تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي

تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

المؤلف:

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي


المترجم: صلاح الدين عثمان هاشم
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: لجنة التأليف والترجمة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٩

تكاد تكون أكثر آثار ذلك العهد أصالة فى محيط الأدب. وزيادة على هذا فإنه يمكن إلى حد ما القول بأن «صبح الأعشى» يختتم عصرا معينا فى تاريخ الأدب الجغرافى إذ أن عهد الجغرافيا العامة (General Geography) الذى بلغ أوجه فى نمط الكوزموغرافيات والموسوعات للقرنين الثالث عشر والرابع عشر قد انتهى وحل محله نمط الجغرافيا الإقليمية (Regional ـ Geography) ؛ كما يمكن أن نضيف إلى هذا أنه قد ظهرت مصنفات محلية باللغتين الفارسية والتركية (٧٧) كما حدث مثلا بإيران وآسيا الوسطى والهند ثم بالدولة العثمانية فيما بعد. أما نمط الرحلات فقد استمر حافلا ومزدهرا حتى النهاية ، وليس هذا فحسب بل إن مما يسترعى الانتباه حقا هو أن آخر رحالة كبير انتظم محيط رحلاته العالم الإسلامى بأجمعه إنما ينتمى إلى القرن الرابع عشر أيضا.

ذلكم هو ابن بطوطة المشهور وهو نفس ذلك الرحالة الذى كانت أسفاره تطالع بالمدارس الثانوية بالبلاد العربية إلى عهد قريب والذى يرّد المثقفون العرب حين التساؤل عنه باتسامة لا تخلو من بعض الاستخفاف ؛ وهو نفس ذلك الرحالة الذى لا يستغنى عن الرجوع إليه أى باحث يود الخوض فى تاريخ الأوردو الذهبى وآسيا الوسطى والذى رغما من هذا تقف رواياته عن الصين والهند فى مستو واحد مع «أسفار السندباد» و «عجائب الهند». ومهما اختلفت الآراء فيه فإن من المستحيل إنكار أنه كان آخر جغرافى عالمى من الناحية العملية ، أى أنه لم يكن نقالة اعتمد على كتب الغير بل كان رحالة انتظم محيط أسفاره عددا كبيرا من الأقطار. وقد جاوز تجواله مقدار مائة وخمس وسبعين ألف ميل (٧٨) ، فهو بهذا يعد منافسا خطيرا لمعاصره الأكبر منه سنا ماركوبولو البندقى (٧٩). ولعل المقارنة بين الاثنين قد بولغ فيها أحيانا ولو أنها لا تخلو من الطرافة فى بعض جوانبها فالصياغة الأدبية لكلا الرحلتين مثلا لا ترجع إلى صاحب الرحلة نفسه بل إلى شخص آخر ؛ كما أن كلا المصنفين يكمل أحدهما الآخر بالنسبة لمعلوماتنا عن آسيا فالرحالة البندقى عرف الشرق الأقصى خيرا مما عرفه المغربى ، وفى مقابل هذا فمن الطبيعى أن نجد أن هذا الأخير كان لديه إحساس ذاتى بظروف حضارة العالم الذى يصفه أكثر مما كان لدى البندقى. ومما يقرب بين الاثنين أنهما لا ينتميان فى المحيط الجغرافى إلى الجغرافيين العلماء ولو أنه يجب الاعتراف بأن وصف المواطن المسلم لخط سير رحلته أدعى إلى الثقة مما عليه الحال مع معاصره المسيحى. غير أن هذا يجب ألا ينسينا شطحاته ، فمما لا شك فيه أن وصفه «لأرض الظلمات» الواقعة خلف أراضى بلغار الفلجا إنما يرجع فيه إلى فكرة غير موثوق بها أو إلى مصدر أدبى أساء فهم روايته (٨٠) ؛ كما أن وصفه لبلاد طوالسى الواقعة فى مكان ما من كوشين صين Cochin ـ China يضم أساطير سمعها عن بلاد أخرى حتى اختلط الوصف لديه اختلاطا كليا. إلا أنه كلما تعرضت الأجزاء المختلفة من وصف رحلته لدراسة دقيقة مفصلة كلما زادت الثقة فى صدق روايته يوما عن آخر.

واسمه الكامل هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله اللواتى الطنجى وتشير النسبة الأخيرة إلى علاقته بطنجة

٤٢١

التى رأى النور فيها لأول مرة فى يوم ٢٤ فبراير ٧٠٣ ه‍ ـ ١٣٠٤ ؛ أما النسبة السابقة لها فتشير إلى أن أصله من قبيلة لواتة البربرية (ايلواتن بلغة البربر) التى انتشرت بطونها على طول ساحل أفريقيا حتى مصر (٨١). وبالبربر أيضا يرتبط اسم أسرته بطوطة الذى أثبت صحة نطقه بتشديد الطاء بصفة قاطعة المستشرق فيشرA.Fischer (٨٢) فى عام ١٩١٨ ولو أن هذا لم يجد طريقه إلى الدوائر العلمية إلا بصورة بطيئة. ولا علم لنا بسنى حياته الأولى ولا بسيرة حياته بوجه عام بخلاف ما ذكره هو عرضا فى سياق رحلته ؛ ويبدو أنه قد حصل على ما تيسر من العلم بمسقط رأسه مع ميل واضح إلى الفقه وفقا للمذهب المالكى السائد بشمال إفريقيا ؛ ولا شك أنه قد تمتع ببعض المعرفة فى هذا المجال فقد حدث له أن شغل فى خلال رحلته منصب القضاء وهو فى ريعان شبابه. غير أنه لا يخلو من غرابة أنه لم يخلف وراءه أى إنتاج أدبى ، إذ لم يرد فى كتاب الرحلة أو فى المصادر الأخرى ذكر ما لمؤلفات أدبية منسوبة إليه. وكان لابن بطوطة كغيره من المثقفين شعر جيد وكان يحب رفع قصائده إلى من شملوه برعايتهم. وقد كان الحافز له على الخروج فى تجواله هو نفس ذلك الحافز الذى لعب دورا كبيرا فى الأقطار الإسلامية وأعنى به الرغبة فى أداء فريضة الحج. وهو يروى ذلك بقوله :

«قال الشيخ أبو عبد الله كان خروجى من طنجة مسقط رأسى فى يوم الخميس الثانى من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة معتمدا حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام منفردا عن رفيق آنس بصحبته وركب أكون فى جملته لباعث من النفس شديد العزايم وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كان فى الحيازيم فحزمت أمرى على هجر الإناث من الأحباب والذكور وفارقت وطنى مفارقة الطيور للوكور وكان والدىّ بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصبا ولقيت كما لقيا نصبا وسنّى يومئذ ثنتان وعشرون سنة» (٨٣).

ويغلب على الظن أن ابن بطوطة كان ينوى أداء فريضة الحج فحسب ولم يدر بخلده أن عصا الترحال ستلقى به فى مختلف البلاد فلم يكتب له العودة إلى وطنه إلا بعد أكثر من ربع قرن. وخط سير رحلته معروف لنا منذ اللحظة الأولى لتحركه إلا أنه ليس من النادر أن ينقطع خيط الرواية أو يضطرب سياق العرض ، وهو على أية حال يسوقنا إلى لحظة عودته إلى أرض الوطن. ولعل الإطار الجاف الذى يحتوى قصة الرحلة يصف بصورة أبلغ من أى شىء آخر المدى الواسع الذى بلغه تجواله (٨٤) فقد بدأ تحركه من طنجة مارا فى طريقه على جميع المدن الكبرى بشمال أفريقيا حتى بلغ الإسكندرية ثم غادرها إلى دمياط فركب النيل إلى القاهرة التى كانت آنذاك تمر على فترة من الازدهار أيام عصر المماليك وأحدثت فى نفسه أثرا يماثل الأثر الذى أحدثته فى وقتها مصر الفاطمية على ناصر خسرو. ومن القاهرة تابع ابن بطوطة النيل إلى أسوان ومنها اتجه شرقا مخترقا الصحراء حتى بلغ مرفأ عيذاب على البحر الأحمر وهى الفرضة التى كانت تتجه منها السفن عادة إلى جدة ؛ غير أن سير السفن المصرية بالبحر الأحمر كان متوقفا آنذاك

