تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي

تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

المؤلف:

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي


المترجم: صلاح الدين عثمان هاشم
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: لجنة التأليف والترجمة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٩

بوصف «المسالك والممالك» وصلتها الوثيقة «بأطلس الإسلام» الذى يمثل قمة الكارتوغرافيا (Cartography) عند العرب ، أى فن رسم المصورات الجغرافية أو الخارطات. هذا وقد اكتسب تبسيط المصنفات وتقريبها إلى الجمهور انتشارا واسعا وتزايد الاهتمام بالجانب الفنى نتيجة للمطالب المتزايدة لجمهرة المثقفين ، كما تكيف تبعا لهذا وصف الرحلات فأضحى أكثر تنوعا فى منهجه. ويمكن القول بوجه عام بأن القرن العاشر قد عمل على تدعيم الأنماط والفنون المذكورة للمصنفات الجغرافية. ومنذ القرن الحادى عشر ، وعلى الأخص فى القرن الثانى عشر ، انضمت إليها شيئا فشيئا مصادر من نوع جديد ـ أعنى المعاجم الجغرافية والأوصاف العامة لجميع العالم سمائه وأرضه ؛ وهى ضروب من الكوزموغرافيا فريدة فى نوعها. وقد أفردت للجغرافيا مكانة بارزة فى الموسوعات التى صنفت بمصر أيام المماليك بحيث تركت أحيانا أثرها على الكتاب بأجمعه. بهذا ينتهى الطور الخلّاق فى الأدب الجغرافى العربى الذى أصابه العقم بعد ذلك فلم ينتج أى صور جديدة بل اكتفى بتقليد الأنماط السابقة فيما عدا بعض التعديلات فى مضمونها ليتفق مع مقتضيات كل عصر. ورغم هذا فإنه لم يتضاءل من ناحية الكم حتى فى عهد السيادة التركية على البلاد العربية.

لقد قدر العلم الأوروبى منذ البداية ميزات الأدب الجغرافى العربى ؛ وإذا ما حدث وأن وجّه إلى المستعربين ـ شأنهم فى هذا شأن جميع المتخصصين ـ تهمة التحيز لموضوع دراستهم ، فإنه لمن الدلالة الخاصة فى هذا الصدد مقارنة موقف الغربيين من المؤرخين العرب ، الذين كانوا فى كثير من الأحايين جغرافيين أيضا. فمنذ بداية الثمانينيات من القرن التاسع عشر ، أى عندما كان ذلك الأدب أبعد من أن يكون معروفا فى حجمه الحالى ، كتب مؤرخ الحروب الصليبية پروتز (Prutz) يقول : «ليس فى وسع الأدب الأوروبى لذلك العهد أن يقدم مثالا يفضل مؤلفاتهم ، ويكفى فى هذا الشأن تصفح ما خلفه المؤرخون العرب ومقارنة ذلك بأحسن ما أنتجه فن التاريخ فى أوروبا ليبدو لأول وهلة ودون تردد أين يكمن الفهم والإحساس التاريخى والوعى السياسى والذوق فى الشكل والفن فى العرض» (٩) :

وسننتهى إلى نتيجة ليست بأقل طرافة من هذه إذا مما قارنا مجهود العرب فى مجال الجغرافيا العلمية بما خلفه السريان السابقون لهم والذين أقاموا أحيانا فى نفس المناطق التى احتلها العرب فيما بعد. فهؤلاء أيضا قد نشأت الجغرافيا عندهم معتمدة على أساس المصنفات اليونانية التى عرفوها فى عهد مبكر ، وبارديصان (١٠) المتوفى حوالى عام ٢٢٢ من الميلاد يتحدث عن تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم ، كما تمت حوالى عام ٥٥٥ م ترجمة كتاب بطلميوس المعروف باسم «اسكاريفوس تيس أو يكومينيس» الذى ربما لم يخل من تأثير على العرب. وقد أضيف إليه ذيل هام ولكن التطور لم يتعد ذلك (١١). بل إن أكبر كمية من المعلومات فى الجغرافيا الفلكية للعهد السابق للعرب والتى حفظها لنا فى القرن السابع يعقوب الرهاوى (١٢) فى مصنفه «هيكساميرون» Hexameron تكاد تعتمد أساسا على بطلميوس وذلك إلى جانب الثقة المطلقة فى النظريات العلمية

٢١

اليونانية ؛ ومن الغريب أن هذا المؤلف قد اعتمد على المصادر اليونانية حتى فيما يتعلق بسوريا وبموطنه أرض الجزيرة الأمر الذى اضطر بحاثة قام بدراسة مصنفه من وجهة النظر الجغرافية الصرفة إلى الاعتراف فى خاتمة بحثه بأنه «من العبث البحث فى مصنفه عما من شأنه الإسهام فى تاريخ علم الجغرافيا». وقد أثبت أحد المتخصصين فى الدراسات السريانية ، وذلك فى بحث له عن نشأة الأدب الجغرافى بين ظهرانيهم ، أنه من العسير القول بوجود مصنفات ذات أهمية فى وصف البلدان والشعوب لدى السريان (١٣). وفى الواقع أن اللغة السريانية لم تحفظ لنا أى مصنف كبير فى الجغرافيا ، هذا إذا أشحنا النظر عن كتاب «اسكاريفوس» الذى مر ذكره آنفا وعن بعض المعلومات المتعلقة بتحديد الموقع الفلكى لمواضع مختلفة بهدف وضع مصور جغرافى. إن الجغرافيين العرب وحدهم هم الذين ذللوا الطريق لدراسة المادة الجغرافية الهائلة التى أورثها اليونان للعصور الوسطى. وليس أقل مغزى من هذا أنه لم يصلنا عن العهد السابق للمصنفات الجغرافية العربية وصف واحد لرحلة ما باللغة السريانية بالرغم من أن محيط أسفارهم قد شمل القسطنطينية وبيت المقدس والإسكندرية (١٤). أما المصنفات السريانية المتأخرة فى الجغرافيا فقد اعتمدت اعتمادا تاما على العلم العربى ويمكن أن تمثل بعض الأهمية كجزء متمم له وذلك فى تحليل فترات معينة من تاريخه (١٥).

ويمكن القول بأنه قد وضح حاليا لدى العلماء الأوروبيين بجلاء أن الأهمية الأساسية للأدب الجغرافى العربى تستند على ما أسهم به من مادة جغرافية جديدة لا على النظريات التى اعتنقها. ويجب منذ البداية ملاحظة الاتساع الهائل فى مدى المعلومات الجغرافية لدى العرب عند مقارنة ذلك بما عرفه العالم القديم ، فقد عرف العرب أوروبا بأجمعها باستثناء أقصى شماليها ، وعرفوا النصف الجنوبى من آسيا كما عرفوا أفريقيا الشمالية إلى خط عرض ١٠ درجات شمالا وساحل أفريقيا الشرقى إلى رأس كرينتس قرب مدار الجدى (١٦). وترك لنا العرب وصفا مفصلا لجميع البلدان من أسبانيا غربا إلى تركستان ومصب السند شرقا مع وصف دقيق لجميع النقاط المأهولة وللمناطق المزروعة والصحارى وبينوا مدى انتشار النباتات المزروعة وأماكن وجود المعادن. ولم يجتذب اهتمامهم الجغرافيا الطبيعية أو الظروف المناخية فحسب بل أيضا الحياة الاجتماعية والصناعة والزراعة واللغة والتعاليم الدينية. كما لم تقتصر معرفتهم على بلاد الإسلام وحدها بل تجاوزت بصورة ملحوظة حدود العالم كما عرفه اليونان. ومعرفة الأخيرين بالبلاد الواقعة إلى الشرق من بحر قزوين كانت ناقصة ، كما لم تكن لديهم أية فكرة عن الساحل الشرقى لآسيا إلى الشمال من الهند الصينية. هذا بينما عرف العرب طريق اليابس الذى يرتفع إلى أعالى نهر ارتيش ونهر ينسى ، وعرفوا سواحل آسيا إلى كوريا شمالا. ولا يزال موضع شك معرفتهم المباشرة باليابان ولو أن ذكرها ظهر فى الآونة الأخيرة على مصور جغرافى وضعه لغوى تركى ببغداد فى القرن الحادى عشر ، ومن المحتمل أنه قد حصل على معلومات بشأنها

٢٢

فى آسيا الوسطى التى عرفها جيدا ؛ أما عن طريق البحر فمن الثابت أن العرب لم يبلغوا اليابان.

وفيما يتعلق بأفريقيا فإن أول مرة يظفر فيها جوف أفريقيا بوصف مفصل كان ذلك فى مؤلفاتهم ؛ وقد استمرت معلوماتهم تمثل القول الفصل فى هذا الصدد لحين ظهور المستكشفين الجغرافيين الأوروبيين فى القرن التاسع عشر. هذا وقد أثبت البحث العلمى المعاصر أهمية المعلومات التى جمعوها حتى عن بلاد نائية مثل أرخبيل الملايو واسكنديناوه وجنوب شرقى أوروبا.

