تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي

تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

المؤلف:

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي


المترجم: صلاح الدين عثمان هاشم
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: لجنة التأليف والترجمة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٩

بعدد من الجغرافيين المعروفين لنا بل فى زيارة أضرحة الأولياء والمقامات الكثيرة التى سمع بها. وهذه التجوالات تقف أنموذجا حيا لتلك الرياضة الروحية التى سيطرت بمرور الزمن على دوائر عديدة والتى عرضها لنا بالكثير من المهارة جولدتسهرGoldziher (٣٩). وفى أواخر أيام حياته تمتع الهروى بنفوذ كبير لدى والى حلب وهو أحد أبناء صلاح الدين الأيوبى ، وشيد له الأمير مدرسة توفى بها ؛ وقد رأى قبره ابن خلكان (٤٠).

ونظرا لأنه اتخذ فى تجواله مسوح صوفى متسول فقد استطاع أن يحصل على ما يقيم أوده فى الطريق مستغلا فى ذلك أحيانا معرفته بالسحر وجميع ضروب المخاريق. ويبدو اهتمامه بعرض الدنيا أنه كتب اسمه أو نقشه فى كل مكان زاره ، وقد أبصر ابن خلكان بعينى رأسه أمثلة لذلك بعد نصف قرن من هذا (٤١). وعلى أية حال فقد كان الهروى كاتبا نقالة يرتبط اسمه ببعض المصنفات تارة من طراز «كتب الزيارات» المعروفة لنا وهى أشبه بمرشد للحجاج ، وطورا من طراز آخر معروف لنا أيضا وهو طراز «العجائب». وأشهر مصنفاته «كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات» الذى وإن لم يطبع إلى الآن (١) إلا أن الاقتباسات والترجمات العديدة منه تسمح بتكوين فكرة صحيحة عنه (٤٢). وتحيط بالكتاب ظاهرة فريدة هى أن المؤلف اعتمد على ذاكرته اعتمادا تاما أثناء تدوينه له ، ذلك أن الجانب الأكبر من أوراق الهروى ومدوناته فقد أثناء كارثة حلت بسفينته قرب عكا فى عام ١١٩٢ ؛ وهو يستدرك على نفسه أحيانا بقوله إن معلوماته عن بعض الأماكن التى لم يستطع زيارتها شخصيا قد أخذها ممن زاروها.

وقد بدأ الهروى تجواله من حلب فكانت الشام أولى الأقطار التى زارها ووصفها ، وقد حدث هذا بعد أعوام قليلة من زيارة ابن جبير. وأقام أثناء ١١٧٣ ـ ١١٧٤ ببيت المقدس تحت سلطان الصليبيين ، وهنا تظهر لنا جدوى اهتمامه بالنقوش فقد دون نقوشا ذات قيمة تاريخية كانت بمسجد عمر واختفت بعد ذلك. وزار على ممر الوقت أضرحة الأولياء وأماكن العبادة المعروفة بمصر وبلاد ق العرب والعرا وإيران والهند كما زار أيضا أراضى الدولة البيزنطية والقسطنطينية فى عهد الإمبراطور مانويل الأول من آل كومنين (١١٤٣ ـ ١١٨٠) وجرت له محادثة مع الإمبراطور كما يزعم. وفى صقلية سنحت له فرصة مراقبة ثوران بركان اتناEtna فى عام ١١٧٥ ؛ وهو وإن لم يزر الحبشة إلا أنه وصف الأماكن المشهورة بها عمن زاروا تلك البلاد.

وقد أسفر تحليل نقاط مختلفة من كتاب أنه لا يجب رفض مادة الهروى بحجة أنه رجل سهل التصديق لما يقال ومخادع ؛ وهذا هو موقف كاتب جغرافى واسع الاطلاع لا يخلو من الحذر مثل ياقوت. فهو رغما من أنه يشير إلى اسمه مرتين فقط (٤٣) إلا أنه كما ثبت من البحث الذى قام به بلوخ Bloch قد رجع إليه فيما يقرب من ثمانين مرة أمكن تحديدها بدقة تامة. والواقع أن ما نقله ياقوت عن الهروى يفوق

__________________

(*) نشره المعهد الفرنسى بدمشق سنة ١٩٥٣ بعناية جانين سورديل تومين Janine Sourdel ـ Thomine. (المترجم)

٣٢١

هذا بكثير لأن بلوخ قصر بحثه على النقاط المتعلقة بالشام وفلسطين. وصواب رأى ياقوت فى أنه يمكن استخراج معلومات مفيدة من مصنف الهروى قد وكده العلم الأوروبى الحديث ، على الأقل فيما يتعلق بتلك الأقسام التى أخضعت لأبحاث مستقلة وهذا ينطبق على المادة الضخمة التى يوردها الهروى عن الصليبيين وفى وصفه للقسطنطينية (٤٤) ولثوران بركان اتنا. ومن الطريف ملاحظة أنه رغما من سهولة التصديق لدى الهروى فإنه قد ذهب لمراقبة ثوران بركان اتنا ليتحقق بعينى رأسه من زعم أحد العلماء المحليين الذى ادعى أنه قد رأى السمندر (Salamandar) يقفز فى اللهب دون أن يحترق. وقد تمكن الهروى من أن يثبت أن فوهة البركان هى التى كانت تقذف فى الواقع بحجارة ملتهبة فى اتجاه البحر (٤٥).

ومن المؤكد أن كلا من السمعانى والهروى ، رعما من اختلاف منهجيهما ، كانا أستاذين كبيرين لياقوت ، أعنى بذلك أنه قد نقل عنهما كثيرا ؛ ويمكن أن نحكم إلى حد ما على درجة هذا النقل بفضل وجود المصنفات الأصلية بين أيدينا. وإلى جانب هذين المؤلفين نعرف أيضا من القرن الثانى عشر ، وفى النصف الثانى منه بالذات ، عددا من صغار المؤلفين السابقين لياقوت والذين تعتمد معرفتنا بهم فى الواقع على مجرد ذكر ياقوت لأسمائهم. وهم جميعا نجوم ليست من الدرجة الثانية فحسب بل الثالثة ، غير أن عددهم الكبير يقف دليلا على الطابع المميز لذلك العصر وبرهانا على أن ياقوت قد جهد فى استيعاب جميع المادة السابقة له حتى تلك التى لم تتمتع بأهمية من المكانة الأولى. والسلسة الطريفة لهؤلاء المؤلفين ممن ذكرهم ياقوت بالذات تساعدنا على إلقاء ضوء ساطع على شخصيته فى الفصل القادم.

وفى مقدمة معجمه التى يعطى فيها سردا مفصلا لمصادره يذكر ياقوت أنه قد رجع إلى كتاب أبى الفتح نصر بن عبد الرحمن الإسكندرى «توفى عام ٥٦٠ ه‍ ـ ١١٦٥) بعنوان «فيما اختلف وائتلف فى أسماء البقاع» ، فهو بهذا إنما ينتمى إلى المصنفات من طراز «المختلف والمؤتلف» المعروف لنا بما فيه الكفاية والذى كثر استعماله فى ترتيب أسماء الأعلام فى مختلف فروع الأدب ، أى ليس فى الجغرافيا وحدها بل فى التاريخ وتاريخ الأدب الخ. ويقدر ياقوت هذا الكتاب تقديرا عاليا ويرى فيه «تأليف رجل ضابط قد أنفذ فى تحصيله عمرا وأحسن فيه عينا وأثرا» (٤٦) ؛ ورغما من ذلك فقد اطلع عليه ياقوت فى موجز لأبى موسى محمد بن عمر الأصفهانى (٤٧) (توفى عام ٥٨١ ه‍ ـ ١١٨٥) الذى مر بنا شخصه فى صدد آخر ، وهو من رواة الأحاديث المشهورين (٤٨) وأهم من ذلك أنه وضع ذيلا لمعجم الأنساب لابن القيسرانى (٤٩). ويتضح لنا من هذا المثال أن اهتمام هذه الجماعة من العلماء كان موجها قبل كل شىء إلى ما يسمى «بعلم الرجال» (أى رواة الأحاديث). وإلى جانب هذا عرف ياقوت ملخصا آخر لكتاب الإسكندرى عمله أبو بكر محمد بن موسى الخازمى (٥٠) (توفى عام ٥٨٤ ه‍ ـ ١١٨٨) ، وهو كسابقه كان أيضا من رواة الأحاديث (٥١) ولا شك أن اتجاهه كان مشابها لاتجاه أولئك. وقد قدر ياقوت مصنفه تقديرا عاليا فى بادئ الأمر ولكن عندما تعرف على مسودة أبى موسى تأكد لديه؟؟؟ أن الخازمى

٣٢٢

«قد اختلسه وادعاه واستجهل الرواة فرواه» (٥٢). ومن الممكن جدا أن يتصل بهذا المصنف مصنف آخر للخازمى محفوظ فى مخطوطة باستراسبورج يبحث فيه «ما اتفق لفظه واختلف مسماه من الأمكنة المنسوب إليها نفر من الرواة والمواضع التى ذكرت فى مغازى رسول الله» (٥٣).