٤٢٢

بسبب الحرب التى اشتعلت بين قبائل البجه والمماليك مما اضطر معه ابن بطوطة إلى العودة إلى القاهرة. وهناك واتته فكرة زيارة الشام لينضم إلى قافلة الحاج من دمشق ، واغتنم هذه الفرصة فزار فى طريقه فلسطين مارا على بيت المقدس كما زار الشام فبلغ أنطاكية واللاذقية. وعقب زيارته لحلب أمضى فترة من الوقت بدمشق ثم انضم إلى قافلة الحاج فزار مكة والمدينة. وأعقب هذا زيارته لمشاهد الشيعة وقبر على بالنجف ثم مر بالبصرة فى طريقه إلى فارس فزار شيراز وأعقبها بالموصل ودياربكر من مدن الجزيرة ثم رجع إلى الكوفة وغادرها إلى بغداد. وكان العام قد انصرم مما يسر عليه فرصة تأدية الحج مرة ثانية ، وهنا أقام بمكة الفترة من عام ٧٢٩ ه‍ إلى ٧٣٠ ه‍ (من نهاية عام ١٣٢٨) حتى عوفى من مرض شديد كان قد ألم به وتعرف خلال ذلك على عدد من العلماء والدراويش المقيمين بها. ولم يلبث أن غادرها إلى جده ومنها عبر البحر الأحمر إلى الساحل الشرقى لأفريقيا ثم رجع منه إلى اليمن ثم عاد مرة ثانية إلى إفريقيا التى غادرها إلى الساحل الشرقى لبلاد العرب على الخليج الفارسى ، وقد مر فى طريقه على عمان وهرمز والبحرين. وزار مكة للمرة الثالثة فمر فى طريقه إليها على اليمامة ثم اجتاز البحر الأحمر إلى عيذاب ومنها إلى القاهرة. أما الدورة الثانية من أسفاره فكانت وجهتها الأقطار الشمالية فقد اجتاز الشام حتى دخل آسيا الصغرى ؛ وفيما يتعلق بهذه البلاد الأخيرة فإن خط سيره يعتوره خلط شديد فقد اجتاز ابن بطوطة آسيا الصغرى حتى وصل إلى سينوب («صنوب») على البحر الأسود ثم عبر البحر فنزل شبه جزيرة القريم عند ميناء كفا وهى فيودوسيا حاليا وكانت إذ ذاك من المستعمرات الجنوية بالبحر الأسود ، وفيها ولأول مرة فى حياته سمع ابن بطوطة صوت نواقيس الكنائس. أما ميناء القريم الرئيسية فكانت سوداق التى يعتبرها ابن بطوطة أحد المرافئ العالمية الخمسة الكبرى (إلى جانب الإسكندرية بمصر وكلم وقاليقوت بالهند والزيتون بالصين) (٨٥). وفى طريقه مر ابن بطوطة على سلخات (القريم القديمة) فجال فى جميع أنحاء القريم وروسيا الجنوبية ومن هناك بلغ أرض بلغار الفلجا (٨٦). ثم خرج من استراخان («حاجى طرخان») مع قافلة أميرة بيزنطية هى إحدى زوجات الخان أوزبك فبلغ القسطنطينية ومن هناك رجع مرة ثانية إلى مملكة الأوردو الذهبى فوصل إلى مقر الخان بمدينة سراى ، ثم عبر الفلجا فوصل إلى خيوه وغادرها إلى بخارى فأفغانستان ودخل الهند فى غرة المحرم من عام ٧٣٤ ه‍ ـ ١٢ سبتمبر ١٣٣٣ ؛ ومنذ هذه اللحظة يبدأ الجزء الثانى من وصف الرحلة. وفى دلهى حظا ابن بطوطة بدرجة عالية من النفوذ لدى السلطان محمد بن طغلق الذى عينه فى منصب القضاء لمدة خمس سنوات (٨٧). وفى تلك الأثناء جهز السلطان سفارة إلى الصين كان من أعضائها ابن بطوطة ؛ ولم يوفق ابن بطوطة فى محاولته الوصول إلى الصين برا عن طريق قندهار فأبحر من قليقوت إلى جزر الملديف («جزائر ذيبة المهل») Maldives وهناك أمضى زهاء عامين شغل خلالهما مرة أخرى منصب القضاء وزار سيلان والبنغال («بنجالة») والهند الشمالية وأندونيزيا ،

٤٢٣

ومن هناك اتجه إلى كانتون بالصين. وفى طريق العودة أخذ السفينة من سومطرة إلى ظفار فى جنوبى الجزيرة العربية فبلغها فى عام ٧٤٨ ه‍ ـ ١٣٤٧. ومرة أخرى نراه ضاربا فى فيافى إيران والعراق والشام ومصر ؛ ثم أدى فريضة الحج للمرة الرابعة ؛ وبعد ذلك ذهب إلى فلسطين وشهد بها الوباء المخيف الذى اجتاحها عام ٧٤٩ ه‍ ـ ١٣٤٨. وعقب ذلك بقليل فى أبريل من عام ٧٥٠ ه‍ ـ ١٣٤٩ ألحت عليه رغبة جامحة فى الرجوع إلى وطنه ، ولعل تواتر الأخبار بازدهار مراكش فى عهد السلطان أبى عنان من بنى مرين قد مكن من هذه الرغبة فى نفسه فأخذ طريق العودة مارا على مصر وتونس ؛ وهناك واتته فكرة زيارة جزيرة سردينيا («سردانية»). وفى أثناء هذه الرحلة تعرض مرتين لهجوم لصوص البحر (٨٨) ؛ وعلى الرغم من هذا فقد حالفه التوفيق فتقدم فى طريقه إلى فاس مارا على تنس وتلمسان وتازا ، التى علم فيها بخبر وفاة أمه ، حتى بلغ بلاط السلطان أبى عنان فى نوفمبر من عام ٧٥٠ ه‍ ـ ١٣٤٩ وهناك انتهى به المطاف وقوبل بما هو أهل له من التقدير والإجلال. بيد أن تجواله لم يقف عند هذا الحد فقد بقى قطران إسلاميان لم يكن قد زارهما بعد أحدهما دولة غرناطة التى لم تستغرق زيارته لها وقتا طويلا. وفى طريقه إليها زار قبر أمه بطنجة (٨٩) ثم عبر مضيق جبل طارق إلى رنده فمالقه وأقام مدة أطول بعض الشىء بغرناطة ، ومن المحتمل أنه تعرف فيها بمحمد بن جزى وهو الرجل الذى كتبت له الأقدار أن يدون أخبار أسفار ابن بطوطة ؛ ثم رجع ابن بطوطة إلى المغرب عابرا مضيق جبل طارق للمرة الثانية. غير أنه لم يلبث أن خرج فى غرة المحرم من عام ٧٥٣ ه‍ ـ ١٨ فبراير ١٣٥٢ فى رحلة أطول من تلك بكثير كان قد كلفه بها السلطان أبو عنان وكانت وجهتها جوف إفريقيا ؛ وقد ظل وصف هذه الرحلة الأخيرة لا يفضله شىء إلى عهد الرحلات الأوروبية فى القرن التاسع عشر.

مر ابن بطوطة بسجلماسة فى طريقه إلى تمبكتو بمملكة مالى القوية (٩٠) التى لم يكن قد مر على اعتناقها الإسلام عهد طويل. وفى طريق العودة بعد أن زار معادن النحاس بتكدا بدأ فى ١٢ سبتمبر ٧٥٤ ه‍ ـ ١٣٥٣ رحلة شاقة استغرقت بضعة أشهر فى صحبة قافلة من تجار الرقيق اخترق خلالها هضبة «هكار» Ahagger بعد أن مرّ فى طريقه على واحة أغدس Agdes ثم عبر جبال أطلس شتاء فى ظروف قاسية من الشظف الشديد إلى أن بلغ فاس فى نهاية عام ٧٥٤ ه‍ ـ ١٣٥٣ ؛ وفى هذه المدينة أمضى البقية الباقية من حياته وهى نيفا وعشرين عاما لم يقم خلالها بأى تجوال حتى وافته منيته فى عام ٧٧٩ ه‍ ـ ١٣٧٧ (١).

وقد كان عهد المرينيين ، خاصة فى أثناء حكم أبى الحسين (٧٣١ ه‍ ـ ٧٤٩ ه‍ ـ ١٣٣١ ـ ١٣٤٨) وأبى عنان (٧٤٩ ه‍ ـ ٧٥٩ ه‍ ـ ١٣٤٨ ـ ١٣٥٨) عهدا ازدهرت فيه الثقافة فى جميع أنحاء المغرب الإسلامى ، وقد عد بنو مرين أنفسهم ورثة الحضارة الأندلسية على الرغم من أن الدولة العربية بالأندلس

__________________

(*) هذا التاريخ غير صحيح ، وكما أثبت جب Sir Hamilton Gibb فإن التاريخ الصحيح لوفاته هو عام ٧٧٠ ه‍ ـ ١٣٦٨ ـ ١٣٦٩ (راجع Selections ,p.٢). (المترجم)

٤٢٤

كانت لا تزال على قيد الحياة ولو أن رقعتها كانت قد تقلصت بشكل ملحوظ ؛ لذا فقد اهتم بنومرين بتشجيع الأدب والأدباء كأسلافهم عرب الأندلس. وقد حفظت لنا الآثار المعمارية لعصرهم نماذج فنية عظيمة كما اجتذب بلاطهم عددا كبيرا من الأسماء اللامعة فى مجالى الأدب والعلم فعاش فى كنفهم ابن خلدون وابن الخطيب وكلاهما كان معاصرا لابن بطوطة (٩١). ويبدو أنه كان للسلطان أبى عنان الفضل فى ظهور كتاب وصف رحلة ابن بطوطة فهو الذى عثر له على «محرر أدبى» إن صح هذا القول ؛ وتشير قرائن الأحوال إلى أن رحالتنا رغما من ولعه بالقصص فإنه لم يحس انجذابا شديدا نحو الكتابة. أما كيف خرجت فكرة الكتاب إلى الوجود فيتضح ذلك جليا من ألفاظ المحرر ، فهو فى كلامه عن ازدهار فاس فى عهد السلطان أبى عنان يقول :