والعيب الأساسى للأدب الجغرافى العربى هو فى خضوعه للنظريات العلمية الموروثة عن الأوائل بالرغم من أن تجارب العرب العملية كثيرا ما أدت إلى استكمال تلك النظريات وتعديلها بل وحتى إلى صرف النظر عنها ؛ أضف إلى هذا أن نظرياتهم العلمية لم ترق إلى مستوى تجربتهم العملية. فهم على غرار اليونان قد ظنوا أن المعمور من الأرض هو ربعها فقط وذلك فى النصف الشمالى منها وهو ما عرف باسم «الربع المعمور» ؛ كما اعتنقوا الرأى القائل باستحالة الحياة فى البلاد الشديدة الحرارة أو القارسة البرودة (١٧). وإذا كان اعتناق اليونان أو أوروبا الوسيطة (١٨) لهذه النظرية الأخيرة له ما يبرره فى عدم إلمامهم بالبلاد الواقعة إلى الجنوب من خط الاستواء فإن العرب بفضل رحلاتهم البحرية قد عرفوا جيدا تلك الجهات من أفريقيا مثل زنزبار ومدغشقر حيث رأوا رأى العين عددا من المراكز المأهولة ؛ وبالرغم من هذا فقد استمرت هذه النظرية العقيمة عائشة بين ظهرانيهم دون ما أدنى تعديل. وهذا الإصرار نفسه قد ظهر بوضوح فى تمسكهم بالرأى القائل بوجود سلسلة جبلية تنتظم الأرض من الغرب إلى الشرق (١٩) ، بالرغم من أن هذه الفكرة تتعارض تعارضا تاما مع ما شاهدوه من واقع الأحوال (٢٠). وتحت تأثير الأفكار المسيحية الأولى لم يكن من النادر أن تقابلنا لديهم الفكرة القائلة بأن الأنهار الكبرى تنبع من الفردوس على الرغم من أنه كثيرا ما كانت هذه الأنهار معروفة لديهم من منبعها إلى مصبها تقريبا (٢١).

وثمت تأثير عاق تقدم العلوم لوقت ما كان نظرية تقسيم المعمورة إلى سبعة أقاليم ، وهى أحزمة عريضة مرتبة من الجنوب إلى الشمال فى موازاة خط الاستواء ومبتدئه منه على وجه التقريب (٢٢). هذا التقسيم وضعه اليونان على أساس الطول النسبى للنهار والليل أو ميل الشمس على خط الاستواء (باليونانية «كليما» Klima وجمعها «كليماتا» Kimata) ؛ وكانت عروض الأقاليم تتفاوت بحيث يختلف أطول أيام السنة بمقدار نصف ساعة من إقليم إلى آخر (٢٣). هذا وقد اكتسبت نظرية «الأقاليم» انتشارا واسعا سواء فى الشرق العربى أو أوروبا الوسيطة ، غير أن الوحدة التامة فى التقسيم لم تراع ، كما وأن التباين فى عروض الأقاليم بلغ حدا ملحوظا نتيجة لعدم الاتفاق حول درجات العرض الفاصلة بين كل إقليم والذى يليه (٢٤). هذا البون الشاسع بين النظرية والواقع قد ترك أثره فى الكارتوغرافيا العربية أيضا ، فهى وإن تمكنت فى القرن العاشر ، أى عصر ازدهار علم الجغرافيا ،

٢٣

من أن تبرز إلى الوجود «أطلس الإسلام» الطريف المنظم ، إلا أنها عجزت بالتالى عن إنتاج ما يشبهه ولو على شكل مصورات جغرافية منفردة ، بحيث لم يجد اتساع أفق المعلومات الجغرافية إنعكاسا كافيا فى المصورات الجغرافية المتأخرة التى كانت مجرد تقليد للنماذج السابقة بل وأحيانا تكرارا حرفيا لها.

ولكن يجب ألا يغيب عن الذهن أن الكارتوغرافيا لم تتمتع بالكثير من الأصالة حتى فى أوروبا الوسيطة ولم يجر أى تصحيح فى المصورات الجغرافية لتتفق مع المعلومات المعاصرة لها (٢٥). وبالطبع لم يكن بمستطاع الأدب الجغرافى التخلص من العيوب المعهودة فى الأدب العربى بأجمعه ، فنبصر فيه النزعة إلى الوصف الجامع الشامل بدلا من العرض المفصل العميق للمناطق المعروفة على أساس الملاحظة المباشرة ؛ أضف إلى هذا أن المنهج النقدى لم يطبق دائما على المصادر المكتوبة التى أفاد منها المؤلفون. هذا وقد غلب على الأدب العربى موقف معين من الإنتاج الأدبى للسلف يتفق أحيانا مع الفكرة المعاصرة للسرقة الأدبية (Plagiarism). وإذا حدث وأن التقينا فى عهد ازدهار الأدب الجغرافى فى القرن العاشر بعدد من العلماء الباحثين ممن بلغوا مرتبة عالية فى نقد مصادرهم بتطبيق مناهج فى البحث ذات قيمة علمية حتى فى أيامنا هذه ، فإنه قد تلاهم صنف آخر من العلماء شغل نفسه بنقل روايات المؤلفين المتقدمين دون الإشارة إلى أنها ترجع إلى عصر سابق لعصرهم بكثير. وقد ساق هذا عددا من البحاثة المعاصرين إلى الخطأ. ولم يكن الدافع إلى هذا مبنيا على سوء النية ، ولو أن هذا العامل قد وجد أحيانا ؛ ذلك أن هذه الظاهرة قد شملت جميع ميادين الأدب ونشأت على وجه التقريب منذ بداية التأليف عند العرب. وقد أكد الجغرافى المقدسى (القرن العاشر) ولو بشىء من المبالغة ، وذللث فى ملاحظاته النقدية عن السابقين له فى مضمار الجغرافيا ، أن كتاب الجيهانى يضم بين دفتيه كتاب ابن خرداذبه وأن ابن الفقيه لا يختلف فى شىء عن الجاحظ (٢٦) وفيما بعد أصبح تضمين مصنفات الغير أو تضمين قطع منها فى صلب المصنف قاعدة عامة. وفى الأحوال التى يورد فيها المؤلفون أسماء مصادرهم فإن هذا العيب يصبح فضيلة ، فكثيرا ما حفظت لنا نتيجة لذلك شذور ومقتطفات من مصنفات فقدت تماما بالنسبة لنا ؛ ويكفى فى هذا الصدد أن نشير إلى رحلة ابن فضلان التى اعتمد جميع من تفرغوا لدراستها حتى الآونة الأخيرة على المقتطفات التى حفظها لنا ياقوت فى «معجم البلدان» الذى تم تأليفه بعد رحلة ابن فضلان بثلاثة قرون. ومن المؤسف أن طريقة إيراد المصادر لم تكن الغالبة فأحيانا قد يورد المؤلف فى بداية مصنفه ثبتا بأسماء المراجع التى أفاد منها دون أن يعنى فى صلب الكتاب بالتمييز بين ما أخذه من غيره وما جمعه هو بنفسه أو يشير إلى أن بعض مادته يرجع إلى أزمنة سالفة. ويحتاج البحاثة إلى إعمال الجذر حتى لا يأخذ هذه التضمينات على أنها ألفاظ المؤلف نفسه أو أنها ترجع إلى العصر الذى عاش فيه (٢٧).

وإذا حاولنا حصر مزايا الأدب الجغرافى العربى وعيوبه فإنه يجب الاعتراف على أية حال

٢٤

بأهميته العلمية القصوى والتنوع الكبير فى فنونه وأنماطه. ففيه تقابلنا الرسالة العلمية فى الفلك والرياضيات ، كما تقابلنا الكتب العملية التى وضعت من أجل عمال الدواوين وجمهرة المسافرين. وهو يقدم متعة ذهنية كبرى إذ نلتقى فيه بنماذج أدبية فنية رائعة ، صيغت بالسجع أحيانا. والمصنفات الموضوعة من أجل جمهرة القراء يتراوح فيها العرض بين الجفاف والصرامة من جهة والإمتاع والحيوية من جهة أخرى ؛ وهنا تبدو مقدرة العرب الفائقة وبراعتهم فى فن القصص. ولقد أثار هذا الأدب اهتماما بالغا بسبب تنوعه وغنى مادته ، فهو تارة علمى وتارة شعبى ، وهو طورا واقعى وأسطورى على السواء ، تكمن فيه المتعة كما تكمن فيه الفائدة ـ لذا فهو يقدم لنا مادة دسمة متعددة الجوانب لا يوجد مثيل لها فى أدب أى شعب معاصر للعرب. وقد أثبت البحث العلمى المعاصر أن مادة الأدب الجغرافى العربى أبعد من أن تكون قد استوفت حقها من الدراسة والاستقصاء حتى فى أيامنا هذه ؛ بل الواقع أنها أخذت الآن فقط تدخل بعض الشىء فى نطاق البحث العلمى المعاصر بصورة أوسع.

