن محمّد بن الحسن القمي في (تاريخ قم : ١٩١) الذي ألّفه سنة (٣٧٨ هـ) وقدّمه إلى الصاحب بن عباد ، وترجمه إلى الفارسية الشيخ الحسن بن عليّ بن الحسن القمّي سنة (٨٦٥ هـ) (٣).

__________________

(١) أي من حيث الكيفية ، فقد وُلِدَ عليه السلام مستقبلاً الأرض بكفّيه رافعاً رأسه إلى السماء ، ذاكراً اسم الله.

(٢) إثبات الوصية (للمسعودي) : ١١١.

(٣) الغدير (للأميني) ٦ : ٢٤.

٢٤٠