«وكان ممن وفد على بابها السامى وتعدّى أوشال البلاد إلى بحرها الطامى الشيخ الفقيه السائح الثقة الصدوق جوّاب الأرض ومخترق الأقاليم بالطول والعرض أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتى الطنجى المعروف بابن بطوطة المعروف فى البلاد الشرقية بشمس الدين وهو الذى طاف الأرض معتبرا وطوى الأمصار مختبرا وباحث فرق الأمم وسبر سير العرب والعجم ثم ألقى عصا التسيار بهذه الحضرة العليا (٩٢) ... ونفذت الإشارة الكريمة بأن يملى ما شاهده فى رحلته من الأمصار وما علق بحفظه من نوادر الأخبار ويذكر من لقيه من ملوك الأقطار وعلمائها الأخيار وأوليائها الأبرار فأملى من ذلك ما فيه نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر من كل غريبة أفاد باجتلائها وعجيبة أطرف بانتحائها وصدر الأمر العالى لعبد مقامهم الكريم المنقطع إلى بابهم المتشرف بخدمة جنابهم محمد بن محمد بن جزى الكلبى ... بأن يضم أطراف ما أملاه الشيخ أبو عبد الله من ذلك فى تصنيف يكون على فوائده مشتملا ولنيل مقاصده مكملا متوخيا تنقيح الكلام وتهذيبه معتمدا إيضاحه وتقريبه ليقع الاستمتاع بتلك الطرف ويعظم الانتفاع بدرّها عن تجريده عن الصدف فامتثل ما أمر به مبادرا وشرع فى منهله ليكون بمعونة الله عن توفية الغرض منه صادرا ونقلت معانى كلام الشيخ أبى عبد الله بألفاظ موفية للمقاصد التى قصدها موضحة للمناحى التى اعتمدها وربما أوردت لفظه على وضعه فلم اخلّ بأصله ولا فرعه وأوردت جميع ما أورده من الحكايات والأخبار ولم أتعرض لبحث عن حقيقة ذلك ولا اختبار على أنه سلك فى إسناد صحاحها أقوم المسالك وخرج عن عهدة سائرها بما يشعر من الألفاظ بذلك وقيدت المشكل من أسماء المواضع والرجال بالشّكل والنقط ليكون أنفع فى التصحيح والضبط وشرحت ما أمكننى شرحه من الأسماء الأعجمية لأنها تلتبس بعجمتها على الناس ويخطئ فى فك معمّاها معهود القياس» (٩٣).

من هذا يتضح لنا أن وصف رحلة ابن بطوطة المعروف باسم «تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» ليس من تصنيف ابن بطوطة نفسه بل يمثل صياغة أدبية لروايته عملها الكاتب ابن جزى ، ولا يزال موجودا بالمكتبة الأهلية بباريس قسم من الكتاب بخط يد الكاتب نفسه. ويمكن

٤٢٥

الحكم على الطابع العام للكتاب من ألفاظ ابن جزى التى استشهدنا بها فى سياق هذا الفصل ومن تحليل شخصيته كأديب ، فهو على ما يبدو من أدباء عصر التدهور وقد بقى لنا من آثاره ترجمة لسيرة حياته (Autobiography) ومصنف فى نسب النبى (٩٤). وقد ولد ابن جزى بغرناطة وشغل منصب الكاتب لدى السلطان أبى الحجاج يوسف من بنى نصر (٧٣٣ ه‍ ـ ٧٥٥ ه‍ ـ ١٣٣٣ ـ ١٣٥٤) ثم لم يلبث أن اختلف معه فرحل عنه ليشغل نفس المنصب فى بلاط السلطان أبى عنان الذى عرف كيف يجتذبه إلى شخصه. وأتم ابن جزى عمله فى ثلاثة أشهر فقد انتهى من «تقييد» ألفاظ ابن بطوطة فى ديسمبر من عام ٧٥٦ ه‍ ـ ١٣٥٥ (٩٥) وفى فبراير من العام التالى كان قد أكمل صياغتها (٩٦) ؛ ولم يعش طويلا بعد هذا فقد وافته المنية فى نفس العام (٩٧). وعلينا أن نأخذ دائما فى اعتبارنا جميع الظروف التى تم فيها تدوين الرحلة بحيث أننا إذا ما قسونا فى حكمنا على ابن بطوطة فيجب ألا ننسى أن كثيرا من اللوم الموجه إليه يمكن أن يكون ناشئا عن ابن جزى.

ويمس هذا قبل كل شىء الإطار العام للكتاب الذى هو من وضع ابن جزى فهو يفتقر فى كثير من الأحيان إلى التناسب والتناسق ؛ ويمكن من خلال الشذور التى اقتطفناها أن نحكم على الأسلوب المتكلف الذى لجأ إليه ابن جزى وميله الواضح إلى السجع والإطناب وهى على أيه حال من سمات عصر التدهور. ومن حسن الحظ أن أسلوب الكتاب لا يسير فى جميع صفحاته على وتيرة واحدة إذ كثيرا ما تتخلل العرض لغة ابن بطوطة القصصية البسيطة التى تميل أحيانا نحو لغة المحادثة محتفظة فى ذات الوقت برزانتها وغناها بالتفاصيل فوق ما تتميز به من الحيوية الدفاقة والعاطفة الجياشة. وإلى جانبها يبدو أسلوب ابن جزى ثقيلا يغلب عليه الحشو والتكلف كما تنعكس فيه على الدوام محاولة واضحة إلى جمع قصص ابن بطوطة المتفرقة فى وحدة متماسكة وتزويقها بصورة تجعلها أقرب إلى النصوص الأدبية (٩٨). وهو يقتطف من أشعار مختلف الشعراء ، أحيانا دون مناسبة تستوجب ذلك وبلا أدنى صلة تربطها بموضوع كلامه ؛ وغرضه من هذا أن يكسب كلام ابن بطوطة حيوية أكثر. وأغلب الظن أن ابن جزى قد لجأ إلى الطريقة القديمة فى تضمين الأوصاف المأخوذة من المؤلفين السابقين فى سياق عرضه دون أن يهتم بالإشارة إلى أسمائهم ؛ ومن الإجحاف اتهام ابن بطوطة بادعاء المعرفة والعلم بالكتب فهو رجل يحب القصص ولكنه يفضل حكايتها بألفاظه هو ومن المشكوك فيه أن يكون هو المسئول عن تضمين قطع كبيرة من كلام ابن جبير فى وصف الشام وبلاد العرب دون أن يشير إلى المؤلف ، إلا أنه من الطبيعى أن يكون ابن جزى الغرناطى الأصل على معرفة جيدة بالأسلوب المصقول لمواطنه الأندلسى ابن جبير خاصة وأن الأخير كان بوجه عام محببا إلى قلوب أهل بلده فلا غرو أن أراد ابن جزى تحلبة مؤلفه بإضافة تلك القطع إليه.

إن دور ابن جزى فى تحرير الكتاب كانت له آثار بعيدة فقد جهد فى أن يضفى على المصنف طابعا

٤٢٦

فنيا متماسكا لعله لم يعرف فى الأصل إطلاقا. ومن الواضح أن ابن بطوطة نفسه لم يكن ليستحى من الاعتراف بأنه قد نسى اسم موضع ما أو اسم شخص ، مثل ذلك القاضى الذى نزل عليه بالشام أو تلك المدينة التى مر عليها فى طريقه إلى تمبكتو (٩٩) ؛ وأغلب الظن أنه لم يدون مذكرات منظمة وإذا كان قد دون شيئا ما فلا ريب فى أنه قد أضاعه خلال تجواله أضف إلى هذا أنه لم يهدف إخراج صورة متكاملة الجوانب لوصف أسفاره بل اكتفى بأن يقص على سامعيه حوادث معينة وقطعا متفرقة منها. لذا فحين دعت الحاجة إلى الربط بينها فى رواية متتابعة فإن المحرر بذل جهدا ليس بالقليل ليخرج من القصة بأكثر مما استطاع المؤلف أن يتذكره ، سواء كان ذلك عن طريق توجيه الأسئلة أو ربما استحثه بوسائل أخرى. ولم يكن ابن جزى على معرفة بالبلاد التى تحدث عنها ابن بطوطة لذا فليس غريبا أن يقع فى أخطاء عديدة عندما حاول أن يجمع بين هذه القصص المتفرقة فى وحدة متماسكة ، ويصدق هذا بصورة خاصة على أفريقيا الشمالية عندما أخذ ابن بطوطة لأول مرة طريقه إلى مصر فدلائل الأحوال تشير إلى أن ابن بطوطة كان قد نسى وصف طريقه تماما وذلك لبعد الزمن الذى ينيف على ربع قرن ؛ ومن الملاحظ أن وصف هذا الطريق مختصر للغاية لدى مقارنته ببقية وصف الرحلة. أما الخلط الشديد المتعلق بوصف آسيا الصغرى (١٠٠) فيمكن رده إلى ابن جزى الذى حاول بلا شك أن يستخلص صورة متكاملة الجوانب بإزاء العدد الكبير من أسماء الأماكن التى يذكرها ابن بطوطة. وكان ابن بطوطة قد قطع على نفسه عهدا بألا يأخذ طريقا ما أكثر من مرة (١٠١) ومن ثم فإن تحديد طريق سيره بدقة يستلزم معرفة جيدة بالأقطار التى سلكها. وعلى نحو ما أراد المحرر فإن ابن بطوطة قد أسبغ على روايته فى بعض الأحايين دقة خيالية لا تمت للحقيقة بسبب وذلك فيما يتعلق بتحديده للمسافات والأماكن مما كان قد أسدل عليه الزمن ستار النسيان بالنسبة له ؛ كما أنه من الصعب مثلا التصديق بأن عددا من رحلاته الكبيرة قد بدأ على وجه التحديد فى غرة المحرم من كل عام.