وقد وكد صدق رأى ياقوت فى هذه الحالة ناشره فستنفلد فقد تمكن بفضل معاونة رايت Wright من أن يكشف بالمتحف البريطانى عن مخطوطة كتاب الإسكندرى تحت عنوان يشير إلى النمط المعروف لنا جيدا وهو «كتاب الأمكنة والمياه والجبال والآثار والنواحى المذكورة فى الأخبار والأشعار (٥٤)». ومن ثم فيجب أن نبصر فيه معجما جغرافيا من طراز معاجم اللغة ورجال الحديث وضع خصيصا لتوضيح «المؤتلف والمختلف» من الأسماء ، وهو هائل الحجم ويضم حسب تعداد قستنفلد ألفين وتسعمائة وثمانية وثلاثين اسما (٥٥). وإزاء انعدام المصادر اللازمة لإجراء مقارنة صحيحة فمن العسير القول إلى أى واحدة من مسوداته الثلاث المعروفة لياقوت ترجع هذه المخطوطة ؛ غير أنه لدى مقابلته بمتن ياقوت تبدو ظاهرة طريفة وهى أن جميع مادة رسالة الإسكندرى قد ضمنها ياقوت فى معجمه. ورغما عن أن المقتطفات ترد تحت ثلاثة أسماء مختلفة إلا أنها تنطبق دائما على مادة مخطوطة المتحف البريطانى (٥٦) ويتجاوز عدد الحالات التى ينقل فيها ياقوت عنه الألفين (٥٧).

إن تفصيلنا الكلام على هذا الاتجاه فى المصنفات الجغرافية للنصف الثانى من القرن الثانى عشر أمر هام جدا بالنسبة لنا ، لأنه يقف دليلا على سعة اطلاع ياقوت المدهشة (٥٨) من ناحة وبرهانا على النشاط الكبير فى ميدان الجغرافيا لذلك العهد من ناحية أخرى. ومهما كان نوع الحكم الذى يصدره الإنسان على هذه المصنفات ، التى بالتأكيد لا يمكن مقارنتها بالآثار الكبرى لمدرسة البلخى ـ الاصطخرى ـ ابن حوقل ، إلا أنه توجد ثمة نقطة للتشابه بين الطرفين. ذلك أنه من المستحيل أن يتجاهل الإنسان أن أحد تلك المصنفات ، مهما كانت قيمته من الدرجة الثانية ، قد خضع لثلاث مسودات مختلفة فى نطاق ثلاثين عاما فقط. ونظرا لأن الكتاب مصنف عادى فإن هذه الحقيقة لا يمكن أن تكون ظاهرة استثنائية ، إذ تحملنا على الافتراض بأن النشاط العلمى قد استمر قدما حتى ولو لم يتصف بالابتداع والأصالة.

ويمثل أهمية خاصة فى القرن الثانى عشر الأدب الجغرافى باللغة الفارسية. وقد حدث أن بينا أكثر من مرة أن هذا الاتجاه يرتبط فى تطوره ارتباطا وثيقا بالجغرافيا العربية وأنه فى أى عرض هدفه الاستيعاب يجب فحصهما معا جنبا إلى جنب. وقد حدث فى بعض العهود أن قدم لنا الأدب الفارسى آثارا أعظم بكثير من العربية ؛ وهو وإن رجع فى مصادره إلى نفس المادة التى استقى منها الأدب العربى إلا أن تأثيره كان محدودا لأن اللغة حالت دون انتشاره فى الجزء الغربى من العالم الإسلامى فاقتصر على المشرق وحده. وقد أتيحت لنا الفرصة لنبصر كيف أن المصنفات الأولى قد مرت فى المشرق على تعديلات وتغييرات عديدة أو أصبحت أساسا ومصدرا للمصنفات المتأخرة. وبالطبع لم تنشأ أنماط جديدة أو أصيلة فى الأدب

٣٢٣

الجغرافى باللغة الفارسية ، وبذا يمكن أن توزع جميع الآثار المبرزة للقرن الثانى عشر على الأنماط المعروفة لنا.

وأحد هذه المصنفات يذكرنا بمصنف ابن حوقل وإلى حد ما بمنهج وصف البلدان والمدن المختلفة كما تم تطبيقه فى المغرب فى «كتاب الاستبصار» الذى مر بنا الكلام عليه فى الفصل السابق لهذا ، ذلكم هو كتاب «فارسنامه» لابن البلخى ، وهو أحد الآثار الأدبية القليلة التى تمخض عنها عهد سلاجقة فارس (٥٩). ولا نكاد نعلم شيئا عن المؤلف نفسه ، غير أن اسمه يشير إلى انتماء أسرته إلى مركز من المراكز الثقافية القديمة فى المشرق الذى ينتمى إليه أيضا مؤسس المدرسة الكلاسيكية للجغرافيا العربية : وكان المؤلف «مستوفيا» (أشبه ما يكون برئيس حسابات) فى عهد أحد السلاجقة (٦٠) ، وهو الذى كلفه بوضع هذا المصنف الذى يمثل وصفا تاريخيا جغرافيا مفصلا لولاية فارس بإيران ؛ ويمكن إرجاع تاريخ تصنيفه إلى العشرة الأولى من القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) ، وهى الفترة بين عامى ١١٠٦ و ١١١٦ (٦١). والكتاب يبدأ بقسم تاريخى مفصل عن ملوك إيران قبل الإسلام (٦٢) ؛ ورغما من أن لوسترايج Le Strange ، وهو أول من لفت الأنظار إلى هذا الأثر (٦٣) ، يتشكك فى قيمة القسم التاريخى منه إلا أن نيكولسون Nicholson يعتقد أنه لا يخلو من بعض الأهمية بصفته أقدم ما كتب نثرا باللغة الفارسية فى تاريخ تلك الحقبة وأنه بالإضافة إلى هذا لا يعتمد على تاريخ حمزة الأصفهانى وحده كما ظن لوسترانج بل على عدد كبير من المصادر الأخرى (٦٤) :

وقد أفرد فيه قسم ليس بالكبير لفتح العرب لفارس (٦٥) ، ولكن يلى هذا القسم الجغرافى القيم الموجود فى ترجمة علمية بقلم لوسترانج (٦٦). ومضمون هذا القسم يقرب إلى حد كبير من كتاب ابن حوقل فى واحدة من مسوداته العديدة (٦٧). أما تبويب الكتاب فيتبع أيضا النموذج المعروف لنا جيدا ، فبعد عرض قصير للتقسيم الإدارى للولاية (٦٨) يرد وصف لنواحيها المختلفة (٦٩) وللطرق الرئيسية (٧٠) ثم استطرادات مختلفة عن القبائل التى تقطن الولاية (٧١) ، ويلى هذا الكلام على الخراج (٧٢). وواضح من هذا أننا بإزاء تكملة واستمرار لأسلوب المدرسة الكلاسيكية للجغرافيين العرب ولكن مع الاقتصار على وصف ولاية واحدة.

وعلى ما يظهر فإن الكتاب لم يكتسب صيتا واسعا ، وهو معروف حتى الآن فى مخطوطتين فقط وثيقتى الصلة ولكنهما مكنتا على أية حال من إخراج الترجمة التى ذكرناها للقسم الجغرافى وأيضا الطبعة الكاملة للمتن (٧٣). أما فى محيط الأدب الفارسى فلا شك أن المؤلف قد ترك أثرا كبيرا ، ففى القرن الرابع نقل عنه كثيرا حمد الله قزوينى (٧٤) ، وفى القرن الخامس عشر أفاد منه كثيرا حافظ آبرو (٧٥).

وبعهد آخر سلاجقة العراق طغرل الثانى (٥٧٣ ه‍ ـ ٥٩٠ ه‍ ـ ١١٧٧ ـ ١١٩٤) يرتبط مصنف جغرافى لأحمد طوسى يعكس نمطا آخر فى الجغرافيا (٧٦) ، ذلكم هو أول كتاب باللغة الفارسية فى فى الكوزموغرافيا (٧٧) وهو يذكّر بعض الشىء بالمصنف المعاصر له فى المغرب للغرناطى ولكن يغلب

٣٢٤

عليه طابع أكثر جدية فضلا عن أن مادته أحفل بكثير من مادة الغرناطى (٧٨). وعنوانه «عجائب المخلوقات» ، بل وتبويبه فى عشرة فصول («قانون وأركان») (٧٩) يكشف عن شبهه الشديد بمصنف زكريا القزوينى الذى ظهر بعد قرن من ذلك (٨٠). وكان تأليفه كما يجب أن يفترض من التاريخ الذى يسوقه المؤلف هو حوالى عام ١١٨٠ (٨١) ؛ ويستند على محض خطأ التاريخ الذى يذكره حاجى خليفة (وهو عام ٥٥٥ ه‍ ـ ١١٦٠) (٨٢) ، وهو خطأ وجد طريقه إلى بعض المؤلفين الأوروبيين. أما عن المؤلف نفسه فلا نكاد نعلم شيئا ، ويرد اسمه فى الغالب على أنه محمد بن محمود بن أحمد (٨٣) ويلوح أن أصله من همدان ، ودليل ذلك أشادته بتلك المدينة مما يفوق كثيرا ما كتبه عن طوس (٨٤).

ودليل آخر على ارتباطه بموطنه استعماله الكثير لابن الفقيه وذلك فى مسودة تشبه إلى حد كبير مخطوطة «مشهد» (٨٥) المعروفة لنا. كذلك يكشف عن معرفة مباشرة كهذه بابن فضلان رغما من أنه ينقل روايته بالكثير من الخلط (٨٦) ؛ ومعروفة لديه أيضا مذكرات أبى دلف. وكما هو الأمر فى كثير من الأحايين مع جغرافيى العهود المتأخرة فإن المعلومات المتعلقة بالقرنين الحادى عشر والثانى عشر يسودها الكثير من الاضطراب لدى المقارنة بما عليه الحال مع العهد السابق لذلك الذى توجد عنه مصادر يمكن الاعتماد عليها أكثر (٨٧).

