تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي

تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

المؤلف:

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي


المترجم: صلاح الدين عثمان هاشم
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: لجنة التأليف والترجمة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٩

الأولى لغلبتهم عليهم فأحببنا أن لا نخلى كتابنا هذا من ذكرهم وإن كنا قد ذكرنا سائر الممالك التى على وجه الأرض وما أزيل منها ودثر وما هو باق إلى هذا الوقت وأخبار ملوكهم وسياساتهم وسائر أحوالهم فيما سميناه من كتبنا على أنّا نعتذر من سهو إن عرض فى تصنيفنا مما لا يسلم منه من لحقته غفلة الإنسانية وسهوة البشرية ثم ما دفعنا إليه من طول الغربة وبعد الدار وتواتر الأسفار طورا مشرقين وطورا مغربين كما قال أبو تمام :

خليفة الخضر من يربع على وطن

فى بلدة فظهور العيس أوطانى

بالشأم قومى وبغداد الهوى وأنا

بالرّقتين وبالفسطاط إخوانى

وكقوله أيضا :

فغربت حتى لم أجد ذكر مشرق

وشرقت حتى قد نسيت المغاربا

خطوب إذا لاقيتهنّ رددننى

جريحا كأنى قد لقيت الكتائبا

ونحن آخذون فيما به وعدنا وله قصدنا وبالله نستعين وإياه نسأل التوفيق والتسديد» (٥). والأبيات الأخيرة لأبى تمام التى يختتم بها المسعودى مقدمته تدل دلالة واضحة على مبلغ اهتمامه بالعرض الأدبى الذى يحتل أحيانا بالنسبة له المكانة الأولى. ولم يكن المسعودى بالطبع عالما بحاثة على غرار البيرونى ولا متخصصا فى الجغرافيا أو التأريخ بل كان أديبا قبل كل شىء وناشرا للمعارف على منهج الجاحظ أو ابن الفقيه مع ميل أكثر نحو الجدية ونحو الأسلوب القصصى. فهو قاصّ ماهر ، وفى كتابه الذى يغلب عليه التأريخ وهو «مروج الذهب» يقابلنا أفضل تصوير للحياة الاجتماعية والثقافية فى عصر الخلافة ، فليس غريبا إذن أن يفتتن به فى السنوات السبعينيات من القرن الماضى شخص عرف بتقديره لهذا النوع من العرض التاريخى وهو المؤرخ الفرنسى ارنست رينان Ernest Renan (٦). وقد أعاد المسعودى تنقيح كتابه هذا مرتين الأولى حوالى عام ٣٣٦ ه‍ ـ ٩٤٧ والثانية حوالى عام ٣٤٥ ـ ٩٥٦ ، وفى هذا الكتاب فصول يغلب عليها الطابع الجغرافى وقد تتحول أحيانا إلى استطرادات مطولة ، مثال ذلك ما كتبه عن البحار والأنهار ، وقبائل العرب والكرد والترك والبلغار ، وعن دور العبادة عند جميع شعوب العالم خاصة فى القوقاز. وطريفة ملاحظاته عن هجرات القبائل وعن الهند وعن الزنج ؛ والفصل الذى أفرده للصقالبة أضحى منذ أكثر من مائة عام موضوعا لبحث مستقل قام به شارمواCharmoy (٧) ((١٨٣٤ ولبحث آخر لماركفارت (٨) فى أوائل القرن العشرين. وعلى الرغم من تقدم النقد العلمى فلا يزال عدد من مشاكل هذا الفصل فى حاجة إلى الحل. ومنذ عهد غير بعيد ظهر رأى جديد يقول بأن دولة الديّره التى ذكرها المسعودى (٩) إنما هى إمارة كييف Kiev وأنه يجب أن نبصر فى هذا اللفظ اسم ديرDir الذى حكم فى وقت واحد مع أسكولدAskold (١٠). ولا تقلّ قيمة عن هذا رواية المسعودى عن حملات الروس يعد عام ٩١٢ ـ ٩١٣ على سواحل بحر قزوين الجنوبية إذ لا يفصله عن حوادثها أكثر من عشرة أعوام (١١)

١٨١

أما مصنفه الأخير «كتاب التنبيه» فقد اكتسب عن جدارة حق الانضمام إلى «مكتبة الجغرافيين العرب» Bibliotheca Geographorum Arabicorum على الرغم من أنه ليس مصنفا جغرافيا بمعنى الكلمة ولا تشغل الموضوعات الجغرافية فيه حيزا كبيرا. وهى تتركز بصفة عامة فى أول الكتاب على هيئة مقدمة تعطى عرضا عاما للجغرافيا الفلكية والطبيعية ، يلخص فيها المؤلف نظريات القرن العاشر فى خطوطها الجوهرية المعروفة ويفرد مكانة خاصة لنظرية الرياح حيث يقول :

«وأن الشمس إذا كان مسيرها فى الميل الشمالى عن معدّل النهار حمى الهواء فى ناحية الشمال وبرد الهواء الجنوبى فيجب من ذلك أن ينقبض الهواء الجنوبى ويحتاج إلى موضع أصغر ويتسع الهواء الشمالى ويحتاج إلى موضع أوسع إذ لا فراغ فى العالم فبالواجب أن تكون أكثر رياح الصيف عند من هو فى ناحية الشمال شمالية لأن الهواء من عندهم يتحرك إلى ناحية الجنوب إذ ليس الريح شيئا غير حركة الهواء وتموجه وكذلك يجب أن تكون أكثر رياح الشتاء جنوبية لتحرك الهواء إلى ناحية الشمال لمسير الشمس فى الشتاء فى الميل الجنوبى» (١٢).

ويلى هذا وصف لصناعات مصر وتجارتها ومحاصيلها ، وهذا بدوره يسوق المؤلف إلى محاولة لتفسير المميزات النفسانية حسب تأثير المناخ على الناس. ولا يخلو من بعض الطرافة فى هذا الصدد حكمه على أهل الشمال :

«وأما أهل الربع الشمالى وهم الذين بعدت الشمس عن سمتهم من الواغلين فى الشمال كالصقالبة والإفرنجة ومن جاورهم من الأمم فإن سلطان الشمس ضعف عندهم لبعدهم عنها فغلب على نواحيهم البرد وتبلدت أفهامهم وثقلت ألسنتهم وابيضت ألوانهم حتى أفرطت فخرجت من البياض إلى الزرقة ورقت جلودهم وغلظت لحومهم وازرقت أعينهم أيضا فلم تخرج من طبع ألوانهم وسبطت شعورهم وصارت صهبا لغلبة البخار الرطب ولم يكن فى مذاهبهم متانة وذلك لطباع البرد وعدم الحرارة ومن كان منهم أوغل فى الشمال فالغالب عليه الغباوة والجفاء والبهائمية وتزايد ذلك فيهم فى الأبعد فالأبعد إلى الشمال» (١٣).

أما الجغرافيا الوصفية فتعرض بالطريقة المعروفة لنا جيدا أى على أساس الأقاليم السبعة مع تفصيل أكثر فى وصف الإقليم الرابع الذى تقع فيه العراق. ويرد القول عرضا عن عجائب الإسكندرية التى شغلت الناس منذ العصور القديمة وعن زلزال عام ٣٤٤ ه‍ ـ ٩٥٥. أما وصف البحار والأنهار فيصحبه وصف موجز للأقطار التى تجرى فيها أو تمسها مع استطرادات شتى كالحديث عن موقع بحيرة أرميه وبراكين فارس ، كما يستوفى القول فى فصل خاص عن البلاد الواقعة إلى الشمال والشمال الشرقى من بحر قزوين. وفى القسم الاثنوغرافى من الكتاب يقسم الشعوب إلى سبعة مجموعات هى الفرس ، ويليهم الكلدانيون الذين يضم إليهم العرب واليهود ، ثم سكان أوروبا (اليونان والبيزنطيون والصقالبة والفرنجة) ،

١٨٢

ثم الليبيون والأفارقة عامة ، ويلى هذا الترك ، فسكان الهند والسند وأخيرا الصينيون ومعهم الكوريون. ومن الغريب أن توجد لديه فكرة وحدة الشعوب السامية وذلك قبل عهد طويل من ظهورها كنظرية علمية فى أوروبا ؛ ولكن لا توجد لديه تسمية جامعة خاصة بهم. أما باقى الكتاب وهو ما يقرب من أربعة أخماسه فيغلب عليه الطابع التاريخى. وإن اتساع أفق المسعودى ليظهر بجلاء أيضا فى مصنفه هذا وهو لا يقتصر على تاريخ العرب وحدهم بل يولى اهتماما كبيرا لتاريخ إيران القديمة ولوصف المقاطعات البيزنطية بل ولتاريخ الكنيسة المسيحية.