ومن المحتمل أن ابن جزى لم يمس جوهر القصص نفسها لذا فلا يزال ينتظر إجابة شافية حتى الآن سؤال حائر هو إلى أى حد يمكن الاعتماد على صدق رواية ابن بطوطة حتى ولو وضعنا فى اعتبارنا مدى فعالية العنصر الذاتى (Subjective) فى هذا المجال. ولقد بدأ هذا التساؤل يأخذ بخناق ابن بطوطة منذ لحظة رجوعه إلى أرض الوطن تماما كما حدث مع ماركوبولو ، بل إنه يمكن استشفاف لون من الحذر حتى عند ابن جزى نفسه وذلك فى قوله «وأوردت جميع ما أورده من الحكايات والأخبار ولم أتعرض لبحث عن حقيقة ذلك ولا اختبار». ولقد سارت هذه الشكوك قدما تارة تفيض وطورا تغيض ولكنها لم تصل بالطبع فى الأدب العربى إلى مرتبة الحدة أو تثير مثل ذلك الاهتمام الذى ترجع صداه فى الأوساط العلمية الأوروبية. ولعله لم يكن من قبيل الصدفة المجردة أن يسير التأرجح بين اليقين والشك فى شأن ابن بطوطة بنفس التتابع الزمنى الذى ساره موقف العلماء

٤٢٧

المحدثين من الجغرافيين العرب الآخرين ، فالبحاثة الأول الذين تعرفوا على المتن الأصلى لابن بطوطة بصورة مباشرة مثل كوزغارتن Kosegarten ولى Lee قد وثقوا ثقة تامة فى صدق روايته ثم أعقب ذلك فترة من التشكك بلغت غايتها فى موقف النقد المتطرف الذى وقفه يول Yule من ابن بطوطة ؛ وأخيرا وفى القرن العشرين نلحظ بداية عهد من الاعتراف بقيمته من جديد أخذ يكتسب الأنصار يوما بعد يوم. وتتمثل وجهة النظر الأخيرة فى أن ابن بطوطة يعكس بدقة وإخلاص العصر والوسط اللذين عاش فيهما وذلك على ضوء الظروف الحضارية السائدة آنذاك.

وبالطبع فابن بطوطة رجل مسلم قح من أهل القرن الرابع عشر ولكنه كان أكثر قربا إلى المعتقدات الشعبية منه إلى العقيدة الرسمية ، أعنى المعتقدات السائدة فى المغرب ؛ وهو لم يلق بالا لجوانب الحياة التى تهم عصرنا نحن. وقد احتلت المكانة الأولى بالنسبة له المسائل المتعلقة بالعبادة والأولياء والدراويش فاعتقد فى صحة الكرامات التى حكيت له أو التى حدثت له هو نفسه ، ولعله من اليسير تفسيرها على ضوء الانخداع النفسى والسلوك الجماهيرى (Mass hypnosis) الذى شهده بنفسه فى الهند أوردّها ببساطة إلى المبالغة التى ينساق إليها بسهولة جميع الرحالة فى كل العصور. فإن أسقطنا من حسابنا هذه العوامل فإن روايته بوجه عام جديرة بالثقة أو أنه على الأقل قد روى ما اعتقده الحق. أما الأخطاء التى وقع فيها فليست بالقليلة ويجب ألا يغيب عنا أنه لم يكن على معرفة بلغات البلاد العديدة التى زارها ، وهو فيما عدا العربية كان ملما ببعض الفارسية وربما التركية كذلك إلا أن معرفته بلغات الهند وقفت فى الواقع عند حد ألفاظ معدودة كان يحب أن يعرضها من حين لآخر ولكن التوفيق جانبه فى معظم الأحوال. وفى اتصالاته بالسكان المحليين لم يكن من النادر أن يلجأ إلى الاستعانة بمترجم ما ، ولا يخفى بالطبع النتائج التى تترتب على هذا إذ كثيرا ما تسرب الخطأ إلى أسماء البلاد الأجنبية التى يذكرها أثناء سيره كما أنه ليس من المستبعد أن يختلط لديه ترتيبها ، زد على هذا أن التتابع الزمنى للرحلة غير منتظم وأن التواريخ تبدو كأن المحرر قد وضعها خبط عشواء ؛ ونفس هذه المجموعة من الأخطاء وجدت طريقها إلى الاستطرادات التاريخية. لكل هذا فإنه يجب ألا يغرب عن الذهن أن ابن بطوطة لم يكن عالما نقالة بل اعتمد اعتمادا مطلقا على ذاكرته ، وهو كان يتمتع حقا بذاكرة ممتازة شأنه فى هذا شأن جميع ممثلى الثقافة العربية لذلك العهد. وبعد فيجب الاعتراف بأن مقدار الأخطاء الزمانية (أى فى التواريخ chronological) والمكانية (أى فى المواضع الجغرافيةTopographical) ضئيل لديه عند مقارنة ذلك بالعدد الكبير من الوقائع التى يوردها (١٠٢).

وقد وجهت حملات النقد بصورة خاصة إلى أقسام معينة من رحلته كوصفه للقسطنطينية وحكاياته عن الصين ؛ أما عن الأولى فقد كان اضطراب التواريخ سببا فى حدوث بعض الخلط لديه ولكن على الرغم من هذا تم الاعتراف فى الأونة الأخيرة بأن وصفه للمدينة نفسها يتسم بطابع الصحة ولا يمكن

٤٢٨

أن ينتج إلّا عن معرفة مباشرة بها فضلا عن أنه يكشف فى هذا الصدد كما هو الحال دائما عن قوة ملاحظة خارقة (١٠٣). ولا تزال مستعصية على الحل مسألة حقيقة زيارته للصين ، وكما قال مجيك Mzik فإنها لم تنضج بعد للحل (١٠٤) ويجب أن يترك الباب مفتوحا لها (١٠٥) ؛ ولا يزال إجماع الآراء أكثر ميلا إلى القول بأن ابن بطوطة لم يزر الصين. ويقرر شيفيرSchefer أن القليل من رواياته عن الصين يستأهل الاهتمام (١٠٦) ولو أنه يجب الاستدراك على هذا بأن رواياته عن الصين ليست بالقليلة العدد (١٠٧). وقد وصل فيران Ferrand وهو خير خبير فى الأدب الإسلامى عن الشرق الأقصى إلى نتيجة مؤداها أن ابن بطوطة لم يزر الهند الصينية ولا الصين بل لفق روايته عنهما دون توفيق يذكر من مصادر مختلفة (١٠٨). وكما بينا من قبل فإن ابن بطوطة لا يكشف بوجه عام عن معرفة جيدة بالأدب الجغرافى ، وإذا ما سلمنا جدلا بالفرض القائل بأن ابن بطوطة إنما اعتمد فى وصفه على القصص التى سمعها من الآخرين فثمة تفاصيل معينة تجعل من العسير علينا التسليم التام بهذا الفرض ، فمثلا من الصعب القول بأن ابن بطوطة من غير أن يزور الصين قد وجد أن هناك ما يضطره إلى القول بأنه قد التقى فيها برجل من أهل سبتة ثم يذكر اسمه بالتفصيل كما يذكر أيضا أنه قابل أخا لذلك الشخص نفسه بالسودان الغربى (١٠٩). مما لا ريب فيه أن الكلام يدور هاهنا عن شخصيات حقيقية كانت معروفة للكثيرين بمراكش عند رجوع ابن بطوطة إليها فلم يكن بوسعه إذن أن يفكر فى تعريض سمعته للثلب من أجل دافع تافه كهذا. ومنذ عهد ليس بالبعيد توصل البحاثة اليابانى ياماموتوYamamoto إلى رأى حول رحلة ابن بطوطة فى الشرق الأقصى لا يبلغ فى شدته الرأى الذى خرج به فيران. فهو يقول :

«إنه لمن العسير القول بأن جميع حكايات ابن بطوطة عن الصين هى من نسج الخيال وحده. حقا إن وصفه المفصل لتلك البلاد يشمل عددا من النقاط الغامضة ولكنه لا يخلو أحيانا من فقرات معينة تعتمد على ملاحظة مباشرة عن الصين ، فضلا عن أنه من المستحيل القول بأن رواياته التى وجدت توكيدا فى المصادر الصينية وفى أسفار ماركوبولو قد كانت من تلفيق مخيلته» (١١٠). ولاعتبارات ذات طابع عام أخضع ياماموتو رواية ابن بطوطة عن بلاد طوالسى الغامضة لتحليل دقيق ؛ ولنذكر عرضا أن رواية ابن بطوطة عنها قد جرت عليه سخرية بعض البحاثة ، فالعلامة يول Yule مثلا قال عنها فى زمنه «يجب البحث عن تلك البلاد فى صفحات الأطالس التى تحتوى الخارطات البحرية مما رسمته يد الطيب الذكر القبطان غليفر» (١١١). وعلى الرغم من هذا فإن عددا من البحاثة ممن لم يصل بهم التشكك إلى الدرجة التى بلغها عند يول قد حاولوا العثور على هذه الجزر فبحثوا عنها فى جزيرة بورنيو (١١٢) وفيما بين اليابان وشامبا الواقعة فى كوشين صين (١١٣) ، وأخيرا وضعوها فى تونكين (١١٤) ؛ وقد ساق ياماموتو حججا قوية للتدليل على أن طوالسى إنما هى شامبا (١١٥) بعينها التى كانت تقع بلا شك على الطريق بين الهند والصين (١١٦). ولعل ابن بطوطة كان ضحية القصص الخرافية التى رواها له المترجمون المحليون (١١٧) عن

٤٢٩

تلك البلاد وذلك لجهله باللغات المحلية. لكل هذا فإن رواية ابن بطوطة حتى فى حالات قصوى مثل هذه لم تعد تثير الشكوك فى نفس البحاثة المعاصرين كما كان الحال عليه من قبل ، خاصة وأن رواياته عن مواضع مجاورة كجزر ملديف مثلا قد وكد الرحالة المتأخرون صحتها برمتها (١١٨).