والعدد الهائل لمخطوطات هذا المصنف الموجودة بأوروبا قد لفت النظر إليه ، خاصة فيما يتعلق بتاريخ شعوب أوروبا الشرقية ؛ وقد حاز قصب السبق فى الكشف عن قيمته بالنسبة لهذا الموضوع المستشرق فون هامرVon Hummer الذى نقل عنه مقتطفات عديدة فى مؤلفه الذى ظهر عام ١٨٢٥ عن «أصل الروس» Sur les Origines Russes (٨٨). وقيمة هذه المقتطفات كما هو الأمر دائما ليست عالية ولكنها لعبت دورها فى البحث العلمى ، ففى عهد فرين Fra؟hn لم تكن توجد مخطوطة لكتاب طوسى بسان بطرسبرغ فاضطر إلى الاستعانة فى بحثه المشهور عن ابن فضلان بما نقله هامر (٨٩). وفقط بعد أعوام طويلة من ذلك تمكن دورن Dorn من الاستعانة بأشهر مخطوطة لطوسى بأوروبا وهى مخطوطة غوتاGotha (٩٠) ، وذلك فى أبحاثه عن بحر قزوين وسواحله. ويمتلك معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية فى الوقت الحاضر مخطوطتين للكتاب لم تفحصا بعد فحصا كاملا دقيقا (٩١).

وفى بعض مخطوطات طوسى ، خاصة مخطوطة غوتا ، توجد خارطات يبلغ عددها ستة فى العادة ، وهى لبحر قزوين والبحر الأبيض المتوسط وبلاد الجبال والسند والخليج الفارسى وبلاد العرب (٩٢). ولعله من فحصها يمكن الافتراض بأنها ذات علاقة ما «بأطلس الإسلام» ؛ وقد لاحظ دورن عند نشره لخارطة بحر قزوين أنه مرسوم فى الواقع على طريقة الاصطخرى (٩٣). غير أن أفضل الخبراء قاطبة بالكارتوغرافيا العربية ، وهو كونراد ميلرK.Miller الذى نشر جميع هذه الخارطات فى أطلسه نقلا عن مخطوطة غوتا (٩٤) المذكورة قرر أن «خارطات طوسى فريدة فى نوعها وغير عادية (٩٥)» :

٣٢٥

وفى الواقع أن خارطتى الجبال وبحر قزوين فقط هما اللتان روعى فى تخطيطهما بعض العناية والدقة ، أما بقية الرسوم فتمثل فى الغالب مسودات وتخطيطات أولية.

وثمة مصنف فى الجغرافيا العامة باللغة الفارسية يسوقنا إلى عهد قريب من عهد المغول وهو كتاب «جهان نامه» لمحمد بن نجيب بكران الذى وضعه لآخر شاهات خوارزم إلا واحدا وهو السلطان محمد (٥٩٦ ه‍ ـ ٦١٧ ه‍ ـ ١٢٠٠ ـ ١٢٢٠) (٩٦). وهو محفوظ فى مخطوطتين وأصبح معروفا لدينا بالذات لأنه يدخل ضمن المجموعة الشهيرة التى كان يمتلكها طومانسكى Tumanski والتى تضم أيضا مخطوطة «حدود العالم» المجهولة المؤلف. وتحمل مخطوطة «جهان نامه» فى هذه المجموعة تاريخ ٦٦٣ ه‍ ـ ١٢٦٥ (٩٧) ، أى أنه قد تم نسخها بعد خمسين عاما تقريبا من تأليف الكتاب (١). ويرجع إلى طومانسكى نفسه الفضل فى التعريف بها لأول مرة وبشذرات منها ، ثم أضاف بارتولد مرارا إلى هذه الشذرات اعتمادا على المخطوطة الباريسية (٩٨). والكتاب يمثل مصنفا من النوع العادى فى جغرافيا العالم موجزا بعض الشىء مما قد يحمل على الاعتقاد بأن المقصود به ليس سوى تعليق على مصور جغرافى (خارطة) لم يصلنا (٩٩). غير أن بعض مادته عن آسيا الوسطى بالذات يمثل أهمية ما ؛ وقد لاحظ بارتولد فى وقته أنه يقدم تفاصيل قيمة عن جغرافيا ما وراء النهر وتاريخ القراخطاى (١٠٠) ؛ وقد ضمنت منه فى الآونة الأخيرة شذرات فى مجموعة المواد الخاصة بتاريخ التركمان (١٠١). وبالرغم من أنه لا يمثل أهمية خاصة فى التاريخ العام لتطور الأدب الجغرافى فإن مصنف محمد بكران لم يهمل على أية حال فى نطاق المحيط الفارسى لهذا الأدب فرجع إليه فى القرن الخامس عشر حافظ آبرو (١٠٢) ، وفى نهاية ذلك القرن يقدم لنا سعيد جرجانى موجزا له فى القسم الثانى من كتابه الذى يحمل العنوان التقليدى «مسالك وممالك» (١٠٣).

ويوشك «جامع الحكايات ولوامع الروايات» لمحمد عوفى أن يكون أهم مصنف باللغة الفارسية بالنسبة للعصر السابق للغزو المغولى وذلك فيما يتعلق بمادته الجغرافية (١٠٤) رغما من أنه لم يقصد به الجغرافيا فى حد ذاتها. ويرجع وقت تأليفه إلى الثلت الأخير من القرن الثالث عشر. وعوفى أصله من بخارى وكان يفخر بأن جده الأعلى هو عبد الرحمن بن عوف الصحابى الجليل (١٠٥) ؛ غير أن شهرة عوفى ومكانته إنما تعتمدان على كونه مؤلفا كبيرا باللغة الفارسية. ونال انتشارا واسعا مؤلف له باللغة الفارسية أيضا يغلب عليه طابع التاريخ الأدبى هو «لباب الألباب». وقد أمضى عوفى أيام صباه ببلاد ما وراء النهر خاصة بسمرقند ولكنه أقام أيضا بخوارزم ونيسابور ؛ ونظرا لاضطراب الأحوال بموطنه وتوتر أخبار الغزو المغولى فقد هاجر عوفى إلى بلاط سلطان البنجاب ناصر الدين قباجه وبعد هلاكه عام ٦٢٥ ـ ١٢٢٨ على يد ايلتتمش سلطان دلهى (٦٠٧ ه‍ ـ ٦٣٣ ـ ١٢١٠ ـ ١٢٣٦) التحق عوفى ببلاط الأخير ، وهو أول

__________________

(*) طبع بموسكو طبعة مصورة (facsimile) فى عام ١٩٦٠. (المترجم)

٣٢٦

أمير هندى يعترف به رسميا خلفاء بغداد بالرغم من أن هذا الاعتراف قد تم قبل قليل من زوال الخلافة العباسية على أيدى الغزاة المغول (١٠٦).

وإلى وزير ايلتتمش رفع عوفى مصنفه «جوامع الحكايات» الذى بدأ تأليفه قبل عام ٦٢٥ ه‍ ـ ١٢٢٨ وأتمه بعد عام ٦٣٣ ه‍ ـ ١٢٣٦. ورغما من أن متن الكتاب لم يطبع إلى الآن طبعة علمية (١) إلا أنه يمكن تكوين فكرة واضحة عنه ليس فقط من الشذرات المتفرقة المنقولة عنه أو من طابعه العام بل أيضا بفضل البحث الوافى الذى كتبه باللغة الإنجليزية محمد نظام الدين وقدم فيه تحليلا لا مثيل له لمضمون الكتاب يمتاز بالعمق والتفصيل (١٠٧).

ومصنف عوفى ينتمى إلى ذلك الطراز من المجموعات الأدبية الذى انتشر بشكل خاص فى الأدب العربى ، أقصد مجموعة القصص التاريخية واليومية التى يقصد بها النصيحة والموعظة الحسنة وأحيانا الإمتاع. وهو يذكرنا من ناحية بكتاب التنوخى «الفرج بعد الشدة» الذى مر الكلام عليه ؛ ولا غرو فقد ترجم عوفى نفسه هذا الكتاب إلى اللغة الفارسية حوالى عام ٦٢٠ ه‍ ـ ١٢٢٣ (١٠٨) ، بل إن بعض قصصه يتكرر فى مجموعته هذه. ولا يخلو مصنف عوفى من درجة معينة من التناسق ولو أنه تناسق ذو طابع خارجى إلى حد كبير ، فهو ينقسم إلى أربعة أقسام يضم كل واحد منها خمسة وعشرين بابا ويختلف عدد الحكايات من باب إلى آخر. وببلغ عدد الحكايات وفقا لتعداد نظام الدين ألفين ومائة وثلاث عشرة حكاية (١٠٩). ويضم القسم الأول منه الحكايات عن حكمة الخالق ومعجزات الأنبياء والأولياء وتاريخ الملوك والخلفاء وسير مشاهير الرجال. أما الثانى ففى بيان الأخلاق الحميدة والسّير المرضية ، والثالث فى الأخلاق المذمومة ؛ أما الرابع فيرد فيه الكلام على الأحوال الغريبة وعجائب البحر والبر وطبايع الحيوان وطرف وملح لمشاهير الناس. وهكذا كما هو الحال دائما مع المجموعات الأدبية نبصر فى كتاب عوفى موضوعات شتى تتابع داخل الباب الواحد دون أى نظام ، فيقابلنا إلى جانب التاريخ الأدب والنصائح والأخلاق بل وحتى ، كما يقول سارطون ، الكوزموغرافيا وعلم الحيوان (١١٠).