ومن المستحيل إنكار ما يمتاز به المسعودى من تنوع النشاط العلمى وما يتصف به من موضوعية فى الحكم على ما يتعلق بالشعوب والأديان ؛ فهو يسأل باهتمام ممثلى مختلف العقائد ويفحص بانتباه فائق كتبهم ويتعرف جيدا على آدابهم ، وكان موقفه محايد إزاء النصارى واليهود والصابئة. وفى أثناء تحرك القرامطة على بغداد اطلع المسعودى على تعاليمهم وكتبهم بل وحادث دعاتهم الذين رفضوا تعاليم أهل السنة وأخذوا على عاتقهم تفنيدها دون معرفة جيدة بها (١٤). وإن تعدد نواحى اهتمامه لمدهش حقا فهو يجمع بشغف المعلومات عن اقتران البحر الأسود ببحر قزوين كما يجمعها أيضا حول موضوع : هل يمكن لوحيد القرن أن يمكث سبعة أعوام فى بطن أمه؟ وفى الإسكندرية يبحث بالكثير من الاهتمام انهيار منارة فاروس Pharos المشهورة فى زلزال عام ٣٤٤ ه‍ ـ ٩٥٥ ؛ وفى سجستان يورد أول خبر معروف عن طواحين الهواء (١٥) ؛ وفى المنصورة بالهند يراقب حياة ثمانين فيلا ملكيا. وإنه لمما يدعو إلى الدهشة تمكنه من جمع وتحليل كل هذه المادة الضخمة.

غير أن منهجه فى التبويب لا يرقى إلى المستوى المطلوب فقد كان من الصعب عليه أن يأخذ نفسه باتباع منطق صارم سواء فى التفكير أو التعبير. وقد كان يزاول عمله بعجلة فائقة بحيث أضحى من العسير عليه أن يكون دائما فى حالة تسمح له بتحليل المادة المتنوعة التى جمعها من مختلف المصادر عن شعوب نائية. وقد أبان دوزى Dozy فيما يتعلق بالأندلس أنه لم يكن واضحا بالنسبة للمسعودى أحيانا الفرق بين أسماء الأعلام والأسماء العامة (١٦). ومهما يكن من شىء فإن المسعودى يقف على قمة المعارف الجغرافية لعصره وكان دائما يتطلع إلى الحصول على أحدث المعلومات عن البلاد التى لم يزرها بنفسه.

وطريقته فى التأليف تعتمد على العرض الأدبى لا على الإسناد ؛ ومن ثم فإنه نادرا ما يشير إلى مصادره. وما من شك فى أن مجال اطلاعه وقراءته كان واسعا ، ولكن هذا لا يبدو لنا جليا ، سواء عن قصد أو غير قصد ، خاصة فى معطياته الأثنوغرافية ، وهو شىء يعتبر بالنسبة لنا خسارة لا تعوض. وهو يشير بإيجاز إلى السابقين له فى مضمار الجغرافيا وفى حدود معلوماتنا عنهم ، فنلتقى عنده بأسماء الممثلين الرئيسيين لنمط المسالك والممالك (١٧) كالسرخسى والجيهانى الذى لم يصلنا مصنفه وابن خرداذبه المعروف لنا جيدا. وهنا يظهر لنا بجلاء سعة أفق المسعودى فهو لا يخشى أن يذكر أسماء الشخصيات التى كانت

١٨٣

ممقوتة فى عصره ، فمثلا يشير فى خاتمة تعداده للجغرافيين إلى كتاب «النواحى والآفاق» الذى يروى «الأخبار عن البلدان وكثير من عجائب ما فى البر والبحر». ومؤلفه هو محمد (١٨) بن أحمد بن النجم الذى اشتهر باسم ابن أبى عون الكاتب (١٩) وهو أحد أتباع الزنديق المعروف الشلمغانى وقد أعدما سويا فى عام ٣٢٢ ه‍ ـ ٩٣٤ (٢٠) ؛ ولعل هذه الظروف هى التى دفعت مؤلف كتاب «الفهرست» ، على نحو ما فعل بعض معاصريه من المؤرخين ، إلى أن يصفه بأنه «ناقص العقل» (٢١) ؛ وكان كتابه معروفا لياقوت فى القرن الثالث عشر (٢٢). ويختتم المسعودى كلامه عن السابقين له باستطراد طريف يتحدث فيه عن أهمية المؤلفات القديمة والحديثة (٢٣) ؛ وتنعكس فيه بمهارة الخصومات الأدبية التى كانت تهز مختلف الدوائر الاجتماعية فى ذلك العصر. قال :

«فكل استفرغ وسعه وبذل مجهوده وقد يدرك الواحد منهم ما لا يدركه الآخر وقد ذكرنا فى كتابنا هذا وما سلف قبله من كتبنا التى هذا سابعها أخبار العالم وعجائبه ولم نخله من دلائل تعضدها وبراهين توتدها عقلا وخبرا وغير ذلك مما استفاض واشتهر وشاهد من الشعر على حسب الشىء المذكور وحاجته إلى ذلك ونحن وإن كان عصرنا متأخرا عن عصر من كان قبلنا من المؤلفين وأيامنا بعيدة عن أيامهم فلنرجو أن لا نقصر عنهم فى تصنيف نقصده وغرض نأمّه وإن كان لهم سبق الابتداء فلنا فضيلة الاقتداء وقد تشترك الخواطر وتتفق الضمائر وربما كان الآخر أحسن تأليفا وأتقن تصنيفا لحنكة التجارب وخشية التتبع والاحتراس من مواقع الخطأ ومن هاهنا صارت العلوم نامية غير متناهية لوجود الآخر ما لا يجده الأول وذلك إلى غير غاية محصورة ولا نهاية محدودة وقد أخبر الله عز وجل بذلك فقال وفوق كل ذى علم عليم (٢٤). على أن من شييم كثير من الناس الإطراء للمتقدمين وتعظيم كتب السالفين ومدح الماضى وذم الباقى وإن كان فى كتب المحدثين ما هو أعظم فائدة وأكثر عائدة وقد ذكر أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ أنه كان يؤلف الكتاب الكثير المعانى الحسن النظم فينسبه إلى نفسه فلا يرى الأسماع تصغى إليه ولا الإرادات تبسّم نحوه ثم يؤلف ما هو أنقص منه مرتبة وأقل فائدة ثم ينحله عبد الله بن المقفع أو سهل بن هارون أو غيرهما من المتقدمين ومن قد طارت أسماؤهم من المصنفين فيقبلون على كتبها ويسارعون إلى نسخها لا لشىء إلا نسبتها إلى المتقدمين ولما يداخل أهل هذا العصر من حسد من هو فى عصرهم ومنافسته على المناقب التى يخص بها ويعنى بتشييدها وهذه طائفة لا يعبأ بها كبار الناس وإنما العمل على ذوى النظر والتأمل الذين أعطوا كل شىء حقّه من العدل ووفوه قسطه من الحق فلم يرفعوا المتقدم إذ كان ناقصا ولم ينقصوا المتأخر إذ كان زائدا فلمثل هؤلاء تصنّف الكتب وتدوّن العلوم».

أما ذوق المسعودى الأدبى فيتضح بجلاء من حكمه على الجاحظ فى كتابه «مروج الذهب» قال (٢٥) :

«وقد كان أبو الحسن المدائنى كثير الكتب إلا أن أبا الحسن المدائنى كان يؤدى ما شمع وكتب الجاحظ مع انحرافه المشهور تجلو صداء الأذهان وتكشف واضح البرهان لأنه نظمها أحسن نظم ووصفها أحسن

١٨٤

وصف ورصفها أحسن رصف وكساها من كلامه أجزل لفظ وكان إذا تخوّف ملل القارئ وسآمة السامع خرج من جدّ إلى هزل ومن حكمة بليغة إلى نادرة طريفة وله كتب حسان منها كتاب البيان والتبيين وهو أشرفها لأنه جمع فيه بين المنثور والمنظوم وغرر الأشعار ومستحسن الأخبار وبليغ الخطب ما لو اقتصر عليه مقتصر لاكتفى به وكتاب الحيوان وكتاب الطفيليين وكتاب البخلاء وسائر كتبه فى نهاية الكمال».

ونحن نعلم جيدا أنه رغما عن هذا الإعجاب فإن المسعودى لم يأخذ مصادره الأدبية على علاتها بل وقف منها موقف الناقد ، وقد أبصرنا من قبل كيف فحص باهتمام شديد رواية الجاحظ عن السند والنيل وكيف كان يقارن المادة المكتوبة بالمعطيات الواقعية فى وصفه للطرق المختلفة ذاكرا فى كثير من الأحايين أين ومتى التقى بالمسافرين ، المشهور منهم والمغمور ، فمن أولئك يذكر صاحب وصف طريق الهند والصين أبا زيد السيرافى. ومما يكفر عن افتقار مصنفاته إلى التنظيم والتبويب أنه لا يتبع اتباعا أعمى المنهج التأليفى السائد فى الجغرافيا العلمية آنذاك ، بل يفرد مجالا واسعا للمعلومات الجغرافية المأخوذة مباشرة من الرحالين والتجار ، ولم يكن من النادر أن تتجه عواطفه نحو الأخيرين. وهو يلفت النظر إلى التباين بين النظرية الموجودة فى الكتب والمشاهدات الواقعية فيها يتعلق بامتداد المحيط الهندى (٢٦). أما الجغرافيا الفلكية فإنه لم يشعر نحوها بميل كبير ، وقد مر بنا فيما سبق رأيه الغريب القائل بأن جميع المدن الكبرى لإقليم ما تقع على خط عرض واحد (٢٧).