ومن الطريف أن نسوق ملاحظة لابن خلدون فى هذا الصدد ، خاصة وأن ابن خلدون من المؤلفين العرب القلائل الذين ذكروا اسم ابن بطوطة بل والتقى به شخصيا. ففى «مقدمته» المشهورة ، وفى الفصل منها الذى يبحث «فى أن آثار الدولة كلها على نسبة قوتها فى أصلها» يذكر فيما يذكر :

«ورد بالمغرب لعهد السلطان أبى عنان من ملوك بنى مرين رجل من مشيخة طنجة يعرف بابن بطوطة كان رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق وتقلب فى بلاد العراق واليمن والهند ودخل مدينة دهلى حاضرة ملك الهند وهو السلطان محمد شاه واتصل بملكها لذلك العهد وهو فيروزجوه وكان له منه مكان واستعمله فى خطة القضاء بمذهب المالكية فى عمله ثم انقلب إلى المغرب واتصل بالسلطان أبى عنان وكان يحدث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض وأكثر ما كان يحدث عن دولة صاحب الهند ويأتى من أحواله بما يستغر به السامعون ، مثل أن ملك الهند إذا خرج إلى السفر أحصى أهل مدينته من الرجال والنساء والولدان وفرض لهم رزق ستة أشهر تدفع لهم من عطائه وأنه عند رجوعه من سفره يدخل فى يوم مشهود يبرز فيه الناس كافة إلى صحراء البلد ويطوفون به وينصب أمامه فى ذلك الحقل منجنيقات على الظهر ترمى بها شكائر الدراهم والدنانير على الناس إلى أن يدخل إيوانه ؛ وأمثال هذه الحكايات فتناجى الناس بتكذيبه ولقيت أيامئذ وزير السلطان فارس بن وردار البعيد الصيت ففاوضته فى هذا الشأن وأريته إنكار أخبار ذلك الرجل لما استفاض فى الناس من تكذيبه فقال لى الوزير فارس إياك أن تستنكر مثل هذا من أحوال الدول بما أنك لم تره فتكون كابن الوزير الناشئ فى السجن وذلك أن وزيرا اعتقله سلطانه ومكث فى السجن سنين ربى فيها ابنه فى ذلك المحبس فلما أدرك وعقل سأل عن اللحم الذى كان يتغذى فقال له أبوه هذا لحم الغنم؟ فقال وما الغنم ، فيصفها له أبوه بشياتها ونعوتها؟ فيقول يا أبت تراها مثل الفار ، فينكر عليه ويقول أين الغنم من الفار! وكذا فى لحم الإبل والبقر إذ لم يعاين فى محبسه من الحيوانات إلا الفار فيحسها كلها أبناء جنس الفار وهذا كثيرا مما يعترى الناس فى الأخبار كما يعتريهم الوسواس فى الزيادة عند قصد الإغراب كما قدمناه أول الكتاب فليرجع الإنسان إلى أصوله وليكن مهيمنا على نفسه ومميزا بين طبيعة الممكن والممتنع بصريح عقله ومستقيم فطرته فما دخل فى نطاق الإمكان قبله وما خرج عنه رفضه وليس مرادنا الإمكان العقلى المطلق فإن نطاقه أوسع شىء فلا يفرض حدا بين الواقعات وإنما مرادنا الإمكان بحسب المادة التى للشىء فإنا إذا نظرنا أصل الشىء وجنسه وصنفه ومقدار عظمة قوته أجرينا الحكم من نسبة ذلك على أمواله وحكمنا بالامتناع على ما خرج من نطاقه وقل رب زدنى علما وأنت أرحم الراحمين والله سبحانه وتعالى أعلم» (١١٩)

٤٣٠

من هذا يتبين أن عالمين ، أحدهما ابن خلدون فى القرن الرابع عشر والآخر ياماموتو فى القرن العشرين ، قد وصلا فى الحقيقة إلى استنناج واحد مؤداه أنه من المستحيل رفض رواية ابن بطوطة على أساس أنها تتناقض مع الواقع ؛ ويميل العلم الأوروبى الحديث إلى أن يقف نفس هذا الموقف من ابن بطوطة.

ووضع ابن بطوطة فى تاريخ الأدب الجغرافى واضح للعيان فهو لم يكن جغرافيا نقالة أو من أصحاب الموسوعات أو من الأدباء بل كان شخصا عاديا للغاية لا يتمتع بأية مواهب خاصة ولا تنعكس فى رواياته أفكار عميقة أو ملاحظات دقيقة وكثيرا ما نلتقى لديه بأمثلة لتصديق أكثر الروايات إغرابا فى الخيال. وعلى الرغم من كل هذا فهو شخص شاهد الكثير وعرف كيف يصور ما شاهده بدقة وبساطة (١٢٠) ؛ وقد جعلت منه الأقدار جغرافيا على الرغم منه إن صح هذا التعبير وصنعت منه لونا من الرحالة نادرا عند العرب ذلك هو الرحالة الذى يستهدف الرحلة لذاتها ويضرب فى مجاهل الأرض استجابة لعاطفة لا تقاوم ورغبة جارفة للتعرف على الأقطار والشعوب. وهو على نقيض الغالبية العظمى من الجغرافيين العرب لم يجمع مادته من صفحات الكتب بل جمعها عن طريق التجربة الشخصية وعن طريق محادثاته مع شخصيات تعرف عليها عرضا فى خلال رحلاته. وقد شغل اهتمامه بالمواضع الجغرافية مكانة ثانوية بالنسبة لاهتمامه بالبشر ، وهو بالطبع لم يفكر فى أن يجرى أى نوع من البحث والتحقيق فى مجال الجغرافيا ولعله نتيجة لهذا قد أصبح كتابه نسيج وحده كوصف للمجتمع الإسلامى والشرقى عامة فى القرن الرابع عشر. فهو خزانة تحفل بمادة غنية لا فى مجال الجغرافيا التاريخية أو تاريخ عصره فحسب بل عن جميع حضارة ذلك العهد ، فتراه يعرض لجميع الظواهر الاجتماعية بالسرد حتى تلك التى يهملها المؤرخون عادة فتمر أمام أنظارنا مراسيم البلاطات الأجنبية وأزياء الشعوب المختلفة وتقاليدها وحرفها وأصناف الأطعمة والأغذية. فهو بهذا ليس كتابا نظريا جافا بل على العكس من ذلك يفيض بالإنسانية والحيوية ولا يبخل فيه المؤلف بملاحظاته وتعليقاته فى أية مناسبة تعرض ؛ وهو لا يمثل وثيقة ممتازة لتجربة فردية فحسب بل يقدم كذلك نموذجا صادقا لأفكار وتصورات مواطن إسلامى من أهل القرن الرابع عشر (١٢١).

ولما كان للنثر الفنى الغلبة فى الأدب العربى فلم يكن من الغريب ألا يتمتع مصنف ابن بطوطة فى القرون التالية بالرواج ، فقد وقف منه العلماء المتزمتون موقف التحفظ وطرحوه جانبا على أنه ضرب من الحكايات والأساطير الشعبية ، بل وليس فى علمنا أن أحدا من المؤلفين المتأخرين قد أشار إليه مجرد إشارة إذا استثنينا الموجز الذى وضعه للكتاب فى القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) شخص يدعى البيلونى وتعرفت عليه أوروبا قبل أن يتعرف عليه العالم العربى. وفى العصر الحديث فقط ، وذلك بفضل الطبعة الأوروبية للمصنف والتى أعيد طبعها مرارا بالشرق ، بدأ أصل الكتاب يجد طريقه شيئا فشيئا إلى الأوساط العربية المثقفة فى صورة مختارات مدرسية وكتب للمطالعة فى أغلب الأحيان. وخير مثال لها تلك الكتيبات الثلاثة التى أخرجها فى سلسلته المعروفة فؤاد افرايم البستانى (عام ١٩٢٧).

٤٣١

أما بالنسبة للأتراك العثمانيين فى القرن التاسع عشر فلم يكن من السهل أن يمر ابن بطوطة هكذا دون أن يثير اهتمامهم ، إن ليس لشىء فلوصفه المفصل لآسيا الصغرى على أقل تقدير ، ناهيك عما يحفل به كتابه من تفاصيل هامة تتعلق بموضوعات شتى. وقد ظهرت محاولات لترجمته إلى اللغة التركية منذ الستينيات الأولى للقرن الماضى وذلك فى صحيفة «تقويم وقائع» التى كان يحررها كمال افندى (١٢٢) ؛ أم الترجمة الكاملة للكتاب التى قام بها الداماد محمد شريف فقد ظهرت فى ثلاثة أجزاء فى نهاية ذلك القرن (١٣١٥ ه‍ ـ ١٣١٩ ه‍ ـ ١٨٩٧ ـ ١٩٠١) (١٢٣). وللعلامة التركى محمد جودت (توفى فى عام ١٩٣٥) تعليق واف على رواية ابن بطوطة عن تقاليد «الأخى» بآسيا الصغرى ومقارنته لذلك مع تقاليد «الفتيان» عند العرب (١٢٤).