وكمية المادة الجغرافية فيه ليست بالمهملة ، بل وأحيانا ذات قيمة كبرى. فإل جانب النقاط العديدة المنتشرة خلال الأقسام المختلفة للكتاب تفوز الجغرافيا بمعناها الواسع بالبابين السادس عشر والسابع عشر من القسم الرابع (١١١) وتبدو خلال ذلك محاولة ملحوظة لعرض المادة فى صورة منظمة. ويرسم لنا فيهما عوفى لوحة عامة للعالم كما يراه الجغرافيون ويزودنا بمعلومات عن بعض الشعوب التى تقطن «الأقاليم» المختلفة. ويبدأ الفصل السادس عشر بفذلكة قصيرة فى الجغرافيا الطبيعية ، ويلى ذلك تقسيم العالم إلى سبعة «أقاليم» ؛ وفى هذا يتفق عوفى كثيرا أو قليلا مع المسعودى من الجغرافيين السابقين والقزوينى والدمشقى من الجغرافيين اللاحقين. ويتلو هذا الكلام على الصين وعاصمتها القديمة وفنها وحضارتها ،

__________________

(*) ظهر الجزء الأول منه باعتناء الدكتور محمد معين ، وذلك ضمن منشورات جامعة طهران. (المترجم)

٣٢٧

وتتفق بعض معطياته فى هذا الصدد مع رواية أبى دلف المعروفة لنا. وتظفر بأهمية كبرى الروايات التالية لذلك عن القبائل التركية فى أواسط آسيا وشمال شرقى أوروبا. ويبدأ الفصل السابع عشر بالجغرافيا التاريخية للروم أى الدولة البيزنطية مع وصف لنظامها العسكرى وللإدارة البلدية والطقوس الدينية والعلم اليونانى فى آسيا الصغرى. ووصف جزيرة العرب الذى يلى هذا تصحبه حكايات عن حضارة العرب قبل الإسلام وعن حياتهم البدوية. أما روايته عن الهند فتقتصر على ملاحظات قصيرة عن انتشار السحر فيها وعن التنوع الكبير فى شعوبها وأديانها. ويلى هذا قسم عن الحبش وأخلاقهم وعاداتهم ، ويختتم هذا الفصل برواية مفصلة عن جزر بحر قزوين ومنطقة البلغار القريبة منه وقبائل أخرى ، وعن الرمال المتحركة وبلد النساء.

وكما يبصر من هذا السرد فالمعطيات الواقعية فى القسم الجغرافى تسير جنبا إلى جنب مع التفاصيل الأسطورية ؛ والمصنف فى مجموعه يمثل أنموذجا جيدا لكتاب وضع من أجل المطالعة الأدبية ولكنه ينتحى بعض الشىء ناحية العجائب Mirabilia. ومجموع الروايات الصحيحة فيه خاصة المتعلقة بالتاريخ القديم لشعوب اتحادنا السوفيتى ليس بالضئيل ؛ ويجب أن نتذكر دائما أن عوفى ، كما وضّح ذلك لأول مرة بارتولد ، هو المؤلف الإسلامى الوحيد الذى يورد اسم الأمير فلاديميرVladimir (١١٢) عند الحديث على اعتناق الروس للمسيحية. كذلك بين ماركفارت Markwart الأهمية الفريدة لروايات عوفى عن شعوب بلغار ويوراYoura وسكان شمال أوروبا (١١٣) ، كما لا تخلو من بعض الأهمية مادته عن قبائل شرقى آسيا والقبائل التركية ؛ وقد أثبت بارتولد أنه أول كاتب فارسى يذكر الأويغورUighur (١١٤). بل وحتى فيما يتعلق بالشرق الأقصى توجد لديه نقاط لا تخلو من الأهمية فقد لفت شيفيرSche؟fer الأنظار إلى قصته عن السادة العلويين الذين هربو بأنفسهم من اضطهاد الأمويين إلى الصين واتخذوها موطنا لهم وأصبحوا بالتالى حلقة وصل بين الصين وبلاد الإسلام (١١٥).

هذا التنوع فى المادة التى يرويها عوفى يقف دليلا على العدد الهائل من المصادر التى رجع إليها واستقى منها ، وقد حلل لنا محمد نظام الدين (١١٦) بالكثير من المهارة نيفا وأربعين منها مما أمكن إثباته دون ريبة. أما فيما يتعلق بمادته الجغرافية على وجه الخصوص فإنه لن يتأتى تكوين فكرة عنها إلا إذا أفردت لذلك أبحاث ودراسات مستقلة. ويبدو جليا فى الأقسام العامة للكتاب تأثير مصنفات كمصنفات الجاحظ (١١٧) والبيرونى (١١٨) ، كما أن عدد المراجع التاريخية التى استقى منها مادته كبير للغاية (١١٩). غير أنه يقتصر فى الفصول الجغرافية على الإشارة الغامضة إلى «كتاب الطبائع» و «مسالك وممالك» (١٢٠) ؛ وإذا أمكننا أن نبصر فى الأول بالكثير من الصواب «طبائع الحيوان» للمروزى (١٢١) من القرن الحادى عشر ، وقد مر عليه الكلام فى موضعه من الكتاب ، فإن القول بأن أى مصنف من نوع المسالك والممالك يقصد عوفى بالذات أمر عسير للغاية بإزاء العدد الضخم من المصنفات فى ذلك الباب. وكما هو

٣٢٨

الأمر دائما مع مصنفات القرنين الثانى عشر والثالث عشر فيوجد ما يبرر الافتراض بأنه قد استعمل آثار المؤسسين الأصليين لمدرسة القرن العاشر بصورة أقل مما استعمل مصنفات المتأخرين من هذه الجماعة.

ومؤلف عوفى يعتبر بحق مصنفا كلاسيكيا فى الأدب الفارسى عرفه جميع الكتاب المتأخرين تقريبا ، ونخص منهم بالذكر حمد الله قزوينى وحافظ آبرو اللذين سنلتقى بهما فيما بعد. هذا وقد ترجم «جوامع الحكايات» أكثر من مرة إلى التركية ، وممن ترجمه ابن عربشاه المشهور (١٢٢) (القرن الخامس عشر) كما رجع إليه كمصدر عام عدد كبير من البحاثة المعاصرين فى مختلف الميادين (١٢٣). وهو هام بالنسبة لنا لأنه يبين مدى اتساع أفق المعلومات الجغرافية بين غير المتخصصين من أهل الأدب فى بداية القرن الثالث عشر ، أى قبل قليل من الغزو المغولى.

ونظرة عامة إلى القرن الثانى عشر بالمشرق تبين لنا أنه لم يأت فى الواقع بأية أنماط جديدة أو آثار كبرى كما حدث فى الماضى ، غير أن هذا بالتأكيد لا يعنى أنه لم تظهر فيه آثار لا تزال محتفظة بأهميتها العلمية إلى أيامنا هذه ، إذ يكفى فى هذا الصدد الإشارة ولو إلى السمعانى وحده ؛ وغفير عدد تلك المصنفات التى لم تستخرج منها بعد المواد التى تخص كل فرع من فروع العلوم. كما أن هذا العصر هو أول عصر تكتسب فيه المصنفات الفارسية أهمية أكثر من ذى قبل بل وتتمتع أحيانا بدرجة عالية من الأصالة. ولكن أن يستنتج من هذا أن الأدب الفارسى قد تفوق على الأدب العربى فى ذلك العصر ، على الأقل فى محيط الجغرافيا كما حدث بالتالى فى محيط التاريخ ، لهو أمر سابق لأوانه حقا. بل على العكس من هذا يقدم لنا القرن التالى لهذا عددا من المصنفات الكبرى ، إن ليس فى أنماط جديدة فعلى الأقل بأهداف جديدة. ويشغل المكانة الأولى بينها دون منازع سواء من ناحية الأسبقية الزمنية أو القيمة الذاتية مؤلف ياقوت الذى يقدم لنا جماع ما عرف فى هذا الميدان فى الحقبة التاريخية السابقة للغزو المغولى ، ويحتل مكانة رفيعة لا مثيل لها سواء فى محيط الرحلات أو الجغرافيا بفروعها الفلكية واللغوية والوصفية.

٣٢٩

حواشى الفصل الحادى عشر

__________________

(١) ـ Brockelmann, GAL, I, p. ٣٧٤, No ٤; SBI, p. ٣٦٨ ـ Kramers, EI, EB, p. ٩٦ ـ Wiedemann, Al ـ Kharaki, p. ٧٢٠١ ـ Sarton, Introduction, II, p. ٤٠٢ ـ ٥٠٢.

عن مقالات فيدمان راجع : Sarton ,Introduction II ,p.٥٠٢

(٢) ـ Wiedemann, Beiträge, LXX, p. ٣٠٢ ـ Sarton, Introduction, II, p. ٤٠٢

(٣) ـ Wiedemann ,Beitrage ,LXX ,p.٤٠٢

(٤) ـ Kramers, EI, EB, p. ٩٦ ـ Brockelmann, GAL, SBI,, p. ٣٦٨

(٥) ـ Nallino ,Batta؟ni ,I ,p.LXVI LXVII

(٦) حاجى خليفة ، الجزء السادس ، ص ١٧٠ ، رقم ١٢١٢٤

(٧) ـ Sarton ,Introduction ,II ,p.٥٠٢

(٨) (نص) p.٣٧١ ـ ٥٧١ (ترجمة) ـ Nallino.Batta؟ni ,I ,p.٩٦١ ـ ٢٧١ راجع أيضا فيران : Ferrand ,Relations ,I ,p.٠٧١ ـ ١٧١

(٩) راجع : حدود العالم ، ص ٢٨

(١٠) ـ Ferrand ,Notes ,p.٧١ ـ ٠٢

(١١) حدود العالم ، ص ٧

(١٢) ـ Wiedemann, Al ـ Kharaki, p. ٧٢٠١ ـ Sorton, Introduction, II p. ٥٠٢

(١٣) ـ Wiedemann ,Beitra؟ge ,LXX ,p.٥٠٢ ـ ٩٠٢

(١٤) شرحه ص ٢٠٩ ـ ٢١١

(١٥) ـ Brockelmann, GAL, I, p. ٩٨٢ ـ ٣٩٢, No ٢١; SBI, p. ٧٠٥ ـ ٣١٥ ـ Brockelmann, EI, IV, p. ٥٠٣١ ـ ٧٠٣١ ـ Sarton, Introduction, II, p. ١٧٢ ـ ٢٧٢ ـ Reinaud,

وأيضا بحثه :

Introduction, p. CV ـ CVI; Notice sur les dictionnaires, p. ٨٧ ـ ٢٨

(١٦) ابن بطوطة ، الجزء الثالث ، ص ٦

(١٧) يينبول فى كتاب : Salverda ,p.٦٢ ـ ٨٢

(١٨) شرحه ، ص ١٤ ـ ١٨

(١٩) شرحه ، ص ١٨

(٢٠) ياقوت ، المعجم ، الجزء الأول ، ص ٧ : له كتاب لطيف فى ذلك.