ولم يكن بمقدور مصنفات المسعودى أن تظفر بانتشار واسع بسبب ضخامة حجمها ، غير أن الصغرى من بينها نالت صيتا يعادل الصيت الذى ناله اسمه ومنهجه فى التأليف. ولعل هذا يفسر لنا لماذا نسبت إليه أكثر من مرة مصنفات منحولة كان أكبرها شهرة «كتاب أخبار الزمان وعجائب البلدان» أو «مختصر العجائب والغرائب» المعروف فى عدد كبير من المخطوطات خاصة بالمكتبة الأهلية بباريس Bibliotheque Nationale ، وهى التى قام بفحصها كارادى فو (٢٨). وينقسم الكتاب إلى قسمين غير متساويين ، أولهما وهو الأصغر يبحث فى خلق العالم وعجائب الأمم القديمة ، وهنا يفرد مكانا خاصا للأساطير المتعلقة ببحر الهند والتى ترتبط بعض الارتباط بكتاب «عجائب الهند» ؛ أما القسم الثانى والأكبر فيعالج التاريخ الأسطورى القديم لمصر ؛ وهو لا يعتمد فيه على المصادر اليونانية أو الروايات الهيروغليفية. وفى بعض المخطوطات ينسب هذا الكتاب إلى المسعودى (٢٩) ولكن يستحيل عقلا أن يكون من تأليفه سواء من ناحية الموضوع أو الشكل ؛ أضف إلى هذا أن المسعودى لا يذكره فى تبت مؤلفاته وأن تلك الفصول من «مروج الذهب» التى يرد فيها الكلام عن مصر لا تذكّر فى شىء بكتاب «مختصر العجائب» (٣٠) سواء من ناحية العرض أو الترتيب. ويزيد فى تعقيد المسألة المحيطة بشخصية مؤلف الكتاب عامل آخر هو وجود مقتطفات منه فى خطط المقريزى منسوبة إلى ابراهيم بن وصيف شاه (٣١) ، وهو مؤلف معروف عاش فى بداية القرن السابع الهجرى (الثالث عشر الميلادى) واشتهر بتاريخ له عن مصر يحمل شطره

١٨٥

الأول طابعا أسطوريا كالذى فى «مختصر العجائب» ويصل إلى عام ٦٨٨ ه‍ ـ ١٢٨٩ فى بعض مخطوطاته ، وقد يمتد أحيانا إلى عام ٩٢٣ ه‍ ـ ١٥١٧ وما يليه. وهذا الكتاب تمثله مسودات مختلفة تحمل عناوين متباينة (٣٢) ، وتوجد ترجمة تركية معروفة لمختصره تحمل عنوان «جواهر البحور ووقائع الأمور» تمتد روايتها إلى القرن السادس عشر. وبتحليله لمخطوطة ليننغراد بيّن دورن أنه فيما يتعلق بمعالجته لتاريخ مصر القديمة فإنه يمثل أثرا من آثار «العصبية» القبطية (٣٣). ورغما عن التشابه فى الموضوعات فإن «مختصر العجائب» لا يمكن أن يكون من تأليف ابن وصيف شاه لأن التواريخ الموجودة فيه لا تتجاوز القرن العاشر ، ويصبح من المريب أن يقف ابن وصيف شاه عند هذا العصر إذا كان الكتاب قد خرج فعلا من يده (٣٤). والأرجح أنه يمثل مسودة لأحد مصادره فقط أو أنه يمثل مسودة أولية لكتاب جرت فيه يد ابن وصيف شاه بالتعديل. وقد عرف هذا المصنف مبكرا فى أوروبا وترجمه إلى الفرنسية فاتييه Vattier منذ عام ١٦٦٦ معتمدا على مخطوطة فقدت بالتالى ونسبه إلى شخص ثالث من نسج خياله (٣٥). وكل هذا يقف برهانا على ما أحاط بروايات هذا الكتاب ومسوداته المختلفة من اللبس والتعقيد. وتمثل الترجمة العلمية التى قام بها كارادى فو (١٨٩٨) أهمية بالغة سواء فى محيط التاريخ الأدبى أو الفولكورFolklore ؛ أما القول بأن «مختصر العجائب» من تأليف المسعودى فهو قول لا يستند على أساس من الواقع (٣٦).

ورحلات المسعودى كما رأينا تشمل ميدانا واسعا ووجدت انعكاسا كبيرا فى مؤلفاته ، ولكن رغما عن هذا فقد دخل اسمه فى التاريخ لاكرحالة بل ككاتب. وعلى العكس من هذا برز فى عصره عدد من الرحالين ممن زاروا الأصقاع القريبة من الاتحاد السوفيتى ونالوا شهرة واسعة بفضل أوصاف الرحلات التى خلفوها رغما من أن أحدهم تمتع ببعض الصيت كشاعر أيضا.

ويحتل ابن فضلان المكانة الأولى بينهم سواء من الناحية الزمنية أو الأهمية الذاتية وذلك بسبب رسالته المشهورة التى تجدد الاهتمام بها فى الأعوام الأخيرة بنفس الدرجة التى تمتعت بها لأول مرة منذ مائة وعشرين عاما. وهذا الأثر بلا شك جدير بهذا الاهتمام خاصة فى الآونة الحاضرة بعد أن أصبح لأول مرة فى متناول أيدى الجميع فى طبعة كاملة تقريبا.

وفيه نجد أثرا طريفا بالنسبة لعصره فهو يقدم لنا صورة حية للظروف السياسية فى العالم الإسلامى والعلاقات بين بلاد الإسلام والبلاد المتاخمة لها فى آسيا الوسطى أو الأصقاع النائية التى كانت تمثل أطراف العالم المتمدن آنذاك مثل حوض الفولجا. ونحفل الرسالة بمادة اثنوغرافية قيمة جدا ومتنوعة بصورة فريدة ، وهى تمس عددا من القبائل التركية البدوية القاطنة آسيا الوسطى وعددا من الشعوب التى كانت تلعب آنذاك دورا أساسيا فى تاريخ أوروبا الشرقية كالبلغار والروس والخزر. كما لا يمكن إنكار قيمتها الأدبية وأسلوبها القصصى السلس ولغتها الحبة المصورة التى لا تخلو بين آونة وأخرى من بعض الدّعابة التى ربما لم تكن مقصودة.

١٨٦

وقد تم إعداد هذه السفارة كطلب بلغار الفولجا الذين أرسلوا رسولا إلى عاصمة الخلافة يرجون العون ضد ضغط الخزر عليهم من الجنوب وأن ينفذ إليهم من يفقههم فى الدين ويعرفهم بشعائر الإسلام الذى اعتنقوه منذ عهد غير طويل ، وقد أرسلت إليهم سفارة تحت رئاسة سوسن الرسى كان من أفرادها أحمد بن فضلان كفقيه ذى خبرة ؛ وعلى الرغم من عدم وجود أية معلومات عنه إلا أنه يحاول دائما فى «الرسالة» أن ينسب إلى نفسه الدور الرئيسى. هذا وقد غادرت السفارة بغداد فى الحادى عشر من صفر عام ٣٠٩ ه‍ ـ ٢١ يونيو ٩٢١ ووصلت إلى بلغار فى الثامن عشر من المحرم عام ٣١٠ ه‍ ـ ١٢ مايو ٩٢٢ ؛ وقد مرت فى طريقها بهمدان والرى ونيسابور ومرو وبخارى ، حيث التقى ابن فضلان فى سبتمبر من عام ٩٢١ بوزير السامانيين والعالم الجغرافى الشهير الجيهانى (٣٧). ثم ساروا مع نهر جيجون إلى خوارزم عند بحر آرال وعبروا صحراء أوست أورت ثم نهر يايق فوصلوا إلى حوض الفولجا. أما تأريخ وخط سير الرجعة فليس معروفا لدينا إذ أن خاتمة «الرسالة» قد امتدت إليها يد الضياع.

ومن الطبيعى أن يكون علماء الشمال هم أول من سبق إلى لفت أنظار الدوائر العلمية فى أوروبا إلى ابن فضلان ؛ وقد حدث ذلك فى الدنمارك وروسيا. وظلت رحلته معروفة لمدة طويلة عن ياقوت وحده الذى حفظ لنا جزءا كبيرا منها فى معجمه الجغرافى ؛ ثم أفرد لها المستشرق الروسى فرين Fra؟hn بحثا رائعا كان أشبه ببراعة الاستهلال فى تاريخ الاستعراب الروسى واستمر ثمانين عاما تقريبا لا يبزه شىء بل وحفز إلى ظهور عدد من الأبحاث بأقلام ممثلى مختلف الاتجاهات العلمية ، احتل من بينها مكانة مرموقة أبحاث روزن وبارتولد. وقد أدى الكشف عن مخطوطة مشهد فى السنوات العشرينيات من هذا القرن إلى اتساع المادة عن ابن فضلان بشكل ملحوظ ، وإذا صرفنا النظر عن خاتمتها المفقودة فإن هذه المخطوطة الأخيرة تمكننا لأول مرة من الحكم على الرسالة فى صورتها الكاملة. ولم تلبث دراسة ابن فضلان أن دخلت فى طور جديد بفضل البحث الذى قام به كوفاليفسكى A.P.Kovalevski (١٩٣٩) (٣٨) ؛ ومن المستحيل بالطبع الجزم بأن جميع المسائل المتعلقة بمتن الرسالة قد حلت نهائيا ، بيد أن وجود مخطوطة مشهد سيمنع على أية حال من تكرار مثل تلك الأخطاء التى تسربت إلى مؤلفات هنغ Hennig الذى ينسب دائما إلى ابن فضلان روايات المؤلف الفارسى عوفى الذى عاش فى أوائل القرن الثالث عشر (١) (٣٩).