٢ ـ تاريخ دراسة الموضوع. المؤلفات ذات الطابع العام. هدف هذا الكتاب

مرت معرفة العلم الأوروبى بالجغرافيا العربية على أطوار مختلفة وبدرجات سرعة متفاوتة وخضعت لتغيرات وفقا للمستوى العام للثقافة ولحالة الاستعراب. وهنا أيضا اختلف مصير كل من الجغرافيا الفلكية والجغرافيا الوصفية. فمنذ القرن الحادى عشر بدأت فى أسبانيا ترجمة المصنفات العربية فى الفلك والرياضيات إلى اللغة اللاتينية ، وسرعان ما أصبحت أسماء الغوريثمى Algorithmi (أى الخوارزمى) والفراغانوس Alfraganus (أى الفرغانى) والباتغنيوس Albategnius (أى البتانى) معروفة لدى الجميع ، بل واشتهرت بهذه الصيغ أكثر مما بأسمائها الشرقية الأصلية. وقد أثبت البحث المعاصر أن هذه الترجمات ليست فى مستوى يتفق ومطالب العلم الحديث ولكنها على أية حال قد ساعدت على تطور العلم فى أوروبا الوسيطة ، وهى المسئولة عن تثبيت الشكل اللاتينى للمصطلحات العلمية العربية التى وجدت طريقها إلى عدد من العلوم ولا زالت مستعملة إلى الآن. وهذه الترجمات لم يكن بوسعها بالطبع إعطاء فكرة عن تطور العلم عند العرب كما لم تقدم صورة تامة عن مجهودات كل عالم فى محيط علمه. ذلك أن الاهتمام بمثل هذه المسائل لم يكن قد نشأ بعد ، فضلا عن أن البحث فيها لا يتأتّى إلا بالتعرف على الأصول العربية نفسها. ومهما يكن من شىء فإن أوروبا قد تعرفت بفضل هذه الترجمات على الجغرافيا الفلكية عند العرب قبل زمن طويل من نشأة علم الاستعراب. والتأثير المباشر لمثل هذه المصنفات على تطور العلم الأورونى قد بدأ مبكرا جدا ، وهو الآن أمر مؤكد متفق عليه من الجميع.

٢٥

غير أن الأمر جد مختلف فيما يتعلق بالجغرافيا الوصفية ، فأوروبا المسيحية قد ترجمت عن طيب خاطر مؤلفات العرب فى الرياضيات والفلك والكيمياء إلى اللغة اللاتينية ، إلا أن الاهتمام بالجغرافيا أو التاريخ كما هو الحال أيضا مع الأدب فى المدلول الخاص لهذا اللفظ قد انعدم تماما (٢٨). وحتى الآن لم يعثر على أى أثر لترجمات لمصنفات الجغرافيين والرحالة العرب فى الفترة الأولى من القرون الوسطى الأوروبية ، ويبدو أنه لم تمكن هناك معرفة مباشرة بهم بعكس الحال مع الفلكيين (٢٩). إلا أن هذا لا يعنى أن موضوعات منفصلة ، خاصة من محيط القصص والجغرافيا الأسطورية لم تجد طريقها من العرب إلى أوروبا ؛ ويكفى فى هذا الصدد أن نتذكر حكاية أسفار القديس براندان Brandan التى تضم بين دفتيها كمية وافرة من العناصر الشرقية (٣٠). وواحدة من الحالات النادرة التى أثرت فيها النظريات الجغرافية العربية تأثيرا مباشرا على التفكير الأوربى فى العصور الوسطى تمس محيط الكارتوغرافيا أكثر من غيره ؛ فمارينو سانودوMarino Sanudo ، وهو إحدى الشخصيات الأوروبية النشطة فى بداية القرن الرابع عشر ، قد زود مصنفه «كتاب الأرض المقدسة» Opus Terrae Sanctae (١٣٢١) بخارطة للعالم لتوضيح فكرته المبتكرة التى ترمى إلى محاصرة العالم الإسلامى حصارا اقتصاديا (٣١). وهذه الخارطة على هيئة دائرة مركزها أورشليم ومبين عليها بوضوح بحران كبيران متصلان بالبحر المحيط ، كما يظهر عليها ساحل أفريقيا ممتدا امتدادا بعيدا نحو الشرق (٣٢). فهى إذن تكرار لجميع الخطوط الرئيسية المميزة لخارطة العالم فى «أطلس الإسلام» ، مع اختلاف بسيط هو أن مركز الأخير ليس أورشليم بل مكة بالطبع. ومثل هذا الاتفاق أبعد من أن يكون من عمل الصدفة ، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار أن اهتمام سانودو بالشرق يجيز احتمال معرفته بالمصادر العربية. وعلى أى فهذه الحالة فريدة فى نوعها وتقف بمفردها دليلا على فقدان الاهتمام فى أوروبا بالجغرافيا الوصفية عند العرب عامة.

ولما بدأ العلم الأوروبى اتصاله المباشر بالأصول العربية أخذ الاهتمام بالجغرافيا الوصفية يعادل الاهتمام بالجغرافيا الفلكية. وكان بوستل Postell (٣٣) أول مستشرق يجتذبه الجغرافى العربى أبو الفدا ؛ كما أن أول ذكر لياقوت يرد فى محاضرة بتاريخ ٢٠ ديسمبر ١٧٠٢ ليعقوب جيونوفيس Jacobus Gionovius (٣٤). وفى عام ١٥٩٢ طبع بمطبعة المديتشى Medici المشهورة أول نص فى الجغرافيا الوصفية ، وهو كتاب اكتسب بالتالى صيتا عريضا أعنى بذلك مصنف الجغرافى العربى المغربى المشهور الشريف الإدريسى الذى عاش فى القرن الثانى عشر. وقد جانب التوفيق الناشر حين أعطى الكتاب عنوانا مضللا هو «جغرافيا النوبى» Geographia Nubiensis (١) ، مما ساق بالتالى إلى غير

__________________

(*) أعتقد أن ألفاظ المؤلف هنا قد تسوق إلى اللبس إذ يفهم منها أن هذا العنوان الخاطىء للكتاب تحمله طبعة عام ١٥٩٢ لا ترجمة عام ١٦١٩. راجع على أية حال كلامه عن الإدريسى فى الفصل العاشر. (المترجم)

٢٦

قليل من اللبس. هذه الطبعة التى تلتها الترجمة اللاتينية فى عام ١٦١٩ كانت أعجز من أن تلبى مطالب المنهج العلمى الحديث ، غير أن صعوبة هذه المهمة ترجع بلاشك إلى أننا لا نمتلك إلى الآن طبعة علمية كاملة لكتاب الإدريسى. وقد حالف التوفيق بصورة أكبر طبع أول كتاب فى الجغرافيا الفلكية وقد اضطلع بهذه المهمة العالم الهولندى الشهير للقرن السابع عشر ياكوب غوليس Jacob Golius (١٥٩٦ ـ ١٦٦٧) ؛ فالطبعة التى قام بتحضيرها للجداول الفلكية للفرغانى (القرن التاسع) ، المشهور فى أوروبا الوسيطة باسم الفرغانوس Alfragnus ، ظهرت مع ترجمتها اللاتينية فى عام ١٦٦٩ أى بعد وفاته ، وكانت بحق فاتحة عهد جديد فى هذا الباب. وبهذا وضعت أول لبنة فى أساس دراسة الأدب الجغرافى اعتمادا على مصادره الأصلية ؛ وقد سار التقدم بصورة بطيئة ، ففى القرن الثامن عشر بأجمعه لم يتعرف العلم الأوروبى إلا على ثلاثة مؤلفين فقط من رجالات القرنين الثالث عشر والرابع عشر ، اثنان منهم وهما أبو الفدا (توفى عام ١٣٣١) وابن الوردى (توفى عام ١٤٤٦) اهتما بالجغرافيا العامة ، أما الثالث وهو عبد اللطيف البغدادى (توفى عام ١٢٣١) فقد اشتهر بوصفه لمصر. وقد استمرت المعرفة فى النمو بفضل ظهور المقتطفات والترجمات التى لا يمكن اعتبارها رغما عن ذلك علمية بشكل كاف.

وفى بداية القرن التاسع عشر ظهر بحثان ممتازان فى دراسة الأدب الجغرافى لا يزالا إلى اليوم محتفظين بقيمتهما ، أحدهما ترجمة وصف مصر لعبد اللطيف البغدادى الذى مر ذكره للتو ، وهى من عمل المستشرق الفرنسى الكبير سلقستر دى ساسى Silvestre de Sacy (١٨١٠) ، والآخر ترجمة المستشرق الروسى فرين Fra؟hn لرسالة ابن فضلان (١٨٢٣). وكلا البحثين يمكن اعتبارهما حجر زاوية فى بداية الدراسة العلمية للأدب الجغرافى العربى. وعند منتصف القرن التاسع عشر اشتدت الحاجة إلى مصنف عام يجمع شتات ما عرف حتى تلك اللحظة ، لذا فقد نال أهمية غير عادية كتاب رينوReinaud (١٨٤٨) الذى أراد به فى الأصل وضع مقدمة لطبعة علمية تامة لجغرافيا ابى الفدا ، ولكن البحث ما لبث أن استفاض وتجاوز حدود موضوعه؟؟ واتخذ صورة عرض عام مستقل لتطور العلم والأدب الجغرافى فى اللغات الثلاث الرئيسية للشرق الإسلامى. ويمثل الكتاب سفرا فى أكثر من أربعمائة وخمسين صفحة يتضح من خلالها معرفة المؤلف الجيدة بالجغرافيا الوصفية والفلكية ؛ ويستند المصنف على عدد من الأبحاث السابقة المستقلة للمؤلف نفسه ؛ وقد كتب بأسلوب شيق جذاب. وهو يمثل خطوة كبرى فى دراسة الموضوع ولم يأخذ مكانه إلى الآن مصنف من نوعه.