(٢١) ـ Heer ,p.٠٣ ,I ـ Salverda ,p.٨

(٢٢) ـ Salverda

٣٣٠

__________________

(٢٣) شرحه ، ص ٩

(٢٤) ـ Brockelmann, GAL, I, p. ٩٢٣ ـ ٠٣٣ No ٢ : SBI, p. ٤٦٥ ـ ٥٦٥ ـ Sarton, p. ١ ـ ٥ المقدمة Introduction, II, p. ٤٤٤ ـ ٥٤٤ ـ Margoliouth, Al ـ Sam\'ani, Bartold, Turkestan, II, p. ٥٣ ـ ٦٣ ـ Beliaev, MITT, p. ٣٣ ـ ٤٣ ـ Reinaud, Introduction, p. CX ـ CXI.

(٢٥) ـ Heer ,p.٩٣.b

(٢٦) عن نسب السمعانى راجع : Margoliouth ,Al ـ Sam\'ani ,p.٥

(٢٧) فهرست مصنفات السمعانى ، شرحه ص ٦

(٢٨) ـ Reinaud ,Introduction ,p.CVIII ـ CIX

(٢٩) ـ Brockelmann, GAL, I, p. ٥٦١, NO ٢١ ـ Heffening, Al ـ Darakutni, p. ٩٤ ـ ٠٥

(٣٠) ـ Brockelmann ,GAL ,SBI ,p ,٥٧٢ No ٢١

(٣١) ـ Brockelmann ,GAL ,SBI ,p.٢٠٦ ,NO ٤

(٣٢) ـ Brockelmann ,GAL ,p.٥٥٣ ـ ٦٥٣ ,NO ٨ ;SBI ,p.٣٠٦

(٣٣) ـ De Jong ,Kitab al ـ ansab

(٣٤) (ياقوت ، المعجم ، الجزء الثالث ، ص ٤٤٤ ـ ٤٤٥ ـ) ـ Schefer ,NOiice ,p.١١

(٣٥) (فهرس فستفلد غير تام : المعجم. الجزء السادس) ـ Heer ,p.٩٣ ,note ٥.

(٣٦) اسمه الكامل : «كتاب اللباب فى تهذيب الأنساب»

(٣٧) ـ Beliaev ,MITT ,p.٤٣

(٣٨) ـ Reinaud, Introduction, p. CXXVII ـ CXXIX ـ Brockelmann, GAL, I, p ٨٧٤, No ٨, SBI, p. ٩٧٨ ـ Sarton, Introduction, II, p. ٣١٤ ـ ٤١٤ ـ Amari, Nallino) I, p. ١٥ ـ ٢٥, ٩٩١; II, p. ٠٠٥ ـ Mednikov, Palestina. Translation,) p.٨٤٩.٦٦٩ ـ Schefer ,Archives p.٧٨٥ ـ ٩٠٦ ـ Bloch. (٣٩) ـ Goldziher ,Muham.Studien ,II ,p.٨١٣

(٤٠) ـ Bloch ,p.٤١

(٤١) شرحه ، ص ١٣

(٤٢) راجع : حاجى خليفة ، الجزء الأول ، ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ، رقم ٧٥٠

(٤٣) ـ Bloch ,p.٢١

(٤٤) ـ Hartmann ,DI ,XIX ,p.٦٩٢ ـ ٨٩٢

(٤٥) ـ Amari Bibl. ar ـ Sic., I p. ٦٣١ ـ Amari (Nallino) II, p. ٥٠٥

(٤٦) ياقوت ، المعجم ، الجزء الأول ، ص ٨.

(٤٧) شرحه

٣٣١

__________________

(٤٨) ـ Brockelmann ,GAL ,I ,p.٥٦٣ ـ ٦٦٣ ,NO ,١١ ;SBI ,p.٥٢٦

(٤٩) المتن ص ١٦٧ ـ ٢٢٤ ـ De Jong ,Kitab al ـ ansab ,p.XIV ـ XVIII ;

(٥٠) ياقوت ، المعجم ، الجزء الأول ص ٨

(٥١) ـ Brockelmann ,GAL ,I ,p ,٦٦٣ ,NO ٢١ ;SBI ,p.٥٠٦

(٥٢) ياقوت ، المعجم ، الجزء الأول ، ص ٨ ـ ياقوت ، المعجم ، الجزء الخامس ، المقدمة ص ٣٢ ـ ٣٣

(٥٣) ـ Brockelmann ,GAL ,SBI ,p.٥٠٦ ,NO ٣١ ,٣

(٥٤) ياقوت ، المعجم ، الجزء الخامس ، المقدمة ، ص ٣٣. غير موجود لبروكلمان.

راجع : Catalogus ,II ,p.٨٠٦ ,NO ١١٨

(٥٥) ياقوت ، المعجم ، الجزء الخامس ، المقدمة ، ص ٣٣ ـ الفهرست ص ٣٤ ـ ٤٥

(٥٦) ياقوت ، المعجم ، الجزء الخامس ، المقدمة ، ص ٣٤.

(٥٧) ـ Mednikov ,Palestina ,II ,٢ p.٩٦٩ ,note ١

(٥٨) راجع : Heer ,p ٩١ No ١

(٥٩) ـ Kramers ,EI ,EB ,p.٩٦ ـ ٠٧

(٦٠) ـ Nicholson ,The Farsnama ,p.X

(٦١) ـ Sarton ,Introduction ,II ,p.١٢٢

(٦٢) ـ Nicholson ,Farsnama p.٨.٣١١

(٦٣) ـ Le Strangc, Description of The Province of Fars, p. ٤ ـ ٥

(٦٤) ـ Nicholson ,The Farsnama ,p.XXII ـ XXIV

(٦٥) شرحه ، ص ١١٣ ـ ١١٩

(٦٦) ـ Le Strange, Description of The Province of Fars, p. ٧١ ـ ٠٣, ١١٣ ـ ٩٣٣, ٥٦٨ ـ ٩٨٨

(٦٧) ـ Kramers ,EI ,EB ,p.٩٦ ـ ٠٧

(٦٨) ـ Nicholson ,Farsnama ,p.٩١١ ـ ٠٢١

(٦٩) شرحه ص ١٢١ ـ ١٦٠

(٧٠) شرحه ص ١٦٠ ـ ١٤٦

(٧١) شرحه ص ١٦٤ ـ ١٧٠

(٧٢) شرحه ١٧٠ ـ ١٧٢

(٧٣) شرحه

(٧٤) ـ Le Strange, Deseription of The Province of Fars, p. ١ ـ ٢ ـ Sarton, Introduction, II, p. ١٢٢

٣٣٢

__________________

(٧٥) p.٣ شرحه ـ Le Strange ,

(٧٦) ـ Sarton ,Introductian II ,p ٣١٤

(٧٧) ـ Ruska ,GZ ,p.٦٩٥

(٧٨) ـ Kramers ,EI ,EB ,p ٩٦

(٧٩) ـ Rosen ,Coll ,Scient.,III ,p.٤٤١

(٨٠) ـ Kramers ,EI ,EB ,p.٩٦

(٨١) شرحه ـ Ruska ,GZ ,

(٨٢) حاجى خليفة ، الجزء الرابع ، ص ١٨٨ ، رقم ٨٠٧١

(٨٣) (يتشكك فى صحة الإسم) ـ Rosen ,Coll.Scient.,III ,p ٤٤١

(٨٤) شرحه ص ١٤٥. أثبت الإسم الحقيقى : N.D.Miklukho ـ Maklai p.٦٨١ ـ ٨٨١

(٨٥) ـ Beliaev ,MITT ,p.٠٢

(٨٦) ـ Kovalevski ,p.٢٤

(٨٧) ـ Volin ,Zap.IVAN ,VI ,p.٩٧

(٨٨) المتن ص ٩٦ ـ ١٠٢ ـ Hammer ,Sur Les orig.russes ,p.٢٣ ـ ٩٣

(٨٩) ـ Frahn ,Ibn Foszlan ,p.LIX

(٩٠) ـ Dorn ,Auszüge ,Me؟l.As.,VI ,p.٤٦٣ ـ ١٨٣

(٩١) ـ Kovalevski ,p.٢٤

(٩٢) ـ Sarton ,Introduction ,II ,p.٣١٤

(٩٣) ـ Dorn ,Auszüge ,Me؟l.As.,VI ,p.٥٦٣

(٩٤) ـ Miller, III / IV, No V, Tabl ٢١, No ٥ (The Mediterranean) ; No ١, Tabl. ١٢, No ٠١) Arabia (; No II, Tabl. ٢٢, No ١١) Persian Sea (; No XII, Tabl ٦٣ No ٣١) Sind (; No XIV, Tabl. ١٤, No ٦) Djibal (; No XVI, Tabl, ٧٤, (NO ٦ (Caspian Sea