وعلى أية حال فيجب القول بأن معرفة الاستعراب الأوروبى بابن بطوطة جاءت متأخرة ومتأخرة بكثير عن معرفته بالإدريسى بل وحتى بأبى الفدا ؛ ومن العبث البحث عن اسمه فى موسوعة دربلوd\'Herbelot المعروفة التى جمعت خلاصة المعارف فى ميدان الاستعراب حتى القرن الثامن عشر ، أو عند اشنوررSchnurrer الذى سجل أسماء جميع المؤلفات التى ظهرت فى عالم الاستعراب إلى عام ١٨١٠. وفى بداية القرن التاسع عشر فقط ثم الكشف عن ابن بطوطة لأول مرة ، ولم يتم ذلك بواسطة العلماء ولكن بواسطة اثنين من الرحالة هما زيتسن Seetzen (١٨٠٨) وبوركهارت Burckhardt اللذين استطاعا بحق أن يقدرا زميلهما المغربى حق قدره وإليهما يرجع الفضل فى وصول مخطوطات موجز البيلونى إلى أوروبا لأول مرة (بمكتبتى غوطاGotha وكمبردج Cambridge) وبهذا أصبح المتن فى متناول أيدى العلماء. وكان أول من تناوله بالبحث العلامة كوزغارتن Kosegarten وتلميذه ابتزApetz فقدم الأول تحليلا عاما للرحلة وثلاث مقتطفات من المتن تصحبها الترجمات والتعليقات بعنوان : «الرحلة الفارسية» Iter Persicum و «الرحلة الملديقية» Iter Maldivicum و «الرحلة الإفريقية» Iter Africanum (١٨١٨) ؛ أما الثانى فقد قام بنفس المهمة فيما يتعلق بوصفه لساحل ملبارMalabar (١٨١٩). وتمثل خطوة إلى الأمام فى دراسة ابن بطوطة تلك الترجمة الكاملة للموجز التى قام بها العلامة الإنجليزى لى Lee الأستاذ بجامعة كمبردج (١٨٢٩) ؛ وعلى النقيض من هذا فإن الترجمة البرتغالية التى قام بها موراMoura (١٨٤٠ ـ ١٨٥٥) (١٢٥) معتمدا فى ذلك على مخطوطة حصل عليها بفاس فى حوالى عام ١٧٩٧ لم تحظ بالعناية الكافية (١٢٦). أما أصل الكتاب فإنه لم يتم العثور عليه إلا بعد فتح الفرنسيين للجزائر واستيلائهم على قسنطينة ، وأعقب هذا أن وجدت طريقها إلى المكتبة الأهلية بباريس Bibliotheque Nationale نحو من خمس مخطوطات اثنتان منها كاملتان وأبعاض منهما بخط يد ابن جزى نفسه. وبهذا تمكن العلماء الفرنسيون ، بعد محاولات عديدة لنشر وترجمة أقسام من الكتاب ، من أن يخرجوا أول طبعة كاملة للرحلة مصحوبة بترجمة فرنسية فى أربعة

٤٣٢

أجزاء بقلم المستشرقين دفريمرى Defremery وسانغنتى Sanguinetti (١٨٥٣ ـ ١٨٥٨) ؛ وقد قوبل ظهور الجزء الأول بحماس شديد من قبل العلامة رنان Renan الذى نشر بهذه المناسبة دراسة عن ابن بطوطة وكتابه تتسم بالكثير من الحيوية. ولا تزال الطبعة الفرنسية فى جوهرها إلى أيامنا هذه تمثل الأساس الذى قامت عليه جميع الأبحاث عن رحلة ابن بطوطة ، وقد أعيد طبعها أكثر من مرة ولكنها لم تخضع فى مجموعها لفحص منظم على الرغم من أنه لا يمكن بالطبع أن ترضى فى الوقت الحاضر متطلبات البحث العلمى المعاصر. غير أن الدراسات المستقلة التى تناولت بحث فصول مختلفة من الرحلة أو عالجت مسائل متعلقة بذلك قد زاد عددها بصورة ملحوظة ؛ ويمكن إعطاء فكرة عامة عن الرحلة بأجمعها من خلال الترجمات التى عملت لأقسام مختلفة من الكتاب ، أعنى بذلك ترجمات مجيك Mzik (١٩١١) وجب Gibb (١٩٢٩) المزودة بتعليقات موجزة والتى يمكن أن تعد القول الفصل الى يومنا هذا فى دراسة «منافس ماركوبولو» (١٢٧) (١). وأن الاهتمام الذى قابلته به أوروبا فى القرنين التاسع عشر والعشرين ليقف برهانا قاطعا على صدق قول ابن جزى فى خاتمة الكتاب :

«ولا يخفى على ذى عقل أن هذا الشيخ هو رحّال العصر ومن قال رحال هذه الملة لم يبعد» (١٢٨).

ونحن إذ نودعه الآن فإنما نفارق بذلك آخر رحالة عربى كبير ؛ كما وأننا بمفارقتنا لموسوعات عهد المماليك قد فارقنا آخر المصنفات الكبيرة التى تقدم عرضا عاما للأدب الجغرافى العربى.

__________________

(*) استدرك الناشرون السوفيت على المؤلف ذكرهم لظهور بحث لعلامة هندى هو مهدى حسين عالج فيه الكلام عن أسفار ابن بطوطة فى الهند وجزر ملديف وسرنديب (١٩٥٣). ونحن نستدرك بدورنا عليهم فنذكر أن المستعرب الكبير جب SirHamilton Gibb قد شرع فى نشر ترجمته الإنجليزية الكاملة للرحلة التى كان قد وعد بها والتى ظهر منها حتى كتابة هذه السطور جزآن.

كما نضيف إلى هذا أنه توجد للكتاب ترجمة تشكية بقلم هربك Ivan Hrbek (براغ ١٩٦١) وإيطالية بقلم غابرييلى Fr.Gabrieli (فلورنسة ١٩٦١) وأخرى موجزة باليابانية ؛ ويجرى حاليا العمل فى تحضير ترجمات باللغات البولندية والمجرية والروسية.

(المترجم)

٤٣٣

حواشى الفصل الخامس عشر

__________________

(١) ـ Hartmann ,ZDMG ,٠٧ ,p.٢١

(٢) ـ Kramers ,EI ,EP ,p.٠٧

(٣) ـ Blache؟re ,p.٩٩٢ ـ ٠٠٣

(٤) ـ Brockelmann, GAL, II, p. ٤٥ ـ ٥٥, No ٢; SB II, p. ٣٥ ـ ٤٥ ـ Sarton, Introduction, p. ٠٧٨

(٥) مناش ، المشرق ، المجلد العاشر ، ص ٧٢٣ ، ٧٢٤

(٦) شرحه ص ٧٢٤

(٧) شرحه ، ص ٧٢٧

(٨) شرحه ، ص ٧٧٥ ـ ٧٧٦

(٩) شرحه ، ص ٧٨٦ ـ الغزى مجلة المعهد العلمى العربى بدمشق ، المجلد التاسع ، ص ٦٨٥ ـ ٦٨٦ ـ

(١٠) مناش ، المشرق ، المجلد العاشر ، ص ٧٢٦

(١١) شرحه ، ص ، ٧٢٧

(١٢) شرحه ، ص ، ٧٨٦

(١٣) شرحه ، ص ، ٧٢٧

(١٤) شرحه ، ص ، ٧٢٨

(١٥) شرحه ، ص ، ٧٢٨ ـ ٧٢٩

(١٦) شرحه ، ص ، ٧٢٩

(١٧) شرحه ، ص ٧٨٠ ـ ٧٨٣

(١٨) يوجد ببرلين الجزء الثانى ـ الجغرافيا راجع (Ahlwardt ,V ,p.١٧٣ ,No ٥٤٠٦) والرابع ـ النبات (راجع : شرحه : (p.٦٨٤ NO ٧٠٢٦

(١٩) ـ Kratschkovsky, EI, EB, p. ٩٧ ـ ٠٨ ـ Brockelmann, GAL, SB II, p. ٩٨٣, No ٣٥ a

(٢٠) مناش ، المشرق ، المجلد العاشر ، ص ٧٧٤ ، ٧٧٦

(٢١) شرحه ، ص ٧٢١ ـ ٧٢٩ ، ٧٧٤ ـ ٧٨٦ الغزى ، مجلة المجمع العلمى العربى بدمشق ، المجلد التاسع ، ص ٦٨١ ـ ٦٨٧ ، والمجلد العاشر ص ٢٥٠ ـ ٢٥١

(٢٢) ـ Wiedemann ,Beitra؟ge ,LI ,p.٣٥١

(٢٣) ـ Krachkovski, Al ـ Nuwairi, p. ٥٤٠١ ـ ٧٤٠١ ـ Brockelmann, GAL, II, p. ٩٣١ ـ ١٤١, No ١; SB II, p. ٣٧١ ـ ٤٧١ ـ Mieli, p. ٢٦٢, ٤٦٢

٤٣٤

__________________

(٢٤) ـ Reinaud ,Introduction ,p.CLI ـ CLII

(٢٥) ـ Wiedemann ,Beitra؟ge ,LI ,p.٤٥١

(٢٦) ـ Amari Nallino) ,I ,p.٢٨ ـ ٣٨ ,No ٧٥

(٢٧) ـ Wiedemann, Beiträge, XLIX, p. ٦١ ـ ٢٥; ـ Beiträge, LI, p. ١٥١ ـ ٦٧١

(٢٨) ـ Ferrand, Relations, I, p. ٠٥ ـ ٢٥; II, p. ٤٩٣ ـ ٧٩٣, ٤١٦ ـ ٥٢٦

(٢٩) ـ Ahmed Zeky ,Me؟moire ,p.٨ ـ ٠١

(٣٠) ـ Brockelmann, GAL, II, p. ١٤١, No ٣; SB II, p. ٥٧١ ـ ٦٧١ ـ Al ـ \' Omari, ـ Bhmed Zeki, Mémoire p. ٠١ ٢١