وفى النصف الثانى من القرن التاسع عشر تحقق فى لحظة واحدة تقريبا مشروعان ضخمان أصبحا بالتالى قاعدة متينة لدراسة الأدب الجغرافى العربى اعتمادا على أشهر مؤلفيه بين القرنين العاشر والثالث عشر. فبين عامى ١٨٦٦ و ١٨٧٦ نشر قستنفلدWüstenfeld المعجم الجغرافى لياقوت فى

٢٧

ستة أجزاء ؛ وهو أهم مرجع جغرافى يتجه إليه البحاثة إلى أيامنا هذه ونموذج لما يجب أن يكون عليه أدب النقل (Compilation) فى أدق معانيه. وفى ذات الوقت على وجه التقريب وذلك فى سنة ١٨٧٠ بدأ العلامة الهولندى دى خويه De Goeje تنفيذ فكرته بنشر سلسلة «مكتبة الجغرافيين العرب» Bibliotheca Geographorum Arabicorum التى اكتمل عقدها بظهور الجزء الثامن فى عام ١٨٩٤ ، وهى تتكون من تسع مجلدات كانت بالنسبة لعصرها أنموذجا للنشر العلمى ، وتضم فى صفحاتها مصنفات مؤلفى عهد ازدهار الأدب الجغرافى العربى فى القرنين التاسع والعاشر (٣٥). هذا المجهود الذى قام به قستنفلد ودى خويه لم يستنفد بالطبع الذخيرة الأساسية للمصنفات الجغرافية العربية ولكنه كفل للدارسين إمكانية الدراسة المنهجية المنظمة للآثار الأخرى التى لم تكن قد نشرت بعد ، وقدم مادة ضخمة لمختلف الأبحاث الجغرافية. وفى القرنين التاسع عشر والعشرين ظهر أسلوب جديد فى دراسة المادة الجغرافية العربية يهتم بجمع المادة المتعلقة بكل قطر ودراستها دراسة نقدية. وبعض هذه الدراسات تجاوز أحيانا نطاق جزء واحد (مثل مؤلف أمارى Amari عن صقلية ومدنيكوف Mednikov عن فلسطين وزايبل Seippel عن النورمان وفيران Ferrand عن الشرق الأقصى الخ). أما الحديث عن الدراسات الضخمة والمؤلفات الكبرى التى ظهرت فى نصف القرن الأخير ، بل فى العشرة أعوام الأخيرة ، فيمكن أن يكون موضوع دراسة خاصة قائمة بذاتها. وفى متناول أيدينا الآن ترجمات علمية مثالية ودراسات عن المؤلفين المختلفين أو لقطع من مصنفاتهم ، مثل أبحاث توليوTuulio عن الإدريسى (١٩٣٠) أو مينورسكى Minorsky عن النص الفارسى المجهول المؤلف (١٩٢٧). وفى متناول أيدينا كذلك دراسات جدية لمختلف الموضوعات مثل أبحاث مجيك Mzik عن دور بطلميوس فى الجغرافيا العربية (١٩١٥) أو هو نغمان Honigmann عن نظرية الأقاليم السبعة (١٩٢٩). وقد اتسع المجال بشكل خاص للأبحاث فى تاريخ الحضارة المرتكزة أساسا على مادة جغرافية ، مثال ذلك مجموعة من الدراسات التحليلية الدقيقة لياكوب Jacob (١٨٨٦ وما بعدها). كما وجدت قاعدة رصينة لدراسة تاريخ الكارتوغرافيا العربية منذ مؤلفات ليليول Lelewel (١٨٥٠ وما بعدها) ، ولم تلبث هذه الدراسة أن اكتملت وشملت جميع المادة التى أمكن العثور عليها وذلك فى الطبعات الكبرى لميلرK.Miller (١٩٢٦ وما بعدها) ويوسف كمال (١٩٣٠ وما بعدها). هذا وقد تابعت الدراسة سيرها قدما فأصبحت المناهج أكثر دقة وارتفع المستوى المطلوب. وفى الآونة الحاضرة اشتدت الحاجة إلى إعادة طبع بعض أجزاء «مكتبة الجغرافيين العرب» مع الاستفادة من المادة التى تجمعت منذ ظهور الطبعة الأولى والعمل أيضا على استيفاء المطالب العلمية المعاصرة.

هذه المادة الغنية الحافلة فى مصادرها وفى الأبحاث التى كتبت فيها ، والتى تجمعت خلال نصف

٢٨

القرن الأخير ، تطلبت وضع مؤلفات ومراجع مما يحتاج إليه المبتدئون كما يحتاج إليه المتخصصون فى الفروع الأخرى للعلوم الذين يحتاجون إلى استقاء المادة اللازمة لهم من المصادر العربية. ولكن إذا كان الوضع لا بأس به كما رأينا فيما يتصل بالمصادر العامة فإنه لم يظهر مع الأسف منذ عهد رينو مؤلف عام يستعرض تطور الجغرافيا عند العرب ويقوم بحاجة المستعربين وغير المستعربين. والمؤلفات العامة الموجودة بين أيدينا تمثل فى العادة ملخصات قصيرة أو مقالات تتوزعها الدوريات الجغرافية ، الغرض منها إبراز الخطوط العريضة لتطور الأدب الجغرافى مع الوقوف عند بعض المؤلفين. ويجب اعتبار تلك التى ظهرت فى القرن التاسع عشر قد بليت وذلك نتيجة لظهور مواد جديدة.

وفى عام ١٨٤٢ حاول قستنفلد وضع موجز ببليوغرافى للأدب الجغرافى العربى معتمدا فى ذلك اعتمادا كليا على مؤلف القرن السابع عشر حاجى خليفة ، فأورد أسماء مائة وستة وعشرين مؤلفا وهو رقم لا يمكن اعتباره فى الآونة الحاضرة وافيا بالغرض. وقد فقد كتاب قستنفلد هذا قيمته العلمية قبل وقت طويل من كتابه الآخر فى أدب التاريخ عند العرب الذى فرغ من تأليفه فى أواخر أيام حياته العلمية (١٨٨٢). وبعد نحو عشرة أعوام من ظهور كتاب رينو ظهر فى عام ١٨٥٨ بحث بعنوان «نظرة إلى الأدب الجغرافى عند الشعوب الإسلامية» Udsigt over de islamiske folks geographiske Kundskaber للعلامة الدنماركى ميرن Mehren الذى اشتهر فيما بعد كناشر ومترجم لكتاب الدمشقى فى الكوزموغرافيا ولمؤلفات ابن سينا. ونظرا لأن البحث قد كتب باللغة الدنماركية وظهر فى صحيفة علمية محدودة الانتشار فقد ظل مجهولا من القراء ؛ وهو أمر يؤسف له حقا إذ أنه لم يخل فى الكثير من الأحيان من بعض الأهمية ولا يزال ذا فائدة فى بعض النواحى إلى أيامنا هذه رغما من أنه يدين بالكثير لرينو. ويشمل ثبت أسماء الجغرافيين العرب الموجود فى بداية البحث على أربعين اسما فقط ، غير أن المؤلف يقدم تفاصيل وافية عنهم معتمدا فى ذلك على المصادر الأصلية. وفى القسم الثانى من بحثه يعرض لتصورات العرب عن العالم ، وبالرغم من أن هذا القسم يدين بالكثير لكتاب رينو أيضا إلا أنه يمتاز بعرض موجز بديع لنظرية شكل الأرض وتقسيمها الرياضى وحساب خط نصف النهار وتقسيم المعمورة إلى سبعة أقاليم الخ. وفى القسم الثالث يوضح نظرية العرب فى تقسيم البحار على الأرض ؛ أما الفصل الأخير وهو بعنوان «أرض الورنك (١) كما عرفها العرب» فلا يزال محتفظا ببعض أهميته إلى أيامنا هذه.

ولم تكن محاولات وضع عرض عام للأدب الجغرافى العربى وقفا على المستعربين اللغويين وحدهم بل أدلى فيه بدلائهم كذلك مؤرخو علم الجغرافيا. فالعالم الفرنسى المشهور لعهده ففيان دى سان مارتان Vivien de Saint Martin نشر فى عام ١٨٦٧ مقالا عن جغرافيا العصور الوسطى فى المشرق من القرن السابع إلى القرن الخامس عشر وذلك ضمن تاريخه العام للجغرافيا ، وهو مشروع لم يكتب

__________________

(*) الورنك أو الوارياغ هم أهل الشمال «النورمان». (المترجم)

٢٩

له أن يتممه بالتالى. وقد استطاع هذا العالم أن يلقى فى تسعة فصول تظرة عاجلة إلى الأدب الجغرافى العربى الوصفى والفلكى على السواء ؛ وهذا المقال وإن تقادم عليه العهد فإنه يمثل بعض الطرافة لأنه يحوى رأى عالم جغرافى كبير فى قيمة العلم العربى. وفى السبعينيات من القرن الماضى عندما بدأ دى خويه فى نشر «مكتبة الجغرافيين العرب» دبج مقالا فى الجغرافيا عند العرب ظهر بالمجلة الجغرافية الهولندية وكان موجها إلى القارئ العام (١٨٧٤) ؛ ولم يكتف دى خويه فى مقاله هذا بمعالجة الجغرافيا الفلكية بل أفرد نبذا قصيرة للكلام على نحو عشرين من ممثلى الجغرافيا الوصفية إلى عهد أبى الفدا ؛ وهو يفصل بعض الشىء فى كلامه عن المقدسى ويلقى ضوءا على دور المؤرخين فى تطوير الجغرافيا. ولنفس الأسباب التى أحاطت ببحث ميرن فإنه لم يتعرف على مقال دى خويه إلا عدد محدود من الناس بحيث أصبح الآن نسيا منسيا. وفى مؤلف كريمرKremer «التاريخ الحضارى للشرق» Culturgeschichte des Orients ظفر الفصل الذى أفرده للجغرافيين بشهرة كبيرة ، شأنه فى هذا شأن بقية الكتاب (١٨٧٧) (٣٦). وهو ككل كتابه قد صيغ أيضا فى أسلوب يتميز بالكثير من الحيوية والمهارة وظل إلى بداية القرن العشرين خير عرض للموضوع من أجل القارئ العام غير المتخصص. وثمة عرض آخر يمتاز بالفائدة والوضوح وهو مقال دفيك Devic (١٨٨٢) الذى يعتبر خبيرا بالأدب الجغرافى خاصة فيما يتعلق بشرق أفريقيا. وهو يورد ذكر ستة وثلاثين مؤلفا مع نبذ صغيرة عنهم وبضع مقتطفات من مصنفات فجر الأدب الجغرافى. وكمدخل عام للموضوع فإن هذا المقال يمكن أن يمثل بعض الأهمية حتى فى الوقت الحاضر.