(٩٥) ـ Miller ,I ,I ,p.١٢

(٩٦) ـ Kramers ,EI ,EB ,p.٠٧

(٩٧) حدود العالم ، p.VII (يوجد خطأ فى التاريخ الميلادى)

(٩٨) ـ Tumanski ZVO IX ,p.٢٠٣ ـ ٣٠٣ ـ Same ,ZVO ,X ,p.٤٢١

(٩٩) ـ Romaskevich ,Djehan ـ name ,p.٩٤

(١٠٠) ـ Barthold ,Turkestan ,p.٦٣ ـ ٧٣

(١٠١) ـ MITT ,I ,p.٩٤٣ ـ ٠٥٣

(١٠٢) (ـ Tumanski ZVO ,X ,p.٤٢١ ,note ١ (Bartold

٣٣٣

__________________

(١٠٣) ـ Romaskevich ,Djehan ـ Name ,p.٩٤

(١٠٤) ـ Browne, Literary History of Persia, II, p. ٧٧٤ ـ ٩٧٤ ـ Sarton, Introduction. II, p ٢٠٦ ـ Krymski, Istoria Persii, II, p. ٢٢ ـ ٥٢ ـ Krymski, Istoria Persii, Ukranian) I, p. ١١, NO ٥٢)

(١٠٥) توفى فى عام ٣١ للهجرة ـ ٦٥٢ ـ Houtsma ,EI ,I ,p.٧٥

(١٠٦) ـ Awfi ,EI ,I ,p.٧٣٥ ـ ٨٣٥ ـ IItutmish ,EI ,II ,p ١٠٥

(١٠٧) محمد نظام الدين

(١٠٨) شرحه ص ١٤ ـ ١٨ ، ٩٤

(١٠٩) شرحه ، ص ١٩ ، ١٤٠ ـ ٢٦١

(١١٠) ـ Sarton ,Introduction ,II ,p.٢٠٦

(١١١) تحليل للمحتويات لدى محمد نظام الدين ، ص ١٠٢ ـ ١٠٣ ؛ وبالتفصيل فى نفس المرجع ص ٢٤٧ ـ ٢٤٩

(١١٢) راجع أيضا : ـ Bartold ,ZVO ,IX ,p.٢٦٢ ـ ٧٦٢ ;CB ,I ,p.٩٣ ـ ٠٥

(١١٣) ـ Markawrt ,Bericht p ١٦٢ ـ ٤٣٣

(١١٤) ـ Barthold ,Turkestan.p.٦٣

(١١٥) ـ Schefer, Nolice, p. ٣ ـ ٤ ـ Muhammad Nizamuddin, p. ٧٤٢

(١١٦) ـ Muhammad Nizamuddin ,p.٥٣ ٣٠١

(١١٧) شرحه ، ص ٩٦ ـ ٩٩ ، رقم ٣٤

(١١٨) شرحه ، ص ٣٧ ، رقم ١

(١١٩) شرحه ، حسب القائمة صفحات ٣٥ ـ ٣٦ ، رقم ٣ ـ ٤ ، ٨ ـ ١٧ ، ٣٠ ، ٣٦

(١٢٠) شرحه ص ١٠٢

(١٢١) راجع : شرحه ص ٨٨ ـ ٨٩ ، رقم ٢٩

(١٢٢) شرحه ص ٣١

(١٢٣) راجع الأبحاث الهامة إلى عام ١٩٢٩ لدى : Muhammad Nizamuddin ,p.١٣ ـ ٢٣

٣٣٤

الفصل الثانى عشر

ياقوت ومؤلفو النصف الأول للقرن الثالث عشر

يعتبر الغزو المغولى حدا فاصلا فى تاريخ القسم الشرقى من العالم العربى ؛ فابتداء من تلك اللحظة أخذت مراكز الحضارة الإسلامية تتزحزح بسرعة نحو الغرب ولم تلبث بغداد التى كانت حتى تلك اللحظة محتفظة بمكانتها كمركز علمى رغما عن التدهور السياسى للخلافة العباسية ، أقول لم تلبث بغداد أن تنازلت عن ذلك المركز لحلب ودمشق ثم بصورة نهائية للقاهرة. ومن الممكن عمل خلاصة وافية لكل فرع من فروع العلوم فى العالم الإسلامى فى منتصف القرن الثالث عشر ، غير أنه لم يحدث فى الواقع أن اهتم العلماء لذلك باستثناء ياقوت ؛ فهو قد أحس إحساسا صادقا بالحاجة إلى مرجع عام يجمع شتات المادة الجغرافية المعروفة لعصره. وقد حدث فعلا أن هلك جزء كبير من المادة التى كانت تحت تصرفه فى خضم المصيبة الكبرى التى اجتاحت العالم الإسلامى.

وأهمية معجم ياقوت تتجاوز بكثير حدود الأهداف الجغرافية الضيقة ، فهو فوق ذلك يمثل آخر انعكاس لتلك الوحدة المثالية للعالم الإسلامى تحت حكم العباسيين ، رغما من أنها كانت فى واقع الأحوال أثرا من آثار الماضى. وهو أوسع وأهم ، بل وأكاد أقول أفضل مصنف من نوعه لمؤلف عربى للعصور الوسطى (١). ولتكوين فكرة عن حجمه يكفى أن نذكر أن المتن المطبوع يضم ثلاثة آلاف وثمانمائة وأربعا وتسعين صفحة. وهو جماع للجغرافيا فى صورها الفلكية والوصفية واللغوية وللرحلات أيضا ، كما تنعكس فيه الجغرافيا التاريخية إلى جانب الدين والحضارة والاثنولوجيا (Ethnology علم الأجناس والفصائل البشرية) والأدب الشعبى (Folklore) والأدب الفنى وذلك فى القرون الستة الأولى للهجرة. ويقرب عدد الشواهد الشعرية وحدها فيه ، وذلك بين صغيرها وكبيرها ، من الخمسة آلاف (٢) استطاع الناشر أن يحقق منها ما يقرب من ثلاثة آلاف من المصادر الأخرى.

ورغما من القيمة الأدبية الكبرى لهذا الأثر فقد تعرف عليه العلم الأوروبى بعد مدة طويلة من تعرفه على الإدريسى وأبى الفدا خاصة ، وهذا الأخير هو الذى استمرت له السيطرة دون انقطاع إلى منتصف القرن التاسع عشر تقريبا. حقا إن اسم ياقوت قد ورد ذكره من وقت لآخر لدى علماء مدرسة الاستشراق الهولندية مثل غوليوس Golius فى طبعته للفرغانى (١٦٦٩) أو غرونوفيوس Gronovius (١٧٠٣) الذى لفت إليه الأنظار فى بحثه عن «نشأة وتطور وفائدة الجغرافيا» (٣)

٣٣٥

De Geographiae Origine, Progresssu ac dulcedine ، كما عرفه كوهلرKoehler الذى نشر الجزء الخاص بالشام من جغرافيا ابن الوردى (١) (١٧٧٦) (٤). بيد أن الاهتمام بمؤلف ياقوت قد انبعث فى القرن التاسع عشر فقط عندما تسربت مخطوطاته إلى أوروبا بالتدريج ؛ ويرجع الفضل فى هذا قبل كل شىء إلى اثنين من علماء الشمال هما راسموسن Rasmussen (١٨١٤) وفرين Fra؟hn (١٨٢٣) اللذان كانا أول من نقل عن المعجم القطعة المشهورة لابن فضلان ؛ وكان فرين بالذات هو أول من كتب عن شخص ياقوت وعرف به ، وقد احتفظ بحثه كما أثبت روزن بقيمته إلى أوائل القرن العشرين. ومن قبل روزن حاول باربييه دى مينارBarbier de Meynard أن يبخس من تقييم فرين (٥) لشخصية ياقوت العلمية ولكن الخطوات التى تمت بالتالى فى دراسة الموضوع أثبتت خطل رأيه ، ولعله يمكن توضيح موقفه التشككى بأن المتن الكامل للمعجم لم ير النور إلا فى عام ١٨٦٠. وقد وكدت الأيام صدق رأى فرين ، بل ورأى سنكوفسكى أيضا ؛ والأخير عندما نشر ترجمته (٦) لرواية ياقوت عن تفليس (١٨٣٨) (٧) وصفه بأنه «كاتب مدقق مجتهد ندين له بحفظ آثار قيمة فى تاريخ وجغرافيا العصور الوسطى (٨) .... وهو قد أبدى الكثير من الغيرة والحماس فى دراسة الأوضاع الجغرافية والاثنوغرافية والسياسية لعصره (٩)». أما عملية نشر المصنف بأجمعه فى عهد فرين فقد كانت أمرا بعيد المنال إذ حال دون ذلك ليس فقط العيوب الموجودة بالمخطوطات الثلاث المعروفة آنذاك (كوبنهاغن وبطرسبرغ وأوكسفورد) بل أيضا الحجم الضخم للكتاب. ومرت فترة نصف قرن تقريبا قبل أن يفكر أحد فى تنفيذ ذلك المشروع ، ولكن تم فى خلالها فحص مخطوطات أخرى للكتاب (باريس وبرلين ولندن) (١٠) وطبع مصنفين آخرين لياقوت أقلا حجما من المعجم. وفى الواقع أن طبع أحد هذين المصنفين الصغيرين ، الذى كانت الفكرة الأساسية من تأليفه أن يكون بمثابة مدخل للمعجم الكبير ، كان أشبه بالقوة الدافعة التى ساقت إلى التفكير فى طبع المعجم نفسه (١١).