وعلى الرغم من ندرة المعلومات عن شخص ابن فضلان إلا أنه لم يقم هنالك أدنى ريب حول صحة نسبة الرسالة إليه. وإذا كان البعض قد أبدى ارتيابه من وقت لآخر بشأنها ، كما فعل عالم الآثار اسبتزن Spitzin ، فإن ذلك يمس فى العادة بعض التفاصيل ولا يثبت على محل النقد الدقيق. ويختلف الأمر بالنسبة لرحلة أخرى خرجت من عاصمة السامانيين بخارى متجهة صوب الشرق والجنوب وهى تنسب

__________________

(*) نشر أحد العلماء السوريين طبعة جديدة لرحلة ابن فضلان بدمشق عام ١٩٥٩ ؛ كما وأن كوفالفسكى أخرج بحثا جديدا حول موضوع الرسالة. (المترجم)

١٨٧

إلى أبى دلف الينبعى الخزرجى. ورغما عن وجود بعض المعلومات عن المؤلف إلا أن الرحلة نفسها كانت هدفا للريبة والشكوك. وكما أن المؤلف قد عرف بكنيته فقد عرف أيضا باسمه مسعر بن المهلهل ، وهى أسماء واسعة الانتشار فى وسط الجزيرة العربية منذ أقدم العصور إلى أيامنا هذه وتشير إلى أصله العربى الصريح ؛ أما نسبة «الينبعى» و «الخزرجى» فتؤكد علاقته بميناء ينبع على البحر الأحمر وقبيلة الخزرج بالمدينة ؛ ويبدو أنه أحد الأدباء العديدين الذين مكنتهم وحدة الحضارة الإسلامية فى ذلك العصر من القيام برحلات عريضة. ويظهر أن الأقدار قد بعثت به كشاعر مدّاح متجول إلى بلاط نصر الثانى ابن أحمد السامانى (٣٠١ ه‍ ـ ٣٣١ ه‍ ـ ٩١٤ ـ ٩٤٣) ، وهو نفس الحاكم الذى سافر ابن فضلان فى عهده إلى البلغار. وفى أواخر أيام حكمه وصلت إلى بخارى سفارة من الصين حوالى عام ٣٣١ ه‍ ـ ٩٤٢ فاغتنم أبو دلف الفرصة وصحبها فى طريق العودة فعبر تركستان الغربية وتركستان الشرقيةSinkiang والتبت ودخل الصين عن طريق غير معروف (٤٠) ، ثم غادرها إلى الهند ومن هناك رجع إلى بلاد الإسلام عن طريق سجستان. ونلتقى به عقب ذلك فى بلاط الوزير البويهى الأديب المشهور الصاحب اسماعيل بن عباد (توفى عام ٣٨٥ ه‍ ـ ٩٥٥) ، وهناك وضع «القصبدة الساسانية» الغربية. وهى فى لغة ومكائد الشطار والصعاليك الذين اتخذوا لأنفسهم فى ذلك العصر اسم «الساسانيين» الرفيع (١). وفى نفس تلك الأعوام وضع رسالته الثانية فى وصف مشاهد أذربيجان وأرمينيا وإيران مما سيأتى الكلام عنه فى موضعه. وربما كان الصاحب بن عباد هو الذى شجعه على وضعها ، إلا أن أبا دلف أهدى النسخة الأولى منها إلى أولئك الذين سبقت أيديهم عليه من قبل فى ما وراء النهر والذين لم يقطع صلاته بهم فيما يبدو ، أعنى السامانيين.

ولم يكن وصف رحلة أبى دلف معروفا معرفة مباشرة حتى الآونة الأخيرة. وإحدى الخدمات العديدة التى طوق بها ياقوت أعناق العلماء هى حفظه لشذرات كبيرة منه ، كما تقل منه أيضا معاصره الأصغر الكوزموغرافى القزوينى الذى يفتقر إلى الدقة كما هو ديدنه دائما. وفى وقت واحد انصرف إلى دراسة الرسالة كل من قستنفلد (١٨٤٢) وشلوزرSchlo؟zer (١٨٤٤). وقام الأخير بطبعها وترجمتها إلى الألمانية ، مما أعتبر مجهودا محمودا بالنسبة لذلك العصر ؛ وشارك فى ذلك المستشرق فرين مشاركة فعالة. هذا ويرجع أول بحث جدى عن أبى دلف إلى العلامة الروسى غريغوريف V.V.Grigoriev (١٨٧٢) ، كما يعتبر البحث الذى قام به المستشرق روزن (٤١) ، وهو لمّا يزل طالبا بعد ، خطوة إلى الأمام فى دراسة الموضوع. غير أن النتائج التى خرج بها غريغوريف لا تبعث على الاطمئنان ، فهو يجد عند أبى دلف «خلطا لا مثيل له فى العرض» (٤٢) ويعتقد أن «القصة لا تقوم على أساس من

__________________

(*) عن استعمال تلك الفئة لاسم «ساسان» الرفيع راجع مقال كرامرس Kramers فى دائرة المعارف الإسلامية واستدرك عليه بتعليق الإمام الشيخ محمد عبده فى شرحه لمقامات الهمذانى (المقامة الساسانية). (المترجم)

١٨٨

الواقع بل هى جمع لشتات ما قرأه وسمعه من آخرين (٤٣)». وهذه الآراء قد رددها غريغوريف دون تعديل فى المؤتمر الدولى الثالث عشر للمستشرقين الذى عقد ببطرسبورغ فى عام ١٨٧٦ (٤٤) ؛ وقد ظلت تلك هى وجهة النظر السائدة إلى أيامنا هذه. وقد قام ماركفارت بدراسة خط سير أبى دلف إلى عاصمة الصين (١٩٠٣) (٤٥) ؛ ورغما من أن بارتولد قد أماط اللثام فيما يتعلق بإحدى تحقيقات ماركفارت عن مدى الخطورة التى تكمن فى طيات فروضه إلا أنه عاد فاعترف بأن قصة الرحلة «مدلسة» («قصة أسفاره التى لا شك أنها مدلسة») ، واختتم كلامه بقوله «ومادامت قصة السفارة لا يسندها مصدر آخر يوكد صحتها فسيظل محتاجا إلى جواب شاف مدى ارتباط هذه الرحلة ودوافعها بواقع الأحوال التاريخية» (٤٦). وإلى نفس هذه النتائج بالتقريب انتهى أحد البحاثه المتأخرين ممن عالجوا هذا الأثر وهو مينورسكى (١٩٦٧) ، فهو يرى فى الرحلة سلسلة من الوقائع التى لا يربط بينها شىء ، بعضها حقيقى وبعضها من نسيج الخيال (٤٧) ، أما وصف طريق الرحلة فيرى فيه خلطا وتعقيدا شديدين ويعتبره خلوا من أية قيمة عملية (٤٨) بحيث يضحى من الأفضل أن يؤخذ هذا الأثر بوصفه خلاصة للتصورات الجغرافية التى كانت سائدة فى شرقى العالم الإسلامى آنذاك عن الصين وآسيا الوسطى والهند ، يعرضها أبو دلف عرضا يفتقر إلى الدقة والمهارة أضف إلى هذا أن نسبتها إليه تعتمد على مجرد افتراض.

غير أن لهذه المسألة جانبا آخر أشبه ما عليه الأمر مع سلام الترجمان الذى مر ذكره يمنعنا من قبول ذلك الحل قبولا نهائيا : ذلكم أن رحلة أبى دلف إلى الصين واقعة حقيقية لا شك فيها. وتلك القصص الواردة على لسانه فى «الفهرست (٤٩)» ، وهو مصدر معاصر له تقريبا ، تحمل جميع الدلائل على رجحان حدوثها ولم تترك أدنى شك لدى خبير بالموضوع مثل فيران (١٩١٣) (٥٠). هذا ويلاحظ أن روسكاRuska ، الخبير الكبير فى تاريخ العلوم الدقيقة عند العرب ، يلفت النظر إلى أن قصة تسلق أبى دلف لجبل دماوند (دنباوند) (١) التى حفظها لنا القزوينى تمثل شيئا طريفا للغاية وأن اهتمامه بظواهر الطبيعة يضطرنا إلى الوقوف موقف الاطمئنان من رواياته والبعد بها عن مواطن الرّيب الواهية (٥١).

هذا الفارق فى التقدير الإيجابى للكاتب والتقدير السلبى للقصة المرتبطة برحلته من بخارى قد اضطر الباحثين إلى ترك الباب مفتوحا فيما يتعلق بمدى صحة نسبتها إليه لحين الحصول على معلومات جديدة ؛ وهو نفس الرأى الذى نادى به بارتولد وذلك عند تقييمه لمادة الرسالة من وجهة نظر التاريخ. وأول خطوة فى هذا السبيل كانت الدراسة الدقيقة لمسودة مصنف أبى دلف التى حفظتها لنا مخطوطة مشهد فى شكل رسالتين منفصلتين ؛ وهى نفس المخطوطة التى تضم قسما من مصنف ابن الفقيه وأيضا رسالة ابن فضلان. وبالرغم من أن الترجمة والبحث الذى قام به رور زاورRohr ـ Sauer (١٩٣٩) (٥٢) لا يمكن اعتباره بأية حال من الأحوال دراسة شاملة إلا أنه قد تمخض عنه عدد من الاعتبارات الجديدة ،

__________________

(*) جبل دماوندDemavend قرب طهران وفى القاموس «دنباوند والعامة تقول دماوند». (المترجم)

١٨٩

ذات طابع خاص وعام. فقد وضح أنه لا أساس للقول بأن الرحلة من نسج الخيال (٥٣) ، إذ ثبت مثلا صحة المعلومات التى أوردها عن والى سجستان فى ذلك العهد ، وكان العلماء يرفضون الاعتراف بصحتها منذ أيام غريغورييف (٥٤). وبعض التفاصيل المتعلقة بزيارته للصين وجدت توكيدها فى وصف السفارة المتأخرة التى بعث بها شاهرخ (٥٥) إلى تلك البلاد ، كما تم الاعتراف بدقة ملاحظة أبى دلف فى محيط الظواهر الطبيعية والتاريخية. وفيما عدا هذا فيمكن القول الآن وبصفة قاطعة أنه قد ثبت أن روايته لا تمثل يوميات أو وصفا للطريق بل تم تدوينها من الذاكرة وبعد مدة طويلة من حدوث الرحلة على ما يظهر ومع عدم مراعاة التسلسل التاريخى حين الكلام على زيارته للقبائل والأماكن المختلفة ؛ وإلى جانب ما شاهده بعينى رأسه أضاف أبو دلف غير قليل مما سمع ولم يفرّق بين الاثنين (٥٦). والخلاصة أنه لا توجد أدلة قاطعة تثبت أن الوصف لم يعتمد على رحلة واقعية أو أنه لم يكن سوى مجموعة من القصص المنسوبة إلى أبى دلف (١) (٥٧).