وفى السنوات التسعينات وذلك بمناسبة الانتهاء من طبع سلسلة «مكتبة الجغرفيين العرب» ظهرت بضع دراسات مفيدة عن فجر الأدب الجغرافى يجدر بنا أن نميز من بينها خاصة اثنتين ، إحداهما لنالينو (١٨٩٤) والأخرى لشقارتزSchwartz (٣٧) (١٨٩٧). فالأولى مستهلة بملاحظات للجغرافى الإيطالى الشهير جيدو كوراGuido Cora يعبر فيها عن ضرورة ترجمة مصنفات هذه السلسلة ويرجو أن تتحقق هذه الأمنية يوما ما ؛ وفى الواقع أن تنفيذ ذلك المشروع لم يبدأ إلا فى الآونة الأخيرة. ثم يقدم لنا نالينو خلاصة وافية لجميع أجزاء السلسلة مع تراجم المؤلفين ويشفع ذلك بثبت حافل للمراجع. أما شقارتز فإنه يبدى ملاحظات ذات طابع عام عن المؤلفين الذين تضمنّهم السلسلة ويفصل الكلام بشكل خاص على ابن خرداذبه والمقدسى أكثر مما يفعل مع الإصطخرى.

هذا وقد اضطرد نمو المادة وتطور العلم فى نصف القرن الأخير بسرعة هائلة مما دعى إلى اعتبار جميع الملخصات التى ظهرت فى القرن التاسع عشر غير وافية بالغرض حتى ولو سطرتها أقلام علماء كبار ؛ وهى تمثل الآن خطوة ليس إلا فى دراسة الموضوع. وفيما عدا ذلك فلا أهمية لها البتة باستثناء أقسام معينة منها ، بحيث يضحى من الأفضل أن يبدأ الدارس بالمؤلفات التى ظهرت فى العشرينيات

٣٠

والثلاثينيات من هذا القرن والتى تأخذ فى حسابها المادة التى ظهرت فى الآونة الأخيرة. وعدد هذه الملخصات كبير وهى أحيانا يكمل بعضها البعض بصورة مرضية.

وقد أفرد المستعرب وعالم الرياضيات الفرنسى كارّا دى فوCarra de Vaux مائة صفحة للجغرافيين والرحالة العرب ، وذلك فى الجزء الثانى من مؤلفه الذائع الصيت «مفكرو الإسلام» Les Penseurs de l\'Islam الذى يقع فى خمسة أجزاء (١٩٢١) (٣٨). ولم يكن من هدف المؤلف جمع عدد هائل من الأسماء أو استيفاء جميع المراجع لذا فقد انتقى نحوا من خمسين شخصية لامعة وترجم لها ووصف اتجاهاتها العلمية. وتتركز الميزة الكبرى للمؤلف فى معرفته الجيدة بالعلوم الدقيقة عند العرب ، ومن تم فهو يولى عناية خاصة للجغرافيا الفلكية. وهو يستعمل ببراعة الاقتباسات من المصادر العربية ويسوق عرضه بمهارة فائقة رغما من بضعة أخطاء فى التفاصيل أحيانا. كذلك لا يفتقر إلى الطرافة مقال العالم الهولندى كرامرس Kramers «الجغرافيا والتجارة» Geography and Commerce الذى ظهر فى الكتاب الجماعى «تراث الإسلام» Legacy of Islam المطبوع بأكسفورد (١٩٣١) (٣٩). وكرامرس من خيرة العارفين بالجغرافيا التاريخية واشتغل كثيرا بدراسة المصادر العربية ؛ وقد حالفه التوفيق فقدم صورة متكاملة الجوانب لدور الجغرافيا فى التطور الثقافى للحضارة العربية وارتباطها بالتوسع الاقتصادى للخلافة الإسلامية ؛ وهو مقال رصين يمكن الاعتماد عليه فى سد النقص البين الذى يعانى منه عرض كارا دى فو. وتتمتع بنفس الدرجة من الطرافة محاضرة لكرامرس بعنوان «الأدب الجغرافى الإسلامى كظاهرة حضارية» Die Muhammedanische geographische Literatur als Kulturerscheinun g ، وهى معروفة إلى يومنا هذا مع الأسف فى ملخص شديد الإيجاز (١٩٣٤) (٤٠). وثمة مقالان آخران يحملان طابعا عاما ولكن يتميزان بإيراد تفاصيل عديدة سواء عن المؤلفين أو عن مسائل منفردة. أحدهما بقلم رسكاRuska (١٩٢٧) المعروف بأبحاثه فى تاريخ العلوم الطبيعية عند العرب ؛ وكان الهدف الأول من مقاله هو الاستدراك على مقال شقارتز بأن يأخذ فى حسابه تطور العلم فى الثلاثين عاما التى مرت على تاريخ ظهور الأخير ، ولكن ما لبث أن اتسع به الموضوع فخرج عن حدوده بشكل ملحوظ وتحول إلى عرض عام لتطور الجغرافيا عند العرب. كذلك أفرد اهتماما كبيرا فيه لدور الشعوب المختلفة فى بناء الحضارة العربية ولنشأة الجغرافيا على ضوء هذا ، وذلك فى اتجاهيها الفلكى والوصفى. وينصب القسم الأساسى للمقال على الجغرافيا الوصفية والرحلات بشكل خاص مع إفراد نبذ قصيرة لما يقرب من أربعين مؤلفا ، غالبا ما صحبها عرض لمحتويات كتبهم. وكان رسكا جد مصيب حين ضم إلى عرضه أسماء بعض العلماء الذين كتبوا بالفارسية وكانت لهم صلة مباشرة بالجغرافيا العربية (٤١). أما المقال الثانى فهو لكرامرس الذى مر ذكره وقد ظهر فى «ذيل دائرة المعارف الإسلامية» Supplement to the Encylopaedia of Islam (١٩٣٤ ـ ١٩٣٦) (٤٢). وهو إلى جانب عرضه

٣١

للاتجاهات الرئيسية فى علم الجغرافيا العربية يورد تعدادا منظما لأشهر الجغرافيين والرحالة فى اللغات العربية والفارسية والتركية مع الإشارة إلى المراجع ؛ وقد أبرز بمهارة فائقة الخطوط المميزة والصفات الجوهرية للأدب الجغرافى فى الإسلام. غير أن مقاله كما هو الشأن مع جميع مواد دوائر المعارف مقتضب للغاية ولكنه يصلح كمدخل جيد لدراسة تلك المادة الضخمة ، كما وأن ثبت المراجع الموجود فى آخر المقال لمما يعين على تلمس الطريق بين العدد الهائل من الدراسات حول هذا الموضوع. ويمثل مقال شوى Schoy ، وهو أحد المتخصصين فى العلوم الدقيقة ، تكملة مفيدة لمقالى روسكا وكراموس فى بعض النقاط ؛ وقد ظهر هذا المقال فى «المجلة الجغرافية» Geographical Review الأميريكية (١٩٢٤) (٤٣) وهو يفتقر على العموم إلى التناسق ؛ فالمؤلف يقف طويلا عند بعض مسائل الجغرافيا الفلكية خاصة تحديد العرب لأطوال وعروض الأماكن المختلفة.

وإذا كانت جميع هذه المقالات التى مر ذكرها تصلح مدخلا متينا لدراسة الأدب الجغرافى العربى وتعطى صورة جلية عن اتجاهاته الرئيسية وعن كبار من صنفوا فيه إلا أن الأبحاث المفصلة العميقة عن المؤلفين ومصنفاتهم تقتضى الالتجاء إلى المراجع الضخمة التى لم يقصد بها المطالعة بل المراجعة. وأول ما ينصرف إليه الذهن فى هذا الصدد هو «تاريخ الإدب العربى» Geschichte der Arabischen Literatur المشهور لبروكلمان Brockelmann (١٨٩٨ ـ ١٩٠٢) الذى بفضل بقية أجزائه المتممة (١٩٣٦ ـ ١٩٣٩) يسوق جماع المادة إلى الآونة الحاضرة تقريبا ويقدم معينا لا ينضب من المراجع عن جميع المؤلفين ذوى الصلة الوثيقة بالجغرافيا (٤٤). وفى حالات معينة تمثل تكملة مفيدة لبروكلمان المواد المتعلقة بالجغرافيا فى «دائرة المعارف الإسلامية» Encylopaedia of Islam (٤٥) ، وفى «المدخل فى تاريخ العلم» Introduction to the Hitsory of Science لسارطون Sarton (٤٦) ، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن المرجع الأول ، أى «دائرة المعارف الإسلامية» ، بدأ فى الظهور منذ عام ١٩٠٨ لذا فإن مواد الحروف الأولى منه قد فقدت قيمتها أحيانا ولم تعد ذات نفع كبير فى الوقت الحاضر ، أضف إلى هذا أنها ليست متكافئة من حيث القيمة ولم تتعرض لتصحيح دقيق فى «ذيل دائرة المعارف الإسلامية» (١). أما مؤلف سارطون الضخم (١٩٢٧ ـ ١٩٣١) فإنه يقف عند نهاية القرن الثالث عشر ولكنه يشمل أنشط الفترات وأكثرها ابتداعا وإنتاجا فى تاريخ الحضارة العربية. وهو كتاب كبير النفع فى توضيح ما بلغه العرب فى مختلف نواحى العلوم بما فى ذلك الجغرافيا ، وذلك فى نطاق الإطار العام لتطور العلوم عند جميع الشعوب.