وكان طبع المعجم فى ستة أجزاء فى الفترة بين عامى ١٨٦٦ و ١٨٧٣ إحدى الخدمات الجليلة ، بل وربما كانت أجلها ، التى طوق بها فرديناند فستنفلد عنق الاستعراب العالمى. وهذه الطبعة وإن وقفت على مستو عال بالنسبة لحاجة العصر إلا أنها لا تستوفى تماما المطالب العلمية لعصرنا بالنسبة لما يجب أن يكون عليه نشر النصوص وتحقيقها ، ورغما عن هذا فإنه لا يبخس من قيمتها تلك الاعتبارات والفروض التى أعرب عنها فليشرFleischer ، أبرع ناقد للنصوص فى وقته ، والتى ظهرت فى الجزء الخامس للمعجم ؛ كذلك لا تخلو من أهمية كبيرة فى هذا الصدد الفهارس المختلفة التى أفرد لها الجزء السادس. ولم ينكص فستنفلد أمام الجهد الهائل الذى تطلبه أحيانا تحقيق أسماء الشخصيات التاريخية التى ذكرها ياقوت ، مما استدعى منه الرجوع إلى عدد هائل من المصادر الأدبية. ولا تزال هذه الطبعة إلى الآن من أهم المراجع

__________________

(*) كان سهوا غير مقصود من المؤلف (Lapsus Calami) حين وضع اسم أبى الفدا بدلا من اسم ابن الوردى. (المترجم)

٣٣٦

لجميع المشتغلين بالدراسات العربية ، ولم يأت بجديد إعادة طبع المتن بالقاهرة فى عام ١٣٢٣ ه‍ ـ ١٣٢٤ ه‍ ١٩٠٦ (١٢) ، رغما من أن الناشر كانت لديه فكرة عالية عن مجهوده بالنسبة لطبعة فستنفلد (١٣) الذى لم يفعل شيئا فى الواقع سوى أن أعادها بحذافيرها. ويمكن بالطبع أن تقابلنا أحيانا فى هذه الطبعة الثانية قراءات أفضل ، ولكن هذا يحدث من قبيل الصدفة البحتة (١٤) ، وأطرف من ذلك أن طبعة القاهرة هذه قد أضيف إليها جزآن بعنوان «منجم العمران فى المستدرك على معجم البلدان» (١٥) يستدرك فيهما الناشر ، وهو أمين الخانجى المعروف ، على مادة معجم البلدان. وقد تمس هذه الاستدراكات أحيانا نقاطا عالجها ياقوت فيورد الناشر المعلومات المتأخرة فى ذلك ، ولكنه فى أغلب الأحيان يقصر كلامه على بلاد ومدن العالم الحديث بأوروبا وأمريكا واستراليا. وهذه الإضافة وإن لم تمثل قيمة ما من وجهة النظر العلمية إلا أنها برهان طريف على استمرار الأنماط القديمة للمعاجم الجغرافية التقليدية بين الأوساط العربية المثقفة إلى بداية القرن العشرين (١).

وقد كان مجهود فستنفلد بمثابة حجر الزاوية فى دراسة شخصية ياقوت نفسه ودراسة المادة التى تحتويها دفتا مصنفه. ولعله لم يتمتع جغرافى عربى بعدد من الدراسات مثل الذى أفرد لياقوت ، بل إن الناشر نفسه قد حاول فى مقالات منفردة إلقاء ضوء على سيرة حياته وعلى الأخص رحلاته. وبمرور الزمن ظهرت دراسات عن مصادره ـ وبالذات عن المادة التاريخية الجغرافية التى اشتمل عليها كتابه من ناحية عامة (١٦) ، وكذلك فيما يختص بالمؤلفين الذين نقل عنهم (١٧). ونتيجة لظهور طبعة كاملة للمعجم فقد أضحى فى حيز الإمكان تكوين فكرة صحيحة عن عدد كبير من المؤلفات التى رجع إليها والتى لم تصبح فى متناول الأيدى إلا بعد ذلك بوقت طويل ؛ ويصدق هذا بالذات على مصنفات ابن الكلبى وابن فضلان وأبى دلف وابن بطلان وعدد آخر من المؤلفين ، فلا غرو أن نلتقى باسم ياقوت فى كتابنا هذا أكثر من اسم أى جغرافى آخر كمصدر عن المؤلفين السابقين. هذا وقد أخضعت المادة الجغرافية التى جمعها ياقوت لدراسات مختلفة بحسب كل قطر أو عصر ؛ فمعروفة لنا محاولة باربييه دى مينار فى جمع وتنسيق مادته عن إيران ؛ كما توجد دراسة عن انعكاس صدى الحروب الصليبية فى المعجم ؛ بل ويوجد فهرس منظم خاص بالموضوعات الأدبية والشعبية (الفولكوريةFolkore) والاثنوغرافية التى يعالجها ياقوت مع سرد أسماء المراجع التى يستقى منها. وفى عام ١٨٩٠ حلل مدنيكوف Mednikov المعجم تحليلا عاما فى محاضرة له لم تطبع بالتالى (١٨) ، كما بين طريقة تناول ياقوت لمصادره وكيف كان منهجه فى نقد النصوص ؛ كذلك لا تزال تحتفظ ببعض أهميتها إلى أيامنا هذه آراء روزن حول هذا الموضوع. من كل هذا يتضح لنا أن المجال قد هيئ لدراسة وافية عن ياقوت ، وأنه يستحق فعلا مثل هذه الدراسة. وبالنسبة لموضوعنا فإن سيرة حياة ياقوت ليست بأقل أهمية من مصنفه ، وهى برهان آخر على سعة الأفق والعبقرية التى تميزت بها الشخصيات العلمية التى شادت بمصنفاتها الصرح الهائل للحضارة العربية.

__________________

(*) ظهرت أخيرا ببيروت طبعة ثالثة للمعجم ؛ وهى أيضا بدورها لم تأت بجديد. (المترجم)

٣٣٧

واسم ياقوت يشير إلى أنه كان فى الأصل عبدا رقيقا ؛ وقد جرت العادة بتسمية الأرقاء بأسماء الحجارة الكريمة والطيب كزمرد وكافور الخ. وقد حاول ياقوت فيما بعد استبدال اسمه باسم مقارب له فى اللفظ وهو يعقوب ولكن ثبت عليه ، سواء بين معاصريه أو لدى الأجيال التالية أو فى الدوائر العلمية ، ذلك الاسم الذى كان يطلق عادة كما ذكرنا على الأرقاء. أما نسبته وهى الرومى فدليل على أن أصله من بلاد الدولة البيزنطية وربما كان إغريقى الجنس. ونظرا لأن أباه كان غير معروف فقد تسمى بابن عبد الله كما جرت العادة فى مثل هذه الأحوال. وجميع هذه الأسامى كانت واسعة الانتشار وتسمى بها عدد كبير من الموالى من أصل رومى ؛ وياقوت نفسه يذكر فى معجمه الأدبى اثنين من معاصريه كانا يشاركانه اسمه مشاركة تامة ، أحدهما أبو الدرياقوت بن عبد الله الرومى الذى عرف كشاعر وأديب وتوفى عام ٦٢٢ ه‍ ـ ١٢٢٥ (١٩) ، الآخر ياقوت بن عبد الله الرومى الذى عاش بالموصل واشتهر لا كأديب ونحوى فحسب بل وكخطاط أيضا من مدرسة ابن البواب المشهور ؛ وقد قابله مؤلفنا بالموصل عام ٦١٣ ه‍ ـ ١٢١٦ وتوفى بعد خمسة أعوام من ذلك فى عام ٦١٨ ه‍ ـ ١٢٢١ (٢٠).

ويعرف ياقوت أيضا باسم الحموى نسبة إلى التاجر الذى اشتراه وهو غلام ، وكان من أهل حماة. وإجماع الآراء أن ياقوت ولد عام ٥٧٥ ه‍ ـ ١١٧٩ ، ولم يكن يفهم لغته الأصلية أو على الأقل لم يجدها ؛ وقد أصبحت العربية لغته القومية ولكن يلوح أنه بالنسبة لأصله الأجنبى فإنه لم يبلغ درجة عالية من الفصاحة فيها ، ولو أن الذى لاحظ ذلك علامة متعسف كفليشرFleischer (٢١) ؛ ولعله ليس من قبيل الصدفة أن نثره الفنى لم يبلغ درجة عالية من البلاغة أيضا (٢٢).