هذا وقد وصل الرحالة العرب إلى أوروبا لا من ناحية المشرق وحده بل من المغرب كذلك. ولدينا فى ذلك أثر ممتاز هو مصنف إبراهيم بن يعقوب الذى حفظ لنا جزءا منه الجغرافى والأديب الأندلسى للقرن الحادى عشر البكرى ، وأيضا كوزموغرافى القرن الثالث عشر القزوينى. وإبراهيم بن يعقوب عالم أندمسى يهودى كان يشتغل بتجارة الرقيق وقد جال فى جنوب ألمانيا فى عام ٩٦٥ وقابل الإمبراطور أوتوOtto فى مجد برج Magdeburg (٥٨) وحفظ لنا معلومات واسعة عن إمارات الصقالبة فى أوروبا الوسطى فى ذلك العصر ، ويحدثنا عن أربعة منها هى بلغاريا وبولندا والتشك وإمارة ناكون الأبدريتى Nakon of Obdorites. كما يورد تفاصيل وافية عن بعض المدن الساحلية أو القريبة من الساحل بفرنسا وهولندا وألمانيا ، ومن الطبيعى أن يجتذب مصدر هام فريد فى نوعه كهذا اهتماما خاصا من جانب العلماء الألمان والسلاف الذين ندين لهم قبل غيرهم بأبحاث كثيرة ومتنوعة عن ابراهيم.

وجميع هذه الأبحاث تعتمد على كتاب كونيك وروزن (١٨٧٨ ـ ١٩٠٣) ، الذى بقى إلى الآن أفضل بحث فى هذا الموضوع. ويشمل الجزء الأول (٥٩) من هذا البحث نص وترجمة جميع ما حفظه لنا البكرى من رواية إبراهيم فى كتابه «المسالك والممالك» ، وذلك اعتمادا على المخطوطتين المعروفتين آنذاك (إحداهما للمستشرق الإسبانى غايانغوس Gayangos والأخرى موجودة بالقسطنطينية). وتمثل الأبحاث العديدة التى قام بها جورج ياكوب G.Jacob ابتداء من عام ١٨٨٩ خطوة إلى الأمام فى دراستها ، وكذلك أبحاث فستبرج F.Vestberg التى ترجع إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين. والميزة الكبرى لياكوب ، إلى جانب نحليله العميق للمادة ، هى دراسته المنظمة لما حفظه لنا القزوينى عن إبراهيم وإفادته من مخطوطة جديدة للبكرى كشف عنها لاندبرج Landberg.

__________________

(*) ظهرت طبعتان للرسالة الثانية لأبى دلف فى الآونة الأخيرة ، إحداهما لمينورسكى (القاهرة ١٩٥٥) والأخرى لمستشرقين سوفيتين هما بلغاكوف وخالدوف (موسكو ١٩٦٠). (المترجم)

١٩٠

هذا وقد أدت المقارنة بين القزوينى والبكرى إلى ظهور فكرة معقدة لدى ياكوب عن وجود شخصيتين عربيتين زارتا ألمانيا ، وهو ما يسمى بفرض (hypothesis) «إبراهيم ـ الطرطوشى» الذى أصر عليه ياكوب أكثر من مرة خلال اثنين وأربعين عاما (٦٠) ، رغما عن أنه قد جر أحيانا إلى اعتراضات شديدة بسبب غرابته ومجافاته للواقع. وجوهر فكرة ياكوب يمكن إيجازه فيما يلى (٦١) :

فى وقت واحد بالتقريب وعلى حدة وجه الحكام العرب سفارتين إلى بلاط أوتو الأول ، إحداهما بعث بها الفاطميون من شمال أفريقيا بطريق البحر إلى إيطاليا فجنوب ألمانيا. أما الثانية وهى سفارة خليفة قرطبة فقد بدأت سيرها من أسبانيا وسارت فى محاذاة الأطلنطى وبحر الشمال مارة فى طريقها على بوردو وروان وأوترخت ، تم عبرت شلزفيج إلى بادربورن وسست وفلدا إلى ماينز. وقد اشترك فى هاتين الرحلتين شخصيتان تركت كل منهما وصفا لرحلتها ، ويحمل كل منهما اسم إبراهيم بطريق الصدفة. فالسفارة التى خرجت من أفريقيا صحبها إبراهيم بن يعقوب وهو يهودى مغربى ، بينما صحب سفارة قرطبة إبراهيم بن أحمد الطرطوشى. وقد استقبل أوتو الأول كلا السفارتين فى عام ٩٦٥ بمجدبرج واستمع كلا الرجلين إلى حديث الإمبراطور عن أقطار أوروبا الوسطى. وعند عودتهما دوّن كل منهما انطباعاته وما سمعه عن الإمبراطور. وعلى هذا الأساس يمكن تفسير اتفاقهما فى تفاصيل القصة.

ورغما عما يحيط بهذا الفرض من التكلف والصنعة فإنه يقوم على أساس الاختلاف فى أسمى الرجلين كما ورد فى الشذور المتبقاة والتى باستثناء هذا تتفق فى فحواها. والبكرى يدعوه عادة إبراهيم بن يعقوب ، بينما يدعوه القزوينى بالطرطوشى ، ولكن يرد لديه مرة فى صورة «إبراهيم بن أحمد». ومن هذه الصورة الأخيرة يتضح أنه مسلم وليس يهوديا ، الأمر الذى لا يرتقى إليه الشك فيما يتعلق بمصدر البكرى (٦٢). هذه المسألة المعقدة قد حلها العالم البولندى كوفالسكى Kovaleski فوضع بذلك حدا نهائيا «لفرض» ياكوب (٦٣).

فعلى مدى الأعوام الطويلة التى قضاها كوفالسكى فى تحضير طبعة جديدة لرسالة إبراهيم بن يعقوب (٦٤) أمكنه أن يفيد كثيرا من مخطوطة لكتاب البكرى كان قد تم الكشف عنها حديثا فى مراكش ؛ وقد وضح أن هذه المخطوطة ليست فى الواقع بذات قيمة كبيرة وأنها لا تخلو من العيوب ، فضلا عن أنه ينقصها القسم من رواية إبراهيم الخاص بالصقالبة. إلا أنها فى مقابل هذا تحمل الاسم الكامل للرحالة على شكل «إبراهيم بن يعقوب الإسرائيلى الطرطوشى» (٦٥) بحيث أصبح من اليسير إثبات أن الاسمين السابقين إنما هما فى حقيقتهما لشخص واحد. ومما يوكد صحة هذا أنه قد تم فى الأعوام الأخيرة نشر عدد من الآثار الهامة فى محيط الأدب العربى الأندلسى التاريخى منه والجغرافى ، وأنه فى أحد هذه الآثار وهو من تأليف عبد المنعم الحميرى ، أحد رجالات القرنين الثالث عشر والرابع عشر ، نلتقى بذات الوصف لمدينة لورقه Lorca بأسبانيا الذى ينسبه القزوينى إلى إبراهيم بن أحمد الطرطوشى مع اختلاف جوهرى هو أن

١٩١

اسم أحمد هذا لا وجود له فى رواية الحميرى ، ومن ثم فإنه يجب أن يؤخذ ذلك بوصفه سهوا إمّا من القزوينى نفسه أو من أحد النساخ. وبهذا يزول اللبس والغموض الذى أحاط بتحديد شخصية المؤلف. ومما يدعم هذا أن المخطوطة المراكشية الجديدة للبكرى التى تنقصها رواية ابراهيم عن الصقالبة قد وردت بها فى مقابل ذلك عدة مقتطفات فى وصف الأندلس غير موجودة بالمخطوطات الأخرى ويظهر فيها اسم إبراهيم بن يعقوب بصفته حجة ثقة فى مسائل أسبانيا النصرانية ، كما ترد فيها أيضا إشارة عابرة إلى محادثة له مع «قيصر الروم» (٦٦). ولا شك أن المقصود بهذا هو الإمبراطور أوتو الذى وردت الإشارة إليه فى القطعة المعروفة لنا عن الصقالبة (٦٧).