__________________

(*) بدأت دار بريل Brill بليدن فى إخراج الطبعة الثانية المنقحة المعدلة من «دائرة المعارف الإسلامية» منذ عهد قصير ، وقد أعيدت صياغة عدد من المواد بما فى ذلك المواد المتصلة بالجغرافيا. هذا كما أن عددا من مواد الطبعة الأولى قد نقح وزيد فى الترجمة التركية لدائرة المعارف الإسلامية التى لا تزال توالى الصدور على شكل ملزمات. (المترجم)

٣٢

وإلى جانب هذه المراجع الأساسية التى مر ذكرها والتى تعالج الأدب الجغرافى بأجمعه توجد مراجع أخرى محدودة بمنطقة أو فترة معينة. وسأذكر من بينها أشهرها قاطبة وهو تحليل مؤلفات مؤرخى وجغرافيى الأندلس Ensayo bio ـ bibliografico sobre los historiadores y geografos arabigo ـ espanoles للمستعرب الاسبانى پونس بويغوس Pons Boigues (٤٧). وبالرغم من أن هذا الكتاب قد رأى النور منذ عام ١٨٩٨ ، أى فى وقت واحد مع الجزء الأول «لتاريخ الأدب العربى» لبروكلمان ، إلا أنه يضم بين دفتيه مادة ذاخرة جعلته لا يزال متمتعا فى بعض أقسامه بقيمته العلمية إلى الوقت الحاضر ؛ وأحيانا قد يكون من المفيد الرجوع إليه رغما من وجود المرجعين الضخمين السالفى الذكر.

وقد اعترف العلم الحديث بأهمية الأدب الجغرافى فى الإطار العام للدراسات العربية ، وظهرت فى القرن العشرين مجموعتان من النصوص المنتخبة من ميدان الجغرافيا كمقدمة لتسهيل دراسة الموضوع لمن يودون الخوض فى مصادره الأصلية. ومن قبل كانت المنتخبات الجغرافية تحتل مكانها بين المنتخبات الأدبية العامة عند المبتدئين فى دراسة العربية ؛ أما وجود منتخبات خاصة فى فرع معين من فروع الأدب العربى فقد كان أمرا نادرا. وأولى هاتين المجموعتين من المنتخبات الجغرافية المستقلة قد نشرها فى أواخر أيام حياته الخبير الكبير فى هذا الفن دى خويه وذلك فى عام ١٩٠٧ (٤٨) ؛ وهى تحتوى على قطع ليست بالطويلة مأخوذة عن تسعة من الجغرافيين العرب ممن ينتمون إلى عهد ازدهار هذا الفن من الأدب. وقد قصد جامعها أن «يقدم للدارسين فكرة عن المادة التى يمكن استقاؤها من المؤلفات الجغرافية فى الأدب العربى بغض النظر عن الجانب الرياضى». ويصحب هذه المنتخبات مقدمة قصيرة باللغة الإنجليزية ونبذ عن المؤلفين وتعليقات مقتضبة بالإنجليزية والألمانية أقرب ما تكون إلى نمط المعاجم. هذا وقد أدت هذه المجموعة غرضها بحق ، وهى ذات فائدة بينة فى التعرف على الأدب الجغرافى فى نصوصه الأصلية رغما من بعض الصعوبة التى تكتنف فهم مواضع معينة منها ، وهو أمر كان يجب على المؤلف أن يستدركه فيفصل فى الشرح أكثر من أجل المبتدئين. أما المجموعة الثانية من المنتخبات الجغرافية وهى التى نشرها منذ خمسة وعشرين عاما المستعرب الفرنسى بلاشيرBlachere (١٩٣٢) (٤٩) فقد قامت على فكرة أوسع من تلك ، ولم يكن الغرض منها تقديم مجموعة من النصوص فحسب للمهتمين بدراسة اللغة العربية ولكن قصد منها أيضا تقديم سرد موجز لتطور الأدب الجغرافى لدى العرب مع انتقاء المؤلفين والنصوص بطريقة تبدو معها اللوحة متكاملة ويستطيع القارئ بدوره أن يتتبع خلالها تطور الأنماط المختلفة للأدب الجغرافى. هذا وتشتمل المجموعة على أكثر من خمسين قطعة لنحو من خمسة وعشرين مؤلفا ، ولم تستثن فيها الجغرافيا الفلكية كما هو الحال مع مجموعة دى خويه ولكن أفرد لها المكانة الثانية. وإلى جانب المقدمة العامة زودت كل فترة وكل مؤلف وكل نص

٣٣

بالتعليقات المناسبة مع الإشارة إلى أهم المراجع ؛ ويصحب النص شروح موجزة ولكن وافية. وليس بالكتاب معجم خاص ولكن به فهرسا للأعلام الجغرافية مع إيراد معادلاتها الأوروبية ؛ كما وأن الناحية التدريسية لم تهمل فيه فقد أشير إلى كل قطعة بدرجتها من الصعوبة. وأن ما بذل فى إخراج هذه المجموعة من عناية وجهد سواء فى العدد الوافر من المختارات باللغة العربية أو فى المقدمات الوافية باللغة الفرنسية لمما يجعل منها بحق كتابا دراسيا ممتازا لا من أجل المبتدئين فحسب بل ومن أجل تاريخ الأدب الجغرافى بوجه عام.

ويحفل العلم الروسى بأبحاث عديدة فى الأدب الجغرافى العربى احتل بعضها مكانة مرموقة فى تاريخ العلم مثل أبحاث فرين Fra؟hn وروزن Rosen وبارتولدBartold. ولكن الاستشراق الروسى فقير بدرجة ملحوظة فى محيط الدراسات العامة التى يمكن أن تصلح كمقدمة أو كمرجع عام للدارسين. والقسم الذى أفرده جرجاس Girgas للجغرافيا فى كتابه «عرض عام للأدب العربى» Ocherk Arabskoi Literatury (٥٠) ، والذى كان بالنسبة لزمانه (١٨٧٣) مجهودا محمودا ، لم يعد يفى بمطالب العلم الحديث بتاتا ؛ وقد احتل مكانه فى عام ١٩١١ الفصل الغنى بمراجعه من كتاب كريمسكى Krymski فى «تاريخ العرب والأدب العربى» Istoria Arabov i arabskoi Literatury (٥١) الذى يحتاج الآن إلى الكثير من الإضافات والتصحيحات. هذا وقد عرض بارتولد بما عهد فيه من الأناة والأصالة العلمية الخطوط الرئيسية لتطور الأدب الجغرافى العربى فى كتابه «تاريخ دراسة الشرق فى أوروبا وروسيا» Istoria lzuchenia Vostoka v Evrope i Rossii (١٩١١ و ١٩٢٥) (٥٢) ؛ ولا يسعنا إلا أن نعبر عن مزيد أسفنا لأن بارتولد لم يفرد لذلك أكثر من خمس صفحات. وفيما يتعلق بتاريخ الفترة الأولى للجغرافيا فثمة أهمية أساسية تنالها الفصول المعقودة لذلك فى المقدمة التى دبجها يراع بارتولد من أجل طبعته للمصنف الجغرافى باللغة الفارسية «حدود العالم» (١٩٣٠) (٥٣). أما مقالى الذى نشر عام ١٩٣٧ (٥٤) فقد كان الغرض منه إعطاء صورة سريعة للأنماط المختلفة للأدب الجغرافى وتوضيح ذلك ببعض النماذج.

ونتيجة لانعدام مرجع عام باللغة الروسية يبين الصفات المميزة للمؤلفات المختلفة فى الجغرافيا فمن المفيد الرجوع إلى الدراسات الموجودة بين أيدينا والمفردة لمعالجة موضوعات معينة ؛ فمثلا فى مقدمة كتاب بتروفسكى Petrovski «الطرق العربية القديمة فى آسيا الوسطى» Drevnie Arabskie Dorojniki po Stedneaziatskim Mestnostiam (١٨٩٤) الذى اعتمد فيه على كتاب اشپرنجرSprenger (١٨٦٤) العتيق فإنه توجد معلومات لا تخلو من فائدة للقارئ الروسى. ويمثل كتاب مدنيكوف Mednikov الضخم عن فلسطين (١٨٩٧ ـ ١٩٠٣) أهمية لا مثيل لها فى دراسة الجغرافيا العربية فقد أورد فيه ترجمات لقطع مأخوذة من خمسة وعشرين جغرافيا ؛ وعلى الرغم من أن القطع كلها تتعلق

٣٤

بجغرافيا فلسطين إلا أنها ذات أهمية خاصة بصفتها تساعد فى تكوين فكرة جلية عن مناهج أولئك المؤلفين. وهذه الترجمات مصحوبة بمعلومات موجزة عن حياة المؤلفين وكتبهم ، كما وأن المؤلف أفرد جزءا خاصا لتحليل المادة الجغرافية عن فلسطين ، مما يمكن أن يكون له أهمية فيما يتعلق بالاستقراءات العامة فى ميدان الجغرافيا العربية. وفى مقدمة كتابه المشهور عن تركستان (١٩٠٠ و ١٩٢٨) ، وذلك عند فحصه للمصادر العربية ، يقدم لنا بارتولد تحليلا عميقا لعدد كبير من الجغرافيين العرب.