وعلى أية حال فقد نال ياقوت تعليما إسلاميا جيدا ، شأنه فى هذا شأن الأرقاء من الروم الذين التقينا بهم من وقت لآخر على صفحات هذا الكتاب. وقد جهد سيده الذى لم ينل حظا وافرا من التعليم فى أن يوفر له هذا ، وكان تاجرا على سعة من العيش اضطرته مصالحه إلى الإقامة ببغداد فأراد أن يتخذ لنفسه كاتبا ماهرا يساعده فى أعماله التجارية. ويذكر لنا ياقوت من بين أساتذته اللغويين المشهورين العكبرى (توفى عام ٦١٦ ه‍ ـ ١٢١٩) وابن يعيش (توفى عام ٦٤٣ ه‍ ـ ١٢٤٥) (٢٣) وكثيرا ما اصطحبه سيده فى أسفاره التجارية وبعث به أحيانا بمفرده. ومن أكثر الأسفار التى تركت أثرا فى نفسه فى ذلك العهد رحلاته العديدة إلى جزيرة كيش التى ساعدت كثيرا فى توسيع أفقه الجغرافى. وجزيرة كيش أو كيس (وفى شكلها المعرّب قيس) تقع فى ذلك الجزء من خليج فارس الذى أسمته العرب بحر عمان ، وكانت لعهد ياقوت مركزا من مراكز التجارة الخارجية للعالم الإسلامى تجمع فيها ممثلو مختلف الأقطار والشعوب ؛ وكانت الجزيرة غنية بالنخيل وغيره من الأشجار وأنواع النبات. وقبل ياقوت بقليل ، وذلك فى النصف الثانى من القرن الثانى عشر زارها رحالة آخر هو بنيامين التّطيلى Benjamin of Tudela وامتدحها كثيرا. وبعد مائة عام من ذلك ، أى فى النصف الثانى من القرن الثالث عشر ، زارها ماركوبولوMarco Polo

٣٣٨

البندقى ؛ وعقب هذا مباشرة أخذت تفقد أهميتها بالتدريج لهرمز على الساحل الفارسى ولم تلبث أن طواها النسيان فى آخر الأمر (٢٤).

وخلال إحدى تلك الأسفار وذلك فى عام ٥٩٦ ه‍ ـ ١١٩٩ علم ياقوت بوفاة سيده وإعتاقه له فأصبح بذلك حرا طليقا. ومنذ تلك اللحظة استقر ببغداد واحترف نهائيا مهنة استنساخ الكتب وبيعها ، الأمر الذى يذكرنا بصاحب «الفهرست» المشهور الذى مر الكلام عليه فيما تقدم من هذا الكتاب. ولكن ياقوت لم يلبث أن بدأ تجواله ابتداء من عام ٦١٠ ه‍ ـ ١٢١٣ ، ذلك التجوال الذى استمر ستة عشر عاما إلى لحظة وفاته ، ولم تتخلله سوى وقفات قصيرة الأمد. ويمكن تكوين فكرة عن رحلاته هذه اعتمادا على الإشارات الواردة بمعجمه ، وقد ساهم فى ذلك فستنفلد إلى حد كبير. بدأ ياقوت تجواله مارا بتبريز والموصل فى طريقه إلى الشام ومصر أولا ، وبعد ثلاثة أعوام من ذلك ، أى فى عام ٦١٣ ه‍ ـ ١٢١٦ ، نبصره مرة أخرى بدمشق التى غادرها إلى حلب فإربل ثم أرمية فتبريز ومنها إلى إيران الشرقية. وأمضى عامين بنيسابور حيث علق قلبه حب فتاة من أهلها ، ثم غادرها إلى هرات وسرخس إلى أن بلغ مرو. وبمرو أمضى عامين متنقلا بين مكتباتها الشهيرة التى وصفها الكثيرون بحماس شديد ، ولم يلبث أن واتته فكرة الاستقرار بها نهائيا خاصة وأن فكرة وضع المعجم قد انبعثت لديه هناك فى عام ٦١٥ ه‍ ـ ١٢١٨. وكان معتزما زيارة خوارزم وبلخ عندما تواترت إلى مسامعه أخبار خروج المغول عام ٦١٦ ه‍ ـ ١٢١٩ ثم استيلائهم على بخارى فسمرقند ، فهرب ياقوت إلى خراسان تاركا وراءه بعض مادته العلمية وفى طريقه مر بالرى وقزوين وتبريز إلى أن بلغ الموصل فدخلها فقيرا معدما لا يملك شروى نقير غير أن عطف «الوزير الفيلسوف» (٢٥) ابن القفطى (توفى عام ٦٤٦ ه‍ ـ ١٢٤٨) وزير السلطان الظاهر بن صلاح الدين الأيوبى صاحب حلب (٢٦) ، أمكن له فرصة العمل بضعة أعوام فى معجمه الذى لم بلبث أن أتم تسويده فى عام ٦٢١ ه‍ ـ ١٢٢٤ ورفع أولى مخطوطاته إلى ابن القفطى (٢٧) ، وكان نازلا عليه بحلب. وفى عام ٦٢٤ ه‍ ـ ١٢٢٧ توجه مرة أخرى إلى فلسطين ومصر ثم رجع إلى حلب وأخذ على عاتقه ابتداء من أول يناير ٦٢٥ ه‍ ـ ١٢٢٨ تهذيب المعجم ولكن الوفاة عاجلته دون ذلك فقد انتقل إلى جوار ربه فى العام التالى لهذا وذلك فى العشرين من أغسطس عام ٦٢٦ ه‍ ـ ١٢٢٩ بخان عند أحد أبواب حلب ولمّا يتجاوز الخمسين. وقد وقف كتبه على مسجد ببغداد وكلف بتنفيذ وصيته هذه صديقه المؤرخ المعروف ابن الأثير (٢٨) فحملها إلى هناك. وخلال عام من وفاته زار حلب مؤلف كتاب التراجم المشهور ابن خلكان وذكر أن أهل العلم كانوا لا يزالوا يثنون عليه ويتذكرون فضله وأدبه (٢٩). وأمام الظروف القاسية التى اكتنفت الأعوام الأخيرة من حياته يجب أن نعجب لا للعدد الضئيل من الأخطاء الذى وجد الطريق إلى مصنفاته بل لعدد هذه المصنفات الكبير وقيمتها العالية التى لا يتطرق إليها الشك. ويحتل المكانة الأولى بينها من وجهة نظرنا دون منازع معجمه الجغرافى الكبير الذى سنقصر حديثنا عليه الآن.

٣٣٩

لقد انبعثت فكرته كما رأينا بمرو عام ٦١٥ ه‍ ـ ١٢١٨ ، ويبدو لنا الطابع المميز للكتاب من الظروف التى أحاطت بتأليفه (٣٠). فقد حدث أن جمع ياقوت مجلس للإمام السمعانى ابن صاحب كتاب الأنساب المشهور ودار الكلام حول اسم موضع بالجزيرة العربية ورد ذكره فى الحديث وهو حباشة. وقد دلل ياقوت معتمدا فى ذلك على اشتقاق اللفظ على أنه يجب نطقه هكذا ، أى بضم الحاء ؛ غير أن أحد الحاضرين أصر على نطقه حباشه بفتحها. وقد استعصى على ياقوت أن يجد مرجعا ثقة يدعم به رأيه ، مع اكتظاظ مكتبات مرو آنذاك بالمراجع ، فعجز عن العثور على الشاهد. حينئذ عقد العزم على وضع معجم جغرافى جامع يكون مرجعا عند الحاجة ولا يقتصر على تفسير الأعلام الجغرافية فحسب بل ويبين أيضا نطقها الصحيح. فهو فى جوهره إذن من نفس نمط المعاجم اللغوية التى تقابلنا منذ القرن التاسع ؛ بل إن هذا يستبين لنا من ألفاظ ياقوت نفسه عند وصفه للكتاب فى بداية مقدمته : «كتاب فى أسماء البلدان والجبال والأودية والقيعان والقرى والمحال والأوطان والبحار والأنهار والغدران والأصنام والأبداد والأوثان» (٣١) ؛ ولهذا السبب فقد أطلق عليه اسم «معجم البلدان».

وبالرغم من اتباعه لدرب مطروق سلكه قبله الكثيرون فإن ياقوت قد خشى أن يتهم بأن هدفه من وضع المعجم كان جغرافيا بحتا ، لذا فقد جهد فى أن يدعم معطياته قبل كل شىء بالشواهد من القرآن والحديث (٣٢). فهو يشير إلى أن آيات الخالق وبراهين قدرته منتثرة على الأرض بأجمعها لذا فإن قراءة الرحلات والاطلاع على وصف البلدان فيه فائدة كبرى وموعظة حسنة ، والرجل الورع ملزم بأن يتذكر ملاحظاته ويدونها أثناء أسفاره لفائدة معاصريه وفائدة الأجيال التالية. وياقوت لا يهمل التفصيل فى أهمية المعلومات الجغرافية من الناحية العملية ؛ وهو يعتقد أن النساخ وأهل الأخبار الذين يقفون من الأعلام موقفا غير نقدى كثيرا ما أثبتوا الصور الخاطئة لها (٣٣) ، هذا بينما يحتاج فى الواقع إلى ضبط الأعلام جميع صنوف الناس ، فالحكام والمشرعون يحتاجون إلى معرفة تاريخ فتح المسلمين لبلد ما وكيف تم هذا الفتح وذلك لتحديد خراج البلد. كما يجب على أهل الحديث معرفة من اشتهر من أهل بقعة ما من العلماء والمجتهدين ؛ ويهم أهل الطب المعلومات عن المناخ والظروف الطبيعية كما يهم المنجمين مطالع النجوم ليحكموا على طوالع البلاد. ويلزم الشعراء وعلماء اللغة معرفة دقيقة بنطق أسماء الأماكن والأنهار والجبال والآبار كى لا يخطئوا فيصبحوا هدفا لسخرية المثقفين من الناس. ويسوق ياقوت مثالا لهذا شرحا «لمقامات الحريرى» لعالم جليل من معاصريه كشف عن عجزه التام عندما حاول تحديد مواقع بعض المواضع (٣٤). وجميع هذه العلل التى يسوقها ياقوت وجيهة فى حد ذاتها ، وهى تعطى مرة أخرى فكرة عن تلك الاعتبارات العملية المعروفة لنا من قبل والتى عاونت على ظهور الأدب الجغرافى وتطوره عند العرب ، هذا بالرغم من أن ياقوت لا يوردها بأجمعها.

وفى آخر مقدمة المعجم يورد ياقوت فى الكثير من التفصيل أسماء السابقين له فى مضمار الجغرافيا ،

٣٤٠