بذا يمكن القول بأنه قد ثبت بصفة قاطعة أنه قد عاش فى القرن العاشر رحالة عالم من الأندلس يدعى إبراهيم بن يعقوب اليهودى الطرطوشى نسبة إلى طرطوشةTortosa بالأندلس ؛ وهو لم يكن تاجرا فحسب كما كان يظن عنه إلى الآن ، بل كان من المحبين لاقتناء الكتب وخبيرا ماهرا بأنحاء أسبانيا وفرنسا وألمانيا وبلاد الصقالبة الغربيين (٦٨) كما كان شخصا مثقفا دقيق الملاحظة يستطيع قراءة النقود الكوفية ويعرف عن نصر بن أحمد السامانى وسمرقند النائية والتوابل التى تجلب من الهند (٦٩). أما وصف رحلته فلم يبق منه سوى شذرات عرفت منها الأقسام الخاصة بألمانيا والصقالبة وهى التى حفظها لنا العذرى والبكرى والقزوينى ، وانتقلت منهم إلى مؤلفين متأخرين مثل ابن سعيد الغرناطى وأبى الفداء والدمشقى وإلى الكاتبين التركيين سپاهى زاده والباكوى. ويبدو أن وصفه للأندلس الذى أماطت عنه اللثام المخطوطة المراكشية للبكرى ووجد أيضا لدى القزوينى والحميرى كان واسع الانتشار ؛ ومن الممكن أيضا أن ترجع إليه شذور عديدة فى نفس تلك الموضوعات عند المؤلفين الذين ذكرناهم ولكن لا توجد إشارة إلى مصدرها.

ومن الخطل الاعتقاد بأن رحلات العرب فى القرن العاشر قد اقتصرت على الشرق والشمال ؛ وسيرد الحديث عن الرحلات إلى الغرب فى الفصل القادم عند الكلام على ابن حوقل. وهناك احتمال بأن يكون الجنوب قد اجتذب أيضا بعض الاهتمام ولكن لم يصل إلينا عن ذلك إلا النزر اليسير ؛ وتمثل أهمية جوهرية فى هذا الصدد رحلة ابن سليم الأسوانى (٧٠) إلى بلاد النوبة حوالى عام ٣٦٥ ه‍ ـ ٩٧٥ ؛ وكان قد بعث به القائد الفاطمى جوهر الصقلى إلى ملك النوبة فى مهمة دبلوماسية ووضع كتابا بعنوان «كتاب أخبار النوبة والمقرّة وعلوه والبجه والنيل». وفيه وصف دقيق لكل النواحى التى رآها ولسكانها وقد حفظت لنا شذرات منه لدى المقريزى (٧١) وابن إياس (٧٢) ؛ ويمتاز وصفه للنيل بالكثير من الدقة على الرغم من أنه يخضع أحيانا لتأثير الرواية المنقولة التى تستتر وراء الملاحظة المباشرة. ويوشك هذا الوصف أن يكون هو الوصف الوحيد فى الأدب العربى للعصور الوسطى الذى يبين لنا المدى الذى وصلت إليه معرفة العرب بالمجرى الأعلى للنيل ، ولم يكن لروايته أى تأثير على المصنفات الجغرافية التالية فوصف الإدريسى

١٩٢

مثلا لمجرى النيل الأعلى يدل دلالة واضحة على مدى النقص الذى كان يعانيه ذلك المؤلف فى المصادر الموجودة تحت يده والتى لم تكن إلى جانب هذا واضحة له على الدوام (٧٣).

ومن الثابت أن ابن سليم الأسوانى لم يكن المثال الفريد للكاتب المغمور الذى أسدل عليه النسيان ستاره فى الأدب الجغرافى للقرن العاشر ، فإلى جانب كبار المؤلفين المعروفين لدينا جيدا والذين مر الكلام عليهم أو سيمر ، يوجد عدد غير قليل من الكتاب المجهولين الذين لم يعرف المسلمون عنهم لسبب ما سوى القليل ؛ وفوق ذلك فإن هناك ثلة لم تصل إلينا مؤلفاتهم أو أنها لا تزال فى طى المجهول. وعلى أية حال فإنه رغم افتقارنا إلى المادة فى صورتها التامة فيمكننا أن نقرر بكل اطمئنان أن القرن العاشر هو عصر الازدهار الخلاق للأدب الجغرافى العربى. وإنه لمما يسترعى النظر حقا ليس هو العدد الكبير من الكتاب المبرزين فحسب بل هو ظهور حركة جديدة يمكن أن يطلق عليها بجدارة اسم «المدرسة الكلاسيكية للجغرافيا العربية» ، وقد استمرت هذه الحركة لمدة نصف قرن من الزمان تخرج مجموعة من المصنفات يسودها طابع الوحدة والانسجام.

١٩٣

حواشى الفصل السادس

__________________

(١) ـ Kramers ,EI ,EB ,p.٧٦

(٢) ـ Markwart ,Streifzüge ,p.XXXV

(٣) ـ Brockelmann, GAL, I, p, ٣٤١ ـ ٥٤١ No ٦, SBI, p. ٠٢٢ ـ ١٢٢

(٤) لا يزال العنوان يترجم أحيانا إلى الآن فى اللغات الأوروبية :» golden meadows «بالرغم من أن جلدمايسترGildemeister قد بين منذ عام ١٨٤٤ خطأ ذلك (Gildemeister WZKM ,V ,p.٢٠٢ ـ ٤٠٢)

(٥) المسعودى ، BGA ,VIII ، ص ٢ ـ ٧

(٦) ـ Renan ,Me؟langes d\'histoire p.٣٥٢ ـ ٥٧٢

(٧) ـ Charmoy ,Relations de Masoudy

(٨) ـ Markwart ,Streifzüge ,p.٥٩ ـ ٠٦١

(٩) المسعودى ، المروج ، الجزء الثالث ، ص ٣٤.

Markwart, Streifzüge, p. ٥٤١

(١٠) ـ Kvalen, Norwegian Settlements, p. ٣٢ ـ Kvalen, Det norske gurdariki,

قارن : II ,١ ,p.٣٣ ,٤٤ ;Mzik ,WZKM ,٦٤ ,٩٣٩١ ,p.٧١٣

(١١) ـ Bartold ,SV ,I ,٠٤٩١

(١٢) المسعودى ، Nallino, Cosmos, XII, p. ٠٦ ـ BGA. VIII, p. ٢١, Carra de Vaux, Macodi, p. ٧١ ـ ٨١

(١٣) المسعودى Nallino Cosmos XII ـ BGA, VIII p. ٣٢ ـ ٤٢ ـ Carra de Vaux, Macoudi p. ٨٣ ـ ٦٣

(١٤) المسعودى ، BGA ,VIII ,p.٤٨٣ ص ٣٨٤ وص ٣٩٦

(١٥) ـ Sarton ,Introduction.I ,p.٨٣٦

(١٦) ـ Dozy ,Rechrches ,I ٣ ,p.٨٦١ ـ ٠٧١

(١٧) المسعودى ، BGA ,VIII ، ص ٧٥

(١٨) يوجد اختلاف حول الإسم : الفهرست ، ص ١٤٧ : ياقوت ، الإرشاد ، الجزء الأول ص ٢٩٦.

حيث يوجد : ابراهيم بن محمد الخ.

(١٩) المسعودى ، BGA ,VIII ، ص ٧٥

(٢٠) شرحه ، ص ٣٩٧ ـ ياقوت ، الإرشاد ، الجزء الأول ص ٢٩٧ ؛ راجع : Bartold ,IAN ,٨١٩١ p.٠٩٧

(٢١) الفهرست ، ص ١٤٧

(٢٢) ياقوت ، المعجم ، الجزء الأول ، ص ٧ ـ ياقوت ، الإرشاد ، الجزء الأول ص ٢٩٧.

١٩٤

__________________

(٢٣) المسعودى ، BGA ,VIII ، ص ٧٥ ـ ٧٧Carra de Vaux ,Macoudi ,p.٠١١ ـ ١١١ ,

(٢٤) القرآن ، ١٢ ٧٦

(٢٥) المسعودى ، المروج ، الجزء الثامن ، ص ٣٤ ـ ٣٥

(٢٦) ـ Kramers ,Legacy ,p.٧٨

(٢٧) شرحه ، ص ٨٨

(٢٨) ـ Carra de Vaux ,L\'Abre؟ge ?

(٢٩) شرحه ، ص XXX

(٣٠) شرحه ، ص XXXIII

(٣١) شرحه ، ص XXXI

(٣٢) شرحه ـ Broekelmann, GAL, I, p. ٥٣٣ ـ ٦٣٣, No ٥; p. ـ XXXIII SBI, p. ٤٧٥ ـ ٥٧٥

(٣٣) ـ Rosen ,Netices Sommaires ,p.٧٦١ ـ ٣٧١ ,NO ٠٢٢

(٣٤) ـ Carra de Vaux ,L\'Abre؟ge؟,p.XXXIV

(٣٥) راجع : ـ Brockelmann, GAL, SBII, p. ٦٢٠١, No ٧; Carra de Vaux, L\'Abrégép. XXVIII and XXXI

(٣٦) يذكر أصل الموجز تحت هذا العنوان حاجى خليفة ، الجزء الثانى ، ص ١٥٠ و ٦٤١ ، رقم ٤٢٧٢ :

الترجمة التركية بقلم يوسف بن نعمة الله الذى لا نعرف عنه كثيرا ؛ راجع :