وكان المستعربون الروس يبدأون فى العادة معرفنهم بالنصوص الأصلية للمصنفات الجغرافية العربية من كتاب «المختارات العربية» Arabskia Khrestomatia للمستشرقين جرجاس V.F.Girgas وروزن V.R.Rosen (١٨٧٥ ـ ١٨٧٦) وهى مأخوذة من مصنفات خمسة مؤلفين من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر. والمعجم الموجود فى آخرها يجعل من هذه المختارات إلى أيامنا هذه كتابا دراسيا مفيدا حتى فيما يتعلق بالجغرافيا العربية.

بهذا ينتهى عرضنا العام للدراسات الأساسية فى ميدان الأدب الجغرافى العربى ، سواء فى الغرب أو بين ظهرانينا. وهو إن دل على شىء فإنما يدل على أن هذا الفرع من العلم يتمتع حاليا بكثير من العناية ليس فقط من جانب المستعربين أو المستشرقين عامة بل وأيضا من جانب الجغرافيين ومؤرخى العلم بالمعنى الواسع لهذا اللفظ.

ولقد يبدو أن وضع مؤلف جامع فى تاريخ الأدب الجغرافى العربى أمر يسير ، غير أن الدخول فى محاولة مماثلة تكتنفه صعوبات عديدة. والدليل على ذلك أن آخر عرض واسع للموضوع يرجع إلى عام ١٨٤٨ وأنه منذ ذلك التاريخ لم تظهر سوى موجزات قصيرة تأخذ فى العادة شكل مقالات. ويرجع هذا بالطبع إلى أسباب عديدة يتعلق بعضها بالمادة الموجودة تحت تصرف الباحثين ؛ فعدد كبير من الآثار معروف لدينا من عناوينه فقط ولم يكشف عنه إلى الآن. ويكفى أن نشير فى هذا الصدد إلى أن كتاب أبى زيد البلخى (المتوفى عام ٩٣٤) ، وهو يمثل أول حلقة فى سلسلة مصنفات المدرسة ، الكلاسيكية للجغرافيين العرب ، لم يعثر على أصله إلى الآن ؛ كذلك لم يعثر على أصل كتاب الجيهانى فى مجلدات عديدة وهو ينتمى إلى نفس العهد وأفاد منه كثيرا المؤلفون المتأخرون. أضف إلى هذا أن عددا من المؤلفات الجغرافية لا يزال ينتظر النشر ولا يزال بعيدا عن متناول أيدى البحاثين. وقد كتب شوى منذ عام ١٩٢٤ يقول إنه من المستحيل كتابة تاريخ الجغرافيا الفلكية عند العرب نظرا لأن عددا من المؤلفات لا يزال قابعا إلى الآن بين مخطوطات مكتبات لم تفحص بعد. ونفس هذا الحكم يصدق على الجغرافيا الوصفية فأخبار ابن فضلان مثلا عن رحلته إلى الروس (٩٢١ ـ ٩٢٢) لم تتداولها الأيدى إلا فى الآونة الأخيرة على الرغم من أن قطعا منها كانت موضوعا للدراسة منذ أكثر من مائة عام. ويدفع ظهور مواد جديدة إلى إعادة فحص عدد من المسائل التى كانت تبدو إلى عهد قريب كأنها استوعبت

٣٥

بحثا وتقصيا. وإذا أمكن القول بأن مجموعات المخطوطات فى المكتبات الأوروبية والأمريكية قد تم فحصها إلا أن هذا القول لا ينطبق بأية حال على المجموعات الشرقية ؛ فقد برهنت الأعوام الأخيرة على أن مجموعات استنبول تبشر بالكثير فى هذا الصدد إذ أن بعض المخطوطات التى تم الكشف عنها هناك قد دعى إلى إعادة النظر فى نشر طبعة جديدة لأجزاء معينة من طبعة كلاسيكية مثل «مكتبة الجغرافيين العرب».

وإلى جانب الثغرات فى المصادر فإنه لمما يعوق استكمال الصورة العامة صعوبة تحديد المادة أو نسبتها إلى فن معين. والعالم العربى الوحيد الذى اجتهد فى أن يفصل بين منهجى الجغرافيا والتاريخ كان عبد الواحد المراكشى من علماء القرن الثالث عشر الميلادى (٥٥) ؛ غير أن هذه كانت حالة استثنائية إذ فى الواقع أن فصل المنهجين كان أمرا عسيرا. وقد كان عدد من المؤلفين مؤرخا وجغرافيا فى آن واحد ؛ ويكفى أن نذكر فى هذا الصدد المسعودى المشهور (توفى عام ٩٥٦). وكثيرا ما تضمنت المؤلفات التاريخية مادة جغرافية ذات بال كما هو الحال مثلا مع كتاب «فتوح البلدان» للبلاذرى (المتوفى عام ٨٩٢). ومن الواضح أن مثل هذه المادة ومثل هؤلاء المؤلفين لا يمكن إغفالهم فى عرض عام للجغرافيا ؛ ولكن هذا سيؤدى بدوره إلى اتساع الموضوع وترامى أطرافه ؛ ونفس هذا القول يصدق على تلك المؤلفات التى تفرد أقساما خاصة للجغرافيا مثل الموسوعات العديدة التى ألفت بمصر فى عهد المماليك. ويضحى من العسير حل المشكلة إذا ما تبعثرت المادة الجغرافية ، وقد أبصرنا كيف أن المصنفات ذات الطابع القصصى أو الشعبى مثل «أسفار السندباد» يجب أن تحتل مكانها فى مصنف عام يعرض لتطور الأدب الجغرافى ، إذ أنها تمثل نمطا قائما بذاته وتتميز بالطرافة. بيد أن جمع المادة الجغرافية المتناثرة فى الفروع المختلفة للأدب العربى يكاد يكون أمرا مستحيلا بل ولا يخدم أى غرض ؛ وكتاب فيران Ferrand الذى جمع فيه الروايات العربية عن الشرق الأقصى خير دليل على أنه يمكن استخراج هذه المادة من المجموعات الأدبية كما يمكن استخراجها أيضا من المصنفات الفلسفية والنباتية ومن المعاجم ومن المؤلفات الاقتصادية (٥٦). ولعله من الممكن أن يضاف إلى هذه القائمة الآثار الشعرية ، بل وربما جميع فنون الأدب الأخرى دون استثناء. ومن الجلى أن تحليل مادة من هذا النوع فى عرض عام أمر غير مستطاع ؛ أضف إلى هذا أن هذه المصادر عندما تضم مادة جغرافية صرفة إنما تنضم إلى المصنفات الجغرافية نفسها لا إلى مصنف فى تاريخ الجغرافيا. لكل هذا فإن كتابنا قد قصد به تقديم عرض عام للأدب الجغرافى العربى لا جمع المادة الجغرافية الموجودة فى اللغة العربية. ويمكن أن يمثل بعض الاستثناء فى هذا الصدد الفترة الأولى السابقة لظهور المصنفات الجغرافية المختلفة ، فهنا يجب دراسة المواد المبعثرة والإشارات العديدة التى أخذت منذ ذلك العهد تحدد اتجاهات تطور فن جديد من الأدب سيظهر فى القرن التالى لذلك. ويهدف كتابنا أساسا تحليل جميع آثار الجغرافيا الوصفية والرحلات ؛ أما الجغرافيا الفلكية فستعالج فقط بالقدر

٣٦

الذى ترتبط فيه ارتباطا وثيقا بالجغرافيا الوصفية لا كفرع مستقل لأن هذا يتصل بالعلوم الدقيقة. كما وأن عرضا عاما كهذا يتطلب بعض الاتساع من ناحية اللغة ليفسح مجالا للآثار الجغرافية باللغتين الفارسية والتركية ؛ وفى خط تطوره الذى شمل اللغات الثلاث نلاحظ أحيانا أن بعض حلقاته قد حفظ لنا فى لغة مغايرة اللغة التى كتب بها الأصل ؛ فمن المعروف مثلا أن كتاب حاجى خليفة (القرن السابع عشر) بالتركية وهو «جهاننما» يغلب أن يكون وضعه مؤلفه فى بادئ الأمر باللغة العربية. وبعض آثار الأدب الجغرافى المبكر باللغة الفارسية ، مثل المصنف المشهور «حدود العالم» (٩٨٢) الذى لم يعرف مؤلفه إلى الآن أو ككتاب كرديزى (حوالى عام ١٠٥٠) ، قد حفظ لنا خطوطا هامة من تاريخ الأدب الجغرافى العربى بحيث يصبح ذلك التاريخ مبتورا إذا أغضينا النظر عنها.

ويمكن القول بوجه عام أنه ليس من أغراض هذا الكتاب الإلمام بكل أطراف الموضوع بحثا واستيفاء إنما يهدف تقديم لوحة عامة لتطور الأدب الجغرافى ولشخصياته وآثاره المختلفة وذلك على ضوء الاستقراءات التى وصل إليها البحث المعاصر ، كما يهدف أيضا المساهمة فى تقديم العون اللازم كمرجع أولى بالنسبة للموضوعات المختلفة التى يعالج الكلام عليها.