زيدان ، الجزء الثالث ، ص ٢٢٦ ـ ٢٣٨ ـ p.٨٣ حسن حسنى عبد الوهاب ، وصف Blache؟re p.١٠٣ ـ ٢٠٣

(٣١) ـ Hartmann ,ZDMG ,٠٧ ,p.١

(٣٢) شرحه ، p.٢

(٣٣) شرحه ، p.٣ ـ ٤

(٣٤) شرحه ، p.٤ ـ ٥

(٣٥) ـ Taeschner ,Al ـ Umari\'s Bericht ,I ,p.٠٠١ ـ ١٠١

(٣٦) راجع عن سيرة العمرى Hartmann ,ZDMG ,٠٧ ,p.٢ ـ ٣

(٣٧) شرحه ، p.٣

(٣٨) شرحه ، p.٦

(٣٩) شرحه ، p.٧

(٤٠) شرحه ، p.٦

(٤١) راجع إلى جانب المصادر الأخرى أيضا ـ Gaudefroy ـ Demombynes ,La Syrie ,p.XII ـ XIII

(٤٢) ـ Tizengauzen ,Sbornik materialov.I ,p.١٣٣ ـ ٠٥٣

(٤٣) ـ Hartmann ,ZDMG ,٠٧ ,p.٦

(٤٤) حسن حسنى عبد الوهاب ، وصف ، ص أ ـ ب

(٤٥) ـ Blache؟re ,p.١٠٣ ـ ٢٠٣

(٤٦) ـ Amari Nallino) ,I ,p.٩٥ No ٥٢

(٤٧) شرحه ، p.٠٦

(٤٨) ـ Schiaparelli ,Al ـ \'Umari ,p.٤٠٣

(٤٩) شرحه ، p.٥٠٣

(٥٠) ـ Amari ,Al ـ Umari ,p.٦٠٣

(٥١) ـ Sreznevski ,Khojenie A.Nikitina ,p.٦٤٢ et sui معتمدا فى ذلك على مادة كاترمير (Quatreme؟re ,Not.et Extr ,XIII ,p.٧٤٣)

٤٣٥

__________________

(٥٢) ـ Taeschner ,Al ـ Umari\'s Bericht ,p.VII ,٨١ ,٣٧

(٥٣) ـ Amari Nallino) I ,p.٩٥

(٥٤) ـ Amari ,Al ـ \'Umari ,p.٨٠٣

(٥٥) ـ Schefer ,Notice ,p.٦١ ٣٢

(٥٦) شرحه ، p.٣٢

(٥٧) شرحه ، p.٦١

(٥٨) شرحه ، p.٦١ ,note ٢

(٥٩) راجع الترجمة لدى Schefer ,Notice p.٦١ ـ ٢٢

(٦٠) ـ Björkman, Beiträge, p. ٣٧; cf. Brockelmann, GAL., SB, II, p ٥٦١

(٦١) ـ Gaudefroy ـ Demombynes ,La Syrie ,p.V

(٦٢) عن محتويات هذا راجع : Bjo؟rkman ,Beitra؟ge ,p.٦٩ ـ ٩٠١

(٦٣) ـ Bjo؟rkman ,Beitra؟ge ,p.٦٩

(٦٤) شرحه ، p.٦٩ ,note ١

(٦٥) ـ Tizengauzen ,Sbornik materialov ,I ,p.٥٩٣ ـ ٦١٤

(٦٦) ـ Spies

(٦٧) ـ Bjo؟rkman ,Beitra؟ge ,p.٥٧

(٦٨) ـ Gaudefroy ـ Demombynes ,La Syrie ,p.X

(٦٩) ـ Bjo؟rkman ,Beitra؟ge ,p.٥٧ ـ ٦٨

(٧٠) شرحه ، p.٠٨ ـ ١٨

(٧١) شرحه ، p.١٨ ـ ٢٨

(٧٢) ـ Gaudefroy ـ Demombynes La Syrie p.XIV

(٧٣) ـ Tizengauzen ,ZVO ,I ,p.٨٠٢ ـ ٦١٢

(٧٤) ـ Canard ,AIE؟O ,p.٧٢ ـ ٢٥ حيث يرد الخطاب باللغة اليونانية الحديثة مع التعليق عليه من مادة القلشقندى.

(٧٥) ـ Spies ,p.٩ ـ ٣١

(٧٦) شرحه ، p.٨

(٧٧) ـ Kramers ,EI ,EB ,p.٠٧

(٧٨) ـ Gibb, Ibn Battüta, p. ٩ ـ Arnold, Arab Travellers, p. ١٠١

(٧٩) ـ Ruska GZ ,XXXIII ,p.٧٩٥

(٨٠) راجع مقارنة [مادة ابن بطوطة مع مصادره] Brockelmann ,GIV ,p.٩٩١ ٠٠٢

(٨١) ـ Colin ,EI ,III ,p.١٢

٤٣٦

__________________

(٨٢) Fischer ,Battüta ,p.٩٨٢

(٨٣) ابن بطوطةDefre؟mery ,I ,p.٢١ ـ ٣١ Voyage , طبعة

(٨٤) Hennig ,II ,p.٤٧١ : عن تواريخ تحركات ابن بطوطه

(٨٥) Defre؟mery ,I ,p.٨٢ طبعةVoyage , ابن بطوطه

(٨٦) ـ Janicsek, Ibn Battüta, p. ١٩٧ ٠٠٨; cf. Brockelmann, GAL, SB. II, p. ٥٦٣ ـ Markwart

: مع الإشارة إلى ٣٦٦

(٨٧) ـ Agha Mahdi Husain ,p.٩٨ ـ ١٩

(٨٨) ـ Gibb ,Ibn Battüta ,p.٩

(٨٩) ابن بطوطة ، الروائع ، ص ١٥٠

(٩٠) Cf.Hennig ,III ,p.٦٥٢ ـ ٠٦٢ تقع دولة مالى على حوض النيجر

(٩١) ـ Marcais ,Meriniden ,p.٧٣٥

(٩٢) Defre؟mery ,I ,p.٨ طبعةVoyage , ابن بطوطة

(٩٣) شرحه p ٩ ـ ٢١

(٩٤) ـ Brockelmann ,GAL ,SB II ,p.٦٦٣

(٩٥) Defre؟mery ,IV.p ,٨٤٤ ـ ٩٤٤ طبعةVoyage ابن بطوطه

(٩٦) شرحه p.١٥٤

(٩٧) ـ Pons Boigues ,p.٨٢٣ ٩٢٣ ,No ٤٨٢

(٩٨) ـ Blache؟re ,p.٠٥٣

(٩٩) ابن بطوطه ، الروائع ، يد

(١٠٠) ـ Brockelmann ,GAL ,SB II ,p.٦٦٣

(١٠١) ـ Gibb ,Ibn Battüta ,p.٥

(١٠٢) ـ Mzik, Ibn Batüta, p. ٥١ ـ Gibb Ibn Battuta, p. ٢١, ٣١

(١٠٣) شرحه p.٣١

(١٠٤) ـ Mzik ,Ibn Batuta ,p.٥١

(١٠٥) شرحه p.٣١٤ sui

(١٠٦) ـ Schefer ,Notice ,p.٣٢

(١٠٧) شرحه p.٣٢ ٤٢

(١٠٨) ـ Ferrand ,Relations ,II ,p.٢٣٤ ٣٣٤

(١٠٩) Defre؟mery ,IV ,p.١٨٢ ـ ٢٨٢ طبعةVoyage , ابن بطوطه

(١١٠) ـ Yamamoto ,p.٣٠١

(١١١) (Mzik ,Ibn Batüta ,p.١١٤ ,note ٧١) عن مجيك ـ Yule ,Cathay ,II ,p.٠٢٥ ,

٤٣٧

__________________

(١١٢) ـ Mzik ,Ibn Batüta.p.١١٤ ,note ٧١

(١١٣) شرحه note ٧١ and p.٢١٤

(١١٤) شرحه p.١١٤ ,note ٧١ and p.٣١٤

(١١٥) ـ Yamamoto ,p.٦١١

(١١٦) شرحه p.٣٣١

(١١٧) p.١١٤ ـ ٣١٤ التحليل p.٨٠٤ ـ ١١٤ ; والترجمة ـ Mzik ,Ibn Batüta ,p.٥١ ,

(١١٨) شرحه p.٥١

(١١٩) ابن خلدون ، المقدمة ، طبعة القاهرة ١٣٢٢ ه‍ ـ ١٩٠٤ ، ص ١٤٣ ـ ١٤٤Voyage ـ ابن بطوطه I ,p.٠٧٣ ـ ١٧٣ والترجمةI ,p.٧٢٣ ـ ٨٢٣ المتن Prole؟gome؟nes (الترجمة) p.٦٦٤ ـ ٧٦٤ (المتن) Defre؟mery ,III ,p.٤٦٤ ـ ٥٦٤ طبعةcf منتخبات ابن بطوطه ، الروائع ، الكراسة الأولى ، يا ـ يب

(١٢٠) ـ De Goeje, Selections, p. ٨ ـ Devic, Littérature arabe, p. ٧٩٣ ـ ٨٩٣

(١٢١) ـ Gibb ,Ibn Battüta ,p.٢١ ـ Mzik ,Ibn Batüta ,p.٤١

(١٢٢) خطاب بوشا من استنبول فى مايو ١٨٦٢ ، راجع :

ZDMG, ٦١, ٢٦٨١, p. ٦٥٧

(١٢٣) ـ Brockelmann ,GAL ,SB II ,p.٦٦٣

(١٢٤) ـ Margoliouth ,JRAS ,٩٣٩١ ,p.٣٢٦ ـ Goldlevski , جودت ، الأخ Gos.Selj ,p.٦٠١ ,note ١

(١٢٥) ـ Mzik, Ibn Batüta, p. ٦١ ـ Brockelmann, GAL, SB II, p. ٦٦٣

(١٢٦) ـ Moura ,Viagens ,p.V.