Babinger GOW p. ١٢١ No ٥٠١

(٣٧) ـ Validi, lbn Fadlan, p. ٦ ـ M. J. Haschimi, Biruni p. ١٢, note ٢

(٣٨) [راجع طبعته الجديدة بخار كوف ، ١٩٥٦] ـ A.P.Kovalevski

(٣٩) p.٦١٢ ,٨١٢ ,١٢٢ ,٢٢٢ خاصة ـ Hennig ,II ,p.٥١٢ ـ ٠٢٢ ,

(٤٠) ـ Rohr ـ Sauer ,p.١٦

(٤١) ـ Krachkovski Dopolnenia p.١٧٢ ,٨ A

(٤٢) ـ Grigoriev ,Abu Dulaf ,p.٣

(٤٣) شرحه ، ص ١٩

(٤٤) ـ Grigoriev ,Trudy ,I ,p.XXXIX ,No ٢٢ ,LVII

(٤٥) ـ Markwari ,Streifzüge p.٤٧ ـ ٥٧

(٤٦) ـ Barthold ,Sandabil ,p.٨٥١

(٤٧) ـ Hudud ,p ٥٢٢

(٤٨) شرحه ، ص ٣٠٦

(٤٩) الفهرست ، ص ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، ٣٥٠ ـ ٣٥١

(٥٠) ـ Ferrand.Relations I ,p.٢٣١ ـ ٤٣١

١٩٥

__________________

(٥١) ـ Ruska ,GZ ,XXXIII ,p.١٩٥

(٥٢) ـ Rohr ـ Sauer

(٥٣) شرحه ، ص ٤١

(٥٤) شرحه ، ص ٤٢ ـ ٤٥

(٥٥) شرحه ، ص ٥٧

(٥٦) شرحه ، ص ٥٦ ، ٥٩ ، ٧٠ ـ ٧١

(٥٧) شرحه ٧١

(٥٨) ـ Jacob ,Studien ,IV ,p.٦٣١ ـ Henngi

(٥٩) ـ Kunik ,Rozen

(٦٠) ـ Jacob, Studien, IV, p. ٧٢١ ـ ٠٥١ ـ Jacob, Arab. Berichte, p. ١١ ـ ٨١

(٦١) ـ Kowalski ,Z hadan ,p.٤٣١

(٦٢) شرحه ، ص ١٣٥

(٦٣) شرحه ، ص ١٣٣ ـ ١٣٧

(٦٤) ـ Kowalski ,Z jazdy ,III ـ VI ,٤٣٩١ ,p.٣٦ ـ ٤٦

(٦٥) ـ Kowalski ,Z hadan ,p.٥٣١

(٦٦) تاريخ ٣٠٥ ه‍ ـ ٩١٧ عرضة للشك ـ Le؟vi ـ Provencal ,La Pe؟ninsule ,p.٦٠٢ ـ ٧٠٢

(٦٧) ـ Kowalski ,Zhadan ,p.٦٣١

(٦٨) شرحه ، ص ١٣٧

(٦٩) ـ Jacob ,Studien ,II ,p.٢٥

(٧٠) ـ Brockelmann ,GAL ,SBI ,p.٠١٤ ,No ٢١

(٧١) ـ Guest, El ـ Maqrisi, p. ٩٠١, ٥١١ ـ Quatremére,» Khitat «Al ـ Makrizi, Journal des Savants ٦٥٨١, p. ٧٢٣

(٧٢) ـ Arnold ,Chrestomathia ,p.٤٥ ,X

(٧٣) ـ Kramers ,Al ـ Nil ,p.٢٩٩

١٩٦

الفصل السابع

المدرسة الكلاسيكية لجغرافيى القرن العاشر

لعل الاهتمام الواسع بالموضوعات الجغرافية فى القرن العاشر يتضح بصورة أكثر جلاء من سلسلة المصنفات التى تعكس طراز «المسالك والممالك». وهذا النمط من المصنفات الجغرافية يرجع فى الأصل إلى وصف للعالم الإسلامى وضعه رجل أصله من بلخ وأخذه عنه وأضاف إليه عالم من ولاية فارس بإيران ؛ وعلى هذا الأخير اعتمد رحالة أصله من بغداد ولكنه عاش طويلا فى شمال أفريقيا (١) فصححه واستدرك عليه. وترتبط حلقات هذه السلسلة ببعضها البعض ارتباطا وثيقا ، ويندرج فيها من ناحية أو أخرى عدد من المصنفات المماثلة ؛ وهى لا تنفصل عن سلسلة الخارطات المرتبطة بها ابتداء من أول أثر معروف لنا وتخضع لنظام دقيق لم تجر فيه يد التبديل. ومن الطبيعى أن يكون تأثير هذه المجموعة الأصيلة كبيرا جدا ؛ ويوجد مبرر كاف لأن يطلق على ممثليها الذين يرتبطون فيما بينهم ارتباطا وثيقا اسم «المدرسة الكلاسيكية» للجغرافيا الإسلامية. كما يستحق أن يطلق على تلك السلسلة من الخارطات التى تستند عليها أساسا هذه المصنفات اسم «أطلس الإسلام» الذى يمثل أوج ما بلغته الكارتوغرافياCartography (فن رسم الخارطات الجغرافية) عند العرب (٢).

ولا تزال غير واضحة المعالم إلى الآن فى جميع تفاصيلها علاقة الحلقات الأساسية الثلاث ببعضها البعض ، على الرغم من أن دراستها قد سارت قدما إلى الآونة الأخيرة. وفى بداية السنوات السبعينات من القرن الماضى كتب دى خويه يقول «لعله لم يعرف خلط على الإطلاق أشد من الخلط الذى يرتبط بأسماء الجغرافيين العرب الثلاثة : أبى زيد البلخى والإصطخرى وابن حوقل» (٣). ومن الطبيعى أن يرجع الفضل الأكبر فى بدء دراسة هذه المسألة إلى دى خويه نفسه ، فهو الذى بطبعه للكتابين المعروفين لنا من هذه المجموعة ، وذلك اعتمادا على المخطوطات المعروفة لعصره ، بدأ السلسلة المشهورة «مكتبة الجغرافيين العرب» Bibliotheca Geographorum Arabicorum ؛ كما وأنه حاول فى بحث خاص له أن يلقى ضوءا على طبيعة العلاقة بين المؤلفين الثلاثة. وقد اتسعت المادة دون انقطاع خلال السبعين عاما التى انقضت منذ ظهور ذلك البحث وبرز فى الآونة الأخيرة جانب منهجى هام لم يكن قد وضح تماما حينما نشر دى خويه سلسلته تلك ، ذلك هو وجوب دراسة المتن والخارطات جنبا إلى جنب عند مؤلفى هذه السلسلة دون أن يفصل بينهما فاصل لأن المؤلفين أنفسهم لم يفصلوا بين الاثنين : وقد أبدى نشاطا

١٩٧

فعالا فى هذا الصدد مواطن لدى خويه من المعاصرين لنا ، أعنى بهذا كرامرس Kramers الذى ندين له فى الأعوام الأخيرة نمجهود جبار فى إلقاء ضوء على هذه المسألة التى ما تزال على الرغم من كل ذلك مستعصبة على الحل.

ومما يزيد فى وعورة المسألة قلة المعلومات عن المؤلفين أنفسهم. فالمؤلف الأول ، أى الذى لم يصلنا كتابه بطريقة مباشرة ، هو الوحيد الذى توجد لدينا عنه بعض المعلومات الصحيحة. وعلى النقيض من ذلك الوضع مع المؤلفين الآخرين اللذين وصل إلينا مصنفاهما ، فإنه لم يمكن العثور إلى الآن على أية أخبار عنهما فى المصادر الموجودة بين أيدينا. والمصنف الذى تبدأ به هذه السلسلة ندين به إلى عالم معروف لعصره هو أبو زيد أحمد بن سهل البلخى الذى ولد حوالى عام ٢٣٥ ه‍ ـ ٨٥٠ بإحدى قرى بلخ وبدأ نشاطه كمعلم ثم اضطره الاهتمام بدراسة العلوم الشرعية إلى القيام برحلة إلى بغداد مركز الحضارة آنذاك فأقام بها ثمانى سنوات أدى فى خلالها على ما يبدو فريضة الحج ؛ ولم تلبث ميوله أن اتخذت اتجاها مغايرا لما كان عليه الحال فى شبابه فقد وقع تحت تأثير الفيلسوف المعروف الكندى (توفى بعد عام ٢٥٦ ه‍ ـ ٨٧٠) وأصبح من ألزم تلامذته به. وهكذا مر البلخى على نفس المدرسة التى مر بها السرخسى من قبل ، وهو أحد مؤلفى المصنفات الجغرافية المعروفين لنا. وعند رجوعه إلى بلخ لم يغادرها مرة أخرى واشتغل خاصة بمسائل الفلك والفلسفة كأستاذه الكندى وضعف لديه الاهتمام بعلوم الشريعة ، بل ثار الشك حينا فى صحة عقيدته. وقد حدث أن قامت بينه وبين الجيهانى الجغرافى وزير السامانيين علاقة وطيدة حتى نصحه الأخير بالمجىء إلى بخارى ولكنه امتنع. وشغل البلخى فترة من الزمن وظيفة كاتب لأمير بلخ أحمد بن سهل (حوالى عام ٣٠٧ ه‍ ـ ٩١٩ ـ ٩٢٠) الذى لم يحكم لوقت طويل ؛ وكان البلخى بوجه عام يعتبر نفسه عالما وأديبا من المشتغلين بالتأليف ؛ وارتبط اسمه بما يقرب من ستين مصنفا لا نعرف منها إلا أسماءها ، أو وجدت فى مخطوطات نادرة لم تفحص بعد. أما المصنف الضخم «كتاب البدء والتاريخ» الذى نسبه ناشره الأوروبى فى بداية الطبعة إلى البلخى نتيجة لسهو ساقته إليه بعض المصادر فقد وضح بالتالى أنه من وضع مؤلف عاش فى آخر القرن العاشر هو مطهر بن طاهر المقدسى.