٣٧

حواشى المدخل

__________________

(١) ـ Analectes sur l\'histoire et la littérature des arabes d\'Espagne, par Al ـ Makkari. Pupliés par R. Dozy, G. Dugat, L. Krehl et W. Wright. T. L, Leyde, ٦٥٨١, p. ٣٦٤ ـ ٣٤٩ (Chap. V).

(٢) ـ Bartold ,Kult.Mus.,p.٥٣ ـ ٦٣.

(٣) عن التصنيفات المختلفة للعلوم راجع : حاجى خليفة ، المجلد الأول ص ٢٤ ـ ٤٣

(٤) ياقوت ، المعجم ، ص ٤٤٤ ١٤ ـ ٢٢ ـ ٤٤٥ ٣

(٥) ـ Wiedemann und Frank

(٦) ـ Schoy ,Geography ,p.٩٥٢

(٧) ـ Schoy ,El ,IV ,p.٢٣٣

(٨) ـ Schoy, Geography, p. ٩٥٢ Schoy, EI, II, p. ٣٦٠١ ـ ٤٦٠١.

(٩) ـ Prutz ,p.٣٥ ـ ٤٥.

(١٠) ـ Honigmann ,Die sieben Klimata p.٢٩ ـ ٣٩

(١١) ـ Lund ٨٦١ ـ ٤٧١ ,٩٧١.٣٩١.

(١٢) شرحه ـ p.١.٤٧١ ـ ٩٧١.p.٩١ ,٦٢ ,١٣. خاصةHjelt ,chap.III ,P.٩١ ـ ١٣ ,

(١٣) ـ Lund ,p.٥٦١.

(١٤) شرحه I.٢٦١ ـ ٦٦١

(١٥) ـ Honigmann ,Die Sieben Klimata ,p.٢١١.٣١١

(١٦) ـ Peschel ـ Ruge ,p.١٣١

(١٧) ـ Reinaud ,Introduction ,p.CCXII

(١٨) J.K.Wright ,Geogr.Lore ,p ٤٥٣.

(١٩) ابن حوقل BGA ,II ,p.٨٠١ ـ ١١١

(٢٠) عن تصورات أوربا لهذه السلسلة الجيلية راجع : ـ G.K.Wright ,Oeogr.Lore ,p.٠٧٢.

(٢١) شرحه ـ p.٢٧

(٢٢) ـ Reinaud ,Introduction ,p.CCXXIV.

(٢٣) ـ Mzik ,OLZ ,٤٣ ,١٣٩١ ,p.٩٣٩.

(٢٤) p.٤٥٤ ـ ٥٥٤. رسوم هامة ـ J.K.Wright ,Geographical Lore ,p.٢٤٢ ـ ٣٤٢ ;

(٢٥) ـ J.K.Wright ,Geogr.Lore ,p.٧٥٣.

(٢٦) المقدسى BGA ,III ,p.١٤٢.

٣٨

__________________

(٢٧) ـ Ferrand ,Relations ,I ,p.٣ ـ ٥.

(٢٨) ـ Devic ,Le Pays des Zendjs ,p.٠٢ ـ ١٢.

(٢٩) ـ J.K.Wright ,Geogr.Lore ,p.٧٨.

(٣٠) شرحه ص ٣٩٦ ، ملاحظة ٤٤

(٣١) راجع عنه مفصلا : ـ Beazley III ,p.٩٠٣.٩١٣ ,٩٤٥. وأيضاAtiya ,The Crusade ,p.٤١١.٧٢١. وعن الخارطةP.٣٢١

(٣٢) حيث توجد صورة خارطة سانودو لعام ١٣٢١. ـ Kramers ,The Legacy ,p.٢٩ وأيضا : Kimble ,p.٨٣١ ـ ٩٣١.

(٣٣) ـ Postell

(٣٤) ـ Jacobus Gionovius, De Geographiae origine Progressu ac dulcedine, Lugduni ٣٠٧١, p. ٦١ Peschel ـ Ruge, p. ٠٩١.

(٣٥) ـ Cora e Nallino.

(٣٦) ـ Kremer ,Culturgeschichte ,II ,p.٥٢٤ ـ ٩٣٤

(٣٧) ـ Schwarz ,GZ ,٧٩٨١

(٣٨) ـ Carra de Vaux ,Les Penseurs ,II ,p.١ ـ ١٠١

(٣٩) ـ Kramers ,Legacy ,p.٩٧ ـ ٧٠١.

(٤٠) ـ Kramers ,ZDMG ,٤٣ ,٤٣٩١

(٤١) ـ Ruska ,GZ.

(٤٢) ـ Kramers ,EI ,EB ,p.٢٦ ـ ٥٧.

(٤٣) ـ Schoy ,Geography

(٤٤) ـ Brockelmann ,GAL ,I ـ II ,SB ,I ـ III

(٤٥) ـ EI ,I ـ IV , ـ EB ,

(٤٦) ـ Sarton ,Introduction ,I ـ II

(٤٧) ـ Pons Boigues

(٤٨) De Goeje ,Selections.

(٤٩) ـ Blachere ,Extraits

(٥٠) ـ Girgas ,Ocherk ,p.٨٨١ ـ ٣١٢

(٥١) ـ Krymski ,lst.arabov ,p.٠٠١ ـ ٧٠١

(٥٢) ـ Bartold ,lst.Izuch.Vostoka ,p.٢٥ ـ ٧٥

(٥٣) ٢١ ـ ٦. ، حدود العالم ـ Bartold ,

(٥٤) ـ Krachkovski ,Arabskie Geografy ,p.٨٣٧ ـ ٥٦٧

(٥٥) عبد الواحد ص ٢٥٢ ـ Kramers ,EI ,EB ,p.٣٦

(٥٦) ,I ,p.٠٠٢ ; ابن طفيل II ,p.٩٦٤ ; الابشيهى المتوفى عام ١٤٤٦) ـ Ferrand ,Relations والجوبرى II ,p.٣٠٦ ـ ٦٠٦ الدمشقى,II ,p.٣٦٥ ; برهان قاطع I ,p.٤٣٢ ـ ٦٩٢ ; ابن البيطارII ,P.٨٠٦ ـ ١١٦).

٣٩

الفصل الاوّل

الجغرافيا عند العرب قبل ظهور المصنفات الجغرافية الأولى

للوصول إلى معرفة التصورات الجغرافية فى بلاد العرب قبل الإسلام نجد أنفسنا مضطرين إلى الاعتماد اعتمادا كليا على معطيات طفيفة حفظها لنا العرب أنفسهم ، وهى تفتقر إلى التجانس فى الكثير من الأحايين. وبالطبع فدور بلاد العرب الجنوبية فى تاريخ الشرق القديم خاصة فى محيط التجارة يسوقنا إلى الافتراض بأن العرب قد حصلوا على تجارب عملية مما يحتاج إليه التجار. وقد لعبت بلاد العرب دائما دور الوسيط فى التبادل التجارى بين الهند وأفريقيا الشرقية من ناحية وبلاد دجلة والفرات والإمبراطورية الرومانية من ناحية أخرى. ومن المحتمل أن المعلومات التى جمعها التجار العرب إبان رحلاتهم الطويلة قد تردد صداها فيما خلفوه من أوصاف الطرق المختلفة ، حيث يرد بالإضافة إلى ذكر الأماكن ذكر أهم الآبار وموارد المياه والجبال والقبائل التى يخترق الطريق أراضيها. وقد تبقت شذور من هذه المعلومات التى وصلتنا من السكان المحليين مباشرة فى بعض مصنفات العالم الكلاسيكى القديم ، مثال ذلك «المحطات الپارثية» (The Parthian Stations) لأيزيدور الخركى Isidorus Characensis الذى عاش فى القرن الأول للميلاد وهو من سواحل الخليج الفارسى وربما كان عربى الأصل (١) ؛ وقد ترك لنا وصفا لطرق القوافل بين أنطاكية وحدود الهند (١). ومثال هذا على ما يبدو وصفان لجزيرة العرب ، خاصة فيما يتعلق بمدنها وقبائلها ، وهما لأورانيوس Uranius (٢) وغلاوكوس Glaucos (٣) وقد حفظ لنا منهما شذور نزرة (٤) ؛ وقريبا من عهد جستينيان كانا لا يزالا فى متناول أيدى اسطفان البيزنطى Stephan of Byzantium الذى كثيرا ما أفاد منهما فى معجمه الجغرافى (٥).

وجميع هذه المصنفات لا تعنى كثيرا بالنسبة لموضوع دراستنا (٦) ، ليس فقط لأنها لم تكتب بالعربية التى لم تكن قد ارتقت بعد إلى مصاف اللغات الأدبية ، بل لأنها ظهرت فى محيط الحضارة الكلاسيكية القديمة ولم يفد العرب منها شيئا ؛ وهى لم تعكس الوسط والفترة التاريخية التى بزغت فيها أولى مظاهر

__________________

(*) لا يعرف من أمر إيزيدور هذا شىء يذكر ، والظاهر أنه من مدينةCharax Sapsini وهى مدينة تجارية كانت تقع على فم الخليج الفارسى ويظن البعض أنها المحمرة ويرجح أنه عاش أيام أغسطس قيصر وربما أدرك القرن الأول الميلادى.

(المترجم)

٤٠