(١٢٧) راجع أيضا الكتاب الذى ظهر أخيرا :

Mahdi Husain, The Rehla of Ibn Battüta, Gaekward\'s Oriental Series, No CXXII, Baroda. ٣٥٩١;

ففيه توجد أول ترجمة وافية بالانجليزية لرحلة ابن بطوطة فى الهند وجزر الملديف وجزيرة سيلان.

C. Collin Davis, JRAS, parts l, ٢, ٧٥٩١, p. ٦٢١ ٨٢١

: راجع أيضا تقريظه

(١٢٨) Defre؟mery ,IV ,p.٩٤٤ طبعةVoysge , ابن بطوطه

٤٣٨

الفصل السادس عشر

ابن خلدون والجغرافيا فى المغرب فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر

لعل من المناسب ونحن ننتقل من القرن الرابع عشر إلى القرن الخامس عشر فى تحليلنا للأدب الجغرافى العربى أن نقف قليلا لنلقى نظرة على الآراء الجغرافية لدى ابن خلدون ، ليس ذلك فقط لأن ابن خلدون قدولد فى عام ٧٣٢ ه‍ ـ ١٣٣٢ وأكمل مصنفه الأساسى فى الربع الأخير من القرن الرابع عشر حوالى عام ٧٨٠ ه‍ ـ ١٣٧٨ وظل يضيف إليه إلى وفاته فى عام ٨٠٨ ه‍ ـ ١٤٠٦ وبهذا يقف على الحد الفاصل بين قرنين ؛ أقول ليس لهذه الأسباب فحسب بل لأن «مقدمة» كتابه فى التاريخ تستهدف وضع علم جديد فى الحضارة البشرية وتعرض لنا خلاصة لجميع معارف العصور السالفة فى مختلف الميادين ؛ وهى تعطى فكرة جلية عن المستوى الذى بلغه العلم فى العالم الإسلامى فى بداية القرن الخامس عشر وذلك على يد واحد من أبرز علماء الإسلام ، زد على هذا ان ابن خلدون إنما يمثل من ناحية أصله وسيرة حياته مزيجا طريفا لحضارة ذلك العصر (١) (١).

فأبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون ينتمى إلى فرع من كندة كان يقيم قبل الإسلام بحضرموت ، وقد دخل أجداده الأندلس مع الفتح واستقروا بقرمونه واشبيلية وظهر من بينهم على ممر القرون عدد من رجال الإدارة والفقهاء ؛ وفى الأندلس اتخذ أول أجداده الاسم المغربى ابن حلدون. وبسقوط إشبيليه فى عام ١٢٤٨ انتقل بنو خلدون إلى شمال إفريقيا واستقروا نهائيا بتونس وبها توفى فى عام ٧٤٩ ه‍ ١٣٤٨ والده ، الذى كان بدوره فقيها وإداريا ، وذلك بالطاعون الذى اجتاح العالم آنذاك والذى شهده ابن بطوطة فى موضع آخر. ولد ابن خلدون بتونس فى عام ٧٣٢ ه‍ ـ ١٣٣٢ وبدأ وهو فى سن مبكرة حياته المستقلة التى أحاط بها الكثير من القلق والاضطراب. وعلى الرغم من ميله الشديد إلى الدراسة فإن هذا لم يحل بينه وبين التقلب فى المناصب الحكومية طوال حياته تقريبا فشغل عددا من الوظائف الإدارية والكتابية قربته إلى حياة البلاط والدسائس السياسية التى شارك فيها أحيانا بنصيب وافر. وقد عاش ابن خلدون فى جميع الأمارات التى تقاسمت المغرب آنذاك فإلى جانب تونس أقام بفاس متمتعا بعطف السلطان أبى عنان من بنى مرين وهو نفس ذلك السلطان الذى عاش فى كنفه ابن بطوطة ، وقد مرت بنا قبل قليل إشارة ابن خلدون إلى هذا الأخير. وكان من بين أصدقاء ابن خلدون حين إقامته بغرناطة

__________________

(*) عما ظهر عن ابن خلدون من دراسات وأبحاث راجع كتاب عبد الرحمن بدوى «مؤلفات ابن خلدون» القاهرة ١٩٦٢ ؛ وراجع أيضا «أعمال مهرجان ابن خلدون» ، القاهرة ١٩٦٢. (المترجم)

٤٣٩

الوزير المشهور والأديب الكبير ابن الخطيب الذى أصبح فيما بعد عدوا لدودا له ؛ وفى عام ٧٦٥ ه‍ ـ ١٣٦٣ اختاره أمير غرناطة ليكون سفيره إلى ملك قشتالة. ولم يقدر لابن خلدون أن يستقر طويلا فى موضع ما فعند رجوعه إلى إفريقيا أخذ يتنقل بين عدد من المدن مثل بجايه وبسكره وتلمسان وفاس ثم رجع إلى الأندلس. وقد استطاع مرة أن يخلو إلى نفسه بضعة أعوام وذلك ابتداء من عام ٧٧٦ ه‍ ـ ١٣٧٥ فى بقعة شبه بدوية هى قلعة ابن سلامة من أعمال وهران (٢) انقطع فيها للقراءة والتأليف عاملا دون كلل فى تحضير مقدمة تاريخه. وفى خلال زيارة له إلى تونس بهدف جمع المادة العلمية لتاريخه تبين له أن الإقامة بالمغرب لم تعد فى مصلحته بسبب الاضطرابات السياسية فقرر مغادرة تونس إلى المشرق متعللا بالحج وخرج من المغرب إلى غير رجعة فى عام ٧٨٤ ه‍ ـ ١٣٨٢. وبعد أن أقام بعض الوقت بالإسكندرية غادرها إلى القاهرة التى كانت تعد بحق مركز الثقافة الإسلامية فى ذلك العصر ؛ وهنا تمتع ابن خلدون برعاية السلطان المملوكى برقوق وشغل فى عهده وعهد ابنه السلطان فرج منصب قاضى قضاة المالكية لمرات عديدة ابتداء من عام ٧٨٦ ه‍ ـ ١٣٨٤ ؛ وأدى فريضة الحج لأول مرة فى عام ٧٨٩ ه‍ ـ ١٣٨٧. وقد لاحقته الدسائس فى مصر فأعفى من منصبه القضائى ست مرات وأمضى بضعة أعوام انقضت عام ٧٩٧ ه‍ ـ ١٣٩٤ فى عزلة بالفيوم كان من أسبابها الحزن العميق الذى أصابه بسبب نكبة أسرته فى حادث غرق سفينة. وفى بداية القرن الخامس عشر عرفته الشام أيضا فقد كان فى معية السلطان فرج عام ٨٠٣ ه‍ ـ ١٤٠٠ عند خروجه لصد التتار وكان بدمشق حين حاصرها تيمور لنك ؛ وقد أخذ ابن خلدون طرفا فى الوفد الذى خرج للتفاوض فى تسليم المدينة وأغلب الظن أن قصة مقابلته لتيمور وحديثه معه ، تلك القصة التى يرويها بين عدد من المؤرخين ابن عربشاه أيضا ، قد أخذت نصيبها من المبالغة والتزويق ولو أن ذلك لا ينفى إمكان حدوثها (٣). وقد أذن له تيمور فى الرجوع إلى مصر فى مارس من عام ٨٠٣ ه‍ ـ ١٤٠١ فأمضى الأعوام الأخيرة من حياته بالقاهرة تارة يقال من منصبه كقاض وطورا يعاد إليه ؛ وأمام هذه اللوحة المتعددة الألوان لسيرة حياته لم يكن غريبا أن تحمل بعض مخطوطات ترجمته لسيرة حياته (Autobiography) عنوان «رحلة ابن خلدون فى الغرب والمشرق» (٤) (١). وعلى الرغم من هذا فإن الكتاب فى الحقيقة لا يمثل مصنفا جغرافيا من نمط الرحلة المعروف لنا جيدا بل هو ترجمة لسيرة حياته بقلمه بكل ما يحمل هذا اللفظ من معنى ؛ وفيها يعرض ابن خلدون لجميع تنقلاته والحوادث التى مرت به دون أن يحاول إظهار شخصيته فى ضوء ملائم لها ، مما يشهد له حقا بالأمانة وشرف الضمير. وقد عرفت هذه السيرة من وقت طويل فى أوروبا بفضل ترجمة دى سلين De Slane (٥) ؛ وهى توجد فى معظم الأحوال ملحقة بمصنفه التاريخى وتساق فى جميع المخطوطات تقريبا إلى عام ٦٩٧ ه‍ ـ ١٣٩٤ ، وهذا

__________________

(*) تحمل الطبعة المصرية لهذا الكتاب (١٩٥١) عنوانا مغايرا هو «التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا».

(المترجم)

٤٤٠