وفى شيخوخته وذلك حوالى عام ٣٠٨ ه‍ ـ ٣٠٩ ه‍ ـ ٩٢٠ ـ ٩٢١ وضع البلخى مصنفه فى الجغرافيا الذى تختلف أسماؤه باختلاف المصادر ، فهو مرة «صور الأقاليم» وحينا «أشكال البلاد» وتارة «تقويم البلدان» ؛ وهذا التباين فى العنوان يدل على أن الكتاب لم يكن فيما يبدو معروفا فى صورته الأصلية حتى فى العهد القريب من عهد المؤلف. وهو يمثل شيئا أشبه بالأطلس مصحوبا ببعض التوضيحات ، ويمكن الحكم عليه من ألفاظ المقدسى الذى عاش بعد ذلك بنحو نصف قرن والذى لا تزال ألفاظه هذه مصدرنا الأساسى للتعريف بكتاب البلخى :

«وأما أبو زيد البلخى فإنه قصد بكتابه الأمثلة وصورة الأرض بعد ما قسمها على عشرين جزءا

١٩٨

ثم شرح كل مثال واختصر ولم يذكر الأسباب المفيدة ولا أوضح الأمور النافعة فى التفصيل والترتيب وترك كثيرا من أمّهات المدن فلم يذكرها وما دوّخ البلدان ولا وطئ الأعمال ألا ترى أن صاحب خراسان استدعاه إلى حضرته ليستعين به فلما بلع جيجون كتب إليه إن كنت استدعيتنى لما بلغك من صائب رأيى فإن رأيى يمنعنى من عبور هذا النهر ، فلما قرأ كتابه أمره بالخروج إلى بلخ» (٤).

ومن العسير بالطبع استخلاص أية تفصيلات من مثل هذا التحليل الموجز ؛ ويمكن فقط الإحاطة قليلا أو كثيرا بالشكل العام لكتاب البلخى من خلال التعديلات المتأخرة التى أدخلت عليه والتى يكتنف تاريخها غموض شديد. ومن الملاحظات التى أبداها المقدسى فى مواضع أخرى يمكن الوصول إلى أن أصل كتاب البلخى كان نادرا حتى فى عصره (٥) ؛ وعلى الرغم من معرفة ياقوت بوجوده إلا أنه يقتصر على الإشارة إلى الإصطخرى وحده تقريبا ، ولعله قد وجدت فى يده مسودة واحدة للكتاب (٦) فاعتبر أجزاء متفرقة منها فقط قديمة وترجع إلى البلخى. وقد ثبت بعد الفحص الدقيق أن بعض المخطوطات التى نسبت فى فهارس المخطوطات أو حتى فى الأصل إلى البلخى إنما تمثل فى الحقيقة مسودات لمصنف الإصطخرى أو ابن حوقل (٧).

وتوجد مادة غزيرة فى متناول اليد للحكم على المصنفين الأخيرين. فإلى جانب المخطوطات الفريدة التى اعتمد عليها دى خويه فى إعداد طبعته فقد شهدت الأعوام الأخيرة الكشف على ما لا يقل عن اثنتى عشرة مخطوطة (٨) باستنبول وحدها ، بعضها قديم جدا ؛ وكلها توكد ازدياد الحاجة إلى طبعة جديدة للأجزاء الأولى من «مكتبة الجغرافيين العرب». وعلى النقيض من وفرة المادة فيما يتعلق بالمخطوطات فإن معلوماتنا عن المؤلفين لا تزال شحيحة كما كان عليه الحال من قبل ، وعلى أية حال فأقل كثيرا مما هو الشأن مع البلخى. هذا ويمكن أن نستنبط من اسم الأول منهما وهو أبو إسحق الفارسى الإصطخرى أنه من إيران الوسطى ؛ ويتضح من مطالعة كتابه أنه قد سافر كثيرا فزار بلاد ما وراء النهر وإيران وجزيرة العرب والشام ومصر. وقد عنون كتابه على الطريقة القديمة «كتاب المسالك والممالك» وأنهى أول مسودة له وأبو زيد البلخى على قيد الحياة وذلك حوالى عام ٣١٨ ه‍ ـ ٣٢١ ه‍ ـ ٩٣٠ ـ ٩٣٣ ، غير أن كتابه قد انتشر فى الشرق بوجه خاص على هيئة طوامير ترتفع إلى المسودة التى عملت حوالى عام ٣٤٠ ه‍ ـ ٩٥٠ (١).

والإصطخرى كغيره من جغرافيى هذه المدرسة يقتصر على وصف العالم الإسلامى وحده مقسما إياه إلى عشربن إقليما ، لا بالمعنى المعروف لنا عن الأقاليم كأحزمة عريضة تضم عددا من درجات العرض (Klimata) ، بل كمناطق جغرافية واسعة أو ولايات (Regions). ويلى الكلام العام عن «الربع المعمور» وأبعاده وعن البحار وصف جزيرة العرب وبحر فارس (مع المحيط الهندى) والمغرب (مع

__________________

(*) ظهرت طبعة جديدة لكتاب الإصطخرى بالقاهرة منذ وقت قصير. (المترجم)

١٩٩

الأندلس وصقلية) ومصر والشام وبحر الروم والجزيرة والعراق وإيران الجنوبية والهند وإيران الوسطى والشمالية (مع أرمينيا وأذربيجان وبحر الخزر) ، ويختتم كلامه بوصف بلاد ما وراء النهر (٩). ويورد الإصطخرى عن كل قطر معلومات عن الحدود والمدن والمسافات وطرق المواصلات ويروى تفاصيل متفرقة عن الحاصلات والتجارة والصناعة وعن الأجناس. ومعظم التفاصيل تتعلق بالبلاد التى زارها ولكن قد يحدث أحيانا أن بكون للاوصاف الموجزة أهمية خاصة ، وقد لاحظ أمارى Amari مثلا أنه «يذكر القليل عن صقلية ولكن ما أورده جوهرى للغاية» (١٠) ؛ ويصدق هذا القول على ما ذكره عن جزيرة القلال بالبحر الأبيض المتوسط وهى ليست بعيدة عن سواحل فرانسا والمرجح أنها جزيرة فراكسينيتم Fraxinetum ، وقد احتلها العرب بين عامى ٨٨٩ و ٩٧٢ (١١). ومعلوماته عن الصقالبة رغم تناثرها وقلتها لا تخلو من بعض القيمة. ويمكن القول بأن المحاولة التى قام بها هركفى Harkavi لجمع شتات هذه المادة ومقارنتها ببعضها البعض ، وذلك قبل ظهور طبعة دى خويه ، قد عفى عليها الزمن ؛ وعلى النقيض من هذا لا تزال تتمتع ببعض الأهمية مقالة المستشرق التشيكى دفورجاك Dvorak (١٨٨٩) رغما من افتقارها إلى التحليل الضرورى. وقد وضعت رواية الإصطخرى عن الخزر أمام المؤرخين صعوبات جمة إذ أنه جمع فيها دون فائدة تذكر بين روايتين مختلفتين كما حاول أن يثبت ذلك العلامة الهنغارى كموشكو Kmoshko (١٩٢١) (١٢). غير أن هذه المشكلة قد حلت بعض الشىء عقب العثور على النص الأكمل لابن فضلان حيث اتضح أن القسم الخاص بالخزر الذى ينسبه ياقوت إلى ابن فضلان إنما هو فى الواقع للإصطخرى.

وكان لكتاب الاصطخرى تأثير كبير لم يقف عند حد الأدب العربى وحده ، فللكتاب عدد من الترجمات الفارسية ترتفع فى العادة إلى المسودة الأولى للكتاب مما دعا إلى ظهور الرأى القائل بأن الإصطخرى قد كتب فى الأصل باللغة الفارسية (١٣). ويمتد هذا التأثير من الناحية الزمنية إلى وقت طويل ، فعندما حصلت مكتبة شاهرخ فى القرن الخامس عشر على الأصل العربى للإصطخرى حفز ذلك حافظ آبرو إلى وضع مصنفه الجغرافى (١٤) ؛ أما الترجمة التركية للإصطخرى فترجع إلى عهد السلطان محمد الثالث فى حوالى عام ١٥٩٦ (١٥).

وأما فى الوسط العربى فقد أكمل عمل الإصطخرى معاصره الأصغر منه سنا أبو القاسم ابن حوقل الذى نعرف عنه إلى حد ما أكثر من سابقه. ومن اسمه يمكن أن ندرك أنه من مدينة نصيبين بالجزيرة ، كما يتضح من خلال ألفاظه أنه بدأ تجواله من بغداد فى رمضان عام ٣٣١ ه‍ ـ مايو ٩٤٣ (١٦) متخذا التجارة مهنة له ، ولكنه ربما كان فى الحقيقة داعيا سياسيا. وقد انتظم تجواله أفريقيا الشمالية والأندلس ، وزار نابلى وبالبرمو وعرف عن كتب العراق وإيران وجزءا من الهند. وقد ظهر الاهتمام بالجغرافيا لديه مبكرا ، ومما حفزه إلى ذلك مقابلته للإصطخرى عام ٣٤٠ ه‍ ـ ٩٥١ ـ ٩٥٢ التى يرويها فيما يلى :

٢٠٠